بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
تقدم معنا الكلام أن المشركين أعداء الله لما وجدوا أن حربهم النفسية واتهاماتهم الباطلة التي يوجهونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تثنه عن دعوته، ولم تؤثر في همته فإنهم لجأوا إلى الإيذاء الجسدي، فحاول أبو جهل لعنه الله أن يشدخ رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر وهو ساجد عند الكعبة، فمنعه الله من ذلك، وأتى عقبة بن أبي معيط بسلا جزور فطرحه على رأس النبي عليه الصلاة والسلام، ومرة اجتمع عليه المشركون فصار بعضهم يدفعه وبعضهم يخنقه، وبعضهم يلكزه حتى جاء الصديق أبو بكر رضي الله عنه فدفع عنه أولئك القوم، وهذا كله ما كان إلا بعد وفاة أبي طالب ، فإن قريشاً ما استطاعت أن تنال شيئاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعدما مات أبو طالب فهو الذي كان له وزير صدق.
ثم لجأوا إلى الاعتداء على الصحابة رضوان الله عليهم، فـأبو بكر الصديق وهو سيد من سادات قريش لم يسلم من أذاهم حتى فكر في الهجرة فراراً بدينه، ولولا أن رجلاً يقال له ابن الدغنة رد أبا بكر من الطريق، ثم وقف في قريش خطيباً، ووبخهم على صنيعهم.
وكذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جهر بالقرآن في المسجد الحرام، فنظر المشركون وقالوا: ما يقول ابن أم عبد ؟ فقال بعضهم : إنه يقرأ شيئاً مما جاء به محمد، فقاموا إليه وما زالوا يضربونه حتى أدموه، فرجع رضي الله عنه إلى الصحابة، فقالوا له: قد كنا نخشى عليك مثل ذلك، فقال: (والله ما كان أعداء الله أهون علي مما هم اليوم)، يعني: هذا الأذى الذي نالني ما زادهم عندي إلا هواناً، (ولئن شئتم لأغادينهم بها غداً)، يعني: أرجع مرة أخرى فأقرأ القرآن، يعني: كأن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: أنا لا أهابهم ولا أرهبهم ولا أخاف منهم، وهذا الشيء الذي حملهم على أن يضربوني يمكن أن أعيده غداً، لكن الصحابة رضوان الله عليهم قالوا: حسبك، فقد أسمعتهم ما يكرهون.
وعثمان بن عفان رضي الله عنه كان عمه الحكم بن أبي العاص يأخذه ويلفه في حصير، ثم يوقد تحته ناراً من أجل أن يؤذيه.
وكذلك مصعب بن عمير رضي الله عنه تسلطت عليه أمه وكانت على دين الشرك، فأخرجته من بيته ومنعت عنه الطعام والشراب حتى صار جلده رضي الله عنه خشناً، وصار متغير اللون بعد أن كان منعماً عند أمه حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رآه دمعت عينه، وقال: ( ما رأيت في مكة فتى أنظر ولا أنعم من مصعب )، يعني: لما كان على دين قومه كان منعماً يعيش في رغد، ولما دخل في دين الله عز وجل تنكرت له الدنيا.
وكذلك اعتدوا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحاولوا قتله؛ لأنه كان دائم الأذى لهم، رضي الله عنه. ومنعه الله بـالعاص بن وائل السهمي.
وكذلك عثمان بن مظعون الجمحي رضي الله عنه كان ممن هاجروا إلى الحبشة، ثم لما سرت شائعة بأن المشركين قد أسلموا قفل راجعاً، وكان سبب تلك الشائعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على الناس سورة النجم، فلما بلغ آخرها عند قوله تعالى: أَزِفَتْ الآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:58-62]، فسجد القوم جميعاً مسلمهم ومشركهم، حتى إن الوليد بن المغيرة وكان شيخاً قد أسن لا يستطيع السجود، أخذ كفاً من تراب فوضع جبهته عليها.
والمشركون لما سجدوا لا لأنهم آمنوا، وإنما لأن القرآن أخذ بمجامع قلوبهم، وسيطر على مشاعرهم بفصاحته وبلاغته وسلاسة أسلوبه وجزالة نظمه وتسلسل منطقه، ففي نهاية سورة النجم وجه الله إليهم هذا السؤال: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ [النجم:59-61]، أي: لاهون لاعبون، ثم أتى بالأمر: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:62]، فسجدوا كلهم مؤمنهم وكافرهم، فسرت شائعة بأن القوم قد أسلموا، فبعض من كان مهاجراً في أرض الحبشة رجع، ومنهم هذا الرجل المبارك: أبو السائب عثمان بن مظعون رضي الله عنه، ودخل في جوار الوليد بن المغيرة ، يعني: مجرد ما علم بأن إسلام قريش شائعة وليست حقيقة، وأن العذاب على أشده دخل في جوار الوليد بن المغيرة المخزومي ، ثم بعد ذلك نظر رضي الله عنه إخوانه يعذبون، فهذا مسلسل في الحديد، وهذا مطروح في الشمس، وذاك محبوس، وهذا قد وضعت الأغلال في عنقه، فقال: ما هذا بإنصاف، ثم ذهب إلى الوليد بن المغيرة وقال له: (قد رددت عليك جوارك -أنا ما أريد أن تحميني- قال له: لم يا ابن أخي؟ هل نابك ما تكره؟ قال: لا. ولكني أرضى بجوار الله).
ثم بعد ذلك جلس في مجلس من مجالس قريش، وكان أحد الناس ينشد شعراً وهو لبيد بن ربيعة ، وكان مما قاله في شعره: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. فقال له عثمان : صدقت. ثم قال: وكل نعيم لا محالة زائل. فقال له: كذبت. نعيم الجنة لا يزول، فهذا الرجل الشاعر تضايق فقال: (يا معشر قريش! متى حدث هذا الحدث فيكم، ما كان جليسكم يسمع ما يكره؟! فأحد الكفرة الفجرة قال له: لا تبال به فهذا سفيه من سفهائنا، يعني عثمان بن مظعون فرد عليه عثمان وعظم أمرهما وكثر القول بينهما حتى قام الكافر فلطم عثمان على عينه فاخضرت، و
الوليد بن المغيرة
جالس يرى هذا كله، ثم قال له شامتاً: لقد كنت غنياً عن هذا، يعني: لما كنت في جواري ما كان أحد يستطيع الاعتداء عليك، لقد كنت غنياً عن هذا، فقال له عثمان رضي الله عنه: لا والله إن أختها لأحوج للذي أصابها في الله، فقال الوليد : إن شئت جعلتك في جواري، قال: لا. أنا في جوار الله).وهنا نستفيد بأن المسلم إذا جلس مجلساً، وهذا المجلس قيل فيه ما يستنكر ينبغي أن ينكر، فإن لم يستطع الإنكار فعليه أن ينصرف؛ لأن الله عز وجل هددنا فقال: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء:140]، من أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. يعني: إنسان سمع ناساً يسخرون من القرآن أو يسخرون من السنة أو يسخرون من بعض الأحكام، فأنكر عليهم وقال لهم: اتقوا الله، هذا باطل، هذا منكر، لا تقولوا هكذا، فقد برئ، لو أنه كره ما قالوا وغادر المجلس فقد سلم، لكن لو أنه جلس يتبسم لهم، ويضاحكهم، فحكمه حكمهم.
ولذلك لما جيء لـعمر رضي الله عنه بجماعة شربوا خمراً، قال: (اجلدوا كل واحد ثمانين، قالوا: يا أمير المؤمنين! كان معهم فلان ما شرب، كان جالساً معهم. قال: اجلدوه مائة)، فالذي كان قاعداً وما شرب هذا اجلدوه مائة، وتلا هذه الآية: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [النساء:140].
وهذا الرجل المبارك عثمان بن مظعون الجمحي رضي الله عنه هو أول من مات من المهاجرين في المدينة، وأول من دفن في بقيع الغرقد، ولما مات رضي الله عنه دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما زال يبكي حتى سالت دموعه على عثمان ، ثم إن إحدى النساء يقال لها أم حارثة قالت: (هنيئاً لك الجنة أبا السائب فشهادتي أن الله قد أكرمك). فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( وما يدريك ؟)، أي: ما يدريك أنه من أهل الجنة، وأن الله أكرمه، قالت: (أتوب إلى الله يا رسول الله لا أزكي أحداً بعده، فقال لها عليه الصلاة والسلام: والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل الله بي).
فلا يجوز أن تشهد لمعين من أهل القبلة بأنه في الجنة، إلا من شهد له رسول الله عليه الصلاة والسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم شهد للعشرة: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وسعد ، وسعيد ، وعبد الرحمن ، والزبير ، وطلحة وأبي عبيدة ، وشهد للحسن والحسين، ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة )، وشهد لـأبي يوسف عبد الله بن سلام الحبر رضي الله عنه، وشهد لـبلال بن رباح قال له: ( سمعت قرع نعليك في الجنة، أخبرني بأرجى عمل عملته؟ قال: ما أحدثت إلا توضأت، ولا توضأت إلا صليت ركعتين )، فهو من أهل الجنة.
وكذلك شهد لـعمار ووالديه قال: ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة )، وشهد لـخديجة لما نزل عليه جبريل قال له: ( أقرئ خديجة من ربها السلام، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب )، وشهد لـعائشة لما قالت له: ( يا رسول الله! من أزواجك في الجنة؟ فقال: أنت منهن )، وهذا جواب حكيم، حيث أعطاها الجزء الذي يعنيها فقط أو لم يخبرها عن الأخريات.
فهؤلاء الذين شهد لهم نبينا عليه الصلاة والسلام فإننا نشهد لهم؛ لأن من مقتضيات قولنا: نشهد أن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام أننا نصدقه في كل ما أخبر به.
أما بعد ذلك فلو رأيت واحداً من إخوانك يصلي الخمس، ويصوم الشهر، ويصوم يوماً، ويفطر يوماً، ويصلي الضحى، ويصلي السنن القبلية والبعدية، ويقيم الليل، ويتصدق، وهو ممسك للسانه و.. و.. يعني: ظاهره خير محض، لا تشهد له بالجنة؛ لأن هذا خبر عن غيب، والغيب لا يعلمه إلا الله.
وكذلك لا نشهد على معين من أهل القبلة بأنه في النار، يعني: لو أن أحداً من الناس شرير، ولسانه بذيء، وشره كثير، وتارة يصلي، وتارة يترك، وصيامه ملكلك، وما رأيته يوماً يتصدق، إياك! إياك! أن تقول له: يا فلان! أبشرك بالنار، كما يفعل بعض الحمقى. بل اعلم: ( أن الأعمال بالخواتيم )، وقد أخبرنا نبينا الكريم (بأن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)، يعني: العكس، فلذلك حكى لنا صلى الله عليه وسلم قصة عابد من عباد بني إسرائيل: كان عنده أحد أرحامه وكان مقصراً متفلتاً، فكان العابد يقول له: اتق الله! اتق الله! ودائماً يوصيه، وذاك يقول له: إليك عني! إليك عني! أي: خليك في حالك، وفي يوم من الأيام كان العابد يصلي وهو ساجد، فجاء هذا الشرير فوضع رجله على رقبته، فالعابد هذا تضايق، فقال له: (ارفع رجلك فوالله لا يغفر الله لك أبداً، فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان: من هذا الذي يتألى -يحلف- علي ألا أغفر لفلان، أخبره أني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك )، فإذا كنت صالحاً لا تغتر فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وإذا كنت على شر وفساد لا تيأس، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
فـعثمان بن مظعون شهدت له هذه المرأة بالجنة، فأنكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد زمان بعد حين رأت هذه المرأة عثمان في منامها وله عين تجري، فأخبرت النبي عليه الصلاة والسلام فقال: ( ذاك عمله )، أي: عمله الصالح الله عز وجل يجري عليه أجره بعد موته.
ثم إنه لم يقتصر التعذيب الجسدي على المسلمين من أهل مكة، بل حتى من قدم من خارجها، كـأبي ذر جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه، وكذلك أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم، أجاعوها، وعطشوها، وآذوها، أما الموالي فقد بالغوا في إيذائهم، كـبلال بن رباح رضي الله عنه، كانوا يأتون بالواحد منهم فيوثقونه ويجيعونه ويعطشونه ويلقونه في حر الشمس، ويضعون على صدره الصخرة العظيمة ويقولون له: واللات والعزى لا ندعك حتى تكفر بمحمد وإله محمد.
زنيرة جارية رومية عذبوها، وأجاعوها، وعطشوها، ثم بعد ذلك صاروا يضربونها بالنعال على رأسها حتى ذهب بصرها من كثرة الضرب؛ لأن مركز الإبصار في المخ تأثر من الضرب فذهب بصرها، وكانت رضي الله عنها إذا عطشت وطلبت الماء، يقولون لها: الماء أمامك ويضعون بعض العوائق حجارة وكذا، فتتعثر وتسقط، ثم بعد ذلك بدءوا يتهكمون عليها، ويقولون لها: أذهب بصرك اللات والعزى، فكانت تقول لهم: (كذبتم وبيت الله، ما تنفع اللات والعزى وما تضر، ما أذهب بصري إلا الله وهو قادر على أن يرده)، فرد الله عليها بصرها، وهكذا الإنسان إذا أحسن الظن بالله فالله لا يضيعه، قال الله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36]، والله جل جلاله على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم علمنا أن الجزاء من جنس العمل: ( احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله )، فهذا الذي تعلمناه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ، وياسر ، وسمية، وعمار ، وبلال، والمقداد ).
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقد منعهم الله بأقوامهما، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد منعه الله بعمه، وأما أبو بكر فقد منعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالاً فإنه قد هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: (أحد أحد)، رضي الله عنه.
يعني: لما تعب الكبار من الإيذاء والتعذيب دفعوا بلالاً إلى الصبيان يجرونه في شعاب مكة، وهو لابس أدراع الحديد من أجل أن يجتمع عليه حر الشمس وحر الرمضاء وحر الحديد، نكاية به رضي الله عنه.
ومن أبرز من نالهم الاعتداء الجسدي من الموالي آل ياسر، ياسر وزوجته سمية بنت خياط وولده عمار رضوان الله عليهم، كان بنو مخزوم يخرجون بهم إذا حميت الظهيرة فيعذبونهم برمضاء مكة، وجاء أبو جهل لعنه الله إلى سمية يوماً من الأيام وهي تعذب، فبدأ يفحش لها في القول، قال لها: (ما أسلمتِ إلا من أجل الرجال)، وهكذا الفرعون دائماً يلجأ إلى البذاءة والسقط من القول، فما ردت عليه شيئاً، فاغتاظ عدو الله وأخذ حربته فطعنها في فرجها، فكانت أول شهيدة، وجاء عمار رضي الله عنه يبكي فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ( قتل الله قاتل أمك يا عمار )، يعني: هذا الذي قتل أمك سيقتله الله، وفعلاً قتل لعنه الله يوم بدر، قتل كافراً إلى جهنم وبئس المصير، ولما ( بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله خر لله ساجداً، وقال: هذا فرعون هذه الأمة ).
وكذلك مات ياسر رضي الله عنه في العذاب، وتفننوا في إيذاء عمار حتى أجبروه أن يتلفظ لسانه بكلمة الكفر، يعني: من شدة العذاب أجبروه على سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل، وما تحمل، ثم جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: ( يا رسول الله! هلكت، قال: وما ذاك؟ قال: راودني المشركون على سبك ففعلت. فقال له الرءوف الرحيم عليه الصلاة والسلام: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، قال: لا عليك، إن عادوا فعد )، وأنزل الله عز وجل قوله: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ[النحل:106]. فالذي يكفر بالله من بعد إيمانه فله عذاب عظيم، واستثنى ربنا المكرَه، حيث قال سبحانه: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106].
وممن أوذوا: خباب بن الأرت رضي الله عنه، كانوا يأخذون بشعره وكان غزير الشعر، فيجذبونه جذباً عنيفاً، وكانوا يلوون عنقه حتى يكاد يهلك، وأضجعوه مراراً على صخور ملتهبة في حر مكة، ثم وضعوا عليه حجراً حتى لا يستطيع أن يقوم، وأوقدوا له ناراً ووضعوه عليها، فما أطفأها إلا ودك جسده.
وكان أبو بكر صاحب القدح المعلى في شرائهم وتخليصهم يريد بذلك وجه الله عز وجل، حتى قال له أبوه: (يا بني! إني أراك تعتق رقاباً ضعافاً، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك ويقومون دونك؟!)، يعني: يقول له: طالما أنك تريد أن تشتري عبيداً فاشتري رجالاً أقوياء من أجل أن يعينوك على عملك ويدافعوا عنك، فقال له: ( يا أبت! إنما أريد الذي أريد)، وأنزل الله عز وجل في الثناء على أبي بكر : وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:17-21]، وقد أجمع المفسرون على أن هذه الآيات نازلة في صديق هذه الأمة وخيرها بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، وهو أبو بكر رضي الله عنه.
ثم اعلموا بأن هذا هو طريق الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، لما جاء خباب رضي الله عنه وقال: ( يا رسول الله! ألا تدعو لنا! ألا تستنصر لنا! لقد لقينا من المشركين شدة -فاعتدل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جلسته وبدأ يعلم خباباً سنة الله عز وجل في الرسل والرسالات- قال له: لقد كان يؤتى بالرجل ممن كان قبلكم فيمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يرده ذلك عن دينه، ولقد كان يؤتى بالرجل ممن كان قبلكم فيوضع المنشار على رأسه حتى يفرق بين رجليه ما يرده ذلك عن دينه، والذي نفسي بيده! ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون )، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لـخباب بن الأرت: أنت تنظر إلى اللحظة الحاضرة، ولكن الله أقام الكون على سنة المداولة: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، فهؤلاء الذين يعذبونكم الآن عما قريب سيكونون بأيديكم، إن شئتم قتلتم وإن شئتم أسرتم، ولكنكم قوم مستعجلين، والإنسان دائماً يستعجل كما قال ربنا: خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنبياء:37]، ينظر إلى اللحظة الحاضرة ولا يرنوا ببصره إلى المستقبل وما فيه من مبشرات.
وكان صلى الله عليه وسلم يحكي لهم قصصاً تربطهم بالجزاء الأخروي، يعني: ليس بالضرورة أن المسلم ينتصر في الدنيا، سمية قتلت، هل رأت نصراً في الدنيا؟ لا. وإنما قتلت رضي الله عنها مقهورة معذبة مضطهدة، لكنها في أعلى عليين، وقاتلها في أسفل سافلين، ليس بالضرورة أن النصر تراه، المهم أن تنتصر على نفسك، وأن تلتزم أمر ربك، ثم بعد ذلك الله قد ينصر الدين بك أو بغيرك، فإذا فاتك جزاء الدنيا فلن يفوتك أجر الآخرة، وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى [الضحى:4].
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لهم: ( مررت ليلة أسري بي بريح طيبة -يعني: ليلة المعراج لما عرج به إلى السموات العلى ودخل الجنة مرت به رائحة عجيبة- فقال لـجبريل : ما هذه ؟ قال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون)، امرأة كانت ماشطة يعني: شغالة في قصر فرعون، وما عندها مهمة غير تمشط بنات فرعون، هذه مهمتها، ولكنها كانت مؤمنة آمنت بـموسى، سقط المشط من يدها فقالت: بسم الله، وهكذا المسلم دائماً (بسم الله) على لسانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أغلق بابك واذكر اسم الله، وأطفئ سراجك واذكر اسم الله، وأوكئ سقاءك واذكر اسم الله، وخمر إناءك واذكر اسم الله )، حتى في الجماع إذا أراد الإنسان أن يجامع قال: ( بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا )، وإذا أراد أن يدخل الحمام قال: ( بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )، وإذا أراد أن يخرج من بيته قال: ( بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله )، وإذا أراد أن يدخل بيته قال: ( بسم الله، اللهم إنا نسألك خير المولج وخير المخرج )، فتكون (بسم الله) دائماً على لسانه.
فهذه الماشطة قالـت: بسم الله، فبنت فرعون وهي كأبيها فرعونة صغيرة، قالت لها: أبي -بسم الله تعنين أبي-؟ قالت الماشطة: لا. ربي وربك ورب أبيك، قالت: أخبره؟ قالت: أخبريه، فذهبت إلى أبيها وقالت له: هذه الماشطة عندها إله غيرك، فجاء بها فرعون، فقال لها: أولك رب غيري؟! قالـت: نعم. ربي وربك الله، وفرعون كان كذاباً كان مفترياً شيطاناً يزعم أنه الرب الأعلى، حتى إن أحداً من الناس كان مزارعاً فماتت بقرته يوماً فجاء إلى قصر فرعون وقال: أريد من ربنا أن يحييها لي، والظاهر أن الرجل كان شيطاناً أيضاً فزبانية فرعون ذهبوا إليه وقالوا له: أحد الفلاحين أتى ببقرة ميتة يريد أن تحييها فدخل الزبانية في حيص وبيص فهو لا يستطيع أن يحيي ذبابة، فقال لهم: اخرجوا إليه وقولوا له: ربنا مشغول بالبشر لا بالبقر. فما عنده وقت للبقر.
المهم الماشطة قالت له: ربي وربك الله. فأمر بقدر كبير من نحاس فأحميت، ووضع فيه زيت يغلي، والمرأة أيقنت بأنها ميتة، قالت له: إن لي عندك أمراً، قال: وما هو؟ قالت: تجمع عظامي وعظام ولدي في مكان واحد، قال: ذاك لك، يعني: هذه الأمنية أنا سأحققها لك. ثم مبالغة في التنكيل بها -عليه لعنة الله- بدأ يأخذ أولادها واحداً واحداً، يعني: هو لو قتلها أولاً لارتاحت، لا. هو يريد أن ينكل بها، فبدأ أول شيء يرمي بالأولاد، والمرأة تنظر الواحد من أولادها يرمى في الزيت فيذوب لحمه ويتزايل عظمه ويضطرب ثم يموت، حتى بلغ رضيعاً في يدها، فتشبثت به، فمن أجل أن يثبتها الله، أنطق الله الرضيع قال لها: يا أماه! قعي في النار ولا تقاعسي فإنك على الحق، فرُمي الرضيع في النار ثم رميت هي في النار، لكن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما يجد الشهيد من ألم القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة )، وبعد ذلك الروح إلى جنة عرضها السموات والأرض.
فالرسول عليه الصلاة والسلام حين يحكي هذه القصص لأصحابه إنما يريد أن يثبت قلوبهم، ويريد أن يعلقهم بالمستقبل بأن الله عز وجل لابد أن ينصر دينه، ولابد أن يعلي كلمته، ولابد أن يسدد أولياءه، قال تعالى: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51].
والفتنة من لوازم الدعوة، قال الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3]، فبعض الناس الدين عنده مصلحة فمجرد ما يظهر له شيء من الضرر في ماله أو في بدنه، فإنه يتخلى عن الدين، كما قال ربنا: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11].
نقف عند هذا الحد، أسأل الله أن يجعلنا من المنتفعين المعتبرين المتعظين، وممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السؤال: قمت فزعاً مع الأذان الأخير للفجر، وأحسست بأن شيئاً خارجاً من المعدة إلى الفم ثم عاد إلى المعدة، ما حكم صومي؟
الجواب: أنت لا تملأ المعدة كلها حتى يخرج منها شيء إلى الفم؛ لأن بعض الناس يظن أنه لو صام سيموت؛ ولذلك يبدأ في السحور يأكل ويأكل حتى تبلغ الحلقوم، فهذا ما أدرك المعنى أو المراد من الصيام، وعلى كل حال ما عليك شيء إن شاء الله طالما أنه رجع غلبة، فما عليك شيء.
السؤال: توفيت أختي وتركت عندي قطعة ذهب وصية لابنتها الصغيرة حتى تكبر، هل فيه الزكاة أم لا؟ علماً بأنني أستعمله للزينة بعض الأحيان؟
الجواب: أولاً: ليس من حق أختك أن توصي بالذهب كله لابنتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث )، هذه البنت إذا كانت واحدة فلها النصف، يعني نصف هذا الذهب، والنصف الآخر يقسم على الورثة، إلا إذا قال الورثة: لا. نحن ما نريد، اتركوا هذا الذهب للبنت.
وأما بالنسبة للزكاة ففيه زكاة إذا كان بلغ نصاباً، وهو عشرون مثقالاً، يعني: خمسة وثمانين جراماً فما زاد فيه الزكاة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( من ولي يتيماً فليتجر له في ماله حتى لا تأكله الصدقة ).
السؤال: إذا كنت مسافراً، وأعلم أن السفر لا يسبب لي المشقة بل العكس أكون في سفري في أفضل راحة، فهل الأفضل لي الصوم أم الفطر؟
الجواب: الأفضل الصوم؛ لأن الله قال: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184]، ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصوم في السفر، وأفطر أحياناً عليه الصلاة والسلام، لكن أغلب حاله أنه كان في السفر صائماً، مع أن سفرهم كان بالدواب في شدة الحر، أما الآن فنحن نسافر إما بالطيارات مكيفة أو بالسيارات مكيفة أو بالباصات مكيفة؛ فلذلك الرخصة ثابتة للمسافر، فإذا أراد أن يفطر فلا مانع، لكن إذا لم يكن ثمة مشقة فخير له أن يصوم.
السؤال: عن حكم تولي المرأة للقضاء؟
الجواب: لا يجوز. جمهور العلماء على أن القضاء من المناصب التي تشترط لها الذكورة، يعني: نحن عندنا مناصب الذكورة شرط فيها، وأول منصب هو النبوة. قال الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً [يوسف:109]، فالنبوة يشترط لها الذكورة، قالوا: والحكمة في ذلك أن النبي لا بد أن يواجه المعاندين، ولا بد أن يجب السائلين، ولا بد أن يقود الجيوش، ويلقى الناس سراً وعلانية، ولا بد أن يكون النبي بمظهر القوة، وهذا يتأتى للرجل دون المرأة؛ لأن هناك فروقاً طبعية بين الرجل والمرأة، ومن هذه الفروق مثلاً: أن الرجل أقوى جسداً من المرأة؛ ولذلك لو عندك حاجة ثقيلة في البيت تشيلها أنت وما تشيلها المرأة، وكذلك الرجل أشجع قلباً من المرأة؛ ولذلك لو جاء لص في البيت تتصدى له أنت، وهذا معلوم؛ فلذلك الله عز وجل قال: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34].
كذلك من المناصب التي يشترط لها الذكورة: الأذان، فالمؤذن لا بد فيه من أربعة شروط: إسلام، وبلوغ، وذكورة، وعقل.
ومن المناصب التي يشترط لها الذكورة: الإمامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا تأمن امرأة رجلاً، ولا أعرابي مهاجراً ).
وأيضاً من المناصب التي يشترط لها الذكورة: الإمامة العظمى، أو الرئاسة، رئاسة الجمهورية، أو تسميها الإمارة أو تسميها الخلافة، فهذه لا بد أيضاً من الذكورة، فالإمام الذي يتولى أمر الناس لا بد فيه من عشرة شروط من بينها الذكورة.
ثم أيضاً القضاء، وهذا من رحمة الله بالأنثى؛ لأن القضاء قد يتعامل القاضي مع المجرمين، وقد تكون هناك قضايا مؤثرة.
وهناك أحد القضاة الفضلاء كتب كتاباً عن مسألة قضاء المرأة، وهو قاضي سوداني، قال: إنه من واقع التجربة أقول: بأن المرأة لا تصلح لهذا المنصب، وذكر بعض القصص، وبعضها مضحك، وأذكر واحدة: قال: بأنه جيء له بثلاث قاضيات يتدربن، يعني: عين مساعدات قضائيات، قال: وجيء لي بقضية حضانة، يعني: حصل طلاق بين الرجل والمرأة وبينهما طفل، والشرع يقول: بأن الطفل يكون للأم إلا إذا تزوجت، فإذا تزوجت تنزع منها الحضانة وترد إلى أمها إن كانت موجودة، فإن لم تكن موجودة فأم الزوج، قال: أصدرت الحكم في المحكمة وأوكلت التنفيذ لهؤلاء القاضيات، قال: فلما أراد الشرطي أن يأخذ الطفل من أمه تشبث الطفل بها وصاح، فصاحت الأم. فصاحت القضاة الثلاثة، وبدأن يبكين، قال: وتحولت المحكمة إلى مضحكة حتى استعانت بالشرطة وأخرجت الناس، قال: وأيقنت بأن هذا وضع للمرأة في غير ما ينبغي، وأن هذا إحراج للمرأة في وضعها في هذا المكان.
فالقضاء يكون للرجال وليس للنساء، خاصة بأنه في بعض القضايا مثلاً تتعلق بالفواحش، عافانا الله! والقاضي لا بد أن يسأل ويستفسر ويدخل في التفاصيل، وهذا لا تصلح له المرأة؛ لأن المرأة جبلت على الحياء، أو هكذا ينبغي أن تكون.
السؤال: قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11]، كيف يكون الحفظ من أمر الله؟
الجواب: هذا لا يسأل عنه بكيف؛ لأنه من علم الغيب، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بأن الله تعالى وكل بالعبد ملائكة يحفظونه، فإذا نزل قدر الله خلوا دونه )، أما مسألة الكيفية فهذه علمها عند ربي.
السؤال: ما حكم الصلاة بدون إقامة؟
الجواب: ما فيه حرج إن شاء الله، حتى الجماعة لو صلينا من غير إقامة فالصلاة صحيحة؛ لأن الإقامة سنة.
السؤال: امرأة طلعت عليها الشمس في يوم من أيام رمضان ثم طهرت من الحيض، هل تصوم ذلك اليوم أم لا؟
الجواب: الطهر معتبر إذا كان قبل الفجر ولو بلحظة، أما بعد طلوع الفجر بلحظة فاليوم فاسد، يعني: مثلاً فجر اليوم الساعة الخامسة والثلث، فلو أنها طهرت في خمس وخمسة وعشرين دقيقة فلا ينفع، لكن لو طهرت في الخامسة والربع فإنها تنوي الصيام، وليس بالضرورة أن تغتسل قبل طلوع الفجر، فإذا طهرت في الخامسة والربع فإنها تأكل وتشرب وتستعد للصيام فإذا طلع الفجر فإنها تغتسل وتصلي الصبح.
السؤال: هل الحسن والحسين توأمان أم إخوة فقط؟
الجواب: إخوة فقط، قالوا: وضعت الحسن رضي الله عنه فلما خرجت من نفاسها واغتسلت حملت بـالحسين ، يعني: بينهم أقل من سنة، رضوان الله عليهما، وهناك ثالث اسمه: محسن لكنه مات صغيراً، الحسن والحسين ومحسن ، ومن البنات: زينب وأم كلثوم.
السؤال: ما حكم سب الدين؟
الجواب: سب الدين كفر، من سب الدين فقد كفر، وإذا تاب إلى الله يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يدخل في الإسلام من جديد.
السؤال: عن تفسير قوله تعالى: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3]؟
الجواب: نزلت في العاص بن وائل السهمي حيث لقي النبي صلى الله عليه وسلم على باب المسجد الحرام وقف يكلمه، فلما جاء إلى الملأ من قريش قالوا: مع من كنت تتكلم؟ قال: مع هذا الأبتر محمد، يعني: كانت البيئة العربية بيئة تتفاخر بكثرة الأولاد؛ ولذلك قال الله عز وجل: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً [المدثر:11-13].
والرسول صلى الله عليه وسلم كان أولاده يموتون، يعني: كان عنده ابنه الكبير القاسم مات صغيراً، وعبد الله مات صغيراً، ويقال أيضاً: كان هناك الطاهر والطيب، وقال بعضهم: بل الطاهر والطيب وصفان لـعبد الله، فالمشركون يعيرونه بأنه أبتر، كانوا يقولون: إن محمداً أبتر فإذا مات استرحنا منه، ليس هناك من يرث دعوته ويقوم بأمره، فأنزل الله هذه السورة، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، (الكوثر) الخير الكثير. قال الشاعر:
وأنت يا ابن مروان طيب وكان أبوك المبارك كوثرا
يعني: كثير الخير، فالكوثر الخير الكثير، ومن الخير الذي أعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم المقام المحمود، والحوض المورود الذي ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج، وعدد آنيته بعدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، قال الله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:1-2]، أي: صل صلاة العيد عيد الأضحى وأنحر بعدها.
ثم قال الله له: (إِنَّ شَانِئَكَ) إن مبغضك، إن كارهك هو المنقطع الذي لا ذكر له، ولذلك محمد صلى الله عليه وسلم يذكر في الدنيا كلها، ويردد اسمه على المنابر، بينما العاص بن وائل من يذكره؟ بل من يعرفه؟ وكثير من الناس لا يعرفونه، وهكذا الوليد بن المغيرة من يعرفه؟ وأبو جهل من يذكره؟ وإذا ذكرناه قلنا: لعنه الله، وأبو لهب ، وعتبة ، وشيبة ، والوليد بن عتبة ، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط ، كل هؤلاء إذا ذكروا شيعوا باللعنات.
السؤال: أختي مختلفة مع زوجها قرابة ثمان سنين لأسباب عدة منها عدم النفقة، وطالبت بالطلاق كذا مرة وهو رافض لذلك، ما هو رأي الشرع مع العلم بأنه متزوج من أخرى؟
الجواب: الطلاق رحمة شرعه الله في حال ساءت العلاقة بين الزوجين ولم يقيما حدود الله، واستنفدا كل الوسائل للإصلاح، وفي هذه الحالة ينبغي للرجل أن يطلق، طالما أن الله أغناه بأخرى فالحمد لله، ويطلق هذه، كما قال ربنا: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130]، وليس الطلاق نهاية الدنيا، فالرسول صلى الله عليه وسلم طلق، بل طلق بعضهن قبل أن يدخل بها، فقد تزوج امرأة فلما جيء بها إليه قال لها: تعالي. فقالت له: إنا قوم نؤتى ولا نأتي، -يعني: شامخة بأنفها، يعني تقول له: الذي يريدنا يأتينا- الرسول صلى الله عليه وسلم ليس عنده وقت لمثلها قال لها: الحقي بأهلك وأخرى دخل بها صلى الله عليه وسلم: ( فلما مد يده إليها قالت: أعوذ بالله منك. قال لها: لقد استعذت بعظيم، الحقي بأهلك ).
والصحابة طلقوا، فـأبو بكر طلق، وعمر طلق، وعبد الرحمن بن عوف طلق، وأما الحسن رضي الله عنه فكان مزواجاً مطلاقاً رضي الله عنه.
السؤال: عن تفسير قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس:1]؟
الجواب: عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس:1]، هذه نزلت في شأن عبد الله بن أم مكتوم الأعمى رضي الله عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (كان جالساً مع بعض كبراء قريش، فجاء عبد الله بن أم مكتوم ومعه من يقوده، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، أشار لقائده أن اصبر، ولكن عبد الله بن أم مكتوم دفع القائد الذي يقوده وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ يلح عليه، يا رسول الله! علمني مما علمك الله، يا رسول الله! علمني مما علمك الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عنه، فأنزل الله هذه المعاتبة الرقيقة: عَبَسَ وَتَوَلَّى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى [عبس:2-4] )، وليس فيها انتقاص من النبي عليه الصلاة والسلام، وليس فيها شيء من سوء الخلق معاذ الله، بل أي واحد منا عنده الحق في إنسان يريد أن يدخل عليه يقول له: انتظر أو اصبر.
السؤال: عن صحة الحديث: ( وددت لو أنا رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: بل أنتم أصحابي، إنما إخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني )؟
الجواب: هذا الحديث صحيح. كل من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يره وأحبه عليه الصلاة والسلام فهو أخ له بنص هذا الحديث، نسأل الله أن يجعلنا منهم.
السؤال: فاتتني صلاة العشاء فدخلت في صلاة التراويح بنية العشاء، فسها الإمام وأتى بركعة ثالثة فسلم وكنت أتيت بركعة واحدة سراً وسلمت، هل صلاتي صحيحة؟
الجواب: على كل حال هذا السؤال فيه مسائل:
المسألة الأولى: حكم صلاة المفترض خلف المتنفل، يعني: الإمام متنفل والمأموم يصلي العشاء فرضاً، وهذه صحيحة عند بعض أهل العلم كالشافعية والحنابلة؛ استدلالاً بحديث معاذ : ( أنه كان يصلي العشاء مع النبي عليه الصلاة والسلام ثم يذهب فيصلي بقومه ).
والمسألة الثانية: لو أن الإمام زاد ركعة في الصلاة سهواً، هل هذه الصلاة تعد لغواً لا يحتسبها المسبوق، أو أنه يعدها من صلب صلاته؟
والأقرب أنها معدودة من الصلاة؛ ولذلك ما فيه حرج.
المسألة الثالثة: ما ينبغي للإنسان أن يتأخر عن الصلاة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( ما يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله )، والله عز وجل قال: وَسَارِعُوا [آل عمران:133]، وقال: سَابِقُوا [الحديد:21]، والنبي صلى الله عليه وسلم: أمرنا بالتبكير، وأمرنا بكثرة الخطى إلى الجماعات وانتظار الصلوات بعد الصلوات.
السؤال: يردد الإمام والمأمومون في صلاة التراويح: سبوح قدوس رب الملائكة والروح. وغيرها من الأدعية، هل هذا جائز علماً أنها بعد كل ركعتين؟
الجواب: ليس من السنة، هذا ليس من السنة.
السؤال: هل يكفي الوضوء من غسلة واحدة؟
الجواب: لا بأس، الله عز وجل قال: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة:6]، والأمر يقتضي المرة، ولكن الأكمل أن الإنسان يجعل المغسول ثلاثاً، كما كان يفعل نبينا عليه الصلاة والسلام، أما الأعضاء الممسوحة كالرأس والأذنين فهي مرة واحدة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر