فضل: يجب التتابع في الصوم، فإن تخلله رمضان أو فطر يجب كعيد وأيام تشريق وحيض وجنون ومرض مخوف ونحوه، أو أفطر ناسياً أو مكرهاً أو لعذر يبيح الفطر لم ينقطع، ويجزئ التكفير بما يجزئ في فطرة فقط، ولا يجزئ من البر أقل من مد، ولا من غيره أقل من مدين لكل واحد ممن يجوز دفع الزكاة إليهم].
قد تقدم لنا جملة من أحكام الظهار، وذكرنا من هذه الأحكام ما يتعلق بتشبيه الزوج زوجته بمن تحرم عليه، وأن ذلك ينقسم إلى أقسام عدة، ومن ذلك قول الزوج لزوجته: أنتِ عليّ حرام، وذكرنا كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة، أن هذا لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن لا يقصد اليمين، فهذه يمين فيها الكفارة إذا قصد الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب.. إلخ.
الأمر الثاني: أن يقصد مجرد التحريم، فهذه ذكرنا فيها أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى، وترجح لنا أن فيها كفارة اليمين إلا إن نوى والطلاق لورود ذلك بين الصحابة رضوان الله تعالى عنهم، إذ أن ذلك كناية عن الطلاق.
وتقدم لنا أيضاً ما يتعلق بتأقيت الظهار، وتعليق الظهار، وأن ذلك كله صحيح، ثم بعد ذلك شرعنا فيما يتعلق بكفارة الظهار، وأن كفارة الظهار حكمها الوجوب، وأن هذه الكفارة على الترتيب، وهذا باتفاق الأئمة فيجب أن يعتق رقبة، فإن لم يستطع فإنه يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإنه يطعم ستين مسكيناً.
وشرعنا فيما يتعلق بأحكام الخصلة الأولى وهي الإعتاق، وأن الإعتاق يشترط له شروط وذكرنا جملة من الشروط، فذكرنا ثلاثة شروط أو أربعة.
قال رحمه الله: (فاضلاً عن كفايته وكفاية من يمونه، وعما يحتاجه من مسكن وخادم ومركوب).
هذه من شروط وجوب الكفارة، وأن الكفارة لا تجب إلا بعد وجود النفقات الشرعية له ولمن يمونه من طعام وشراب ونحو ذلك لمدة عام، وكذلك أيضاً أن يكون ذلك فاضلاً عن الحوائج الأصلية.
قال رحمه الله: (من خادم) إذا كان مثله يخدم، يعني رقيق، فإذا كان عنده دراهم يحتاجها إلى أن يكون عنده رقيق يخدمه، فإن ذلك يقدم على الكفارة، فيبدأ بالخادم إذا كان مثله يخدم، فإن فضل شيء اشترى به رقبة إذا كان يؤدي ثمن الرقبة، قال: (ومركوب) أيضاً مثله المركوب إلخ، فإذا كان يحتاج إلى سيارة فنقول: ابدأ بالسيارة فإن فضل شيء أشتر به رقبة، قال: (وعرض بذلة وثياب تجمل) أيضاً الثياب، سواء كانت الثياب التي تبتذل ودائماً تلبس، أو الثياب التي تلبس للتجمل كأن يتجمل بها لصلاة العيد أو لصلاة الجمعة ونحو ذلك، فنقول: لا تجب الكفارة حتى يجد هذه الثياب سواء كانت ثياب البدلة أو ثياب التجمل.
قال رحمه الله: (ومال يقوم كسبه بمئونته، وكتب علم، ووفاء دين).
هذا الشرط الرابع أن يكون ذلك بعد وجود المال الذي يقوم بمؤنته، فمثلاً: إذا كان عنده خمسون ألف ريال، وهذه الخمسون يحتاجها لكي يفتح بها محلاً تجارياً يكتسب من ورائه ما يقوم بنفقته ونفقة من يمونه، فنقول: لا يجب عليه أن يعتق وأن يشتري رقبة حتى يوفر هذه الدراهم، فما فضل على هذه الدراهم يشتري به رقبة، فإذا كان عنده مال كسب -رأس مال لتجارة- فإنه مقدم على عتاق الرقبة، فلا يجب عليه أن يعتق رقبة حتى يجد المال الذي كسبه يقوم بنفقته ونفقة من يمونه، فإذا كانت نفقته ونفقة من يمونه في الشهر تساوي ألف ريال فنقول: يحصل من رأس المال ما يكون دخله في الشهر ألف ريال، وما زاد على ذلك يشتري به رقبة، أما ما دون ذلك فلا يجب عليه أن يشتري به رقبة، وإنما يكون هذا المال الذي كسبه ويقوم بنفقته ونفقة من يمونه يكون خارجاً عن تعلق الرقبة به.
أيضاً قال: (ووفاء دين) تقدم الكلام عليه وأنه لا بد أن يكون ذلك بعد قضاء الواجبات الشرعية، فإذا كان مديناً لزيد مثلاً بألف ريال نقول: ابدأ بالدين فإن فضل شيء فاشتر به رقبة.
والرأي الثاني؛ رأي الشافعية والحنابلة: أنه يجب عليه أن يكفر بالإعتاق؛ لأن من له دين أو مال غائب فهو مستطيع وهذا القول هو الصواب في هذه المسألة.
ما تقدم من الشروط شروط وجوب الكفارة، بمعنى: إذا توافرت الشروط السابقة فإنه يجب عليه أن يكفر بالإعتاق، فإن اختل شرط من تلكم الشروط فإنه لا يجب عليه أن يكفر بالإعتاق، وإنما ينتقل إلى التكفير بالصيام.
وهذه الشروط التي شرع المؤلف رحمه الله تعالى في سردها هي شروط صحة الإعتاق، الآن توافرت شروط الوجوب ووجب عليه أن يعتق، فهذا الإعتاق لا بد له من شروط صحة.
هذا الشرط الثاني: أن تكون سليمة من العيوب التي تضر بالعمل ضرراً بيناً، وعلى هذا نقول بأن العيوب لا تخلو من أمرين:
الأمر الأول: عيوب لا تضر بالعمل، فهذه لا تؤثر في صحة إعتاق تلك الرقبة، كما لو كان عنده عرج يسير... إلخ، أو كان عنده قصر في النظر ونحو ذلك، فهذه عيوب لا تضر بالعمل ضرراً بيناً، وسيذكر المؤلف رحمه الله أمثلة على ذلك.
القسم الثاني: أن تكون العيوب مضرة بالعمل ضرراً بيناً، وسيذكر المؤلف رحمه الله جملة من العيوب، فأكثر أهل العلم أنه يشترط أن تكون الرقبة المعتقة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضرراً بيناً، هذا ما عليه أكثر أهل العلم، واستدلوا على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى قال: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المجادلة:3]، والإطلاق يقتضي السلامة.
والرأي الثاني: رأي الظاهرية وأن هذا ليس شرطاً وأنه يجزئ إعتاق المعيبة، والذي يظهر والله أعلم أن المعيبة يجزئ إعتاقها إلا إذا كان العيب يؤثر في هذه الرقبة بحيث يكون وجودها كعدمها، مثلاً لو كانت الرقبة مريضة مرضاً ميئوساً منه، كرقبة مثلاً مريضة بمرض يخاف على صاحبها من الموت ونحو ذلك، نقول: هذه وجودها كعدمها، فالذي يظهر والله أعلم أنه إذا كان العيب في الرقبة بحيث يكون وجود الرقبة كعدمها نقول بأنها لا تجزئ.
قال رحمه الله: (كالعمى).
هنا ضرب المؤلف رحمه الله أمثلة للعيوب التي تضر بالعمل ضرراً بيناً، قال كالعمى وهذا كان في الزمن السابق أن العمى يضر بالعمل أما الآن فتجد أن الأعمى يعمل في كثير من الصنائع والأعمال كالبصير، تجد أنه يعمل في القضاء.. يعمل في التدريس.. إلخ، يعني هناك أعمال كثيرة يقوم بها الأعمى: يعمل في الإمامة.. يعمل في الآذان... إلخ، فالضابط والمرجع في ذلك إلى أعراف الناس، هذا الذي ذكره المؤلف في زمن مضى، يعني في زمان مضى العمى يضر بالعمل، لكن في زماننا هذا تجد أن العمى لا يؤثر في بعض الصنائع، ولا شك أنه يؤثر في بعض الأعمال لكن للأعمى كثير من الأعمال التي يقوم بها.
قال رحمه الله: (وشلل اليد أو الرجل) الكلام في هذه المسألة كالكلام في قوله كالعمى، قال: (أو أقطعهما أو أقطع الإصبع الوسطى أو السبابة أو الإبهام، أو الأنملة من الإبهام، أو إذا كان أقطع الوسطى).
هذا يضر بالعمل وكما تقدم هذا كان في الزمن السابق، أما الآن يجد أن أقطع الأصبع الوسطى أو السبابة أو أقطع الإبهام لا يضر بالعمل، ويؤخذ من كلام المؤلف أنه إذا كان أقطع الخنصر لا يضر، أو أقطع البنصر لا يضر، ويكون حينئذ داخلاً في القسم الأول: العيوب التي لا تضر بالعمل ضرراً بيناً.
قال: (أو الأنملة من الإبهام)، يؤخذ من ذلك أن الأنملة من غيرها يجزئ؛ كالأنملة من السبابة تجزئ، أو الأنملة من الوسطى تجزئ... إلخ.
قال رحمه الله: (أو أقطع الخنصر والبنصر من يد واحدة). يعني: إذا قطع الخنصر وحده هذا لا يضر بالعمل ضرراً بيناً، فيكون في القسم الأول، لكن إذا قطع البنصر والخنصر فيرى أنه يضر بالعمل ضرراً بيناً.
هذا هو الشرط الرابع، قلنا: شروط صحة إعتاق الرقبة أن تكون مؤمنة، وأن تكون مميزة، وألا تكون معيبة عيباً يضر بالعمل ضرراً بيناً.
الشرط الرابع: أن لا يكون مريضاً ميئوساً منه، هذا الشرط صحيح، فمثلاً إذا مرض بمرض ييئس من صاحبه وهذا يختلف كما ذكرنا باختلاف الزمان واختلاف المكان، الآن عندنا بعض الأمراض إذا أصابت الشخص فإن مرضه يكون مخوفاً، يعني: يخشى عليه من الهلاك، فهذا لا يجزئ إعتاقه والله أعلم، كما ذكر المؤلف رحمه الله قال: ونحوه مثل الزمن والمقعد... إلخ، وهذا أيضاً كان في الزمن السابق، المقعد كان في الزمن السابق ربما لأنه لا يعمل؛ لكن في هذا الزمان قد يعمل.. المقعد الذي يعاني شلل الرجلين قد يعمل.. قد يكتب في الحاسب.. قد يكون موظفاً... إلخ، هناك كثير من الأعمال يقوم بها هذا المقعد.
هذا الشرط الخامس، ويعني: أن تكون المعتقة كاملة الرق، وعلى هذا اختلف العلماء رحمهم الله في ثلاثة أصناف، هل يجزئ إعتاقها أو لا يجزئ إعتاقها؟ وهي: أم الولد والمدبر، وكذلك أيضاً المكاتب؛ لأن أم الولد والمدبر والمكاتب هل هم كاملوا الرق أو ليسوا كاملي الرق؟ نقول: إنهم ليسوا كاملي الرق؛ لأنه انعقد فيهم سبب الحرية فالرق فيهم ليس خالصا، أم الولد انعقد فيها سبب الحرية فتعتق بموت سيدها، والمدبر سيده علق عتقه بموته، والمكاتب اشترى نفسه الآن من سيده، فإذا سدد نجوم الكتابة فإنه يعتق على سيده، فعندنا هؤلاء الثلاثة هل يجزئ إعتاقهم أو لا يجزئ إعتاقهم؟ لأن رقهم ليس خالصاً؟ عندنا أم الولد جمهور العلماء رحمهم الله تعالى أنه لا يجزئ إعتاقها، وفي رواية الإمام أحمد رحمه الله أنه يجزئ إعتاقها.
والأقرب ما ذهب إليه الجمهور؛ لأن أم الولد ليست كاملة الرق، حيث انعقد فيها سبب الحرية فهي ستعتق بموت سيدها، فمن أعتقها ما يكون أعتق رقبة كاملة، كذلك أيضاً المدبر وهو الذي علق سيده عتقه بموته.
قال رحمه الله: (ويجزئ المدبر).
وهذا هو المذهب، ومذهب الشافعي بعموم الآية، ولأن التدبير يصح إبطاله يملك السيد أن يبطل التدبير، يقول لك المؤلف رحمه الله: أنه يجزئ.
والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة ومالك أنه لا يجزئ إعتاق المدبر؛ لأنه انعقد فيه سبب الحرية، والأقرب والله أعلم ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية؛ لأنه وإن انعقد فيه سبب الحرية إلا أن سيده يملك أن يبطل هذا التدبير، فالأقرب والله أعلم في هذه المسألة ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية هو أن المدبر يصح إعتاقه في الكفارة.
أيضاً المكاتب وهو الذي اشترى نفسه من سيده هل يصح إعتاقه أو نقول: إنه لا يصح إعتاقه؟ المشهور من المذهب وأيضاً من مذهب الحنفية التفصيل: أنه إن أدى شيئاً من نجوم الكتابة فلا يصح إعتاقه في الكفارة؟ وإن لم يؤد فإنه يصح إعتاقه في الكفارة، وعند مالك والشافعي أنه لا يجزئ إعتاقه لأنه انعقد فيه سبب الحرية.
فعندنا رأي أبي حنيفة والإمام أحمد أنه إن أدى شيئاً من نجوم الكتابة لا يجزئ، وإن لم يؤد أجزأ، وعند مالك والشافعي أنه لا يجزئ إعتاقه، وفي رواية الإمام أحمد رحمه الله أنه لا يجزئ إعتاقه.
والأقرب في هذه المسألة: أن المكاتب يجزئ إعتاقه إذا رد السيد نجوم الكتابة إليه، يعني: إذا لم يؤد شيئاً من النجوم فإنه يجزئ إعتاقه، لكن إذا أدى شيئاً من هذه النجوم ورد السيد هذه النجوم إليه فيظهر والله أعلم أنه يجزئ إعتاقه؛ لأنه جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم جاء في أسانيد صحيحة: أن المكاتب رقيق ما بقي عليه درهم.
قال: (وولد الزنا)، هذا الشرط السادس: هل يشترط في الرقبة المعتقة في الكفارة أن تكون ولداً شرعياً أو أن هذا ليس شرطاً؟
جمهور العلماء أن هذا ليس شرطاً لعموم قول الله عز وجل: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المجادلة:3].
والرأي الثاني: ذهب إليه بعض السلف كـعطاء والشعبي والنخعي أنه يشترط أن تكون الرقبة المعتقة في الكفارة ولداً شرعياً، وعلى هذا إذا كانت ولد زنا فإنه لا يصح إعتاقها في الكفارة، واستدلوا على هذا بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ولد الزنا شر الثلاثة) ومن هم الثلاثة؟ الزاني والزانية وما نتج عنهما بسبب الزنا، فاستدلوا بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ولد الزنا شر الثلاثة)، والصواب في هذه المسألة: ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله وهو أن ولد الزنا يصح إعتاقه في الكفارة، وأما هذا الحديث فالجواب عليه جوابان:
الجواب الأول: أن بعض العلماء ضعفوا هذا الحديث.
والجواب الثاني: أن معنى هذا الحديث أن ولد الزنا شر الثلاثة، أي إذا عمل بعمل والديه، وإلا فكما قال الله عز وجل: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] ، لا يتحمل شيئاً من جرم والديه، فالصواب في هذا أن نقول: ولد الزنا يصح إعتاقه في الكفارة.
هذا هو الشرط السابع، وهو ألا تكون الرقبة المعتقة في الكفارة حمقاء أو فيها حمق، وحمق يعني: قلة العقل؛ لأن هذا يمنعها من العمل يعني هذا يمنعها من العمل.
هذا الشرط الثامن: أن لا يتعلق بالرقبة المعتقة حق للغير، وعلى هذا لو أنه اقترض مالاً وأعطى هذا الرقيق الذي عنده رهناً، فهل يصح أن يعتق هذا الرهن على الكفارة التي وجبت عليه أو نقول بأنه لا يصح؟ يقول المؤلف رحمه الله: بأنه لا يصح؛ لأن ذلك يؤدي إلى إبطال حق الغير من الوثيقة.
قال رحمه الله: (ويجزئ المدبر، وولد الزنا، والأحمق، والمرهون).
المؤلف رحمه الله تعالى يرى أنه يجزئ إعتاق المرهون، وقلنا: الصواب في هذه المسألة: أنه لا يجزئ إعتاق المرهون لما يترتب على ذلك من إبطال حق الغير من الوثيقة، فالمذهب الحنفية يرون أنه يجزئ إعتاق المرهون.
والرأي الثاني: أنه لا يجزئ إعتاق المرهون لما يترتب على ذلك من إبطال حق الغير من الوثيقة.
الجاني هل يجزئ إعتاق الجاني أو لا يجزئ إعتاق الجاني؟ المؤلف رحمه الله يرى أن إعتاق الجاني مجزئ، والصواب في هذه المسألة التفصيل وهو أن يقال: إن كانت الجناية تحيط بالنفس فهذا لا يجزئ إعتاقه؛ لأن وجوده كعدمه، أما إن كانت الجناية لا تحيط بالنفس فنقول بأنه يجزئ إعتاقه، فمثلا لو فرضنا أن هذا الشخص قتل وحكم عليه بالقصاص لكونه قتل عمداً فهل يجزئ إعتاقه أو لا؟ ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يجزئ، والصواب في ذلك التفصيل كما ذكرنا، وعلى هذا نقول الشرط التاسع: أن لا يكون المعتق جانياً جناية تحيط بالنفس، فنقول بأنه لا يجزئ إعتاق هذه الرقبة.
أيضاً يقول المؤلف رحمه الله يجزئ إعتاق الرقبة إذا كانت حاملا ولو استثني حملها؛ لأن الأصل في ذلك الصحة، لقول الله عز وجل: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [المجادلة:3].
أيضاً الشرط العاشر: أن يعتق من وجبت عليه الكفارة رقبة كاملة، وعلى هذا لو أعتق نصف هذه الرقبة ونصف الرقبة الثانية، هل يجزئ ذلك أو نقول أنه لا يجزئ؟ أو أعتق ثلث هذه الرقبة، وثلث الثانية، وثلث الثالثة، هل هذا مجزئاً أو نقول بأن هذا ليس مجزئاً؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، فالمشهور من مذهب الحنفية والمالكية أن هذا غير مجزئ.
والرأي الثاني: أن هذا مجزئ، وهذا قال به بعض الشافعية.
والرأي الثالث: التفصيل في المسألة: فإن كان يعتق بإعتاق جزء هذا الشخص منه فإن هذا مجزئ، وإن كان لا يعتق فإن هذا لا يجزئ، وهذا قول بعض الشافعية وهذا هو القول الوسط، وعلى هذا إذا كان يملك بعض هذه الرقبة والبعض الآخر حر، فإذا أعتق هذا البعض الذي يملكه من الرقبة التي وجبت عليه فإن هذا الرقيق سيكون حراً، نقول بأنه يجزئ، ولنفرض أن شخصاً يملك نصف هذه الرقبة الأخرى، والنصف الآخر حر في هذه الرقبة والنصف الآخر حر أيضاً في هذه الرقبة الأخرى، فهل يجزئ أن يعتق هذين النصفين بحيث تتحرر الرقبة الأولى وتتحرر الرقبة الثانية أو نقول بأن هذا الرأي لا يجزئ؟
فنقول: الرأي الثالث: أن هذا مجزئ، وهذا القول هو الصواب؛ لأنه إذا أعتق هذين الشخصين فإنه يحصل بذلك تحرير هاتين الرقبتين، ولا شك أن الشارع يتشوف إلى التحرير.
هذه الخصلة الثانية من خصال كفارة الظهار وهي: الصيام، ويدل على ذلك قول الله عز وجل: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [المجادلة:4]، وينتقل من الإعتاق إلى الصيام إذا تخلف شرط من شروط وجوب إعتاق الرقبة، وتقدم لنا ما يتعلق بشروط وجوب إعتاق الرقبة فإذا تخلف شرط من شروط إعتاق الرقبة السابقة الذكر، فإنه يسقط عنه العتاق وينتقل إلى الصيام، والصيام يجب فيه التتابع لقول الله عز وجل: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [المجادلة:4]، وعلى هذا إذا أفطر بلا عذر فإن تتابعه ينقطع عليه، ويجب عليه أن يستأنف الصيام من أوله، أما إن كان هناك عذر شرعي فلا ينقطع، والعذر الشرعي: هو كل عذر يبيح الفطر في رمضان، وهذه قاعدة: كل عذر يبيح الفطر في رمضان فإنه إذا أفطر في أيام الكفارة فإن هذا لا يقطع عليه تتابعه، هذا الصواب في هذه المسألة.
وهذه المسألة موضع خلاف بين الفقهاء لكن هذا هو الصواب كما ذكرنا: أن كل عذر يبيح الفطر في رمضان فإنه يبيح الفطر في صيام الكفارة ولا يقطع التتابع على المكفر بل يبني على ما مضى من الصيام، والأعذار كما تقدم لنا: السفر. لو أنه سافر في صيام الكفارة ثم أفطر نقول بأن هذا لا يقطع تتابعه، أو مرض بحيث أنه يشق عليه الصيام أو يضره الصيام ثم أفطر فنقول بأن هذا لا يقطع عليه تتابعه، وإنما يبني، وكذلك أيضاً إذا حاضت، كما لو قتلت وجبت عليها كفارة القتل، ثم حاضت أو نفست فنقول بأن هذه تبيح الفطر لها في كفارة القتل، ولا يقطع ذلك عليها التتابع بل يجب عليها أن تفطر ثم تبني.
إذا تخلل صيام الكفارة صيام رمضان نقول أن هذا لا يقطع عليه تتابعه، ولنفرض أنه شرع في صيام الكفارة وصام خمسة أيام ثم دخل رمضان فنقول: يجب عليه أن يصوم رمضان؛ لأن الوقت تعين لرمضان، فإذا خرج من رمضان فإنه يبني ولا يستأنف، كذلك أيضاً يقول لك: (إذا تخلله فطر يجب كعيد وأيام تشريق) لو أنه أفطر لعيد الفطر أو عيد الأضحى أو أيام التشريق أو نحو ذلك هل يقطع عليه تتابعه أو نقول: لا يقطع عليه تتابعه؟ نقول بأن تتابعه لا يقطع عليه لأنه معذور في ذلك، فالشارع نهاه أن يصوم يومي العيد، وكذلك أيام التشريق.
قال رحمه الله: (وحيض وجنون) أيضاً لو أنه جن في أثناء صيام الكفارة فإن تتابعه لا ينقطع عليه، قال: (ومرض مخوف ونحوه)، المرض يقال فيه ما يقال في صيام رمضان، فالمرض الذي يبيح الفطر في رمضان كذلك أيضاً يبيح الفطر في صيام الكفارة ولا يقطع التتابع.
قال: (أو أفطر ناسياً أو مكرهاً أو لعذر يبيح الفطر لم ينقطع).
إذا أفطر ناسياً في رمضان لا يفسد عليه صيامه، وأيضاً لو أفطر ناسياً في صيام الكفارة فإن صيامه لا يفسد عليه، كذلك لو أكره على أن يأكل في رمضان فإن صيامه لا يفسد عليه، كذلك أيضاً لو أكره في صيام الكفارة نقول بأن صيامه لا يفسد عليه.
قال رحمه الله: (لم ينقطع).
هذا ما يتعلق بالخصلة الثانية وهي الصيام كما تقدم لنا أن الصيام يجب فيه التتابع، ويجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، وإذا صام شهرين متتابعين فهو بالخيار: إما أن يصوم بالهلال، يعني: إذا رأى الهلال فصيامه من الهلال إلى الهلال، فإن لم يصم بالهلال فإنه يصوم فبالعدد، إما أن يصوم بالهلال، يعني: إذا رأى الهلال شرع في الصيام إلى أن يرى الهلال الثالث ثم بعد ذلك ينتهي صيامه، أما إن صام في أثناء الشهر ولم يعتبر الهلال فإنه يصوم بالعدد.
هذه الخصلة هي الخصلة الثالثة من خصال التكفير وهي: الإطعام، ويدل لها قول الله عز وجل: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [المجادلة:4].
الصورة الأولى: أن يعجز عن الصيام إما لكبر سن أو لمرض لا يرجى برؤه، كأن يكون كبير سن أو مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، فإنه ينتقل إلى الإطعام باتفاق الأئمة، ونظير ذلك صيام رمضان، إذا كان لا يستطيع الصيام إما لكبر أو لمرض لا يرجى برؤه فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، هذه هي الصورة الأولى.
الصورة الثانية: أن يعجز عن الصيام لمرض يزول، يعني: مرض يرجى برؤه فهل هو عذر أو ليس بعذر للانتقال إلى الإطعام؟ ولنفرض أنه مريض بالصداع، والصداع هذا يرجى زواله، هو الآن يشق عليه أن يصوم لكن هذا المرض يرجى زواله فهل له أن ينتقل إلى الإطعام، أو نقول أنه ليس له أن ينتقل إلى الإطعام؟ جمهور العلماء على أنه ليس له أن ينتقل إلى الإطعام لكونه مستطيعاً، فإذا كان عذره يرجى زواله نقول بأنه ليس له أن ينتقل إلى الإطعام.
الصورة الثالثة: المشقة الشديدة. وهذا ينص عليه الشافعية، والحنابلة يقولون: إن كان الصيام يضعفه عن طلب المعيشة، يعني: إذا صام شهرين متتابعين ربما أنه يضعف عن طلب المعيشة أو به شبق لا يستطيع أن يصبر عن أهله شهرين متتابعين لأن المظاهر لا يجوز له أن يطأ زوجته التي ظاهر منها حتى يكفر؛ لقول الله عز وجل: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:4]، فإذا كان يلحقه مشقة شديدة كما ذكر الشافعية والحنابلة، قالوا: إذا كان هذا يضعفه عن طلب المعيشة أو به شبق بحيث لا يتمكن معه من ترك الوطء لمدة شهرين متتابعين قالوا هنا ينتقل إلى الإطعام.
يعني: جنس الطعام، ما هو جنس الطعام؟ قال لك المؤلف رحمه الله تعالى: جنس الطعام ما يخرج في زكاة الفطر، وما هو الذي يخرج في زكاة الفطر؟ في المذهب يقولون: البر والشعير والتمر والزبيب والأقط، هذه الأشياء الأصناف الخمسة المشهور عند الحنابلة أنها تخرج في زكاة الفطر، فكذلك أيضاً تخرج في الكفارة، وكذلك أيضاً الشافعية رحمهم الله تعالى، يقولون: الواجب في الكفارة كالواجب في زكاة الفطر: نصف صاع من بر أو دقيقه -يعني طحين البر- أو سويقه، أو صاع من تمر أو شعير أو سويقه، يعني الحنفية يقولون: نصف صاع من بر أو دقيق البر أو سويقه، أو صاع من تمر أو شعير أو دقيقه أو سويقه.
فالرأي الثالث في هذه المسألة هو: ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو: أن جنس الطعام في الكفارة ليس مقدراً في الشرع وإنما هو مقدر في العرف، فالله سبحانه وتعالى أطلق، وما أطلق على لسان الشارع فإنه يرجع في تحديده إلى العرف، فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ [المائدة:89] فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [المجادلة:4]، لم يحدد الله عز وجل جنس الطعام.
فالصواب في ذلك أنه يرجع إلى عرف البلد، فيخرج من غالب ما يأكل أهله لقول الله عز وجل: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [المائدة:89] ، فإذا كان يطعم أهله من الأرز يطعمهم من الأرز، وإن كان يطعمهم من البر أطعمهم من البر، وإن كان من اللحم، أطعمهم من اللحم، وإن طان يطعمهم من السمك أطعمهم من السمك.. إلخ، المهم أن ذلك يرجع إلى العرف.
هذه المسألة الثانية في الإطعام وهي: هل الطعام مقدر أو ليس مقدراً؟ قال لك المؤلف رحمه الله بأنه مقدر في الشرع، قال: من البر مد، يعني: مد بر أو نصف صاع من تمر أو شعير أو أقط أو زبيب لأنهم يرون أن جنس الطعام هو ما يجزئ في الفطرة، فيقولون مد بر أو نصف صاع من غيره، وغير هنا يعني: التمر والشعير والزبيب والأقط، وهذا هو المشهور من المذهب، وأيضاً المالكية يقولون: إنه مد بمد هشام ، وهو هشام بن إسماعيل المخزومي رحمه الله، وعند شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً قدر الطعام ليس مقدراً في الشرع وإنما هو مقدر في العرف، وعلى هذا يطعم المسكين ما يشبعه، والمتأمل لآثار الصحابة رضي الله عنهم يجد أنها مختلفة، فقد ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه في كفارة اليمين أنه قال: صاع من شعير، أو صاع من تمر، أو نصف صاع من قمح، وكذلك أيضاً ورد عن علي: نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، وورد أيضاً عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت مد من البر، وورد أيضاً عن زيد بن ثابت مدان من البر.. إلخ.
فالآثار عن الصحابة رضي الله عنهم مختلفة، فنرجع إلى ظاهر القرآن وظاهر القرآن أنه أطلق، فالله عز وجل قال: فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [المجادلة:4]، فنقول: إنه مقدر في الشرع.
وعلى هذا نقول: الإطعام له صورتان:
الصورة الأولى: التمليك، وذلك أن يملكهم حبا، الصورة الثانية أن يغديهم أو أن يعشيهم، فإن غداهم أو عشاهم كان ذلك مجزئاً، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. أو نقول بأنه يملكهم حباً، وإذا ملك مداً -كما ورد عن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم- نقول: إن هذا إن شاء الله مجزئ.
أيضاً هذه المسألة، وهي الثالثة، نقول: من هو المطعم في الكفارة؟ أو ما شرط المطعم في الكفارة؟ المؤلف رحمه الله تعالى ذكر ضابطا فقال لك: الذي تدفع إليه الكفارة هو الذي تدفع إليه الزكاة هذا الضابط الذي ذكره المؤلف رحمه الله تعالى، وعلى هذا نقول بأنه يشترط في المطعم في الكفارة:
الشرط الأول: الإسلام وهذا قول جمهور العلماء خلافاً للحنفية، فالحنفية يقولون: يجزئ أن تدفع لفقراء أهل الذمة، والصواب في ذلك ما ذهب إليه جمهور أهل العلم.
الشرط الثاني: لابد من العدد خلافاً للحنفية، ففي كفارة اليمين لا بد أن يطعم عشرة، في كفارة الظهار لا بد أن يطعم ستين مسكيناً.. إلخ، لابد من العدد؛ لأن الله سبحانه وتعالى نص على العدد فقال: فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [المجادلة:4]، إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ [المائدة:89].
الشرط الثالث: أن يكون من يأكل الطعام مسكيناً ممن تحل له الزكاة.
الشرط الرابع: أن لا يكون من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم.
الشرط الخامس: اشترط بعض العلماء أن يكون ممن يأكل الطعام، والصواب في ذلك أنه سواء كان يأكل الطعام أو لا يأكل الطعام، فإنه ليس شرطاً.
الشرط الأخير: أن يكون حراً، وعلى هذا إذا كان رقيقاً فإنه لا يجزئ دفع الكفارة إليه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر