الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
أما بعد:
إخوتي الكرام! انتهينا من بيان هدي الإسلام في قعود المرأة في بيتها، وملازمتها لبيتها، فلا يجوز أن تخرج إلا لحاجة ضرورية.
والأمر الثاني الذي سنتدارسه الآن: وهو آخر موضوعات هذا البحث: ماذا يجب على المرأة إذا اضطرت للخروج من بيتها؟
يجب عليها أمران: أمر في لباسها، وأمر في هيئتها ونفسها.
أما لباس المرأة: فينبغي على المرأة إذا خرجت من بيتها لضرورة داعية للخروج أن يكون في لباسها ستة شروط، لتكون في هذا الخروج مطيعة لله ولو تخلف شرط من هذه الشروط في لباس المرأة لكانت عاصية بذلك وأهلها عاصون لله جل وعلا.
وهذه الشروط الستة -إخوتي الكرام- ينبغي الانتباه لها والاعتناء بها تماماً، فقد فرَّط فيها أكثر من ينتسب إلى الإسلام في هذا الوقت، وهي:
وهذا المعنى قرره ربنا جل وعلا في ثلاث آيات من القرآن، ووضحته لنا سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو الذي كان عليه عمل سلفنا الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
أما آيات القرآن في موضوع حجاب المرأة، وهو كون الجلباب والعباءة كل منهما ساتراً لجميع بدن المرأة، قرره الله جل وعلا في ثلاث آيات:
الآية الأولى في سورة الأحزاب، وهي آخر ما نزل في أمر الحجاب، يقول الله جل وعلا فيها: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59] .
ثبت عن ابن عباس وعن ابن مسعود رضي الله عنهما، وهما من الصحابة، وعن عَبيدة السلماني تلميذ علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين وعبيدة من التابعين، أنهم قالوا في هذه الآية: تأخذ المرأة جلبابها فتغطي به جميع بدنها، ولا يبدو منها إلا عين واحدة لتبصر الطريق.
قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ [الأحزاب:59] أي: أن يعرفن بالصفة، فهذه صفة الطاهرات، صفة المسلمات، صفة الفاضلات، لا أن يعرفن بالشخص كما يقول بعض الزنادقة ممن ينتسبون إلى الإسلام، يقول: هذه الآية دليل على سفور المرأة لا على الحجاب!! يقول: لأن الله يقول: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ [الأحزاب:59] ولا تعرف المرأة إذا كانت متحجبة.
يا من أعمى الله بصيرتك! (أن يعرفن) أي بالطهر وبالعفاف وبالفضيلة، فهذه امرأة متسترة لا تريد التهتك، والمرأة إذا كانت متحجبة لا تريد الريبة، ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ [الأحزاب:59] بأنهن طاهرات فاضلات، لا يردن الريبة ولا يردن الفحش ولا الفواحش، فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59] .
وما دلت عليه هذه الآية هو الذي فهمه سلفنا الكرام رضوان الله عليهم، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( رحم الله نساء المهاجرات الأول، لما نزلت آية الحجاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59] . تقول: عمد النساء إلى مروطهن فشققنها، فاختمرن بها، فخرجن كأن على رءوسهن الغِربان) الغربان: جمع غراب، أخذت المرأة مرطها فشقته واختمرت به وألقته على رأسها وسترت سائر بدنها، وخرجن كأن على رءوسهن الغِربان.
وثبت في سنن أبي داود عن أمنا عائشة وأمنا أم سلمة رضي الله عنهما ورضي الله عن سائر الصحابة أجمعين كل واحدة منهما عندما ذكرت نساء الأنصار أثنت عليهن وقالت: لما نزلت هذه الآية عمد نساء الأنصار إلى مروطهن فشققنها واختمرن بها، وخرجن كأن على رءوسهن الغربان.
وفي رواية ابن أبي حاتم كما ذكر هذا الإمام ابن حجر في فتح الباري: أن الآية لما نزلت ذهب رجال الأنصار إلى أزواجهم، وتلوا عليهم هذه الآية: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]، فقام النساء رضي الله عنهن استجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم إلى أكثف مروطهن -أي: إلى أسمكها وأغلظها- فشققنها وألقينها على رءوسهن، ثم شهدن صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رءوسهن الغربان من الأكسية.
هذا الذي فهمه سلفنا من هذه الآية، ستر جميع البدن يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59] .
القول الأول: قول ابن مسعود رضي الله عنه وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] قال: الجلباب والثياب الخارجية إلا ما ظهر منها، ثبت هذا في المستدرك وغيره بسند صحيح كالشمس وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] إلا الجلباب الذي يظهر.
وعلى هذا لو أمكن للمرأة أن تتنقل في بيتها لكان أفضل، ولكن لا يمكن للبيت أن يسير، ولا أن يتحرك وهي في داخله، فإذا اضطرت للخروج فغاية ما يرخص لها من باب الضرورة أن يبدو جلبابها وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] إلا الجلباب والخمار الذي على رأسها، وما عدا هذا لا يجوز أن يظهر.
وأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما قول تعلق به بعض الناس، وليتهم فهموا مراد سلفنا الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، أنه قال: إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] الوجه والكفان، قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله: وهذا التفسير باعتبار ما كان، أي: باعتبار ما كان في أول الأمر لا باعتبار ما صار إليه هدي الإسلام في أمر الحجاب، أي: كان الناس في أول الأمر وفي صدر الإسلام المرأة تتحجب لكنها تبدي الوجه والكفين فقط، فلما نزلت آية الحجاب في العام السادس للهجرة في سورة الأحزاب، أمرت المرأة بستر الوجه، فما قاله ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير آية النور إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] باعتبار النهاية، وما قاله ابن عباس رضي الله عنهما هذا باعتبار البداية وباعتبار ما كان، أي: كان يرخص في أول الأمر للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها، لكن الأمر استقر بعد ذلك على تحريم إبداء المرأة لشيء من بدنها، لوجه أو لكف أو لظفر أو لغير ذلك.
وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] قولان عن سلفنا الكرام، واحد باعتبار البداية والآخر باعتبار النهاية، وهذا المعنى هو الذي قرره الشيخ المبارك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي عليه رحمة الله في أضواء البيان، قال الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله: ويدل على هذا.. على أن المراد منه هنا أن المرأة لا تبدي إلا جلبابها فقط، وليس المراد منه الوجه، ومن قال إن المراد الوجه والكفان هذا باعتبار ما كان، يقول الإمام ابن تيمية : ويدل على هذا آية الحجاب المتقدمة.
فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] آية الأحزاب هذه مع الآية المتقدمة في سورة الأحزاب أيضاً هما آخر ما نزل في أمر الحجاب، وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] .
ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( أنا أعلم الناس بالحجاب وبما نزل فيه، لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فلما رُفع الطعام وانصرف الناس، بقي نفر يتحدثون في بيت النبي عليه الصلاة والسلام، وأمنا زينب رضي الله عنها مولية وجهها إلى الجدار إلى الحائط وهم يتكلمون، فالنبي عليه الصلاة والسلام خرج إلى نسائه وبدأ ببيت أمنا عائشة رضي الله عنها، فسلم فردت رضوان الله عليها السلام على النبي عليه الصلاة والسلام، وقالت: يا رسول الله! كيف وجدت أهلك، بارك الله لك فيها؟ ثم فعل ذلك مع سائر أزواجه كل واحدة تقول ما قالته أمنا عائشة : كيف وجدت أهلك، بارك الله لك فيها؟ ثم عاد النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيته، فما زال النفر جلوساً، ثم خرج عليه الصلاة والسلام، فكأنهم علموا أن النبي عليه الصلاة والسلام تأثر من جلوسهم فخرجوا، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بخروجهم، فجاء إلى بيت زوجه زينب رضي الله عنها، يقول أنس فتبعته، فدخل البيت وأرخى الستر بيني وبينه، ونزلت آية الحجاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]
وعليه: فمن قابل المرأة وجهاً لوجه، وإذا كشفت المرأة وجهها، فإذا ما حصلت المخاطبة وما حصلت المقابلة من وراء حجاب، والله يقول: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]، وهذه الآية كالآية المتقدمة: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، وإن كان المخاطَب بها أزواج النبي عليه الصلاة والسلام فهي عامة لنساء الأمة للعلة المذكورة في الآية: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، فتعليل ذلك الأمر بهذه العلة، وهي ليحصل الطهارة في قلوبكم وقلوب أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، ولئلا يكون هناك شيء من نوازع الشيطان، ولئلا يكون هناك ريبة، هذه العلة تفيد تعميم الحكم، فينبغي على كل من كلم امرأة أو سألها أمراً أن يكون بينه وبينها حجاب، وهذا المسمى بعلم أصول الفقه بمسلك الإيماء والتنبيه، وهو أن يقترن وصف بحكم شرعي على وجه لو لم يكن فيه ذلك الوصف علة لذلك الحكم لكان ذلك الوصف من باب العبث في الذكر، وهنا عندما ذكر الله هذا الوصف وقال: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]، ثم علل هذا الأمر بقوله: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، دل على أن هذا الحكم عام؛ لأن طهارة القلوب ينبغي أن يتصف بها سائر النساء المسلمات، وسائر الرجال المؤمنين ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].
ولذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء، وليس المراد من الدخول الخلوة فقط، إنما المراد من الدخول المقابلة بدون حجاب، فكل من الأمرين أنت تُنهى عنه كما ثبت هذا في الصحيحين وغيرهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إياكم والدخول على النساء، فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! أرأيت الحمو؟ -أي: قريب الزوج وأخوه- قال: الحمو الموت)، أي: سبب للموت، ( إياكم والدخول على النساء)، والحديث في الصحيحين عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، والدخول شامل للخلوة وشامل للمقابلة إذا دخلت على المرأة وليس بينك وبينها حجاب، فستر الوجه واجب، وهذا الذي فهمه سلفنا في عهد نبينا عليه الصلاة والسلام.
فهذا الفهم وذلك الفعل الذي حصل بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر ثابتاً في السنة المطهرة، ولذلك قال الشيخ المبارك عليه رحمة الله محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: وهذا التفسير -أي أن المرأة ينبغي أن تستر جميع جسمها- ثابت بالسنة الصحيحة، ففعل سلفنا الكرام في عهد النبي عليه الصلاة والسلام يدل على أن ذلك الفهم الذي فهموه وعملوا به هو ما أشار إليه الشارع المطهر بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم.
وأذكر لكم بعض الحوادث وبعض الآثار في هذا الأمر:
ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجة وسنن البيهقي بسند حسن، عن أمنا عائشة رضي الله عنها، والحديث بوَّب عليه الإمام أبو داود باباً في كتاب الحج فقال: باب المحرمة تغطي وجهها، وبوَّب عليه الإمام ابن ماجة في كتاب المناسك باباً فقال: باب المحرمة تسدل على وجهها، أي: تنزل شيئاً يستر وجهها لكنها لا تلبس البرقع، وبوَّب الإمام البيهقي عليه باباً فقال: باب المحرمة تلبس الثوب من عُلْو فيستر وجهها، ثم ساق هؤلاء بأسانيدهم عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان الركبان إذا حاذونا في الحج والتقوا بنا وجاورونا سدلت إحدانا خمارها على وجهها، فإذا جاوزنا الركبان كشفت إحدانا وجهها)، هذه أمنا عائشة ونساء الصحابة مع النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، إذا حاذاهن الركبان تنزل المرأة على وجهها وتستر وجهها، فإذا جاوزهن الركبان وبقي النساء مجتمعات فيما بينهن كشفت الواحدة عن وجهها، هذا في الإحرام، وهذا في خير عصور هذه الأمة على الإطلاق.
وثبت في مستدرك الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين، وأقره عليه الذهبي، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها أنها قالت: ( كنا نغطي وجوهنا من الرجال في الإحرام، وكنا نمتشط قبل الإحرام).
وثبت أيضاً في موطأ الإمام مالك بسند صحيح، عن فاطمة بنت المنذر، وهي من التابعيات رضي الله عنها قالت: كنا نخمر وجوهنا في الحج ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، نخمر وجوهنا هذا حال النساء المسلمات، ستر الوجه واجب لا بد منه، وهكذا ستر سائر البدن، ولا يجوز أن تبدي المرأة شيئاً من بدنها من رأسها إلى قدميها، وإذا بدى شيء من ذلك فالنار النار، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59].
وهذا ثابت عن سلفنا الكرام عليهم رحمة ربنا الرحمن، وأما بعض الناس الذين يقولون بأن كشف وجه المرأة لا حرج فيه، ويتعللون ببعض أدلة تحتمل وتحتمل، ويعللون هذه الدعوى الباطلة بأنه ينبغي أن نرفق بالناس في عصر حصل فيه ما حصل من الإنحلال والتهتك، وإذا أردنا أن نلزم النساء بستر الوجه سينفرن من ذلك، أقول لهؤلاء: ما ذكرتموه من أدلة لا يدل على قولكم، وأعظم ما استدلوا به أمرين:
الأمر الأول: حديث صحيح في الصحيحين، وهو حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما، عندما كان في الحج مع النبي عليه الصلاة والسلام، وجاءت امرأة من خثعم تسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن والدها الذي مات ولم يحج .. عن أمور المناسك، يقول الفضل: فبدأت أنظر إليها وكانت امرأة وضيئة، فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام بعنقي ولواه.
يقول بعض الناس: هذا فيه دليل على أن المرأة كانت كاشفة لوجهها، وأنا أقول: من أين هذه الدلالة؟!
قول الفضل: كانت وضيئة، لعله يعرف هذه المرأة قبل نزول الحجاب.
أمر ثانٍ: امرأة لا مانع أن تكون متحجبة وتعبث الريح بخمارها فيبدو شيء من وجهها، فلما نظر إليها في ذلك الوقت رأى شيئاً من وجهها، فبعد ذلك الخمار سدل كما كان فبدأ يديم النظر إليها، فلوى النبي عليه الصلاة والسلام عنقه، أين الدليل في الحديث أنها كانت كاشفة لوجهها؟ وهل يعرف جمال المرأة بوجهها فقط؟
لا، بقتْبها، بحسن قامتها، بأمور أخر، فهذه المرأة وصفت بأنها وضيئة وجميلة لا يشترط من ذلك رؤية الوجه على الإطلاق، والرجل يُنهى عن النظر إلى المرأة سواء كانت كاشفة لوجهها أم لا، فأين الدلالة من الحديث على أن المرأة كانت كاشفة لوجهها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ هذه المرأة على ذلك؟
لا دليل، ولا يجوز أن نتعلق باحتمالات مقابل أمور واضحات.
حديث ثانٍ تعلقوا به وهو في سنن أبي داود: ( أن
والحديث إخوتي الكرام! فيه ثلاثة أمور واحد منها يكفي لبطلان هذه الدلالة:
الأمر الأول: الحديث ضعيف، ففيه بشير بن سعيد الأزدي وهو ضعيف، وإذا كان الحديث فيه راوٍ ضعيف فلا يحتج به.
الأمر الثاني: خالد بن دُريك الذي روى الحديث عن أمنا عائشة لم يدركها ولم يسمع منها، فالحديث منقطع، وإذا كان الحديث منقطعاً فهو ضعيف لا يستدل به، وعلى التسليم بثبوته كما قال الإمام ابن قدامة في المغني، وشيخنا المبارك عليه رحمة الله في أضواء البيان ورحم الله موتى المسلمين أجمعين، على التسليم بثبوته وصحته فهذا كان قبل نزول آية الحجاب التي ألزمت نساء المؤمنين بستر بدنهن جميعاً من الرأس إلى القدمين، فهذا كان في أول الأمر.
يدل على هذا ما تقدم معنا إخوتي الكرام، في أول الأمر لم تكن المرأة مأمورة بستر وجهها وكفيها، وهذا الذي كان يُكشف في أول الأمر وفي بداية الإسلام، فلما نزلت آية الحجاب أمر النساء بستر الوجه والكفين، ولم تكن المرأة تكشف عن صدرها ولا عن فخذيها في بداية الإسلام، هذا ما وقع إلا ما كانت تكشف وجهها وكفيها، كانت تجلس مع الرجال في هذه الهيئة وهذه الحالة، فلم تؤمر بمفاصلة الرجال والابتعاد عنهم، ولم تؤمر بستر بدنها، فلما نزلت آية الحجاب فالمقصود أصالة من آية الحجاب أن تستر المرأة وجهها وكفيها، ولذلك إذا كشفت المرأة وجهها أثمت وعصت ربها، وهي صاحبة ريبة، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تكشف عن وجهها في حال الخِطبة لمقصود شرعي، فإذا كان الخاطب يباح له ما يباح لغيره فما مزية الخاطب على غيره؟!
فآية الحجاب أصالة يقصد بها ستر هذا الوجه الذي هو مجمع المحاسن، ويرخص للخاطب أن ينظر إليه، بدليل ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، لمصلحة شرعية نقتصر على هذا، وما عدا هذا فلا يحل للمرأة ولا يجوز أن تكشف وجهها أمام الأجانب الذين يحل لهم أن يتزوجوها لا في الشارع ولا في بيتها قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59].
إخوتي الكرام! وهذا الأمر كما قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله، هذا كان عندما لم تكن المرأة تلبس جوارب، ولم تكن المرأة تلبس حذاء، فإذا لم تلبس المرأة جوارب ولا حذاء، وما جرت ذيلها شبراً أو ذراعاً، فستبدوا قدماها من خلال المشي، وعليه إذا لبست المرأة الجوارب السميكة، ولبست بعد ذلك حذاء، وأرخت ثوبها بحيث وصل إلى الأرض وستر الكعبين وستر القدمين، إذا لم ترخيه شبراً ولا ذراعاً فلا حرج عليها في هذه الحالة؛ لأنه لا يبدو شيء من قدميها؛ لما يوجد من حذاء يستر القدمين، وبعد ذلك من جورب غليظ، وهذا مطلوب في حق المرأة، وإذا لم تلبس شيئاً من ذلك فلا بد من إرخاء الجلباب على الأرض شبراً أو ذراعاً.
ويستحب للمرأة إذا خرجت من بيتها أن تتسرول بسراويل طويلة تنزل إلى الكعبين، وأن تلبس بعد ذلك فوق هذه السراويل الطويلة جوارب غليظة سميكة من لون الجلباب، جوارب سوداء لا تجلب النظر، حتى إذا تعرضت لما يتعرض له الإنسان من لعب الريح بثوبها، أو من سقوط أو انزلاق أو غير ذلك، لا يبدو منها شيء تكرهه.
وقد ورد في أثر ضعيف عن نبينا صلى الله عليه وسلم ترغيب النساء بهذا الأمر، أعني: بلُبس السراويل، والحديث رواه البزار في مسنده بسند ضعيف كما قال الحافظ في الفتح، ولا مانع من ذكره في باب الترغيب والترهيب، عن علي رضي الله عنه قال: ( كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم عند البقيع، فمرت امرأة وهي تركب على حمار، فلما وصلت إلى وهدة -منخفض من الأرض- سقطت، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنها بوجهه، فقيل له: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إنها متسرولة، أي: ما بدا منها شيء تكرهه والحمد لله، محصنة محتاطة، فقال: اللهم ارحم المتسرولات من أمتي).
وأما ما اعتاده بعض الناس في هذه الأيام وهو منتشر بكثرة عندنا في بلاد الشام، أن المرأة تلبس إلى الركبتين وقد ينزل جلبابها ولباسها عن الركبتين شيئاً يسيرا لا يزيد على شبر، ثم بعد ذلك الساقان مكشوفتان ولكنهما مستورتان بجوارب بلون البشرة.. جوارب بنية رقيقة، فهذا اللباس لا يعتبر لباساً ساتراً للبدن، ومن العجيب الذي يفري الكبد أن هذا الحجاب المنكر الذي هو حجاب الشيطان، يطلق عليه عندنا في بلاد الشام أنه حجاب شرعي، هذا حجاب الشيطان، وليس هذا بحجاب نساء الإسلام يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59].
والتبرج: أن تظهر المرأة شيئا من زينتها يجلب نظر الرجل، سواء كان في جلبابها أو في غير ذلك، وكل ما يثير نظر الرجل هو من التبرج الذي ينبغي أن تنتهي المرأة عنه، ولذلك تعددت أقوال المفسرين في معنى التبرج هنا وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] والآية تشمل جميع ما نُقل عن المفكرين في تفسير الآية، قال مجاهد عليه رحمة الله: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] أي: المشي بين الرجال، وهذا بغير ضرورة فهو تبرج وحرام، وكون المرأة تذهب إلى الأسواق وإلى المتنزهات بغير ضرورة لا يجوز، وما الضرورة في ذلك، التبرج كما يقول مجاهد المشي بين الرجال، ورضي الله عن علي حيث قال: ألا تغارون، ألا تستحيون، تتركون نساءكم يمشين بين الرجال، يزاحمن الرجال في الأسواق وفي الأماكن العامة.
وقال قتادة: تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] أن تمشي المرأة بتكسر وتغنج، وأن تجلب أنظار الناس.
وقال بعض السلف: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] التبختر والاختيال في المشية. وقيل: تبرج الجاهلية الأولى أن تلبس المرأة ثياباً رقيقة تشف عن جسمها فيظهر لحمها وبدنها. كاسيات عاريات كل هذا من باب التبرج تبرج الجاهلية الأولى، فلا يجوز للمرأة أن تلبس شيئاً يجلب نظر الرجل. فهذا الجلباب -هذه العباءة الخارجية- جلباب واسع ساتر للبدن, وليس فيه زركشة تجلب أنظار الناس، ولذلك تقدم معنا في الحديث المتقدم أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى المرأة أن تلبس ثيابا تجلب أنظار الناس, واعتبرها كاسية عارية. وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء ويشترط عليهن في البيعة ألا يتبرجن وألا يظهرن زينتهن للرجال, ففي مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني بسند حسن رجاله ثقات عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ( أن
وهكذا المرأة قد تلبس لباساً ليس ثخيناً ولا سميكاً فلا يسترها, فهي آثمة بذلك, وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال عن لُبس الرقيق كما نهى النساء, ففي مسند الإمام أحمد بسند رجاله ثقات لكن فيه بقية بن الوليد وهو مدلس وقد عنعن في الحديث, عن ضمرة بن ثعلبة قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليَّ حلتان رقيقتان من حلل اليمن, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا
والمرأة من باب أولى, ولذلك ثبت في سنن البيهقي وموطأ مالك بسند صحيح عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه: أن حفصة بنت عبد الرحمن دخلت على أمنا عائشة رضي الله عنها وعلى حفصة خمار رقيق, فأخذته أمنا عائشة وقطعته, ثم أعطتها خماراً غليظاً, خماراً كثيفاً.
فإذاً: ينبغي للمرأة أن يكون جلبابها سميكاً غليظا ثخيناً كثيفاً, لا يشف عما تحته من ملابس أو من بدن المرأة.
وقد ثبت في سنن البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه كسا الناس القباطي, وقال: لا تدرعها نساؤكم, أي لا تلبس هذه القباطي النساء, فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين! إني كسوتها امرأتي فأدبرت في البيت وأقبلت, فما رأيت تلك القباطي تشف عن بدنها, وما ظهر شيء من بشرتها ولا مما تحتها, فقال له عمر رضي الله عنه: إن لم تكن تشف فإنها تصف, أي: هذه القباطي ضيقة, وتفصل أشكال الجسم وتبينها للناظرين, فلا يجوز للمرأة أن تلبس ثوباً يشف عما تحته, ولا ثوباً ضيقاً يصف ما تحته.
وورد في رواية أبي داود وغيره: ( أنه قيل لأمنا
وقد حذرنا النبي عليه الصلاة والسلام من التشبه بمن غضب الله عليهم, ففي معجم الطبراني الأوسط قال الحافظ ابن حجر في الفتح بسند لا بأس به عن أبي كريمة قال: خطبنا علي رضي الله عنه فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إياكم ولباس الرهبان, فمن تزيا بقوم أو تشبه بهم فهو منهم ). فهذا ينبغي للمرأة أن تحافظ عليه. وورد في معجم الطبراني الأوسط بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خالفوا أولياء الشيطان بكل ما استطعتم ).
هذه الأمور الستة ينبغي أن توجد في حجاب المرأة، أن يكون اللباس ساتراً جميع البدن, وأن يكون هادئاً ليس فيه زركشة ولا ألوان زاهية, وأن يكون غليظاً ثخيناً, وأن يكون واسعاً فضفاضاً, وأن يكون لباساً خاصاً بالنساء, وألا يكون في لباسها تشبه بالكافرات.
ولا يجوز للمرأة أن تلبس لباساً يبدو من هذا اللباس ملابسها الداخلية كما هو منتشر في نساء أهل هذه البلاد تلبس العباءة والعباءة مفتوحة, يبدو بعد ذلك الملابس التي تحت العباءة من حمراء أو صفراء أو خضراء, وإن لم يبد شيء من أعضاء المرأة فالمراة في هذه الحالة ملعونة, فلا يجوز أن يبدو شيء من ملابسها وإنما جعل الجلباب ليستر بدن المرأة وليستر ثيابها التي تلاصق بدنها, ولا يجوز أن تظهر الملابس الداخلية وإن كانت بلون الجلباب. فانتبهوا إلى هذا عباد الله!
والذي يقر زوجته على شيء من هذا الشاكلة وهذه الصفة فهو ديوث, والجنة عليه حرام.
لا بد من أن يكون حجاب المرأة على هذه الشاكلة وله هذه الصفات الست, لا يبدو شيء من بدنها ولا من الملابس التي تلاصق بدنها, وإن كانت تلك الملابس سميكة وثخينة لا تظهر شيئاً من بشرتها ولا من أعضائها, فالجلباب الخارجي جعل ليقي بدنها ويقي ملابسها الداخلية, فلا يرى شيء من ذلك, فإذا لبست المرأة العباءة فلتخيطها من الإمام أو لتجعل لها أزراراً, ولتكن العباءة كما قلنا بعد ذلك فيها بقية الصفات, وليس وزنها لا يكاد يصل الخمسين جراماً ولو نفخها الإنسان لطارت, هذه تتبرج بهذا الحجاب, وهذه مفتونة وفاتنة, وهي عند الله من الكاسيات العاريات.
انتبهوا -إخوتي الكرام- لهذا, وما شاع أيضاً من أن المرأة إذا لبست العباءة ترفع العباءة أيضاً بعد ذلك بيديها وتظهر ما هو أسفل منها وفي بعض الأحيان ترفع العباءة أيضاً إلى ثدييها، إذاً لم تحجبت يا أمة الله؟! ولم لبست العباءة؟ وصار حالك كحال العمدة عندما يحمل العباءة وكحال الأمير, ما دخلك في هذا الفعل يا أمة الله؟! إذا خرجت لضرورة فاخرجي بالصفة الشرعية, أي: لباس يستر البدن, الجلباب من الرأس إلى أسفل القدمين, لا يبدو شيء من بدن المرأة, ولا من الملابس التي تتصل ببدنها. وهذا الجلباب جعل ساترا لها ولملابسها الداخلية.
هذا الأمر الأول الذي ينبغي أن تتصف به المرأة إذا خرجت لضرورة: لباسها.
فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء
أي: العود إذا قشرته ونزعت قشرته يبس, وهكذا أنت أيتها المرأة! إذا ذهب منك الحياء فستتصفين بكل بلاء. ( الحياء والإيمان قرنا جميعاً, فإذا نزع أحدهما نزع الآخر ).
هذا الحياء يستلزم يا أمة الله! إذا خرجت ألا تتطيبي, وألا يكون عليك شيء من الزينة في وجهك ولا في ملابسك ولا في شيء من بدنك, الزينة محلها بيتك الذي أباح الله لك فيه ما أباح, وأما الخروج إلى الشارع هذا خروج لضرورة كأكل الميتة, ليس خروجاً لتلذذ وتنعم وتزين, لا ثم لا, وإذا خرجت مزينة مطيبة فأنت عند الله في ديوان الزانيات. ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وصحيح ابن خزيمة وابن حبان والمستدرك بسند صحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين تراها زانية ). بنات المدارس في هذا الوقت وبنات الكليات يذهبن إلى الدراسة كأنهن في ليلة الزفاف, المساحيق المنكرة من غربية وشرقية تكسو الوجه طبقة سميكة, أين من يراقب حدود الله؟ وأين من يغار على حدود الله؟ بنات لا زلن أبكاراً كل واحدة تفعل هذا بنفسها. وقد كتبت لي بعض البنات الصالحات تخبرني عن تردي البنات في الكليات, تقول: يا شيخ! كنت تحضنا على قيام الليل فقمنا, لكننا وجدنا صنفاً سبقنا إلى القيام, لكنه لا يقوم من أجل الرحمن إنما يقوم من أجل الشيطان, تقول لي الطالبة: من الساعة الثالثة يقمن في الكلية لتهندس هيئتها, وتمشط شعرها على الكهرباء, تقول: ونحن نذهب إلى الوضوء لنصلي ونسمع أصوات هذه الماكينات في تسريح الشعر وتمشيطه, لتأتي بعد ذلك في الصباح كأنها ستزف إلى زوج. سبحان ربى العظيم! أهل الفجور عندهم جد في فجورهم في آخر الليل لمناجاة الشيطان لا لمناجاة الرحمن, وأهل الخير عندهم كسل وتكاسل وتوانٍ وفتور. البنات في هذا الوقت من الساعة الثالثة تستعد حتى تذهب إلى الكلية في الساعة السابعة بهذه الصورة المزرية. و( إذا تعطرت المرأة وخرجت من بيتها فهي زانية, وكل عين تراها فهي زانية ).
وقد كتب بعض أهل الشطط في هذا الوقت وكنت أشرت إليه في محاضرة وهو أحمد شوقي الفنجري حول قضايا إسلامية, وتعرض لموضوع النقاب واستعرض هذا الحديث, فقال: هذا الحديث باطل مردود سنداً وعقلاً وشرعاً وذوقاً ومنطقاً, ويتنافى مع خلق النبي عليه الصلاة والسلام, فهو مكذوب عليه, ثم قال بعد ذلك كلاما لو علمه الشيخ الألباني غفر الله لنا وله وللمسلمين والمسلمات لاحتاط في تقييده قال: انظر كتاب حجاب المرأة للشيخ الألباني عندما استعرض هذا الحديث, كذبت على الشيخ الألباني أيها الرجل! ما قال شيئاً من ذلك حول هذ الحديث, إنما غاية ما ذكره أن هذا الحديث ضعيف, وهو اجتهاد له, ونسأل الله أن يثيبه, وأن يعفو عنا وعنه. وأما الحديث فهو صحيح, فقد قرره أئمتنا, ما قال الألباني: إنه مكذوب, ولا قال: إنه يتنافى مع الشرع والعقل, ولا قال: إنه مردود من ناحية السند ولا ولا, فاتق الله في كلامك ولا تكذب على علماء الإسلام. الحديث صحيح, وكما لا يصح أن نكذب على النبي عليه الصلاة والسلام فلا يصح لنا أن ننفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام. الحديث في سنن أبي داود والترمذي، وقال: حسن صحيح, وفي المسند وفي صحيح ابن حبان، صححه ابن حبان وحسنه النووي وقوَّى إسناده ابن حجر، وقال الترمذي: حسن صحيح كما تقدم, ونص على صحته المنذري، فماذا تريدون بعد هؤلاء الأئمة الكرام؟!
فيا أمة الرحمن! اقصري طرفك إذا خرجت, وما طابت نساء الجنة إلا بهذا الوصف, قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ [الصافات:48]. ذكر الله هذه الصفة في نساء أهل الجنة في ثلاثة مواضع من كتابه: في سورة الرحمن فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56]، وفي سورة الصافات: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ [الصافات:48]، وفي سورة ص: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ [ص:52]. تقصر طرفها فلا تنظر إلى غير زوجها. فإذا خرجت اتصفي بهذا, كما يستحسن في المرأة أن تكون مقصورة في بيتها ومخدرة ومستورة, فإذا خرجت فلتحبس نظرها, ولا تنظر إلى هنا وهناك. صوني نظرك يا أمة الله! فهذا من علامات الحياء.
ويندب للمرأة إذا كلمت الرجال أن تغلظ صوتها, وألا ترفع صوتها, أن تخفضه مع التغليظ, قال الإمام الألوسي عليه رحمة الله في روح المعاني: ورُوي عن بعض أمهات المؤمنين أنها كانت إذا أرادت أن تكلم الرجال تضع خمارها على فمها وهي مستورة؛ لئلا يكون في كلامها شيء من الرقة والعذوبة والليونة. قال الإمام الألوسي عليه رحمة الله: وتغليظ المرأة لصوتها مع غير زوجها محمود, وهذا من خصال المرأة المحمودة في الجاهلية والإسلام. غلظي صوتك يا أمة الله! ما استطعت, وإذا كان في صوتك شيء من العذوبة والرقة الزائدة فضعي أصبعك في فيك إذا تكلمت, وقولي: يا عبد الله! ما حكم الله في كذا؟ لئلا يخرج الصوت فيه رقة؛ لئلا يطمع الذي في قلبه مرض. هذا كلام الله سبحانه وتعالى. فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32].
ورحمة الله على بعض شيوخنا الشيخ حيث جاءه رجل يستفتيه ويسأله عن امرأته, وأنها في بعض الأحيان لا تطيعه, وقد ترفع صوتها عليه, قال له هذا الشيخ المبارك بكل توجيه وإرشاد: زوجتك تجلس البيت؟
قال: نعم.
قال: تخرج إلى هناك وهناك؟
قال: لا.
قال: إذا خرجت لضرورة ماذا تلبس؟
قال: تلبس الملحفة -جلباب واسع يسترها من رأسها إلى رجليها.
قال: تسمع مني؟
قال: نعم.
قال: تطيعني؟
قال: نعم.
قال: اذهب فقبل يدها.
إذا كانت المرأة هذا شأنها فينبغي أن تكرم من أجل الله, تجلس في البيت ولا تريد أن تذهب لمزاحمة الرجال, ليتسود وجهها أمام ربها جل وعلا, ولا تريد أن تذهب متبرجة لتصلى النيران وترى ما ترى, جالسة في بيتها وملازمة قعر بيتها وتربي أولادها, إذا كان الأمر كذلك هذه ينبغي أن تكرم.
إخوتي الكرام! والقليل من النساء من يتصف بهذا, ثبت في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير بسند حسن رجال الحديث ثقات عن عمارة بن خزيمة رضي الله عنه قال: ( كنا مع
اللهم اغفر ذنوبنا, واستر عيوبنا, وفرج كروبنا يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لآبائنا وارحمهم, واجزهم عنا خير الجزاء. اللهم اغفر لأمهاتنا وارض عنهن يا رب العالمين! اللهم أصلح بناتنا واحفظهن من مكر الماكرين. اللهم احفظ أخواتنا من كل شيطان رجيم. اللهم زينا بزينة الإيمان, واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين, سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك يا رب العالمين! ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر