قال الله عز وجل:
قد سبق ذكر بعض الآيات التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تكون بين يدي الساعة، وهذه جملة أخرى من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين بعض العلامات التي تكون قبل قيام الساعة، ومن ذلك العشر العلامات الكبرى التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (أنه لا تقوم الساعة حتى يرى الناس عشر علامات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، و
هناك علامات أخرى ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم أنها تكون قرب الساعة؛ حتى يتعظ بها المؤمنون الذين يصدقون كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فيرون الشيء فيعلمون أنه علامة من العلامات فيسرعون إلى الطاعة وينزعون عن المعصية.
وقد يقال: إن المسلمين مغلوبون في كل مكان في الأرض، فكيف نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة منصورة).
والجواب: إن النصر على الكفار حاصل ولو في مكان من الأماكن، وتوجد انتصارات للمسلمين في بعض البلدان، وإن كانوا مهزومين في أماكن كثيرة جداً، فتجدهم في بلاد الأفغان مثلاً ينتصرون على الروس، وإن كانت قد تحدث كبوة بعد ذلك وينتصر عليهم الكفار، ولكن لا يزال يوجد من يقاوم الكفار في هذه الأماكن إما بالسيف والسنان أو بالحجة واللسان، وهذا نصر من الله، عندما تجد من يخرج على المسلمين فيشتم دين الله تبارك وتعالى، ويتكلم عن دين الله، ويريد من يناظره، فيخرج الله عز وجل له من المسلمين من يدحض حجته، ويخزيه الله عز وجل على يده.
وقد رأينا مثل ذلك في مناظرات الشيخ أحمد ديدات رحمة الله عليه، وقبله الشيخ رحمة الله الهندي وغيرهما من علماء المسلمين الذين ناظروا الكفار، فأدحض الله عز وجل حجتهم، وطمس فريتهم، ونصر دينه سبحانه وتعالى، ودخل الكثيرون في دين الإسلام.
وقد قيل: رب ضارة نافعة، فتجد الكفار يسيئون للإسلام ثم تجد كثيراً منهم يدخلون في دين الله تبارك وتعالى ويؤمنون بالله ويجعل الله عز وجل منهم من يدعو إلى دينه.
وقد قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وراءهم، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!) أي: من غيرهم؟ فستقلدون اليهود والنصارى، وهذا حاصل اليوم، فتجد المسلمين في كل مكان يقلدون هؤلاء في زيهم وفي طريقتهم في الحياة، ويقلدونهم فيما يصنعونه في بلادهم، وكيف يتحكم بعضهم في بعض، ويجعلون صاحب المال فوق غيره، وقد نزعت الرحمة من قلوبهم، فالغني عنده المال الكثير، ولا يواسي به فقيراً أو يعطف عليه، وإن كانوا يتشدقون بالإنسانية، ويتشدقون بالكلام عن الحرية، وهذا كلام للاستهلاك فقط، أما الحقيقة فلا يوجد شيء من ذلك.
أما ما يقدمونه من الإعانات للبلاد الأخرى فذلك بمقابل إلغاء الدين في تلك البلاد.
ومثال ذلك: الحصار الاقتصادي على فلسطين، والجيوش التي تكون عليهم من اليهود، والأسلحة التي تعطى لهم لتدمير الفلسطينين وغيرهم من المسلمين الذين يقولون: لا إله إلا الله، ويطلبون شرع الله سبحانه وتعالى، فيقاتلونهم على أنهم إرهابيون، وعلى أنهم جماعات متطرفة وعصابة من العصابات.
أما اليهود الحثالة والعصابة المجرمة الكفرة الذين عاثوا في الأرض فساداً، والذين يدمرون ويقتلون ويخربون، فهم أصحاب الفهم الصحيح، وأصحاب المال الذين تكون معهم أمريكا وأوروبا وغيرهم.
فإذا قتل يهودي واحد هاجت الدنيا، وإذا قتل المئات والألوف من المسلمين فلا أحد يتكلم عنهم، فما هي الحرية التي يتكلم عنها هؤلاء؟!
وما هو الإخاء الإنساني الذي يتكلمون عنه؟
أما المعونات فتخرج مشروطة يقولون: تحللوا واخرجوا من دينكم لنعطيكم هذه المعونات، أما أن تبقوا على الدين فلا نعطيكم شيئاً.
مثل ذلك: أنه ينتجون القمح بكميات هائلة، حتى إنهم يرمون الفائض في البحر، ولا يعطى للبلاد التي فيها مجاعات، فإذا أعطته أمريكا تعطيه لبعض الدول كنوع من المعونة؛ لكي يتحكموا فيها، فيسألون: ما هو النظام الموجود عندكم؟ وكيف ستتعاملون معنا؟ فهناك فرق بين هؤلاء وبين المسلمين الذين يتعاطفون ويتراحمون مع خلق الله سبحانه وتعالى.
وقد أرسل الله النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] أي: للخلق جميعهم، فهو رحمة صلوات الله وسلامه عليه للعالمين، أما هؤلاء فالرحمة عندهم شعار زائف، أما الحقيقة فلينظر إلى ما يصنع في العراق وفي فلسطين وفي أفغانستان وفي كل الدنيا حين يتحكمون في هذه البلدان.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي أخذ القرون قبلها، شبراً بشبر وذراعاً بذراع، قيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟ قال: ومن الناس إلا أولئك؟!) يعني: تقليد الكفار، فالروم كانوا نصارى، وفارس كانوا عباد النيران، أي: سترجعون مرة ثانية تتبعون هؤلاء فيما يفعلون، وما يقولون.
فما يصنعه اليهود والنصارى يصنعه المسلمون مقلدين لهم.
وجاء في حديث آخر: (حتى لو أن أحدهم أتى أمه في الطريق لفعله هؤلاء) أي: يقلدونهم في استباحة الزنا، فقد يأتي على بلاد المسلمين وقت يستبيحون فيه ذلك، أو يباح لهم أن يصنعوا ذلك من حكامهم وغيرهم، فيتناسون دين الله عز وجل ويقعون في المعاصي، فيأتيهم الذل والخزي من الله سبحانه.
فالغرض: أن هذا الصنم الذي دمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سيرجع مرة ثانية، وسيعبده الناس من دون الله سبحانه.
ومعنى الحديث: أن من أكثر الناس اتباعاً لهذه الشركيات النساء في كل مكان، فتجد المرأة تنسى نفسها وتتوجه في حاجتها إلى السيد الفلاني، والمقصود أن من أوائل من يصنع ذلك النساء، فالمرأة تطوف مرة ثانية على هذا الصنم؛ لتعبده من دون الله سبحانه، ولن تفعل ذلك النساء إلا بموافقة الرجال الذين يكونون تاركين دينهم وراء ظهورهم،وهذه الأحاديث التي نذكرها كلها أحاديث صحيحة، فلا نحتاج أن نذكر صحة كل حديث.
وهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم تفسير لقوله تعالى: لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، قال صلى الله عليه وسلم: (ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه).
وذلك أن الساعة تأتي بغتة وقد نشر البائع والمشتري الثوب ليتبايعان عليه فلا يكملان البيع.
قال صلى الله عليه وسلم: (ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه) أي: أخذ حليب ناقته فتقوم الساعة، يموت قبل أن يشربه.
قال صلى الله عليه وسلم: (ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه) أي: يصلح الحوض ليسقي فيه إبله فتقوم الساعة قبل أن يسقي فيه.
قال صلى الله عليه وسلم: (ولتقومن الساعة وقد رفع الرجل أكلته إلى فيه فلا يطعمه) يعني: يغمس اللقمة ثم يرفعها إلى فمه فتقوم الساعة واللقمة على فمه فيسقط ميتاً.
وهذه الساعة المقصود بها موت الإنسان بغتة، وكم من إنسان يقال له: سيموت بعد ساعة أو ساعتين ثم يعيش أياماً وشهوراً، وآخر يقال له: أنت لا زلت شاباً فيموت في شبابه! فالموت لا يملكه إلا الله سبحانه وتعالى، ويأتي الإنسان بغتة.
وهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم تفسير لقوله تعالى: لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، قال صلى الله عليه وسلم: (ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه).
وذلك أن الساعة تأتي بغتة وقد نشر البائع والمشتري الثوب ليتبايعان عليه فلا يكملان البيع.
قال صلى الله عليه وسلم: (ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه) أي: أخذ حليب ناقته فتقوم الساعة، يموت قبل أن يشربه.
قال صلى الله عليه وسلم: (ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه) أي: يصلح الحوض ليسقي فيه إبله فتقوم الساعة قبل أن يسقي فيه.
قال صلى الله عليه وسلم: (ولتقومن الساعة وقد رفع الرجل أكلته إلى فيه فلا يطعمه) يعني: يغمس اللقمة ثم يرفعها إلى فمه فتقوم الساعة واللقمة على فمه فيسقط ميتاً.
وهذه الساعة المقصود بها موت الإنسان بغتة، وكم من إنسان يقال له: سيموت بعد ساعة أو ساعتين ثم يعيش أياماً وشهوراً، وآخر يقال له: أنت لا زلت شاباً فيموت في شبابه! فالموت لا يملكه إلا الله سبحانه وتعالى، ويأتي الإنسان بغتة.
وبعضهم يجادل بعض المسلمين في أمريكا وفي غيرها ويقول له: أليس عندكم في الحديث: (لا تقوم الساعة حتى يقول الحجر: ورائي يهودي تعال فاقتله)، فاصبروا حتى يتكلم الحجر واتركونا الآن! فهم يعرفون ذلك والمسلم يتشكك فيه.
ومعنى هذا الحديث: أنه سيكون قتال بين المسلمين وبين اليهود ينتصر فيه المسلمون، ومن إعانة الله تعالى للمسلمين أن ينطق الحجر والشجر، فيقول: تعال اقتل اليهودي المختبئ ورائي.
ولكن المسلم يتناسى أن النصر من عند الله سبحانه، ويطلبه من المشرق والمغرب؛ إلا من رحم الله تعالى.
وحديث آخر يقول: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله) يعني: يبتدئ ذهاب الدين من الناس شيئاً فشيئاً، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع هذا الدين من الناس، فأخبر (أن الكعبة ينقضها حجراً حجراً
ونسيانهم للدين ومنه الحج سببه المعصية لله تعالى، وإدارة العاصي ظهره لدينه.
ودين الله دين عزيز، والقرآن كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، نزل من عند الله الحكيم الحميد، فمن يستحق ذلك أخذه، ومن لا يستحقه ولا يفهمه لا يأخذه.
فإذا كان اهتمام الإنسان بشكل المصحف وورقه وجلده وحجمه، ولا يعرف ما فيه ولا يقرأ آياته، وكذلك اهتمامه بزخرفة المسجد ولا يصلي فيه، قال: (فالدمار عليكم) أي: لا تستحقون أن تعيشوا ولا تستحقون أن تنصروا فالدمار عليكم؛ لأنهم اهتموا بما لم يؤمروا به، وإنما أمروا بما في كتاب الله عز وجل أن يحفظوه وأن يعملوا به.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)، (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله)، وقال: (لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت) فهناك أشياء تسبب فيها المسلمون أنفسهم فأعطوا ظهورهم لكتاب الله عز وجل لم يتعلموه ولم يعملوا به، فيأتي عليهم زمان يرفع القرآن فيصبحون ولا يجدون هذا المصحف العظيم، فهو من الله جاء وإلى الله عز وجل يرجع مرة ثانية.
ثم بعد ذلك يتهارجون تهارج الحمر، يصبحون كالوحوش في الغابات، ليس عندهم كتاب من الله عز وجل، والكعبة تهدم ولا يعرفون الصلاة حتى إن الناس ليقولون: سمعنا الناس يقولون ذلك، أو أن الرجل يذكر عن أجداده أنه سمعهم يقولون: الله الله، ففي النهاية أخذ الله تعالى منهم ما نزل عليهم.
لذلك المسلم الآن في رحمة من الله عز وجل، عنده كتاب الله، وعنده المساجد، والكعبة موجودة، فلا يفرط في هذه الأشياء بل يحرص على أداء ما أمره الله عز وجل بأدائه.
فطالما القرآن محفوظ والسنة معروفة والعمل بهما قائم فليطمئن المسلمون فلن ينتزع الله الدين منهم، فالله لا يأخذ العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، إنما يأخذه بموت العلماء، فيستفتى الناس الجهال فيضلونهم.
والعلم ليس مجرد الحفظ، إنما العلم معرفة ما في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك التقوى التي في القلب، أن يكون العالم تقياً لله، يخاف من الله سبحانه، ويقيم شرع الله عز وجل.
وانظر لـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يوم أن جاءه الناس ويقولون: إننا تركنا رجلاً جالساً في المسجد والناس من حوله وهو يقول لهم: سبحوا الله مائة، يعني: تسبيحاً جماعياً، ويقول: احمدوا الله مائة، كبروا الله مائة.
ولو أن أي إنسان غير هذا الصحابي الفاضل أو غير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين عرفوا هذا الدين من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك لقال: وماذا في ذلك؟ رجل قاعد في المسجد مع الناس يذكرون الله تعالى!
لكن ابن مسعود رضي الله عنه لما سمع ذلك ذهب فوجد الحلقة والرجل قاعد في وسط الحلقة يصنع ما ذكر، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: والله لأنتم على ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة؟ يعني: إما أنتم أحسن من النبي صلى الله عليه وسلم وإما أنتم على ضلال، فهذا شيء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم.
فقالوا له: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير.
قال: وكم من مريد للخير لا يبلغه.
فليس الأمر أن تفعل شيئاً، وتقول: أنا أتقرب إلى الله عز وجل به، إنما يجب أن تنظر قبل العمل هل فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يفعله؟
فقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم مدة حياته لم يفعل ذلك التحلق والذكر الجماعي، وإنما أرشد وعلم وترك كل واحد يذكر الله عز وجل على انفراد، ولما علمهم الذكر عقب الصلاة يسبحون الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمدون الله ثلاثاً وثلاثين، ويكبرون الله ثلاثاً وثلاثين، ويقولون: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، تمام المائة، أو يحمدون ويكبرون ويسبحون كل واحدة إحدى عشرة حتى يكون المجموع ثلاثة وثلاثين، ولم يفعل ذلك جماعياً، إنما السنة أن يفعل ذلك فرادى.
أما التحديد بهيئة معينة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، فيظن الفاعل في نفسه أنه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم، بل عليه أن يفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك يحفظ دين الله عز وجل من البدع والضلالات.
وهناك الآن من يفتي الناس ويقول: كل الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحة، ولا توجد أحاديث ضعيفة؛ لأن الذين رووها أناس يحترمون النبي صلى الله عليه وسلم ويقدرونه! ويريدون بذلك إلغاء علم الحديث وعلم المصطلح، وبناءً على ذلك لا ينكرون ما قد يزاد من أشياء لا تصح كالزيادة في ألفاظ الأذان، ويقولون: ليس في ذلك شيء.
نقول: هذه عبادة، ولها ألفاظ مخصوصة علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم فلا نزيد فيها، ولو فتح هذا الباب لزاد كل إنسان ما يستحسنه.
ومرة دخلت مسجداً والمؤذن يقيم الصلاة ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا ومولانا محمد رسول الله!
ولم نسمع مثل هذا إلا بعدما جاء هذا المفتي الجديد وقال للناس: ليس في ذلك شيء.
ونحن ما صدقنا أن ألغي ما كانوا يصنعونه بعد الأذان، فيقف المؤذن بعد الأذان ويقول: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، يا خير خلق الله!! ونحن لا ننكر أبداً أنه رسول الله وخير خلق الله وأحب الخلق إلى الله، ولكن ننكر الزيادة في الأذان؛ لأن ألفاظه مخصوصة، وعددها إما تسعة عشر لفظة أو سبعة عشر لفظة أو خمسة عشر أو أحد عشر لفظة، وذلك معلوم من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من تقريره، ولا نفتح باباً للبدع، ولو قلنا بقول هذا المفتي لما أنكرنا على الشيعة قولهم في الأذان: حي على خير العمل.
فتنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم هو من التأدب معه، أما من يفصل بينهما فيقول: أنا أتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ويخالف بتأدبه المزعوم الأمر فهذا سوء أدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع الرب سبحانه وتعالى، حيث يترك دين الله عز وجل ويشرع ديناً آخر!
وقد سأل رجل الإمام مالك رحمة الله عليه فقال: من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة، قال: ما علي لو أحرمت من المدينة؟ يعني: من غير الميقات فقال: أخاف عليك الفتنة.
قال: وأي فتنة في ذلك، إنما هي أميال أزيدها، يعني: فيكون أكثر في الإحرام وأكثر في الثواب.
فقال: وأي فتنة أعظم من أن تظن أنك فعلت ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم!
والنبي صلى الله عليه وسلم كان في المدينة ولم يحرم منها، إنما أحرم من ذي الحليفة، وبينها وبين المدينة خمسة أو ستة كيلومتر، وقد كان أهون عليه أن يغتسل في بيته ويلبس لبس الإحرام ويستريح من هذه المسافة الزائدة، لكنه لم يفعل ذلك؛ لأن هذا هو الميقات الذي شرعه الله سبحانه وتعالى.
فتأمل هنا فقه الإمام مالك رحمة الله عليه!
قال الإمام مالك : يقول الله عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] أي: فليحذر الذين يخالفون عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر الله عز وجل تحت أي دعوة من الدعوات، وما من بدعة تبتدع في الدين إلا وألغيت مقابلها سنة، فإذا أنكرت على من يزيد في ألفاظ الأذان قوله: أشهد أن سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لك: أنت لا تحب النبي صلى الله عليه وسلم! وكذلك يقول: الأعداء يشتمون النبي صلى الله عليه وسلم وأنتم تقولون ما تقولون!
سبحان الله! هل ينصر النبي صلى الله عليه وسلم بالابتداع في دين الله عز وجل، ولكن علينا أن نتمسك بدين الله سبحانه وتعالى ونحذر من البدع والضلالات، ونكون كما قال الله تعالى: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63].
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر