إسلام ويب

بلوغ المرام - كتاب الطهارة [4]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • نهى الشارع عن البول في الماء الدائم، لكونه مظنة النجاسة، ويجوز الوضوء والغسل من هذا الماء ما لم يتغير أحد أوصافه، كما أن الماء الدائم يبقى طاهراً بعد انغماس الجنب فيه ما لم يسلبه طهوريته، ويكون هذا الماء رافعاً لحدث الجنب وغيره.

    1.   

    تابع شرح الأحاديث الواردة في النهي عن التبول في الماء الدائم واغتسال الجنب فيه

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    فقد ذكر فيما سبق حديث النهي عن البول في الماء الراكد، وذكرنا مسألتين متعلقتين به والآن نواصل المسائل المتعلقة به.

    الماء الدائم بعد انغماس الجنب واغتساله فيه

    المسألة الثالثة: ما حكم الماء بعد أن انغمس فيه المجنب لرفع حدثه؟

    الغريب أن هذه المسألة اختلف الفقهاء فيها على ثلاثة أقوال, وأنا أذكرها؛ لكي نلتمس العذر لعلمائنا المعاصرين إذا وقع في فتاواهم شيء من النكارة, والعجب أن في السابق إذا أخطأ العالم يعذر بخطئه, ويدعى له فيقال: غفر الله لنا وله, أما اليوم لو يخطئ الواحد, يقولون: حسبي الله عليك! هذا الواقع, أو يقال: انتبهوا له! عليكم عليه, روحوا لا يختل, لا يتغير رأيه, لا يصير تغير, فتجد أن الناس كأن عندهم وصاية على علمائهم, في حين أن العلماء هم أولى بالوصاية على عوامهم, لكننا أحياناً تختلف الموازين كما يقولون؛ ولهذا تجد بعض طلبة العلم يهاب العوام أكثر من هيبته من السلطان, وهذا عجب, فتجد أنه ربما يفتي فتوى وإن كانت من باب سد الذرائع رغبة في المحيط الذي يعيش معه, في حين أنه ربما يفتي فتوى تضر ببدنه وبنفسه وبماله, لكنها لا تضر من حوله من مخالفيه.

    ولهذا أنا أنصحكم كطلاب علم, في مسائل الفتوى لا تتعجل في الفتوى, لكن إذا أردت أن تبين حكم مسألة, فانظر إلى علمائك, انظر إلى الميت, فإن الحي لا تؤمن عليه فتنة كما قال ابن مسعود .

    ثانياً: إذا أخذت بقول كن واثقاً فيه بحيث كأنك تسأل عنه يوم القيامة, لماذا قلت بهذا؟ فتجد أن عندك جواباً تحاج به يوم القيامة, مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65], أجبت بكذا وكذا وكذا, بحيث تطمئن.

    ولا يجوز لك أن تقول: هذا حرام أو هذا حلال؛ لأجل الأتباع, فبعض الناس يقول: محرم, تقول: والدليل؟ يقول: هذا الأحوط, هذا خطأ, ما يجوز لك تقول: محرم, وإذا طلب منك الدليل قلت: أحوط؛ لأن الاحتياط ليس دليلاً كما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية , قول: الأولى تركه, والأحوط تركه, والأحوط ليس دليلاً ولا حكماً كما يقول ابن تيمية , فبعض المفتين يقول: حرام, فإذا ناقشته, قال: هذا القول أحوط, لا ما يسوغ لك أن تفتي وتتقول على الله ما لم يقل, وأنت ليس عندك فيه برهان, بل قل: إن فلاناً يقول بالتحريم, ابن تيمية يقول: بكذا, لكنك لا تنسب أو تقول: محرم والدليل على ذلك كذا, وأنت تعلم أن هذا الدليل فيه صارف, أو ليس ظاهراً, ولكن ممدوحة ذلك أن تقول: ذهب جمهور العلماء إلى حرمة ذلك واستدلوا بكذا والله أعلم, أما أن تنسب على الله ما لم يقله, ولا ترى أن ذلك ظاهر في الدليل, فلا يسوغ لك ذلك.

    إذاً: حكم الماء بعد انغماس الجنب على ثلاثة أقوال:

    القول الأول: إن كان الماء كثيراً فإنه طهور, وإن كان قليلاً فإنه يسلبه الطهورية إلى الطاهرية, هذا هو مذهب أبي حنيفة في المشهور عنه, وهو مذهب الشافعية وهو مذهب الحنابلة.

    وسبق أدلتهم حينما ذكرنا خلاف أهل العلم في تقسيم المياه إلى ثلاثة أقسام, واستدلوا أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ), قالوا: فهذا يدل على أن تبوله في الماء الدائم إن تغير بالنجاسة فهذا نجس بالإجماع, وإن لم يتغير بالنجاسة فكان قليلاً فهو طاهر؛ لهذا الحديث؛ لأنه نهي عن أن يغتسل منه, ولم ينه أن يغتسل منه إلا لأنه لم يرفع حدثه, فسلبه الطهورية.

    القول الثاني في المسألة: هو مذهب مالك و الأوزاعي ورواية عند الشافعي و أحمد , وهو اختيار ابن المنذر و ابن حزم و ابن تيمية وغيرهم, على أن الماء ما زال طهوراً؛ لأن الماء لا ينجس إلا بتغير النجاسة, وما دام اسم الماء يطلق عليه فهو طهور.

    بالمناسبة سألني بعض الإخوة قال: ما حكم الوضوء بالشاي؟ قلت: لا يصح, قال: لماذا؟ قلت: لأنه طاهر.

    قال: إذاً نحن نرى تقسيم المياه إلى ثلاثة أقسام.

    نقول له: لا لم نقل: تقسم المائعات إلى ثلاثة أقسام, نعم الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام, طهور ونجس وطاهر, لكننا نقول: إن الماء لا ينقسم إلا إلى قسمين, فمتى جاز إطلاق مسمى الماء عليه فإنه يرتفع حدث المرء وإن وقع فيه النجاسات إذا لم يتغير, أما إذا تغير بالنجاسة فلا يرتفع الحدث, هذا هو القول الثاني وهو الراجح.

    القول الثالث: هو قول أبي يوسف رحمه الله تلميذ أبي حنيفة , ونسبه رواية عند أبي حنيفة , قالوا: إن الماء ينجس, وأنا ذكرت هذا القول؛ لأجل أن أبين بعض الذين أخطئوا على مذهب أبي حنيفة , فقالوا: إن أبا حنيفة لا يأخذ بالدليل, والصحيح كما قال ابن تيمية رحمه الله كما في المجلد الثامن عشر: وحاشا الأئمة أن يعلموا سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدعوها, يقول ابن تيمية : حتى إن أبا حنيفة رأى جواز الوضوء من النبيذ وإن كان مخالفاً للقياس, ورأى بطلان الوضوء من الضحك في الصلاة مع مخالفته للقياس؛ لقول ابن مسعود , فإذا كان يأخذ بقول الصحابي الفقيه وإن خالف القياس فسنة النبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى, فـأبو يوسف يرى: أن الماء ينجس, ودليله قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري, ثم يغتسل ), أو: ( ثم يغتسل منه ), أو ( فيه ), قال: فهذا الحديث يفيد النهي بالجزم, يفيد النهي عن التبول في الماء الدائم, ويفيد النهي عن الاغتسال وهو جنب في الماء الدائم, وإذا قلنا: إن النهي عن التبول في الماء الدائم إذا كان قليلاً يحرم, وينجس, فكذلك نقول: إن الاغتسال في الماء الدائم القليل يحرم وينجس.

    إذاً دليل أبي يوسف يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري, ثم يغتسل منه ), أو ( فيه ), فتكون النهي عن التبول والنهي عن الاغتسال, قال: فإذا كان النهي عن التبول في الماء القليل يحرم وينجسه, فكذلك النهي عن الاغتسال في الماء الدائم يحرم وينجسه, وهذه المسألة عند علماء الأصول تسمى دلالة الاقتران, أو الاستدلال بالقران, هذه مسألة عند علماء الأصول, وقد أخذ بها أبو يوسف وجماعة من أهل العلم, ونسبها الباجي إلى بعض المالكية, وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم الأخذ بدلالة الاقتران, والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم: أن دلالة الاقتران منها ما هو حجة, ومنها ما ليست بحجة, وهي أن نقول: إن اقتران الجمل والجمل مع انفصال كل جزء بحكم, وكل جملة تفيد معنى وحكماً وسبباً فإنه لا يحتج بها.

    إذاً: دلالة الاقتران إذا كانت بين جملتين أو أكثر, وكل جملة مستقلة تماماً عن الجملة الأخرى, فهذه جملة مفيدة لمعناها وحكمها وسببها, والأخرى جملة مفيدة لحكمها وسببها ومعناها, فهذا لا يسوغ فيه الاقتران ولا يحتج به.

    مثاله: ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري, ثم يغتسل منه ), فهذه جملة مستقلة, وهذه جملة مستقلة، فلهذا لا يجوز الاحتجاج به, ومن ذلك قوله تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141], فقوله تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ [الأنعام:141], جملة مستقلة، وقوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141], جملة مستقلة تماماً فهذا أمر له وهذا أمر له، وكل واحدة منهما جملة مستقلة تماماً, فهذا لا يحتج بدلالة الاقتران, ومن ذلك: ( لا يبولن ).

    أما النوع الثاني من دلالة الاقتران: هو اقترانهما في حكم واحد, إذا جيء بالعطف بينهما (عطف المفردات) على حكم واحد, أو على أمر واحد, أو على نهي واحد, فهذا يدل على أن حكمهن واحد, مثل: ( حقاً على كل مسلم أن يغتسل يوم الجمعة, وأن يمس من طيب امرأته وسواكه ), يعني: الحديث حقاً عليك أن تغتسل وحقاً عليك أن تمس الطيب, وحقاً عليك أن تتسوك, فحق عطفت ثلاث مرات, الاغتسال والطيب والسواك, وإذا كان الطيب والسواك يوم الجمعة ليس بواجب بالإجماع, دل على أن الاغتسال ليس بواجب؛ لأن اقترانهما كان في حكم واحد بينهما, قد تقول لي: من أين لك هذا؟ أقول: بفقه الصحابة رضي الله عنهم, فقد روى البخاري معلقاً بصيغة الجزم, عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قرأ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196], قال بوجوب العمرة, وقال: إنها لقرينة الحج في كتاب الله, فجعل ابن عباس أن العمرة واجبة؛ لأنها قرينة الحج, وتجدون أن كل حديث فيه الأمر بالحج والعمرة أمرهما واحد, وهذا أيضاً هو قول ابن عباس كما رواه أيضاً الطحاوي و البخاري وغيرهما كــجابر ونحوه, واستدل مالك على ذلك أيضاً من أمثلة ذلك قال: بعدم وجوب الزكاة في الخيل, لماذا؟ قال: لأن الله يقول: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً [النحل:8], الآن الخيل والبغال والحمير كلهما معطوفات على أمر واحد.

    يقول مالك : فإذا لم تجب الزكاة في البغال والحمير بالإجماع دل على أن الخيل أيضاً ما تجب فيها الزكاة, هذه لغة العرب مستقيمة تماماً, وهذه هي دلالة الاقتران, وعلى هذا فهل هذا الحديث حجة في دلالة الاقتران من أبي يوسف أم حجة على هذا القول؟ حجة على هذا القول؛ لأن دلالة الاقتران إذا كانت بين جمل كلها جملة مستقلة تماماً عن صاحبتها, ومستقلة بحكم وأمر.

    إذاً: فلا دلالة في هذا الحديث أن حكمهما واحد, ولا شك أن القول بنجاسة هذا الماء قول مجافٍ للسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن أبا يوسف أخذ بظاهر الحديث وإن كان القياس يخالفه؛ لهذا جاء عند البخاري من حديث المسور بن مخرمة في قصة صلح الحديبية قال: ( فكانوا إذا توضأ يقتتلون على وضوئه ), وهذا دليل على جواز استعمال الماء المستعمل, ولو كان نجساً لما جاز لهم أن يستعملوه, وجاء في البخاري من حديث أبي موسى ( أن النبي صلى الله عليه وسلم: دعا بماء, فتوضأ وغسل وجهه, ومج فيه, ثم قال لـأبي موسى و بلال : اشربا وأفرغا على وجوهكما ونحوركما ), فلو كان هذا نجساً لما صنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ ولهذا يقول ابن تيمية : وهذا القول وإن كان هو أحد القولين عن أبي حنيفة فإنه مخالف لقول أئمة السلف والأمة, ومخالفاً للنصوص الصحيحة والأدلة الجلية, ثم قال: وليست هذه المسألة من المسائل المضنون بها, يعني: ما نقولها مسألة خلافية ما يسع فيها خلاف, نقول: لا, ما يسع فيها خلاف, فدل ذلك على أنه ليس كل مسألة قال بها عالم تكون معتبرة:

    وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له حظ من النظر.

    البول في الماء الراكد

    المسألة الرابعة: حكم البول في الماء الراكد, الأولى: الاغتسال, والثاني: يختلف الحكم من كون الماء كثيراً أو قليلاً, فإن كان قليلاً حرم؛ لأنه مدعاة إلى التنجس, وهذا حكي فيه إجماع, حكاه ابن دقيق العيد و العراقي في طرح التثريب, و أبو العباس بن تيمية رحمه الله؛ لأن الماء يتغير إذا كان قليلاً بالنجاسة, وأما إذا كان الماء كثيراً وهو راكد لا يتحرك, فقد اختلف العلماء على قولين:

    القول الأول: بتحريم التبول, سواء كان الماء قليلاً أم كثيراً, وهذا هو مذهب أبي حنيفة والظاهرية, ورواية عند الشافعية, وهذا هو الراجح؛ لأننا إن قلنا بتحريم الاغتسال فالتبول من باب أشد.

    والقول الثاني: هو مذهب الشافعية والحنابلة قالوا: إذا كان الماء كثيراً, فيكره التبول, قالوا: لأن خشية الاستقذار إذا كان الماء كثيراً فيكره التبول, قالوا: لأجل أن النهي ليس للتحريم؛ لأجل أنه تستقذره النفوس, ولكن الراجح هو التحريم.

    الماء الذي وقع فيه بول

    المسألة الخامسة: حكم الماء الذي تبول فيه.

    المسألة قالوا: اختلف العلماء فيه على قولين:

    القول الأول: قالوا: يختلف الحكم من كون الماء كثيراً أم قليلاً, فإن كان كثيراً فإنه طهور ما لم يسلبه الطهورية بالنجاسة, إلا أن يكون قد تغير بالنجاسة, وهذا هو قول أبي حنيفة و الشافعي و أحمد بناء على اختلافهم في تقسيم المياه, وأنهم يرون أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أقسام.

    القول الثاني في المسألة: الماء طهور مطهر ما لم يتغير بالنجاسة, وهذا هو قول مالك ورواية عند الإمام أحمد واختارها أبو العباس بن تيمية , وهو قول ابن المنذر و ابن حزم , وقد ذكره ابن المنذر في الأوسط عن علي و ابن عمر و أبي أمامة وهو قول عطاء و الحسن البصري و مكحول و النخعي .

    وهل التغوط مثل التبول أم لا؟ أكثر أهل العلم يرى أن التبول كالتغوط, وذهب الحنابلة إلى أن التغوط أشد, بل إن الحنابلة حرموا التغوط في الماء الدائم, أو الماء الذي يجري؛ لأن النفوس تستقذره ولا تستعمله, ولو لم يكن فيه نجاسة, وبالغ الظاهرية رحمهم الله وقالوا: إنه لا بأس بالتغوط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن التبول, مع أنكم ربما تتعجبون؛ ولأجل هذا القول الذي قال داود الظاهري و ابن حزم بالغ المالكية في الشناءة على مذهب الظاهرية, وأنتم تعملون أن الظاهرية, مهما كان الإنسان الذي يعيش مع مخالفه أكثر حدة مع من لم يعش معه.

    فتجد أن المالكية شديدي الغلظة على الظاهرية؛ لأن الظاهرية كانوا في الأندلس, والمالكية في الأندلس, فكانت المناظرة بين ابن حزم وبين المالكية شديدة جداً, واقرأ المحلى تجد إنكار ابن حزم على مذهب المالكية كثيراً حتى جاء أبو الوليد الباجي إلى الأندلس, ففرح المالكية وقالوا: الآن يفلج أبو الوليد الباجي ابن حزم , فتناظرا في مجالس كثيرة, حتى يقال: إن السامع يجد أن قول أبي الوليد الباجي أظهر, إلا أنهم يقولون: تعادلا حينما أراد أبو الوليد الباجي أن يعتذر في قلة بضاعته في العلم, الله المستعان! قال لـابن حزم : سامحني! فإنني لا أكاد اقرأ الكتب إلا على ضوء القمر, يعني: أنا ما عندي سراج أشعل فيه الكتب لأقرأ, يعني: ما أستطيع أسهر في الليل إلا على حسب القمر, قال ابن حزم وكان وزيراً, قال: وأنت اعذرني! فإني لا أكاد أقرأ الكتب إلا على ضوء بريق الذهب والفضة, يعني: أن انشغالي بالعلم مع غناي أقوى من انشغالك مع فقرك, فكان الناس يقولون: إن كل واحد منهما قد غلب على صاحبه, والمقصود ليس في المناظرة أن يفلج الآخر صاحبه, وهذا من الخطأ الذي كان السلف يعنفون عليه؛ ذلك أن السلف كانت المناظرة بينهم في الفروع, يعني: في الفروع الفقهية مقصوداً بها إظهار الحق, وإعذار الخلق؛ ولهذا ما أجمل ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله بقوله: قولي صواب, يحتمل الخطأ, وقول غيري خطأ يحتمل الصواب؛ ولهذا كانت مناظرة السلف هو أبين لك وجهة نظري حتى تعذرني, وتبين لي وجهة نظرك حتى أعذرك, أما اليوم يقول الواحد منا: تعال أقنعك, يعني: هو واضع في نفسه وأن قوله هو الحق الذي لا مرية فيه ولا ريب, وهذا من الأخطاء الكثيرة؛ ولهذا تجد في المناظرة والمناقشات أن كل واحد يبدي رأيه, فيقول الآخر: قبل أن يكمل, كذا! طيب, تعال: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى [سبأ:46], ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا [سبأ:46], دائماً عود نفسك في المناقشات إذا جاءك وارد لا ترده بسرعة؛ لأنك كأنك ترد على الله وعلى رسوله من غير برهان, ربما لم تبحث هذه المسألة, ولا تتكلف الرد على الأحاديث وأنت لم تتحملها, ولهذا دائماً أنا أغضب حينما أقرأ بعض البحوث الماجستير أو الدكتوراه أو البحوث التكميلية, فيأتي الطالب وقد وضع في خلد نفسه قولاً, فإذا جاء حديث قال: وهذا الحديث يحتمل كذا, ويحتمل كذا, ويحتمل كذا, والحديث إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال, وبس تنتهي, هذا خطأ يا أخي! الاحتمال لا بد أن يكون بدليل, ليس احتمالات عقلية, لابد أن تكون احتمالات يعضدها الدليل, وإلا فإنه لا يجوز للإنسان أن يحمل كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم إلا على ما أراده الله وأراده رسوله صلى الله عليه وسلم, لا على ما أراده المجتهد في نفس الأمر كما يقول أبو العباس بن تيمية ؛ ولهذا أنا أنصح نفسي وأنصح إخواني أنه إذا جاءهم مسألة أو قول لم يروه أو لم يتأملوه أن يتعظوا, ولا يلزم إذا رجحت قولاً أن ترد على كل حديث, يمكنك أن ترجح قولاً, وإذا جاءك حديث يعارضه تسكت فيه؛ ولهذا جمعت عن أحمد مسائل يرجح أحد القولين ويسكت عن القولين, كل ذلك تعظيماً للنص الشرعي.

    ولهذا قال ابن القيم في شفاء العليل: وليس من وظيفة المجتهد أن يرد على كل شبهة؛ ولهذا قال أحمد في رواية الميموني و أبي طالب قال: كنت أقول بطلاق السكران ثم تبينته, فلو أوقعته لوقعت في ثلاثة محاذير, ولو لم أوقعه لوقعت في محذورين, فرأى أن يقع في محذورين أولى من أن يقع في ثلاث, قال: لأني إن أوقعته حرمتها على زوجها الأول, وأبحتها لزوجها الثاني, وإذا أبقيتها فقد أحللتها لزوجها الأول, وهذا يدل على فقه الإمام أحمد رحمه الله؛ ولهذا يجب علينا أن نتمشى على منهاج وسيرة سلفنا, نظفر بالحسنيين, وننعم برضا ربنا سبحانه وتعالى, نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    القول الراجح في حكم الجنب إذا انغمس في الماء

    السؤال: ما الراجح في ارتفاع الحكم عن الجنب إذا انغمس في الماء؟ وهل يمكن إعادة إسناد مسلم لحديث أبي هريرة الأول؟

    الجواب: استعادة الإسناد الذي عن طريق مسلم و ابن ماجه , الحديث الذي هو الأول, الحديث الأول يرويه مسلم من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج أن أبا السائب مولى هشام بن زهرة حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه, وأما ما الراجح في هل يرتفع حكم الجنب إذا انغنمس في الماء؟ قلنا: الراجح أنه يطهر والله أعلم.

    الراجح في حكم الماء الذي تبول فيه

    السؤال: ما الراجح في حكم الماء الذي تبول فيه؟

    الجواب: الراجح: أن الماء الذي بيل فيه إن تغير بالنجاسة فهو نجس, وإن لم يتغير فهو باقٍ على الطهورية، والله أعلم.

    مدى ارتفاع حكم الجنابة عند الانغماس في الماء الراكد

    السؤال: هل يرتفع حدث الجنب إذا انغمس في الماء الراكد؟

    الجواب: قلنا: إن الراجح والله أعلم: أن الجنب إذا انغمس في الماء الراكد فإنه يرتفع حدثه وإن كان انغماسه محرماً, والله أعلم.

    الفرق بين خطأ العالم المبني على اجتهاد وما كان عن هوى

    السؤال: هل يفرق بين خطأ العالم المبني على الاجتهاد, وبين ما يكون عن هوى أو في مسألة تضر بالعامة؟

    الجواب: إن كان هذا العالم قال هذا القول بناء على اجتهاد يدين الله به, فهذا لا يأثم, ولكن إن قاله في زمن ربما استقلت فتواه؛ لأمر أعظم مما لم يرضاه, فإنه لا يعذر بذلك؛ ولهذا عاد الحسن البصري و محمد بن سيرين على أنس بن مالك الصحابي حينما روى حديث العرنيين عند الحجاج بن يوسف , وتعرفون الحجاج بن يوسف , فــــالحجاج بن يوسف كان احتج بهذا الحديث فبدأ يفعل بكل من خالفه, فأنكر الإمام الحسن البصري و محمد بن سيرين , فأحياناً يكون حقاً, ولو قلنا: إن المسألة حق, لكنها تستقل في غير الطريقة الشرعية؛ ولهذا نقول: نلوم ونعذل من يفتي بمسألة ربما لا يتبين ما تبلغ، ولو كانت جاءت عرضاً الحمد لله, لكنها أحياناً لا تأتي بهذا الأمر.

    كيفية صيام النذر

    السؤال: إذا نذر شخص على شيء, وفي حال تركه يصوم ثلاثة أيام عن كل يوم, هل صيام ثلاثة الأيام على التوالي أم لا بأس بالتفريق؟

    الجواب: إذا نذر الإنسان على شيء فإن النذر لا بد أن ننظره إلى ثلاثة أمور:

    الأمر الأول: إلى نيته, فإن كان نيته أن يصوم ثلاثة أيام متواليات فإنه يجب عليه أن يصوم ولو لم يتلفظ به, فإن لم يكن نواه نظرنا إلى اللفظ, هل يحتمله عرف قائم أم لا؟ فإن احتمله عرف قائم حملنا هذا النذر على هذا العرف, فإن لم يحتمله عرف قائم حملناه على اللفظ, فلو قال: والله لا آكل اللحم, قلنا: هل كنت تقصد شيئاً من أنواع اللحوم؟ قال: لا, قلنا: نذهب إلى النوع الثاني, هل اللحم في عرف البلد يطلق على اللحم الأحمر دون اللحم الأبيض؟ فإن قالوا: نعم, حملنا هذا على العرف, فإن قالوا: لا, حملنا اللفظ على المعنى اللغوي وهو جميع أنواع اللحوم, وعلى هذا فإذا نذر أن يصوم ثلاثة أيام, فحصل هذا الشيء, فنقول: هل نويت أن تصوم ثلاثة أيام متوالية؟ فإن قال: لا, فقلنا: فإنك حينئذ تصوم ثلاثة أيام ولو كانت متفرقة، والله أعلم.

    جلود السباع والروايات الواردة فيها

    السؤال: ما هي الرواية الواردة في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع كما عند أبي داود؟

    الجواب: رواه أبو داود و النسائي من حديث قتادة عن أبي المليح عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا الحديث يرويه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة , وأكثر العلماء يرون أن الترمذي رجح أن رواية هشام بن حسان عن قتادة عن أبي المليح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة, وعلى هذا فالحديث من رواية أبي المليح مرسلة ورواها معاوية بن أبي سفيان وهو أنه قال: (ألم تسمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع؟ قالوا: نعم, قال: وقد نهى عن المتعة؟ قالوا: لا), فهذا الحديث روي عن معاوية من طريق أبي الشيخ الهنائي وهو ضعيف, وروي من طريق آخر, من طريق ميمون القتاد وهو ضعيف, والذي يظهر والله أعلم أن الروايات الواردة في النهي عن جلود السباع فيها ضعف, والله تبارك وتعالى أعلم.

    ولكن يمنع من ذلك حديث ابن عباس عن ميمونة : ( مروا بشاة يجرونها فقال: ألا انتفعتم بإهابها؟ قالوا: إنها ميتة, قال: إنما حرم أكلها ), فكل ما كان يجوز أكله فإنه يجوز الانتفاع به, وأما جلود السباع فلا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة , وروي من حديث سلمة بن المحبق , قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ذكاتها طهورها ), وهذا الحديث بمجموع طرقه يدل على أن له أصلاً, والله أعلم.

    وهل جاء عند ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح ذلك؟

    لا, هو لم يأت بإباحة ذلك على الإطلاق, إلا من رواية ابن عباس : ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ), وفي حديث: ( إيما إهاب دبغ فقد طهر ), فقالوا: هذا دلالة على أن ذلك يجوز، وهو قول الزهري وهو قول عن الشافعية.

    وإذا جاء ذلك كيف يكون الجمع بينهما؟

    الأقرب والله أعلم أن الحديث عن جلود السباع لو صح, فإنما هو عن الجلوس فيها, وأنتم تعلمون أنه ورد في الجلوس على جلود السباع نهي؛ لأجل أنه فعل العجم, ولو كان لأجل النجاسة لعلقها النبي صلى الله عليه وسلم باليبوسة والرطوبة, فالحنابلة يرون أن دباغة جلود الميتة لا تطهر, ومع ذلك يجوز الانتفاع بها في اليابسات, فدل ذلك على أن النهي إنما هو لا لأجل النجاسة, ولكن لأجل الجلوس فيه, ولكننا نقول: النجاسة ثبتت بدليل آخر، والله أعلم.

    سفر المرأة بغير محرم والرد على من يجيز ذلك

    السؤال: ما حكم سفر المرأة بغير محرم بالطائرة أو برفقة حسنة؟ وإذا كان لا يجوز كيف يكون الرد على من يجيزها من أهل العلم المعاصرين؟

    الجواب: جيد! واسمحوا لي أن أذكر هذه المسألة؛ لأن بعض طلبة العلم نسب لبعض العلماء ما لم يقولوه, هذه المسألة وهي مسألة: المحرم للمرأة.

    أولاً: الذي أحفظه عن العلماء كــمالك و الشافعي و أحمد و أبي حنيفة أنهم يوجبون على المرأة أن تسافر بمحرم في كل سفر ليس سفر طاعة, كسفر النزهة وغيره, من غير سفر طاعة, فإنهم يوجبون على المرأة ألا تسافر إلا بمحرم, ولا أعلم أحداً جوزها إلا بعض المتأخرين من المالكية ونحوهم, وإن كان المعروف عن الأئمة الأربعة هو المنع.

    المسألة الثانية: هو حكم سفر المرأة من غير محرم في الحج الواجب أو في العمرة الواجبة, فهذه المسألة اختلف العلماء فيها؛ فذهب مالك و الشافعي و الأوزاعي إلى جواز سفر المرأة من غير محرم قالوا: لأن سفر المرأة من غير محرم ثابت والنهي فيه للتحريم, وحج المرأة واجب, فتعارض في حقها واجب ومحظور, وإذا تعارض الواجب والمحظور يقدم الواجب, أما في سفر الطاعة, مثل الحج والعمرة التطوع, فإنه يحرم عليها أن تسافر, إلا مع ذي محرم, والراجح في هذه المسألة هو مذهب أبي حنيفة و أحمد و ابن المنذر , أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم حتى في الحج؛ لما روى الدارقطني بسند صحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تحجن امرأة إلا مع ذي محرم ), قال ابن المنذر : تركوا العمل بظاهر الحديث, وأتى كل إمام بحجة ليس معه في ظاهر الحديث أثر أو كلمة نحوها, وعلى هذا فالراجح أنه لا يجوز, ويرى أبو حنيفة و أحمد أنه لم يجب الحج على المرأة أصلاً, هذه المسألة الثانية.

    المسألة الثالثة: جوز أبو العباس بن تيمية كما في الاختيارات أنه قال: ويتوجه سفر المرأة مع رفقة مأمونة في كل سفر طاعة, إذاً ابن تيمية يجوز سفر الطاعة, وأما سفر غير الطاعة مثل النزهة وغير ذلك فلا.

    المسألة الرابعة في هذه المسألة: وهو ما حكم سفر المرأة من غير محرم ولو كان من غير سفر طاعة؟ نقول: إن سفر المرأة من غير محرم لا يجوز؛ لمخالفتها المأمور, بيد أننا نقول: إن هذا الواجب غايته أنه يسقط مع العجز وعدم الإمكان, فإذا وجد أن امرأة ليس عندها محرم, أو يصعب عليها وجود المحرم, مثل امرأة عندها بنات ومحارمها كبار سن, ولا يستطيعون أن يذهبوا بها, فلو قلنا: إنها لا تسافر لشق ذلك عليها؛ ولهذا روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها: (أنها بلغها أن ابن عمر كان يمنع النساء أن يحججن إلا بمحرم, فقالت عائشة رضي الله عنها: رحم الله أبا عبد الرحمن ! ليس كل النساء تجد محرماً), وقد ثبت في الحديث الصحيح, أن عمر رضي الله عنه حج بنساء النبي صلى الله عليه وسلم, ومن أزواج النبي من لم يكن معها محرم, فدل ذلك على أن غاية المحرم واجب, وغاية الواجب يسقط مع العجز وعدم الإمكان.

    فإذا جاءتنا امرأة وقالت: أنا الآن مقيمة هنا في السعودية, وتوفيت أمي, أو اضطر أن يسافر إلى خارج السعودية, وزوجي لا يستطيع أن يذهب معي, أو يتكلف تكلفاً مالياً باهظ الثمن, فيه كلفة علينا وعلى مستوانا المعيشي فنقول: لا بأس أن تسافري بلا محرم مع نساء مأمونات؛ لأجل الحاجة والضرورة, وجاءتنا امرأة تقول: أنا أسافر, لكني أنا أقوم بتعييش أهلي, ووالدي كبير سن, وليس عندنا أحد ينفق علينا إلا أنا, وأنا مدرسة, وأضطر إلى أن أسافر إلى خارج الرياض مسيرة مائة كيلو أو مائتين كيلو, فهل لي أن أسافر من غير محرم؟ نقول: أنت في هذه الحال معذورة؛ لأن غاية الواجبات تسقط مع العجز وعدم الإمكان, على قاعدة عائشة رضي الله عنها.

    وليس معنى الواجب ألا يستثنى إذا وجد فيه مشقة؛ لأن أحياناً البقاء من غير سفر مشقته أعظم وأكثر ضرراً من السفر نفسه, والله تبارك وتعالى أعلم.

    نصيحة في كيفية قضاء الإجازة السنوية وأخذ المسائل العلمية

    السؤال: ما هي نصيحتك لنا في الإجازة القادمة؟ وكيف ينظر طالب العلم المسائل؟ وهل يشترط أن يحفظ كل شيء بالسنة والفقه؟

    الجواب: هذه المسألة طويلة, لكن أنا أقول: لا بد لطالب العلم في كل فن بكتاب, ولو قل, فالفقه يمسك كتاباً في الفقه, ويكون هذا في حله وترحاله, الزاد, دليل الطالب, ثم يمسك شرحاً لهذا الكتاب ويقيد فيه هذه المسائل, بحيث لو طلب منه أن يشرح أو يفتي أو غير ذلك, يراجع هذا الكتاب, فكل ما جاء قول غريب, أو قول يخالف ما في الكتاب مثل الزاد, نقول: واختارت اللجنة الدائمة كذا, ويستدل بدليله, أو ابن تيمية , أو ابن عبد البر , أو ابن رجب , أو ابن حجر ويقيد, فيجد أنه بين الفينة والأخرى وهو يراجع هذه المسائل, فإذا جاء الحج قرأ في الحج, وإذا جاء في الصيام قرأ في الصيام والزكاة, وإذا كان في الصلاة يراجعها بين الفينة والأخرى, والعلم بالمذاكرة, ولهذا الإمام البخاري عندما سئل: ما علاج النسيان؟ قال: مداومة المذاكرة, فهذا يجعل طالب العلم يحفظ, وطبيعي يا إخوان! أن الذي يبدأ بالعلم والفن ربما ينسى, لكني أنا أقول: أنه ما في شيء اسمه النسيان, إذاً ما الذي فيه؟ الذي فيه هو أنك تحفظ الآن, فإذا طلب منك التسميع حفظت والحمد لله, لكن ما الذي يكون؟ هو آلة بيان الحفظ هي ليست عندك, وهذه بسيطة, أحياناً يكون الهارد فيه المعلومة, لكن إذا طلبت بحثاً, تبحث بالملفات لكن ما تبحث بكل السي, آلة البحث عندك تحتاج إلى تقوية, فأنت عود نفسك تقوية استذكار المحفوظ, وهذا يتأتى إذا جاءت مسألة تجلس تقول: وهذا فيها حديث كذا فيها كذا, وهذه فيها حديث كذا وفيها حديث كذا, تجد أن مرة ومرتين وعشر وعشرين, سنة وسنتين، تجد أنك إذا جاءت مسألة تأتيك الأحاديث كأنها بين عينيك, هذا يسميها العلماء قوة الاستحضار, إذاً قوة الاستحضار شيء والحفظ شيء آخر, ولهذا عود نفسك قوة الاستحضار, لا تقول: يكفي حديث واحد, ولو قلته للناس حديث واحد, لكن استحضر, فتجيك الحديث الأول, الثاني, الثالث, أول الأمر صعب عليك, لكن عود نفسك هذا, إذا جاءك وقال لك: ما الدليل على كذا؟ استحضر القرآن بسرعة, الدليل فيه آية كذا, يجيك الثاني كذا, وبعدين تبدأ تكررها, الدليل على وجوب طاعة الله آية كذا, آية كذا, آية كذا, آية كذا, آية كذا, إذا سئلت, فتجد أنك تذكر ثلاث أربع خمس آيات بهذه الطريقة.

    وكذلك أقول لك: اجعل لك وقتاً في الفقه, ووقتاً في الحديث, ووقتاً في الأصول, ووقتاً في المصطلح, ووقتاً في العقيدة, ووقتاً في التفسير ومراجعة القرآن على طريقة جداول الدراسة, شيئاً فشيئاً حتى يشتد عودك, ويرتفع صيتك, وتكون إماماً بإذن الله إذا أنت أصلحت النية وأحسنت العمل, نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767986566