إسلام ويب

البدعة - الابتداع في الذكرللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن منزلة الأذكار في الإسلام عظيمة جداً، وإن صيغها تتفاوت في الأجر والرتبة والمنزلة، وأعلى هذه الصيغ وأفضلها في الحسنات هي كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)، وقد وردت أحاديث تبين أجر من ذكر الله بها، سواءً لفظ بها مرة، أو عشراً، أو مائة، أو مائتين. ثم إن أفضل الأذكار وأعلاها هو كلام ربنا سبحانه وتعالى، وأعظم سورة هي: سورة الإخلاص، وقد وردت أدلة تبين أجر قراءتها سواء كان ذلك مرة، أو عشر مرات. وقد وجد في هذه الأمة فرقة ضالة حرفت وغيرت في الأذكار الشرعية المأثورة، وأيدوا أذكارهم بأدلة واهية لا دلالة لهم فيها، ولذلك ينبغي علينا أن نذكر الله بما أثر عن نبينا من الأذكار المنقولة.

    1.   

    مقدمة

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً, وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.

    اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين وخالق الخلق ورازقهم أجمعين: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ[فاطر:3] .

    وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين, فشرح به الصدور, وأنار به العقول, وفتح به أعيناً عمياً, وآذاناً صماً, وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .

    أما بعد: معشر الإخوة الكرام! لا زلنا نتدارس شناعة البدعة في الإسلام، وأنها توجب للإنسان سوء الختام، وتقدم معنا أن البدعة: هي الحدث في دين الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان, مع زعم التقرب بذلك الحدث إلى الرحمن، وذلك الحدث لا تشهد له نصوص الشرع الحسان.

    إخوتي الكرام! قد استعرضنا نماذج من البدع التي وجدت في هذه الأيام؛ منها: بدعٌ حول الدعاء، حيث انحرف كثير من الناس عن الالتجاء إلى رب الأرض والسماء، والتجئوا إلى الأموات أو إلى الأحياء.

    ومنها: ما يتعلق بعبادة الذكر، حيث انحرفوا عن الأذكار الشرعية، ثم عكفوا بعد ذلك على الأشعار الصوفية أو الجهادية، والآن سنتدارس بدعة من البدع التي انتشرت أيضاً؛ ألا وهي تغيير الأذكار الشرعية المأثورة عن نبينا خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، أي: تغيير صيغتها والتلاعب بألفاظها إلى صورة لم يأذن بها رب العالمين، ولم تنقل عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام.

    إخوتي الكرام! نفتتح الموعظة بتقرير الحق؛ ليرسخ في الذهن, وليتمكن من القلب، ثم نكر بعد ذلك على الباطل لندمغه: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ [ الرعد:17 ].

    إخوتي الكرام: إن منزلة ذكر الرحمن في الإسلام أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه بعد أداء الفرائض والواجبات، وإذا كان لهذه العبادة -أعني: ذكر الله جل وعلا- هذه المنزلة في الإسلام، فإن صيغها تتفاوت في الأجر والرتبة والحظوة والمنزلة.

    1.   

    أعلى صيغ الأذكار وأفضل الحسنات

    إن أعلى صيغ الأذكار كلمة التوحيد، التي من أجلها خلق الله الخليقة، وأسس الجنة والنار، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، كلمة لا إله إلا الله، فهذه أفضل الأذكار، وهي أفضل الطاعات التي يتقرب بها العبد إلى العزيز الغفار، وقد قرر هذا نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه، ففي مسند الإمام أحمد والكتب الستة في الصحيحين والسنن الأربع، والحديث في الأدب المفرد للإمام البخاري أيضاً، ورواه الإمام أبو عبيد في كتاب (الإيمان) وهو في أعلى درجات الصحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة؛ فأعلاها: قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ).

    فقوله: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة )، وجاء في رواية: ( الإيمان بضع وستون شعبة ) لا تعارض بين الروايتين، كما قرر أئمتنا لدخول القليل في الكثير.

    قال: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ) فأعلى هذه الشعب وأفضلها عند الرب جل وعلا: ( لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان )

    إخوتي الكرام! أفضل الطاعات وأعلى الأذكار وأعظم الحسنات كلمة التوحيد: لا إله إلا الله. وقد ثبت في مسند الإمام أحمد من رواية أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه: ( أنه قال لنبينا صلى الله عليه وسلم: أوصني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أسأت فاعمل بعدها حسنة تمحها، فقال سيدنا أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه: يا رسول الله! - صلى الله عليه وسلم - أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي أفضل الحسنات )، إذاً: لا إله إلا الله أفضل الحسنات.

    والحديث كما قال الإمام الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات، كلهم رضي الله عنهم وأرضاهم، لكن في إسناد الحديث شمر بن عطية الكاهلي الأسدي ، وهو ثقة كما قال الهيثمي، وهو من رجال الإمام النسائي في السنن، والإمام الترمذي في السنن، وأخرج له أبو داود في مراسيله، وحكم عليه الحافظ في التقريب: بأنه صدوق.

    إذاً: هذا العبد الصالح وهو: شمر بن عطية روى الحديث عن أشياخه ولم يسم أحداً منهم عن أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين، والحديث تشهد له نصوص كثيرة سيأتي بعضها إن شاء الله.

    فقول: لا إله إلا الله هي أفضل الحسنات، كما أخبرنا عن ذلك نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

    إخوتي الكرام! أفضل الحسنات, وأعلى شعب الإيمان, وأعظم الطاعات, وأفضل الأذكار كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد والسنن الأربع إلا سنن أبي داود، والحديث في صحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم، وإسناده صحيح كالشمس، من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله ).

    وقد تقدم معنا توجيه الشق الثاني من هذا الحديث الصحيح الثابت: ( أفضل الدعاء الحمد لله )، وقلت: لأن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء مسألة، ودعاء عبادة، وهذه من صيغ دعاء العبادة، وهي من أعظم الصيغ: (الحمد لله) وإذا أثنى السائل على المسئول فقد تعرض لإجابة سؤله وإن لم يسأله حاجته، كما تقدم معنا تقرير هذا من كلام العبد الصالح أبي محمد سفيان بن عيينة سيد المسلمين في زمانه عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أنه قال: إذا كان مخلوق يقول لمخلوق مثلما كان أمية بن أبي الصلت يقول لـعبد الله بن جدعان عندما يمدحه:

    أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء

    إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء

    إذاً: أفضل الذكر لا إله إلا الله, وأفضل الدعاء الحمد لله، فأعظم الطاعات, وأفضل الأذكار التي يتقرب بها المخلوق إلى خالقه كلمة التوحيد: لا إله إلا الله.

    1.   

    أفضل كلمة خرجت من بين شفتي الأنبياء

    وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن أفضل كلمة خرجت من بين شفتيه الطاهرتين الكريمتين ومن بين شفاه أنبياء الله ورسله، منذ أن أرسل الله آدم إلى أن ختم رسله بنبينا محمد على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، أن أفضل كلمة خرجت من تلك الأفواه الطيبة المباركة من أفواه أنبياء الله ورسله هي كلمة التوحيد: لا إله إلا الله.

    ثبت الحديث بذلك في موطأ الإمام مالك من رواية طلحة بن عبيد الله بن كريز بغير التصغير: (كريب)، وهو ثقة من أئمة التابعين الطيبين، وهو من رجال صحيح مسلم وسنن أبي داود ، فالحديث من رواية طلحة بن عبيد الله بن كريز مرسلاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم.

    والحديث رواه الإمام الترمذي في سننه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير ).

    فأفضل كلمة نطق بها أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه كلمة التوحيد: لا إله إلا الله.

    1.   

    ذكر بعض أجور الذاكر بصيغة كلمة التوحيد

    إخوتي الكرام! سأستعرض شيئاً من الأجور التي يحصلها الذاكر لله جل وعلا بهذه الصيغة، أعني بكلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)، سأذكر الأجور التي يحصلها الإنسان على قول هذه الصيغة إذا قالها مطلقاً، دون أن يتحدد ذلك بوقت أو مكان، ودون أن أتحدث على فضائلها الحسان وأحكامها العظام، إنما سأخص شيئاً من الحديث على فضل النطق بهذه الكلمة مرة أو عشر مرات أو مائة أو مائتين أو أكثر دون أن يتحدد ذلك بوقت أو مكان، ودون أن أبحث في بقية أحكامها الحسان: ما أجر من نطق بها؟ ما أجر من كررها؟ ما أجر من عبد الله بها؟

    1.   

    أجر من قرأ سورة الإخلاص

    إخوتي الكرام! وإذا كان في هذه الصيغة هذا الأجر عند الله جل وعلا، فتقدم معنا أيضاً أن أعلى الأذكار وأفضلها كلام الله جل وعلا. وإذا كان في صيغ الأذكار صيغة هي أفضل الأذكار ففي كلام الله جل وعلا أيضاً سورة هي أعظم السور عندما تتلوها، ولك عليها أجر عظيم عند ربنا الكريم سبحانه وتعالى.

    وقد تقدم معنا الأجور العامة المطلقة التي يحصلها الإنسان عند قراءة كلام الرحمن دون تحديدٍ لسورة منه, وهناك أجور كثيرة مضاعفة لبعض السور إذا قرأتها يزداد أجرك، كما أن هناك صيغاً من الأذكار إذا قلتها لها أجر زائد عند ربنا سبحانه وتعالى.

    1.   

    الصوفية والابتداع في الذكر

    إخوتي! ما الذي حصل بعد ذلك؟ إن الأمر تغير بانتكاس العقول وفساد الفطر، وعبد الناس أنفسهم وهم يظنون أنهم يعبدون ربهم. قال الله: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:43-44]. وقال: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثية:23].

    إخوتي الكرام! حصل في هذه الأمة فرقة ضالة ونبتت فيها نابتة، حرفت وغيرت الأذكار الشرعية المأثورة عن خير البرية عليه الصلاة والسلام، وعكفوا على أذكار مبتدعة زعموا أن شريعة الله المطهرة تدل عليها، ولا يشهد لذلك كتاب ولا سنة ولا قول عالم معتبر.

    من هذه الأذكار اللهج باللفظ المفرد بكلمة (الله، الله) ، (حي، حي) ، (قهار، قهار)، (سميع، سميع)، (أحد، أحد) ومنها اللهج بالاسم المفرد مضمراً (هو، هو، هو، هو) فتراهم يعكفون على هذه الصيغ (الله، الله، الله) ثم يحرفون الصيغة أيضاً، بحيث يسقط الألف واللام أحياناً، والهاء يبدلها إلى حاء فتراهم من سرعة كلامهم يقولون: (إح إح إح) عندما يتكلمون، وبعد ذلك يقولون: (هو، هو)، يعوون ويمدون هذه الكلمة، يا عبد الله علام هذا؟! علام هذا؟!

    ألا ذكرت الله بأفضل كلمة نطق بها خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه، ونطق بها أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه: (لا إله إلا الله)، علام هذا التكلف: (حي، حي، قهار، قهار، أحد، أحد، هو، هو) علام هذا؟؟ واشتط هؤلاء، ففريق قال: إن هذا جائز. وفريق قال: هذا هو أفضل الأذكار، فلا إله إلا الله ذكر العوام، و(الله، الله) بالاسم المفرد مظهراً ذكر الخواص، و(هو، هو) بالاسم المفرد مضمراً ذكر خواص الخواص.

    ومن هؤلاء خواص الخواص؟ أنا أريد أن أعلم: إذا ما كان نبينا عليه الصلاة والسلام خير خلق الله هو خاصة الخاصة, وهو أحب الخلق إلى الله، فمن هو خاصة الخاصة الذي يذكر الله بهذه الصيغة (هو، هو)؟!

    وأعرف بعض الناس يجلس كل يوم قبيل الفجر فيذكر الله خمسة آلاف مرة بصيغة (الله، الله)، و(هو، هو) في كل يوم صيغة، فقلت: يا عبد الله! والله ما أشك -إن شاء الله على حسب ما يبدو من حالك- في أنك تريد ذكر الله وعبادة الله، وتحب الله على حسب ما يظهر، لكن هذا الذكر المبتدع المحدث، ما أعلم هل ستخرج رأساً برأس فلا تحصل أجراً ولا ترتكب وزراً، أم سترتكب وزراً بهذا؟ ألا قلت بدل هذا صيغة منقولة عن حبيبك .. عن رسولك .. عن نبيك عليه الصلاة والسلام، اعكف على كلمة التوحيد، على التسبيح، على التحميد، على الحوقلة، على أي صيغة من صيغ الأذكار. خمسة آلاف مرة، كل يوم قبيل الفجر.

    فهو يقول هذا بقرابة ساعتين إلى ثلاث ساعات. واعجباً من جد أهل الباطل وأهل البدع في باطلهم وبدعهم، وعجزنا عن حقنا! فالذي يدندن صباح مساء في التوحيد ما أظن أنه يقوم قبل الفجر ربع ساعة ليقول هذه الصيغة المباركة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير) إلا من رحم ربك.

    فانظر لأهل البدع، وجدهم في ضلالهم وبدعهم، وعجزنا وضعفنا وخورنا عن حقنا وعن الهدى الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم.

    إخوتي الكرام: هناك أذكار مبتدعة قيلت، ثم غيرت في الصيغة ثم (هو، هو) قد عكفوا على هذا في خاصة أنفسهم وفي بيوت ربهم، وحولوا بيوت ربهم إلى مكان للذكر المبتدع من قبل أنفسهم، كما حولها الصوفية إلى مكان للقصائد والأشعار والرقص مع تبرير فعلهم، ووجد أيضاً في هذا الوقت من يبرر هذا الفعل، ويتلمس له أدلة من هنا وهناك، وغاية ما أيدوا به هذا ثلاثة أمور.

    قالوا: إن هذا يدل على جوازه كتاب الله، وسنة رسول عليه الصلاة والسلام، والتعليلات العقلية.

    1.   

    استدلالات باطلة على الأذكار البدعية

    1.   

    أهمية الالتزام بالذكر المأثور

    إخوتي الكرام! ينبغي أن نذكر الله بما أثر عن نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نكثر من قول: لا إله إلا الله، وأخبرنا بأن من قالها وكانت آخر كلامه دخل الجنة، كما ثبت في المسند وسنن أبي داود ومستدرك الحاكم ، والحديث إسناده صحيح كالشمس من رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة ) .

    وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نلقن الموتى كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله), وما أمرنا أن نلقنهم: (الله)، ولا (هو)؛ لئلا يموتوا بين النفي والإثبات على زعم الزاعم، والأحاديث في ذلك كثيرة وفيرة متواترة أيضاً، أقطع بها وأسأل أمام الله أن أحاديث تلقين الميت كلمة التوحيد لا إله إلا الله متواترة، منقولة عن عشرة من الصحابة الكرام أو أزيد رضي الله عنهم وأرضاهم.

    فمن هذه الروايات ما في المسند وصحيح مسلم والسنن الأربع، والحديث في صحيح ابن حبان والسنن الكبرى للإمام البيهقي والمصنف لـابن أبي شيبة من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) والحديث في صحيح مسلم أيضاً، وسنن ابن ماجه ورواه ابن حبان والبيهقي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) وروى هذا المعنى الإمام النسائي عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، والطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن مسعود ، والروايات كلها مرفوعة إلى نبينا المحمود عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه .

    وروي أيضاً حديث التلقين من رواية عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وروي من رواية حذيفة بن اليمان ، وروي من رواية عروة بن مسعود الثقفي وغير هؤلاء، انظروا مجمع الزوائد في الجزء الثاني صفحة اثنين وعشرين وثلاثمائة في كتاب (الجنائز) باب في تلقين الميت لا إله إلا الله.

    إخوتي الكرام! فلا بد من العكوف على الأذكار الشرعية المنقولة عن نبينا خير البرية عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه.

    أما هذه الأذكار المبتدعة (الله)، و(هو)، والتغيير بعد ذلك في صيغ هاتين اللفظتين فهذا زيادة ضلال وبدع إلى ضلال وبدع، والصالحون من أهل السلوك ينكرون هذا، ينقل الإمام الأخبري في منظومته التي ألفها في التصوف, وقد توفي سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة للهجرة عن أئمة التصوف الصادقين إنكار هذا فيقول:

    وقال بعض السادة المتبعة في رجز يهجو به المبتدعة

    ويذكرون الله بالتغيبر, أي: يغيرون الصيغة, ويغبرون معها آلة الطرب والعزف واللهو.

    ويذكرون الله بالتغيير وينهقون النهق كالحمير

    وينبحون النبح كالكلاب طريقهم ليست على الصواب

    وليس فيهم من فتى مطيع فلعنة الله على الجميع

    أي: من انحرف عن شريعة النبي عليه الصلاة والسلام, وابتدع من البدع ما لم يأذن به الله، فيستحق هذه العقوبة عند الله.

    أسأل الله أن يجعل هوانا تبعاً لشرعه, إنه أرحم الراحمين, وأكرم الأكرمين، أقول هذا القول وأستغفر الله.

    1.   

    حكم الزيادة على مائة في الذكر

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين.

    اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    إخوتي الكرام! ما تقدم معنا من أن كلمة التوحيد لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لقولها أجور كثيرة, إذا قالها الإنسان مرة أو عشر مرات أو مائة مرة أو مائتين مرة.

    في هذا دلالة واضحة على أن الأذكار الشرعية ورد لها قدر وعدد عن خير البرية عليه الصلاة والسلام بما يزيد على مائة، وما قاله بعض الناس في هذه الأيام: إنه ما وقف على رواية فيها ذكر بعدد يزيد على مائة، فالرواية التي تقدمت من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ترد هذا القول وتبطله.

    ثم رتب على هذا فقال: فما يقوله بعض الناس من أنه لا بد من اتخاذ سبحة لعد التسبيح بها؛ لأنه يصعب علينا أن نعد بأصابعنا، قال: هذا جاء -أي هذه البدعة جاءت- من بدعة أخرى، وهي أنهم أرادوا أن يذكروا الله بعدد معين، ما ورد في الشرع اعتباره، وغاية ما ورد في الشرع الذكر بعدد مائة، فما ورد أكثر من هذا, ومائة يمكن أن تضبط عدها بعقد الأصابع، وعليه اتخاذ السبحة باطل وهو بدعة.

    وختم الكلام بأنه سبق إلى هذا من قبل بعض السلف الكرام كـإبراهيم النخعي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا بأن السبحة بدعة، ثم بعد ذلك قال: مفاسد السبحة لا تحصى، وقد ذكر هذا في سلسلة الأحاديث الضعيفة في الجزء الأول صفحة مائة وعشرة، وطول الكلام ولم يأت بطائل, فذكر في ذلك سبع صفحات, وما تقدم معنا كما قلت إخوتي الكرام! نص صريح من أنه ورد من الأذكار ما يقدر بما يزيد على مائة.

    1.   

    حكم السبحة

    إخوتي الكرام! إن القول بأن السبحة بدعة، ما أعلم أحداً من سلفنا الكرام المتقدمين قال هذا، ونسبة هذا إلى الإمام النخعي وهو حدد المكان، سأذكر هذا المكان, وأشير إلى نسبة حقيقة فيها شيء من التحريف في المعنى كما ستسمعون.

    وأما اتخاذ السبحة فهي تدخل في دائرة الإباحة، فحذاري أن تفتري على سنة النبي عليه الصلاة والسلام، تقول سنة ولها شأن، وحذاري أيضاً أن تكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، تقول: إنها بدعة وخلاف سنته وخلاف هديه، أقول: اتق ربك إنها تدخل في دائرة الإباحة، وهي شكل من أشكال العد، فإن عد بالحصى أو بالنوى أو بالسبحة أو بالأصابع بأي ذلك حصل منه أجزأ, وإن كان العد بالأصابع أفضل.

    وهذا ما قرره أئمتنا، وكنت قد بينت أن شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية قرر هذا في مجموع الفتاوى في الجزء الثاني والعشرين صفحة خمسمائة وسبع فقال: والتسبيح بالخرز لا بأس به، بل هو مستحب إذا أحسنت النية فيه، والاستحباب لا يقصد منه أنه استحباب لدليل ثابت بالخرز، إنما يقصد منه أن هذا مشروع بالجملة ولا حرج فيه، وهذا ما قرره أئمتنا، انظروه في بذل المجهود في شرح سنن أبي داود في الجزء السابع, صفحة إحدى وخمسين وثلاثمائة, وانظروه أيضاً في عون المعبود في شرح سنن أبي داود في الجزء الأول, صفحة خمس وخمسين وخمسمائة.

    والإمام السيوطي ألف رسالة في ذلك في أول المجلد الثاني من الحاوي، في الجزء الثاني صفحة مائتين فما بعدها, سماها المنحة في السبحة.

    وأما أثر الإمام النخعي الذي استدل به على كراهية السبحة, ولا دليل فيه كما قلت على ذلك، هو موجود في المصنف الجزء الثاني, صفحة إحدى وتسعين وثلاثمائة.

    ونحن إخوتي الكرام! عندما ننقل عن كتب سلفنا، نحن واسطة بيننا وبين القراء, فينبغي أن نتقي الله أولاً في الصدق في النقل، ثم في الصدق في بيان المراد بهذا النقل، وكل من انحرف عن واحد من هذين فيتصف بصفة الخيانة عند رب الكونين.

    فالإمام ابن أبي شيبة في كتابه المصنف عقد بابين لذلك:

    الباب الأول: قال: (باب في عقد التسبيح وعدد الحصى) يعقد بالتسبيح ويأتي أيضاً بالحصى ويعد بها، وأورد هذا في صفحتين متتاليتين عن عدد من السلف من صحابة وتابعين كانوا يعدون بالتسبيح والنوى والخرز وغير ذلك. ثم قال: (باب من كره عقد التسبيح) ولا يريد من ذلك اتخاذ سبحة, إنما يريد عد التسبيح، فاسمعوا لما ترجم به الإمام ابن أبي شيبة وللآثار التي أوردها.

    الأثر الأول: نقله عن إبراهيم أي النخعي قال: كان عبد الله يعني: ابن مسعود يكره العدد, ويقول: أيمن الله حسناته؟ فما كان إذاً يكره السبحة لأجل السبحة، ولا يكره العد بالأصابع لأجل الأصابع، ولا يكره العد بالحصى لأجل الحصى، إنما سلفنا الكرام يريدون من الذاكرين أن يكونوا على همة عظيمة، أن يذكر كل واحد منهم ربه آناء الليل وأطراف النهار, وألا يقتصر على عدد معين.

    ثم يقول: أنت تعد حسناتك على الله جل وعلا؟ المقصود: اذكر الله كثيراً دون أن تعد لذلك قدراً، نعم هذا همم الصحابة، وأما نحن فضعفنا لا يعلمه إلا ربنا، ولا بد من أن ننظم أمورنا مع ربنا؛ لئلا يلبس الشيطان علينا، فإذا أردنا أن نذكر دون عدد معين قد يأتي الواحد منا بذكر ربه عشر مرات يقول: ذكرت ربك مائة ألف قم يكفيك، فلذلك لا بد من أن نضبط الأمر لما حصل فينا من نقص وتفلت.

    الأثر الثاني يورده بعد ذلك فيقول: سألت ابن عمر عن الرجل يذكر الله ويعقد؟ فقال: تحاسبون الله؟ فليس موضوع سبحة أو حصى أو يد، تحاسبون الله؟ يعني: أنت تجلس تقول أنا ذكرت الله خمسة آلاف مرة تريد أن تحاسب الله، تعدون حسناتكم.

    ثم آخر الآثار وهو الذي ذكره قال: كان إبراهيم النخعي ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسابيح التي يسبح بها، لمِ؟ من أجل كراهية العد؛ لئلا يمن الإنسان بحسناته؛ ولئلا يحاسب ربه على طاعاته، وهذا ما عقد عليه الإمام ابن أبي شيبة باباً فقال: (باب من كره عقد التسبيح) .

    وليس الكلام كما قلت في سبحة أو في عد لأصابع يد أو عد بحصى، إنما كان سلفنا يريدون من المؤمنين أن يكونوا على همة عالية, وأن يستغرق الإنسان في ذكر ربه آناء الليل وأطراف النهار.

    اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا.

    اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق العصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك، ومن المقربين لديك، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

    اللهم اجعل حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من كل شيء، أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا، أحب إلينا من الماء البارد في اليوم القائظ.

    اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم أنزل علينا من بركات السماء, وأخرج لنا من بركات الأرض بفضلك ورحمتك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    عدد مرات الحفظ