بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة، والسراج المنير والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
تقدم معنا الكلام بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جهر بالدعوة إلى التوحيد بادره قومه بالعداوة والحرب، وأن هذه الحرب التي سلطت على النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه تمثلت في أنواع ثلاثة:
النوع الأول: الحرب النفسية.
والنوع الثاني: الحرب الاقتصادية.
والنوع الثالث: حرب التصفية الجسدية.
وتفصيل النوع الأول وهو: الحرب النفسية يتمثل في عدة أمور:
أولاً: أنهم ذهبوا إلى عمه أبي طالب وطلبوا منه أن يكف ابن أخيه عما يقول ويفعل.
ثانياً: لجئوا إلى تهديد أبي طالب بأن ينازلوه هو وابن أخيه.
ثالثاً: لجئوا إلى إطلاق التهم، فاتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر، وأنه كذاب، وأن القرآن تتنزل به أساطير الأولين، وأنه يعلمه بشر، إلى غير ذلك من الأباطيل التي ينقض بعضها بعضاً.
رابعاً من الحرب النفسية: أنهم حاولوا صرف الناس عنه، فصوروا لهم بأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما يعتريه شيء من جنون أو أنه ساحر يفرق بين المرء وزوجه، أو غير ذلك من التهم والأباطيل.
خامساً من الحرب النفسية: طلب الآيات، يقولون للنبي عليه الصلاة والسلام: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ [يونس:15]، أو يقولون له: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً [الإسراء:90]، ونحو ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام من رحمته بهم ما سأل الله شيئاً من هذه الآيات، بل تأنى صلوات الله وسلامه عليه وصبر لعل الله يأخذ بنواصيهم إلى الهدى.
سادساً من أساليب الحرب النفسية: السخرية والاستهزاء والضحك والهمز واللمز للنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، يقولون كما حكى الله عنهم: لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31]، يعني: لو كان هذا القرآن من عند الله حقاً لمَ لا يتنزل على واحد من الأغنياء كـالوليد بن المغيرة المخزومي، أو عروة بن مسعود الثقفي ، أحدهما في مكة والآخر في الطائف؟! كيف يختار للنبوة رجلاً فقيراً ما عنده من المال إلا القليل؟! فالله عز وجل أجاب على هذه الفرية بقوله: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32]، وهذه آفة كثير من الأغنياء.
وكثير من الناس إذا فتح الله عليه الدنيا وجرى المال في يده يظن أن ذلك لكرامته عند الله، قال الله عز وجل: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ [الفجر:15]، وفي سورة الكهف في الرجل الذي كانت له جنتان، وكان عنده أموال المساكين، لكنه بلغ به الحال إلى أن يقول: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً [الكهف:36]، والآخر قال: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى [فصلت:50].
وفي قول ربنا جل جلاله: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً [مريم:77]، قالوا: نزلت في الوليد بن المغيرة، صنع له خباب بن الأرت -وكان حداداً- سيوفاً ثم جاء يتقاضاه الثمن، فقال له الوليد : (لا أعطيك حتى تكفر بمحمد وإله محمد)، فقال له خباب : (والله لا أفعل حتى تموت ثم تبعث)، يعني: إلى يوم البعث أنا مؤمن بالله ورسوله، فقال له الكافر: (وإني لمبعوث؟)، هناك بعد الموت بعث؟ قال له: نعم. قال له: (فانتظر حتى ذلك اليوم أعطيك أجرك، فوالله ما أنت وصاحبك بخير عند الله مقاماً مني)، هكذا. لأنه في الدنيا أغنى وماله أكثر، إذاً في الآخرة سيكون كذلك، هذا على حسب ظنه، لكن الله عز وجل رد عليه فقال: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً [مريم:78-80]، يعني: لن يأتي معه أمواله ولن يأتي معه أولاده.
قال تعالى: لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ [الممتحنة:3]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94]، وقال عليه الصلاة والسلام: ( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً )، وقال تعالى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [الأنبياء:104].
سابعاً: من الأساليب التي لجئوا إليها في حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلوب المساومات، لما عجزوا عن مقاومة الدعوة ووجدوا أن من دخل في هذا الدين لا يخرج منه، وأن الإسلام في كل يوم يمتد نوره وينتشر في الآفاق، هؤلاء لجئوا إلى المساومات، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وقالوا: (يا محمد! نعبد إلهك عاماً وتعبد آلهتنا عاماً، فإن كان الذي عندك خيراً مما عندنا أصبنا منه، وإن كان الذي عندنا خيراً من الذي عندك أصبت منه)، يعني: هؤلاء القوم متشككون متحيرون، يعني: مثلما قال الأول في تصوير قضية البعث، عندما أنكر بعض الناس البعث، فهذا الرجل قال:
قال المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأجساد قلت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما
يعني: هو نفسه متشكك، لكن يقول لهم: لو صح قولكما بأنه ليس هناك قيامة أنا لست خسراناً شيئاً، ولو صح قولي بأن هناك قيامة وبعث فالخسار عليكما.
فهؤلاء المتهوكون المترددون قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: نعبد إلهك عاماً وتعبد آلهتنا عاماً، فإن كان الذي عندك خيراً مما عندنا أصبنا منه، وإن كان الذي عندنا خيراً مما عندك أصبت منه، فأنزل الله عز وجل إحدى سورتي الإخلاص والتي نقرأها في سنة المغرب وفي سنة الفجر: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون:1-5]، يعني: لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل لن أعبد آلهتكم؛ لأنها معبودة بباطل.
ثم لجئوا إلى أسلوب آخر للمساومات، حيث جاءوا إلى أبي طالب فقالوا له: (يا أبا طالب ! إن ابن أخيك محمداً قد ذم ديننا وعاب آلهتنا، وفرق جماعتنا وأتانا بما لا نعرف، وأدخل علينا من الشر ما لا قبل لنا به، وقد ارتأى أشراف قومك أن يأخذوا أجمل فتيان قريش وأعقلهم عمارة بن الوليد فيدفعوه إليك وتدفع إلينا محمداً فإنا قاتلوه، تعطينا واحداً ونعطيك واحداً. فقال أبو طالب : ما أعجب قولكم! تدفعون إلي ولدكم أغذوه لكم، وأدفع إليكم ولدي لتقتلوه)، يعني: هذا عرض لا يتفق مع المنطق، أسلم إليكم ابن أخي لتقتلوه، وتعطوني بديلاً من أجل أن أغذيه وأنميه وأربيه، فهذا لا يتأتى.
ثم بعد ذلك نزلت بالنبي صلى الله عليه وسلم تلك الفاقرة لما ثقل عمه أبو طالب ، ونزل به مرض الموت، وقد بلغ قريشاً الخبر، فقال بعضهم لبعض: إن حمزة و عمر قد أسلما، وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب ليأخذ لنا من ابن أخيه ويأخذ له منا، فأرسل أبو طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اجتمع عنده كبار قريش كـعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة وعمرو بن هشام وأمثالهم، فقال له: ( يا ابن أخي! إنه قد نزل بي ما ترى، وإن قومك هؤلاء قد تخوفوا على أنفسهم منك، وقد طلبوا مني أن أجمع بينك وبينهم ليأخذوا لأنفسهم وتأخذ لنفسك، فما تريد منهم؟ قال: يا عم! ما أريد منهم إلا كلمة واحدة ).
فهم من قبل كانوا يعرضون عليه أن يزوجوه من نساء قريش عشراً، وأن يجمعوا له مالاً حتى يصير الأغنى، وأن يملكوه عليهم، فهذا الاجتماع من أجل البحث في هذه العروض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما أريد منهم إلا كلمة واحدة، فاشرأبت أعناق القوم حتى نطق أشقاهم أبو جهل فقال: قل يا ابن أخي! نعطك عشر كلمات، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا: لا إله إلا الله، فصفق القوم وقالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحداً، إن هذا لشيء عجاب! )، يعني نحن عندنا ثلاثمائة وستون صنماً حول الكعبة، وأنت تريد أن نعبد واحداً.
( فقال أبو طالب: يا ابن أخي! ما كلفتهم شططاً، -يعني: والله ما طلبت منهم شيئاً صعباً- فهنا طمع النبي صلى الله عليه وسلم في إسلام عمه، قال له: يا عم! قلها أنت أشهد لك بها عند الله ) لكنه أبى أن يقولها.
وفي هذا درس بليغ: أن الهداية من الله، قال تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56]، الهداية من الله يلقيها في قلب من شاء من عباده، وقد مضى معنا خبر سلمان لما خرج من بلاد أصبهان إلى أن وصل إلى المدينة المنورة، وكان من خيار المسلمين، بينما هؤلاء الأشقياء في مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، يعرفون نسبه وصلته وصدقه وفضله، ومع ذلك أبوا أن يؤمنوا، بل ماتوا على الكفر وكانوا في النار مخلدين. فالهداية من الله.
وابن نوح عليه السلام كان كافراً، وأبو إبراهيم كان كافراً، وتجد بعض الناس الآن في تاريخنا المعاصر عاشوا في ظل الشيوعية الحمراء، في ظل الإلحاد سبعين سنة، حيث كان اقتناء المصحف عندهم جريمة عقوبتها الإعدام، الصلاة جريمة عقوبتها الإعدام، وأي مظهر من مظاهر الشريعة تمارسه فأنت على خطر، ومع ذلك بقوا مستمسكين بدينهم عاضين عليه، حتى إن بعضهم حفظ أولاده القرآن في قبو تحت الأرض، والمصحف الواحد تتناقله بيوت عدة، وتجد بعض الناس يعيش في بلاد إسلامية، بل يعيش في بلاد عربية، بل ربما يعيش في الحرمين وهو أبعد الناس عن الله.
ولذلك نقول: الهداية من الله، دائماً سل الله الهداية، كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ( اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك حرباً لأعدائك، نحب بحبك من أطاعك من خلقك، ونعادي بعداوتك من خالفك )، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: ( اللهم إني أسالك رحمة من عندك تهدي بها قلبي )، فلا تستغني أبداً عن سؤال ربك الهداية، ونحن على الأقل في اليوم سبع عشرة مرة نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، نكرر هذا الدعاء في كل ركعة على الأقل سبع عشرة مرة، أما لو زاد الإنسان من النوافل وتقرب إلى الله بصلاة التطوع، فإنه سيسأل الله بهذا الدعاء مراراً.
ثامناً من أساليبهم: سب القرآن وسب من أنزله، وذلك لما أعيتهم الحيلة وأعوزهم المنطق لجئوا إلى البذاءة والفظاظة وسوء الأدب، وهذه حيلة الطواغيت، ولذلك في القرآن تقرءون لما دعا موسى فرعون إلى الله، قال الله: قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ [الشعراء:23-24]، فالتفت إلى من بجواره من زبانيته وقال: أَلا تَسْتَمِعُونَ [الشعراء:25]، يعني: أنتم ترون ماذا يقول هذا؟ عنده إله غيري. فـموسى عليه السلام بدأهم بالهجوم: قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ [الشعراء:26]، يعني: ليس ربك فقط يا فرعون! ربك ورب آبائك الأولين، ثم إن فرعون لجأ إلى البذاءة: قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [الشعراء:27]، يعني: هذا مجنون، وكان يمكن لـموسى عليه السلام أن يقول له: بل المجنون من يقول: أنا ربكم الأعلى، وهو يبول ويتغوط، ولا يملك أن يمنع النجاسة عن جوفه، ولا أن تخرج على ظاهر جسده، ومع ذلك يقول: أنا ربكم الأعلى، لكن الأنبياء لا يعرفون البذاءة، فعندما قال فرعون: إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [الشعراء:27]، لا زال موسى يرده إلى الحق: قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [الشعراء:28]، يرده إلى القضية التي من أجلها جاء.
فالمشركون كانوا يسبون القرآن ويسبون من أنزله، فقد جاء في الصحيحين في تفسير قول ربنا جل جلاله: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا [الإسراء:110]، قال ابن عباس : (نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله، يعني: يسبون الله عز وجل، فقال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ [الإسراء:110]، أي: بقراءتك).
إذاً: في القرآن الصلاة تطلق على القراءة، والقراءة تطلق على الصلاة، فمن إطلاق الصلاة على القراءة هذه الآية: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ [الإسراء:110]، أي: قراءتك، ومن إطلاق القراءة على الصلاة قول ربنا جل جلاله: أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]، أي: صلاة الفجر، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78]، أي: صلاة الفجر تشهدها الملائكة، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي؟ يقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون ).
فالمسلم يحرص على صلاة الصبح وصلاة العصر مع الجماعة؛ لأنه الوقت الذي يتغير فيه الملائكة، يعني: الملائكة الذي جاءوا في صلاة العصر ينتهي عملهم في صلاة الصبح، والطائفة الأخرى من الملائكة يستلمون منهم من صلاة الصبح إلى صلاة العصر، فهؤلاء الذين استلموا في صلاة العصر، وانتهوا في صلاة الصبح يصعدون إلى الله عز وجل فيسألهم وهو أعلم: ( كيف تركتم عبادي؟ يقولون: يا ربنا! أتيناهم -يعني: بالأمس- وهم يصلون -صلاة العصر- وتركناهم -اليوم- وهم يصلون -صلاة الصبح- ).
قال الله عز وجل: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ [الإسراء:110]، أي: قراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ومن أنزله، وَلا تُخَافِتْ بِهَا [الإسراء:110]، فلا يسمعك أصحابك، وإنما يكون بين هذا وذاك، وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [الإسراء:110]، وهذه الآية من الآيات الدالة على أن ديننا دين وسط، ومثلها قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [الفرقان:67]، وكذلك قوله سبحانه: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ[الإسراء:29]، وقوله سبحانه: إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ [البقرة:68].
تاسعاً: القرآن له تأثير على القلوب خاصة من كان يفهم لغة العرب، والمشركون كانوا عرباً أقحاحاً؛ ولذلك القرآن كان يفعل فعله في نفوسهم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي بالليل كانوا يسترقون السمع، يعني: هم فيما بينهم تواطئوا ألا يستمعوا للقرآن، وأن يحدثوا تشويشاً كما حكى الله عنهم: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، لكن هذا فيما بينهم على الملأ في الجلوة، أما بالليل فكانوا يتسللون كل واحد منهم في ناحية يسمع تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي ليلة من الليالي كان الأخنس بن شريق يقف في ناحية، وأبو سفيان بن حرب في ناحية أخرى، وعتبة بن ربيعة في ناحية ثالثة، وأمية بن خلف في رابعة، وهم لا يرون بعضهم بعضاً، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قراءته وركع، تفرقوا فالتقوا. فلام بعضهم بعضاً، كل واحد يقول للثاني: أنت ما الذي جاء بك هنا؟ نحن اتفقنا ألا أحد يسمع القرآن، ثم تعاهدوا على ألا يعودوا إلى سماع القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً كان النبي عليه الصلاة والسلام يسب الأصنام، فكان يقول لهم: هذه آلهة باطلة لا تضر ولا تنفع، لا تعطي ولا تمنع، لا تسمع ولا تبصر، لا تغني عنكم شيئاً، يبين حقيقة هذه الأصنام، والقوم لما ضاقوا بهذه الحقائق ذرعاً قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: (يا محمد! واللات والعزى لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنسبن إلهك)، فأنزل الله عز وجل قوله: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108]، نهى نبيه عليه الصلاة والسلام عن سب تلك الآلهة الباطلة؛ لأن ذلك سيفضي إلى محرم عظيم وهو سب رب العالمين جل جلاله.
وهذه الآية أصل في القول بسد الذرائع، ومعناه أن يكون الشيء مباحاً، لكن يمنع؛ لأنه يؤدي إلى حرام.
وذكر العلماء رحمهم الله من الأمثلة على ذلك: بيع السلاح في الفتنة، يعني: إذا حصلت فتنة بين المسلمين وأنت تاجر سلاح لا تبع لهؤلاء ولا لهؤلاء؛ لأن بيعك للسلاح لأحد الطرفين أو كلاهما يؤدي إلى امتداد الحرب وإلى تطويل أمدها، لكن لو لم يجدوا سلاحاً أجبروا على الكف، وكذلك بيع العنب وبيع الذرة وبيع التمر حلال، قال الله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]. لكن لو علمت أن فلاناً يعصره خمراً فالحلال هذا يمنع؛ لأنه يؤدي إلى حرام، ومن ذلك أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل أباه وأمه، قالوا: يا رسول الله! كيف يسب أباه وأمه؟ -يعني: ليس هناك أحد يسب أباه وأمه- قال عليه الصلاة والسلام: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه )، يعني: أنت لو سببت أبا إنسان أو أمه، ففي الغالب أنه لن يسكت، وإنما سيسب أباك أو أمك فكأنك تسببت في سب أبيك وأمك.
عاشراً: من أساليبهم كذلك في الحرب النفسية: الاتصال باليهود للإتيان بأسئلة تعجيزية لإحراج الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنهم قد بعثوا نفراً منهم إلى المدينة على رأسهم النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط فقالوا لليهود: قد ظهر فينا رجل يزعم أنه نبي، وكان مقتضى الأمانة أن يقول لهم اليهود: نعم. قد أظل زمان نبي وهذا النبي من بني إسماعيل، وصفته كذا وكذا وكذا، هل هو الذي عندكم؟ سيقولون: نعم. لكن اليهود على عادتهم في المراوغة، قالوا لهم: سلوه عن أسئلة ثلاثة، فإن أجابكم فهو نبي، وإلا فروا فيه رأيكم، سلوه: عن فتية خرجوا في الدهر الأول ما خبرهم؟ وسلوه عن رجل ملك المشارق والمغارب؟ وسلوه عن الروح؟
فأتى الله بالجواب لنبيه عليه الصلاة والسلام:
أما الفتية فقول ربنا جل جلاله: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً [الكهف:9-10].
وأما الرجل الذي ملك المشارق والمغارب فقال عنه الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً [الكهف:83].
وأما الروح فقال الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء:85].
الحادي عشر: ومن أساليبهم: الترهيب، فقد كان أبو جهل عليه لعنة الله -وهو أشقى القوم- إذا سمع بأن فلاناً من الناس أسلم يذهب إليه ويقول له: (صبأت؟ تابعت محمداً على دينه؟ وفارقت دين الآباء والأجداد؟ واللات والعزى لنكسدن تجارتك، ولنفيلن رأيك، ولنقطعن رحمك)، يهدده، ويقول له: (لنكسدن تجارتك) تجارتك هذه من الآن لا نبيع لك ولا نشتري منك، (لنفيلن رأيك) يعني: سنجعل رأيك تافهاً لا نقيم له وزناً، (ولنقطعن رحمك، ولنضعن شرفك، ولنهلكن مالك)، وكل أنواع التهديد يسوقها عدو الله أبو جهل على من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني عشر: ومن أساليبهم وهو الأسلوب الثاني: الاعتداء الجسدي، أو التصفية الجسدية.
والاعتداء الجسدي لم يسلم منه حتى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد تعرض عليه الصلاة والسلام للإيذاء، فمثلاً: أبو جهل كان يسوءه جداً أن يرى النبي عليه الصلاة والسلام ساجداً عند الكعبة، فمرة وقف أمام المشركين وقد انتفخت أوداجه، وشمخ بأنفه ويقول: (أما زال محمد يعفر وجهه بالتراب بين أظهركم؟! قالوا: بلى. قال: واللات والعزى لئن رأيته ساجداً عند الكعبة لأشدخن رأسه بحجر)، يعني: سأرميه بحجر حتى أنتهي منه، فلما كان في يوم من الأيام جاء النبي عليه الصلاة والسلام ليصلي عند الكعبة، فسارع المشركون فأخبروا أخاهم في الكفر أبا جهل ، قالوا له: أدرك محمداً. فأخذ عدو الله حجراً عظيماً وما زال يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: يمشي نحوه، والمشركون ينتظرون أن يقضي على النبي صلى الله عليه وسلم، لكنهم فوجئوا وفجعوا بالرجل يلقي الحجر من يده، ويتقي بيديه، ثم يرجع إليهم ممتقعاً لونه متغيراً حاله، قالوا: ما شأنك يا أبا الحكم ؟ قال: ما إن دنوت منه حتى رأيت بيني وبينه خندقاً وأهوالاً وأجنحة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تلك الملائكة لو دنا لتخطفته عضواً عضواً )، يعني كانوا سيقطعونه قطعة قطعة إلى جهنم.
وفي يوم آخر رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة فجاءه أبو جهل أيضاً متظاهراً بالعظمة، قال: يا محمد! ألم أنهك؟! يعني: أنا قلت لك: لا تصل، وهذا نوع من رد الاعتبار لنفسه، فزجره رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهره، وأنزل الله عز وجل: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:9-14]، لا إله إلا الله هذا المسكين ، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14]، أي أن الله عز وجل يسمع كلامه، ويعلم مكانه، وهو قادر على أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14]، ثم تهدده رب العالمين: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ [العلق:15-16] (لنسفعاً)، السفع الأخذ بشدة، (بالناصية)، قال الناصية؛ لأن فيها المركز الذي يوجه الأعضاء، وهي ناصية أبي جهل ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ [العلق:16]، قال الله عز وجل: فَلْيَدْعُ نَادِيَه [العلق:17]، (ناديه) أي: جماعته؛ لأنه كان دئماً يفتخر ويقول: قد علمت قريش أني أعزها نادياً، فَلْيَدْعُ نَادِيَه [العلق:17]، قال الله عز وجل: سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [العلق:18]، يعني الملائكة تأتي، والملائكة الواحد منهم يقلب بلداً كمثل قرى قوم لوط، رفعها جبريل عليه السلام بجناحه إلى السماء حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب وصياح الديكة ثم أفكها، قلبها. ولذلك تسمى في القرآن بالمؤتفكات. والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( رأيت جبريل على الصورة التي خلقه الله عليها وله ستمائة جناح، ما بين الجناح والجناح كما بين المشرق والمغرب ).
ويقول عليه الصلاة والسلام: ( أذن لي أن أتحدث عن أحد من حملة العشر )، وحملة العرش ثمانية قال الله تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17]، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أذن لي أن أتحدث عن أحد من حملة العرش: ما بين شحمة أذنه إلى ترقوته خفقان الطير مسيرة خمسمائة سنة ) كأن الله يقول: يا أبا جهل! ادع من شئت، سندع الملائكة وبعد ذلك انظر المعركة.
والأمر لا يحتاج؛ لأن الله عز وجل قال: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر:48]، وقال: إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:71-72]، هذا الذي تكبر على الله عز وجل.
وأيضاً من الأذى: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ساجداً عند الكعبة فتهامس القوم فيما بينهم فقالوا: من ينطلق إلى جزور بني فلان -الجماعة أولئك نحروا جملاً، من ينطلق فيأتي بسلاها- فيطرحه على رأس محمد؟ -السلا أي الأوساخ التي تخرج من الكرش ونحوها-، فانبعث أشقى القوم عقبة بن أبي معيط لعنه الله، فجاء بسلا الجزور والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد، فطرحه على رأس النبي صلى الله عليه وسلم وظهره، فتضاحك القوم حتى مال بعضهم على بعض، فجاءت فاطمة رضي الله عنها وهي جارية صغيرة وهي تبكي وبدأت تزيل الأذى عن رأس النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم امتنع أن يرفع رأسه لئلا يقذر المسجد، لكن فاطمة رضي الله عنها أزالت هذا الأذى عن رأس أبيها وظهره، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وقال لـفاطمة : ( يا بنية! لا تبكي فإن الله مانع أباك، ثم نظر إلى القوم وقال: اللهم عليك بالملأ من قريش، اللهم عليك بـعتبة بن ربيعة ، اللهم عليك بـعقبة بن أبي معيط ، اللهم عليك بـأبي جهل بن هشام ، اللهم عليك بـأمية بن خلف ) ، فقتلوا يوم بدر كفاراً، وأراح الله عز وجل منهم البلاد والعباد.
وكان هذا الاعتداء بعد وفاة أبي طالب حتى إنه في إحدى المرات أحاط القوم برسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا يخنقه وهذا يجذبه وذاك يلكزه حتى كاد يغشى عليه صلوات ربي وسلامه عليه، فصرخ صارخ بـأبي بكر : أدرك صاحبك فإن القوم قاتلوه، فخرج رضي الله عنه يجر إزاره وما زال يدفعهم ويضربهم وهو يقول كما قال مؤمن آل فرعون: أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ [غافر:28]، فترك القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر يضربونه حتى خلع عتبة بن ربيعة -لعنه الله- نعله، وصار يضرب أبا بكر على وجهه حتى أدماه، فحُمل رضي الله عنه إلى بيته وهو لا يعقل شيئاً، فلما أفاق قرب إليه طعام، فكان أول كلمة قالها: (ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالو: هو بخير يا أبا بكر ، قال: والله لا أذوق طعاماً حتى آتيه فأنظر إليه)، أبى أن يأكل رضي الله عنه حتى يأتي النبي عليه الصلاة والسلام.
نقف عند هذا الحد، وأسأل الله أن يحيينا على سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن يتوفانا على ملته، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يسقينا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم اجمع بيننا وبينه كما آمنا به ولم نره، ولا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، اللهم أوردنا حوضه يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا من المستنين بسنته المعظمين لشريعته الوقافين عند حدوده، إنك على ما تشاء قدير.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين.
السؤال: رجل مات وترك امرأة وأولاداً، وعنده ولد من امرأة قد طلقها من زمان بعيد، والمعاش مائتان وخمسون جنيهاً، فكيف يقسم هذا المعاش؟
الجواب: المعاش ليس تركة أصلاً من أجل أن يسأل هذا السؤال، التركة هي ما خلفه الميت من عقار أو منقول، يعني: خلف أرضاً أو بيتاً، أو منقولات، والمنقولات مثل العفش والأموال وما أشبه ذلك، هذه هي التركة، أما المعاش فما تركه الميت، المعاش إنما هو شيء تفرضه الدولة وفق نظام معين لكفالة بعض من كان يكفلهم الميت حال حياته، مثلاً المعاش في نظام الدولة ما يعطى للولد إذا زاد عمره عن إحدى وعشرين سنة، ولا يعطى للبنت إذا تزوجت، لكن التركة لا يوجد فيها فرق بين طفل عمره واحد وعشرون يوماً، وأخوه الذي عمره واحد وعشرون سنة، وأيضاً التركة لا يوجد فيها فرق بين البنت التي تزوجت وأنجبت وأنجب بناتها أو بنوها وبين الطفلة التي ما بلغت بعد، إذاً: فالمعاش ليس تركة، ولذلك نقول: هذا المعاش يوزع حسب اللائحة الموضوعة من قبل الدولة.
وأما المواد التموينية التي جاءت من المؤسسة الخيرية فإنها تكون لمن صرفت لهم، فهم ما صرفوها للميت، وإنما صرفوها للأحياء، يأكلها أهل البيت.
السؤال: قال الله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284]، كيف ما تخفيه أنفسنا ويحاسبنا الله على ذلك؟
الجواب: هذه الآية نزلت على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284]، يعني: ربنا يحاسبنا على ما أظهرناه وما أخفينا، (فشقت على الصحابة)، يعني: تعبوا منها وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ( يا رسول الله! يحاسبنا ربنا بما أبدينا وما أخفينا إن ذلك لشديد؟! فقال عليه الصلاة والسلام: أتريدون أن تقولوا كما قالت بنو إسرائيل لـموسى: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [البقرة:93]، بل قولوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]، فقالوها. فجاء الفرج من الله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286] ) ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام بشرهم وقال لهم: (إن الله عفا لأمتي عما حدثت به نفسها مالم تتكلم أو تفعل)، يعني: أحد من الناس نوى أن يسرق، وشرع وشال العدة وذهب، ويريد أن ينط في البيت، فسمع قارئاً يتلو: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ [الحديد:16]، فقال: بلى. قد آن قد آن، فتاب إلى الله ورجع ولم يسرق، فهذا يعفو الله عما حدثت به نفسه بخلاف شخص آخر ذهب يفتح الخزنة ويحاول لكنها كانت صلبة قوية، فعجز عن فتحها، فقال: اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، فهذا لا ينفع، فأنت حاولت وشرعت وبذلت مجهوداً، ولكن الله منعك، بعد هذا تقول: اللهم أغنني بحلالك عن حرامك؟
السؤال: أنام عن صلاة الفجر ثم أصليها بعد طلوع الشمس، علماً بأن الحديث يقول: ( رفع القلم عن ثلاثة: والنائم حتى يستيقظ )؟
الجواب: هذا الحديث معروف، والأمة كلها التي تصلي الفجر تعرف هذا الحديث، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يعرفون هذا الحديث، فكلام السائل لا يستقيم.
بل نقول: التهاون بصلاة الفجر والتفريط بها سمة المنافقين، وأي رجل تريد أن تعرفه أنه منافق تابعه في صلاة الفجر، فإذا وجدته متخلفاً عنها متهاوناً بها، فاعلم بأنه على خطر عظيم، قال الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( أثقل صلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الصبح، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً )، والله لو كان عندك امتحان أو لو كان عندك مقابلة شخصية لوظيفة بالدولار، أو لو كنت ماشياً وتقف صفاً في السفارة الفلانية، كنت ستقوم من الساعة الثالثة قبل الفجر، وتقوم مثل الحصان تركض ركض الوحوش في البرية من أجل لعاعة من الدنيا، أما صلاة الصبح فتقول: (رفع القلم عن ثلاثة)، النوم قد يقع مرة في العمر أو مرتين، كأن يكون تعباناً ثم نام قبل: الفجر بأربعين دقيقة مثلاً فما استيقظ إلا على حر الشمس، هنا نقول له: رفع القلم عن ثلاثة، كما حصل للرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه في بعض الغزوات: ( بأنه سار بهم عامة الليل، حتى إذا كان قبيل الفجر نزلوا -يعني: نزلوا يستريحون - قال عليه الصلاة والسلام: من يحفظ لنا الفجر -أي أحدنا يرقب لنا الفجر-؟ قال بلال : أنا يا رسول الله -يعني: نوموا مطمئنين وأنا أحفظ لكم الفجر أؤذن لكم وأوقظكم -فناموا مطمئنين، وما استيقظوا إلا على حر الشمس -حتى اشتدت- فقام الصحابة وهم غضاب، قالوا: أين أنت يا بلال؟ أين ذهبت يا بلال؟ فغضب رضي الله عنه قال: أخذ بعيني الذي أخذ بأعينكم ). أنا نمت، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما سأله قال: ( يا رسول الله! كنت مستيقظاً حتى إذا لم يبق على الفجر إلا قليل شعرت بشيء يهدهدني كما تهدهد الأم وليدها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك الشيطان -الشيطان هذا هو اللي قعد يهدهد -ثم قال: ارتحلوا- طالما البقعة هذه جاء فيها شيطان ارتحلوا- فذهبوا إلى مكان قريب، وأذنوا وتوضئوا وصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والضحى قد ارتفع )، وهذا الحديث يدل على مشروعية الجماعة لقضاء الفائتة، يعني: لو فاتتنا صلاة يمكن أن نصليها جماعة.
لكن بعض الناس ينام وليس عنده نية أن يقوم للصلاة أصلاً، ويقول: عندما أقوم سأصلي، والله غفور رحيم، وبعض الناس -وهذا أشد أيضاً- يضبط المنبه على موعد العمل، إن كان العمل الساعة الثامنة يضبط المنبه على سبعة ونصف، ثم يقوم ويغتسل وينقر الصلاة نقراً ويخرج، قال صلى الله عليه وسلم: ( تلك صلاة المنافق ينتظر حتى إذا كانت الشمس بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً )، نسأل الله أن يتوب علينا جميعاً.
السؤال: سرق حذائي من داخل المسجد بالرغم من وضعه داخل الصندوق المخصص، نرجو أن توجه رسالة لهذا اللص وجميع اللصوص بأننا في شهر عظيم؟
الجواب: اللص هو اللص في رمضان وفي شوال، والسرقة سرقة في كل وقت، لكن أول أمر: السارق ملعون، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده، ويسرق البيضة فتقطع يده )، فالسارق ملعون مطرود من رحمة الله، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: السارق مؤذ، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58].
الأمر الثالث: هذا الإنسان والعياذ بالله! يسرق في مكان له حرمة، وفي زمان له حرمة، ومن شخص له حرمة، يعني: يسرق في المسجد، والمسجد أحب البقاع إلى الله، ويسرق في رمضان أحب الشهور إلى الله، ويسرق من إنسان جاء إلى بيت الله فهو في ذمة الله، فلو أنه ذهب إلى السينما يسرق، أو يمشي في أي مكان لكان أهون. وللأسف بلغ الحال ببعض الناس والعياذ بالله! من قسوة القلب وقلة الديانة بأنه يسرق في الجنازة، ففي إحدى المرات جنازة خرجت من البيت، ونريد أن نصلي عليها أمام البيت، وفجأة وجدت نصف الناس انصرفوا، وسمعت أصواتاً وضجيجاً وعجيجاً، وقالوا: هذا لص، يعني: ساعة ما الناس رفعوا الجنازة وهم مشغولون بها. سرق السارق من ثلاثة، يعني: لو سرق من واحد وذهب كان ستره الله، لكن سرق من ثلاثة والعياذ بالله! فبعض الناس قساة القلوب.
وهؤلاء يخشى عليهم من سوء الخاتمة؛ لأن علماءنا قالوا: أسباب سوء الخاتمة أربعة: التهاون بالصلاة، وعقوق الوالدين، وإدمان الخمر، وأذية المسلمين.
السؤال: هناك وظيفة شاغرة، وأحد الموظفين العاملين هناك أعرفه، ساعدني في إجابة أسئلة المعاينة، فهل إذا تم اختياري للوظيفة يعتبر الراتب مشكوك في صحته؟ وإن كان كذلك فهل أترك العمل؟
الجواب: أنت آثم وهو آثم، وهو خائن وأنت سارق، يعني: كلاكما على خطر، لكن بعد ذلك لو حصل اختيارك فأديت العمل على الوجه المطلوب، وقمت بالأمانة مع توبة نصوح لله عز وجل إن شاء الله يكون راتبك حلالاً.
السؤال: أنا صاحب معرض سيارات، أحياناً أبيع عن طريق البنك، مع العلم أنني متفق مع البنك على شروط منها: إذا عجز الزبون عن سداد المبلغ أثناء فترة السداد يجب علي شراء السيارة، كذلك ألزموني بخمسة وعشرين مقدماً وخمسة وسبعين شيكات. ويجب علي أن أضع شيكات ضمان بمبلغ مائة وخمسة وسبعين جنيه المتبقية، فما حكم هذه المعاملة؟
الجواب: هذه المعاملة فيها عدة أشياء:
أولاً: بالنسبة للجملة الأخيرة أنه يضع الشيكات في البنك بقيمة السيارة؛ لأنه الذي أتى بالزبون، فهذه ليس فيها إشكال، وهذه في شريعتنا تسمى الضمان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الخراج بالضمان )، والضمان حقيقته ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون في تحمل ما وجب عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( من أحيل على مليء فليحتل )، هذا أولاً.
ثانياً: ليس هناك إشكال في أن يكون بعض قيمة المبيع حاضراً، وبعضه مؤجلاً، يعني: ليس هناك مانع أني أشتري منك سيارة فأنقدك بعض الثمن وأؤجل البعض الآخر، حتى لو ترتب عليه زيادة عند بداية العقد، يعني: من البداية أقول لك: أنت لو تشتري كاش بخمسين، ولو ستشتريها بالأقساط لمدة سنة ستصير بستين أو بسبعين، فهذا ليس فيه مانع؛ لأن للزمن جزءاً من الثمن.
لكن الإشكال في أنه يبذل للبنك وعداً بأنه إذا لم يوفق في السداد، فإنه سيقوم بشرائها، هذه عندي إشكال من حيث كونها بيعتين في بيعة، فتحتاج إلى تأمل.
السؤال: امرأة قبل خمس سنوات كانت مفطرة في رمضان بسبب الحمل، ومر عليها الحول ولم تقض، وأتى رمضان التالي له ولم تصم؛ لأنها كانت مرضع، والآن وبعد خمس سنوات ولم تقض ما فاتها، هل عليها القضاء أم القضاء والكفارة؟
الجواب: عليها القضاء فقط؛ لأنها معذورة في تأخيرها.
السؤال: ما حكم تجارة العملة؟ وهل فيها شيء من الربا؟
الجواب: تجارة العملة مباحة بشرط التقابض، بمعنى: أني أبيعك ريالات وآخذ جنيهات فليس هناك مانع، ونتفق أن الريال بتسعين قرشاً أو الريال بجنيه أو الريال بعشرة جنيهات المهم حسب ما نتفق، بشرط أن أسلمك الريالات وأستلم منك الجنيهات، أما أني أسلمك الريالات وتكتب لي شيكاً بعد شهر فهذا هو الربا.
السؤال: هل ما يجري الآن في الدول العربية من خروج الشعب على الحاكم هل يعتبر خروجاً على ولي الأمر؟
الجواب: حتى لو كان خروجاً، يعني: في سوريا الحاكم نصيري علوي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، والطائفة النصيرية كما أفتى أهل العلم: أكفر من اليهود والنصارى، وصاحب ليبيا شيطان من شياطين الإنس، يعني: لا يهودي ولا نصراني ولا أي شيء، رجل جمع الشر كله، وقد سام المسلمين سوء العذاب لمدة اثنتين وأربعين سنة، وفي النهاية قال لشعبه: من أنتم؟
نسأل الله عز وجل أن يعجل به وأن يخرج روحه (زنقة زنقة) كما توعد الناس، فهؤلاء شياطين.
السؤال: استيقظت من النوم فوجدت الساعة السابعة صباحاً، فعلمت أن الشمس قد ارتفعت وقلت: ما دام أن الصلاة قد فاتتني، أنام قليلاً حتى الساعة العاشرة، ثم أصلي الفجر، وكررت هذا ثلاثة أيام كاملة، ما حكم هذا الفعل؟
الجواب: لو مت على هذه الحال فتلك مصيبة، يعني: هو نام عن صلاة الصبح، واستيقظ الساعة السابعة، الواجب عليه أن يقوم يصلي، لكن قال: طالما خرجت سأؤخرها، وهذا لا يجوز؛ قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك )، يعني: الآن تذكرت أني البارحة ما صليت العشاء، الآن أصليها، ما أقول: أخليها وأصليها مع عشاء اليوم كما يظن كثير من الناس، بل يصليها الآن، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ).
السؤال: علمت أن قصر الصلاة لا يكون إلا إذا كان في السفر، لكني سافرت وما كنت أدري كم سأمكث فيها، لكن الأغلب أني سأمكث يومين أو ثلاثة، وكنت أقصر الصلاة وأجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، السؤال: هل أعد ما قصرت من الصلاة؟
الجواب: لا تعد، هذا من حقك، طالما أنك لا تدري المدة، وما نويت إقامة، ثم أنت تذكر بأنها يومين أو ثلاثة، حتى لو نويت يومين أو ثلاثة من حقك أن تقصر، وأن تجمع، فصلاتك صحيحة وليس عليك إعادة.
السؤال: استيقظت على المنبه وكنت قد ضبطته الساعة الرابعة والنصف، وكان حقيقة استيقاظي عند الأذان الثاني، وبعد أن شربت الماء وجدت أن الأذان الثاني يقول: الصلاة خير من النوم؟
الجواب: يجب عليك القضاء فقط، ولا عليك شيء آخر؛ لأنك أكلت بعد طلوع الفجر، وربنا سبحانه وتعالى منع الأكل والشرب بعد طلوع الفجر.
السؤال: رجل يغني فهل ممكن أن يكون إماماً للمصلين؟
الجواب: من ناحية الصحة الصلاة صحيحة إذا كان يأتي بشروطها وأركانها، يعني: يتوضأ بشكل جيد ويستقبل القبلة وقد ستر العورة ويقرأ الفاتحة قراءة سليمة، فمن ناحية الصحة الصلاة صحيحة، لكن الإمام ينبغي ألا يكون لاحناً، يعني: لا يخطئ في القراءة، وألا يكون مأموماً، ولا معيداً ندباً، ولا فاسقاً بجارحة، والفسق هو: إما بارتكاب كبيرة وإما بالإصرار على صغيرة، وإما بأن الإنسان يفعل شيئاً من خوارم المروءة، يعني: ليس حراماً ولكن المروءة ما تقبله عرفاً، وأضرب مثلاً: لو أن إنساناً لبس الملابس الداخلية التي يسموها (الحمالة) أو (الشنكل) أو غير ذلك من التسميات على اختلاف ألسنة الناس، وسروال، فعورته مستورة تماماً، ثم خرج على الناس في الشوارع، فهذا ليس حراماً، لكن هل يقبل أن يكون إماماً؟ الجواب لا يقبل.
هذه هي التي نسميها: خوارم المروءة، فمن يقف أمام الناس ويقول: يا ناس! أنا حبيت، يا ناس! أنا جنيت، سيتسلى به الناس وربما يغنون معه، لكن لو جاء من أجل أن يتزوج لا يزوجوه، وهناك امرأة جاءت تشكو، وهي ما شاء الله محجبة، ويظهر على حالها الاستقامة، فقالت: كلما أتاها خاطب بعد حين ينفر؛ لأن أباها كان مغنياً وأبوها مات من زمان يقرب من عشرين سنة.
فحقيقة أنا لا أظن بأن القلوب تطمئن أن تصلي خلف رجل كان عما قريب يتمايل يميناً ويساراً وهو يغني للحب والعشق والغرام، والأشياء التي تعرفونها.
السؤال: في صلاة المسبوق هل يعتبر ما حضره مع الإمام أول صلاته أم آخر صلاته؟
الجواب: بالنسبة لصلاة المسبوق تعتبر ما حضرته مع الإمام هو أول صلاتك، وبعد سلامه تقوم فتكمل الصلاة.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل بلاء عافية، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك، اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين.
اللهم اجعلنا من عتقائك في هذا الشهر المبارك من النار، اللهم اجعلنا ممن صام رمضان إيماناً واحتساباً، واجعلنا ممن قام رمضان إيماناً واحتساباً، اللهم اجعل شهر رمضان شاهداً لنا ولا تجعله شاهداً علينا، اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ولمشايخنا ولسائر المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لمن بنى هذا المسجد المبارك ولمن عبد الله فيه ولجيرانه من المسلمين والمسلمات.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر