فهذه رسالة أوجهها وهي منبعثة من الأعماق، مجللة بأحر التهاني وأحلى الأماني، لكل شاب وشابة ارتبطا برابطة الزواج الشرعي, في ظل تعاليم الدين الإسلامي، وشجرة ديننا العظيم الوارفة, وأنا أتمنى أن تكون جميع إجراءات الزواج قد تمت حسب أوامر الشرع، بعيداً عن التصورات الجاهلية، والتصرفات البالية التي انتحلتها أفكار الجهلة والمبطلين, فإن كان ذلك فهنيئاً لهما، وإن كانا على غير ذلك فإنني أطلب منهما سرعة التوبة والإنابة والاستغفار، وأن يفتحا صفحة جديدة مع الله عز وجل لتتم لهما السعادة في الدنيا، وليحصل لهما الفوز والفلاح في الدار الآخرة.
ولما كانت الحياة الزوجية ذات أثر فعال في حياة الزوج والزوجة، وهي مسئولية مشتركة بإذن الله فقد أحببت أن أتوجه إلى العروسين ببعض الوصايا؛ لتكون معالم لهما للسير بأمان في مجاهيل هذه الحياة؛ ليعيشوا حياة زوجية ترفرف عليها السعادة بسلام, ولينقلبوا بعدها إلى دار السلام في جنة عرضها السماوات والأرض.
هذه الرسالة أوجهها بدافع الحرص على مصلحتهما، بعد أن لاحظت كثرة الفشل في الزواج، وارتفاع نسبة الطلاق مما يدل على وجود خلل في التعامل، وسوء فهم في الواجبات والحقوق، وعدم معرفة للوسائل التي يجب أن تسلك لعلاج المشاكل؛ لذا أحببت تقديم هذه الرسالة مع علمي أنها لن تجد فراغاً في وقت الزوجين الجديدين خصوصاً في (شهر العسل) مع تحفظي على تسميته بـ(شهر العسل)؛ فإن هذه التسمية ليست وليدة الإسلام ولا تصرفات المسلمين، هذه جاءت من البيئات الكافرة؛ لأنهم يرتبطون في الزواج من أجل الجنس فقط, وليس هناك أهداف غير الجنس, كما يرتبط الحمار بالحمارة يرتبط الكافر بالكافرة قال تعالى: أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] ولذا يستنكحون شهراً فيسمونه شهر العسل، فإذا ذهب ما في قلوبهم من الجنس تحول العسل إلى بصل وخربت الحياة.
أما في ظل الإسلام فالحياة الزوجية ليست شهر عسل، ولا سنة عسل، ولكن كلها عسل, منذ أن يرتبط المسلم بالمسلمة إلى أن يموت وهما على ضوء الدين، حياتهم كلها عسل وسيكملون العسل -إن شاء الله- في الجنة، يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] ويخبرنا الله في سورة غافر أن الملائكة تقول: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر:8] وقال الله عز وجل: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24] نسأل الله وإياكم من فضله.
حياة المسلمين كلها عسل، ولكن إذا علمتما مقدار ما بذلته في توجيه هذه الرسالة، فلعل ذلك يدفعكما إلى بذل شيء من الوقت في سماعها, وأفضل وقت للاستماع: هو وقت النزهة بعد صلاة العصر, إذا قلت: يستمعون في الليل فإن الوقت لا يناسب, لكن بعد العصر يتمشّى ويتركها إلى جواره ويشغل الشريط ويذهبون إلى مكان ما, ساعة ذهاب وساعة إياب، يمكن أن سماع هذا الشريط ينفع جداً, واسمعه مرة وثانية وثالثة، ثم ارفعه على أمل أن تسمعه بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة؛ لأنك إذا استمررت عليه أكثر من ثلاث مرات قد تمل الشريط ويمكن أن تكرهه, ولكن أبعده فترة ثم إذا رأيت مشكلة بين الأسرة فخذ الشريط وقل: أريد أن أسمع الشريط الذي سبق أن سمعناه يمكن أن نستفيد منه مرة أخرى.
ولذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يبين الأهداف الرئيسة التي يقصد من ورائها الزواج في الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري في الصحيح : (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك).
لمالها: أصحاب رءوس الأموال هم أتباع اليهود؛ لأن اليهود أشد الناس حباً للمال، قال تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:96] حياة اليهودي كلها تدور حول فلك الريال, ولذا سيطروا الآن على رءوس أموال العالم كله, فالذي عنده نزعة لحب المال فيه شبه منهم.
ولحسبها: أتباع أبي جهل , الجاهليون الذين لا يؤمنون بما ورد في كتاب الله، ففي سورة الحجرات قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] هذه الآية مرفوضة عند الجاهليين, يقولون: لا. هناك ذكر (أصلي) وذكر (تقليد) والله يقول في آدم وحواء: ذكر وأنثى, والذي لا يؤمن بهذه الآية يكفر بالقرآن, والذي يكفر بالقرآن يخرج من دين الله, البشر كلهم يرجعون إلى آدم وحواء, الوضيع والشريف، والكبير والصغير، (والقبيلي) و(غير القبيلي) هذه الطبقيات التي يتعارف الناس عليها الآن ما أنزل الله بها من سلطان, لقد جاء الإسلام وأعلن وحدة الجنس البشري, وأعلن أن الناس سواسية كأسنان المشط، وأن سبيل التفاضل بينهم هو التقوى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ [الحجرات:13] لماذا؟ لتتفاضلوا؟ لا. بل لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] فالجاهليون يبحثون عن الحسب, وإذا جاء صاحب الدين يريد أصله وفصله, ولا يقول: ما دينك؟ لا حول ولا قوة إلا بالله!
والثالث وهم أصحاب الجمال: وفيهم شبه من النصارى؛ لأن النصارى شقر العيون وشقر الشعر، وفيهم مسحة جمال, فكثير من الناس فيه لذعة من هؤلاء، إذا جاء الشخص بدأ يتفقد ما لونه؟ كم طوله وعرضه؟ كيف عيونه؟! وكيف فمه؟ وكيف خدوده؟ وكيف شكله؟! ولا يسأل عن دينه وصلاته وخوفه وبكائه وخشيته من الله عز وجل.
ثم قال: ولدينها: هذه الأخيرة من صفات أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, هذا هدف أهل الإيمان، والحديث في صحيح البخاري : (فاظفر بذات الدين تربت يداك) فالزواج بذات الدين هو الزواج الناجح، وإلا أحاط بالإنسان سوء النتيجة، وخسران البضاعة، كمن لا يجد في يديه شيئاً غير التراب بعد السعي الطويل والعمل الكادح, تربت يداك إذا تزوجت بواحدة من أجل مالها، يقول: (لا تزوجوا النساء لمالهن فعسى مالهن أن يطغيهن, ولا تزوجوا النساء لجمالهن فعسى جمالهن أن يقبحهن, ولا تزوجوا النساء لحسبهن) ثم قال في حديث آخر: (من تزوج المرأة لمالها أورثه الله فقرها, ومن تزوجها لجمالها أورثه الله قبحها, ومن تزوجها لحسبها أورثه الله مذلتها, ومن تزوجها لدينها أورثه الله بركتها)؛ لأن المال والجمال والحسب وإن كان من متطلبات الزواج إلا أنه لا يصح أن يكون أساساً لهذه العلاقة المتينة، إذ لا بد من شيء أقوى من شهوة المال والحسب والجمال وإلا لانهارت هذه الصلة, ولكن إذا تزوج بذات الدين، وكان مع الدين جمال ومال وحسب فهذه حسنة الدنيا قدمت لك قبل الآخرة, فاحمد الله عليها.
فبينما نرى الزوج والزوجة وهما غريبان عن بعضهما، تقوى بينهما الصلة والعلاقة، وتتنوع بينهما أساليبها, وتزرع المودة والرحمة, وتتولد الثقة والطمأنينة لدرجة أن تصبح الزوجة من ألصق البشر بزوجها, بحيث لا تستطيع العيش بدونه، وهو كذلك, وهناك هدف يتحقق من وراء الزواج وهو قوة الإيمان بالله عن طريق التأمل والتفكر والنظر في هذه الآية.
أما التناسل في الشرع ضمن دائرة المسئولية؛ أب يتزوج بامرأة فيأتي ولد يقوم الأب برعايته، وتدريسه، وتربيته حتى يخرج فرداً صالحاً في المجتمع.
لكن التناسل عن طريق الزنا يوجد مشاكل، ويخرج في المجتمعات أفاعي, أترون الشيوعية أين انتشرت؟ الشيوعية والبلشفية التي نادى بها ماركس ولينين في روسيا ، نادى بها في صفوف اللقطاء الذين ليس لهم آباء وسماهم الكادحين, ودعاهم وقاموا معه وقامت الثورة؛ لأنهم كانوا يشكلون أغلبية كبيرة في المجتمعات الكافرة من كثرة وجودهم, لكن في ظل الدين لا يقوم إلا الإسلام إن شاء الله.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد والطبراني وصححه ابن حبان : (تزوجوا الولود الودود -الولود في نكاحها, الودود في أخلاقها- فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).
هذه بعض الأهداف التي يهدف إليها الإسلام من وراء الزواج, ولكن إذا تحققت هذه الأهداف، وحصل الزواج الذي ينظر إليه الإسلام على أنه رباط نفيس يجمع بين شخصين، قد لا يكون بينهما رابطة أو صلة من قبل، فيجعلهما تحت سقف واحد، هي من الشرق وهو من الغرب، لكن بالزواج تترك أباها وأمها وإخوانها، ومجتمعها، وبيتها الذي عاشت فيه سنين طويلة، وتأتي غريبة مع هذا الرجل تحت سقف واحد، ويحملهما تبعة ومسئولية تكوين هذه الخلية التي يعيشان فيها، وغالباً ما يختلف الزوجان في كثير من النواحي البيئية، والثقافية، والمعيشية، والوضعية.
وبعض الناس ينكر على زوجته حتى طريقة الأكل, فهي أتت من بيت كانت تأكل فيه بطريقة لا يحبها, وهو كذلك يأكل بطريقة لا تحبها.
وأيضاً في النوم هي تنام بطريقة لا يريدها, فهي غريبة عليه، فليس هناك توافق بينهما، وهذا لا بد منه.
لكن متى يحصل الانسجام؟ مع الزمن يحصل الانسجام, فإن -تبعاً للبيئة- كلاً منهما يتميز عن الآخر من حيث العواطف والمشاعر والميول والآلام والآمال التي قد تكون وليدة إحساس خاص، أو جوٍ نفسي معين، ولكن بمقدار تغلب الزوج والزوجة على هذه العوامل، وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل، والتكيف على جو الحياة الزوجية الجديد بمقدار ما تقوى الرابطة، وتدوم المودة، وتصلح الحياة.
والمهر عطية محضة من الله, فرضه الله للمرأة تطييباً لخاطرها, وتعبيراً عن رغبة الرجل فيها, ورمزاً لإكرامها وإعزازها.
ليس من الإسلام ما نراه اليوم من استبداد الآباء والأولياء بمهور النساء، وليس -أيضاً- من الإسلام ما يرتكب في بعض البيئات من النظرة التجارية، والمغالاة في المهور، والمبالغة في التكاليف والشكليات الفارغة.
فهؤلاء بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأزواجه اللواتي هنَّ خير خلق الله في كل فضيلة، وأكمل نساء العالمين في كل صفة, ومع ذلك كان صداقهن (خمسمائة درهم) أي: ما يعادل (150) ريالاً؛ لأن المرأة عزيزة وليست سلعة تباع وينتظر بها أعلى سعر, فهذا الحق الأول وهو مهرها.
والإنفاق أمر نسبي بحسب حالة الزوج، ولم يحدد الشرع قدراً معيناً، ولكنه يخضع لظروف الزوج ودخله، ولظروف مجتمعه الذي يعيش فيه: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق: 7] أي: من ضيق عليه في دخله فلينفق مما آتاه الله, أي: (يمد رجليه على قدر فراشه) فلا يتوسع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها, فحق لها أن تطعمها وتكسوها وتسكنها وتعالجها وتصرف عليها بحسب إمكانك, لا تضييق ولا تعجيز ولا إرهاق لك بحيث لا تستطيع أن تقوم بهذا الواجب.
فليس في الشرع إكراه وإلزام، لا بد من أخذ الرأي في الزواج, فإن كانت بكراً فعلامة رضاها أن تسكت, فإذا سكتت فسكوتها علامة على أنها قبلت, أو تضحك, أو تبكي، فبعض النساء من كثرة فرحها تبكي, وهذا ذكره الفقهاء، وإذا تكلمت وقلنا لها: هل تريدين أن تتزوجي؟ قالت: لا. والله لا أريد أن أتزوج, لا يجوز شرعاً أن تكرهها, ولا يجوز شرعاً بعد أن تعبر هي عن رغبتها في الرفض، وتقول لك: لا أريد أن أتزوج. وتقول أنت: لا بد أن تتزوجين, فهذا حرام في الشرع ولا يجوز, هذا بالنسبة للبكر.
أما بالنسبة للثيب فلا ينفع ضحك ولا ينفع بكاء، ولا ينفع إلا الكلام, لا بد أن تقول: نعم رضيت: (البكر تستأذن، والثيب تستأمر).
والزواج من أدق وأهم قضايا المرأة في حياتها, وأمسها بمستقبلها, فلا بد أن يكون لها رأي فاصل في قضيتها الشخصية, وفي مستقبل أيامها, فلا تكره على أمرٍ يخصها، وهذا يدل دلالة عظيمة على احترام الإسلام لرأي المرأة, فليست سلعة تجبر، وإنما يؤخذ رأيها، فإذا وافقت فالحمد لله، وإن رفضت فلا نجبرها.
وبعض النساء في بيت زوجها لها عشر سنين لا تعرف كيف تتوضأ, ولا يوجد يوم من الأيام قام فيه زوجها -وربما يكون طالب علم أو مدرساً- بأخذها إلى مكان الوضوء ليريها الوضوء الشرعي أبداً, لكنه لو دخل يوماً من الأيام وزوجته لم تطبخ الطعام لأرغى وأزبد، وحرك الدنيا من أجل أنها لم تطبخ الطعام, ومع ذلك تجده لا يسألها: هل صليتِ؟ لأنه يهمه من أمره ما لا يهمه من أمر الله -والعياذ بالله- بينما هذه حقوق لله يجب أن تقدمها على حقوقك, فتعلمها ما يجب عليها من الأمور الشرعية كالصلاة والطهارة من الحيض..الطهارة من النفاس.. الطهارة من الحدث الأصغر..الطهارة من الجنابة، وكيف تغتسل.
وبعض النساء الآن تطهر من الحيض وتجلس يومين أو ثلاثة لا تصلي, لماذا وقد تطهرت قبل يومين؟ قالت: أتأكد أني طهرت, ويمر عليها صلاة أو صلاتان أو أكثر وهي تمدد الإجازة, وتفرح بأسبوع من كل شهر تستريح فيه من الصلاة، وتمددها من عندها ثلاثة أيام، تصبح عشرة أيام من كل شهر لا تصلي, وزوجها لا يخبرها بشيء, فهذه مصيبة ومسئولية على زوجها.
وعليه أن يعلمها مكارم الأخلاق التي علمنا إياها الشرع: من الوفاء والصدق، والبر والصلة، والرحمة والكرم والشجاعة في الأدب, فلا تكون جبانة ولا بذيئة، ولا تكون باستمرار إذا فعلت شيئاً أو أخطأت لا تستطيع أن تقول: أنا أخطأت؛ لأنها تخاف منك، فإذا كسرت الباب قالت: والله هبت الريح, أو خربت شيئاً تخاف ولا تعترف, هذا لا يجوز؛ لأنها إذا خانتك في هذه خانتك في أكبر منها, فعلمها وازرع الثقة في نفسها، وبعد ذلك قل لها: أنا أغلط وأنتِ تغلطين لكن أكبر غلط أنكِ تغلطين وتقولين لي كلاماً آخر, فإذا رددتِ فتحملي المسئولية, فإذا أخطأت عليكِ أو شتمتكِ أو ضربتكِ أو ذهبت بكِ إلى أهلك فهذه بسيطة، ولكن تكذبين عليّ وبعد ذلك أعلم أن الذي كسر هذا هو أنت فهذه هي المصيبة.
فازرع فيها مكارم الأخلاق عملاً بقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
أما أنتِ فلا تظهرين على الرجال, أنتِ لست راجلة, فتقوم المسكينة وتتزين وتقول: أهلاً وسهلاً!! والناس كلهم ينظرون إلأيها، هذا -والعياذ بالله- خائن في أمانته؛ لأنه عرض جوهرته على الرجال, ما رأيك إن كانت حسناء؟ الناس يتمنونها, وإن كانت غير جميلة فالناس يرحمونك ويقولون: هذا مسكين معه هذه القبيحة! ولهذا أسلم شيء لك أن تصون امرأتك، فإن كانت جميلة فلك، وإن كانت غير ذلك فعليك؛ لأن الزوجة أعظم كنز يكنـزه الرجل, فلا يليق به أن يعرضها، ويجعلها سلعة تلوكها الألسن، وتلتهمها الأعين, وتجرحها الأفكار والخواطر, والغيرة من أخص صفات الرجل الشهم الكريم, ولا تعني بالضرورة سوء الظن بالمرأة أو عدم الثقة بها, بل هي دليل على كمال الرجولة، وكمال الحب للمرأة؛ لأن بعض النساء تقول: ما تثق بي تغطيني؟! لا. أثق, لكن من ثقتي أغطيكِ, ولو أنني لا أثق بك ولا أحبكِ فلن أعطيك, ولكن من ثقتي بك وحبي لكِ وغيرتي عليكِ أغطيكِ عملاً بأمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما إذا كانت الأمور قائمة على البراءة، وعلى الطهارة، فلا يجوز لك أن تجري تفتيشاً وزيارات مفاجئة ومكالمات؛ لأن هذا تخوين وتلمس للعثرات: (ومن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته, ومن تتبع الله عورته فضحه الله في عقر داره).
قال الله عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] وقال سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ [البقرة:228] وذلك يشمل الإحسان والإنصاف والعدل, لا تقل: هذه المرأة لا عليك منها, حتى إن بعض الناس يقول في المجالس: المرأة الله يكرمكم..!! الأنثى الله يكرمكم..!! هذا ليس من الدين, من هي المرأة؟ المرأة هي أم الرجال, وهي بنت الرجال, وهي أخت الرجال, والمرأة هي شقيقة الرجل، وهن شقائق الرجال, خاطب الله في القرآن الرجال والنساء سواء، قال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35] وبعد ذلك قال الله عز وجل: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195] هذه ليست سلعة رخيصة بل هي غالية ونفيسة, ولها كرامتها عند الله عز وجل, فلا بد من العدل معها, ولا بد من الإحسان إليها, ولا بد من الإنصاف, وبذل الخير, واحترام الرأي, وكف الأذى, وغض الطرف عن الهفوات والزلات, ولا تكون عينك مفتوحة باستمرار على السلبيات من زوجتك, ففي الحديث: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) والحديث صحيح، (لا يفرك) أي: لا يبغض, لا تكن عينك على السيئات كالذباب الذي لا يقع إلا على الشيء السيئ, لا. إذا رأيت شيئاً سيئاً تذكر شيئاً أحسن منه؛ ليلغي من نفسك هذا الشيء السيئ, وغض الطرف عن الهفوة والزلة ولا تحملها، وإن اعتذرت فاقبل عذرها.
وعليه من باب المعاشرة بالمعروف: التحبب إليها، والاستماع إلى حديثها، واحترام رأيها، وإكرام أهلها؛ لأن إكرام أهلها إكرام لها, لا تسب أباها، أو إخوانها، أو أحداً له علاقة بأهلها في المجلس، كأن تقول: ما فيهم خير.. لا, دائماً اذكرهم بخير؛ لأن هذا ينعكس على نفسيتها, كذلك أنت لا تريد زوجتك أن تقدح في عرض أبيك أو أمك أو أخيك أو جماعتك، فهي كذلك لا تريد ذلك, هذا كله من العشرة بالمعروف، هذه بعض حقوق الزوجة على الزوج.
ويروي الحاكم والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة) والطاعة في المعروف، إذ لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق, بعض النساء تريد أن تتحجب لكن زوجها يأمرها أن تكشف فتقول: أطيعه لأنه زوجي, لا. إذا أمرها بأمر يتعارض أو يتضاد مع أمرٍ من أوامر الله فإنه يلزمها أن تستجيب لأمر الله وأن ترفض أمره؛ لأن طاعته إنما تكون في المعروف: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
بعض الناس إذا تزوج تحول من عند أمه وتوجه إلى زوجته, لا. أمك ثم أمك ثم أمك ثلاثاً، وبعد ذلك أبوك، وبعد ذلك أدناك أدناك، ويمكن أن تأتي المرأة في المرتبة العاشرة, فهو ينقلها من المرتبة الأخيرة إلى المرتبة الأولى, وينزل الباقين كلهم .. لماذا؟ لأنه ليس عنده خوف من الله, ولا حول ولا قوة إلا بالله!
أما الفريضة فتصوم بغير إذنه, لكن أن تتطوع وتصوم نافلة وهو موجود لا يجوز لها، إلا أن تقول له: ما رأيك هل أصوم غداً؟ فإن أذن لها وإلا فلا يجوز لها أن تصوم؛ لأن صومها يحول دون استمتاعه بها، للحديث الذي رواه البخاري ومسلم: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه).
ما روى الطبراني : ((أن رجلاً سافر عن امرأته ومنعها من الخروج، فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادة أبيها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقي الله ولا تخالفي زوجك، فمرض أبوها حتى مات وهي في البيت, فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور جنازة والدها, فقال لها: اتقي الله ولا تخالفي زوجك، فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: أني قد غفرت لها بطاعتها لزوجها) غفر الله لها بهذا الأمر, وذلك لأن طاعة الزوج واجبة، وعيادة المريض مستحبة، فلا تترك الواجب للمستحب, ولكن لا ينبغي للزوج أن يضيق على المرأة وأن يمنعها من الخروج إلى والديها؛ لأن في ذلك قطيعة لها وحملاً لها على معصيته, وليس هذا من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها, ليس كل الحقوق ينبغي أن تطالب بها, إذا عرفت أنه لا يجوز أن تخرج إلا بإذنك فلا تكن شديداً تضطرها إلى الخروج, عليك أن تكون مرناً تسمح لها بالحقوق, مثل المدير والموظف أليس الموظف لا يستطيع أن يخرج إلا بإذن المدير؟ لكن ما هو موقف المدير عندما يرى الموظف جاء إليه واستأذنه, يستحي ويقول: حاضر, لكن إذا كان كلما استأذنه قال: لا. والله لا تخرج .. !! فماذا يحصل للموظف؟ إما أن ينقل أو يفصل ويخرج, فكذلك المرأة إذا ضيقت عليها وقلت: لا تخرجي.. لا تخرجي.. احترمتك حتى تعبت ثم خرجت, فيجب أن تكون مرناً في حدود الحاجة, فإذا كانت هناك ضرورة تقتضيها وزوجتك تذهب إلى بيتٍ وأنت تعرف أن هذا البيت طاهر وليس فيه شر فلا يوجد مانع, لكن المكان الذي فيه ريبة لا. وألف لا.
فعليها أن تشكره على ما يقدم لها من طعام أو شراب أو ثياب مما هو في قدرته, وأن تدعو له بالخلف, إذا جاء وأعطاها قالت: أخلف الله عليك .. رزقك الله .. كثر الله رزقك, فإذا قالت هذا الكلام فيضطر أن يعطيها ولو أدى إلى أن يحتجب من ثيابه هو؛ لأن التعامل بين الناس يجب أن يكون على هذا, فكيف بينك وبين الزوجة؟ يجب أن يكون على أعظم درجة من الأدب والأخلاق الفاضلة.
وما يذكر من الخلاف اللازم بين أم الزوج وبين الزوجة أمر مستغرب جداً، فهو من كيد الشيطان, ومن إضلاله لإفساد الترابط الأسري، ولحمل الزوج على عقوق والدته ووالده.
ودور الزوجة الصالحة يجب أن يكون بارزاً في التحمل، وعدم إثارة المشاكل، والصبر على ما تجد من ألم أو مرارة أو من سوء معاملة من الأم أو من الأب, وعدم الشكوى إلى الزوج من والدته, لا تكون كلما دخل تقول: أرأيت أمك ما فعلت؟ والله إنها قالت .. وقالت..! فماذا يفعل؟ أتريدين أن يذهب ويضرب أمه؟ اصبري, ليس كل قضية تحملينها إليه. بل تحمَّلي؛ لأنك تضعينه أمام خيارات صعبة؛ لأن هذه الأم وهذا الأب بمنزلة الضيف الذي سيرحل عما قريب, فهذه الأم ستعيش أياماً وليالي .. سنتين أو ثلاثاً أو أربعاً وبعد ذلك تموت, فهي ضيفة عندكم لا ينبغي أن تسيئي إليها -أيتها المرأة- وأن تضعي زوجك أمام خيارات صعبة، إما التضحية بأمه، أو التضحية بزوجته.
قالت أسماء بنت خارجة الفزاري لابنتها: "إنك خرجت من العش الذي درجت فيه إلى فراش لم تعرفيه, وقرين لم تألفيه, فكوني له أرضاً يكن لك سماءً، وكوني له مهاداً يكن لك عماداً, وكوني له أمة يكن لك عبداً".
وهذا واقع فعلاً، إذا رأيت امرأتك تتواضع تضطر أن تكون عبداً لها, لكنك إذا رأيتها تتكبر عليك تضربها على وجهها, وإذا دخلت وهي مبتسمة وراضية وقالت: حياك الله .. وعسى ما تعبت اليوم؟ وكيف العمل اليوم؟ وكيف الأمور؟ وتقرب لك الطعام بسرعة, تضطر أنك إذا أكملت تأخذ الصحون وتغسلها معها، لماذا؟ تبادلها هذه الخدمة, لكن إذا دخلت وهي تقول: ما هذا الدوام؟ أنا في أشغال وآتي وألقى لي مشاكل هنا فبالعكس!
"ولا تلحي عليه في الطلب فيكرهك".
نريد أن نذهب إلى الأهل هذه الليلة, فإذا قال: نذهب فحسن، وإذا قال: لا. فلا تقولي: أرجوك, الله يرزقك ويعطيك العافية, هذا الإلحاح يجعله يوافق وهو كاره, وإذا كره كرهها هي نفسها.
"ولا تبتعدي عنه فينساك, إن دنا منك فاقربي إليه, وإن نأى عنك -متعباً يريد أن يجلس ليرتاح- فابتعدي عنه, واحفظي أنفه وسمعه وعينه, فلا يشمنّ منك إلا أطيب ريح, ولا ينظر منك إلا إلى أحسن منظر جميل, ولا يسمع منك إلا أحسن كلام" لأن هذه هي القنوات التي تصب إلى القلب.
أي بنية! احفظي عني عشر خصال:
1 2/ الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بالسمع والطاعة, فإن في القناعة راحة القلب, وفي الطاعة مرضاة الرب.
3 4/ تعاهدي موضع عينه، وتفقدي موضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح, ولا يشمنّ منك إلا أطيب ريح.
5 6/ تحري وقت طعامه، واهدئي حين منامه, فإن حرارة الجوع ملهبة, وتنغيص النوم مغضبة. انظروا هذا الكلام، يمكن أن يكون أصول الحياة, يدرس في الجامعات، وهي امرأة عادية؛ لكن تقول: انتبهي وقت الطعام ووقت المنام, لا تؤخري طعامه ولا تنغصي منامه, فإن تأخير الطعام على النار يغلي، وهو يسمع القدر يصدر الصوت وهي نائمة إلى الساعة الثانية ثم تقوم تطبخ! فيغضب لذلك, يقول: بدل ما كنت أداوم سبع ساعات، الآن أداوم ثمان ساعات من أجلها، هذا بدون إضافي, وبدل ما كنت أرتاح قبل العصر الآن ليس عندي راحة, فيغضب ويأكل كأنه يأكل في دمه, لكن ما أجمل أن تكون الزوجة مهيئة للطعام بمجرد دخوله والطعام جاهز, ثم بعد ذلك اهدئي عند منامه إذا أراد أن ينام، تأخذ أطفالها وأولادها وتذهب بهم في شقة بعيدة، وتسكتهم، وترقدهم، وتجلس معهم ولا يسمع لهم صوتاً, وتراعي الوقت إذا قال: أيقظيني الساعة كذا تضع الساعة عند عينها, ثم تأتي توقظه بلطف, لكن بعض النساء إذا قال زوجها: أريد أن أنام قامت تضرب أولادها يبكى ذلك ويصيح الآخر!! مسكين هذا, أين يذهب لينام؟ أيذهب في الشارع؟ أم في المكتب؟ أم في القهوة أو الفندق؟ إذا كان بيتك الذي هو سكن لك ما وجدت راحة أين ترتاح أيها الإنسان؟!
7 8/ احرصي على ماله، وراعي عياله, وملاك الأمر في المال حسن التدبير، وفي الأهل والعيال حسن التقدير.
9 10/ لا تفشي له سراً, ولا تعصي له أمراً, فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره, وإن عصيت أمره أوغرت صدره".
وفي اعتقادي أيها الإخوة وأيها العروسان: أنه إذا قام كل من الزوج والزوجة بالحقوق التي ذكرناها فإنه لن يكون هناك مجال للخلاف, إذا التزم كل واحدٍ بهذه الحقوق وقام بالواجبات فلن يكون هناك خلاف, وسيترتب على ذلك قيام الحياة الزوجية السعيدة، ولكن مع كل ذلك لا تخلو الحياة الزوجية من مشاكل ومنغصات مهما كان, حتى بيت النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث فيه بعض المشاكل, وهذا شيء طبيعي في حياة البشر, فالكمال لله, والزوجة التي ليس فيها عيب ولا نقص هي في الجنة, والزوج الذي ليس فيه نقص هو في الجنة, ومهما حاول الزوج أو الزوجة أن يجتهدا إلا أنه قد يحدث، ليس في كل يوم إنما في السنة أو في كل ستة أشهر.
كما يلزمه أيضاً أن يترفع عن السباب والشتائم, وأن يكون عتابه لائقاً وأدبياً.
فعليك -أيتها الزوجة- ألا تنقلي شيئاً مهما حدث إلى أهلك، لأنك سوف تنسين المشكلة وأهلك لا يزالون يعيشونها، فلا تخبري أهلك بأي مشكلة بينكما ما دمت تؤملين البقاء مع زوجك، حتى على فرض أن الحياة أصبحت مستحيلة -لا سمح الله- وقررت القرار النهائي فهناك لا ينبغي -أيضاً- التشهير بالزوج؛ لقول الله عز وجل: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237] ولا ينبغي تشويه سمعته, ولا الإساءة إليه, إذا طلقت المرأة وجاءها شخص وقال: ما الذي حصل؟ قالت: نصيب وقدر وانتهى, لكن بعض النساء تقول: فيه .. وفيه.. وفيه.., هذا الكذب عندما تنشره يأتي النساء الأخريات ويقلن: لن نتزوجه, وهو ما كان يضربها إلا لأنها هي السيئة؛ لأنها لو كانت طيبة ما ضربها, فالضرب الذي أتى بها والعتاب الذي حصلت عليه وسوء التعامل بسببها هي, فتشرع تشوه سمعته، وتشهر به بين الناس, وهذا لا يجوز.
وأنت أيها الزوج! إذا بادرت زوجتك إلى استرضائك فسارع إلى الاستجابة, ولا تفكر -أخي الزوج- أثناء الغضب والخلاف بالطلاق, فكر في كل شيء إلا الطلاق, ولا يخطر لك على بال، فإن الشيطان قد يستغل نقطة الضعف التي تعيشها أثناء الغضب فيقحمك في هذه الورطة, ثم تحطم حياتك وتندم ولكن حين لا ينفع الندم, فالطلاق مخرج نهائي شرعه الإسلام عند فشل الحياة الزوجية، وعند عدم إمكانية استمرارها وليس سوطاً أو سيفاً تسله على زوجتك كلما غضبت عليها, وقد يظن بعض الشباب أن الطلاق هو الحل الوحيد لجميع المشاكل.
في حين كان بإمكانه أن يطرق وسائل أخرى، منها إعطاء الفرصة للتجربة بإرسال الزوجة إلى أهلها شهراً أو شهرين أو ثلاثة ليعرف الإنسان مدى قدرته على الصبر عنها, ولتعرف هي مدى قدرتها على الصبر عنه.
يقول لي أحد الإخوة حدث بينه وبين زوجته خلاف, وأدى الخلاف بعد أن تصاعد جداً، فغضبت هي وقالت: طلقني الآن, طلقني الآن, قال: عازمة الآن, فقالت: نعم, فقامت وأتت بالورقة, قال: دعيني أفكر إلى غدٍ, وأعطيك الخبر غداً, قالت: حسناً, وذهبت ونامت في غرفتها وأغلقت الباب, وهو نام في غرفته مغلقاً على نفسه, وفي الصباح ذهب للدوام, وجاء من الدوام ودخل وقال: هات الورقة التي معك أمس، قالت: لا أريد الطلاق، لو أنه أطاعها في تلك اللحظة وطلقها لندمت وندم هو أيضاً, أنت إذا رأيت المواضيع تأزمت وتأزمت قل: اذهبي إلى عند أهلك واجلسي شهراً, وبعد شهر تقبل عليك وأنت تقبل عليها, لكن لو تسرعت وطلقت ستندم ثم تذهب تستفتي ولكن لا ينفع الندم.
وأنتِ أيتها المسلمة! لا تحاولي أن تطلبي من زوجك الطلاق, وإذا لاحظت عليه رغبة في التصرف بهذا فسارعي إلى تهدئة الوضع علك أن تثنيه عن هذا التهور, حتى قال بعض العلماء: عليها أن تسد فمه، إذا رأته يتلفظ بها فلتلجمه, وتقول: والله لا تطلقني, يا أبا أولادي!! فتذكره.
وقد يحصل إذا رأيت -يا أخي المسلم- قصوراً أو نقصاً في القيام بالواجب فعالج هذا القصور والنقص بألطف الأساليب وأقرب الطرق، بالكلمة الطيبة والتوجيه الحسن بعيداً عن العصبية والإثارة.
وقد يحصل إذا رأيت يا أخي المسلم قصوراً أو نقصاً في القيام بالواجب فعالج هذا القصور والنقص بألطف اsأسلأساليب وأقرب الطرق، بالكلمة الطيبة والتوجيه الحسن بعيداً عن العصبية والإثارة.
أحد الإخوة بارك الله فيه وفي زوجته, يقول: منذ أول ليلة وأنا لم أتعود قيام الليل, ولكنه تزوج بامرأة صالحة يقول: بعد أن قضى غرضه منها, قامت واغتسلت وهو نائم وجاءت إليه, يقول: فجلست تقرأ القرآن ثم مدت يدها على كأس عندها وأخذت ماءً بسيطاً ونضحته -فلم تصب كوباً, بعض النساء تقول: نضحته أي: تغرقه من أجل أن يضربها- أخذت قليلاً من الماء ثم أنزلته كالرذاذ على وجهي, وينزل عليّ الماء كأنه من مكيف, ماء من أصابع دافئة فاستيقظت, وجاءت بالحديث وقالت: (رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن لم يستيقض نضحته بالماء) قالت: فأنا إن استجبت لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم رحمني الله عز وجل, يقول: فلما ذكرت الحديث خفت من الله, يدعو لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالرحمة وأنا أقعد نائماً مثل الثور، يقول: فأقوم وأتوضأ وأصلي, ومن تلك الليلة ما تركت قيام الليل, يقول: فنتسابق أنا وهي من أجل رحمة الله.. فهي تقوم من أجل الدعوة, وأنا أحياناً أقوم من أجل الدعوة, ولكن أكثر الأوقات هي التي تقوم وتسبقني رغم أن عندها أولاداً وتنام متأخرة, لكنها تقوقظني وتنضح في وجهي الماء وتقول: قم: (رحم الله امرأة ..) وتذكره.
هذا أعظم شيء.
وينبغي للمرأة أن تذكر زوجها بقيام الليل، وقراءة كتب العلم، والاستماع إلى الشريط الإسلامي.
فعليكما أن تبتعدا كلياً عن الإسراف، وأن يتم الاكتفاء بأقل الأمور, وتوفير المبالغ الزائدة وإرسالها إلى الأفغان وإلى المجاهدين في فلسطين , وإلى الفقراء والمساكين, وإنفاقها في وجوه البر، إذ ربما يوجد بقربكما أو من جيرانكما من هو في أمس الحاجة إلى الريال والمساعدة في أمور لا تؤثر عليكما، ولكنها ستكون ذات أثر كبير ونفع جليل لهم, فقد تكون الثياب المبتذلة عندكما ثياب عيد عند غيركما، قال تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274] وهكذا.
ليس من خلق المرأة الجري وراء بيوت الأزياء والموضات، ومتابعة كل جديد وتقليد العمي, بل. إن المؤمنة مستقلة النزعة وليست ذيلية تتبع كل ناعق، وتلهث وراء كل مستحدث.
فانتبهي أيتها الأخت الفاضلة! ولا تجعلي اهتماماتك محصورة في اهتمام الساذجات من النساء, اهتمي بالجوهر والمضمون, ولا ترهقي زوجك ولا تثقلي كاهله بكثرة الطلبات والكماليات.
من أهداف الزواج في الإسلام كما ذكرنا من قبل: تكثير سواد المسلمين, وعلى الزوج والزوجة المبادرة إلى الإنجاب والحذر من الاستجابة للدعوات المضللة التي ينادي بها أعداء الإسلام, والتي يقصدون من ورائها إضعاف المسلمين وكسر شوكتهم، وتقليل عددهم على المدى البعيد حتى يسهل القضاء عليهم, فتكاثروا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة.
والطريق الأمثل أن تتجنب -يا أخي- ملاطفة زوجتك أو مداعبتها أو التوجه إليها بالكلام في المجلس الذي تجلس فيه أمك, وقل لزوجتك على انفراد: هذا التصرف من أجل مداراة الأم, وأن بإمكانكما ممارسة كل ما تريدانه من الأنس والملاطفة ولكن عند عدم وجود الوالدة, كما ينبغي عليك أن تعرض على الوالدة الخروج معكما إلى النزهة مهما كانت, وأن تركبها في مقدمة السيارة وألا تدعها في البيت لمفردها, صحيح أنك ربما تريد حريتك مع زوجتك, وترى أن وجود الأم ربما يشكل عليك نوعاً من الضغط أو المضايقة, لكن لا. إذا تركت أمك تولد في قلبها ناراً عليك وعلى زوجتك وتغضب, وعندما تخرج تقول لها: اذهبي معنا يا أمي! فإذا قالت: لا أريد أن أخرج, قل: لابد أن تخرجي, وتركب أنت وهي في مقدمة السيارة ولا تدعها في البيت وتخرج مع زوجتك فهذا يسبب لها ضيقاً شديداً ينعكس على التصرفات تجاهك وتجاه زوجتك.
أما الهدية والملابس والطيب والعطور مهما كانت، فلا تقدم شيئاً خاصةً لزوجتك إلا بعد تقديم ما هو أفضل لأمك, ولا تتذرع أنها كبيرة في السن, فإن القضية في نظرها قضية اعتبارية, تنظر إليها والدتك من عدة زوايا، فهي لا تريد أن تشعر أنها غير ذات أهمية في بيتك، وأنك قد اتجهت إلى غيرها.
هذه آثار الهداية من أخذ بها نفعته في الدنيا والآخرة، ومن تركها ضل في الدنيا وشقي في الآخرة, ففي الدنيا الحيرة والضلال والقلق والاضطراب والفساد, وإفساد الأولاد ومحق بركة الرزق: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] رفض لأنه لا يريد الهداية, الطريق واضحة أمامه أعلامها واضحة, وأماراتها واضحة, كالمحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, فله وجبتان: الوجبة الأولى في الدنيا: قال الله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:123] والوجبة الثانية: قال تعالى: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] تصوروا! رجلاً يحشر أعمى ويؤمر بالسير على الصراط, أعمى ويمشي على الصراط كيف يمشي؟! قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طـه:125-126] الجزاء من جنس العمل, كذلك أتتك آياتنا في الدنيا فنسيتها وتعاميت عنها وتجاهلتها, كل شيء له في ميزانك ولبرنامجك مكان إلا القرآن والدين والهداية لا تريدها, للمباريات مكان, وللتمشيات مكان, وللمسلسلات, وللألعاب وللدوام وللنوم وللطعام, لكن للعلم .. للقرآن .. للصلاة .. للهداية .. لا. هذا البرنامج فارغ, تأتي تقول له: هناك ندوة نحضرها؟ قال: ليس عندي وقت, أشغل نفسه بما لم يشغله الله به, أشغل نفسه بما يضره في الدنيا والآخرة -والعياذ بالله- فنعمة الهداية نعمة عظيمة جداً والله، وهي جديرة بكل اهتمام.
ويكفينا أنك بالهداية تنجو من عذاب الله من النار, يقول الله عز وجل: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:74-77] هذه أمنيتهم, يقولون: نريد الموت, وعرفوا أن النجاة منها مستحيلة، فقالوا: نريد الموت قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77] لماذا؟ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ [الزخرف:78-80] وهم مضيعون، لا والله، سرك ونجواك -فضلاً عن ظاهرك- مسجل عند الله بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80] كل شيء مسجل عليك: هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:29].
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ [الحج:19] التفصيل من نار, ثياب من نار يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:20-21] إذا تعبوا من العذاب بالمقامع كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:22] أعاذنا الله وإياكم منها, ففيها ما لا يتصوره العقل، يقول الله عز وجل: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47].
وفي الختام أرجو قبول تحياتي وأحلى أمنياتي مع دعائي لكما من القلب بالتوفيق والسداد, وأن يثبتكما الله بالقول الثابت, وأن يأخذ بأيديكما إلى ما يحبه ويرضاه, وأن يجنبكما ما يسخطه ويأباه .. محبكما في الله: سعيد بن مسفر بن مفرح في مدينة أبها في يوم الثلاثاء الموافق (8 / 7 / 1409هـ) على صاحبها صلوات الله وسلامه عليه, والله أعلم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر