أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
فها نحن مع سورة الإسراء المكية المشتملة على كثير من أخبار الرب تبارك وتعالى وأحكامه، وكلها صدق وحق، فهيا بنا نسمع بعض آياتها ونتأملها، ونسأل الله تعالى أن ينفعنا بها، إنه أهل لذلك.
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا * وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا * وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا * وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا * قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا [الإسراء:78-84].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!
قول ربنا جل ذكره: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]، هذه الآية تدل على فرضية الصلوات الخمس وهي: الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء.
فقوله: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78] أي: لميلانها إلى الغرب؛ إذ تقف في وسط السماء ثم تأخذ في الميلان، فإذا دلكت معناها: دخل وقت الظهر، وإذا صار ظل الشيء مثله دخل وقت العصر، وإذا غابت الشمس دخل وقت المغرب، وإذا غاب الشفق الأحمر دخل وقت العشاء، وإذا طلع الفجر دخل وقت الصبح، هذه الآية الكريمة دلت على أوقات الصلوات الخمس، وقد بينا هذا بالأمس.
وقوله تعالى: كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] بينت لكم أن ملائكة الليل الذين يلازموننا حتى الفجر يأتي بدلاً عنهم ملائكة النهار ويظلون معنا، وملائكة الليل ينصرفون، فقوله: (مشهوداً)، من يشهد هذا الوقت؟ الملائكة الذين يتولون الكتاب عنا حتى غروب الشمس، ومعنى هذا: أن مع كل أحد منا أربعة ملائكة، اثنان يلازمانه بالليل واثنان بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ولهذا علمنا أن أفضل الصلوات الخمس الصبح والعصر، والرسول الكريم يقول صلى الله عليه وسلم: ( من صلى البردين دخل الجنة ) ويعني بالبردين: صلاة الفجر وصلاة العصر؛ إذ الأولى في برد الليل، والثانية في برد النهار.
وقوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79] الصلوات الخمس مكتوبة مفروضة على كل مؤمن، وعلى رأس المؤمنين إمامهم وسيدهم ونبيهم، والنوافل ليست مفروضة على أي واحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لعلم الله تعالى بقدرته على ذلك، ولما يكتسبه من تلك النافلة، ألا وهي قيام الليل وَمِنَ اللَّيْلِ [الإسراء:79] جزء فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79] لا لأمتك، فمن هنا من قام الليل حصل على أجر عظيم، ومن لم يقمه واكتفى بصلاة العشاء والشفع والوتر بعدها أجزأه ذلك ولا يطالب بشيء، ولكن التهجد ذو فضل عظيم، لما بلغنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا كان ثلث الليل ينزل الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا وينادي: هل من داع فأستجيب له؟ ) فهذا وقت الدعاء الذي يستجاب.
وقد قلت لكم: في الإمكان أن تقوم ساعة قبل الفجر لوجود هذه الآلات التي تفطن الإنسان وتوقظه، على شرط أننا لسنا من الذين يجلسون أمام شاشة التلفاز في البيت الساعة والساعتين للباطل، فهؤلاء ليسوا أهلاً لقيام الليل، هؤلاء الذين إذا صلوا العشاء ناموا، فهم قادرون على أن يستيقظوا آخر الليل.
وقوله تعالى في خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] عسى تفيد الوجوب، يعني: هذا القيام لليل والتهجد يكسبك يا رسولنا أسمى المقامات وأشرفها وأعلاها، وهو الشفاعة العظمى في يوم القيامة، عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ [الإسراء:79] يا رسول الله مَقَامًا [الإسراء:79] موقفاً يحمده عليك أهل الموقف في أرض المحشر من أهل الجنة والنار.
وهذه الحقيقة: إذا وقف الناس في ساحة فصل القضاء، بعد أن يبعثهم الله من قبورهم أحياء، يقفون على صعيد واحد، وتدنو الشمس منهم حتى يعرقوا عرقاً لا نظير له، فمنهم من يلجمه العرق إلجاماً؛ بحسب صلاحهم وتقواهم في الدنيا أو فجورهم وفسادهم فيها، ويأتون آدم عليه السلام: يا أبا البشر! سل الله عز وجل أن يحكم بيننا ويفصل فينا؛ ليستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، طال بنا الموقف؛ لأن ذلك اليوم مقداره بأيامنا هذه خمسون ألف سنة، واقرءوا لذلك قول الله تعالى من سورة المعارج: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] وهم قيام.
فمن هنا يجتمع الناس ويأتون آدم: يا آدم، يا أبا البشر! خلقك الله بيديه، ونفخ فيك من روحه، اسأل الله تعالى أن يقضي بيننا، فيعتذر آدم ويقول: ما أستطيع، أمرني بأن لا آكل من الشجرة وأكلتها، فكيف أواجه ربي وأطلبه؟ عليكم بنوح، فيأتون نوحاً فيعتذر إليهم، ويقول: أنا دعوت على قومي ألا يخرج من أصلابهم ولداً، نظراً إلى قول الله تعالى: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا [نوح:28] فما أستطيع أن أواجه ربي، عليكم بإبراهيم عليه السلام.
فيأتون إبراهيم عليه السلام، فيقولون له: يا خليل الرحمن! انظر ماذا حصل لنا، ادع الله أن يحكم بيننا وينهي هذا الموقف، فيقول إبراهيم: أنى لي ذلك وقد كذبت ثلاث كذبات، فلا أستطيع أن أقابل ربي وأطلبه -وكذبات إبراهيم من أصدق صدقنا نحن؛ لأنه كذبهما لله- عليكم بموسى كليم الله.
فيأتون موسى فيقولون: يا كليم الله! يا موسى! سل الله أن يحكم بيننا، فيقول: كيف أواجهه وأنا قتلت نفساً -وقتلها قتلة خطأ ليس عمد أبداً، وكان ظالم من الظلمة ضربه في صدره فمات- ولكن عليكم بروح الله عيسى عليه السلام.
فيأتون عيسى فيقولون: يا روح الله! سل الله تعالى أن يحكم بيننا ويفصل بيننا، فلم يذكر عيسى ذنباً قط؛ لأنه والله ما أذنب ذنباً قط، من أخبرنا بهذا الخبر؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس حكايات ولا أخبار، أتدرون لم عيسى ما أذنب ذنباً قط؟ بسبب دعوة جدته، جدته حنا ؛ فقد سألت ربها أن يرزقها ولداً، وأن يعيذه وذريته من كل سوء وشر، واقرءوا لذلك قول الله تعالى من سورة آل عمران: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:35-36].
وهل جدته كجداتنا الغافلات التائهات، هذه حنا حملت بمريم البتول العذراء وقالت لربها: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35] خالصاً.
إذاً: فعيسى أفادته دعوة جدته حنا فلم يذنب ذنباً قط، وعيسى عليه السلام سينزل عما قريب، وقد أوشك نزوله على المنارة بمسجد دمشق، ويحج ويعتمر؛ إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كأني بابن مريم بالروحاء يلبي لبيك اللهم لبيك.. لبيك حجاً وعمرة ).
ولطيفة أخرى: لكن لا على سبيل الحقيقة بل من باب الإخبار والأمر لله: أن عيسى سيدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. هذا قبر الحبيب صلى الله عليه وسلم، هذا قبر أبي بكر ، هذا قبر عمر ، وما زالت مساحة لقبر، قال أهل العلم سلفاً: لعلها تكون لعيسى بن مريم ، أما نزوله وحياته لا يشك فيها ذو عقل ودين، ومن أنكر ذلك يكفر؛ لأنه كذب الرسول صلى الله عليه وسلم.
إذاً فيقول عيسى: عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيأتونه فيقول: أنا لها.. أنا لها.. أنا لها، أخذاً من هذا الوعد الإلهي: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] يحمده عليه أهل الموقف أجمعون.
لكن لما سجد دعا وعظم الله ومجده وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال له: ارفع رأسك واسأل تعط واشفع تشفع.
هذا معنى قوله تعالى في الآية: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] ألا وهو موقف عرصات القيامة ليشفع للخليقة ليقضي الله بينها ويحكم بينها.
وَأَخْرِجْنِي [الإسراء:80] أي: من مكة مُخْرَجَ صِدْقٍ [الإسراء:80] حاولوا أن يقتلوه، أن يسجنوه أو يضربوه والله ما استطاعوا أن يفعلوا شيئاً، وخرج مع الصديق آمنين سالمين إلى المدينة.
وَأَخْرِجْنِي [الإسراء:80] أي: من مكة مُخْرَجَ صِدْقٍ [الإسراء:80] لا أبكي على فراقي لها ولا أتألم.
وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا [الإسراء:80] من عندك قوة وسلطاناً أقهر به المشركين والظالمين، وأعطاه الله ذلك، فما هي إلا ثماني سنوات بالمدينة حتى غزا مكة وفتحها، وهرب المشركون والمعاندون، أو أسلموا ودخلوا في رحمة الله، ودخل مكة فاتحاً.
وله موقف كررنا القول فيه لنعلم أبناءنا إذا سادوا أو حكموا، يجب أن يكونوا رحماء أسوة بأبي القاسم صلى الله عليه وسلم، لما دخل مكة بجيشه باثني عشر ألف مقاتل طأطأ المشركون رءوسهم حول الكعبة في تلك الساحات فوقف والسيف في يده، وقال: ( يا معشر قريش! ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء )، ما قال: عذبوهم نكلوا بهم، اسجنوهم، انتقموا منهم كما فعلوا بنا وبأصحابنا، قال: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )، هذا موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً من خشب أو حجر، فأخذ يغمزها بحربته وهي تتناثر وتسقط وهو يقول: جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81] هذه الآية الكريمة.
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا [الإسراء:80] أعطاه الله أو لا؟ انتصر في بدر وانتصر في الأحزاب، ودخل مكة عام ثمانية منتصراً.
ثم قال الله تعالى لنبيه: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ [الإسراء:81] كان النبي صلى الله عليه وسلم يكسر الأصنام وهو يقرأ هذه الآية حتى حطمها وكسرها، جاء التوحيد وهرب الشرك، والعياذ بالله.
ثم قال الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82] نترك هذه الآية إلى الغد إن شاء الله.
دحية بن خليفة الكلبي
، وهذادحية
من أجمل رجال العرب، حتى بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم سفيراً له إلى الشام. إذاً: دخل وبدون أدب يشق الصفوف حتى يقال: هذا جاهل أو ما يعرف، المفروض أنه لا يستطيع أن يصل إلى الرسول والصفوف هكذا، كيف يصل؟ شقها بدوي، وجلس فوراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه يعلمهم كيف يتلقون العلم والحكمة، فالذي يتلقى العلم يجلس بين يدي المعلم ويثني ركبتيه ويضع يديه ويصغي ويسمع.. هذه آداب طلب العلم، ثم أخذ يسأل: أخبرني يا محمد، ما قال: يا رسول الله حتى ما يعرفوا أنه جبريل، (أولاً: المرض.
ثانياً: عدم القدرة المالية، ما عنده مال ينفقه على أهله لما يتركهم وراءه ولا ينفق على نفسه لما يسافر من الشرق أو الغرب ليحج، فإن كان لا مال له يكفيه فالحج ليس بفرض عليه حتى يرزقه الله بعد عام أو أعوام، والمريض الذي لا يقوى على المشي ولا على الركوب، لا حج عليه حتى يشفى ويقدر على أن يحج أو يعتمر؛ لقوله تعالى: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97].
ثالثاً: أن يكون الطريق آمناً، فإذا كان في طريقك إلى الحج لصوص مجرمون ظلمة يسلبون مالك ويقتلونك، فانتظر حتى يأمن الطريق وتزول المخاوف.
هذه ثلاثة ما ننساها، تبين لنا الاستطاعة ما هي:
القدرة البدنية: ما أنت بعاجز عن المشي ولا الركوب.
القدرة المالية: تستطيع أن تنفق على نفسك وأهلك.
الأمن: الطريق آمن، ليس فيه لصوص ولا غاصبين ولا مجرمين يمنعونك من الطريق.
مات والدك وما حج؛ لأنه كان مريضاً أو فقيراً، أو كان الطريق غير آمن، وأنت الآن حججت عن نفسك هذا العام، فالعام الآتي حج عن والدك، وقل: لبيك اللهم لبيك حجاً عن أبي، أو حج عن أمك ما حجت وتوفيت وأنت قادر على أن تحج، حج أولاً عن نفسك، فإذا فرغت من حجك هذا العام، العام المقبل أو الذي بعده حج عن والدتك، عند الإحرام تقول: لبيك اللهم لبيك حجاً عن أمي، سمها أو لا تسمها الله يعلمها، ويجوز أن تحج عن أخيك، عن ابنك.
ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم في طريقه إلى مكة وإذا بمؤمن يقول: لبيك اللهم لبيك حجاً عن شبرمة ، من شبرمة ؟ أخوه، قال: حج عن نفسك أولاً ثم عن شبرمة ، فأذن في النيابة عن الحج، وأذن لنا أن نحج عن الميت أو عما هو في حكم الميت كصاحب الشلل واللاصق بالأرض، فهذا كالميت، ويحج عنه.
إذاً: النيابة تجوز أو لا؟ تجوز، وإذا كنت أنت غير قادر على أن تحج عن أبيك أو أخيك، ووجدت حاجاً قد حج قبل ذلك وأعطيته نفقة الحج ليحج عن أبيك جاز لك ذلك، أنبته عنه ووكلته، عندك مال تقول لشخص حج عن نفسه: حج عن أبي، وخذ هذا المبلغ في سفرك تنفقه كما شئت.
والأفضل أن تنيب من هو في بلد الميت، وإن لم تفعل ولم تستطع يجوز أن تنيب عنه من هو خارج المواقيت، ولهذا المدينة أولى، أما أن تنيبه في داخل مكة فهذا فيه كلام وليس سليم؛ لأن والدك ليس من أهل مكة، إذ لو كان من أهل مكة تحج عليه من مكة، لو كان من جدة تحج عليه من جدة، لكن هذا خارج من المدينة أو من الرياض أو من الشام، إذاً لا بد وأن يحرم المحرم خارج المواقيت التي وقتها الرسول صلى الله عليه وسلم للحجاج، ولهذا يوجد عندنا أناس محتاجون فقراء يطلبون النيابة، من جاء بشيء نعطيه يحج عنه.
أفتى مالك وهي فتيا حق، ووافقه علياه أكثر أهل العلم، قال: إذا وجدت في رفقة من النساء مندسة بينهن وموجودة بينهن ومعهن رجال يحفظوهن فتؤدي فريضة الحج الفريضة فقط، أما النافلة لا يجوز لها ذلك ولا تأتيه، الفريضة إذا كانت هناك رفقة وامرأة مؤمنة وهي معهن وعلى النساء من يحفظهن من الرجال، تؤدي فريضة الله عز وجل، وقال خلاف مالك : ما ينبغي ما دامت ما استطاعت ما تستطيع، عرفتم هذه؟
أقول وهذا القول أرجحه: فريضة الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق الحكم قال: ( لا يحل لمؤمنة تريد أن تسافر مسافة يوم وليلة إلا مع ذي محرم ) يعني: الأسفار المعتادة بين الناس، والحج له قيمته وشأنه، وقد يكون هذا الخبر قبل فرضية الحج، لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الحج، هل تحج المرأة بدون محرم؟ ثم قال: نعم. لا نقبل أي قول، وإذا قال: لا، لا نقبل أي قول، فما دام القول اجتهاداً فهذه مؤمنة تؤدي الفريضة في رفقة من الصالحات والصالحين لا حرج، أما أن تحج متطوعة فلا.. لا؛ لأن الحج فرض مرة في العمر، ومن استطاع أن يحج كل خمس سنوات بل ورد ما يدل على أن الذي يمضي عليه خمسة أعوام وما يكرر الحج محروم، ولكن ليس بواجب ولا لازم، أما المؤمنة يكفيها حجة الفرض، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه: ( إنما هذه والحصر )، ما لكم إلا هذه الحجة وملازمة الحصير في البيت.
ثلاثة: حج بالإفراد، حج بالتمتع، حج بالقران.. ثلاثة.
أنواع النسك أي عبادة الحج ثلاثة، ما هي؟ الإفراد، التمتع، القران، ما معنى الإفراد؟ أن يقول: لبيك اللهم لبيك حجة فقط، يطوف ويسعى ويطلع لعرفات.
ما هو القران؟
يقول: لبيك اللهم لبيك حجاً وعمرة مع بعضهما بعضاً، يدخل مكة يطوف ويسعى ويبقى على إحرامه حتى يطلع عرفات، المتمتع هو أن يحرم بعمرة، فيدخل مكة يطوف ويسعى ويقصر شعره يلبس لباسه يتحلل تمام التحلل، إذا جاء يوم عرفة طلع، أحرم من جديد بالحج وطلع إلى منى ثم عرفة.
يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف هذه، ما هي ببعيدة هذه، أنواع الحج كم؟ ثلاثة: إفراد، تمتع، قران.
معاشر المستمعين! في الغد إن شاء الله إن أحيانا الله نبين أي نوع من أنواع الحج أفضل؟ لنحج به إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر