وبعد:
فمعنا حديث الصحابي الصغير عمرو بن سلمة رضي الله تعالى عنه، يقول راوياً قصته التي أخرجها الإمام البخاري رحمه الله والنسائي وأبو داود والإمام أحمد يقول: (كنا بماءٍ ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان، فنسألهم: ما للناس؟ ما للناس؟ ما لهذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله وأوحى إليه، أو أوحى الله إليه بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يُقر في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبيٌ صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قومٍ بإسلامهم، وبادر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقاً، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً، فنظروا فلم يكن أحدٌ أكثر قرآناً مني لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم؟! فقطعوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص).
وفي رواية له أيضاً قال: (كان يمر علينا الركبان فنتعلم منهم القرآن، فأتى أبي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليؤمكم أكثركم قرآناً، فجاء أبي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليؤمكم أكثركم قرآناً، فنظروا فكنت أكثرهم قرآناً، فكنت أؤمهم وأنا ابن ثمان سنين).
وأما رواية أبي داود رحمه الله فإنه رواها عن عمرو بن سلمة قال: (كنا بحاضرٍ يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا، فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، وكنت غلاماً حافظاً، فحفظت من ذلك قرآناً كثيراً، فانطلق أبي وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من قومه فعلمهم -أي النبي عليه الصلاة والسلام- الصلاة فقال: يؤمكم أقرؤكم، وكنت أقرؤهم لما كنت أحفظ، فقدموني، فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت عني، فقالت امرأة من الناس: واروا عنا عورة قارئكم، فاشتروا لي قميصاً عمانياً، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين).
وفي رواية أخرى لـأبي داود عن عمرو بن سلمة : (إنهم وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما أرادوا أن ينصرفوا قالوا: يا رسول الله! من يؤمنا؟ قال: أكثركم جمعاً للقرآن أو أخذاً للقرآن، فلم يكن أحدٌ من القوم جمع ما جمعته، قال: فقدموني وأنا غلام وعلي شملة لي، فما شهدت مجمعاً من جرمٍ -يعني قومه بني جرم- إلا كنت إمامهم، وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا).
هذا الحديث الذي يرويه عمرو بن سلمة رضي الله تعالى عنه وهو رجلٌ مختلفٌ في صحبته، أبوه صحابي لأنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يُوجد في الرواية أنه وفد مع أبيه، وقد قيل: إنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إنه لم يفد عليه، ولذلك لم يكن في عداد الصحابة.
لماذا قلنا: من لقي ولم نقل: من رأى؟
لأنه قد يكون ضريراً، لو قلنا: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فمعنى ذلك أننا أخرجنا ابن أم مكتوم وأخرجنا فلاناً وفلاناً من الصحابة الذين لم يكونوا من المبصرين، فقال العلماء: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم، واللقيا هي: هو أن يجتمع مع النبي في مكانٍ واحد ولو لم يتحدث معه، ولو لم يسمع منه شيئاً، فمجرد التقائه بالنبي عليه الصلاة والسلام يصير من الصحابة الذين لهم الميزات العظيمة رضي الله عنهم ورضوا عنه ومن أهل الجنة، والقدح فيهم قدح في نقلة الوحي، ولا يسأل عن أحدهم في الحديث هل هو ثقة أو غير ثقة لأنهم عدول كلهم، وهم قومٌ اختارهم الله؛ كل واحدٍ لقي النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي، وهذا يشمل من لقيه في الأرض أو لقيه في السماء.
ولذلك فإن بعض الأنبياء صحابة لقوه مؤمنين به، لكن عندما نقول في التعريف: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك، فإن عيسى عليه السلام بناءً على ذلك ينطبق عليه تعريف الصحابي، لأنه لقي النبي عليه الصلاة والسلام مؤمناً به وسيموت على هذا، لأن عيسى لم يمت بعد عليه السلام، عمره فوق ألفي سنة، وسيكون عمره فوق ألفين سنة إذا نزل ومات عليه السلام.
ولا يهم أين لقيه، في طريق الهجرة، في مكة في المدينة في الأرض، في السماء. واللقاء يمكن أن يكون بنظرة أو اجتماع في مكانٍ واحد سواء كلمه أو لم يكلمه.
ومؤمناً به: حتى نخرج الكافر الذي لقيه ولم يؤمن به ومات كافراً، مثل أبي لهب وأبي جهل وغيرهم ممن لقوا النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنهم ليسوا بمؤمنين به، فلذلك ليسوا من الصحابة؛ لأن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناٌ به ومات على ذلك.
فخرج من هذا كل المرتدين الذين ماتوا مرتدين ممن لقي النبي عليه الصلاة والسلام كـمسيلمة ، فقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه مات على الردة، وعدد من العرب ماتوا على الردة.
فالصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك ولو تخللته ردةٌ على الأصح؛ فلو أنه ارتد ثم رجع فإنه يعتبر صحابياً؛ لأن العبرة بالخاتمة، والتوبة تجب ما قبلها، فتمحى فترة الردة بالتوبة، فيتصل الإسلام الأول بالإسلام الثاني، فكأن الردة لم تكن، ومات على ذلك.
وهناك أناس حصل بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم مراسلات، وآمنوا به وماتوا على ذلك، لكن ليسوا صحابة كـالنجاشي ؛ لأنه لم يلتق معه، حصل بينه وبينه مراسلات، لكن ما لقيه.
ثم إن العلماء بحثوا مسألة: هل إذا لقيه يشترط أن يكون في سنٍ معينة؛ لو أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى شخصاً والشخص هذا كان عمره سنة، من الذي لقي الآخر؟ النبي صلى الله عليه وسلم لقي الصبي أو حنكه أو دعا له ونحو ذلك.
وكذلك الجن، فإن تعريف الصحابة لا يختص بالإنس، فمن الجن صحابة التقوا بالنبي عليه الصلاة والسلام وعلمهم القرآن، قرأ عليهم سورة الرحمن وانطلق مع وفدهم واجتمع بهم، وأرى الصحابة آثار نيرانهم، وأعطاهم كل عظمٍ ذُكر اسم الله عليه عند ذبحه، فكل عظم ذبيحة ذُكر اسم الله عليها عند ذبحها ينقلب في أيديهم لحماً أوفر ما يكون، طعاماً للمسلمين منهم، وكل روث علف لدوابهم، ولذلك نهينا أن نستجمر بالروث والعظم، لأن العظم زاد إخواننا من الجن، ينقلب لحماً في أيديهم، والروث علف لدوابهم لأن الجن لهم دواب، وعلف دوابهم الروث، فلا نستجمر لا بعظم ولا بروث.
ثم ً بحثوا أيضاً مسألة الملائكة الذين لقوا النبي عليه الصلاة والسلام، ولا شك أن الملائكة ستموت عندما ينفخ في الصور، كل من في السماوات ومن في الأرض حتى جبرائيل وميكائيل وحتى إسرافيل الذي ينفخ في الصور يموت.
ثم بحثوا أيضاً مسألة من وصل إلى المدينة وقد مات عليه الصلاة والسلام ورآه بعد ما مات قبل أن يُدفن هل يكون صحابياً أو لا، وينبغي معرفة هل حصل أصلاً هذا أو لا، لأن إثباته قد يكون من الصعوبة بمكان، فالمهم أن هناك حالات متفق عليها أنهم من الصحابة، وحالات مختلف فيها هل هم من الصحابة أم لا، وحالات قطعاً ليسوا من الصحابة، وهناك أناس وفدوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فكان قد مات قبلها بليالٍ كالشاعر أبي ذؤيب الهذلي ، والصنابحي وغيرهم ممن جاءوا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام بقليل جداً.
وبعضهم أكبر من الصحابة في العمر، عمرو بن ميمون الأودي عمره مثل عمر ناس من كبار الصحابة، لكن ما كتب له أن يلقى النبي عليه الصلاة والسلام، وصل إلى المدينة بعدما مات النبي عليه الصلاة والسلام.
عدة الصحابة مائة وأربعة وعشرون ألفاً، والذين حجوا معه في حجة الوداع عددهم قريب من هذا العدد، حج معه كل المسلمين القادرين على الحج، مائة وأربعة وعشرون ألفاً رأوه في عرفة ونظروا إليه، ومؤكد أن هذا العدد الذي نقله العادون في الحج في عرفة اجتمع معه صلى الله عليه وسلم.
أما المنافقون فليسوا من الصحابة طبعاً إذا ماتوا على النفاق كـعبد الله بن أبي بن سلول وغيره من المنافقين، والحمد لله لا يوجد في نقلة الأحاديث منافق، ما أذن الله لمنافق أن يروي حديثاً، ولذلك كل رواة الحديث عدول من الصحابة، لا يوجد حديث رواه منافق، ما مكنهم الله من رواية الأحاديث، وأصلاً هم لا يقصدون نشر العلم بأي طريقة، بل يريدون الطعن في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم يوم بدر: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض) إذا قضي عليها في بدر فلن تقوم للإسلام قائمة، ولذلك الصحابة الذين شهدوا بدراً أجرهم أعظم ممن يشهد المعارك الأخرى، لأن هذا داخل في معركة ينبني عليها مستقبل الإسلام في الأرض، ولما انتصروا في المعارك ونصرهم الله كان هذا النصر سبباً في انتشار الدين.
ومن حساسية هذه القضية وخطورتها يقول عمرو بن سلمة رحمه الله ورضي عنه: إن كثيراً من العرب كانوا يتلومون أي: ينتظرون ويؤخرون البت في الأمر حتى يروا ما ستسفر عنه المواجهة، ومن الذي سيحسم الموقف، ولمن سيستقر الأمر، ثم بعد ذلك يحددون موقفهم.
فلذلك كانوا يقولون: ما للناس؟ ما للناس؟ ما لهذا الرجل أوحي إليه كذا؟ فيأتي العائدون من المدينة بقرآن، وكل مسافر يرجع وقد سمع شيئاً ويقول: إن محمداً يزعم أن الله أرسله أوحي إليه الله إليه بكذا.
من الذي كان يهوى الجلوس إلى هؤلاء المسافرين ويجلس معهم ويسمع كلامهم؟ إنه عمرو بن سلمة ، وكان غلاماً حافظاً رزقه الله ذاكرةً قوية، يقول: فحفظت من ذلك قرآناً كثيراً، فكأنما يقر -أي: هذا القرآن- فكأنما يقر في صدري- يجمع وفي رواية: يغري -أي: يلصق بالغراء، كأنك لصقت شيئاً بالغراء فليس بقابل للإزالة- وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، أي يؤخرون.
وهذا يدل على مسألة مهمة، وهي أن على الدعاة وأهل الإسلام أن يقدروا أن هناك أناساً موقفهم متوقف على من سينتصر، هناك كثيرٌ من المتفرجين في الأرض إسلامه يتوقف على من الذي سينتصر، فالضعفاء والمتشككون في الدعوة والمنتفعون وأهل الدنيا يقولون: ننتظر من الذي سيفوز، من الذي سينتصر.
وهذا موقف يتكرر كثيراً، وهو أن بعض الناس يتربصون لمن سيكون الانتصار، إن كان للإسلاميين كانوا معهم، وإن كان مع العلمانيين المنافقين كانوا معهم، وهكذا هم مع الغالب.
قال: فيقولون: اتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبيٌ صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح -أي حين فتحت مكة وحسم الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام- بدأت أفواج العرب تأتي، كل المتفرجين مالوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وحسموا موقفهم معه، لأن قريشاً هي القيادة في العرب، فما دامت القيادة قد سقطت وآل الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام وصار هو القيادة للعرب، جاء كل العرب يبايعونه، ولذلك قال تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا [الحديد:10].
وقد كان صلح الحديبية بالذات نقطة تحول، ولذلك سمي فتحاً مبيناً.
قال: وبدر أبي قومي بإسلامهم؛ وكان من هؤلاء المتفرجين بنو جرم -قوم عمرو بن سلمة - وكان أبو عمرو بن سلمة من زعمائهم، فانتقى بعض الأشخاص من بني جرم، وذهب بهم إلى المدينة ، يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم ويعلنون الدخول في الدين، ولقيهم النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منهم وعلمهم الصلاة وسمع منهم ما سمع، وكان من ضمن المعلومات التي نقلها أبو عمرو بن سلمة قوله صلى الله عليه وسلم: (وليؤمكم أكثركم قرآنا) لأنهم قالوا: يا رسول الله من يؤمنا؟ عرفنا الصلاة فمن الإمام؟ قال: ( أكثركم جمعاً للقرآن ).
قال: فنظروا إلى حوائنا -مكان النازلين يسمى حواء- من أحفظ واحد، فإذا به عمرو بن سلمة فكانت المفاجأة أن هذا الغلام الذي لم يكن يُعمل له حساب وفقه الله أنه كان يحفظ من المسافرين، ويسمع من المسافرين وعنده ذاكرة قوية، واتضح أنه هو أبرز واحد في حفظ القرآن، فكان هو المستحق لأن يكون إماماً، ولذلك قدم في الصلاة، فالأحداث تبرز الأشخاص.
لم يكن في الحسبان أن عمرو بن سلمة يؤم قومه، لكن جاء حديث: (ليؤمكم أكثركم جمعاً للقرآن) وعُمل مسح للقوم، فإذا بالفائز والمتقدم والمتصدر عمرو بن سلمة ، لكن القوم كان فيهم فقر، ما كان على الغلام إلا شملة مشقوقة -إزار مشقوق قصير- وكان النساء يصلون خلف الرجال، وكذلك ربما يرونهم من الخيام ومن النُزل التي ينزلون فيها، فكان إذا سجد انكشفت عورته، فقالت امرأة: ألا تغطون عنا است قارئكم، وفي رواية: واروا عنا عورة قارئكم، بما أن هذا هو الإمام وهو القارئ فغطوا عورته.
ربما لم يكن عندهم علم بأن كشف العورة يبطل الصلاة، أو أن هذا الغلام ما كان له شيءٌ يستره، أو ما كانوا يأبهون كثيراً بتغطية عورات الغلمان، لكن لما اقترحت العجوز تغطية عورة الغلام، اشتروا له ثوباً وفي رواية: قميصاً عمانياً، وعمان تابعة لمنطقة البحرين التي سبق ذكرها.
وقد ورد في الحج من عمان حديثٌ لا بأس به: (أن الحج من عمان يعدل حجتين) أي أن أجره مضاعف، وعمان هي المنطقة المعروفة، وهذا من فضائل عمان نسأل الله أن يشيع السنة فيه.
فيقول: اشتروا لي قميصاً عمانياً، ويبدو أن هذه المنطقة كانت تصنع فيها القُمص؛ والقميص يشبه الثوب الذي نلبسه الآن، كان يطلق عليه في الماضي قميص، قال: فما شهدت مجمعاً من جرمٍ إلا كنت إمامهم فاستمر عمرو بن سلمة يصلي بقومه ما شاء الله من الفرائض والنوافل والجنائز.
وهذه مسألة إمامة المميز بمن هو أكبر منه من البالغين مسألة خلافية مشهورة، ولكن الدليل مع من قال بصحتها، وبعضهم حاول أن يطعن في المسألة قال: لعل النبي عليه الصلاة والسلام ما اطلع ولعل ولعل، ولكن الوحي ينزل، ولو كانت الإمامة باطلة لكان أوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام بتغيير ذلك وأرسل إليهم يغير ذلك.
وجابر استدل بجواز العزل لكونهم فعلوه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [كنا نعزل والقرآن ينزل] ولا يقال: ما كان عليه الصلاة والسلام يدري، أو لعله ما اطلع، الصحابي يقول: [كنا نعزل والقرآن ينزل] أي: أن الصحابي يفهم أن نزول القرآن والعزل موجود دون إنكار من الوحي عليهم حجة، ولذلك فإن الذي يحتج بهذا أيضاً يحتج بهذا، فالطريق واحد.
وهذا يدلنا على تكريم الإسلام لحامل القرآن، ومكانة حامل القرآن في الإسلام، أنه يؤم من هو أكبر منه سناً، وأقدم منه إسلاماً، لأنه أحفظ.
وقد ورد في تكريم جامع القرآن وحافظ القرآن مناسبات كثيرة في السنة، فتعالوا نذكر بعضها:
منها تكريم حامل القرآن بالإمامة في الدنيا، أما بالنسبة لتكريم حامل القرآن في الآخرة فإنه يقال له: (اقرأ وارق ورتل، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها).
ثانياً: لما كثُر القتلى في أحد ، وجعلوا القبر الواحد لأكثر من شخص؛ لأن القوم بهم جراحات، ويشق عليهم أن يحفروا لكل قتيل قبراً، والقتلى سبعون، ولذلك قال: (قدموا أكثرهم قرآناً) أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم عند الدفن بتقديم أكثرهم قرآناً، فإذا مات جماعة في قتال أو في معركة أو في زلزال، ودفنوا جماعياً قدم الأحفظ.
ثالثاً: التقديم في الدنيا بالنكاح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل: (زوجتكها بما معك من القرآن) سأله: ماذا تحفظ؟ قال: سورة كذا وسورة كذا -ذكر سوراً- فجعل مهرها أن يعلمها ما يحفظ، فكان حفظه شفيعاً له في زواجه، فقيل: ما عنده خاتم حديد، زوجه قرآنه الذي يحفظه.
رابعاً: لما قدم والي مكة على عمر رضي الله عنه قال عمر : من استخلفت؟ قال: ابن أبزى مولى لنا، قال: استخلفت مولى؟!! هؤلاء أشراف قريش استخلفت عليهم مولى؟ فذكر له أنه آخذ لكتاب الله فقال عمر : [إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين] فلذلك من أخذ الكتاب أكرم حتى من جهة الإمارة.
قال في الحديث: (فلما صلينا تقول عجوزٌ لنا دهرية: غطوا عنا است قارئكم، فقطعوا لي قميصاً) فذكر أنه فرح به فرحاً شديداً، فهو ما زال في سن الطفولة، والصغير يفرح بالثوب الجديد، فالفرحة الطبيعية بالثوب الجديد كانت عليه رضي الله تعالى عنه، وهذا يعني أن الصغار يكرمون، بالذات إذا صار أحدهم حافظاً للقرآن، يُكرم بشيء يتجمل به أمام الناس، مادام هو إمام الناس، لأن الإمام يُنظر إليه ويتقدم بين يدي الناس، فلذلك أُكرم بهذا القميص.
وفي بعض البلدان حافظ القرآن عندهم له مكانة خاصة مثل الهند أو باكستان ؛ فالذي يحفظ القرآن عندهم يعطونه لقب قارئ، وربما يُكتب ذلك في الاسم فلان بن فلان القارئ أو القاري أو قارئ، ويُكتب في الوثائق الرسمية وفي جواز سفره ويُبجل بين الناس، أي تكون له مكانة خاصة عندهم حتى لو كان عاملاً يجمع القمامة، وبعض الأعاجم أشد احتراماً لحامل القرآن من العرب، ويعرفون قيمة الحافظ أكثر من كثيرٍ من العرب.
فينبغي إجلال حامل القرآن لأجل القرآن، واحترامه لأجل القرآن، وعدم إيذائه لأجل القرآن الذي يحمله.
و الشافعي رحمه الله قال: يؤم الصبي غير المحتلم إذا عقل الصلاة إلا في الجمعة، وأجاز إمامة الصبي الحسن وإسحاق بن راهوية، وبعض العلماء ذهبوا إلى تضعيف أمر عمرو بن سلمة ولم يحتجوا بذلك، ولكن مادام الحديث قد ثبت، فينبغي المصير إليه.
ولكن يمكن أن يؤخذ من الحديث شيء، وهو جواز اقتداء المفترض بالمتنفل كما قال بعض العلماء؛ لأن صلاة الصبي نافلة، وهؤلاء يصلون وراءه فرضاً، إذا كان الفرض لا يُسمى فرضاً إلا في حق البالغ فقط، وأن هذا الصغير صلاته صلاة نفل على من يقول بذلك، فيستدل به على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل، ذكر هذا صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود .
وكذلك في هذا الحديث أن بعض الطاقات والمواهب في القبيلة أو في المجتمع أو في البلد أو في المدرسة لا تبرز إلا بأحداث؛ فلقد كان هذا الغلام مغموراً، فهو حافظ لكن أحداً لم ينتبه إلى أنه حافظ، يسمع من ناس مسافرين ويحفظ، ما انتبهوا لمكانته، متى انكشفت مكانته؟ لما ذهب أبوه للقاء النبي عليه الصلاة والسلام، وعلمه ألا يؤم إلا الأقرأ الأحفظ، فمسحوا الناس في القبيلة، فوجدوا أن هذا هو الأحفظ فقدموه.
وقد يُوجد هناك طاقات مختفية، أو طاقات غير ظاهرة في المجتمع، فينبغي استكشافها لأن لها شأناً، أصحاب الطاقات هؤلاء من الصغر يظهرون، وأهمية اكتشافها تكمن في أن الطاقات ينبغي أن تأخذ حظها من العناية والرعاية منذ البداية، حتى تكبر ويكون لها شأن في المستقبل، والحمد لله أن هذا الدين فيه من المناسبات التي تُظهر الطاقات، مثل قضية حفظ القرآن والإمامة، ولذلك تجد الآن بسبب الحديث عدداً من الأطفال أو من الصغار يبرزون في المجتمع.
فصار -بحمد الله- هناك مجالٌ لظهور الطاقات التي تحفظ وتفهم بحيث تتلقف وتُشمل بالرعاية التي تهيئ خروج هذه الطاقة، وهذه الشخصية في المستقبل لتكون شخصية كبيرة، والغربيون انتبهوا حديثاً لقضية استكشاف الطاقات وجعلوا للمتفوقين والنوابغ فصولاً خاصة ومناهج خاصة.
أما في الإسلام فإن طبيعة الدين وطبيعة أحكامه تبرز الطاقات، وتبرز المتفوقين، مثل مسألة إمامة الأحفظ؛ فإمامة الأحفظ من وسائل اكتشاف الطاقات والشخصيات الماهرة من الصغر، وجعله الإسلام في موقع تسلط عليه الأضواء، فهو إمام للناس أي: ينتبهون إليه، والذي يتمعن لمسألة مثل هذه المسائل فعلاً يكتشف جوانب عَظَمَة في هذا الدين لم يكن قد انتبه إليها من قبل.
وفيه قبح ظهور العورة، والاست معروف، وهو فتحة الدبر، فقبح ظهور العورة أمر شائع ومنتشر، ولذلك إذا كان الصبي مميزاً وجب ستر عورته، أما ابن سنتين فلا حكم لعورته، بمعنى لا يجب ستر عورة طفل عمره سنة، فلو رأى عورته أحد فلا إثم عليه، ولا ينطبق عليها حكم وجوب التغطية، ولمسها لا ينقض الوضوء، أما المميز فيجب أن تستر عورته، على الأقل ستر السوءتين لا بد من ذلك.
وكذلك في الحديث الحرص على التلقي من الأفواه، فهذا الغلام كان يسمع فقط، ولم يكن له كتاب، كان يسمع من المسافرين ومن المارين يتلقفه ويقر في صدره.
ولذلك فإننا نمر بمواقف كثيرة تحدث فيها صراعات بين أهل الخير وأهل الشر، ويكون هناك طائفة من المتفرجين ليسوا من أهل الخير ولا في معسكر أهل الخير، وليسوا من أهل الشر الخلص ولا مع أهل الشر، تحدث المعركة وتحدث المجابهة، ثم بعد ذلك يحسمون مواقفهم حسب النتيجة، ويتابعون المنتصر حتى ولو في مناظرة.
هبها مناظرة بين عالم من علماء المسلمين وراهب من رهبان النصارى كافر، هناك طائفة من المتفرجين ينتظرون هذه المناظرة عن أي شيء ستسفر، حتى يتابعوا المنتصر، وهنا تبرز أهمية من يمثل الإسلام في المعارك، هناك الآن معارك وجبهات كثيرة في النقاشات، وحوارات ومناظرات، وتحدث أحياناً مؤتمرات أو لقاءات وتنشر، وقد تبث على الهواء مباشرة، من الذي يمثل الإسلام فيها؟ وهذه مسألة مهمة جداً، لأن هناك متفرجين ينتظرون من الذي سينتصر في هذا النقاش وفي هذه المناظرة.
ولذلك ينبغي ألا يدخل فيها إلا المتمكنون من أهل العلم والدين، لأنهم يمثلون الإسلام، وبناءً على النتيجة سيحسم كثيرٌ من الناس مواقفهم من المتفرجين والمتشككين والمترددين، وهذه مسألة من أخطر المسائل في عصرنا هذا الذي نعيش فيه.
أخذنا هذه الفائدة من قوله رضي الله عنه: كان العرب يتلومون، أي ينتظرون حسم المواقف، كثير من الناس يطلق عليه إمعة، يرون من المنتصر، وقد يكون بعضهم ذكياً لكن ما عنده علم يصل به إلى النتيجة، فهناك كثير من الأذكياء ينتظرون أشياء تُحسم ليتبعوا.
هذا ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين ينصر بهم دينه، ويعلي بهم كلمته، إنه سميع مجيب.
الجواب: تتقدم إلى القاضي عند ذلك ليحسم أمرها، فيأتي بالزوج يقول: تعال هنا، يقول الله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227] فيقال له: يا أيها الذي امتنع عن زوجته وعلقها، تجاوزت الأربعة الأشهر التي حددها الله، إما أن تعيدها وتعطيها حقوقها كزوجة عندك، وإما أن تطلقها، ثم إذا رفض أن يعيدها زوجة لها حقوقها الكاملة، أجبره القاضي على الطلاق، فإذا طلقها بدأت العدة على قول جمهور أهل العلم.
الجواب: لا شك أن أعداء الإسلام قد اكتشفوا أهمية ذلك قبلنا بكثير، وسبقوا في هذا المجال، وبالتالي نحن صرنا مستهلكين، نستهلك زبالاتهم التي يذيعونها علينا، فهم يخططون ويمكرون ويدبرون، وينتجون بهذه المؤامرات وهذا التدبير كل الأشياء المملوءة بالسموم والمملوءة بالترهات وسفاسف الأمور، والأشياء المنافية للأخلاق والآداب والمنافية للعقائد، وفيها تلميع شخصيات الكفار وإبراز معبودات الكفار وشعارات الكفار، والأشياء المنافية للأخلاق، كالاختلاط بين الجنسين، والرقص والملابس القصيرة، والحب والغرام، والمشاهد التي بين الذكران والإناث ونحو ذلك، وأطفالنا يرون ويتأثرون ويتلقون، ويتشبعون بهذه الأشياء من حيث لا ينتبه الأب، تظن الأم أنها إذا فتحت الشاشة للولد ارتاحت في البيت، وفعلاً تجد الولد يسكت، لكن ما درت أنها الآن تعطيه سماً، صحيح أنه سكت وما سبب لها إزعاجاً في البيت، لكنها تساهم في تدمير عقيدته وأخلاقه.
الجواب: إذا كان ابن السنتين فأقل فلا بأس بذلك أن تنظفه لأنه -كما قلنا- لا حكم لعورته.
الجواب: نعم، يكمل صلاته في النهار شفعاً.
الجواب: تصح الصلاة مع عدم الإقامة، ولكن السنة أن يُقيم.
الجواب: ورد عن معاوية رضي الله عنه في سنة الجمعة أن يتقدم بعد الصلاة عن مكان الفريضة ويصلي، وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن وصل صلاة بصلاة حتى يتكلم أو يقوم حتى لا يكون هناك اتصال بالفريضة، فليس من السنة أن يقوم الإنسان بعد الفريضة ويصلي مباشرة، بل يفصل بين الفريضة والسنة بكلام، أي: التسبيحات والتهليلات وتكبيرات الأذكار التي بعد الصلاة، فمن الأخطاء -ونجد هذا من كثيرٍ من الأعاجم- أن بعضهم يقوم بعد السلام مباشرة ويأتي بالسنة، وهذا مخالف للسنة، ينبغي أن يأتي بأذكار الصلاة، ثم بعد ذلك يأتي بالسنة، ويفصل بين السنة والفريضة حتى لا يكون ذلك ذريعة بالزيادة على الفريضة أو أن يدخل فيها ما ليس منها.
الجواب: لم يثبت هذا الحديث لكن معناه صحيح.
الجواب: جائز، لأنه شيء مباح، وبيع المباحات مباح.
الجواب: قال بعض العلماء: مثل الحور العين، فإنهن يستثنين من الصعقة.
الجواب: أما بالنسبة للتشبيك عند الإتيان إلى المسجد فقد ورد النهي عنه، فلا يشبك الإنسان أصابعه وهو آتٍ إلى المسجد، وكذلك إذا كان ينتظر الصلاة لأنه في صلاة، أما بعد الصلاة إذا شبك بين أصابعه فلا بأس، لم يرد النهي عن هذا في هذه الحالة، واستعمله صلى الله عليه وسلم في المسجد، وقام مرةً بعدما صلى بهيئة الغضبان لما سلم من ركعتين وشبك بين أصابعه ووضع ذقنه على يده كالغضبان، وكذلك قال أيضاً في تمثيل المؤمن: (المؤمن للمؤمن كالبنان أو كالبنيان وشبك بين أصابعه).
الجواب: نعم، هناك بعض الكتب التي بينت ذكر صلوات النافلة وصفاتها مثل كتاب: محمد عمر بازبول في صلاة النافلة، فهو كتاب لطيف يحتوي على صلوات النافلة وعلى شرح لها.
الجواب: الصحيح أنه يجوز ذلك، للحديث الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الحج والعمرة لمن سبيل الله) فهذا فيه نص على إدخال ذلك في سبيل الله في آية الزكاة.
الجواب: نعم له أجر، لكن هل الأجر الوارد في الحديث ينطبق عليه؟ الله أعلم، إنما هو مأجور على ذلك.
الجواب: مخالف للنصوص الشرعية: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] فالله أثبت المس وأثبت أن الإنس يتخبطون نتيجة المس، فكما يتخبط الممسوس فكذلك حال آكل الربا إذا قام من قبره يوم القيامة: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ [البقرة:275] أي: من قبورهم إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] فكما يترنح الممسوس يميناً وشمالاً ويسقط ويرغي ويزبد فهكذا يكون حال الذي يأكل الربا.
الجواب: وردت عدة روايات في هذا، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتاني وفد جن نصيبين فقرأت عليهم القرآن) وكذلك جاءه وافدهم وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع معهم وأرى الصحابي بعد ذلك -وهو ابن مسعود رضي الله عنه- آثار نيرانهم، وكذلك فإنه عليه الصلاة والسلام لما قرأ سورة الرحمن على الصحابة أخبرهم أنه قد قرأها على الجن فكانوا أحسن مردوداً منهم، كان كلما مر بقوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] قال مؤمنو الجن: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد، وإنهم سألوني الزاد فأعطيتهم؛ أعطاهم كل عظمٍ ذُكر اسم الله عليه ينقلب في أيديهم لحماً، والروث علفاً لدوابهم.
الجواب: البوائق هي: الإيذاءات والمكر والتدبير للشر، لأن بعض الجيران يدبرون الشر لجيرانهم، ينام الجار وهو غير آمن، ولا يدري ماذا سيفعل به جاره هذه الليلة، وأي مؤامرة يحيكها له في الليل ليفاجئه بها في اليوم الثاني، وهذا موجود.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر