الرأي الأول: أن المراد بالأقرأ هو الأكثر حفظاً، وقيل: بأن المراد بالأقرأ هو الذي يجيد القراءة، بحيث لا يلحن، ويخرج الحروف من مخارجها، يأتي بالقراءة ولا يلحن فيها ويراعي قواعد اللغة العربية، ويخرج الحروف من مخارجها.. إلى آخره.
ثم بعد ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن كانوا في القراءة في سواء فأعلمهم بالسنة ).
وتكلمنا ما المراد بذلك، وأن المراد بذلك هو الأكثر فقهاً فيما يتعلق بأحكام الصلاة، ثم بعد ذلك أقدمهم هجرة، ثم بعد ذلك أقدمهم سلماً، وفي رواية سناً.. إلى آخره، وتكلمنا على هذه المراتب كلها.
وكذلك أيضاً تكلمنا عن حكم إمامة المحدث، وذكرنا أقسامها، وأيضاً عن حكم إمامة من عليه نجاسة في ثوبه، أو بدنه، أو بقعته، وتكلمنا عن أقسام هذه المسألة.
وكذلك أيضاً تكلمنا عن حكم إمامة من ترك ركناً من أركان الصلاة. إلى آخره.
يقول المؤلف: (لا تصح إمامة المرأة بالرجال)، وهذا ما عليه جماهير أهل العلم رحمهم الله؛ ودليل ذلك حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ).
وأيضاً حديث أبي هريرة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها )، وإذا كانت المرأة إمامةً فإن صفها سيكون هو الأول، وقد حكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالشرية، فإذا كان كذلك فإنها لا تتقدم؛ لأنها إذا تقدمت فقد حكم النبي عليه الصلاة والسلام بالشرية، وهذا القول هو الصواب، وإن كان ورد عن بعض أهل العلم ما يخالف ذلك، ورد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه تصح إمامة المرأة في التراويح، وهذا إذا كان المأمومون من محارمها.
من به سلس البول، أو سلس الريح، أو سلس الغائط، يعني من حدثه دائم لاستمرار خروج الحدث منه، يقول المؤلف رحمه الله: [لا تصح إمامته إلا بمثله]، فالذي به سلس بول لا يصح أن يكون إماماً للصحيح، فلا يكون إماماً إلا لمن به سلس بول، والعلة في ذلك قالوا: لأنه أخل بشرط من شروط صحة الصلاة وهي الطهارة.
والرأي الثاني: أن من به سلس بول تصح إمامته؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، وهذا يدخل فيه من به سلس بول، فإذا كان هو الأقرأ فإنه يقدم.
وأيضاً حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم ) ويدخل في ذلك من به سلس بول… إلى آخره.
وأما قولهم: بأنه أخل بشرط من شروط صحة الصلاة وهي الطهارة نقول: هذا غير مسلم، فهو لم يخل بشرط؛ لأن خروج هذا الحدث قد عفا عنه الشارع، ولهذا تصح صلاته مع خروج هذا الحدث، فهذا الحدث قد عفا عنه الشارع، فالصواب صحة إمامته.
أيضاً الأمي في اللغة: هو الذي لا يكتب ولا يقرأ.
وأما في اصطلاح الفقهاء رحمهم الله فالأمي يشتمل على أمور:
الأمر الأول: من لا يحسن الفاتحة، يعني: لا يحفظ الفاتحة، فهذا أمي، وإن كان من أعلم الناس في غير الفاتحة، نقول: بأنه أمي، الذي لا يحفظ الفاتحة هذا لا تصح إمامته.
الأمر الثاني: الذي يدغم حرفاً بحرف لا يقاربه ولا يماثله فهذا أمي، ويسميه العلماء رحمهم الله بالأرت، الذي يدغم حرفاً بحرف آخر لا يماثله ولا يقاربه فهذا أمي، مثال ذلك لو أدغم حرف الهاء بحرف الراء، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ، لو قال: الحمد للرب العالمين، فأدغم الهاء بالراء، فهنا أدغم حرفاً بآخر لا يماثله ولا يقاربه هذا أمي لا تصح إمامته.
الأمر الثالث: الألثغ وهو الذي يبدل الراء غيناً أيضاً هذا أمي لا تصح إمامته إلا بمثله، فالذي يبدل الراء غيناً يقول: غب العالمين، بدلاً من أن يقول: رب العالمين يقول: غب العالمين، فنقول: بأن هذا أمي لا تصح إمامته.
الأمر الرابع: الذي يلحن في الفاتحة لحناً يحيل المعنى، مثاله: يقول: إياكِ نعبد وإياكِ نستعين، بدلاً من أن يقول: إياكَ يقول: إياكِ، فهذا لحن لحناً يحيل المعنى، فهذا الأمي لا تصح إمامته إلا بمثله، فلا تصح إمامته بغير الأميين.
ونعلم أيها الإخوة أن مسألة القراءة مسألة مهمة؛ لأن الشارع أكد عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم ) نص على القراءة، وقال: ( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم ).
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أقرؤكم ) إلى آخره.
فمسألة القراءة هذه أكد عليها الشارع، قال بعض العلماء: من صحت صلاته صحت إمامته، لكن هذا الضابط الذي ذكره بعض أهل العلم لا تدخل فيه القراءة، الأمي لا تصح إمامته، مثلاً: لو كان عندنا شخص يقول: غب العالمين تصح قراءته هذا ما في وسعه، لكن لا نقول: بأن إمامته تصح؛ لأن القراءة أكد عليها الشارع، وجعل المحور يدور عليها، فمن به سلس بول قلنا: بأن صلاته صحيحة، فتكون إمامته صحيحة، لكن الأمي لا نقول: بأن صلاته صحيحة فتكون إمامته صحيحة؛ لأنك إذا تأملت النصوص الشرعية تجد أن الشارع أكد على مسألة القراءة، واعتبرها واشترطها وحينئذ نقول: هذا الأمي لا تصح إمامته إلا برجل أمي مثله.
لأن التيمم عبادة شرعية، والتيمم كالوضوء تماماً كما سبق لنا من أنه يرفع الحدث على الصحيح، لكن الفرق بين التيمم وبين الوضوء أن الوضوء يرفع الحدث رفعاً مطلقاً، وأما التيمم فإنه يرفع الحدث إلى وجود الماء.
وأيضاً يدل لذلك ( أن
إذا كان الإمام متنفلاً والمأموم مفترضاً أيضاً تصح الإمامة؛ ويدل لذلك فعل معاذ رضي الله تعالى عنه، فإن معاذاً رضي الله تعالى عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة.
وفي سنن البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هي له تطوع ولهم نافلة ).
وحديث معاذ رضي الله تعالى عنه الذي رواه جابر في الصحيحين ( أن
واعلم أن اختلاف النية بين صلاة الإمام وصلاة المأموم هذا لا يضر، فالمأموم يصلي نافلة، والإمام يصلي فريضة، أو العكس الإمام يصلي فريضة والمأموم يصلي نافلة هذا لا يضر، أو هذا يصلي العصر وهذا يصلي الظهر، أو هذا يصلي التراويح وهذا يصلي العشاء… إلى آخره نقول: هذا كله لا يضر، أو هذا يصلي مؤداة وهذا يصلي مقضية… إلى آخره لا يضر، لا يضر إلا إذا كان الاختلاف في الأفعال، وكان هذا الاختلاف كثيراً.
القسم الأول: أن تتفق الصلاتان في الأفعال، فهنا لا يضر اختلاف النية، ولا يضر اختلاف الاسم، ما دام أن الصلاتين اتفقتا في الأفعال، فمثلاً هذا يصلي العشاء لأنه مسافر ركعتين خلف من يصلي التراويح ركعتين نقول: صحيحة، الأفعال هنا واحدة، هذا يصلي الظهر والإمام يصلي العصر نقول: هذا صحيح؛ لأن الأفعال واحدة، أيضاً هذا يصلي الظهر أداءً، وهذا يصلي ظهر الأمس قضاءً نقول: هذا أيضاً صحيح.
فالقسم الأول: إذا اتفقت الأفعال بين الصلاتين فلا يضر اختلاف الاسم أو اختلاف النية، فإذا نوى المأموم صلاة ونوى الإمام صلاة، أو اختلف اسم الصلاتين، فاسم صلاة الإمام يختلف عن اسم صلاة المأموم نقول: بأن هذا لا يضر.
القسم الثاني: أن تختلف الصلاتان في الأفعال، لكن هذا الاختلاف اختلاف يسير، هذا أيضاً نقول: بأنه لا يضر.
مثال ذلك: هذا رجل يصلي العشاء أربع ركعات، وهذا رجل يصلي المغرب ثلاث ركعات، هنا اختلفت الأفعال، الاختلاف هنا يسير، فالذي يصلي المغرب يصلي ثلاث ركعات ثم يجلس وهو بالخيار: إن شاء أن ينتظر الإمام، وإن شاء أن يسلم، وإن انتظر الإمام فهو أحسن.
أيضاً مثال آخر: الإمام يصلي العيدين، والمأموم يصلي الفجر، هنا اختلفت الأفعال، لكن هذا الاختلاف اختلاف يسير؛ لأن صلاة العيدين كصلاة الفجر، إلا أن العيدين فيهما التكبيرات الزوائد.
فنقول القسم الثاني: إذا اختلفت الأفعال اختلافاً يسيراً فإن هذا لا يضر.
القسم الثالث: أن تختلف الأفعال اختلافاً كثيراً، مثال ذلك: هذا رجل يصلي الفجر والإمام يصلي الكسوف، الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان، هنا الآن اختلفت الأفعال اختلافاً كثيراً.
مثال آخر: الإمام يصلي صلاة الجنازة، والمأموم يصلي الفريضة مثلاً فريضة الظهر، نقول هنا: اختلفت الأفعال اختلافاً كثيراً فلا يصح.
فأصبح إذا اختلفت صلاة الإمام وصلاة المأموم أن هذه المسألة لها ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن تتفق في الأفعال فيصح سواء اتفقا في النية أو اختلفا، اتفقا في الاسم أو اختلفا… إلى آخره.
القسم الثاني: أن تختلف الصلاتان في الأفعال اختلافاً يسيراً فنقول: أيضاً هذا لا يضر.
القسم الثالث: أن تختلف الأفعال اختلافاً كثيراً فنقول: بأن هذا هو الذي يضر؛ لأن الشارع اعتبر اختلاف الأفعال؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا.. ) إلى آخره، فاعتبر الشارع اختلاف الأفعال، ولم يعتبر اختلاف النية، أو اختلاف الاسم إلى آخره.
هذا الضابط الذي ذكرناه يحل كثيراً من الإشكالات التي توجد عند كثير من الناس، تجد وخصوصاً في المساجد التي على الطرقات يختلف الناس هذا يصلي وهذا لا يصلي، أو يسأل عن صلاة هذا.. إلى آخره، أنت إذا دخلت المسجد ووجدت جماعة يصلون صل معهم، سواء كان يصلي المغرب، أو يصلي العشاء، أو يصلي الظهر، كون المأموم يختلف عن الإمام في النية أو في اسم الصلاة هذا لا يضر، ولو مع اختلاف الفعل اليسير نقول: بأنه لا يضر.
هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان موقف المأموم، والمأموم لا يخلو إما أن يكون واحداً أو أكثر من واحد، فإن كان واحداً فإنه يقف عن يمين الإمام؛ ويدل لذلك ما ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بات
فإذا كان المأموم واحداً فالسنة أن يقف عن يمين الإمام، لكن لو وقف عن يسار الإمام، ويمين الإمام خالٍ فهل تصح صلاة المأموم أو لا تصح صلاة المأموم؟
إذا وقف المأموم عن يسار المأموم لا يصح، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وعند جمهور أهل العلم أن ذلك صحيح ولا بأس به.
الحنابلة استدلوا بحديث ابن عباس قالوا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس من يساره إلى يمينه.
الجمهور استدلوا أيضاً بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأن ابن عباس أدى جزءاً من الصلاة عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يأمره النبي عليه الصلاة والسلام بالإعادة، جاء ابن عباس وكبر عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، فأدى جزءاً من الصلاة: تكبيرة الإحرام، ثم أداره النبي عليه الصلاة والسلام.
أيضاً: حديث جابر : (
وما ذهب إليه جمهور أهل العلم أقرب إلى الصحة، فنقول: إذا صلى المأموم عن يسار الإمام ترك الفضيلة والسنة وصلاته صحيحة.
إذا صلى المأموم قدام الإمام فإنها لا تصح صلاته، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم خلافاً للإمام مالك ، الإمام مالك رحمه الله يقول: إذا صلى المأموم قدام الإمام صحت الصلاة.
الجمهور استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، وإذا كان الإمام مؤتماً به ومقتدىً به فإن مكان المؤتم والمقتدي إنما يكون خلف الإمام المقتدى به، فإذا كان كذلك فإنه يكون موضع المأموم خلف الإمام.
وتوسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة وقال: تصح صلاة المأموم قدام المأموم عند الضرورة، وذلك كما يوجد في حالة الزحام، في حالة الزحام إذا كثر الناس في صلاة الجمعة أو في صلاة العيدين ونحو ذلك وفي المناسبات إلى آخره، فإذا حصل الزحام وكثر الناس ولم يتمكن الناس، أو ظهر عليهم مشقة شديدة في كونهم يكونون خلف الإمام أو محاذين له وصلوا قدامه فإن هذا صحيح.
وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو الأقرب، وهذا على قاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، شيخ الإسلام يقول: بأن الواجبات تسقط بالعجز عنها؛ ويدل لذلك حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب.. ) إلى آخره، وهذا القول هو الصواب، وهو وسط بين القولين في هذه المسألة.
إذا صلى منفرداً خلف الصف يقول المؤلف رحمه الله: لا تصح صلاته؛ واستدلوا بما أخرجه أبو داود في سننه من حديث وابصة بن معبد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد ).
وأيضاً حديث علي بن شيبان رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف ).
وعند جمهور أهل العلم أن الصلاة خلف الصف صحيحة، يعني لو جاء فرد وصلى خلف الصف فإن صلاته صحيحة، الحنفية والمالكية والشافعية كلهم يصححون صلاته، واستدلوا على ذلك بحديث أنس أنه قال: ( قمت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من خلفنا )، فالعجوز صلت خلف الصف منفردةً.
وأيضاً قالوا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس من يساره إلى يمينه، وفي أثناء الإدارة أدى جزءاً من الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيضاً توسط في هذه المسألة وقال: بأن المصافة واجبة لحديث وابصة وحديث علي بن شيبان رضي الله تعالى عنهما، لكن تسقط بالعجز عنها، فإذا عجز عنها المأموم سقطت، فإذا جاء والصف مكتمل فإنه يصف خلف الصف، ويسقط عنه واجب المصافة، وهذا القول هو الصواب، وهو توسط بين الرأيين.
فعلى هذا نقول: بأنه تجب المصافة لحديث علي بن شيبان ووابصة ، إلا إذا كان الإنسان لا يتمكن من ذلك، لا يتمكن لكون الصف مكتملاً فنقول: بأنه يصلي خلف الصف وصلاته صحيحة.
قال المؤلف رحمه الله: (لم تصح..) إلى آخره. هذا إذا كان المأموم واحداً فإن موقفه كما تقدم السنة أن يكون عن يمين الإمام، ولو صلى عن يسار الإمام فذكرنا أن الصواب ما عليه جمهور أهل العلم وأن صلاته صحيحة.
إن كان المأموم أكثر من واحد فإن السنة أن يصلوا خلف الإمام، ولو صلوا من على يمينه ويساره فإن هذا صحيح ولا بأس به، وكان في أول الإسلام إذا كانوا ثلاثة يصف واحد عن يمين الإمام، والآخر عن يسار الإمام، وابن مسعود رضي الله تعالى عنه خفي عليه النسخ، فلما فاتته الصلاة جعل علقمة عن يمينه والأسود عن يساره، لكن هذا نسخ كما في حديث سعد رضي الله تعالى عنه، والسنة أن يصلي المأمومون خلف الإمام، كما أدار النبي صلى الله عليه وسلم جابراً وجباراً خلفه.
المرأة لا تخلو من أمرين: إما أن تكون مع النساء, أو تكون مع الرجال، فإن كانت مع الرجال فإنها تقف خلف الصف، حتى ولو كان الصف غير مكتمل، وحتى ولو كان الإمام محرماً لها.
وعلى هذا لو أن رجلاً صلى بزوجته في الليل مثلاً فإن السنة أن تقوم المرأة خلفه، أو فاتته الصلاة وصلى مع أهله فإن السنة أن تقوم المرأة خلفه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها ).
وأيضاً حديث أنس رضي الله تعالى عنه فإنه قال: ( قمت أنا واليتيم وراءه والعجوز من خلفنا )، ولو وقفت عن يمين الإمام صح ذلك، لكن السنة أن تقف وراء الإمام وراء الصف كما سبق الدليل لذلك.
أما إذا كانت المرأة مع نساء فحكمها حكم الرجل مع الرجال، إن كانت واحدة تقف عن يمينها، وإن كن أكثر من واحدة فإنهن يقفن عن يمين الإمامة وعن يسارها هذا هو الأفضل، وإن كانت واحدة فإنها لا تقف خلف الصف إلا إذا كان الصف مكتملاً تجب المصافة، كما أن الرجل لا يقف خلف الصف إلا إذا كان الصف مكتملاً كما قلنا عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وعلى هذا نقول: المرأة مع النساء كالرجل مع الرجال، إلا أن إمامة النساء تقف في وسطهن لورود ذلك عن أم سلمة وعائشة كما سيأتي إن شاء الله، لكن إن وقفت المرأة خلف الصف لا تصح صلاتها إلا إذا كان الصف مكتملاً، ولو وقفت المرأة خلف المرأة نقول: لا تصح صلاتها، يجب أن تقف عن يمينها، ولو وقفت عن يسارها فسبق أن أشرنا أن وقوفها صحيح كما عليه جمهور أهل العلم لكن تركت السنة.
وهذا كما قلنا: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام أدار
قال المؤلف رحمه الله: [فإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صح].
يعني إذا كانوا ثلاثة فأكثر ووقفوا عن يمينه أو عن يمينه ويساره صح ذلك لكن تركوا الفضيلة، وسبق أن أشرت أنه كان في أول الإسلام إذا كانوا ثلاثة فإن أحدهما يقوم عن يمين الإمام، والآخر يقوم عن يسار الإمام، وذكرنا أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه صلى وجعل علقمة عن يمينه، والأسود عن يساره، لكن خفي عليه النسخ.
فالصواب: أن هذا كان في أول الإسلام ثم نسخ كما في حديث سعد رضي الله تعالى عنه الثابت في صحيح مسلم .
قال المؤلف رحمه الله: [فإن وقفوا قدامه أو عن يساره لم تصح].
هذا تكلمنا عليه، وقلنا: الصواب في هذه المسألة أن المأموم إذا وقف قدام الإمام أنها تصح عند العجز، عند الضرورة يصح كما في حال الزحام إلى آخره.
أو عن يساره لم تصح، أيضاً ذكرنا أن الصواب في هذه المسألة أنه إذا وقف المأموم عن يسار الإمام فإن الصلاة صحيحة كما عليه جمهور أهل العلم، لكن ترك الأفضل.
هذا على سبيل الاستحباب والفضيلة، ويجوز أن تتقدم المرأة كالرجال، لكن الأفضل أن تصلي في وسطهن، تكون إمامتهن وسطهن؛ لأن هذا وارد عن عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما بأسانيد صحيحة.
لو فرض أن هناك جماعةً عراةً سلبت ثيابهم ثم حضرت الصلاة فأرادوا أن يصلوا، فإن إمامهم يقوم وسطهم وجوباً؛ لأن هذا أستر عن النظر إلى العورة، إذ إن النظر إلى العورة محرم ولا يجوز؛ لقول الله عز وجل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] ، إذا كانوا عراةً الإمام يقوم في وسطهم وجوباً، أما بالنسبة لإمامة النساء فإنها تقوم في وسطهن استحباباً.
هذا إذا اجتمعوا دفعةً واحدة، أما إذا لم يجتمعوا دفعةً واحدة فإن من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به.
فنقول: من يلي الإمام؟
نقول: هذه المسألة لا تخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يسبق أحد إلى هذا المكان الفاضل، فمن سبق إليه فهو أحق به، وثبت في صحيح مسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل أخاه من مجلسه ) هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا إذا سبق الصبي إلى هذا المكان الفاضل نقول: هو أحق به، ومن سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ولا يقام؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يقيم الرجل أخاه من مجلسه ثم يقعد فيه، سبق الجاهل نقول: هو أحق به.
الحالة الثانية: أن يؤتوا دفعةً واحدة فهنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى )، أصحاب الأحلام يعني: البالغون العقلاء هم الذين يلون النبي صلى الله عليه وسلم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم الذين يلون الإمام، فإذا جاءوا دفعةً واحدة فإنه كما ذكر المؤلف رحمه الله نبدأ بالرجال البالغين، ثم الصبيان الذين لم يبلغوا، ثم بعد ذلك الخناثى؛ لأن الخنثى يحتمل أن يكون ذكراً، ثم بعد ذلك النساء؛ لما تقدم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها ).
تدرك الجماعة على ما ذهب إليه المؤلف بتكبيرة الإحرام، فإذا كبر قبل أن يسلم الإمام التسليمة الأولى قال: الله أكبر قبل أن يسلم الإمام التسليمة الأولى أدرك صلاة الجماعة، والعلة في ذلك قالوا: أنه أدرك جزءاً من الصلاة، فكما لو أدرك ركعةً من الصلاة.
والرأي الثاني: أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة، وهذا القول هو الصواب؛ ويدل له حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، نعم هذا هو الصواب في هذه المسألة.
وعلى هذا إذا جاء الشخص والإمام قد رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة فإن كان يظن أن أحداً سيأتي فإنه لا يدخل مع الإمام؛ لأن الجماعة قد فاتت وينتظر حتى يأتي أحد فيصلي معه، وإن كان يظن أنه لن يأتي أحد فإنه يدخل مع الإمام.
بم تدرك الركعة؟ يقول المؤلف رحمه الله: بأن الركعة تدرك بإدراك الركوع، فإذا أدركت الركوع مع الإمام، جئت وركعت مع الإمام فقد أدركت الركعة، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله.
واستدلوا على ذلك بحديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه، ( فإن
وقد ورد أيضاً في حديث أبي هريرة في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة ).
الرأي الثاني: ذهب إليه ابن حزم وغيره من أهل العلم قالوا: بأنه لا يدرك الركعة بإدراك الركوع، فلو أنه ركع مع الإمام فإنه لا يكون مدركاً للركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا )، فالنبي عليه الصلاة والسلام أمر بالقضاء، وهذا الرجل فاته ركن من أركان الصلاة، فيجب عليه أن يقضيه، فاتته قراءة الفاتحة والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) والقيام لها، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( وما فاتكم فاقضوا )، فإذا كان كذلك فإنه يجب عليه أن يقضي هذا الذي فاته، وحينئذ لا يكون مدركاً للركعة لأمره بقضاء ما فاته، ولما فاته هذا الركن فيجب عليه أن يقضيه، هذا ما احتج به من قال: بأنه لا يكون مدركاً للركعة بإدراك الركوع.
والصواب: ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله، هذا هو الصواب.
ويجاب عن هذا الاستدلال نقول: بأن هذا الاستدلال سقط قضاؤه؛ لأن قراءة الفاتحة وإن كانت ركناً سقطت بفوات محلها، نقول: فات محلها وهو القيام فسقطت.
وأيضاً: جواب آخر أن الشارع في قوله عليه الصلاة والسلام: ( وما فاتكم فاقضوا ) هذا عام خص منه ما إذا جاء وأدرك الركوع مع الإمام فإنه لا يجب عليه القضاء؛ لما ذكرنا من دليل جمهور أهل العلم رحمهم الله.
ومتى يكون مدركاً للركعة؟ قلنا: إذا أدرك الركوع، لكن متى يكون مدركاً للركوع مع الإمام؟
نقول: بأنه يكون مدركاً للركوع مع الإمام إذا اجتمع معه في الركوع المجزئ، إذا اجتمع مع الإمام في الركوع المجزئ فإنه يكون مدركاً للركوع، فإذا كان الإمام منحنياً بحيث إنه يسمى راكعاً، ثم انحنى المأموم واجتمع معه في الانحناء بحيث إن كلاً منهما يسمى راكعاً فإنه حينئذ يكون أدرك الركوع، فأدرك الركعة، حتى وإن لم يسبح فإنه يطمئن ويسبح، فالعبرة بوضع الإمام، فإذا كان الإمام لا يزال يسمى راكعاً، ثم جاء المأموم وانحنى بحيث كل منهما يسمى راكعاً، واجتمعا في ذلك لحظة حينئذ يكون المأموم قد أدرك الركوع، فأدرك الركعة.
وضابط الركوع المجزئ كما تقدم لنا في صفة الصلاة: أن يكون إلى الركوع أقرب منه إلى القيام، فإذا كان الإمام لا يزال يسمى راكعاً ثم ركع معه المأموم واجتمع معه كل منهما يسمى راكعاً في لحظة، فإنه حينئذ يكون قد أدرك الركوع، ولو أن الإمام تحرك، قد يكون الإمام انخفض شديداً ثم تحرك، ثم جاء المأموم وركع معه، فاجتمع في الانحناء الذي يسمى ركوعاً، فنقول: حينئذ المأموم قد أدرك الركوع.
وإذا شك المأموم هل أدرك أو لم يدرك؟
سلف لنا في سجود السهو إذا شك يعمل بغالب الظن، إن غلب على ظنه أنه أدرك يعمل بغالب الظن وأنه مدرك لهذه الركعة، إن غلب على ظنه أنه لم يدرك لا يحسب هذه الركعة، إذا شك ولم يترجح له شيء لا يحسب هذه الركعة، والسجود إن بنى على الأقل يسجد قبل السلام، وإن بنى على غالب الظن يسجد بعد السلام كما سلف لنا.
سيتكلم المؤلف رحمه الله عن صلاة المريض وصلاة المسافر وصلاة الخائف، وهذه يسميها العلماء رحمهم الله صلاة أهل الأعذار، فغير المؤلف يترجم بباب صلاة أهل الأعذار، ثم بعد ذلك يتكلم عن صلاة المريض، وصلاة المسافر، وصلاة الخائف.
المرض في اللغة: هو السقم.
وأما في الاصطلاح: فهو اعتلال الصحة.
والمريض تجب عليه الصلاة ما دام عقله باقياً كالصحيح تماماً، فالصلاة لا تسقط أبداً، ما دام أن العقل باق، المريض لصلاته أحوال:
الحالة الأولى: أن يصلي قائماً؛ لأن هذا هو الأصل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعمران بن حصين رضي الله تعالى عنه: ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ).
نقول: يجب على المريض أن يصلي قائماً، ولو كان معتمداً على عصا، أو كان متكئاً، أو كان مستنداً إلى آخره، فنقول: الأصل أنه يجب عليه أن يصلي قائماً ما دام أنه يستطيع لذلك، هذه الحالة الأولى.
ثم بعد ذلك ينتقل للحالة الثانية ( فإن لم تستطع فجالساً )، ما المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: ( فإن لم تستطع )؟
نقول: يراد بها أمران:
الأمر الأول: ألا يستطيع بالكلية، يعجز بالكلية.
الأمر الثاني: أن تلحقه مشقة ظاهرة يستطيع أن يصلي قائماً لكن مع المشقة الظاهرة، بحيث إنه يصحبه من القلق والتعب ما يود أن يجلس، فنقول هنا: يصلي جالساً.
نقول: ينتقل إلى الحالة الثانية وهي أن يصلي جالساً في حالتين:
الحالة الأولى: ألا يستطيع أن يصلي قائماً، فنقول: صل جالساً.
الحالة الثانية: أن يستطيع أن يصلي قائماً لكن تلحقه مشقة ظاهرة، بحيث يلحقه القلق والتعب، وقد يلحقه زيادة مرض… إلى آخره ما يرغب أن يصلي جالساً، فنقول هنا في هذه الحالة: صل جالساً.
الحالة الثالثة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن لم تستطع فقاعداً ) يصلي جالساً، وكيف يصلي جالساً؟ نقول: يصلي جالساً في حال القيام يتربع، والتربع هو أن يجلس على إليتيه ويرد ساقه الأيمن إلى فخذه الأيمن، وساقه الأيسر إلى فخذه الأيسر، وأما بالنسبة ليديه فيضعهما على صدره كحال القيام تماماً، ويومئ بالركوع.
السجود يسجد سجوداً تاماً إذا كان يستطيع، وإذا كان لا يستطيع السجود فإنه يومئ بالركوع والسجود ويكون سجوده أخفض من ركوعه.
في حال القيام كما ذكرنا يصلي متربعاً؛ لما في النسائي : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى من الليل متربعاً ). وهذا وإن كان في إسناده شيء إلا أن أهل العلم رحمهم الله استدلوا به.
في غير حال القيام يجلس، وفي حال الافتراش يعني كالصلاة العادية في حال الافتراش في الجلسة بين السجدتين يفترش، في التشهد الأخير في حال التورك يتورك، في حال الافتراش يفترش.
المهم في غير حال القيام يصلي كهيئة الصلاة العادية فيفترش في مواضع الافتراش، ويتورك في مواضع التورك، هذه الحالة الثانية.
ثم بعد ذلك الحالة الثالثة قال: ( فإن لم تستطع فعلى جنبك )، يصلي على جنب كما قلنا: ينتقل إلى الجلوس إذا لم يستطع أو إلى الصلاة على الجنب، ينتقل من الجلوس إلى الصلاة على الجنب في حالتين:
الحالة الأولى: إذا لم يستطع.
والحالة الثانية: إذا لحقته مشقة ظاهرة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر