رمضان شهر الخير واليمن والبركات، وفيه تتنزل الرحمات، وتغلق أبواب النار، وتفتح أبواب الجنات، فعلى المرء أن يتأهب ويستعد لاستقبال شهر رمضان، وعليه أن يستغل شهر رمضان في الطاعات والأعمال الصالحة، فإنه من الأوقات الفاضلة التي ينبغي ألا يفرط فيها.
-
رمضان شهر التوبة والإنابة
-
وجوب المحافظة على صلاة الجماعة
ثالثاً: أيها الحبيب المبارك! حافظ على الصلوات في جماعة في بيوت الله عز وجل، فلقد كان حبيبك المصطفى حريصاً على الجماعة حتى في مرضه الأخير، وكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم، وقد نقل الإمام
البغوي في (شرح السنة) اتفاق أهل العلم، فقال: اتفق أهل العلم على أنه لا رخصة لأحد في ترك الجماعة إلا من عذر شرعي) فلا يجوز لأحد أن يترك صلاة الجماعة إلا من عذر شرعي، والعذر الشرعي الذي يمنعك من صلاة الجماعة في بيوت الله هو: المرض، والمطر الشديد، والظلام الحالك الذي تخشى فيه على نفسك الهلاك، والبرد الشديد الذي قد يصيبك بأذى أو بمرض، أو وضع الطعام بين يديك في وقت أذن فيه للصلاة، فإذا كنت جائعاً فقدم الطعام أو العَشاء على العِشاء، أما فيما عدا ذلك فلا يجوز لك أن تؤخر الصلاة في بيوت الله جل وعلا عن وقتها.
وكم من المسلمين من يترك صلاة الجماعة في بيوت الله، وعذره: حتى ينتهي الفلم أو المسلسل أو المباراة! فهل هذا عذر شرعي يا عباد الله؟! بل الواجب عليك أن تهرع إلى بيت الله إذا نودي عليك بحي على الصلاة!
أيها الحبيب الكريم! اسمع إلى
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والحديث رواه
مسلم ، يقول
عبد الله : (من سره أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله قد شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو صليتم في بيوتكم -أي: لم يترك الصلاة، وإنما يصلي، ولكنه يصلي في بيته- كهذا المتخلف الذي يصلي في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عن صلاة الجماعة إلا منافق معلوم النفاق!
-والله! إنها عبارة تخلع القلب الحي- ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى به بين الرجلين -أي: كرجل عجوز كبير مريض يؤتى به وهو يتمايل بين رجلين: رجل عن يمينه، ورجل عن يساره- حتى يُقام في الصف) أي: ليصلي الجماعة في بيت الله جل وعلا.
فيا أيها الحبيب! الله الله في الصلاة! ولا تضيع صلاة في بيت الله، فإذا نودي عليك وأنت في بيتك .. إذا نودي عليك وأنت في عملك .. إذا نودي عليك وأنت في بقالتك أو تجارتك، فقم إلى الله جل وعلا وضع جبينك وأنفك في التراب شكراً لرازقك وخالقك جل في علاه.
أيها الحبيب! لقد توعد المصطفى من أخر صلاة الجماعة وصلى في بيته بأشد الوعيد، وأنا لا أتكلم الآن عمن ترك الصلاة، ولا أتحدث الآن عمن ضيع الصلاة، فلا حول ولا قوة إلا بالله! لكنني أتحدث عن الذي يصلي، لكنه يصلي في بيته، ويدع الصلاة في بيوت الله، فلم بنيت بيوت الله جل وعلا؟! والله عز وجل يقول:
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] فالمساجد هذه ما بنيت إلا ليجتمع فيها الموحدون، وإلا ليركع فيها الراكعون، وإلا ليسجد فيها الساجدون المؤمنون لله رب العالمين، لقد توعد المصطفى من تأخر عن صلاة الجماعة بأشد الوعيد -ونحن نعاهد الله ألا نذكر إلا حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- ففي الصحيحين من حديث
أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس -أي: في موضع ومكان الحبيب المصطفى- ثم أنطلق مع رجال معهم حزم من الحطب إلى أقوام يصلون في بيوتهم لأحرق عليهم بيوتهم بالنار) هذا كلام الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم. يريد المصطفى أن يأمر بالصلاة فتقام، وأن ينطلق هو في وقت إقامة الصلاة؛ ليبحث عن البيوت التي تخلف أهلها عن صلاة الجماعة من غير عذر شرعي فيحرق عليهم بيوتهم، وهذا وعيد شديد! وفي صحيح
مسلم وسنن
الترمذي وسنن
أبي داود أنه جاء رجل أعمى إلى رسول الله يقول له: (
ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل ترخص لي أن أصلي في بيتي؟ فرخص له المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف الرجل نادى عليه رسول الله وقال له: هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال المصطفى: فأجب) أي: أجب النداء إلى بيت الله، وفي لفظ
أبي داود بسند حسن صحيح، قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: (
هل تسمع (حي على الصلاة)؟ قال: نعم، فقال المصطفى: فحيَّ هلاً) أي: لب نداء الله إلى بيت الله جل وعلا.
هل علمت أن الله لم يسقط صلاة الجماعة عن المقاتلين في ميدان القتال؟! بل أمر الله المصطفى أن يقسم الجيش إلى فريقين: فريق يحرس في أرض المعركة، ويصلي هو بالفريق الآخر الجماعة، فإذا أنهى الفريق الأول صلاة الجماعة يأتي الفريق الثاني الذي كان يتولى الحراسة ليصلي هو الآخر جماعة مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهل يوجب تعالى صلاة الجماعة على المقاتلين، ويسقطها عن الفارغين غير المنشغلين؟!
فيا أيها الحبيب الكريم! احرص في رمضان كله بل وفي كل حياتك وأوقاتك على أن تؤدي الصلاة في جماعة في بيوت الله عز وجل، ولا يكن حالك كحال المنافقين الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (
أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء) والحديث في الصحيحين، فانظر إلى بيوت الله في صلاة الفجر تجد المساجد تبكي وتشكي حالها إلى الله جل وعلا، فأين الموحدون ؟! وأين المخلصون في صلاة الفجر؟! ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم: (
إن أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة الفجر وصلاة العشاء) هذا كلام سيد المرسلين، فيا أيها الحبيب! قد يقضي الواحد منا ساعة أمام مباراة، وقد يقضي الواحد منا نصف ساعة أمام مسلسل أو أكثر، ولكنه إذا دخل الصلاة -وربما لا يقرأ الإمام بربع في الركعتين- ربما يستطيل الصلاة، وأنا أخشى على مثل هذا إن لم يكن عنده عذر، كما قال الشاعر:
تأتي إلى الصلاة في فتور كأنك قد دعيت إلى البلاء
وإن أديتها جاءت بنقص لما قد كان منك من شرك الرياء
وإن تخلو عن الإشراك فيها تدبر للأمور بالارتقاء
ويا ليت التدبر في مباح ولكن في المشقة والشقاء
وإن كنت المصلي بين خلق أطلت ركوعها بالانحناء
وتعجل خوف تأخير لشغل كأن الشغل أولى من لقاء
وإن كنت المُجالس يوماً أنثى أضعت الوقت من غير اكتفاء
أيا عبد لا يساوي الله معك أنثى تناجيها بحب أو صفاء
رابعاً: أنفق في سبيل الله في هذا الشهر، ولا تبخل، ولا تخش الفقر ولا الفاقة، وأنفق يمنة ويسرة، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (
ما من يوم إلا وينزل ملكان إلى السماء، فيقول الأول: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً).
أيها المسلمون! يا من منَّ الله عليكم بالأموال اعلموا أن لكم إخواناً فقراء، ربما لا يتذوقون طعم اللحم في رمضان كله، فيا أيها المسلم! تدخر لمن؟! قال الحبيب صلى الله عليه وسلم -والحديث في صحيح
البخاري- لأصحابه: (
أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟) أي: من منكم يحب المال الذي سيتركه للورثة أكثر من حبه لماله هو؟ فقالوا: يا رسول الله! كلنا ماله أحب إليه من مال وارثه، فقال الحبيب: (
فإن مالك ما قدمت، ومال ورثتك ما أخرت).
وقد أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم
عائشة أن تتصدق بالشاة المذبوحة، فقد روى
الترمذي بسند حسن صحيح: أنه صلى الله عليه وسلم عاد إليها وقال: (
ما بقي من الشاة يا عائشة؟ فقالت: ما بقي منها شيء أبداً إلا الذراع هذا، تركته لك؛ لأني أعرف أنك تحب الذراع يا رسول الله! أو قالت: ما بقي منها شيء إلا كتفها، فقال الحبيب: بل بقيت كلها إلا كتفها) فما تصدقت به فهو الباقي، وما أكلت فهو الفاني.
وفي الحديث الذي في صحيح
البخاري و
مسلم من حديث
عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (
ما لك يا بن آدم! تقول: مالي مالي! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟) أي: ليس لك إلا لقمة تؤكل، أو ثياب تبلى، أو صدقة تبقى.
فيا أيها الحبيب! لقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة في رمضان، وما منع النبي صلى الله عليه وسلم سائلاً أبداً، بل لقد ورد في صحيح
مسلم أن رجلاً جاء إلى المصطفى فسأله، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى غنم بين جبلين، فقال: (
انظر إلى هذه الغنم، سقها فهي لك! فساق الرجل الغنم كلها بين يديه، وذهب إلى قومه قائلاً: يا قوم! أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر) .
فيا أيها المسلم! أنفق في رمضان، وهيا فكر من الآن، فإن منَّ الله عليك بالمال فلا تنس جارك الفقير، ولا تنس الفقراء والمساكين، فيا أهل الأموال! قدموا الطعام والصدقة، فإن المال ظل زائل، وعارية مسترجعة، ومالك أيها الحبيب! هو ما قدمت، ومال ورثتك هو ما أخرت، فورب الكعبة! لن ينفعك أحد على ظهر هذه الأرض، فيا أيها المسلم! ويا أيها الحبيب! أنفق لله عز وجل في رمضان، ولا تخش الفقر ولا الفاقة، فإن الذي تكفل بالأرزاق هو الرزاق كما قال في كتابه:
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].
وسامحوني على تكرار هذا الحدث، فإنه يحلو لي أن أذكّر به في كل مرة أتطرق فيها للحديث عن قضية الرزق: هذا عبد من عباد الله الصالحين يقال له:
حاتم الأصم -ووالله! ما أذكرها هنا إلا لأذكر بها؛ فإن الذكرى تنفع المؤمنين- أراد
حاتم الأصم أن يحج بيت الله الحرام، فجمع هذا الرجل الصالح أبناءه وقال: إني ذاهب إلى حج بيت الله، فبكى الأبناء وقالوا: ومن يطعمنا؟! ومن يأتينا بما نريد؟! وكان لهذا الرجل فتاة تقية نقية، فقالت الفتاة لأبيها: يا أبت! اذهب، فإنك لست برازق، فانطلق الرجل، وبعد أيام قليلة نفد الطعام الذي كان في البيت، فقامت الأم لتعنف هذه الفتاة، وقام الأخوات ليعنفن هذه الفتاة، وخلت هذه الفتاة التقية بنفسها، ورفعت شكواها إلى من يسمع دبيب النملة السوداء تحت الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، إلى من -قال وقوله الحق-
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] رفعت شكواها إلى الله، فاستجاب الله دعاءها، وفي الوقت نفسه كان أمير البلدة يمر ليتفقد أحوال الناس، وعند باب
حاتم الأصم أحس بعطش شديد كاد أن يقتله، فقال جندي من الشرطة معه: أدركني بكوب من الماء، فأسرع الجندي إلى أقرب باب.. إلى باب بيت
حاتم الأصم ، فأحضر له أهل البيت كوباً نظيفاً، وماءً بارداً، من باب: (أنزلوا الناس منازلهم) وهذا أيها الشباب! ليس من المداهنة وليس من الرياء أو النفاق، فيجب علينا أن ننزل الناس منازلهم، وأن نقدر الناس قدرهم، وهذا من الدين ومن الإسلام، فلما شرب الأمير الماء، قال: بيت من هذا؟ قالوا: بيت
حاتم الأصم ، قال: هذا العبد الصالح؟! قالوا: نعم، قال: الحمد لله الذي سقانا من بيوت الصالحين، أين هو لنسلم عليه؟ قالوا: ذهب لحج بيت الله الحرام، فقال الأمير: إذاً: حق علينا أن نكافئ أهل بيته في غيبته -وكانت عملتهم من الذهب- فجاء بكيس مملوء بالذهب وألقاه في بيت
حاتم الأصم ، ولكن الرزاق أراد الزيادة، فأنطق الله الأمير، فالتفت الأمير إلى الجند الذين من حوله وقال: من أحبني فليصنع كصنيعي، فألقى كل جندي ما معه من الأموال، وامتلأ البيت بالذهب، ودخلت البنت التقية النقية تبكي، وراحت الأم تفرح وتسعد مع الأخوات، فدخلوا عليها وسألوها: لماذا هذا البكاء، وقد أصبحنا من أغنى الناس؟ فقالت لهم: لقد نظر إلينا مخلوق نظرة فاغتنينا، فكيف لو نظر الخالق إلينا؟! فلا تخش انعدام الرزق، فإن الذي تكفل بالأرزاق هو الرزاق ذو القوة المتين، كما قال سبحانه:
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ *
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:22-23].
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
-
الحرص على الخير والإكثار منه لاسيما في شهر الخير
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الحبيب الكريم! أختم بهذه الكلمة -وتذكروها جيداً- فأقول: إننا اليوم قد أهلّ علينا شهر رمضان. وبعد انتهائه سنقول جميعاً: قد انتهى رمضان، وهكذا رمضان في كل عام، فإنه يأتينا ثم يمضي من بين أيدينا سريعاً، فيربح الرابح، ويخسر الخاسر.
فيا أيها الحبيب الكريم انتبه! واحمد الله أن وجدت من يذكرك بهذه الحقيقة من الآن، واحفظ وقتك، فإني أتألم كثيراً حينما أسمع من أحبابي من يقول: ذهبنا إلى المكان الفلاني لنضيع الوقت! وقتك غالٍ أيها الموحد! وقتك يساوي جنة أو ناراً، فساعة في الطاعة تقربك من الجنة، وساعة في المعصية تقربك من النار، والعياذ بالله.
فيا أيها الحبيب الكريم! احفظ وقتك، واعلم أن العمر قصير وأن الأجل قريب، وأن الدنيا مهما طالت فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة، وأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر، وأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر.
لقي
الفضيل بن عياض رجلاً فقال له
الفضيل: كم عمرك؟ فقال الرجل: ستون سنة، فقال
الفضيل: إذاً أنت منذ ستين سنة تقطع الطريق إلى الله، يوشك أن تصل، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون! فقال
الفضيل : يا أخي! هل عرفت معناها؟ قال: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إليه راجع، فقال
الفضيل : يا أخي! فمن عرف أنه لله عبد، وأنه إليه راجع عرف أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً، فبكى الرجل، وقال: يا
فضيل ! وما الحيلة؟ قال
الفضيل : يسيرة، قال: ما هي يرحمك الله؟ قال
الفضيل : هي أن تتقي الله فيما بقي يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقي.
قال الشاعر:
تذكر وقوفك يوم العرض عرياناً مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
والنار تزفر من غيظ ومن حنق على العصاة ورب العرش غضباناً
اقرأ كتابك يا عبدي على مهل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا
فلما قرأت ولم تنكر قراءته وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفاناً
نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصى إلى النار عطشانا
المشركون غداً في النار يلتهبوا والموحدون بدار الخلد سكانا
قال عز وجل:
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا *
وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا *
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:47-49].
فانتبه أيها المسلم!
قال الشاعر:
أيا من يدعي الفهم إلى كم يا أخا الوهم
تعبي الذنب والذم وتخطي الخطأ الجم
أما بان لك العيب أما أنذرك الشيب
وما في نصحه ريب كأن سمعك قد صم
أما نادى بك الموت أما أسمعك الصوت
أما تخشى من الفوت فتحتاط وتهتم
فكم تسير في السهو وتختال من الزهو
وتنفض إلى اللهو كأن الموت ما عم
كأني بك تنحط إلى اللحد وتنغط
وقد أسلمك الرهط إلى أضيق من سم
هناك الجسم ممدود ليستأكله الدود
إلى أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم
فزود نفسك الخير ودع ما يعقب الضير
وهيئ مركب السير وخف من لجة اليم
بذا أوصيك يا صاح وقد بحتك من باح
فطوبى لفتى راح بآداب محمد يأتم
وصدق الله إذ يقول:
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ *
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ*
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ *
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:26-30] ويفتح سجلك أيها اللاهي! ويفتح سجلك أيها الغافل! وإذا به:
فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى *
وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32]، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فذكر نفسك أيها الحبيب! وأذكر نفسي وإياك بقول الشاعر:
يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل
فتأهبي يا نفس! لا يلعب بك الأمل الطويل
فلتنزلن بمنزل ينسى الخليل به الخليل
وليركبن فيه عليك من الثرى ثقل ثقيل
قرن الفناء بنا فما يبقى العزيز ولا الذليل
أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، في هذه اللحظات الكريمة المباركة، وفي هذه الأيام المشهودة الكريمة، ألا يدع لأحد منا ذنباً إلا غفره، اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا أرحم الراحمين!
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً.
اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم إنا نشهدك أن العالم الغربي والعالم الإسلامي قد تخلى عن إخواننا في البوسنة والهرسك، وتخلى عن إخواننا في الشيشان، وتخلى عن إخواننا في فلسطين، وتخلى عن إخواننا في طاجيكستان، وتخلى عن إخواننا في أفغانستان، وتخلى عن إخواننا في كشمير، فاللهم كن لهم ناصراً يوم انعدم الناصر، اللهم كن لإخواننا معيناً يوم انعدم المعين، اللهم لا تتخلى عنا وعنهم بذنوبنا يا أرحم الراحمين!
اللهم إنا نشكو إليك أعراض أخواتنا التي انتُهكت، ونشكو إليك دماء إخواننا التي سُفكت، ونشكو إليك أرضنا التي نُهبت، اللهم لا تتخلى عنا بذنوبنا يا أرحم الراحمين! يا أرحم الراحمين! يا ودود يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعال لما يريد! يا من ملأ نوره أركان عرشه! يا غياث المستغيثين! ويا مجيب المضطرين! ويا مفرج كرب المكروبين! ويا كاشف هم المهمومين! فرج الكرب عن أمة حبيبك المصطفى يا رب العالمين!
اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم ارزق الأمة القائد الرباني الذي يقود الأمة بكتابك وسنة نبيك المصطفى.
اللهم اربط على قلوب المجاهدين في كل مكان، اللهم اربط على قلوب المجاهدين في كل مكان.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تجعل مصر واحة للأمن والأمان، اللهم اجعل مصرنا واحة للأمن والأمان، وسائر بلاد الإسلام، اللهم اجعل مصر سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم لا تحرم مصر من التوحيد، ولا تحرم مصر من الأطهار الأبرار برحمتك يا عزيز! يا غفار!
أيها الأحبة الكرام! أكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد، فلقد أمرنا الله جل وعلا بذلك في محكم تنزيله فقال:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة، ويُلقى به في جهنم، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
والحمد لله رب العالمين.