أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وها نحن مع هذه الآيات الأربع، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها مجودة مرتلة، ونتدبر ونتفكر ثم نتدارسها إن شاء الله.
قال تعالى: وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ * وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [يوسف:19-22].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! بالأمس شاهدنا بقلوبنا وعلمنا علماً يقينياً أن يوسف عليه السلام قد ألقاه إخوته في غيابة الجب.
مؤامرة تمت ونفذوها بالحرف الواحد، وتركوا يوسف في قعر البئر، إلا أن الله أذهب عنه كل المخاوف، وطمأنه بأنه لا يناله مكروه بعد الآن، وأنه من أولياء الله وصالح عباده، واقرءوا قوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [يوسف:15]، فأصبح البئر كأنه قصر، لا ظلمة ولا ضيق!
وفجأة كان جماعة من العدنانيين من ديار مدين في طريقهم إلى مصر تجاراً، مروا بالبئر، وقبل الوصول إليه بعثوا الرائد الذي يرتاد لهم الماء، وهي السيارة التي قال تعالى فيها: وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ [يوسف:19]، سيارة اليوم هذه الدابة الحديدية، والسيارة ككشافة وجوالة، جماعة كثيرة السير، لا يقال فيهم السيارة إلا إذا كانوا كثيري السير، فهي سيارة ككشافة وجوالة لكثرة الكشف والتجوال، سيارة من أهل مدين، فأرسلوا واردهم يطلب لهم الماء قبل أن يصلوا إلى المكان، فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ [يوسف:19]، والدلو معروف، وأدلاه: رمى به في البئر ودلاه، فلما وصل الحبل الذي به الدلو أمسك به يوسف.
إذاً: وسحب الدلو يظنه قد امتلأ بالماء فإذا بيوسف، وكان عليه السلام أجمل رجال العالم، والرسول يقول: ( أعطي شطر الحسن )، كان كالقمر عليه السلام.
وما إن شاهده ذاك الوارد حتى صاح: يا بشراي.. يا بشراي! احضري هذا أوان حضورك، فلا بشرى أعظم من هذه، فبدلاً من أن يخرج دلو ماء أخرج ملكاً، يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ [يوسف:19]، غلام وأي غلام؟! أجمل الغلمان وأحسنهم وأكملهم وأتمهم في ذاته وحسنه وكماله.
اللفظ يحتمل معنيين، والأقرب أنهم إخوته، كانوا يتطلعون ويدورون حول البئر لعله يخرج.. لعله كذا.. لعل من يمر به، فلما رأوه خرج أقبلوا على الوارد، وأسروه بضاعة.. جعلوه كالبضاعة وأخفوها، بضاعة مخفية مستورة.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [يوسف:19]، عملهم كله هذا تحت علم الله، وهو من تدبير الله عز وجل.
كيف ينتقل يوسف من أرض فلسطين ليصبح ملكاً في أرض مصر؟ لا بد من تدابير.
وَشَرَوْهُ [يوسف:20]، من هم الذي شروه؟ ظاهر السياق أن إخوة يوسف لما أدركوهم قالوا: هذا عبدنا وهرب منا وأبق، فنبيعكموه بأدنى شيء، فباعوه.
ولا بأس أن تفهم أن الذين أخذوه من البئر باعوه إلى جماعة منهم سراً حتى لا ينازعوهم في المال، والظاهر هو الأول.
إذاً: هذا الذي اشتراه من مصر قال لامرأته وهي زليخا أَكْرِمِي مَثْوَاهُ [يوسف:21]، أي: إقامته. بالفراش والطعام واللباس وكل ما يحتاج.
والمثوى: مكان الثوي والإقامة. أي: أكرمي نزله.
عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا [يوسف:21]، يشتغل معنا، يأتينا بكذا.. أو نبيعه وننتفع به.
أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [يوسف:21] من باب أولى، إذا صلح وأصبح أهلاً لأن نتبناه فنتبناه، وهنا التبني كان مشروعاً لكنه نسخ في الإسلام في آية سورة الأحزاب، وما بقي التبني أبداً، والرسول صلى الله عليه وسلم كان قد تبنى زيداً على عهد الجاهلية، ولكن نزل القرآن وأبطل التبني.
فقوله: أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [يوسف:21]، أي: نتبناه ويصبح ولدنا، وَكَذَلِكَ [يوسف:21]، يقول تعالى: وهكذا مَكَّنَّا لِيُوسُفَ [يوسف:21]، كما نجيناه من إخوته وقتلهم، ومن البئر وظلمته، ومن البيع ورخصه، كذلك مكنا ليوسف الآن في دار العزيز، فأصبح كالملك محترماً، مبجلاً، مكرماً فوق العادة.
لم؟ لأن الله ألقى عليه تلك الأنوار، وأراد الله رفعته، وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ [يوسف:21]، وقد علمه الله استجابة لدعوة يعقوب عليه السلام: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [يوسف:6] وكذلك يعلمك ربك من تأويل الأحاديث، تأويل الرؤى وتعبيرها وتفسيرها، ويعلمه أيضاً الحكمة.
وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، هذا الواقع.
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ [يوسف:21]، لا يُغالب ولا يُغلب، هو الذي يدبر الكون كله، يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يضر وينفع، يعز ويذل، يشقي ويسعد هو وحده، لكن أكثر الناس لا يعرفون هذا، ما عرفوا الله حتى يعرفوا تقديره للكون وتدبيره للحياة.
ثم قال تعالى: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [يوسف:22]، فالآيات تعالج آلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يعانيه من ظلم أقربائه وما يفعلون معه، فقص الله تعالى له هذا القصص وهذه المقطوعة بالذات لتطمئن نفسه وتسكن ويعلم أن جزاءه كجزاء يوسف الذي سيصبح ملكاً، فيصبح محمد ملكاً أيضاً لو قبل كلمة ملك.
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ [يوسف:22]، هو تجاوز الشبيبة ودخل في الكهولة؛ لأن الأنبياء ينبئون في سن الأربعين ويرسلون.
قال تعالى: آتَيْنَاهُ حُكْمًا [يوسف:22]، وأصبح حاكماً، وعلماً [يوسف:22] فأصبح عالماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [يوسف:22]، هذه عامة أو خاصة؟
عامة، والمقصود بها أولاً: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكما جزى الله يعقوب ويوسف كذلك سيجزي محمداً صلى الله عليه وسلم ويجزي كل المحسنين.
ومن هم المحسنون؟ الذين يخلصون العمل لله ويتقنونه، يخلصونه لله فلا يلتفون إلى غير الله، ويؤدونه على الوجه المطلوب الذي ينتج بواسطته الطهارة الروحية والزكاء النفسي.
فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ [يوسف:19] يطلب لهم الماء فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى [يوسف:19]، وفي قراءة: (يا بشراي)، هَذَا غُلامٌ [يوسف:19]، وأي غلام هذا؟ كالقمر وقع في حجره.
وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً [يوسف:19]، جعلوه بضاعة وباعوه سراً حتى لا يتنبه الناس.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [يوسف:19] عملهم تحت علم الله وتدبيره.
وَشَرَوْهُ [يوسف:20]، أي: باعوه، بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ [يوسف:20]، لو كانت غير معدودة لكانت بالوزن، إذاً: فهي قليلة مبخوسة.
وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20]، زهدوا فيه وهو لا يباع بالمليار فضلاً عن دراهم معدودة.
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ [يوسف:21]، لما دخلوا به مصر باعوه، فالذي اشتراه مع القافلة غير الذي اشتراه من مصر، وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ [يوسف:21]، قلنا: إنه العزيز، وامرأته زليخا كما سنعلم في المستقبل إن شاء الله.
أَكْرِمِي مَثْوَاهُ [يوسف:21]، ما معنى: أكرمي مثواه؟ أي: نزله.. من حيث الطعام والشراب واللباس والفراش.
عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا [يوسف:21]، إما أن ينفعنا في العمل فنستفيد منه، أو نبيعه عبداً من العبيد، أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [يوسف:21]، نجعله ابناً لنا إذا رأينا كماله وعلمه.
قال تعالى: وَكَذَلِكَ [يوسف:21]، أي: وهكذا، أو كالذي تقدم مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، والله! إن الله لغالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يتخبطون ويظلمون ويفجرون ويظنون أنهم يعملون بدون علم الله، وكل شيء بعلم الله وإرادته.
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [يوسف:22]، الذين يحسنون عبادة الله بأن يؤدوها على الوجه المطلوب ويخلصوها لله عز وجل.
قال المؤلف: [معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن يوسف وإخوته، إنه لما ألقي يوسف في الجب وترك هناك جاءت قافلة من بلاد مدين تريد مصر] للتجارة، [فأرسلوا وارداً لهم يستسقي لهم الماء، فأدلى دلوه في البئر فتعلق به يوسف فخرج معه، وما إن رآه المدلي حتى صاح قائلاً يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ [يوسف:19]، وكان إخوة يوسف يترددون على البئر يتعرفون على مصير أخيهم، فلما رأوه بأيدي الوارد ورفاقه قالوا لهم: هذا عبد لنا أبق، وإن رأيتم شراءه بعناه لكم، فقالوا: ذاك الذي نريد، فباعوه لهم بثمن ناقص، وأسره الذين اشتروه، أي: أخفوه عن رجال القافلة]؛ لأن القافلة فيها عشرات الناس.. أخفوه عن رجال القافلة [ حتى لا يطالبوهم بالاشتراك فيه معهم، وقالوا: هذه بضاعة كلفنا أصحاب الماء إيصالها إلى صاحبها بمصر ].
كذبوا واحتالوا على إخوانهم، ماذا قالوا؟ قالوا: هذه بضاعة كلفنا أصحاب الماء إيصالها إلى صاحبها بمصر.
[ هذا ما دل عليه قوله تعالى: وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً [يوسف:19].
قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ [يوسف:20]، وكونها معدودة غير موزونة دال على قلتها.
وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20]، أي: إخوته، لا الذين اشتروه، ولما وصلوا به مصر باعوه من وزير يقال له: بوتيفار، أي: العزيز، فتفرس فيه الخير، فقال لامرأته زليخا : أكرمي مقامه بيننا رجاء أن ينفعنا في الخدمة أو نبيعه بثمن غال، أو نتخذه ولداً حيث ونحن لا يولد لنا. هذا معنى قوله تعالى: وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [يوسف:21].
قال تعالى: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ [يوسف:21]، أي: وكما نجيناه من القتل والجب وعطفنا عليه العزيز مكنا له في الأرض فيما بعد فصار ملك مصر بما فيها يحكمها ويسوسها بالعدل والرحمة.
وقوله تعالى: وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ [يوسف:21]، أي: ولنعلمه تعبير الرؤى من أحاديث الناس وما يقصونه منه.
قوله تعالى: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ [يوسف:21]، أي: على أمر يوسف، فلم يقدر إخوته أن يبلغوا منه مرادهم، كما هو تعالى غالب على كل أمر أراده فلا يحول بينه وبين مراده أحد، وكيف لا وهو العزيز الحكيم؟!
وقوله تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، إذ لو علموا لفوضوا أمرهم إليه وتوكلوا عليه ولم يحاولوا معصيته بالخروج عن طاعته، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يجد من أقربائه من أذى؛ إذ يوسف ناله الأذى من إخوته الذين هم أقرب الناس إليه بعد والديه.
وقوله تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [يوسف:22]، أي: ولما بلغ يوسف اكتمال قوته البدنية بتجاوز سن الصبا إلى سن الشباب وقوته العقلية بتجاوزه سن الشباب، إلى سن الكهولة آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا [يوسف:22]، أي: حكمة وهي الإصابة في الأمور، وعلماً وهو الفقه في الدين، وكما آتينا يوسف الحكمة والعلم نجزي المحسنين طاعتنا بالصبر والصدق وحسن التوكل.
وفي هذا بشارة لرسولنا صلى الله عليه وسلم بحسن العاقبة، وأن الله تعالى سينصره على أعدائه ويمكن له منهم ] وكذلك فعل.
من هداية الآيات:
أولاً: جواز الفرح بما يسر والإعلان عنه ]، من أين أخذنا هذا الجواز؟
الجواب: من قول الله تعالى: قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ [يوسف:19]، أعلن عن فرحه.
[ ثانياً: جواز الاحتياط لأمر الدين والدنيا ]، من أين أخذنا هذا؟
من قوله تعالى: وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً [يوسف:19]، احتاطوا حتى لا يشاركهم الآخرون فيه.
[ ثالثاً: إطلاق لفظ الشراء على البيع ]، قل: بعت أو شريت بمعنى واحد، يجوز هذا وهذا. شروه بمعنى: باعوه لا اشتروه. إذاً: جواز إطلاق لفظ الشراء على البيع.
[ رابعاً: نسخ التبني في الإسلام ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [يوسف:21]، قالها العزيز، ولكن جاء الإسلام ونسخ التبني، فلا تحتج بهذه وتقول: يجوز.
[ خامساً: معرفة تعبير الرؤى كرامة لمن علمه الله ذلك ] حقاً وصدقاً.
[ سادساً: من غالب الله غلب ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ [يوسف:21]، فكل من غالب الله غلبه الله ولن ينتصر على الله.
[ سابعاً: بلوغ الأشد يبتدئ بانتهاء الصبا والدخول في البلوغ ]، بلوغ الأشد بانتهاء الصبا والدخول في البلوغ.
[ ثامناً: حسن الجزاء مشروط بحسن القصد والعمل ]. فمن أحسن قصده وأخلص لله وأحسن عمله سيجزى بهذا الخير، والله لا يضيع أجر المحسنين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر