أورد أبو داود باباً في القدر، والقدر -كما جاء في حديث جبريل المشهور- من أصول الإيمان الستة، فقد سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)، وكان جبريل قد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن بعض أمور الدين والصحابة يسمعون، وكان المقصود من ذلك أن يسمع الصحابة الجواب فيعلمون بذلك دينهم، ولهذا قال في آخر الحديث: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)، وقد جاء على صورة رجل غير معروف، والحديث سيأتي، وفيه أنه قال: (وتؤمن بالقدر خيره وشره) . وهذا من أصول الإيمان، والقدر هو سر من أسرار الله عز وجل في خلقه، لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، ولهذا لا يُتعمق في الأسئلة عنه؛ لأن التعمق فيه -كما قال بعض السلف- ذريعة الخذلان. فعلى العبد أن يؤمن بما جاءت به النصوص، وأن يعلم أن الله سبحانه وتعالى حكيم في قدره، وحكيم في شرعه، وأنه تعالى يقدر الأمور لحكمة، كما أنه يشرع ما يشرع لحكمة، والإنسان في باب القدر يأخذ بما هو سائغ، فيأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى السعادة في الدنيا والآخرة، ويستعين بالله عز وجل على تحصيل ما يريد من الخير، ولا يعول على الأسباب ويغفل عن مسبب الأسباب، كما أنه لا يهمل الأسباب ويزعم أنه متوكل على الله، وأن الله إذا قدّر شيئاً فإنه سيأتي إليه وإن لم يفعل السبب، فكل هذا لا يسوغ، وإنما عليه أن يأخذ بالسبب، ويسأل الله أن ينفع به، كما جاء في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله)، فأمر بهذين الشيئين، وهما: فعْل الأسباب، وأن يستعين بمسبِّب الأسباب وهو الله سبحانه وتعالى، فلا يأخذ بالأسباب ويغفل عن الله عز وجل، ويزعم أن هذه أمور مادية، فإذا وجد كذا وجد بسببه كذا هذا لا يصح؛ بل الأمر بيد الله عز وجل، فإذا شاء ألا يوجد المسبَّب لم يوجد، سواء وُجد السبب أو لم يوجد، فالإنسان يزرع ليحصل الزرع والفائدة، وقد يزرع ولا يحصل المقصود؛ لأنه قد تصيبه آفة، وقد يتزوج الإنسان لتحصيل الولد، ثم بعد ذلك قد لا يأتيه ولد مع أنه قد فعل السبب.
إذاً: لابد مع فعل السبب من التوكل والاعتماد على الله عز وجل، وسؤاله أن ينفع بالسبب.
وكذلك لا يهمل الإنسان السبب ويقعد في بيته ويقول: لا أبحث عن الرزق؛ لأنه لو كان الله قد كتب لي شيئاً فسيأتيني إلى بيتي ولو لم أخرج، فهذا أيضاً أمر لا يسوغ، بل على الإنسان أن يفعل السبب لكن لا يعتمد عليه، فليس السبب هو كل شيء، لذلك فإن التوكل الحقيقي هو الذي يكون فيه الأخذ بالأسباب، وأما التوكل بدون أخذ الأسباب فهو تواكل وليس بتوكل، وهذا مثل فعل الجماعة الذين كانوا يحجون ولا يأخذون زاداً ويقولون نحن المتوكلون، وإذا سافروا سألوا الناس، أو تحرّوا من الناس أن يحسنوا إليهم، وقد تركوا أموالهم في بلدانهم، فتصير حقيقتهم أنهم متأكلون، وليسوا بالمتوكلين، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً، وتروح بطاناً) . أي: أنها لم تجلس في أوكارها وتنتظر إلى أن يأتيها رزقها إليها، وإنما تراها إذا أصبحت خرجت من أوكارها خامصة البطون، (خماصاً) . أي: فارغة البطون، (وتروح بطاناً) أي: وترجع ممتلئة البطون، فهي قد أخذت بالأسباب، فعلى الإنسان أن يجمع بين الأمرين اللذين أرشد إليهما الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)، ثم إذا فعل الإنسان ما يقدر عليه فلا يقل إذا فاته ما أراد: (لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن ليقل: قدر الله وما شاء فعل)، أي: أن هذا الذي وقع هو (قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) . فلو أن إنساناً دخل في مشروع تجاري فلم يربح فيه فلا يقل: لو أني لم أدخل في هذا المشروع ودخلت في مشروع آخر لكان كذا وكذا، فيقال له: هذا الذي وقع هو الذي قدره الله عز وجل، ثم ما يدريك أنك إذا دخلت في المشروع الثاني أنه كان سيصير كذا وكذا؟ فكل ذلك غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، فعلى الإنسان أن يأخذ بالأسباب المشروعة ويستعين بالله سبحانه وتعالى.
والمرتبة الثالثة: أن من صفات الله عز وجل الإرادة والمشيئة، ومعنى ذلك: أن الله عز وجل شاء أن يحصل وأن يقع كذا، فيقع طبقاً لما شاء سبحانه وتعالى، والإرادة مثل المشيئة إلا أنها تختلف عنها بأنها قد تأتي لمعنىً شرعي، والمشيئة لا تأتي إلا لمعنىً كوني فقط، ولا تأتي لمعنى شرعي، فإطلاقاتها في الكتاب والسنة كلها تتعلق بالقدر والقضاء والمشيئة الكونية، وأما الإرادة فإنها قد تأتي لمعنى كوني فتكون مثل المشيئة، وقد تأتي لمعنىً شرعي ديني، وبذلك تخالف المشيئة، فهي تتفق معها في الكونية، وتختلف عنها بأنها تأتي لمعنى شرعي، أي: أن بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً، فيجتمعان في المعنى الكوني، وتنفرد الإرادة بأنها تأتي لمعنى شرعي لا تأتي فيه المشيئة.
وهناك ألفاظ أخرى تأتي بمعنى المشيئة، أي: تأتي لمعنى كوني ولمعنى شرعي وهي: الحكم والإذن والكتاب والكلمات والتحريم وغير ذلك، وقد عقد ابن القيم رحمه الله في كتابه (شفاء العليل) الذي يتعلق بالقدر فصلاً ذكر فيه ثلاثين باباً كلها تتعلق بمسائل القدر، وذكر من جملتها باباً يتعلق بالكلمات التي تأتي لمعنى كوني، أو لمعنى شرعي، مع التمثيل لها.
والفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية أن الإرادة الكونية لابد من وقوعها، وأما الإرادة الشرعية فقد تقع وقد لا تقع، وهي تكون فيما يحبه الله، وما لا يحبه الله، وذلك قد يحصل وقد لا يحصل، فهذا الذي شرعه وأمر الناس به -وهو محبوب له- منهم من امتثله، ومنهم من لم يمتثله.
وأما الإرادة الكونية فلابد من وقوعها، فالشيء الذي قدره الله وقضاه لابد أن يقع، فمن الناس من يستجيب لشرع الله فتجتمع فيه الإرادتان الكونية والشرعية، ومنهم من لا يستجيب، فتتحقق فيه الإرادة الكونية فقط، وهي أنه شقي لم يمتثل ما يحبه الله عز وجل، فما شاء الله عز وجل كان، وما لم يشأ لم يكن.
والناس يعرفون ما قدره الله وقضاه بأمرين: الأمر الأول: الوقوع، فكل ما وقع فإن الله قد شاءه؛ لأنه لو لم يشأه لم يقع، (ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك)، فالشيء المقدر لابد أن يوجد ولا يتخلف.
والمرتبة الرابعة: هي الخلق والإيجاد، أي: إيجاد الله عز وجل وخلقه للشيء الذي علمه أزلاً، وكتبه في اللوح المحفوظ، وشاءه وأراده، فيقع كما علمه وكتبه وشاءه، فهذه المراتب الأربع لابد منها في القدر.
لكن لا يجوز أن تسلب الإرادة والمشيئة من العبد كما هو قول الجبرية، ولا يجوز أن يقال: إن الله تعالى لم يقدر أعمال العباد ولم يخلقها، وإنهم هم الذين يخلقونها ويوجدونها كما هو قول القدرية النفاة (المعتزلة)، ولا يدخلون أفعال العباد في معنى الآيات العامة التي تدل على عموم خلقه، بل يدخلون تحتها ما لا يجوز أن يدخل، فيقولون: إن القرآن مخلوق، ويقولون: إذا كان الله خالق كل شيء فسيكون القرآن مخلوقاً، وأما أفعال العباد التي لا يجوز أن تخرج من خلق الله فإنهم يخرجونها، فأدخلوا ما لا يصلح دخوله، وأخرجوا ما لا يصلح خروجه، ولاشك أن كلتا الطائفتين منحرفتان عن الحق والهدى، ومجانبتان للصواب، والحق وسط بينهما.
فأهل السنة والجماعة وسط في باب القدر بين الجبرية المثبتة الغلاة في الإثبات، وبين القدرية النفاة، لأن السنة يقولون: إن أفعال العباد خلق الله عز وجل، وهي كسب للعباد، فقد حصلت بمشيئتهم وإرادتهم التابعة لمشيئة الله وإرادته، فالعباد ليسوا مستقلين بحيث إنهم يحصل منهم شيء في الوجود لم يقدره الله تعالى، ولا يقال: إنهم لا إرادة لهم ولا مشيئة، وإنهم مسيرون، وإنهم مثل الأشجار التي تحركها الرياح، ومثل حركة المرتعش، ولا يقال: إنهم مجبورون على أعمالهم، وكيف يكلفون وهم مجبورون؟! وكيف يقال لهم: افعلوا كذا وكذا وليس لديهم مشيئة ولا إرادة؟ بل لهم مشيئة وإرادة، لكن لا يقال: إن مشيئتهم وإرادتهم مستقلة، وإنهم قد يفعلون شيئاً لم يقدره الله تعالى، بل مشيئتهم تابعة لمشيئة الله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر، فأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، فهؤلاء عملوا بمشيئتهم وإرادتهم، وهؤلاء عملوا بمشيئتهم وإرادتهم، وكل ذلك يكون مطابقاً لما شاءه الله وقدره وقضاه، فأعمال العباد هي كسب للعباد وخلْق الله عز وجل، فتتعلق بمشيئتهم وإرادتهم، ويحمدون على حسنها، ويذمون على سيئها، وما حصل منهم من الحسن والسيئ فإنه داخل تحت خلق الله عز وجل ومشيئته.
وأما ما جاء في الحديث: (والشر ليس إليك)، فليس معناه أنه ليس إلى الله خلقاً وإيجاداً، وإنما المقصود من ذلك -كما قال بعض أهل العلم- أن الله عز وجل لا يخلق شراً محضاً لا خير فيه بوجه من الوجوه، بل إنه خلق الشر لحكمة، ويترتب عليه مصلحة وفائدة، فلا يقال: إنه تعالى يخلق شراً لا فائدة من ورائه ولا حكمة، ولا يترتب عليه مصلحة، بل كل ما يخلقه لحكمة، فالشر هو خلق الله، والخير هو خلق الله، وكل شيء بخلقه وإيجاده، وبقضائه وقدره، ولهذا فإن عقيدة المسلمين تدور وتنبني على كلمتين وهما: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فما أصابك لم يكن ليخطئك، وهذا هو الذي شاءه الله أن يكون، فلا يمكن أن يتخلف، وما أخطأك لم يكن ليصيبك؛ وهذا هو الذي قدر الله أنه لا يكون، فلا يمكن أن يحصل لك.
ولهذا جاء في حديث ابن عباس (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)، فلا يحصل في الوجود حركة إلا بقضاء الله وقدره كما قال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس)، فحتى نشاط النشيط، وحركة المتحرك، وخمول الخامل كل ذلك مقدر.
وبهذا الجواب يتبين لنا أن العبد لا يكون مسيَّراً فقط أو مخيَّراً فقط، وإنما هو مسيَّر باعتبار ومخير باعتبار، فهو مخير وليس بمجبور، بمعنى أنه له مشيئة وإرادة، وقيل له: هذا يوصلك إلى الجنة، وهذا يوصلك إلى النار، فالإنسان يختار طريق السعادة أو طريق الشقاوة، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10]، ومسيَّر باعتبار أنه لا يحصل منه شيء خارج عن مشيئة الله وإرادته، بل ما شاءه الله فلابد أن يوجد، لكن لا يقال: إن ما شاءه الله لابد أن يوجد، وليس للإنسان مشيئة ولا إرادة.
فالإنسان الذي ترتعش يده لا يكون هذا من فعله ولا من كسبه، ولا يقال له: كفّ يدك عن التحرك؛ لأنه لا يقدر على هذا، لكن إذا كان الإنسان يؤذي الناس فإنه يقال له: كف يدك عن الناس، ويؤدب حتى يكف؛ لأنه يستطيع أن يفعل ذلك، وهذا شيء بإرادته ومشيئته، وبهذا يتبيّن الفرق بين الشيء الذي يكون تحت مشيئة الإنسان، والشيء الذي ليس تحت مشيئته، فالجبرية يقولون: إن جميع حركات العباد كحركة المرتعش، أي: أن الإنسان ليس له مشيئة ولا إرادة، وهذا باطل.
وهذه المعاني التي ذكرتها الآن مما يتعلق بالقضاء والقدر، هي وغيرها ذكرتها في كتاب (شرح العقيدة القيروانية).
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في القدر]، ثم أورد حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم)، والقدرية هم نفاة القدر، فيقولون: إن العبد خالق لفعله، وإن الله عز وجل لم يقدر عليه الشر، وإنما العبد هو الذي فعله، ويقولون: إن الله تعالى منزه عن الفحشاء فلا يريدها، ومعلوم أن الخير والشر كله من الله عز وجل، وأن كل ما يقع في الوجود من خير وشر فهو بقضاء الله وقدره، ومشيئته وإرادته، وقد جاء في القرآن الكريم نسبة الهداية والإضلال إليه، وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأنه لو شاء لهدى الناس أجمعين، قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149]، فكل شيء بقضاء الله وقدره، ولا يقع في ملك الله إلا ما شاءه، فـالقدرية هم نفاة القدر.
قوله: [ (مجوس هذه الأمة) ] أي: أنهم يشابهون المجوس الذين جعلوا للكون خالقَين، وهما: النور والظلمة، وأن الخير يرجع إلى النور، والشر يرجع إلى الظلمة، فهؤلاء جعلوا الخير يرجع إلى الله، والشر يرجع إلى العباد، وأن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم، والله عز وجل يقول: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16]، فهذه الآية عامة لا يخرج عنها شيء، فكل شيء مخلوق فهو من خلق الله وإيجاده، سواءً كان ذاتاً أو صفات، فالذوات مخلوقة، والصفات -وهي الأعمال- مخلوقة، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، فهو خالق العباد، وخالق أفعال العباد، وهي كسب لهم، فيحمدون على حسنها، ويذمون على سيئها، ويثابون على حسنها، ويعاقبون على سيئها، فتضاف إليهم باعتبار الكسب، وتضاف إلى الله عز وجل باعتبار الخلق والإيجاد، فلا يقع في ملك الله شيء لم يرده الله سبحانه وتعالى، ويذكر أن أعرابياً سرقت له حمارة، فجاء إلى عمرو بن عبيد يطلب منه أن يدعو الله تعالى أن يردها عليه، فقال: اللهم! إنك لم تُرد أن تُسرق فسُرقت فارددها عليه، فقال الأعرابي: لا حاجة لي بدعائك، لأنه قد يريد ردّها فلا ترد، فهذا الأعرابي على الفطرة لذلك أنكر عليه هذه المقولة.
وهذا الحديث حسنه الألباني وفيه انقطاع، فقد قيل: إن أبا حازم لم يسمع من ابن عمر ، لكن قال بعض أهل العلم: إن أبا حازم كان موجوداً مع ابن عمر في المدينة، وكان في زمانه، فيكون قد أدركه ولقيه وعاصره، فإذا روى عنه فإنه يكون مقصوراً على شروط مسلم ؛ لأن مسلم - لا يشترط العلم بالسماع، وإنما يكفي المعاصرة مع إمكان السماع، وهذا موجود في أبي حازم مع ابن عمر ، فإنه من الممكن أن يروي عنه، ولهذا حسن الحديث الشيخ الألباني .
وفيه بيان ذم هذه الفرقة الضالة وأنهم مضاهئون للمجوس الذين يقولون بتعدد الخالقين، والقرآن والسنة يردان عليهم، وقد ذكرنا بعض الأدلة فيما سبق.
وأما عن تكفيرهم؛ فمن أنكر منهم علم الله تعالى الأزلي فلا شك في كفره، وأما القدرية المعتزلة الذين يثبتون العلم فما أعلم شيئاً يتعلق بتكفيرهم.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ].
عبد العزيز بن أبي حازم صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
أبو حازم سلمة بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا في الجملة مثل الذي قبله إلا أن فيه: (لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة -أي: أمة محمد صلى الله عليه وسلم- الذين يقولون لا قدر... وهم شيعة
وهذا الحديث في إسناده رجل مجهول، ورجل ضعيف، فالرجل المجهول هو عمر مولى غفرة ، والرجل المبهم هو رجل من الأنصار.
قوله: [ (من مات منهم فلا تشهدوا جنازته، ومن مرض منهم فلا تعودوهم) ]. إذا كان يترتب عليه تأديبهم، ورجوعهم فهو عام في جميع أهل البدع، لكن لا يقال: كل من كان عنده بدعة فإنه يطبق عليه هذا الكلام، وإنما هو في أهل البدع، وأصحاب المذاهب المبتدعة، فمن كان منهم مسلماً وليس بكافر فتترك عيادته تأديباً وزجراً وردعاً لهم ولغيرهم، وهذا أمر مطلوب، وهو هنا نصّ في القدرية.
هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمر بن محمد ].
عمر بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن عمر مولى غفرة ].
هو عمر بن عبد الله مولى غفرة ، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي .
[ عن رجل من الأنصار ].
رجل من الأنصار مبهم هنا.
[ عن حذيفة ].
هو حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
زاد في حديث يحيى : (وبين ذلك)، والإخبار في حديث يزيد ].
أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود): أي: جاءت منهم هذه الألوان والهيئات، (والسهل والحزن والخبيث والطيب) السهل الذي فيه سهولة ولين ورقة ورفق، والحزونة هي الشدة والغلظة، فالسهل والحَزْن متقابلان، والخبيث والطيب متقابلان.
قوله: [ زاد في حديث يحيى (وبين ذلك) ].
أي: بين السهولة والحزونة، أي: وسط بين ذلك.
قوله: [ والإخبار في حديث يزيد ].
المقصود بالإخبار هنا التحديث؛ لأن الموجود (حدثنا) وليس فيه (أخبرنا)، فيستعملون (أخبرنا) بمعنى (حدثنا)، وبعض العلماء يفرق بين حدثنا وأخبرنا، فيأتي بـ(حدثنا) إذا سمع الحديث من لفظ الشيخ، ويأتي بـ(أخبرنا) إذا قرئ على الشيخ وهو يسمع، ومن العلماء من يسوي بينهما، وهنا فيه التسوية بينهما؛ لأنه قال: والإخبار، مع أنه قال: حدثنا.
هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ أن يزيد بن زريع ].
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ويحيى بن سعيد حدثاهم ].
هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عوف ].
هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا قسامة بن زهير ].
قسامة بن زهير ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي موسى .
[ حدثنا أبو موسى ].
هو أبو موسى الأشعري وهو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في البقيع وكانوا معه، فجلس ومعه مخصرة -وهي عصا صغيرة-، فجعل ينكت بها في الأرض) أي: يخطط بها، وهذا -كما يقولون- عمل المهموم (فقال عليه الصلاة والسلام : ما من نفس منفوسة). ما من نفس منفوسة أي: مولودة، والمرأة إذا ولدت يقال لها: نفساء؛ لأنه يسيل منها الدم، ونفست يعني: خرج منها الدم، ويقال للدم: نفس، وهناك كلمة مشهورة عن إبراهيم النخعي قال فيها: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، أي: ما لا دم له سائل، فالمراد بقوله: (منفوسة) أي: مولودة، (إلا وكتبت شقية أو سعيدة، وكتب مكانها من الجنة أو النار)، وهذا شيء قد سبق به القضاء والقدر، وقد كتب ومضى، (فقال رجل: يا رسول الله! ألا نتكل على كتابنا وندع العمل؟) أي: ما دام أنه قد سبق القضاء والقدر بأن الشقي شقي، وأن السعيد سعيد ، وأن الذي في الجنة في الجنة، والذي في النار في النار، فما دام الأمر كذلك ألا ندع العمل، وسيصير الكل إلى مكانه: إما إلى الجنة وإما إلى النار؟ (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اعملوا) أي: إنّ هذه الغايات والنهايات التي قدرها الله عز وجل من الشقاوة والسعادة قد قدّر الله تعالى أعمالاً تؤدي وتوصل إليها، فالذي يعمل خيراً ويوفق لسلوك طريق الخير ينتهي به الحال إلى الغاية الحميدة المقدرة وهي السعادة، وإذا سلك واختار طريق الشر -وهذا بمشيئته وإرادته وعمله- فإن ذلك سيؤدي به إلى الغاية السيئة وهي الشقاوة، وبهذا تكون الغاية مقدرة، والوسيلة مقدرة، والله تعالى قد قدّر أن هذا سيعمل بعمل أهل الجنة فيكون من أهل الجنة، وأن هذا سيعمل بعمل أهل النار فيكون من أهل النار.
وهذا الذي فعله الإنسان بمشيئته وإرادته لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته، بل هو تابع لمشيئة الله، فما قدره وقضاه لابد أن يكون، حيث قدر أن هذا يعمل بعمل أهل السعادة وينتهي إلى السعادة، وأن هذا يعمل بعمل أهل الشقاوة وينتهي إلى الشقاوة، فالوسيلة مقدرة والغاية مقدرة، وكل شيء يقع في الوجود فقد سبق به القضاء والقدر، فبين النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الجواب أن المطلوب هو التقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة، والناس مأمورون بما يعود عليهم بالخير، ومنهيون عما يعود عليهم بالشر، وقد بين الله عز وجل لهم طريق الخير من طريق الشر كما قال: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10]، فمن وفقه الله عز وجل فإنه يعمل الأعمال الصالحة التي تفضي به إلى السعادة، ومن خذله الله عز وجل ولم يوفقه فإنه يعمل الأعمال الخبيثة التي توصله إلى الشقاوة وإلى النار.
وهذا البيان من أوضح البيان في أن المقصود هو العمل، والقدر سر من أسرار الله عز وجل في خلقه، لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت منصور بن المعتمر ].
هو منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعد بن عبيدة ].
سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن حبيب ].
عبد الله بن حبيب هو أبو عبد الرحمن السلمي ثقة مقرئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن علي رضي الله عنه ].
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب أهل الكتب الستة.
فـعلي بن أبي طالب هو: (أمير المؤمنين، وابن عم سيد الأولين والآخرين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأمر إليهم شورى من بعده، أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال الحافظ في التقريب: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وزوج ابنته، من السابقين الأولين، والمرجح أنه أول من أسلم، وهو أحد العشرة، مات في رمضان سنة أربعين، وهو يومئذ أفضل الأحياء من بني آدم في الأرض بإجماع أهل السنة، وله ثلاث وستون سنة على الأرجح).
أي: أنه بعد وفاة الخلفاء الذين قبله لم يكن هناك أحد أفضل منه، وليس في الصحابة أفضل منه بعد الخلفاء الراشدين الثلاثة، وهذا باتفاق أهل السنة.
قال: ورمز لكون حديثه في الكتب الستة، وقال الخزرجي في الخلاصة: (علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم).
وعبد مناف هو اسم أبي طالب فقد كان مشهوراً بكنيته، وأبو طالب هو عمّ النبي صلى الله عليه وسلم وأعمام الرسول صلى الله عليه وسلم الذين أدركهم الإسلام أربعة وهم: حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب ، فـأبو طالب اسمه عبد مناف ، وأبو لهب اسمه عبد العزى ، فوفق اثنان ودخلا في الإسلام، وتشرفا بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخذل اثنان فماتا على الكفر، ولم يدخلا في الإسلام، وقد قال الحافظ ابن حجر : إن من غريب الاتفاق الذي حصل أن هؤلاء الأعمام الأربعة وفق اثنان منهما للإسلام، وأسماؤهم توافق أسماء المسلمين، ولم يوفق اثنان لذلك، وأسماؤهم تماثل أسماء الكفار، فهي معبدة لغير الله عز وجل.
قال: (علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، أبو الحسن ، ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وختَنُه على ابنته، أمير المؤمنين يكنى أبا تراب ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وهي أول هاشمية ولدت هاشمياً، له خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثاً، اتفقا على عشرين، وانفرد البخاري بتسعة، ومسلم بخمسة عشر).
وهذه من فوائد (الخلاصة) للخزرجي ، فهو إذا ذكر الصحابة ذكر جملة ما لهم من الأحاديث في الكتب الستة، وعدد الأحاديث التي اتفق عليها البخاري ومسلم ، وعدد الأحاديث التي انفرد بها البخاري ، وعدد الأحاديث الذي انفرد بها مسلم ، ومثل هذا لا يوجد في التقريب.
قال: (شهد بدراً والمشاهد كلها، وروى عنه أولاده: الحسن والحسين ومحمد وفاطمة وعمر ، وابن عباس والأحنف وأُمم، قال أبو جعفر : كان شديد الأدمة، ربعة إلى القصر، وهو أول من أسلم من الصبيان جمعاً بين الأقوال، قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) ).
وقد قال له هذا لما خلفه في المدينة في غزوة تبوك، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد استنفر الناس، وأعلن للناس أنه سيغزو الروم، وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد غزوة ورّى بغيرها، فإذا أراد أن يذهب إلى جهة الشمال فإنه يسأل -مثلاً- عن طرق في جهة الجنوب، فالذي يسمع مثل هذه الأسئلة يظن أنه سيذهب إلى جهة الجنوب؛ وفعله هذا إنما هو لإخفاء مسيره على الأعداء الذين يريد أن يغزوهم حتى لا يستعدوا له، وأما في غزوة تبوك فإنه قد أعلن لهم أنه سيغزو الروم، وأمر الناس بالاستعداد لذلك؛ لأن المسافة بعيدة وكان ذلك في الصيف، والصيف حار، والعدو كبير، فأراد أن يستعد الناس، ثم إنه خلّف علياً في المدينة ليكون قائماً بشئون أهل بيته، ومن بقي في المدينة من أهل الأعذار، ولما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه نظر علي وإذا به وحده مع النساء والصبيان، مع أنه من أهل الشجاعة رضي الله عنه، ويريد أن يجاهد في سبيل الله ولا يريد أن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟) أي: إني خلفتك في المدينة حتى أرجع كما خلف موسى أخاه هارون حتى يرجع، وهذا لا يدل على أنه أولى من غيره بالخلافة، وإنما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف قريباً له, وأما موسى فقد خلف أخاه والفرق بين المشبه والمشبه به أن المشبه به نبي خلف نبياً، وأما المشبه فنبي خلف قريبه؛ لأنه لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي)، فهذا هو الفرق بين المشبه والمشبه به، وهو لا يعني أنه هو الخليفة من بعده؛ لأن موسى إنما خلف أخاه هارون مدة غيبته، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خلف علياً رضي الله عنه مدة غيبته، فلا يدل هذا على أنه أحق بالخلافة من غيره، ولا يدل على أنه أفضل من غيره، وإنما يدل على فضله، ثم إنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له ذلك ابتداءً، وإنما قال له ذلك تطييباً لخاطره لما قال: أتخلفني في النساء والصبيان.
قال: (وفضائله كثيرة، وقد استشهد ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت أو خلت من رمضان سنة أربعين، وهو حينئذ أفضل من على وجه الأرض.
وذكر الحافظ ابن حجر في (مقدمة الفتح) أن له عند البخاري تسعة وعشرين حديثاً، وقال ابن حجر في (الإصابة) أبو الحسن أول الناس إسلاماً في قول كثير من أهل العلم، ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، فَرُبّي في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفارقه، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك، فقال له بسبب تأخيره بالمدينة: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟)، وزوّجه ابنته فاطمة ، وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد، ولما آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه قال له: (أنت أخي)، ومناقبه كثيرة، حتى قال الإمام أحمد : لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لـعلي ، وتتبع النسائي ما خُصّ به من دون الصحابة فجمع من ذلك شيئاً كثيراً بأسانيد أكثرها جياد، وقال الذهبي في (تذكرة الحفاظ): أبو الحسن الهاشمي ، قاضي الأئمة، وفارس الإسلام، وخَتنُ المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان ممن سبق إلى الإسلام ولم يتلعثم، وجاهد في الله حق جهاده، ونهض بأعباء العلم والعمل، وشهد له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجنة، وقال: (من كنت مولاه فـ
وقد روى هذا الحديث غير سهل أكثر من اثني عشر صحابياً ذكرهم في (تهذيب التهذيب).
قوله: (قالوا: يا رسول الله! أفلا نتكل؟)، ورد في بعض النصوص تعيين السائل، ففي بعضها أنه سراقة بن مالك بن جعشم ، وفي بعضها: أنه شريح بن عامر الكلابي ، وفي بعضها: أنه عمر رضي الله عنه، وفي بعضها: أنه أبو بكر رضي الله عنه، قال الحافظ ابن حجر بعد ذكرها: والجمع بينها أن تحمل على تعدد السائلين عن ذلك.
قوله: (أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل): قال الحافظ ابن حجر والفاء معقبة لشيء محذوف تقديره: فإذا كان كذلك أفلا نتكل، وحاصل السؤال: ألا نترك مشقة العمل فإنا سنصير إلى ما قدر علينا؟ وحاصل الجواب: لا مشقة؛ لأن كلاً ميسر لما خلق، وهو يسير على من يسره الله عليه.
قال الطيبي : الجواب من الأسلوب الحكيم: منعهم عن ترك العمل، وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية، وزجرهم عن التصرف في الأمور المغيبة، فلا يجعل العبادة وتركها سبباً مستقلاً لدخول الجنة والنار، بل هي علامات فقط. انتهى.
وهذا الحديث أصل في باب القضاء والقدر، وأنه قد سبق قضاء الله تعالى بكون المكلفين فريقين: فريقاً في الجنة، وفريقاً في السعير.
قال النووي : قال الإمام أبو المظفر السمعاني : سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول، فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ شفاء النفس، ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب؛ لأن القدر سر من أسرار الله تعالى التي ضربت من دونها الأستار، اختص الله به، وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم؛ لما علمه من الحكمة، وواجبنا أن نقف حيث حد لنا ولا نتجاوزه، وقد طوى الله تعالى علم القدر عن العالم، فلم يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب. انتهى.
وقال الطحاوي في عقيدة أهل السنة: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسُلَّم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه كما قال الله تعالى في كتابه: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، وقال: فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائناً لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، وقال: فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيماً، وأحضر للنظر فيه قلباً سقيماً، لقد التمس بوهمه في محض الغيب سراً كتيماً، وعاد بما قال فيه أفّاكاً أثيماً.
من فقه الحديث وما يستنبط منه.
أولاً: مشروعية اتباع الجنازة.
ثانياً: أن متبع الجنازة عليه أن يتذكر الآخرة، وأن يظهر عليه أثر ذلك.
ثالثاً: موعظة العالم أصحابه عند القبور.
رابعاً: إثبات القدر، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
خامساً: مراجعة العالم والاستفسار منه عما قد يشكل.
سادساً: أن السعادة والشقاوة بتقدير الله وقضائه.
سابعاً: الرد على الجبرية؛ لأن التيسير ضد الجبر، فالجبر لا يكون إلا عن كره، ولا يأتي الإنسان الشيء بطريق التيسير إلا وهو غير كاره له.
ثامناً: الرد على القدرية؛ لأن أفعال العباد وإن صدرت عنهم فقد سبق علم الله بوقوعها بتقديره سبحانه وتعالى.
تاسعاً: أن العمل الطيب أمارة على الخير، والعكس بالعكس.
عاشراً: النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له.
حادي عشر: أن السنة تبين القرآن، وتوضحه، وتدل عليه ).
الجواب: الكلمات الكونية هي مثل الإرادة الكونية، والكلمات الشرعية مثل الإرادة الشرعية، فالكلمات الشرعية هي الأوامر والنواهي، والقرآن من كلمات الله الشرعية، فهو أوامر ونواهٍ وأخبار، وأما الكلمات الكونية فهي الكلمات القدرية، وذلك مثل: كلمة الإرادة والمشيئة، ولهذا جاء في قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115] أي: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأوامر والنواهي، وهي الكلمات الشرعية، فالكلمات الشرعية مشتملة على أخبار وأحكام، فأخبارها صادقة، وأحكامها عادلة.
الجواب: القدرية هم أولاً صنفان متقابلان، ثم إن النفاة فيهم غلاة.
الجواب: قال الشافعي رحمة الله عليه: ناظروا القدرية بالعلم؛ فإن أقروا به خصموا، وإن أنكروه كفروا، ومن نفى ذلك فلا شك أنه من غلاة القدرية.
الجواب: الذين قالوا: الإيمان قول وعمل لا يريدون إخراج الاعتقاد بالقلب عن هذا؛ لأن العمل -كما هو معلوم- عمل بالقلب، وعمل باللسان، وعمل بالجوارح، فالقلوب لها أعمال، كما أن الجوارح لها أعمال.
الجواب: الكفر يكون بالتكذيب وغير التكذيب، فليس خاصاً بالتكذيب، فسب الله عز وجل مثلاً كفر، مع أنه ليس بتكذيب.
الجواب: المرجئة غلبوا جانب الوعد، وأهملوا جانب الوعيد، فأخذوا بأحاديث الوعد، وأهملوا أحاديث الوعيد، وعكْسهم الخوارج الذين غلبوا جانب الوعيد، وأهملوا جانب الوعد، وأما أهل السنة والجماعة فأعملوا النصوص جميعاً.
الجوانب: يجوز بيع الأرض بالأرض متساوياً ومتفاضلاً، وليس لذلك علاقة بالربا.
الجواب: هذا من الأمور المحدثة.
الجواب: هناك خلاف، والأظهر أنه ليس بطلاق، ولهذا لا يحتاج إلى عدة طلاق، وإنما يكتفى فيه استبراء الرحم بحيضة، فالأصح فيه أنه فسخ وليس بطلاق.
الجواب: هو بينونة، وتملك نفسها بمجرد دفعها للشيء الذي اتفق عليه من العوض ولا يملك هو رجعتها، ولكن إذا أراد أن يرجع إلى ما كان عليه فإنه يحتاج إلى عقد ومهر جديدين، وإلا فإنه ليس له حق الرجعة، فقد بانت منه بحصول الاتفاق على الفسخ، ولكنه لا يعتبر طلاقاً.
الجواب: يمكن، ولكن من ناحية العمل، فالقلوب لها أعمال، والجوارح لها أعمال.
وأما إطلاق القول على ما يقوم في القلوب فالأصل أن الكلام هو ما يسمع من المتكلم ويفهم، لكن قد يطلق القول أحياناً على ما يقوم في القلب دون أن ينطق به الإنسان إذا قيد، كما قال الله عز وجل: وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ [المجادلة:8]، فلما جاءت كلمة: في أنفسهم عُرف أن هذا يرجع إلى القلب، لكن لو لم تأت لانصرف إلى الكلام المسموع من المتكلم، وكذلك قول الصحابي: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يطيل من الركوع حتى أقول في نفسي قد نسي) لكن الأصل أن القول يكون بالكلام، ولهذا جاء في الحديث: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل).
ولو طلق الإنسان في قلبه فلا يعتبر مطلقاً، وكذلك لو أعتق في قلبه فلا يعتبر معتقاً حتى يوجد منه اللفظ الذي يحصل به العتق والطلاق.
الجواب: لم يأت شيء في هذا بعد الدفن، وإنما جاء قبل الدفن، وأما بعد الدفن فيقفون على القبر ويدعون للميت ثم ينصرفون، لكن إذا حصل تذاكر أو كلام عابر قبل الدفن فلا بأس به كما جاء في الحديث.
الجواب: هي من كلام الطحاوي رحمه الله، ومعناه: أنه شيء خفي اختص الله تعالى به، ولا يعلم حقيقته إلا هو سبحانه وتعالى، وله الحكمة البالغة في ذلك، فهو من الأسرار الخفية التي لا يبحث عنها، ولا يتعمق فيها، وأما الكلام في القدر طبقاً لما جاءت به النصوص فهذا أمر مطلوب، ولكن المحذور هو التعمق فيه، والاعتراض عليه؛ ولهذا قال الله عز وجل يقول: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149]، فمن حكمته أن جعل الناس فريقين، وهذا لا يعني: أنهم مجبورون بل لديهم عقول وإرادة ومشيئة، ويقدمون بأنفسهم على ما ينفعهم وما يضرهم.
الجواب: إذا كانت الدعوة يترتب عليها مصلحة استمالتهم والتوصل إلى هدايتهم فهذا مقصد حسن، وأمر طيب.
الجواب: أنا ما أعرف أن هذا من عادات النصارى، فمثل هذا الأمر نعتقد أنه لا بأس به؛ لأن فيه فائدة، فكل واحد يتبرع بشيء يأتي به، ثم يباع ذلك بثمن، ويكون ذلك الثمن لصالح الجمعية، فهذا من جنس التبرع، فلو أن كل واحدة تبرعت بنقود بدلاً من الطعام فلا فرق.
الجواب: إذا كان المطر متواصلاً، ويصعب على الناس الذهاب والإياب فإنه يسوغ، وأما أن يجمع لمجرد نزول شيء من المطر، فهذا لا يصلح ولا ينبغي، ولاسيما والوضع الآن في كثير من البلاد يختلف عما كان عليه من قبل من حيث وجود الدحض في الأرض، أو وجود ما يلتصق على الناس في ثيابهم وأرجلهم، فإذا أتوا للصلاة في المسجد أتوا وهم ملوثو الأرجل، أما الآن فالطرق مسفلتة، ولا يحصل شيء مما كان موجوداً من قبل، وأما إذا كان المطر يصب، وكان في ذهابهم ورجوعهم مشقة، فهذا قد جاءت السنة بمشروعيته، لكن ينبغي أن ينبه على أنه ليس كل نزول مطر يكون معه جمع بين الصلوات، فهذا رخصة وليس بسنة.
الجواب: لا يخرج عن طور البشرية في هذا، وإنما يتصبب عرقاً لكونه ينزل عليه أمر عظيم، فهو بشر لا يخرج عن بشريته، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يصيبه أمر عظيم، حتى أن بعض الصحابة يحكي: أن رجله تكاد ترضّ رجل من وقعت عليه ممن حوله من الصحابة من شدة الثقل الذي يحصل له صلوات الله وسلامه وبركاته عليه عند نزول الوحي.
الجواب: ما جاء في السيرة لا يكون ثابتاً إلا إذا صح إسناده، وأما غير ذلك فلا يقال له: إنه ثابت، ولا يؤخذ به حتى يصح إسناده.
الجواب: لا تستضيفوه أبداً.
الجواب: فساق أهل السنة أنفسهم بحاجة إلى سلامة من الجرح.
الجواب: معلوم أن الليل والنهار إنما يكونان بالشمس والقمر وجريانهما، وقد جعلهما الله تعالى في الدنيا من أجل أن ينام الناس وينتشروا، فيستريحون بالليل، وينتشرون بالنهار لابتغاء الرزق، وتحصيل المعيشة، ولو جعل الله عليهم الليل سرمداً أو النهار سرمداً لحصل لهم من المشقة ما الله به عليم كما ذكره الله تعالى في القرآن، وأما الجنة فليس فيها إلا الضياء والنور، وليس فيها ليل ولا نهار.
الجواب: هذا غلط وليس بصحيح، فتفويض المعنى غير مسلَّم، بل المعنى ثابت على ما يليق بالله سبحانه وتعالى، ومعلوم أن السميع غير البصير، فالبصر يتعلق بالمرئيات، والسمع يتعلق بالمسموعات، فلا يقال: إننا لا نفهم معنى البصر، ولا نفهم معنى السمع، ولا نفهم معنى القدرة، بل المعنى معلوم كما قال ذلك الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه عندما سئل كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، أي: السؤال عن الكيفية، فالمعنى ثابت، ولكنه ليس كما يليق بالمخلوقين، بل كما يليق بالله سبحانه وتعالى، كما قال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر، ونفى المشابهة، فله سمع لا كالأسماع، وبصر لا كالأبصار.
وأما تفويض الكيف مع فهم المعنى فهو منهج أهل السنة والجماعة، وأما المفوضة الذين يقولون في صفات الله: الله أعلم بمراده بذلك، وإن المعنى لا يفهم، فمذهبهم باطل، وليس هذا منهج السلف ولا طريقتهم، بل طريقة السلف تفويض الكيف دون المعنى، وقد بيّن ذلك الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه حيث قال: الاستواء معلوم، -أي: ليس فيه تفويض- والكيف مجهول-أي: أنه يفوّض، والتفويض ليس منهج السلف، وإنما هو طريقة أهل البدع، ولا يصح أن يقال: إن مذهب السلف من الصحابة ومن سار على منوالهم هو التفويض ومن قال ذلك فقد ارتكب ثلاثة محاذير.
الأول: أنه جاهل بمذهب السلف، والثاني: أنه مجهِّل لهم، أي نسبهم إلى الجهل، وأنهم لا يعلمون معاني ما خوطبوا به، لذلك فإنهم يقولون: الله أعلم بمراده، وهذا غلط، فقد فسروا قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] بأن الاستواء هو العلو والارتفاع، ففسروها بما تقتضيه اللغة.
والثالث: أنه كاذب عليهم؛ لأن مذهبهم ليس هو التفويض، بل هو إثبات المعنى، كما قال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فالسمع معناه معروف، والبصر معناه معروف، ولا يقال: الله أعلم بمعنى السمع، والله أعلم بمعنى البصر، فالسمع يتعلق بالمسموعات، والبصر يتعلق بالمرئيات والمبصَرات، وسمع الله تعالى محيط بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء، وكذلك بصره نافذ في كل شيء، ومحيط بكل شيء.
الجواب: إذا كان المقصود أن ذلك من غير قصد ولا إرادة فلا بأس به، وهذا هو الذي يسمونه اتفاقاً، أي: حصل اتفاقاً من غير قصد، فالإنسان كان لا يفكر فيه ثم لقيه اتفاقاً، وكل شيء بقضاء وقدره.
الجواب: يكملها بسرعة ويلحق، وإذا كان الخلل من المأموم فإنه يتدارك الخلل، فبعض المأمومين قد يسهو، أو قد يطيل، وهو يعرف حال إمامه من الإسراع في القراءة، فعليه أن يعمل على أن ينهي الفاتحة قبل أن يركع الإمام، وإذا كان الإمام يستعجل فينبه إلى ضرورة ألا يتأخر ولا يستعجل.
الشيخ: يجوز. ولا بأس بذلك.
الجواب: لا أدري عن صحة نسبة هذا الكلام إلى الفضيل ، وكون من فعل ذلك فإنه يكون في غضب الله هذا من الأمور المغيبة، ولكن -كما هو معلوم- فإن هناك مبتدعة، وهناك من عنده بدعة وليس من أهل البدع، فأهل البدع مثل المعتزلة والخوارج.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر