أيها الأبرار: أيها الأخيار! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، عنوان هذه المحاضرة (حرب طاحنة بين السنة والبدعة) وهي حرب ضروس وجدت منذ أن خلق الإنسان، حرب بين الخير والشر، والهدى والضلال، والحق والباطل، وهذه الحرب نتكلم عنها منذ فجر النبوة وسوف نتكلم عن:
- مسار البدعة وكيف واجهها علماء الإسلام؟ وكيف انتصروا عليها في أكثر من موقف؟
- وما هي أسباب انتشار البدعة؟
- وما هي أسباب الانتصار على البدع؟
- ثم نعرض إلى بعض الوقائع والمقولات التي عاشها علماء الإسلام منذ فجر الدعوة، وعلى رأسهم وقدوتهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
- ثم نعرج على بعض العناوين ومنها:
- التحذير من البدع.
- صراع البدعة مع السنة.
- الخوارج وموقفهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- الجدال الذي كان ثمرته التعزير.
- المبتدع مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- علي بن أبي طالب أمير المؤمنين يندد بالبدعة ويلاحق ابن سبأ في كل مكان.
- عمارة بن رؤيبة وموقفه من البدعة.
- أحد الصحابة يتهم بشر بن مروان بالبدعة على المنبر.
- الحسن البصري يتبرأ من واصل بن عطاء المعتزلي.
- خالد القسري يذبح الجعد بن درهم المبتدع كذبح الشاة يوم عيد الأضحى.
- الإمام مالك يتكلم عن السنة، ويعارض البدعة، ويندد بها في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.
- الإمام أحمد يقود الحلف السني الشهير ضد الحلف المبتدع الصغير الحقير، ومن وإلى المأمون الخليفة العباسي المبتدع.
- أحمد بن نصر الخزاعي يذبح شهيداً في سبيل الله.
- ابن تيمية يتصدَّى للبدع ويحاربها بقلمه السيال، ولسانه المعطاء، وبفكره وعطائه وتأليفه، وينزل للبدع في الميدان، ثم تعلن النتيجة لصالحه.
- الإمام محمد بن عبد الوهاب يؤسس الدولة السنية التي قامت على الكتاب والسنة، وينصرها بالسيف والقلم، وهو مسئول عن فترته، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها، ونحن نسأل عن هذه الفترة ولا يسأل عنها محمد بن عبد الوهاب.
ثم الخلافة العثمانية وموقفها من البدع.
- ثم نعرج على القضايا العصرية وعلى بعض الأمور بدون أن نتعرض لأشخاص ولا لحكومات ولا لهيئات، فإن موقفنا هنا أن نبين الإسلام، ولا نتعرض لأحد مهما كان إلا أن يقدح في الإسلام؛ حينها نبين خطأه وظلمه وضلاله، وهذه أمانة الله عز وجل على طلبة العلم والدعاة.
قال بعض المفسرين: هؤلاء المبتدعة زين الله لهم سوء أعمالهم فرأوها حسنة، وزين لهم الشيطان المسلك والسبيل، فرأوا البدعة حسنة.
قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث عائشة مرفوعاً وهذا الحديث عمدة من عمد الدين، وقاعدة قوية، وصخرة تتكسر عليها رءوس المبتدعة قال صلى الله عليه وسلم: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وفي لفظ: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} لكن تعالوا إلى كلام السلف في البدعة، قال بعض السلف في البدعة: لا تجالسوا مبتدعاً ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه، فإنه أعدى من الجرباء.
وقال ميمون بن مهران: ثلاث لا تسلم لنفسك فيها انقياد:
الأولى: لا تخلو بامرأة ولو أن تقول: إني أعلِّمها القرآن، أو أعظها، فإنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما}.
والمسألة الثانية: لا تقبل على السلطان ولو أن تعظه، فإنك لا تدري ماذا تفعل، أي: تتنازل عن دينك.
والمسألة الثالثة: لا تستمع لصاحب بدعة، فإنك لا تدري ماذا يقذف في قلبك من بدعته.
فالأهواء أسرع إلى أهل البدع، وهي السم الزعاف، وهي أعدى من الجرب للأمة إن لم يتداركها الله برحمته تبارك وتعالى.
وعند الإجابة على هذا السؤال سوف نتعرض إلى:
- بدع العقائد.
-بدع العبادات.
-بدع الآداب والسلوك.
ما هي الأسباب التي تجعل كثيراً من الناس يبتدعون في دين الله وهو الشريعة كاملة، قال سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]؟ الجواب: لا يبتدع مبتدع إلا لأحد أسباب ثلاثة:
أتى عبد الحميد بن باديس العالم الجزائري الكبير، وأراد أن يطرد الفرنسيين من بلاده، ومن تراب وطنه، فأتى إلى الشعب الجزائري فوجده جاهلاً، فقال: كيف تريدون أن تطردوا الفرنسيين بأناس جهلة؟! فلما عَلَّم الشعب الجزائري عشرين سنة تقريباً، بدأ الزحف، فما مضت سنوات إلا وقد مُزق جيش فرنسا تمزيقاً تاماً على تراب الجزائر.
ولذلك فإن الجهل بالأثر -أي: بالكتاب والسنة- هو سبب كبير من أسباب البدعة، وإذا رأيت الإنسان يعيش وهو لا يتصل بالقرآن والسنة مباشرة، ولا تكن مادته ومكتبته السنة والقرآن، ولا يكون حديثه في المجالس ودروسه وتلقيه وإشراقاته من الكتاب والسنة -لا أعني في ذلك: أنه لا ينصرف إلى تخصص غير تخصص الكتاب والسنة، لكن ليكن محوره الكتاب والسنة- إذا رأيت ذلك فاعرف أن البدعة منه قريبة، وأنه أحد شخصين:
إما مبتدع سوف يكون منظراً كبيراً للمبتدعة، وإما جاهل يقلد من رأى، إن رأى سُنياً قلَّده، وإن رأى خارجياً قلَّده، أو مرجئاً، أو قدرياً، فهو يقلد كل إنسان!
يوم يمان إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعدناني |
هذا عمران بن حطان يقول: أنا رجل داهية ألعب على الرجال، إذا جلست مع اليمني قلت: أنا يمني، وإن جلست مع العدناني، قلت: أنا عدناني، هذا الذي يعيش على هامش الأحداث، الذي لا يتصل بالعلم.
أناس فجرة -والعياذ بالله- دخلوا على أهل الخير والصلاح من هذا الباب، يهاجمونهم بالتعمق والتطرف، وأنهم يأخذون الدين بقشوره وأوراقه وجذوره، وقد يكون سبباً صحيحاً؛ لأن هناك أناس وجدوا في الساحة تعمقوا وتنطعوا في دين الله، ودين الله وسط بين الغالي والجافي، من يصعد برأسه حتى يصل إلى السطح ثم يريد أن يخرج من البيت، ومن يريد أن يهبط ثم رسخ في الأرض ويرسخ في التراب وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] وسوف أبين ما هو الغلو في المعتقد:
الغلو في المعتقد هو كما فعلت بعض الطوائف كبعض أهل الرفض الذين غلو في علي رضي الله عنه حتى ادعوا له الألوهية.
وغلت الخوارج في العبادات حتى غلبتها على الفهم والفقه في الدين، وأخرجت المسلمين عن الإسلام، وكفرت الناس بالمعاصي.
وغلت المرجئة في باب الإيمان حتى قالت: من آمن بقلبه كفاه ذلك عن العمل.
وغلت القدرية وقالت: لا قدر، ولم يكتب الله عز وجل قدراً... إلى غير ذلك من الطوائف.
أو ما لا يدرك علمه، فعلماء الإسلام وأهل السنة، يقولون: آمنا به ووكلنا علمه إلى عالمه، أما المحكم: فنؤمن به ونعمل به، والمتشابه نؤمن به ونكل علمه إلى الله.
لكن أهل البدع يأخذون المتشابه، فيدخلون من هذا المدخل؛ لأنه يحتمل وجوهاً، وسوف نضرب على هذا أمثلة.
هل تعلمون أعدل من رسول عليه الصلاة والسلام في البشر؟ هل تعلمون أكرم منه في البشر؟ هل تعلمون أنصف منه في الحكم؟ الجواب: لا يوجد أحد والله...
أتى يوزع الغنائم بين الناس؛ لأنه القاسم والله المعطي، فلا يوزع من نفسه ولا يسبقه الهوى؛ لأنه أخوف الناس لله، أتى يعطي هذا ويعطي هذا، فأتى رجل من الخوارج.
والخوارج لهم سمات منها:
ثانيها: يأخذون بظاهر القرآن والسنة، ولا يأخذون بما خرج عن القرآن من السنة، أو ما كان زائداً من القرآن عن السنة.
ثالثها: أنهم يكفرون أصحاب الكبائر، ويخرجون أهل المعاصي من الإسلام، ويستحلون قتال أهل القبلة، ويقتلون المسلمين، هؤلاء هم الخوارج.
جلس عليه الصلاة والسلام يوزع الغنائم، فأعطى هذا مائة ناقة؛ لأنه يريد أن يتألفهم للإسلام، فيعطي مشايخ القبائل ورءوس الناس من مائة مائة...؛ لأن هذا الرجل إذا أسلم كان فيه نصر للإسلام، فأتى خارجي من الخوارج، وبين عينيه كركبة البعير من كثرة السجود، قال: اعدل يا محمد! سبحان الله! هذه الكلمة تملأ الفم: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً [مريم:90] قال صلى الله عليه وسلم: {خبتَ وخسرتَ -وفي لفظ- خبتَ وخسرتُ إن لم أعدل} أي: إن كنت أنا أظلم فقد خبت في الدنيا وخسرتَ، وحاشاه! فهو أعدل الناس. فقام عمر رضي الله عنه وأرضاه، وقال: {يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال عليه الصلاة والسلام: لا يا
فأتوا وكان الموفق للانتصار عليهم هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، حضر معركة النهروان، وخرجوا مع الأمة يصلون الليل، ويصومون النهار، ومنهم من يقرأ القرآن ويختمه في يومه وليلته لكن لا يفقهون، فناداهم علي إلى الطاعة، وإلى الدخول في خلافة الإسلام وفي الإمرة ولكنهم أبوا إلا الفقه الأعوج.
مروا برجل نصراني عنده نخل مزرعة، فأخذ رجل منهم رطبةً واحدة من رطبه، فقالوا له: آستأذنت النصراني؟ قال: لا والله. قالوا: عد إليه ولا تأكل حتى تستأذن منه.
فوصل الخبر إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه، قال: [[الله المستعان! اذهب يا
فقال علي رضي الله عنه: ابحثوا عن رجل وصفه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، مخدج، ناتئ الجبهة، مغرورق العينين، مقطوع اليد اليسرى عليها كثدي المرأة، وعليها شعرات، فهذا منهم. فبحثوا في القتلى، قالوا: ما وجدنا، قال علي: والله ما كذبت ولا كذبت، وإنه معهم. فبحثوا ومع الغروب وجدوه في آخر القتلى، فرفعوه؛ فإذا هو كالوصف الذي وصفه صلَّى الله عليه وسلم، فسجد علي وقال: الحمد لله رب العالمين.
أولها: طرح السنة، وهي مسألة لا يزال كثير من الناس يقول بها اليوم، كما ينادي بها رجل عميل مخرف في أمريكا اسمه رشاد خليفة، وهذا الرجل له هناك مسجد كبير في ولاية متشجن، وهذا الرجل يقدم امرأته لتصلي بالرجال، والذين وراءها ضلال مثلها.
فرد عليه العلماء وأرسلوا له كلاماً، فقال: أنا لا أعترف إلا بالقرآن، والله سوف يرسل رسلاً مصلحين -يريد أن يمهد لنفسه ليدعي النبوة- وقال: من يمنع المرأة أن تصلي بالناس، بل المرأة أفضل من كثير من علماء الناس، وهذا الضال لا يزال ينشر منشورات وهو على النفس الخارجي في ترك السنة، وكذلك نشأ بعض الناس في الشرق الأوسط، وأنكروا سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وادعوا أنها ليست بثابتة، ورددت عليهم بكتب موجودة في الساحة، وهذا نفس خارجي.
ويقول أحد العملاء من هؤلاء الضلال الفجرة، وهو في التلفاز يشرب كأس الماء في نهار رمضان قال: إن محمداً رجل بادية، وإنه جاء بتعاليم من البدو والأعراب ينشرها بين الناس... إلى آخر ما قال!! وهذا نفس خارجي، لكنه زاد على الخوارج عدم توقير الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم.
وتوفي عليه الصلاة والسلام، والصحابة لا زالوا في ضميمة من الهدي المستقيم، يشعرون بحلاوة العبادة والاستمرار على القوة والتكاتف على طاعة الله تحت مظلة القرآن والسنة، وأتى أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فما كانت حربه ابتداعية بل كانت تمرداً ضد الحكومة الإسلامية، أولئك الثوار أعلنوا تمردهم على الإسلام وما كانوا إلا فريقين:
فريق قال: قد انتهى الإسلام بموته صلى الله عليه وسلم، ويقول شاعرهم:
رضينا بحكم رسول الله إذ كان بيننا فما بالنا نرضى بحكم أبي بكر |
أيملكها بكر إذا مات بعده فتلك لعمر الله قاصمة الظهر |
والفريق الثاني قالوا: لا زكاة في الإسلام، انتهت الزكاة بموته صلى الله عليه وسلم، فأعلن أبو بكر الحرب عليهم، ودمرهم تدميراً، وأخذهم بالسيف، وقادهم، فمنهم من قتلهم، ومنهم أخذوا أسارى حتى أذعنوا.
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها |
يقول لـأبي موسى: [[إنك سوف تذهب إلى أهل الكوفة، فلا تشغلهم بفتياك عن قراءة القرآن، فإنك سوف تسمع لهم دوياً كدوي النحل بالقرآن]] يأتي أبو هريرة فيحدث حديثاً طويلاً، فيقوم عمر ويقول: [[والله إما تركت الحديث يا أبا هريرة! وإلا فوالذي نفسي بيده لألحقنك بأرض القردة، أرض الدوس -يعني بلاد زهران - فسكت]].
يأتي أبو موسى فيطرق عليه الباب، فيقول عمر: من؟ فلا يسمع إلا الطرق، من؟ فلا يسمع إلا الطرق، فرجع أبو موسى لأنه لم يسمع الإذن بالدخول، فلحقه عمر، وقال: [[تعال، لماذا لم تدخل؟ فقال: أمرنا صلى الله عليه وسلم إذا استأذنا ثلاثاً، فلم يؤذن لنا أن نرجع. فقال عمر: والذي نفسي بيده لتأتيني بشاهد على هذا الحديث أو لأوجعنك ضرباً]] واقفٌ كالحصن وكالجبل ضد كل ابتداع في اللفظ والأخلاق والسلوك، فذهب أبو موسى وهو يرتجف ويرتعد إلى مجلس الأنصار، فشكا عليهم الحال، فأرسلوا معه أصغرهم، فشهد له بذلك فمرَّت سُنَّة.
وأتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين! قال: نعم. قال: في الجيش -جيش الإسلام الذي يزحف إلى القادسية - رجل يقول: كيف تجمعون بين هذه الآيات، يقول الله عز وجل: (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً [الذاريات:1-3] ويقول الله عز وجل: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [المرسلات:1] ويقول عز وجل: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً [النازعات:1]؟!
قال عمر: أهو موجود في الجيش؟ قال: نعم، قال: عليَّ به؟ ثم دعا سعد بن أبي وقاص، وقال: يا سعد! -والذي نفسي بيده- إن أفلت هذا الرجل ليكون لي ولك شأن. فذهبوا إلى الرجل، وأتوا به إلى عمر -وفي هذه الفترة جهز عمر عراجين النخل، وهي: عصي لدان، لا يضرب بها إنسان إلا رأى رشده، أو إنسان موسوس إلا خرجت الوسوسة من ذهنه، أو إنسان مصروع إلا خرج الجانُّ من قلبه وفؤاده، فرشها عمر بالماء وتركها، ثم قال عمر: عليَّ بالرجل. فأُدخل، فقال للرجل: من أنا؟ قال: أنت أمير المؤمنين. قال: أمسكوه، فأمسكوه بأيديه وأرجله؛ لأن هذا علاجه لا فتيا ولا مناقشة، فدبغه ظهراً لبطن.
كل بطاح من الناس له يوم بطوح لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح |
فلما بطحه ظهراً لبطن حتى أغمي عليه، فرشوه بالماء؛ فاستفاق -أصبحنا وأصبح الملك لله- فأخذه فبطحه حتى أصبحت دماؤه في الأرض، ثم استيقظ، قال عمر: أعرفتني؟ قال: أنت أمير المؤمنين!!
فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد علاجي فقد شُفيت -والحمد لله- قال عمر: اذهب ولا تكلم أحداً، ولا يكلمك أحد أبداً. فكان لا يسلم على أحد ولا يسلم عليه أحد، حتى كُتب إلى عمر أن الرجل قد صلح واستقام، فقال عمر: كلموه.
بهذا الأسلوب منع عمر قضية التكلم في كتاب الله عز وجل، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنع الكلام الغير مسئول والتمحل والابتداع لأنه يريد أن يقيم الأمة على كتاب وسنة.
لما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا |
وقنبر هو خادمه الذي كان يرافقه، يقول علي: رأيت الأمر أمراً فوق الطاقة، فأججت ناري ودعوت قنبراً، ففر ابن سبأ، وخرج إلى غير عودة، ولكن ترك في الأمة رجساً وفسقاً وخيانة إلى اليوم.
أتى بشر بن مروان -وهو أخو عبد الملك- إلى العراق واستولى عليها، يقول الشاعر فيه:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق |
فصعد يوم الجمعة ورفع يديه على المنبر في غير استسقاء، ورفع اليدين من الخطيب بدعة في غير دعاء الاستسقاء؛ لأنه لم يأتِ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فدخل الصحابي عمارة بن رؤيـبة فرآه، فقال: [[مال هاتين الكفين الخبيثتين ترتفعان على المنبر، والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بنا على المنبر فما يرفع يديه]] لكن هذا النفي العام يخصصه قول أنس يوم استسقى النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر، كما في حديث الأعرابي الذي دخل من نحو دار القضاء، وقال: {يا رسول الله! جاع العيال، وهلك المال، وتقطعت السبل؛ فادع الله أن يغيثنا. فرفع صلى الله عليه وسلم يديه ودعا}.
إذاً لا يجوز للخطيب أن يرفع يديه إلا في الاستسقاء، وإن رفعها في غير الاستسقاء فقد ابتدع في دين الله.
وللفائدة: ما هو موقف المأمومين يوم الجمعة إذا دعا الخطيب، وقال: اللهم صلِّ على رسولك محمد، أو اللهم أصلح إمام المسلمين، أو اللهم اجمع كلمة المسلمين؟!
الصحيح في هذا: أن يتوقفوا عن رفع الأيدي؛ لأن رفعها أقرب إلى البدعة لأنه لم يأتِ فيه نص فيما أعلم، وما عملها السلف، ولا يُعمل بمثل هذا إلا بدليل عن المعصوم عليه الصلاة والسلام، وإتباع ذلك بالتأمين -أيضاً- يلحق بهذه المسألة، لأننا -بحد علمنا القاصر ما وجدنا ما يدل من السنة- أن هناك دليلاً يخول لنا أن نفعل هذا، وهذه من المسائل المشهورة، وحاجة الأمة إليها حاجة ماسة، فكيف تخفى على طلبة العلم والمبتدئين من طلبة العلم.
إذاً فالأصل هو التوقف في هذه المسائل حتى يرد دليل من المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وللفائدة فإن من المسائل التي تلحق بذلك ما ذكره الإمام الشاطبي صاحب الموافقات:
قال: كنت خطيباً! فأنكر عليَّ الناس بعض الأمور التي كنت أفعلها؛ لأنهم تعودوا السير على البدع، من بعض الأمور التي يتوهم الناس أنها من السنة، ولا بأس بها أحياناً، لكن المداومة عليها بدعة، كأن يقول: وارض اللهم عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فبعضهم يقول: هذه لا بد منها في الخطبة، وإذا تركتها فالخطبة باطلة، ومن لم يفعل ذلك فقد ابتدع، فله أن يفعلها أحياناً ويتركها أحياناً، ومن يفعلها دائماً معتقداً أنها من السنة فقد ابتدع، ومن ذلك أن يحافظ على أدعية مخصصة في الخطبة الثانية لا يتجاوزها، وأنا أتحدث عن البدع التي تنتشر في أوساطنا وإلا -لا نقول هذا تعصباً محضاً- في أوساطنا البدع قلت والحمد لله؛ لأن السنة منتشرة، ولأن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب لا زالت حية في كثير من الأماكن، ولكثرة طلبة العلم، لكن في كثير من البلاد يرى الإنسان عشرات من البدع.
ومن البدع التي توجد: أنه عندما يقول الإمام لمن هو موجود: (استووا) فإنهم يقولون: (استوينا لله وأطعنا) وهذا لم يرد في السنة، من قال لك: استوينا بالله، أو توكلنا على الله، صحيح أنها دعاء، لكنها لم ترد.
رأى سعيد بن المسيب -رحمه الله- رجلاً يصلي قبل صلاة الفجر ست ركعات أو أربع ركعات، والسنة ركعتان، قال سعيد: [[خالفت السنة، قال الرجل: والله ما خالفت السنة لأني أريد الخير، والله لا يعذبني لأني أصلي له، فقال له سعيد بن المسيب: والله ليعذبنك الله، لا يعذبك للصلاة لكن يعذبك لأنك خالفت السنة]].
قيل لأحد علماء السلف: من هم أهل السنة؟
قال: أهل السنة هم الذين ليس لهم اسم إلا أهل السنة.
بعض الناس إذا قرأ الإمام: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] قال: " اللهم اهدنا " وإذا قرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال: " استعنا بالله ".. لماذا تدخل هذا الكلام؟ من أعطاك هذا الكلام؟
هذه شريعة لا تقبل الاجتهادات، خاصة في الصلوات، وسوف يمر بنا أمثلة إن شاء الله.
المقصود أن هذا الرجل عندما رفع يديه أنكر عليه الصحابي الشهير ليدافع عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
جلس في البصرة يُعلِّم الناس، ومن معتقد أهل السنة والجماعة أن الناس قسمان: مسلم وكافر، وهناك المنافق، والفاسق نفاقاً وفسقاً أصغر داخل في الإسلام عند أهل السنة والجماعة، لأن الكبيرة عند أهل السنة والجماعة لا تخرج مرتكبها من الإسلام، فشارب الخمر لا يخرج من الإسلام، لكننا نخاف عليه العذاب، وإن لم يتداركه الله برحمته هلك، وكذلك السارق لا يخرج من الإسلام ولو أنه صاحب كبيرة، والزاني وهو مؤمن لا يخرج من الإسلام ولو أنه صاحب كبيرة.
قال الحسن البصري [[الفاسق مؤمن في الأصل]] وقال واصل بن عطاء: " الفاسق ليس بكافر ولا مؤمن، ولكنه في منزلة بين المنزلتين " فانفصل عن مجلس الحسن البصري وكوَّن مدرسة الاعتزال.
وأكبر ذنوب الاعتزال: أنهم قدموا عقولهم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية بكتاب العظيم درء تعارض العقل والنقل، فأتى بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم، فجزاه الله خيراً، وبيَّض الله وجهه في تلك الردود، وحبذا لطلبة العلم أن يقرءوا ولو مقدمة الكتاب ليتصور العمق والأصالة في الرد على المبتدعة من كلام ابن تيمية.
فـالمعتزلة لهم سمات منها:
أنهم قدموا العقل على النقل، وهذه أكبر ذنوبهم وخطاياهم، والمعتزلة فرقة ضالة مبتدعة نفت الصفات وأثبتت الأسماء، ومنهم -انتبهوا له واغسلوا أيديكم من مقالاته، والاستفادة من لغوياته وأدبياته- الزمخشري صاحب الكشاف.
هذا الرجل ضليع في اللغة، بحر في الأدب، بارع في النحو، لكنه متورط إلى أذنيه في الاعتزال، يدافع عن مدرسة الاعتزال، ويتهم أهل السنة، فيقول في قصيدة آثمة كاذبة خاطئة:
لجماعة سموا هواهم سنة الجماعة حُمر اللعين الموكفة |
ورد عليه أهل السنة بقصائد عظيمة.
وكتابه الكشاف يُنتبه له، فقد بدأ بالاعتزال من المقدمة الأولى من الكتاب، لكن يستفاد منه في براعته في النحو، واللغة، ودلالته في إيجاد علم البيان والبديع، لكنه معتزلي.
الجعد بن درهم أسس مدرسة نفي الأسماء والصفات، وهي أقرب إلى الإلحاد في دين الله عز وجل، ويقول بعض الناظرين في العقائد: إنها أساس لـمدرسة الحلول والاتحاد.
يقول الجعد: إن الله لم يكلم موسى، سبحان الله! يقول تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] قال الجعد بن درهم: " وددت أني أحك آية في كتاب الله بدمي" قالوا: ما هي، قال:" وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] ".
رآه بعض أهل العلم بعد أن توفي في صورة كلب ممسوخ، أتي به يوم عيد الأضحى -وهو الصحيح- يقول: "لم يتخذ الله إبراهيم خليلاً، ولم يكلم الله موسى تكليماً " قال له خالد القسري -حاكم العراق-: تب إلى الله، فحفظ مبدأه ورفض أن يتوب، قال: " سأذبحك اليوم بيدي إن لم تتب"، قال: " لن أتراجع عن مبدئي أبداً " -انظر إلى الصلابة قوة أهل الباطل على باطلهم، وفشل بعض أهل الحق عن حقهم، مبتدع ضال، يعارض أهل السنة والجماعة ويعارض الملايين منهم، والحاكم ضده والوزراء والأمراء، والجيش والعامة والأطفال، وهو يقول: " لا "- وفي الأخير خطب خالد القسري بالناس، ثم نزل وقال: " يا أيها الناس! ضحوا تقبل الله منكم فإني مضحٍ بـالجعد بن درهم " فنزل إليه في أصل المنبر فذبحه.
تقبل الله منا ومنك، والبدنة عن سبعة، قال تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحج:36] قال ابن القيم:
ولذاك ضحى خالد بـالجعد في يوم ذبائح القربان |
إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني |
شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان |
ذبحه ورفع جثمانه، ووري التراب، وسكنت وفترت البدعة، لكنها نشأت فيما بعد، وأججها الخليفة المأمون العباسي.
أمه زبيدة قرشية، وذاك أمه مولاة من السبي أعجمية، فكتب لهم هارون الرشيد كتاباً، وجعل الأمر بينهم، وجعل الخليفة الأول الأمين، وبعده المأمون، فلما تولى الأمين، وسوست له نفسه خلع أخيه المأمون، وأخذ الكتاب المعلق في الكعبة ومزقه، فدخل ذاك واستولى على بغداد، وبدأ ينشر مذهب الاعتزال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الله لن يغفل عن المأمون فيما أدخله في بلاد المسلمين من كتب الفلاسفة. قال المأمون: من ترجم كتاباً من كتب اليونان وزنت له الكتاب المترجم ذهباً وفضة، وأنشأ دار الحكمة وملأها بالألوف المؤلفة من الكتب، وكان له يوم مع المفسرين، ويوم مع المحدثين، ويوم مع الأدباء، ويوم مع الفرضيين، ويوم مع الفلاسفة، ويوم مع أهل علم الكلام، وكان من أخطب الناس، وأسس (دار الحكمة) لينشر ضلاله، في كيسه سم زعاف وعقارب، وفي الأخير بدأ يبث القول بأن القرآن مخلوق -جل الله وتعالى عما يقولون علواً كبيراً- بل كلامه صفة من صفاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة، يتكلم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بما يشاء متى شاء، قال تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] وقال سبحانه: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] فبدأ يبث هذا المذهب وفي الأخير انسحق الكثير أمام هذا الزحف، لأن المأمون بيده السلطة، وبيده السيف والسوط، وعنده الحبس والسجن، وعنده القتل والإبادة، فأظهر الله الإمام أحمد بن حنبل، حياك الله يا أبا عبد الله! وحيا الله اللموع والإشراق، وحيا الله العظمة والقوة.
من تلظي لموعه كاد يعمى كاد من شهرة اسمه لا يسمى |
عرضوا عليه الأكياس من الذهب والفضة ليسكت، قالوا له: " لا تتكلم ونعطيك كل شيء؟ قال: لا، قالوا: نوليك ولاية الوزراء وتكون تحت يديك، تعزل من شئت وتولي من شئت؟ قال: لا، قالوا: أنت عالم الدنيا، ولك ما شئت؟ قال: لا، قالوا: إذاً نقتلك؟ قال: القتل أهون، قالوا: نحبسك؟ قال: الحبس أهون، قالوا: الجلد؟ قال: الجلد أهون.
>9900004 >9900005 >9910598 >9900010 >9900011 رجل فقير يحفظ ألف ألف حديث، رجل فقير يتكلم بالحكمة، رجل فقير إذا رئي ذُكر الله عز وجل، يدخل السوق وهو نحيل الجسم، منحنٍ من ضعفه وهزاله، وعليه بردة بقيت عليه سنوات لكنه جميل المنهج والمظهر، طيبة رائحته تفوح بالسوق، فإذا رآه أهل السوق باعة الزبيب والتمر والفستق والحمبص، رفعوا أيديهم يقولون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله. استدعي إلى الخلافة، فذهب ولكن وهو في الطريق مات المأمون، وهذا أول انتصار.
يقول أهل التاريخ: كان ينصب له أوتاد في الأرض، ثم يربط رجليه بالأوتاد، ويأتي بالفرس ويقفز من على الأرض على الفرس، لأنه مدرب منذ نشأته على الفروسية، فيقفز فيقتلع الربط، أو يقطع الخيوط، فإذا هو على ظهر الفرس، هو صاحب عمورية وهي من حسناته، وهو القائد الذي زحف بتسعين ألفاً، يقول أبو تمام:
تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب |
وهنا أذكر القصة باختصار رغم أنها مكرره:
كرر العلم يا جميل المحيا وتدبره فالمكرر أحلى |
امرأة في عمورية في بلاد الروم، بينها وبين المعتصم فيافي وقفار، لعب عليها رومي وضربها، وقيل: شبك ثوبها بإزارها، فقامت فانكشفت عورتها؛ فقامت وصاحت: وامعتصماه! فتضاحك أهل الروم، وقالوا: انتظري المعتصم حتى يأتي على فرسه الأبلق ينصرك، فسمعها مسلم، فركب البحر، ووصل إلى المعتصم وهو في سامرا، وهي عاصمة بجانب بغداد وكانت تقع على شق من نهر دجلة ونهر الفرات وكان في قلبها المعتصم.
فدخل الرجل عليه، وقال: عندي رسالة؟ قال: ما هي؟ وكان المعتصم جالس مع أمرائه وعلمائه ووزرائه، قال: رأيت امرأة أهينت، وقالت: "وامعتصماه " فقفز من على سريره، قال: والذي لا إله إلا هو لا يغشى رأسي ماء من جنابة حتى أدوس أرضهم بالخيل، وأحرق مدنهم وقصورهم، وكان إذا حلف حلف، وإذا أقسم أقسم، ثم استنفر الناس يوم الجمعة، وقال: من تخلف وهو قادر فاضربوا رأسه بالسيف، وأما المفتي للجيش فهو محمد بن الحسن الشيباني، وقواد الجيش فلان وفلان وفلان، وعليكم أن تصوموا هذه الأيام ونحن متوكلون على الله عز وجل، وأكثروا من التوبة والاستغفار، وجاء الخبر إلى بلاد الروم فقامت قيامتهم، وأخذوا يتحصنون بالمتاريس والدروع، وينصبون الكمائن، ويسدون خطوط الرجعة، وينزلون الكتائب تتدرب يوماً بعد يوم؛ لكن قال تعالى: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج:18] وقال سبحانه: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] زحف ووصل إلى بلاد الروم، واستقبلته أول مدينة فأحرقها عن بكرة أبيها، قال: لا تهاجموا كل مدينة، ولكن أحرقوها إحراقاً، فأخذت تلتهب فأدخل الرعب في قلوبهم، حتى قال للمنجمين الخرافيين المتخلفين: أأذهب هذا الشهر أم الذي يليه؟ فقال بعض المنجمين: نخاف إذا ذهبت هذه السنة -لأن بعضهم أعاجم يخافون، لا يريدون أن يذهب إلى الروم- ألا تنتصر فنخاف أن تفشل، قال: والله الذي لا إله إلا هو إني متوكل على الله، فزحف، فلما انتصر؛ قام أبو تمام الشاعر، وقال:
أين الرواية أم أين العلوم وما صاغوه من دجل فيها ومن كذب |
رواية وأحاديث مطلسمة ليست بنبع إذا عدت ولا غرب |
فالنصر في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا بالسبعة الشهب |
يقول: النصر في الرماح والسيوف ليست بالسبعة؛ لأن المنجمين يعدون السبعة الشهب.
فلما قاتل انتصر وإذا بالمدن تنهزم أمامه حتى وصل إلى عمورية، هذه العاصمة، ثم قال لقاداتهم: انزلوا إلينا فنزلوا، فأخذ قائد منهم يقتل الواحد من المسلمين تلو الواحد حتى قتل سبعة، وفي الأخير قال المعتصم: كيف يقتلنا؟! فخرج له الخليفة المعتصم فتناوله فقطع رأسه حتى كأنه وليس خلق له رأس، ثم أخذ يزحف حتى استولى على المدينة، وقال: أين المرأة؟ فبحث عنها وأُتي بها، قال: أين الرجل؟ قالوا: لا نعرفه، قال: لتخرجنه أو لندوسنكم دوساً، فأتوا بالرجل، وقدموه له. فقال للمرأة: هذا لك رقيق، وأنا المعتصم، وهذا فرسي الأبلق، قالت: قد أعتقته لوجه الله، وجزاك الله خيراً عن الإسلام والمسلمين، قال أبو ريشة عن فلسطين التي فيها كم من امرأة وطفل يقولون صباح مساء: وامعتصماه، لكن الله الناصر.
رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم |
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم |
ألإسرائيل تعلو رايـة في حمى المهد وظل الحرم |
أو ما كنت إذا البغي اعتدى موجة من لهب أو من دم |
هذا المعتصم لا يعرف في العلم شيئاً، يعرف السيف، وكسر الرءوس، وضرب الأكتاف.
قال ذات يوم: عليَّ بـأحمد بن حنبل، فخرج الإمام أحمد بن حنبل من داره في برد الشتاء وركب على فرس، رجل هزيل أنهكته العبادة والدموع في الليل، وخشية الله ومناجاته، وتلاوة كتابه، قال الإمام أحمد: [[والله ركبوا عليَّ من الحديد ما كان يعادلني وزناً]] أي: لو وزن الحديد والإمام أحمد بن حنبل لكان الحديد أكثر، جعلوه في يديه وفي عنقه وفي قدميه، ماذا فعل؟ أسرق أموال المسلمين؟! أسفك دماء المسلمين؟! لا. لكنه وقف ليقود السنة في وجه البدعة، قال: ذهبت فكدت أسقط عن الفرس، وكان يقول الإمام أحمد: يا حافظ! يا حافظ! الله الحافظ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال: فأدخلت السجن في المحبس، فما دريت أوجهني الله للوجهة -أظنها القبلة- قال: والتمست فوجدت في الظلام ماء فتوضأت، انظر! يريد أن يصلي في الليل، لو كان بعض الناس في مثل هذا الموطن لترك المغرب والعشاء والعيد والتراويح، وقال: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أصلي زيادة؟! لكن الإمام أحمد توضأ وأخذ يصلي إلى الفجر.
ويوم طلع الفجر يقول للسجان: أطلع الفجر؟ قال: نعم، فأخذ يتسحر من سواق عنده -حب شعير مطحون- كان يأخذ حفنة ويجعله في الماء ثم يخوضه ويأكله وفي الصباح قدموا له الإفطار، والمعتصم يعرف أنه الإمام أحمد ويعرف مكانته، يقول المعتصم: والله لا أفطر ولا أتغدى ولا أتعشى، إلا بعد الإمام أحمد، فيمر بالموائد، ويقال للإمام أحمد: تفضل! فيقول: لا آكل لكم شيئاً، فيذهبون إلى المعتصم ويخبرونه، فيقول: اتركوه ما دام عرضتم عليه الأمر، ومكث ستة أشهر وهو في السجن.
وفي الأخير أحضره المعتصم فقال: يا أمير المؤمنين! ائتني بآية أو حديث، ائتني بأثر، فما وجد شيئاً.
وقاد هذه البدعة أحمد بن أبي دؤاد فهو أحمد أهل البدعة وأحمدنا من أهل السنة:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم |
ففاوضوه، وفي الأخير جُلِدَ جلداً عنيفاً، وقد ذكر الذهبي في بعض الغرائب التي نقلها ابن الجوزي أنه كان عليه ثيابه، وسأل الله ألا يتكشف، فما تكشف أبداً، وكانوا يقولون: كأنما أمسكت عليه ثيابه، وجُلِدَ وأغمي عليه، قال الإمام أحمد: ما نفعني الله إلا بكلمة عيار -سارق- في السجن، قال لي: يا أحمد! أخذوني في السرقة، وفي أمور النهب، وسجنت سبع مرات، وجلدوني أكثر من خمسة عشر ألف سوط، وأنت على الحق فاصبر. فـأحمد يجلد لتنتصر لا إله إلا الله والإسلام، وفي الأخير حاولوا معه فرفض، قالوا: قل: كلمة، قال: ولا أقول كلمة.
وكان الذين ساسوا له العذاب ثلاثة وزراء:
أحمد بن أبي دؤاد، وأحمد الزيات، ورجل آخر اسمه: ابن هرمة فدعا على الثلاثة، أما أحمد بن أبي دؤاد فدعا عليه وقال: اللهم عذبه في جسده، والإمام أحمد دعوته مستجابة، ودعا على ابن الزيات اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، وقال للثالث: اللهم امحقه.
فأما أحمد بن أبي دؤاد: فشل نصفه، ويبس نصفه، حتى كان يقول للناس: أما نصفي فوالله لو وقع عليه ذباب كأن القيامة قامت، وأما النصف الآخر: فوالله لو قطع بالمناشير أو قرض بالمقاريض ما أحسست به أبداً.
وأما أحمد الزيات، فقد أخذ فجعل في فرن من جمر، وضربت على رأسه المسامير حتى مات.
وأما الثالث: فأخذ وطرح للفيلة، وقيل: للأسود فأكلته وجعل شذر مذر.
هذا الإمام أحمد بن حنبل وفتنة القول بخلق القرآن، فالقرآن ليس من خلق الله بل هو من صفاته، يتكلم الله بما شاء متى شاء.
هارون الرشيد الخليفة العباسي الذي يقف في بغداد في القصر ويقول للسحابة: " أمطري حيث شئتِ فإن خراجك سوف يأتيني" يدخل على الإمام مالك في المدينة في بيته، فيأتي أطفال الخليفة: الأمين والمأمون فيرون الإمام مالك فيهربون! قال هارون الرشيد: " أتدري يا أبا عبد الله! لماذا يهرب أبنائي؟ قال: " لا أدري. قال: هيبةً منك والله ".
قال أبو جعفر المنصور لوزرائه: ما هي عجائب الدنيا؟
قال بعضهم: الحدائق المعلقة، وقال البعض الآخر: حوطة دمشق.
قال: عجائب الدنيا هي: عقل الإمام مالك.
أتى يدرس في المسجد، فدخل رجل فقال: " يا أبا عبد الله! -يسأل الإمام مالك - الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كيف استوى؟!" فنكس الإمام مالك رأسه؛ لأنه لم يعرف هذا السؤال من ذي قبل، ولم يكن معهوداً إلا التلقي وعدم الأسئلة البدعية، حتى تصبب العرق من على جبينه، ثم قال: " الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، أخرجوا هذا المبتدع ".
فقام التلاميذ فسحبوه بأيديه وأرجله حتى وضعوه في بـقيع الغرقد؛ لأنه مبتدع.
وهذا جواب أهل الإسلام ضد من يريد أن يبتدع ولا يدخل معه في حوار، بل يتوقف على السنة والأثر.
ثم استمر الحال على ذلك، والبدعة مرة تخبو، ومرة تنشط، وسبب نشوئها حينما يجهل الناس بالأثر، حينما تعطل الصحاح والأسانيد والسنن، إذا رأيت أمة لا يدرَّس فيهم القرآن والسنة، فاعلم أن البدعة سوف تخترقهم، ولو كانوا مثقفين؛ لأن الثقافة شيء، والعلم شيء آخر، وسوف أبين ما هي الأسباب التي تطرد بها البدعة.
قرأ كتب الفلاسفة ففهمها ورد عليها، وكان يؤلف المذكرة أو الكتاب من بين صلاة الظهر إلى العصر، فيقرأها الناس سنَةً فلا يفهمونها.
كان عمره ما يقارب الثلاثة والستين سنة، لم يتزوج ولو أن الزواج أفضل، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] لكن شغل ليله ونهاره وأوقاته في خدمة الإسلام.
أما ليله فجعله لله عز وجل، من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر وهو بين تلاوة وتسبيح، ونوم قليل، وتهليل وقراءة قرآن.
أما نهاره فكان بين أمور، يجلس بعد صلاة الفجر يذكر الله حتى يتعالى النهار، فيتنفل صلاة الضحى، ثم يتوزع في الحلقات يدرس الناس، ما بين تفسير، وفقه، وحديث، وعلوم أخرى، ثم ينزل إلى السوق، فيأمر الناس بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، فيسأل عن الأيتام والأرمل والمساكين، ثم ينطلق إلى (المارستان) وهو مستشفى الأمراض العقلية، فيسلم عليهم ويدعو لهم ويرقيهم، ثم يذهب إلى مستشفى المرضى -الأمراض العضوية- هناك حيث وضع السلاجقة، فيسلم عليهم ويدعو لهم، وربما وقف عليهم وبكى، ثم يعود ويمر بالمقبرة فيعود ويسلم ويزور أياماً بعد أيام.
كان إذا مر سلم عليه الناس؛ ودعا لهم، ودعوا له.
يقول البزار أحد تلاميذه: مررت بـابن تيمية فسأله فقير فلم يجد شيئاً فخلع له أحد ثوبيه، وكان عنده ثوبان، قال: ومررنا مرة أخرى فلم يجد ابن تيمية شيئاً إلا ثوباً واحداً، ولم يجد شيئاً غيره، فأخذ عمامته، وشقها نصفين، وأعطى الفقير نصفها.
كان يفسر القرآن كالبحر، مكث في سورة نوح ثلاثين سنة يفسرها، أخبرنا بعض طلبة العلم الثقات أنه يوجد في ألمانيا في مدينة بون تفسير لـابن تيمية يبلغ خمسمائة مجلد، فإن وصل فإنه العجب العجاب.
يطوي رجله ليرد على ثمانية أبيات ليهودي، فيرد عليها بما يقارب المائتين والثمانين بيتاً في جلسة واحدة.
يذكر الله فتكاد القلوب تنخلع من قوة ذكره، أوتي صحة في الجسم، وبراعة في القتال، قاتل التتار وكان يأخذ السيف ويضرب به، فكان فلال السيف وكسر السيف له دوي وحنين على رءوس الناس، هو رجل عملاق، مجاهد ومفتي ومعلم ومربي ومدرس وآمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر ومتصدق؛ رحم الله تلك العظام.
واجهته بدعة الاعتزال، فأتى عليها بمجموعة من القواعد فسحقها.
وأما بدعة الأشاعرة فقد أخذوا شيخ الإسلام وأخذهم حتى سجنه الأشاعرة، لكنه انتصر عليهم بمؤلفاته، ولو أن الأشاعرة أقرب الناس إلى السنة من غيرهم.
أتى إلى غلاة الصوفية فنازلهم وشكاهم إلى السلطان حتى جلدهم السلطان بالخيزران، ثم ألف كتباً واستتابهم، وقصَّ شعورهم بالمقص حتى نصر الله الإسلام على يديه.
طارد النصيرية في جبال كسروان، ودخل بالجيش عليهم حتى هدم بيوتهم على رءوسهم، وقال: حكمي فيهم أن يُصب السم في آبارهم، وأن تحرق أشجارهم، وأن تهدم بيوتهم.
أتى التتار فزحفوا من جنوب الصين ومن شرقها، ومن سيبيريا، فتصدى لهم وأفطر الناس في نهار رمضان ووافاهم في معركة شقحب، وأخذ يقول: والله لننتصرن اليوم، والله لننتصرن اليوم، فقال له بعض الأمراء: قل: إن شاء الله، فقال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، فكان كما قال.
قال ابن كثير: وما أتى وقت العصر إلا وقد خرجت النساء والأطفال في دمشق يتباكون؛ لأن هذا سيل جارف إذا دخل دمشق فعل بها كما فعل بـبغداد فسوف يحطمها ويعدمها تماماً، قال: فأخذ النساء والأطفال يخرجون على أسقف المنازل يتباكون، وسيوف أهل الإسلام مع ابن تيمية تلمع ولها صريف على رءوس الناس، وخنين ودوي وانكسار على رءوسهم، وما أتت صلاة العصر إلا وابن تيمية والأبطال يلاحقون التتار، وكانوا ألوفاً مؤلفه، يلاحقونهم تحت الشجر، ويذبحونهم ذبحاً.
وابن تيمية لا يستوفى بمحاضرة ولا محاضرات، حتى إن كتباً في الأسواق موجودة كتبها أعداء الإسلام من الفرنسيين، والأمريكان والإنجليز يقولون: ابن تيمية أيضاً، ويسأل أحدهم ويقول: ليس في الإسلام معجزة بعد القرون الثلاثة غير ابن تيمية! رحم الله ذاك الرجل.
استمر على هذا وله مدرسة فكرية منظرة، ومعه الذهبي وابن كثير والمزي وابن مفلح، وهذه الطائفة من أهل الحديث استمرت.
وكانت رسالة محمد بن عبد الوهاب على شقين: شق علمي تدريسي تنظيري منهجي للناس، وشق عامري ميداني بالسيف.
وكان ناصره العالم السني محمد بن سعود، وهذه الجهود تحسب له، والمحسن نقول له: أحسنت، والمسيء نقول له: أسأت، وقام على دحض البدع، وكان من عواملهم: تعليم وتفهيم الناس، وبث الأمهات في الناس، وتعليم كتب ابن تيمية وابن القيم في المساجد، وفي المهاجر والقرى، حتى وصلت دعوته إلى الهند وزنجبار وغرب إفريقيا فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب:69].
ومن الخصوم الذين قاموا عليه: الدولة العثمانية، وهذه الخلافة خيرها -إن شاء الله- أكثر من شرها، ولها حسنات، ولكنها أخفقت في هذا الجانب يوم أن سمحت للبدع أن تنتشر، بل وجد من حكامها خرافيون، ونحن نقول الحقيقة والتاريخ، والإنسان عليه أن يتلقى الحقيقة.
نحن نقول: إن هذه الخلافة أمسكت على ضميمة المسلمين، وجمعت شملهم، وجاهدت في سبيل الله، ورفعت لا إله إلا الله، وردت اليهود عن فلسطين في فترة السلطان عبد الحميد، وقاتلت روسيا في سيبيريا وغيرها، ولكنها أخفقت يوم أن سمحت للرأي الفكري الابتداعي أن ينتشر في بلاد المسلمين، وكانت بعض الكتب التي استهزأت بـأهل السنة، وبـالسلف الصالح والمحدثين كانت تطبعها الدولة العثمانية، وتولي هؤلاء العلماء القضاء والمدارس والمظالم، فكان هذا جانباً مخفقاً ومظلماً في الخلافة العثمانية.
والأمة الآن تعيش في خير وشر، وإرباك وهدوء، والمباشرات الآن في الساحة الإسلامية في تخوف ومحاذير تتوقف على ثلاثة أمور:
في الساحة الإسلامية صحوة واتجاه إلى الله وبالخصوص في الشباب المسلم.
والقضية الأولى أن هذه الصحوة يخاف عليها من ثلاثة أمور:
أولاً: من قلة العلم الشرعي بأن يستقيم الشباب على الحماس والهيجان، ولا يكون عندهم علم شرعي، ولا حديث ولا تفسير ولا فقه وهذا خوف.
ثانياً: من تمزق واضطراب وانتماءات كل يحمل على الآخر، وهذا يورث العداء والضغينة والبغض والحسد، ولا حل إلا بالعودة إلى الإخاء: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].
ثالثاً: من أن يكون الفكر مقدماً على الروح، أو يأخذ مساحة الروح، فلا يكون هناك نوافل، ولا أوراد ولا أذكار، ولا كثرة صلاة، فتقسو القلوب، وقسوتها داء عضال، فحلها كثرة النوافل، وكثرة قراءة القرآن.
ويخاف كذلك من التسرع في الفتيا بين الشباب، وأن هناك مداً ابتداعياً يريد أن يسيطر على العالم وأنتم تعرفونه، ولكن حله أن ينزل علماء الإسلام، وفقهاء السنة ودعاتهم، فيدرسون القرآن، وكتب السنة، كـالصحيحين والمسانيد، حينها ينتصر الإسلام، وتنتصر السنة.
القضية الثانية: قضية توحيد المصير القادم في الكتاب والسنة.
القضية الثالثة: التحذير من المبتدعة والمبتدعين بالخطابة والصحف، وسائر وسائل الإعلام، بالدروس والندوات، ونشر الفكر الإسلامي السني في البوادي والقرى؛ حينها ينتشر الإسلام ويعم الخير.
الجواب: أولاً: ليس هناك سنة راتبة قبل صلاة الجمعة؛ فالسنن الرواتب في الإسلام عشر ركعات، لحديث ابن عمر في الصحيحين قال: {حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر} هذه هي السنن الرواتب، وليس قبل الجمعة سنة راتبة. لكن من أتى إلى المسجد وأراد أن يتنفل فله ذلك، له أن يصلي إلى أن يدخل الإمام، وليس الوقت وقت نهي والحمد لله، ولو أنه قبل صلاة الظهر وقت زوال، ولكن لا يشمل الجمعة، كما قال ابن تيمية وابن القيم، بل عليه أن يصلي حتى يدخل الإمام ما استطاع، يصلي ركعتين أو أربعاً أو ستاً، أو ثماناً، أو عشراً قدر طاقته، وقد فعل ذلك الكثير من السلف، لكن لا يقل: إنها سنه من السنن، بل هو وقت مطلق للتنفل والحمد لله.
الجواب: أعظم الكتب التي تساعد على كشف البدع والخرافات والدجل هو: كتاب الله عز وجل؛ فهو شفاء لما في الصدور، ثم كتب السنة، كـصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وأبي داود، وابن ماجة، ومسند أحمد وغيرها من كتب أهل العلم.
وهناك كتب فريدة، مثل: كتاب الاعتصام وكتاب الموافقات كلاهما للشاطبي، فهذه التي تحضرني مع بعض الرسائل في هذا الباب، كرسالة لـابن الظاهري في السنة، ورسالة لـابن بطة الحنبلي في السنة، حققها أحد الأساتذة في جامعة أم القرى، وغيرها من الرسائل لكن هذا هو أهم ما يقال.
الجواب: إذا فعلها عمداً فهو فاسق، وبعض المبتدعة كافر ببدعته؛ لأن من البدع بدع مكفرة ومنها مفسقة، فمن أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فهو كافر، ومن أتى بمكفر كأن يقول: إن القرآن ناقص أو يعتقد ذلك، أو يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر، أو يلعن الصحابة، ويعتقد أنهم ابتعدوا عن الإسلام فهذا كافر، وأما بعض البدع فمفسقة في الإسلام، مثل أن يعتقد أن علياً أفضل من عمر وعثمان، فهذه بدعة مفسقة، لا مكفرة.
وأما من يفعلها جهلاً فيبصر بها؛ لأنه ليس معذوراً بالجهل، وعليه أن يتعلم.
الجواب: بعض الناس يقول: إن البدع فيها واجب، ومندوب، ومحرم، وهذا ليس بصحيح، وهو تقسيم خاطئ.
وقد قسمه بعض الناس في الرسائل؛ كصاحب رسالة دكتوراه موجود له كتاب في البدعة، وقد قسم هذه التقسيمات الخمسة، وليس بصحيح، بل البدعة كلها محرمة، وهذا مثل سؤال بعض الإخوة، يقول: هل فيها مكروه أو محرم {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} كما في الحديث: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.
الجواب: أبوك يدعوك لطاعة، لكن حبذا أن أباك وفَّق بين الأمرين، بحيث يجعل حفظ القرآن في وقت لا تفوتك فيه المحاضرة والدرس لتحصل على خيرين، خير التلاوة والحفظ، وخير الدروس ومجالس العلم، ففيها حفوف الملائكة، وتنزل الرحمة، وغشيان السكينة، فحبذا أن تطيعه بالتي هي أحسن، حتى يحصل لك الخير علّ الله عز وجل أن يتقبل منا ومنك، أما إذا رفض، فعليك أن تطيعه وتحفظ معه القرآن، ولو أنه أجاز لك الخروج ثم بدلك بوقت آخر كان أحسن وأنفع.
الجواب: هذا الحديث أتى عن علي رضي الله عنه بلفظ آخر: {أنه يوهن ويرقع} معناه أنه يذنب ويستغفر، يخطئ ويعود، وهذا الحديث أورده العجلوني وقال أسانيده ضعاف، وبعض أهل العلم حسنه، لكن الذي أعرفه الآن أنه ضعيف لكن يحتاج إلى أن نسأل ما هي علة الضعف فيه؟ فكتاب العجلوني كشف الخفاء ينبيك عن هذا.
الجواب: هذا الحديث لا يصح عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم، وهو حديث باطل موضوع، وهو ليس من لفظه، وفيه ركاكة ومثل هذا لا يستشهد به، ولا يورد للناس، بل يجنب الناس الأحاديث الموضوعة، والأحاديث الموضوعة كثيرة؛ لأسباب، وسوف يكون هناك دروس لهذه الأسباب، وسوف يكون هناك سلسلة للأحاديث الموضوعة في الإسلام؛ ليتبين الناس كثيراً من هذه الأحاديث الموضوعة، وحبذا أن يكون لطالب العلم الكثير من كتب الموضوعات، ككتاب الموضوعات لـابن الجوزي واللآلئ المصنوعة للسيوطي والفوائد المجموعة للشوكاني، وتمييز الطيب من الخبيث لـابن الديبع، وكشف الخفاء للعجلوني هذه الكتب يستطيع أن يكشف عنها في لحظات عن الحديث، أما هذا الحديث فلا يصح.
الجواب: نعم. يجوز الصلاة خلف من لا يجيد التجويد وبشرط ألا يلحن في النحو، وفي اللغة العربية، وألا ينصب المرفوع ويرفع المنصوب، فالصلاة تجوز وراءه، وهذا أمر معلوم، ولو أنه كان لا يجوز لبينت هذه المسألة لشهرتها، فيصلى وراءه خاصة إذا كان عالماً جليلاً محدثاً سنياً، عنده فقه في الدين، فيصلي وراءه، ولكن إذا وجد من لا يجود ومن يجود فيقدم المجود؛ لأنه أحسن وأمكن في القرآن، وبعض أهل العلم يقولون: التجويد واجب، وهذه اسألوا عنها الشيخ عبيد الله الأفغاني ومن أحال إلى مليء فليحتل.
الجواب: يُستبان منه، فإن قال هذه الكلمة بعقله وتمكنه ومعرفته وعمده فهو زنديق ملحد، حده السيف الأبتر الأبيض، تقص رقبته من تحت أذنيه بأربعة أصابع، واغسل يديك منه، ولا تصلي عليه، فهذا هو الدجل، ففي سير أعلام النبلاء، قيل للإمام أحمد: إن رجلاً يسب أهل الحديث، قال: زنديق زنديق، والزنديق معناه: الملحد، وهذا عليه أن يتوب ويراجع حسابه مع الله عز وجل، فقد أصبح على شفا حفرة من النار، نسأل الله العافية.
الجواب: لا يصح هذا عن المعصوم عليه الصلاة والسلام، وليس بحديث، ولكنه مثلٌ من الأمثلة التي اشتهرت على ألسن الناس، مثل (المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء) فهذا ليس بحديث، بل هذا من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب، كما قال صاحب كشف الخفاء.
ومما اشتهر على ألسنة الناس: (قيدوا العلم بالكتابة) وهذا من كلام عبد الله بن عمر، وقيل: من كلام أنس وهو الصحيح، وليس من كلامه صلى الله عليه وسلم.
ومما اشتهر على ألسنة الناس: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) وليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هذا من كلام عمرو بن العاص، وقيل: من كلام عبد الله ابنه...إلخ
الجواب: الأحسن له أن يكون له ذلك؛ لأن بعض العلماء يقول: يتشهد التشهد الثاني، فعلى كلٍ الأحوط له أن يفعل إذا تأخر ولا يسكت، لأنه ليس هناك سكوت، ولأن الكلام بالذكر الذي ورد في الصلاة أفضل من السكوت.
الجواب: صح في صحيح البخاري، وسنن أبي داود ومسند أحمد، والحديث صحيح: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في أربعة مواضع في الصلاة: إذا ابتدأ تكبيرة الإحرام، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع من الركوع، وإذا قام من التشهد} هذه أربع حالات في السنة، وخالف فيها بعض الناس وقال الأحناف في رواية عنهم، ونسبت لـأبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يرفع إلا مرة واحدة، واستدل بحديث ضعيف، يقول الصحابي فيه: {فرفع صلى الله عليه وسلم مرة عند تكبيرة الإحرام ثم لم يعد إلى ذلك} وهذا الحديث ضعيف، واستدل ابن المبارك على الإمام أبي حنيفة بحديث أبي هريرة وابن عمر: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرفع إذا بدأ في الصلاة، وإذا أراد أن يركع، وإذا أراد أن يرفع} وفي رواية صحيحة كما أسلفت {وإذا قام من التشهد للركعة}.
أبو حنيفة صلى معه عبد الله بن المبارك فكبر أبو حنيفة وهو الإمام وكبر عبد الله بن المبارك ورفع يديه، فأراد أن يركع فرفع ابن المبارك يديه، ورفع أبو حنيفة من الركوع، فرفع ابن المبارك يديه، فلما سلَّم قال أبو حنيفة لـابن المبارك: "والله لقد خشيت أن تطير من جانبي " يعني: من كثرة ما رفع يديه -أي: أجنحة- قال ابن المبارك -والحق مع ابن المبارك -: " لو أردت أن أطير لطرت من أول مرة " أي: مع تكبيرة الإحرام، ولكن ما طرنا في التكبيرة الأولى، وهذا مأجور له أجر واحد، وهذا مصيب له أجران؛ لأن كلاً منهم أراد خيراً.
في العيدين والاستسقاء: التكبيرات ترفع الأيدي فيها؛ لأن عموم رفع الأيدي في التكبير يشمل هذا، وأهل العلم وجدوا نصوصاً في هذا، والإمام أحمد ألحقها بحديث ابن عمر، لما سئل هل في الجنازة يرفع يديه؟ قال: على حديث ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما افتتح رفع، فالرفع وارد مع كل تكبير، إلا ما لم يرد فيه الرفع مثل السجود، وفي بعض الهيئات وبعض الركوعات التي لم يرد فيها الأثر، أما هذه التي ذكرت فيرفع فيها الأيدي.
وفي الوتر إذا رفع يقول: سمع الله لمن حمده، وفي الدعاء لا بأس أن يرفع يديه، وقد ورد الحديث في مستدرك الحاكم وأشار إليه ابن القيم في زاد المعاد، وفي سنن الترمذي وهذا الحديث يضعفه ابن حجر قليلاً ويصححه أهل العلم، أن الرسول عليه الصلاة والسلام علم الحسن أن يدعو بدعاء القنوت في الوتر، والدعاء يكون برفع الأيدي، والمسح هو الذي فيه خلاف بين أهل العلم، لكن الصحيح ألا يمسح في الصلاة، أما خارج الصلاة فيمسح تارة، ويترك تارة مع العلم أن الحديث حسن، حتى خارج الصلاة لحديث ابن عباس، وحديث عمر في سنن الترمذي أوردها صاحب جامع الأصول، وحسَّن أسانيدها المخرج.
فالمقصود أن من مسح خارج الصلاة ليس عليه شيء، لكن لو تركها لضعف الأحاديث فنعم ما فعل، أما داخل الصلاة فاختار ابن تيمية ألا يمسح وجهه بيديه إذا انتهى من الدعاء مع الإمام؛ لأنه لم يرد فيها حديث صحيح، أما خارج الصلاة فيمسح تارة، ويترك تارة، مع العلم أن من العلماء من حسن هذا الحديث، وتجدونه في المجلد السابع أو الثامن من جامع الأصول في أدعيته صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك.
الجواب: نعم. كلمة الشكر هنا بدعة، فيما أعرف؛ لأنها لم ترد في السنة، والإنسان لا يزيد كأن يقول: (الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، الله أكبر أستغفر الله، الله أكبر توكلنا على الله) نعم يتوكل على الله، لكن هذه الشريعة تلقيت من الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يزيد فيها كلاماً وعند قوله: (استووا) قولهم: استوينا واعتدلنا.
وإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] يقول: اللهم اهدنا وتولنا.
وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] يقول: استعنا بالله.
هذه كلها من البدع؛ لأن الزيادة معناها النقصان، وسوف تكون على الضد، وتعكس المقاصد على صاحبها.
الجواب: الأطعمة إذا كانت حلالاً فلا بأس إذا أشار الطبيب المسلم بهذا، أو علم بالتجربة أنها من الدواء فلا بأس بالتداوي بها، وطلب النفع من الله بواسطة هذه العلاجات كعسل أو غيره، أما المحرمة فلا يجوز، كالخمر وما يدخل في الخمر، والعلاج به؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال له رجل كما في السنن: {يا رسول الله! إني أصنع الخمر للدواء. قال: إنها داء وليست بدواء} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها} فالعسل فيه دواء وغيره من الحبوب أو الأطعمة أو الأشربة فما عليك إلا أن تستخدمه، وكثير من هذه العقاقير مركبة من الحبوب والسيلان، كلها من الأطعمة والأشربة، فتستخدمه إذا كان لعلاج أو كان غير ذلك، والحمد لله.
الجواب: لبس صلى الله عليه وسلم الخاتم في يمناه وفي يسراه، ولكن هل هو سنة؟ وهل لابد من لبسه؟ أورد ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الخاتم إلا لذي سلطان، لكن الصحيح أنه يلبس، ولبسه كثير من الصحابة ولم يكونوا سلاطين، فيلبس الخاتم، لكن لا يكون من ذهب، ولا من حديد، حتى النحاس، ولكن يكون من فضة، فهو أحسن ما يكون، ومن لبسه على أنه لا بد من لبسه، فهذا خطأ بل يلبسه لأنه وارد.
الجواب: البدعة قسمت بحسب الاعتبارات إلى أقسام عديدة منها:
بدعة فعليه، وتركية، وقوليه، وعملية، واعتقاديه، وحسنة، وسيئة، ونسبية، ومكفرة، ومفسقة، وكبرى، وصغرى، كل هذه التقسيمات واردة.
لكن البدعة الإضافية: ما كان أصلها سنة هذا مفهوم عند بعض أهل العلم، أي: لها شيء من السنة لكن أضيف شيء من البدعة إليها، مثل: الجلوس بعد صلاة الفجر، والذكر إلى ما بعد طلوع الشمس هذا سنة، لكن إذا ركب على ذلك بدعة وأضاف عليها شيئاً من البدع، كأن يقول: سنة أن يتحلق الناس بعد صلاة الفجر، ووردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويداوم عليها، فقد أضاف.
من أهل العلم من قال: إن البدعة الإضافية ما تضاف إلى بدعة أخرى فتصير مركبة، كأن يأتي بعد الصلاة ويستقبل -على سبيل المثال- مكاناً من الأمكنة، ويقول: هذا من السنة، ويضيف إلى ذلك نشيداً ويقول: هذا من السنة، فأضاف بدعتين.
ومن البدع أيضاً أن يأتي بعد الصلاة بمسبحة -المسبحة فيها كلام آخر- دائماً، ويزيد على ذلك فيقول: (هو هو) ولا يقول: سبحان الله، والحمد لله، كما يفعل غلاة الصوفية أتباع ابن عربي، فهذا ركب البدعة من بدعة بسيطة وبسيطة فأصبحت بدعة مركبة، هذا ما يعرف عنه.
أما البدعة التركية: فتعتبر نقصاً عند العلماء من السنة، مثلاً أن الإنسان إذا سلم أن يستغفر، ويهلل، ويكبر فيتركه دائماً، ويقول: ليست من السنة، فهذا ابتدع في هذا. ومن السنة أن يرفع يديه كما أسلفنا، وهو يعلم أنه وردت أحاديث في هذا ويتركها عمداً فهذه بدعة تركية، وقس ما شئت من الأمثلة على هذا.
الجواب: لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء، الصحيح في هذا أنه على قسمين: يقول ابن تيمية: النظر كالكلام، ينظر متى شاء ويتكلم متى شاء، والصحيح في هذا أنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ينظر حقيقة لا تأويلاً، وربما قلت: لا يرحمهم، مثل ما ورد عند بعض أهل السنة أنه سبب للرحمة، والله إذا نظر إلى عبد رحمه، لكنه لم يجعل النظر بمعنى الرحمة؛ لأن هذا تأويل وخلاف ظاهر النص، فإن فهم مني هذا أو قلته فأنا أقول الآن: النظر صفة من صفاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كالكلام، ينظر الله متى شاء، ويعرض عمن شاء سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا هو الصحيح، وللفائدة وردت الأحاديث في إسبال الإزار مثل حديث يقول: {ما أسفل من الكعب فهو في النار} وحديث آخر صحيح: {لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء} فيقال: التفصيل في المسألة: أن من جر ثوبه خيلاء فعقوبته عقوبتان: لا ينظر الله إليه، وما أسفل من الكعب ففي النار.
وأما من جر ثوبه وليس خيلاء فعقوبته أن ما أسفل من الكعبين ففي النار، لكنه لا يشمله وعيد أنه لا ينظر الله إليه فليتنبه إلى هذه المسألة.
الجواب: أخطأ من قسَّم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، واغتروا بقول عمر: [[نعمة البدعة هذه]] لما رأى الصحابة يصلون التراويح، وما قصده إلا البدعة في اللغة، وإلا فلها أصل في السنة، فليست ببدعة بل سنة وردت عنه صلى الله عليه وسلم، فليس في البدع بدعة صحيحة ولا بدعة حسنة.
الجواب: ليس هذا بحديث، بل هو من الأحاديث الموضوعة على الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يباع ولا يشترى.
الجواب: تختلف هذه الأوصاف، إن كان هذا الحيوان مما كانت العرب تنسب إليه، مثل قولهم: فلان أسد فيصفونه في الشجاعة كالأسد، فهذا أمر نسبي، فإن شاء الله ليس فيه ضرر، وإن كان من الحيوانات البهيمية التي يوصف بها الإنسان سباً، وشتماً، فلا يجوز إلا للفاسق أو الكافر، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:175-176] ويقول: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:6].
لكن بعض الناس لجهله يظن أنه إذا وصف صديقه بالحمار قد أجاد فيقول: هو في الصبر كالحمار، وفي الصراع كالثور، مثل ما فعل علي بن الجهم الشاعر العباسي مع الخليفة المتوكل عندما دخل داره في بغداد إذ أنشد قصيدة يقول فيها مادحاً للخليفة:
أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب |
فأراد الناس أن يبطشوا به أرضاً، فقال: دعوه، هذا رجل نشأ في البادية لم ير إلا التيس والكلب، وأتى يمدحنا، لكن أنزلوه في الرصافة عند النهر عله يرى الجمال والطبيعة فيتحدث بعد سنة، فأنزلوه فرأى النهر ورأى القصور ورأى الحدائق الغناء، فأتى بعد سنة فقال:
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبت الهوى من حيث أدري ولا أدري |
ثم قال: أما رأيتم؛ لأنه عاش مع التيس والكلب، فالناس يأخذون بمقاصدهم لا بكلماتهم، والله الحافظ.
الجواب: أحاديث الأربعين باطلة، ولو أن بعضهم يحسن حديث الأبدال الأربعين -لكن لا أتدخل في الأبدال- لكن حديث الأقطاب والأغواث هذا كذب، وأن في الدنيا أربعين كلما مات أبدل منهم واحداً، لا يصح مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم.
الجواب: إذا تصدق على الميت وهو مسلم من مسلم نفعت عنه ووصلت بإذن الله قال عليه الصلاة والسلام: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له}.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر