( عن
الشرح:
تقدم حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها، وذكرنا ما فيه من أحكام وفوائد، وفيه أيضاً: أن البركة بامتثال هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن فاطمة رضي الله تعالى عنها في أول الأمر كانت كارهة لـأسامة لكنها في امتثال الأمر تقول: اغتبطت به، يعني: حصلت لها الغبطة في أسامة رضي الله تعالى عنه.
فالمسلم إذا تبينت له سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع في حقه أن يأخذ بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، حتى وإن كانت في الظاهر خلاف مصلحته، لكن ما دام أن هذه هي السنة فخذ بالسنة، فإذا أخذت بذلك وعلم الله منك صدق النية فإن الله سبحانه وتعالى سيكتب لك الخير والبركة.
العدة مأخوذة من العدد؛ لأن أزمنة العدة محصورة.
وفي الاصطلاح: هي تربص محدود شرعاً بسبب فرقة نكاح وما ألحق به.
والعدة واجبة وهي من محاسن الإسلام؛ ويدل على وجوبها قول الله عز وجل: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] هذا خبر بمعنى الأمر، يعني: ليتربصن.
وأما السنة فكما سيأتينا إن شاء الله في الأحاديث، والإجماع منعقد على ذلك.
فمن حكمها: القيام بحق الله عز وجل، فهو امتثال أمر الله وامتثال أمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: القيام بحق المرأة؛ لأن المرأة ستحصل لها النفقة والكسوة والسكنى في مدة العدة.
ومنها: القيام بحق الزوج، وإظهار أثر فقده.
ومنها: تعظيم خطر النكاح.
ومنها: القيام بحق الولد؛ لئلا يحصل اختلاط المياه واشتباه الأنساب ونحو ذلك.
ومنها: تطويل زمن الرجعة؛ لأن الزوج قد يطلق زوجته، فإذا كان هناك عدة فإنه يتمكن من المراجعة.
قال: [ ( فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل, فلم تنشب -يعني: تمكث طويلاً- أن وضعت حملها بعد وفاته, فلما تعلت من نفاسها -يعني: طهرت من دمها- تجملت للخطاب, فدخل عليها
هذا الحديث تضمن فوائد: منها: وجوب العدة عن المتوفى عنها زوجها، والمتوفى عنها زوجها كما قال أبو السنابل بن بعكك : عدتها أربعة أشهر وعشر، وهذا هو الأصل، لكن يستثنى من ذلك ما إذا كانت حاملاً، فإذا كانت حاملاً فإن العلماء يقولون: الحامل أم العدد تقضي على كل عدة، قضت على عدة الوفاة، وآكد العدد عدة الوفاة؛ والعلماء يقولون: عدة الوفاة تعبدية تجب حتى على المرأة، لو عقد على صغيرة لها سنة واحدة ثم توفي عنها زوجها يجب أن تعتد وهي صغيرة، لكن لو طلقت فلا يجب عليها العدة، لكن لعدة الوفاة تجب العدة، ومع ذلك الحامل قضت على عدة الوفاة؛ لقول الله عز وجل: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4] وقصة سبيعة رضي الله تعالى عنها هذه: وأن الأصل أن المتوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرا؛ لقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، وفيه أيضاً: أن الحامل عدتها بوضع الحمل حتى ولو كانت متوفى ًعنها زوجها. وأما إن كانت غير حامل فكما ذكرنا أن عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام.
وفيه أيضاً: أن الإحداد هو زمن العدة؛ ولهذا سبيعة رضي الله تعالى عنها لما تعلت من نفاسها تجملت، والمرأة الحادة ممنوعة من كل شيء يدعو إلى نكاحها، فتجملت مما يدل على أن الإحداد إنما يكون في زمن العدة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الصحابي قد يجهل الحكم.
وأيضاً من فوائده: أن المرأة قد تفضل الرجل بالعلم، كما حصل من سبيعة مع أبي السنابل .
وفيه أيضاً: الرجوع إلى أهل العلم عند الاختلاف والاشتباه؛ لأن سبيعة لما قال لها أبو السنابل ذلك جمعت عليها ثيابها وذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقولها: (حين أمسيت)، فيه: أن المرأة ينبغي أن تخرج في الأوقات التي لا يظن خروج الرجال فيها؛ لقولها: (حين أمسيت)؛ لأن أمر المرأة مبني على الستر والصيانة والحياء.
الشرح:
الإحداد في اللغة: المنع.
وفي الاصطلاح: هو منع المتوفى عنها زوجها مدة العدة من كل ما يحسنها ويدعو إلى نكاحها.
وفي هذا الحديث: دليل على وجوب الإحداد؛ لقوله: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث )، فالأصل أنها ممنوعة من الإحداد فوق ثلاث إلا على زوج، وهذا يدل على أنه واجب؛ لأنه مستثنى من الأصل وهو المنع.
وقوله: (فوق ثلاث) فيه: أن الإحداد ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الإحداد على الزوج، وهذا مدته أربعة أشهرٍ وعشرة أيام.
القسم الثاني: الإحداد على غير الزوج، كما لو توفي للإنسان قريب من أب أو أم أو أخ ونحو ذلك، فهذا لا بأس أن يحد عليه، ويحد عليه ثلاثة أيام، ولا بأس أن يترك مثلاً ما اعتاده من الخروج للناس، والخروج للتجارات، والنزهة، ونحو ذلك، والتبسط في بعض المباحات، لا بأس أن يترك هذه الأشياء مدة ثلاثة أيام، ولا يزيد على ذلك؛ لفعل أم حبيبة رضي الله تعالى عنها.
وأم حبيبة حميمها المقصود به أبوها، توفي أبو سفيان رضي الله تعالى عنه.
والحكمة من الإحداد وتقييد الشارع لها بأربعة أشهر وعشر؛ لأن الغالب في مثل هذه المدة أنه يتبين الجنين؛ لأن الجنين تنفخ فيه الروح بعد مائة وعشرين يوماً، وعشرة أيام هذه زيادة للاحتياط، فالغالب أنه يتبين في مثل هذه الأيام والأشهر: هل نفخت فيه الروح أو لم تنفخ فيه الروح؟ والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر