وقد أكثر العلماء قديماً وحديثاً من الكتابة حول مناسك الحج، وبينوا ماذا يفعل الحاج في هذه المشاعر، ولا شك أن فيها شيئاً من الاختلاف بين العلماء، ولكن لكل اجتهاده، وأصح الأقوال ما وافق الدليل، والأدلة واضحة، والسنة محفوظة قولاً وفعلاً، والاختلافات التي وقعت بين الصحابة ومن بعدهم فيها مجال للاجتهاد.
فمن الاختلافات: الاختلاف في أي الأنساك أفضل؟
فالإمام أحمد يختار أن أفضل الأنساك التمتع؛ لأنه آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم.
والإمام مالك يختار القران.
والشافعي يختار الإفراد، وفي رواية عنه القران.
وسبب ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا، فـابن عباس يرى التمتع ويلزم الحاج به، حتى إنه يقول: من طاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، فقد حل شاء أم أبى، فهو يوجب التمتع، حتى على من أحرم مفرداً،
ويسمى هذا فسخ الحج إلى العمرة، واختلفوا في حكمه: هل يجوز إذا أحرم بحج أن يفسخه ويجعله عمرة؟
في ذلك خلاف كبير، وسبب ذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر سبعة عشر صحابياً بالتحلل وقد كانوا مفردين، حيث لم يكن معهم هدي، وامتنع الذين معهم الهدي أن يتحللوا، فلذلك رجح بعض العلماء الفسخ، بل بعضهم يلزم به، ومنهم ابن القيم في زاد المعاد، فإنه لما ساق الأحاديث التي في الأمر بالفسخ قال: ليس لأحد عذر في تركها؛ فإنها صريحة في الأمر بالفسخ، ومع ذلك فالمسألة محتملة للأقوال، وذلك لأن أكابر الصحابة كـأبي بكر وعمر وعثمان كانوا يلزمون الناس بالإفراد، وكان عمر ينهى عن التمتع، ويأمرهم بأن يعتمروا في سفر مستقل؛ خوفاً من تعطل الحرم من الطائفين، هكذا اعتذروا عنه؛ فإنه لا يخفى عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يتحللوا،ولكن مع ذلك يقول: إذا أمرناهم بالعمرة في هذا السفر سافروا سفراً واحداً، وقضوا فيه حجاً وعمرة، واكتفوا بهذا السفر عن سفر آخر للعمرة، وتعطل البيت بقية السنة، فإذا منعوا فإنهم يقتصرون على الحج في سفرتهم، ويأتي بعضهم في شهر صفر للعمرة، وبعضهم في شهر ربيع، وبعضهم في جمادى، وبعضهم في رجب، وبعضهم في رمضان، فيبقى البيت الحرام معموراً بالزوار، هذا عذره.
ولكن إذا ثبت الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مقدم على قول كل أحد، فـابن عباس رضي الله عنهما يرى أن من أتى البيت فطاف به وسعى فقد حل، ولو لم ينوِ التحلل، فاحتجوا عليه بأن أبا بكر وعمر ينهون عن التمتع، وينهون عن العمرة مع الحج، فاشتهر عنه أنه قال: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء! أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر !) بمعنى: أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة على قول كل أحد.
وهناك خلافات أخرى في كثير من المناسك، ولكن إذا اتضح الدليل فالمسلم يتبع الدليل مع من كان، ولا يتعصب لمذهب من المذاهب.
أركان الحج أربعة: إحرام، ووقوف، وطواف، وسعي.
وواجباته سبعة: إحرام مار على ميقات منه، ووقوف إلى الليل إن وقف نهاراً، ومبيت بمزدلفة إلى بعد نصفه إن وافاها قبله، وبمنى لياليها، والرمي مرتباً، وحلق أو تقصير، وطواف وداع.
وأركان العمرة ثلاثة: إحرام، وطواف، وسعي.
وواجبها اثنان: الإحرام من الحل، والحلق أو التقصير.
ومن فاته الوقوف فاته الحج وتحلل بعمرة، وهي إن لم يكن اشترط، ومن منع البيت أهدى ثم حل، فإن فقده صام عشرة أيام، ومن صد عن عرفة تحلل بعمرة ولا دم.
فصل: والأضحية سنة يكره تركها لقادر، ووقت الذبح بعد صلاة عيد أو قدرها إلى آخر ثاني التشريق، ولا يعطى جازر أجرته منها، ولا يباع جلدها ولا شيء منها، بل ينتفع به.
وأفضل هدي وأضحية إبل، ثم بقر، ثم غنم، ولا يجزئ إلا جذع ضأن أو ثني غيره، فثني إبل ما له خمس سنين، وبقر سنتان، وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة، ولا تجزئ هزيلة، وبينة عور أو عرج، ولا ذاهبة الثنايا أو أكثر أذنها أو قرنها.
والسنة نحر إبل قائمة معقولة يدها اليسرى، وذبح غيرها، ويقول: (باسم الله، اللهم هذا منك ولك). وسن أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثاً مطلقاً، والحلق بعدها، وإن أكلها إلا أوقية جاز، وحرم على مريدها أخذ شيء من شعره وظفره وبشرته في العشر.
وتسن العقيقة، وهي عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، تذبح يوم السابع، فإن فات ففي أربعة عشر، فإن فات ففي إحدى وعشرين، ثم لا تعتبر الأسابيع، وحكمها كأضحية].
هكذا لخص الفقهاء باب الحج، وقسموه إلى ثلاثة أقسام: أركان، وواجبات، وسنن.
الأركان جمع ركن، وركن الشيء: جانبه الأقوى الذي لا يتم إلا به، أو ركن الشيء جزء ماهيته -أي: البعض منه- وباجتماع الأركان تتم الماهية، وأركان الحج أربعة: الإحرام، والوقوف، والطواف، والسعي.
وقد تقدم جواز الإحرام قبل أن يأتي الميقات، وذكرنا أنه إذا أحرم بالحج قبل أن تدخل أشهره -كما لو أحرم في آخر رمضان بالحج، وبقي محرماً إلى يوم النحر- فإن ذلك جائز مع الكراهة.
والصحيح أنه ينعقد الإحرام قبل الميقات، وقد روي أن عبد الله بن معمر لما انتصر المسلمون في وقعة نهاوند نذر أن يحرم منها إلى مكة، فعقد الإحرام من خراسان، وجاء محرماً مسيرة أكثر من شهر، إلى أن حل إحرامه بالعمرة بعدما تحلل، وكان ذلك في عهد عثمان ، ولكن عثمان لامه لأنه شق على نفسه، وغيره كثير من الذين أحرموا قبل الميقات بمدة، وقد تقدم قول بعضهم: يحرم من دويرة أهله إن كان دون الميقات، لكن قد روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] قال: (إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك) وظاهره أنه يحرم من حين يخرج من بيته مسافراً، ولكن ابن عباس ومن قال بهذا أرادوا أن تنشئ لهما سفراً، وأن يكون سفرك من بيتك إلى الحرم لأجل الحج أو لأجل العمرة، فهذا هو الذي يكون أجره كاملاً، وأما الذي يسافر لغرض ثم يعتمر في طريقه، فهو وإن كانت عمرته مجزئة لكنها أنقص أجراً ممن لم يسافر إلا للعمرة، فالذين يسافرون لغرض كتجارة أو زيارة أو احتفال، أو لحضور مناسبة في مكة أو في جدة أو في الطائف، ثم يقولون: إذا وصلنا ذلك المكان نأخذ عمرة، نقول: عمرتهم مجزئة؛ ولكن ليست مثل عمرة الذي ما حمله على السفر إلا أداء العمرة، فهذا عمرته أكثر أجراً.
وأما طواف القدوم فإنه سنة في حق المفرد والقارن، فيسن لهما إذا قدما، وذلك الطواف يعتبر تحية المسجد أو تحية مكة.
اختار الإمام أحمد في المشهور عنه أنه ركن، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلمِ: (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي) (كتبه) يعني: فرضه، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الذين قالوا: إنه واجب: إن الله تعالى نفى الجناح عمن لم يفعله، ونفي الجناح لا يدل على الركنية، وذلك في قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158] وقد استشكل هذه الآية عروة رحمه الله، فقال لـعائشة : ما أرى السعي واجباً؛ لأن الله قال: (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ) أي: فلا حرج عليه إذا تطوف بينهما، فكأن التقدير: لا حرج عليك إذا تطوفت، فلم يكن فيها أمر بالتطوف، وأجابت عائشة بقولها: لو كان ذلك كذلك لقال: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما.
وأيضاً استدل على الركنية بأن الله تعالى جعل الصفا والمروة من شعائر الله، والشعائر هي المعالم التي لها أعمال، أي: التي لها أعمال تختص بها، فكل مشعر من المشاعر له عبادة تخصه، فإن المشاعر والشعائر تنقسم إلى أقسام، فنقول -مثلاً-: عرفة مشعر من مشاعر الحج، ولكنه ليس بحرم، ومنى ومزدلفة مشعران وحرمان، ووادي محسر حرم وليس بمشعر، وادي عُرَنَةَ ليس حرماً ولا مشعراً، فهذه المشاعر لكل مشعر منها عبادة، فمشعر عرفة له عبادة، ومشعر مزدلفة له عبادة، ومشعر منى له عبادة، فكذلك مشعر الصفا والمروة لها عبادة، وعبادتها السعي بينهما.
والحكمة في السعي إحياء ما فعلته أم إسماعيل، فإنها لما نفد عليها الماء رقت على الصفا ونظرت، ثم سعت ووصلت إلى المروة، ثم نظرت.. وهكذا حتى تمت سبعة أشواط، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فلأجل ذلك شرع السعي بينهما سبعة أشواط) .
وأما نفي الحرج في الآية فسببه: أن المشركين كانوا قد جعلوا صنمين على الصفا والمروة، صنم على الصفا يقال له: إساف، وعلى المروة صنم يقال لها: نائلة، فكانوا يطوفون ويتمسحون بهذين الصنمين، فلما أسلم المسلمون ظنوا أن الطواف بهما كان لأجل هذين الصنمين، فبين الله أنهما مشعران، والمشعر لابد له من عبادة، فعبادتهما هو هذا السعي، وهو عبادة لما فيه من الامتثال، ولما فيه من هذا التعب ونحوه.
هذه أدلة من يرى أن السعي ركن.
ومن يقول: السعي واجب يستدل بأن الله تعالى رفع الحرج بقوله: (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) ويقول: هذا لا يدل على الركنية، وإنما يدل على الوجوب، وهذا رواية عن الإمام أحمد، وهو أنه واجب من الواجبات التي تجبر بدم.
ونحن نفتي من أحرم فنقول: يجب عليك ويلزمك أن تسعى، ثم إذا قدر أنه ترك السعي عجزاً أو ترك بعضه، ثم تحلل وخرج، وصعب عليه الرجوع، وفعل المحظورات؛ تساهلنا معه، وأفتيناه بأن السعي واجب، يجبر بدم؛ لمشقة الرجوع.
كثيراً ما ترد أسئلة، فيها أن أناساً سعى بعضهم أربعة أشواط ثم عجز وتحلل، أو سعى ثلاثة أشواط أو خمسة أشواط ثم عجز وتحلل ورجع إلى أهله، فمثل هذا نقول: إنه قد ألغى إحرامه، وقد فعل المحظورات، ولبس المخيط وتطيب، ووطئ أهله، وفعل كل المحظورات، فكيف نلزمه مع ذلك ونقول: ارجع لأجل أن تكمل عمرتك، وعليك فدية عن اللبس وتغطية الرأس وعن الطيب والتقليم وما أشبه ذلك؟! في ذلك شيء من المشقة، وكثيراً ما يحصل أنه يتزوج بعدما يرجع، أو تتزوج المرأة بعد أن ترجع، وربما ولد لهما أولاد، فلو قلنا: هذا عقد باطل، والأولاد ليسوا على ولادة صحيحة، ففي ذلك شيء من المشقة، فلذلك نتساهل ونقول لمن تساهل وترك السعي: اجعله كأنه من الواجبات التي تجبر بدم، وأما قبل أن يقع فإننا نلزمه بإتمامه.
الواجب الأول: الإحرام من الميقات.
إذا مر على الميقات وجب عليه أن يحرم منه، فإذا جاوز الميقات وأحرم بعدما جاوزه فعليه دم؛ لأنه ترك الإحرام من الميقات.
وكثيراً ما يقع السؤال عن الذين يذهبون إلى جدة، ثم يحرمون منها، فهؤلاء عليهم دم؛ حيث إنهم تجاوزوا الميقات، سواء كان سفرهم براً أو جواً، فيلزمهم أن يحرموا من الميقات، فيحرم -مثلاً- في الطائرة من الميقات، ولو تقدمه بخمس أو عشر دقائق جاز، ويحرم من كان في سيارة إذا مر بالميقات، وإذا قدر أنه تجاوز الميقات ووصل إلى جدة، ثم أراد أن يحرم؛ لزمه أن يرجع حتى يحرم من الميقات، فمن لم يرجع وأحرم بعدما جاوز الميقات فعليه دم، ولا يفيده رجوعه بعد الإحرام، فلو وصل -مثلاً- إلى الزيمة، ثم أحرم منها، ورجع بعد ما أحرم إلى السيل ما سقط عنه الدم، أما إذا رجع قبل أن يحرم فإن عليه أن يحرم من الميقات ولا دم عليه، وهكذا إذا وصلوا إلى جدة عن طريق الجو ولم يحرموا، نقول لهم: ارجعوا إلى الميقات، وإن أحرمتم من جدة فعليكم الدم لمجاوزة الميقات.
قال الفقهاء: إن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة نهاراً، ولم يدفع حتى غربت الشمس، فجمع فيها بين نهار وليل، فالذي ينصرف قبل أن تغرب الشمس يكون قد خالف السنة، وترك واجباً، فعليه دم عن تعجله، فإذا وصل إلى عرفة -مثلاً- وقت الضحى، ثم لما وصل إليها قام فيها، ولما صلى العصر خرج منها، نقول: إن رجع في الليل -يعني: بعدما غربت الشمس- إلى عرفة، وهكذا إذا جاء عرفة في النهار من مكة قبل أن تغرب الشمس فلا شيء عليه، وأما إذا استمر في ذهابه ولم يرجع فإن عليه دم جبران، أما من لم يأت عرفة إلا في الليل فلا شيء عليه؛ لحديث عروة بن مضرس .
وهذه مسألة من المسائل الاجتهادية، وينبغي الاقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
إذا جاء الحاج إلى مزدلفة قبل نصف الليل فليس له أن ينفر منها إلا بعد انتصاف الليل، فمن نفر منها قبل نصف الليل فعليه دم جبران، وأما إذا لم يأتها إلا بعد نصف الليل فلا شيء عليه، وقد ذكرنا أنه يرخص للظعن والضعفة، ولكن الرخصة إنما كانت في آخر الليل، فكان الظعن والضعفة ينفرون إذا غاب القمر، والقمر في تلك الليلة -التي هي ليلة العاشر- لا يغيب إلا قرب آخر الليل، حين يبقى ربع الليل أو أقل فيغيب، فهذا هو الذي رخص له.
وقد ذكرنا أن الرخصة ليست عامة، وإنما هي للضعفة، والناس قد تساهلوا في المبيت بمزدلفة في هذه الأزمنة.
ليلة إحدى عشرة، وليلة اثنتا عشرة لمن تعجل، وليلة ثلاثة عشر لمن لم يتعجل، والمبيت بمنى هو البقاء بها طوال الليل، وهذا هو الأصل، وبعض العلماء يرخص في الاكتفاء بمبيت نصف الليل، فنرى كثيراً من الحجاج في أول الليل يفرشون لهم سجاداً على الرصيف، ويجلسون يتحدثون، ثم إذا مكثوا خمس ساعات أو أربع ساعات ركبوا سياراتهم ودخلوا مكة، وهم مستقرون هناك، فنقول: هؤلاء ما باتوا، وأصل المبيت هو النوم ليلاً، وقد يتعللون أنهم لا يجدون مكاناً في منى، وأن منى امتلأت، والجواب أن نقول لهم: اضربوا خيامكم في أقرب مكان تجدوه، سواء من جهة مكة أو من جهة مزدلفة، ولكم رخصة في ذلك، حيث إنكم فعلتم ما استطعتم، فأما أن تستأجروا شققاً أو فللاً، وتقيمون فيها نهاركم كله، وتأتون في الليل أربع ساعات أو نحوها، ثم ترجعون فيها بقية نهاركم وبقية ليلكم؛ فما أنصفتم، هذه الأيام اسمها: أيام منى، يجلس الحجاج فيها في منى ليلهم ونهارهم؛ لأنهم في هذا المشعر، فهو مشعر من المشاعر يعمر بالذكر والتلبية قبل التحلل وبعده، كما يعمر برمي الجمار والأذكار ونحوها، فكونهم يرجعون إلى مساكنهم إذا كانوا من أهل مكة، أو إلى أماكن استأجروها وكانوا من الآفاقيين؛ فهذا فيه تساهل، ونحن نفتي هؤلاء بأنهم أخطئوا، ولكن نتسامح معهم، فلا نوجب عليهم فدية.
وقد ذكرنا أنه من السنن المأثورة عن إبراهيم وإسماعيل وأم إسماعيل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وقال: (خذوا عني مناسككم) .
وترتيبه: أن يبدأ بالصغرى التي تلي مسجد الخيف، ثم بالوسطى، ثم بجمرة العقبة، ويجب أن يرمي كل واحدة منها بسبع حصيات، وأن تكون السبع متعاقبات، فلا يرميها دفعة واحدة، فلو رماها دفعة واحدة كانت عن رمية واحدة فقط، ولابد أن تكون متعاقبة.
وقت الرمي في يوم العيد النهار كله، وآخر ليلة العيد للظعن، والرمي في الليل ترخص فيه بعض المشايخ نظراً للزحام، وأما في أيام التشريق فاليوم الحادي عشر من الزوال إلى الغروب، ورخص بعض مشايخنا -أيضاً- في الرمي ليلاً، وفي اليوم الثاني عشر من تعجل يرمي قبل أن تغرب الشمس حتى يخرج إذا كان متعجلاً، وأما إذا لم يكن متعجلاً فرخصوا له أن يرمي في الليل، وأما في اليوم الثالث عشر فلا يمتد الرمي إلى ليلة أربعة عشر، بل ينتهي بغروب الشمس في اليوم الثالث عشر.
وقد ذكرنا أن الحلق أفضل، وأن التقصير مجزئ، ولكن لابد أن يعم الرأس، فيدور عليه كله، وإن لم يأخذ من كل شعرة.
هذه الواجبات التي من ترك واجباً منها فعليه دم.
وواجباتها اثنان: الإحرام من الميقات، والحلق أو التقصير.
الإحرام من الميقات للآفاقي كالإحرام من الحج، أو الإحرام من محل إقامته إذا كان خارج حدود الحرم، وأما أهل مكة فإن إحرامهم بالعمرة من خارج حدود الحرم، والدليل أنه صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن أن يخرج بـعائشة إلى التنعيم، وهي خارج حدود الحرم؛ فدل على أنه لا يجوز الإحرام بالعمرة من داخل الحدود، ولو كان يجوز لقال: أحرمي من مكانك في الأبطح.
مع العلم بأن أهل مكة ليس عليهم عمرة؛ وذلك لأن العمرة تسمى عمرة لما فيها من الزيارة، وكأنهم سموها عمرة لأنهم يعمرون بها البيت والمشاعر، وقيل: الاعتمار هو السفر. فالعمرة زيارة إلى مكة لأداء أعمال مخصوصة، ولذلك تصح في كل السنة، وأما الحج فلا يصح إلا في أشهر الحج كما تقدم، وأهل مكة لا يحتاجون إلى سفر حتى يقال: سافروا للحج؛ لأنهم في مكة.
ويقول ابن عباس : (عمرتكم الطواف) أي: أنكم قريبون من البيت فاعمروه بالطواف.
ومن جاء إلى مكة بعدما طلع الفجر يوم العيد فاته الوقوف، وتحلل بعمرة، وأهدى إن لم يكن اشترط، وأقل الهدي شاة يذبحها لمساكين الحرم، أما إذا كان قد اشترط بقوله: (فمحلي حيث حبستني). فإنه يتحلل بعمرة بدون هدي.
ومن منع البيت أهدى ثم حل، كما فعل الصحابة لما منعهم المشركون بالحديبية، وفي ذلك يقول الله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] والمحصر: هو الممنوع الذي منع من دخول مكة، فإذا أحرم ثم منع من دخول مكة فماذا يفعل؟
يذبح هدياً، ثم يتحلل، فإن فقده صام عشرة أيام ثم تحلل.
فمثل هؤلاء عليهم أن يشترطوا عند الإحرام بأن يقولوا: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني؛ لأن هذا حابس، وهو منعهم من العمرة بدون تصريح وبدون إذن من كفلائهم، فإذا اشترطوا تحللوا، فأما إذا لم يشترطوا فلا يجوز لهم التحلل إلا بعد الذبح، فيذبح أحدهم فدية ويتحلل، فإذا لم يجد بقي محرماً إلى أن يصوم عشرة أيام ثم يتحلل؛ لأن الله جعل صيام عشرة أيام قائماً مقام الهدي، والله جعل على المحصر هدياً: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] فالإحصار هو منعهم من دخول مكة.
وبعضهم يأتي بحيلة فيحرم بثيابه، فيجوز الإحرام بالثياب، ولكن عليه فديتان: فدية عن تغطية الرأس، وفدية عن لبس المخيط، فالفدية هي صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين عن تغطية الرأس، وإطعام ستة مساكين عن لبس المخيط، وإذا كشف رأسه ولم يغطه فليس عليه إلا فدية واحدة.
فهذا قد يفعله بعض المحرمين الذين يأتون على سياراتهم محرمين، ويحبون أن يدخلوا بها مكة، فإذا أحرم أحدهم ورآه المرور محرماً أوقفه في مواقف الحج، وقالوا له: استأجر وادخل، فإذا رأوه غير محرم ظنوه من أهل مكة وسمحوا له بالدخول، فإذا أحرم بثيابه العادية سمحوا له بالدخول، والإحرام بالثياب ينعقد؛ لأن الإحرام هو النية.
وكثيراً ما نسمع أن كثيراً من العساكر يقول: إنني دائماً أحضر المشاعر، ولي عشر سنين أو خمس عشرة سنة وأنا أحضر، ولم أقدر على الحج، يمنعني رئيسي أن أحج، فنقول له: هل تقف في المشاعر؟ يقول: نعم، نقف معهم في منى يوم التروية، ونذهب معهم إلى عرفة، ونقف في عرفة إلى أن تغرب الشمس، ونسير مع من يسير من عرفة إلى مزدلفة، وننظم السير، ونبيت -أيضاً- بمزدلفة، ثم ننتقل إلى منى، ونقيم فيها أيام منى ننظم الناس.
فنقول لهم: أنتم قد وقفتم في المشاعر، فما عليكم إلا أن تؤدوا الحج، يبقى عليكم الطواف والرمي ووقته واسع، فيمكنكم أن ترموا في الليل إذا هجعت الطلبات، تأخذ حصى وتذهب ترمي الجمرات، والطواف لو أخرته أسبوعاً أو عشرة أيام فلا بأس، فتستطيع أن تطوف بعد ذلك وتسعى.
إذاً: فلا حرج عليك أن تحج وأنت بثيابك.
إذا أحرم بالحج ولكن صد عن عرفة إما بمرض حصل له، أو بحادث حصل له، تحلل بعمرة ولا دم عليه، يعني: يطوف ويسعى، ثم يتحلل.
النوع الأول: الهدي الذي ذكر في قول الله تعالى: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ [الفتح:25] ، وفي قوله تعالى: لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ [المائدة:2] ، وفي قوله: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [المائدة:97] والهدي كان معمولاً به قبل الإسلام، وكان أهل الجاهلية يهدون إلى البيت، فكان أحدهم إذا توجه إلى البيت قطع من ماشيته قطيعاً من الغنم أو من الإبل أو نحوها، وجعل في رقابها قلائد حتى لا يتعرض لها، وساقها ولم يركبها احتراماً لها، فإذا أتى إلى البيت وكمل نسكه نحرها. والنبي صلى الله عليه وسلم أهدى هدياً في عمرة الحديبية، وأهدى هدياً في عمرة القضاء، وأرسل مع أبي بكر هدياً، وأهدى لما حج حجة الوداع سبعين بدنة من المدينة، وثلاثين جاء بها علي من اليمن، فتمت مائة بدنة، وأهدى معه بعض الصحابة، وذكر الله تعالى الهدي بقوله: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:36-37].
وهل على الحاج أضحية؟
ذكر بعض العلماء أنه ليس عليه أضحية، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي كل سنة لما كان في المدينة، وفي الحديث أنه: (ضحى بكبشين)، ولكن لما حج اكتفى بنحر الهدي عن الأضحية، وأطلقت عائشة على دم التمتع أنه أضحية، فقالت: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر، وقالت: دخل علينا بلحم بقر) فقالوا: ضحى عن نسائه بالبقر، ولكن اسم الأضحية خاص بالنسيكة التي تذبح بمناسبة عيد النحر، وتذبح في القرى وفي المدن وفي البوادي وفي سائر الأماكن، يذبحها كل من عنده قدرة ومن تيسرت له.
أما منتهاه ففيه خلاف، والمشهور عند أكثر فقهاء الحنابلة أنه يومين من أيام التشريق، وأثر عن الإمام أحمد أنه قال: أيام الذبح ثلاثة عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: أيام التشريق كلها ذبح، أي: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، فإذا غابت الشمس في اليوم الرابع عشر خرج وقت نحر وذبح الأضاحي.
ورد ذلك في حديث علي في الهدي، يقول: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على إبله وأن أقسم لحومها وجلودها وجلالها على المساكين، وألا أعطي الجزار شيئاً منها، وقال: نحن نعطيه من عندنا) الجزار يذبح ويسلخ ويقطع اللحوم ونحو ذلك، ويحتاج إلى أجرة إن لم يوجد متبرع، فلذلك يعطى أجرته من غيرها، وإذا أعطي منها فإن ذلك يعتبر صدقة، ولا يجوز بيع شيء من أجزائها، بل يتصدق بها أو تؤكل، وجلدها يجوز الانتفاع به أو التصدق به ولا يجوز بيعه، وإذا تصدق به على المساكين وباعوه جاز ذلك.
الذي يجزئ من الضأن هو الجذع الذي تم له ستة أشهر، فإذا تم للضأن ستة أشهر أجزأ عن الأضحية، وكذلك عن الفدية ونحوها، وأما غيره فلابد أن يكون ثنياً، والثني من المعز: هو الذي تم له سنة؛ لأنها تنبت ثنيته من الأسفل، والثني من البقر: هو الذي تم له سنتان، إذا فتحت فمها وجدتها قد نبتت لها ثنيتان طويلتان بدل الأسنان الصغيرة، والثني من الإبل ما تم له خمس سنين، ما تنبت الثنايا في الإبل إلا إذا تمت له خمس سنوات.
الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته، كانوا من قبل يذبحون شاة عن الرجل وعن أهل بيته، ولو كانوا كثيراً، ولكن الأصل أنه هو الذي ينفق عليهم، ولو كان بعضهم قد بلغ أشده، فلما كان عاقلهم كان هو الذي يدفعها.
وإذا كان صاحب البيت سوف يذبح أضحية، ويجعلها عنه وعن أهل بيته، عن زوجتيه -مثلاً- وبناته وعن أبنائه ولو كان بعضهم ابن أربعين سنة أو خمسين أو عشرين؛ فمن الذي يتوقف عن أخذ الشعر؟
الذي يتوقف هو الرجل المالك الذي يدفع الدراهم.
والبدنة والبقرة تجزئ كل واحدة منهما عن سبعة.
والإنسان إذا ضحى بشاة جاز أن يشرك فيها أبويه أو بعض أقاربه، فيقول: اللهم تقبل عني وعن أبوي. فهل يجوز أن يجعل سبع البقرة أو سبع البدنة عنه وعن أبويه؟
يجوز على الصحيح؛ لأن البدنة تجوز عن سبع شياه، وقد يكون السبع من الإبل أو البقر أكثر من لحم الشاة.
ولا العرجاء التي لا تطيق المشي مع الصحاح، سواء كان في يدها العيب أو في رجلها.
ولا التي ذهبت ثناياها من أصلها، وعادة أن البهيمة إذا كبرت وأسنت تتآكل ثناياها فمن آثار الأكل، فتنثلم وتنمحي قليلاً قليلاً حتى لا يبقى إلا أصولها، وهذا يدل على أنها قد كبرت، فإذا ذهبت ثناياها من أصلها فلا تجزئ.
كذلك إذا ذهب أكثر الأذن أو القرن، وقد ورد في ذلك أحاديث، فقد ورد النهي عن المقابلة والمدابرة والخرقاء والشرقاء ونحوهن، ولكن قد يقال: إن هذا لا يقلل من قيمتها -أعني: قطع الأذن أو قطع القرن- وربما أنه قد يرفع من ثمنها، ولكن إذا عرف أنه ورد فيها هذا النص فتتجنب لأجل أن تكون الأضحية كاملة، أما إذا قطع قليل من الأذن أو شق أعلاها شقاً ولم يذهب منها شيئاً، وكذلك القرن إذا أخذ غلافه وبقي أصله؛ فلعل ذلك لا ينقص من قيمتها.
النحر: هو طعنها في أصل الرقبة مما يلي الجثة، وهو يختص بالإبل لأن عنقها طويل، فتطعن في الوهدة التي في أصل العنق -بين الرقبة والنحر- هذا هو الأصل، واستدل عليه بقوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2].
والسنة أن تكون الإبل عندما تنحر معقولة يدها اليسرى وهي قائمة، واستدل على ذلك بقوله تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج:36] كانوا يصفونها صفوفاً، ثم يعقلون من كل واحدة يدها اليسرى، فتكون قائمة على ثلاث، ثم يمسكون رأسها بحبل حتى لا تنفر، ويلوون رأسها إلى جانبها، ويربطون -أيضاً- قوائمها بحبال، فإذا طعنت سقطت وماتت، وهو معنى قوله: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [الحج:36]، وبعضهم قد ينحرها وهي باركة، لاسيما إذا لم يكن عنده من يمسكها، وقد مر ابن عمر على رجل ينحر بدنته وهي باركة، فقال: (ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم)، وهذا من السنن، ولكن إذا عجز عن ذلك جاز أن ينحرها وهي باركة.
وهل يجوز ذبحها في أصل الرأس؟
الجواب: الصحيح أنه لو ذبح الإبل في أصل الرقبة مما يلي الرأس أجزأ ذلك؛ لأنه حصل بذلك إماتتها، أما البقر والغنم فإنها تذبح، توضع على جنبها الأيسر ويستقبل بها القبلة، وتذبح البقرة والغنم ضأناً أو معزاً في أصل الرأس، ولو نحرت الشاة في أصل الرقبة أو البقرة أجزأ، ولكنه خلاف الأولى.
ويقول عند الذبح: (اللهم هذا منك ولك). يعني: أنت المتفضل به ونحن نذبحه رضاً لك، وإن كان الذي يأكله هو الإنسان، ولذلك قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37] أي: الله تعالى غني عنها، وعن لحومها ودمائها، ولكن امتحنكم واختبركم بذلك حتى يعلم من يمتثل ومن يطيع.
وسن أن يجزئ الأضحية أثلاثاً، هكذا ورد عن كثير من الصحابة، ثلث لأهله- ثلث الأضحية وكذا الهدي- والثلث الثاني يهديه لأقاربه وجيرانه، ولو كان عندهم من الأضاحي، والثلث الآخر: يتصدق به على المساكين والضعفاء وذوي الحاجات، يلتمسهم ولو كانوا بعيداً.
وفي هذه الأزمنة تكثر الأضاحي والهدايا، ففي مكة يضيع كثير منها، وبالأخص في يوم العيد، حيث يحرق أو يدفن كثير منها، ولكن هناك شركات تتقبل الأضاحي وتذبحها، ثم تسلخها، وترسل بها إلى بلاد بعيدة أو قريبة بها حاجة، وهناك من يأخذها ويثلجها في ثلاجات وينتفع بها، مثل الجمعيات الخيرية، وقد زرنا بعض الجمعيات قبل أسبوعين أو ثلاثة، ووجدنا عندهم أضاحٍ موجودة إلى الآن في الثلاجات، يوزعون منها كل يوم عدداً؛ وذلك لأن كثيراً من أهل القرى ذوو حاجة وفقراء ومساكين، فكانت هذه الثلاجات التي تبرع بها المحسنون سبباً في حفظها عن التعفن والتغير، والانتفاع بها عند الحاجة.
ويسن أن يحلق بعدما يذبح أضحيته تشبهاً بمن يذبح الهدي في مكة، فإنه إذا رمى ذبح ثم حلق، فقالوا: أنت في بلدك إذا ذبحت أضحيتك فإنه يسن أن تحلق رأسك؛ وذلك لأنه منهي عن حلق رأسه في أيام العشر، فإذا انتهت العشر وذبح أضحيته تشبه بالحجاج في الحلق، وإذا كان حديث عهد بالحلق فليس بلازم.
ولو أكل الأضحية كلها إلا قدر أوقية- يعني: قدر قبضة اليد- فتصدق بتلك الأوقية جاز، فإن أكلها كلها ولم يطعم منها شيئاً ضمن بعضاً منها يتصدق به، ولو أن يشتري من جزارين قدر الأوقية ويتصدق به.
وذكرنا أن من أراد الأضحية فإنه لا يأخذ شيئاً من شعره، ولا من ظفره، ولا من بشرته في العشر، ففي حديث أم سلمة مرفوعاً: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئاً حتى يضحي) ، والحكمة في ذلك: التشبه بمن ساق الهدي، فإنه يحرم ويتجنب أخذ شيء من شعره، فكأن المضحي عزم على أن يدفع شيئاً من ماله كالهدي، ولكن إن فعل فلا شيء عليه، ولا يمنعه ذلك عن الأضحية.
كثير من الذين ابتلوا بحلق اللحى يومياً أو كل يومين يقولون: لا نستطيع أن نصبر عن ذلك، فلذلك بعضهم يترك الأضحية التي تحرمه من حلق لحيته، فيجمع بين معصية وبين ترك طاعة، وبعضهم لا يصبر، فيقدم على حلق لحيته مع كونه يريد أضحية، فنقول له: عود نفسك الصبر، واصبر هذه العشرة الأيام؛ ولعل ذلك يكون سبباً في أن يفتح الله عليك، ويهديك فلا ترجع إلى هذه المعصية.
واختلف في حكمها، فأكثرهم على أنها سنة لا تصل إلى الوجوب، وذهب بعضهم إلى وجوبها عند القدرة، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويسمى) واختلف في معنى (مرتهن) فقيل: إنه مرتهن عن الشفاعة لوالديه إذا لم يعق عنه، وقيل: إنه مرتهن عن برهما أو عن خدمتهما وطواعيتهما، وهذا دليل على آكديتها.
ولابد في العقيقة من السلامة من العيوب التي لا تجزئ معها في الأضحية ولا في الهدي.
والجارية -يعني الأنثى- يذبح عنها شاة.
وورد أنه لا يجزئ في العقيقة شرك في دم، بمعنى: أنه لو كان هناك سبعة ولد لكل واحد منهم مولود، فلا يقولوا: نشترك في هذه البدنة، هذا يأخذ سبعان، وهذا يأخذ سبعاً، فالذي له ذكر يأخذ سبعين، والذي له أنثى يأخذ سبعاً، فأكثر العلماء أنه لا يجزئ، ولابد أن تكون العقيقة تامة، وإذا أراد أن يذبح بدنة فليجعلها تامة عن ولده، وكذلك إذا أراد أن يذبح بقرة فلابد أن تكون تامة، ولابد أن تكون ثنية تجزئ في الأضحية.
ووقت ذبحها في اليوم السابع، وإن عجلها أجزأ ذلك، كأن يذبح في اليوم الأول أو الثاني، ولكن الأفضل في اليوم السابع، فإذا فات ففي اليوم الرابع عشر -يعني: بعد أسبوعين- فإذا فات ففي إحدى وعشرين -أي: بعد ثلاثة أسابيع- فإذا فات فإنها لا تعتبر بعد ذلك الأسابيع، بل يذبحها متى تيسرت، يذبحها في يوم اثنين وعشرين أو ثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين، ومنهم من اعتبر الأسابيع بعد ذلك فقال: إذا فاته الحادي والعشرون تذبح في اليوم الثامن والعشرين، وإذا فاته الثامن والعشرون تذبح في اليوم الخامس والثلاثين، وهكذا، ولكن الأصل أنها لا تعتبر، وأنه يذبحها في أي يوم تيسر.
يقولون: وحكمها كالأضحية، يتصدق منها ويهدي، وذهب بعضهم إلى أنه يجعلها وليمة، ويدعو إليها أصدقاءه وجيرانه وأقاربه، ويخبرهم بأنها عقيقة المولود فلان أو المولودة، ثم يدعون له ولولده بالصلاح والنبات الحسن ونحو ذلك.
والمؤلف ما تكلم على تسمية المولود، وأكثرهم قالوا: يسمى في اليوم السابع، ولكن الصحيح أنه يجوز التسمية قبل ذلك، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ولد لي الليلة غلام سميته باسم أبي إبراهيم) فدل على أنه يجوز التسمية قبل اليوم السابع.
والحديث الذي فيه: (تذبح يوم سابعه ويسمى) المراد: أنه يسمى متى تيسر الاسم، وذلك لأنهم قد يتأخرون في اختيار الاسم للاختلاف في ذلك، ثم بعد ذلك يختارونه ولو لم يكن في اليوم السابع بل بعد اليوم العاشر أو نحوه.
الجواب: أنتم معذورون بالجهل، وكان عليكم أن تتثبتوا في النحر، فهو ليس من أسباب التحلل؛ وذلك لأنه ليس عاماً لكل الحجاج بخلاف الحلق والرمي.
الجواب: صحيح إن شاء الله، والأولى أنهم يعيدون الطواف مرة ثانية بعد السعي، ولكن الفصل بالسعي لا يعتبر عملاً.
الجواب: هذه الأجهزة والأدوات فيها منفعة ومصلحة، ولكن كثير من الناس يتخذونها ملهاة، ويعرضون فيها أشياءً فيها شيء من الباطل، فننصح بعدم اتخاذها لهذه الأغراض، وإذا كان ولابد أن الأطفال يتلهون بشيء يشغلهم فيختار لهم في هذه الأجهزة أشياء تناسبهم، دون أن ينشغلوا بما هو محرم، ولو كان فيها شيء من اللهو.
الجواب: لا حرج أن تصبر هذه العشرة الأيام، لكن إذا طال شاربك أو أظفارك لدرجة أنك تستوحش منها فلك أن تقصر منها للعذر.
الجواب: يجزئ إذا لم يستطع أن يجهز إنساناً يحج عن أمه من بلدها.
الجواب: يجوز لها إذا قرر الأطباء أن الحمل خطر على صحتها، كأن يقولوا: إذا حملت فإنها تتعرض لأمراض قد توهنها وقد تودي بحياتها، فأما إذا لم يكن عليها خطر فليس لها ذلك.
الجواب: إذا نوى العمرة وهو في المدينة أحرم من ميقات المدينة، وإذا لم ينو إلا بعدما خرج من المدينة أحرم من ميقات الجحفة أو نحوه.
الجواب: لا يجوز له منعها إذا لم تكن قد أدت فرض الحج، فلا يمنعها إذا توافرت الأسباب لديها وقدرت، ولها أن تعصيه والحال هذه؛ وذلك لأن هذا فرض الله، ولا يجوز تأخيره، ولا إثم عليها، ولا يلزمه أن ينفق عليها إذا وجدت من ينفق عليها، ووجدت محرماً، فالفرض لا يسقط عنها بمنعه لها.
الجواب: هذا حرام، وهذه الكلمات ورد فيها وعيد شديد، ولكن لا تحرم زوجته عليه إذا أطلق عليها اللعن، وهذا لا يوجب المقاطعة والقطيعة، ولكن ينصح هذا الزوج الذي أطلق هذا اللعن، ويرشد إلى أن عليه أن يتوب ويستغفر ويملك لسانه.
الجواب: الصحيح عليه دم، لو بدأ من جمرة العقبة، ثم بالوسطى، ثم بالصغرى فلا يعتبر رميه صحيحاً، ولا يصح له إلا الصغرى، وعليه أن يعيد الوسطى ثم الكبرى، فإذا لم يفعل فإنه ترك واجباً يجبر بدم.
الجواب: نعم، إذا لم ينو العمرة ولم تخطر بباله حتى وصل إلى جدة جاز أن يحرم من جدة.
الجواب: إذا كان عجزه بدنياً -يعني: مرض أو كِبَر- فإنه يوكل من يحج عنه من بلده إذا كان فرضاً، وإن كان نفلاً جاز من كل مكان، أما إذا كان عجزه مالياً، بحيث إنه لا يستطيع من حيث المال أن يحج من بلده، عنده مال قليل، والتكلفة من بلده تكلفه -مثلاً- عشرة آلاف، ولو حجج -مثلاً- من الطائف لكلفت عليه ألفين، وهو لا يجد إلا الألفين، فله أن يوكل من يحج عنه من أهل الطائف بالألفين.
الجواب: الطلقة الأولى وقعت، لكن إذا كان راجعها وهي في العدة عادت إليه ولأنها رجعية وبقيت معه، ثم طلقها الطلقة الثانية، وأشهد عليها، وأوقع بها طلقة ثانية، فلم يبق له بعد ذلك إلا واحدة، ويصح له أن يراجعها، ومتى طلقها الثالثة لم تحل له إلا بعد زوج، أما إذا راجعها بعد العدة فلا تصح الرجعة.
الجواب: نرى أنك لا تخرج إلا بإذن والديك، وبإمكانك أن تقرأ على طلبة العلم الموجودين، وليس شرطاً أن يكونوا ربانيين، وبإمكانك أن تأخذ من المعلومات التي عند هذا والتي عند هذا وعند هذا، وكذلك تستفيد من المؤلفات المنتشرة بكثرة، وتستفيد من الإذاعات ونحوها.
الجواب: لا شك أنه إذا هم بهذه المعصية وبهذا الاعتداء على الأعراض فلك أن تهجره إلى أن يتوب ويندم ويعتذر.
الجواب: نعم، لكن لا يبيعها أهلها، أما إذا تصدقوا بها على الجمعيات، وجمعت ثم دبغت وبيعت، وتصدق بثمنها، أو بيعت قبل أن تدبغ فلا بأس.
الجواب: لا بأس بذلك، القصد هو ذبحها، والفرح بهذا المولود يقتضي أنهم يجتمعون على طعام ويأكلون منه، لكن عليهم أن يتصدقوا ولو ببعض منها.
الجواب: تحرص على أن تبذل لهم النصح والتوجيه، وإذا رأيت أن مجالستهم تقسي قلبك، أو تجرك إلى أن تصير معهم فابتعد عنهم، وإذا كان في المجالسة شيء من تخفيف الشرور والمنكرات فلا تقاطعهم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر