حدثنا علي بن الحسين الرقي قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: أخبرني عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم قال: أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقاً فقال له عمارة بن عقبة : أتستعمل رجلاً من بقايا قتلة عثمان ؟! فقال له مسروق : حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -وكان في أنفسنا موثوق الحديث- (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد قتل أبيك قال: من للصبية؟ قال: النار) فقد رضيت لك ما رضي لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ].
أورد أبو داود [باب في قتل الأسير صبراً].
وقتل الأسير صبراً هو أن يحبس أو يمسك ثم يقتل، فالقتل صبراً يكون بحبس من كان حياً وإمساكه حتى يقتل، سواء أكان إنساناً أم حيواناً، وكذلك حبس البهائم حتى تموت هو من القتل صبراً.
قوله: [ (أراد
أي: أراد الضحاك بن قيس وكان أميراً أن يستعمل مسروقاً في عمل من الأعمال، فقدح فيه عمارة بن عقبة وقال: أتستعمل شخصاً من بقايا قتلة عثمان ؟! فـمسروق قابله بأن قال فيه قولاً مقابل ما قاله فيه، فقال: [ حدثنا عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل أبيك قال: (من للصبية -والصبية منهم
وما أدري عن صحة قضية اتهام مسروق بما اتُهم به وما ذكره في حقه عمارة بن عقبة ، لكن قصة عقبة بن أبي معيط وقول النبي صلى الله عليه وسلم له جاء في هذا الإسناد وفي هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فما قيل في حق عقبة ثابت بهذا الإسناد.
قوله: [من للصبية] يعني: إذا قتلتني فمن يكون للصبية؟! أي: عمارة وإخوانه. فقال: [ (لهم النار) ].
واختلف في تفسير قوله: [ (لهم النار)] فمن العلماء من قال: معناه: لهم الضياع. أي: لهم الضياع بسبب ضياعه هو. ومنهم من قال غير ذلك، حيث قالوا: هذا من أسلوب الحكيم، أي: لك النار ودع أمر الصبية فإن الله تعالى كافلهم.
ومعلوم أن أبناء المشركين حكمهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بما كانوا عاملين) يعني: إذا ماتوا وهم صغار فإنهم يمتحنون يوم القيامة والله أعلم بما كانوا عاملين، لكن من كبر منهم وأسلم يختلف حكمه.
وعمارة مع كونه مسلماً قابله مسروق بأن قال فيه ما قال، ولكن الأمر يحتمل أن يكون المقصود أباهم وليس الذين أسلموا من أولاده.
علي بن الحسين الرقي صدوق، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ].
عبد الله بن جعفر الرقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني عبيد الله بن عمرو ].
هو عبيد الله بن عمرو الرقي ، ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زيد بن أبي أنيسة ].
زيد بن أبي أنيسة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن مرة ].
هو عمرو بن مرة الهمداني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم ].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ فقال له مسروق ].
هو مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن مسعود ].
هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن ابن تعلي قال: غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأتي بأربعة أعلاج من العدو فأمر بهم فقتلوا صبراً.
قال أبو داود : قال لنا غير سعيد عن ابن وهب في هذا الحديث: قال: (بالنبل صبراً) فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن قتل الصبر) فوالذي نفسي بيده! لو كانت دجاجة ما صبرتها. فبلغ ذلك عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأعتق أربع رقاب ].
أورد أبو داود [ باب في قتل الأسير بالنبل ] يعني حكمه.
وهو أنه يقتل بالنبل أو بأي وسيلة يحصل بها القتل.
قوله عن ابن تعلي : [ غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأتي بأربعة أعلاج من العدو فأمر بهم فقتلوا صبراً ].
الأعلاج قيل: هم الكفار من العجم -أي: من غير العرب- وقيل غير ذلك.
قوله: [ فأمر بهم فقتلوا صبراً ] يعني أنهم أمسكوا حتى قتلوا.
قوله: [ قال أبو داود : قال لنا غير سعيد عن ابن وهب في هذا الحديث: قال: (بالنبل صبراً) ].
هذا محل الشاهد، أي: كون القتل كان بالنبل.
قوله: [ فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن قتل الصبر) ].
سبق أن مر في الترجمة السابقة ذكر القتل بالصبر، وأن ذلك سائغ، ولعل هذا الذي سمعه أبو أيوب كان قبل، أو أنه القتل الذي يكون فيه إيذاء للمقتول، ومعلوم أن هذا إذا لم يكن عن طريق المقابلة والقصاص، أما إذا كان قتله بالطريقة التي قتل بها فإن ذلك سائغ، وقد جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما عرفنا فيما مضى أن التمثيل لا يجوز ولكن من مثل يجوز أن يمثل به.
فالمحذور هو أن يتخذ المقتول غرضاً ثم يرمى بالنبل، فيكون في ذلك تعذيب له، أما إمساكه وقتله فهو جائز كما فعل بـعقبة بن أبي معيط ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) فيبدو أن النهي عن القتل صبراً إنما هو إذا كان فيه تعذيب.
قوله: [ فوالذي نفسي بيده لو كانت دجاجة ما صبرتها ].
يعني كونها تمسك ثم ترمى، وإنما تقتل قتلاً بالسكين أو بأي شيء يزهقها في الحال، فقد يكون المقصود به تعذيبها بالقتل.
قوله: [ فبلغ ذلك عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأعتق أربع رقاب ].
أي: أعتق أربع رقاب عن الذين قتلهم صبراً.
سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الله بن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني عمرو بن الحارث ].
هو عمرو بن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن بكير بن عبد الله بن الأشج ].
بكير بن عبد الله بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن تعلي ].
هو عبيد بن تعلي الطائي ، صدوق، أخرج له أبو داود .
[ فبلغ ذلك أبا أيوب ].
هو خالد بن زيد رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا ثابت عن أنس أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من جبال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلماً، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ.. [الفتح:24] إلى آخر الآية ].
أورد أبو داود باباً في المن على الأسير بغير فداء.
وهذه إحدى التراجم المتعلقة بأحكام الأسرى، والأسرى وردت أحاديث بقتلهم، ووردت أحاديث باستعبادهم، ووردت أحاديث بالمن عليهم، وكل ذلك ثابت، والأمر يرجع إلى الإمام، فما رأى فيه المصلحة من هذه الأمور فإنه يفعله، وبذلك يكون التوفيق بين هذه الأحاديث، فما دام أنه قد ثبت جميعها فإنه يرجع الأمر إلى الإمام، فيفعل ما يرى فيه المصلحة من القتل أو الأسر أو المن بدون فداء أو المن مع فداء.
وأورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه ثمانون رجلاً من جبال التنعيم عند صلاة الفجر يريدون قتله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فأخذهم النبي صلى الله عليه وسلم سلماً، أي: أسرهم، ثم إنه منَّ عليهم بدون أن يأخذ منهم شيئاً، فأنزل الله تعالى الآية: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الفتح:24]، فالله تعالى كف أيديهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لم يتمكنوا مما أرادوه من قتله صلى الله عليه وسلم وقتل أصحابه، وأيضاً كف أيدي المؤمنين عنهم فلم يقتلوهم بعد أن ظفروا بهم.
فالحديث فيه شاهد للترجمة، وهي المن على الأسير بغير فداء.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حماد ].
هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن ثابت ].
هو ثابت بن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
قد مر ذكره.
وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود .
أورد أبو داود حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: [ (لو كان
يعني: أطلقت سراحهم من أجله ومن أجل شفاعته، وهذا يدل على المن من غير فداء، ويدل على ما ترجم به المصنف من المن بغير فداء؛ لأنه قال: [ (لو كان
وقوله: [ (لو كان مطعم بن عدي حياً) ] ليس فيه اعتراض على القدر، بل معناه: لو أنه حصل كذا وكذا لكان كذا وكذا. يعني أن هذا الشخص لو كان حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لقبلت شفاعته. فليس فيه شيء يتعلق بالاعتراض على القدر أو ما إلى ذلك.
وإنما الاعتراض على القدر هو كقول الكافرين كما حكى الله تعالى عنهم: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا [آل عمران:156] فهذا هو الذي فيه اعتراض على القدر.
وأما ما جاء في الحديث هنا فليس هو من هذا القبيل، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة).
أي: لو كان الذي سبق مني كله أمامي لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة.
وهذا ليس تمنياً، وإنما إخبار عن أنه لو كان حصل كذا لكان كذا وكذا.
والمطعم بن عدي هو والد جبير بن مطعم ، وكان هو الذي أمن النبي صلى الله عليه وسلم وأجاره لما قدم من الطائف، وأنزله في جواره ومنع الكفار من إيذائه، فمن أجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة في حقه لأنه قد أحسن إليه، فهو سيقبل شفاعته لو شفع فيهم، وهذا فيه تنويه بالعمل الذي قام به المطعم بن عدي ، وهو الذي يقول فيه الشاعر:
ولو أن مجداً أخلد الدهر واحداً من الناس أبقى مجده الدهر مطعماً
أي: لو كان أحد يبقى بسبب العمل المجيد الذي حصل منه لبقي مطعم بن عدي الذي أمن الرسول صلى الله عليه وسلم وحماه من الكفار عند قدومه من الطائف.
ويذكر هذا البيت النحويون في شواهد النحو في عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، حيث لم يسبق للضمير مرجع، وإنما عاد على متأخر لفظاً ورتبة، والأصل أن الضمير يعود على متقدم.
وهنا جاء الضمير عائداً على متأخر لفظاً ورتبة، حيث قال: أبقى مجده الدهر مطعماً
فجاء الضمير متقدماً على مرجعه، بخلاف الأصل وهو أن الضمير يعود على متقدم، وهنا عاد على متأخر لفظاً ورتبة.
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا عبد الرزاق ].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا معمر ].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم ].
الزهري قد مر ذكره، ومحمد بن جبير بن مطعم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه ].
أبوه هو جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وكان من أسباب إسلامه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، قال: فكاد قلبي أن يطير عند ذكر قوله عز وجل: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36]، فأدخل الله عليه الإسلام ودخل في الإسلام رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان من أسباب دخوله سماعه القرآن.
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا أبو نوح قال: أخبرنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا سماك الحنفي قال: حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لما كان يوم بدر فأخذ -يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم- الفداء أنزل الله عز وجل: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67] إلى قوله: لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ [الأنفال:68] من الفداء، ثم أحل لهم الله الغنائم) .
قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اسم أبي نوح فقال: أيش تصنع باسمه؟ اسمه شنيع.
قال أبو داود : اسم أبي نوح : قراد ، والصحيح عبد الرحمن بن غزوان ].
أورد أبو داود [ باب في فداء الأسير بالمال ] .
فمن الأحكام المتعلقة بالأسير أنه يقتل أو يؤسر ويستعبد أو يمن عليه بدون فداء أو يمن عليه بمال، فيطلق سراحه في مقابل الفدية أو بمفاداته بغيره، بأن يكون أسير من المسلمين عند الكفار فيطلق في مقابله أسير من الكفار عند المسلمين، فهذا عن طريق المفاداة، والمفاداة تكون بالمال وبغير المال، تكون بالمقابلة وتكون بالمال.
وهنا ترجم بالمفاداة بالمال، وأنه يدفع مقداراً من المال فيطلق سراحه ويخلى سبيله في مقابل المال الذي دفعه، وقد عرفنا أن الأمر يرجع في ذلك إلى الإمام وما يرى فيه من المصلحة، فله أن يقتل، وله أن يأسر ويستعبد، وله أن يمن بفداء، وله أن يمن بغير فداء، والفداء إما أن يكون بالمال أو بالأسرى.
قوله: [ (لما كان يوم بدر فأخذ -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- الفداء أنزل الله عز وجل: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67]) ] كان هذا خلاف ما أشار به عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أشار عليه بعض الصحابة بأخذ الفداء وأشار عليه عمر بعدم أخذ الفداء، فنزل القرآن موافقاً لما رآه عمر ولما أشار به رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
والحاصل أن الحديث يدل على أخذ الفداء والمن على الأسرى في مقابل مال يبذل منهم.
قوله: [ (ثم أحل لهم الله الغنائم) ].
أي: سواء كانت من المال أم من النساء والذرية أم من الكفار الذين يأسرونهم وبعد ذلك يأخذون منهم الفداء، كما قال الله عز وجل: حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا [محمد:4] وهذا يكون من جملة الغنائم، أعني الفداء.
كما أن الأسرى لو بقوا ولم يمن عليهم في مقابل مال يكونون عبيداً، وهم حنيئذٍ مال، فإذا اختير أن يخلى سبيلهم في مقابل مال يبذلونه فإن ذلك لا بأس به، ولكن المنع كان في أول الأمر، وبعد ذلك أحلت الغنائم، والله عز وجل قال: حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو نوح ].
هو عبد الرحمن بن غزوان ، ولقبه قراد وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ أخبرنا عكرمة بن عمار ].
عكرمة بن عمار صدوق يغلط، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا سماك الحنفي ].
هو سماك بن الوليد الحنفي ، ليس به بأس، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ حدثني عمر بن الخطاب ].
هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اسم أبي نوح فقال: أيش تصنع باسمه؟ اسمه شنيع ].
أي: ما حاجتك باسمه؟ فاسمه شنيع، أي: موصوف بأنه شنيع، وليس المعنى أن اسمه هو شنيع، بل المقصود أنه موصوف بأنه شنيع، وذلك لأنه لقب بـ(قراد)، والقراد هو الذي يعلق بآذان البهائم ويمتص دمها فيؤذيها.
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة) ].
ومعناه أن فيه المفاداة بالمال، وأن الفداء كان أربعمائة للشخص الواحد.
والألباني صحح الحديث، ولكنه ضعفه بالتحديد والتقدير، والثابت أنه فاداهم بمال، فضعفه من أجل التقدير، وإلا فإنه قد ثبت من أوجه مختلفة أنهم يفادون بمال، ولكن التضعيف من أجل التحديد والتقدير فقط.
عبد الرحمن بن المبارك العيشي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا سفيان بن حبيب ].
سفيان بن حبيب ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي العنبس ].
أبو العنبس مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن أبي الشعثاء ].
هو جابر بن زيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس مر ذكره.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن كفار قريش لما أرسلوا بالفداء لأسراهم، وكان ممن أُسِروا أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت في فداء زوجها، وكان الذي أرسلته فيه قلادة كانت لها من أمها خديجة أعطتها إياها لما أدخلت على أبي العاص ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، حيث تذكر زواجها وكون تلك القلادة كانت لأمها خديجة ، وكونها حزنت حين أسر زوجها وأرادت خلاصه، فالنبي صلى الله عليه وسلم رق لها وقال: [ (إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها) ].
أي: زوجها الذي هو أبو العاص .
قال: [ (وتردوا عليها الذي لها) ].
أي: الذي دفعته من القلادة وغيرها.
فأجاب إلى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن يطلقوه من غير فداء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم اشترط عليه بأن يفي بالذي طلب منه، وهو أن يرسل زينب إليه إلى المدينة.
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار وقال: [ (كونا ببطن يأجج) ] وهو موضع قريب من مكة.
قال: [ (حتى تمر بكما
يعني: كونا معها صاحبين لها في الطريق. وهذا يدل على جواز سفر المرأة من غير محرم إذا كانت برفقة مأمونة إذا كان هناك ضرورة إلى ذلك، وهنا الضرورة موجودة، وذلك لأنها كانت في مكة مع الكفار، وزوجها كان كافراً، وطلب منه أن يرسلها وقد أرسلها، فدل على أنه إذا حصلت ضرورة فالمرأة يمكن أن تسافر مع رفقة أمينة، ولا يتوسع في ذلك فتسافر المرأة من غير محرم بحجة هذا الذي قد حصل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم).
وعلى هذا فالذي حصل هو من قبيل أن الضرورات تبيح المحظورات، وسفر النساء بدون محرم هو من الأمور التي جاءت الشريعة بتحريمها والمنع منها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، وكل ذلك صيانة للمرأة من أن تتعرض لما لا تحمد عقباه عليها في عرضها وفي نفسها.
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا محمد بن سلمة ].
هو محمد بن سلمة الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن يحيى بن عباد ].
هو يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[ عن أبيه عباد ].
هو عباد بن عبد الله بن الزبير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها.
والحديث صحيح.
أورد أبو داود باباً في فداء الأسير بالمال، وأورد تحت هذه الترجمة عدة أحاديث.
ثم أورد أبو داود حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه ومعه مروان بن الحكم -والعمدة على المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه- أن وفد هوازن جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يرد عليهم المال والسبي، أي: النساء والذرية والمال، فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى أن يرد عليهم، ولكنه لم يرد عليهم كل شيء، وإنما خيرهم بين رد المال أو رد السبي، فاختاروا أن يرد عليهم السبي.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أن هناك شيئاً يخصه وهناك شيئاً يخص غيره، وأن كلاً قد أخذ نصيبه، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (معي من ترون) ] يعني: من السبي، والذي هو لي هو لكم. وتنازل عنه وتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الذين عند غير النبي صلى الله عليه وسلم فقد قام في الناس وذكرهم وتكلم فيهم وقال: (إن إخوانكم جاءوا تائبين، وإني رأيت أن أرد عليهم سبيهم، فمن أراد منكم أن يتنازل بدون مقابل فليفعل، ومن لم تسمح نفسه بذلك وأراد أن يبقي على حقه ولا يتنازل عن حقه فنحن سنعوضه عنه في أول ما يفيء الله به علينا).
ومعناه أن من سمحت نفسه انتهى أمره، ومن كان متمسكاً بحقه فإنه يؤخذ منه السبي ويرد ولكنه يعوض عنه أول ما يحصل الفيء بعد ذلك، فتعالت الأصوات بقولهم: (طيبنا)، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري من طيب ومن لم يطيب؛ لأن الأصوات ظهرت من هنا ومن هنا، فلم يعرف من طيب ومن لم يطيب، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم) ] يعني الرؤساء، فكل رئيس ينفرد بالجماعة الذين يرأسهم ثم يأخذ رأيهم في ذلك ويعرف من سمح ومن لم يسمح ومن وافق ومن لم يوافق، فبعد ذلك جاء العرفاء بعد أن اجتمعوا بمرءوسيهم وأخبروا بأنهم طيبوا، وأنهم قد وافقوا وتنازلوا عن حقهم لما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.
قوله: [ ذكر عروة بن الزبير أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إما السبي وإما المال)].
معنى قوله: [ (معي من ترون) ] أي: الذي يخصني والذي هو نصيبي من السبي هو لكم. يعني أنه متنازل عنه، ولكن الذي عند غيره أراد أن يستأذن الناس فيه، فاستأذنهم وكانت النتيجة أن أذنوا، فرد إليهم سبيهم صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (وأحب الحديث إلي أصدقه) ] يعني أنه يقول ويصدق ويعد ويفي، أي: فأنا أقول لكم وأصدق فيما أقول وأعدكم وأفي بما أعد به.
قوله: [ (فقالوا: نختار سبينا) ].
لأنهم خيروا بين المال والسبي، فاختاروا السبي، وهو أن يرجع إليهم نساؤهم وأولادهم فيكونون طلقاء ولا يكونون سبياً وأرقاء، فهذا هو الذي فضلوه، وتركوا المال في سبيل الحصول على السبي الذي هو النساء والذرية.
معنى قوله: [ (من أحب أن يطيب ذلك فليفعل) ] أي: أن ينزل عن حقه بدون مقابل فليفعل.
قوله: [ (ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) ].
أي: من كان منكم يريد أن يبقى على حظه من السبي ولا يتنازل عنه فنحن سنرجع لهم السبي لأننا وعدناهم بذلك، ولكن هذا الذي لم يتنازل سنعطيه بدلاً عن حقه من أول ما يفيء الله علينا.
قوله: [ (فقال الناس: قد طيبنا ذلك لهم يا رسول الله) ].
معناه أنه كان الاجتماع كبيراً، وخرجت الأصوات بقولهم: [ طيبنا ذلك لهم يا رسول الله ]، ولم يعرف من وافق ومن لم يوافق؛ لأنها قد تكون الأصوات ممن وافق، ومن لم يوافق قد يكون ساكتاً ما قال شيئاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يقف على الحقيقة بالنسبة لكل فرد فقال: [ (إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم) ].
وهذا فيه دليل على اتخاذ العرفاء والرؤساء على أفراد الجيش، بحيث يكون لكل جماعة مرجع يرجعون إليه، ثم هؤلاء المراجع يكون مرجعهم أمير الجيش، وهو المرجع للجميع، ولكن الواسطة بينه وبين سائر الناس هؤلاء الرؤساء الذين هم العرفاء، والذين يعرفون من تحتهم ومن تحت رياستهم، فيأتون بأخبارهم ويبلغونهم الأمور التي يحتاجون إلى تبليغها، فهؤلاء يقال لهم: العرفاء.
وأما حديث: (لابد للناس من عريف والعريف في النار) فإنه لو ثبت محمول على ما يتعلق بالشر، وأما الحديث الذي بين أيدينا فقد ثبت فيه اتخاذ العرفاء من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو فيما يتعلق بالخير، وهو أمر تقتضيه الحاجة، لاسيما مع كثرة الناس.
وكذلك يقال في حديث (لا تكن لهم شرطياً ولا جابياً ولا عريفاً) فهو محمول على كون ذلك في أمور الشر والظلم التي لا تجوز، وأما في الخير فقد دل على الجواز الحديث الذي معنا.
ثم إن الشاهد من الحديث للترجمة بفداء الأسير بالمال قوله صلى الله عليه وسلم: [ (ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) ] حيث جعل صلى الله عليه وسلم فكاك أولئك الأسرى بمقابل بدلهم من فيءٍ آخر يبذل لمن لم يرد أن يتنازل عن حقه بغير عوض.
قوله: [ (فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم فأخبروا أنهم قد طيبوا وأذنوا) ].
معناه أنهم كلهم قد وافقوا، وتبين أن الجميع قد وافقوا على ما أراده منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم قد نزلوا عن حقهم بدون مقابل.
هو أحمد بن سعد بن أبي مريم ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا عمي ].
هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا الليث بن سعد ].
الليث بن سعد ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عقيل ].
هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: وذكر عروة بن الزبير أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه ].
عروة هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ومروان هو ابن الحكم ، وهو الخليفة، قال عنه الإمام أحمد : لا يتهم في الحديث. وقال الحافظ : لا تثبت له صحبة، وعليه فيكون الحديث من قبله مرسلاً، ولكن معه المسور بن مخرمة ، وهو صحابي، فيكون متصلاً من أجل المسور بن مخرمة، وقد قال عروة بن الزبير : مروان لا يتهم في الحديث. وعروة هو الراوي عن مروان هنا.
وعلى كل حال فالعمدة ليست عليه، وإنما هي على المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه، فهو الصحابي الذي يروي ذلك، وأما رواية مروان فهي من قبيل المرسل؛ لأنه ليس بصحابي.
ومروان بن الحكم أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
والمسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما في قصة وفد هوازن ورغبة النبي صلى الله عليه وسلم في أن يرد إليهم سبيهم، وأنه قال: [ (فمن مسك بشيءٍ من هذا الفي) ] يعني: من تمسك بحقه ولم يطب نفساً بالتنازل عنه [ (فإن له به علينا ست فرائض من أول شيءٍ يفيئه الله علينا) ] والفرائض هي الإبل، قيل: الفرائض في الأصل هي فرائض الصدقة، لأنها تؤخذ منها فريضة الصدقة، فأطلق على الإبل بأنها فرائض وإن كان بعضها ليس من قبيل الصدقة، وكأنه بهذا يريد أن يعوض بمال؛ لأن الذي سيرد هو السبي وليس المال؛ لأن المال لم يستأذن في إرجاعه، والرسول صلى الله عليه وسلم خيرهم بين المال وبين السبي فاختاروا السبي، فكان الحديث كله عن السبي، فكأنه سيعوض من تمسك بحقه بعوض، سواءٌ كان من السبي من فيءٍ قادم أم من الفرائض.
قوله: [ (إنه ليس لي من هذا الفيء شيء ولا هذا -ورفع أصبعيه- إلا الخمس، والخمس مردود عليكم) ].
يعني: هذا هو الذي يحل لي من المغانم، وهو مردود عليكم، فهذا الخمس ينفق النبي صلى الله عليه وسلم على أهله منه، والباقي يجعله في مصالح المسلمين من عدة الجهاد وغير ذلك، وهذا هو معنى قوله: [ (مردود عليكم) ].
فالخمس ليس مختصاً به صلى الله عليه وسلم، وإنما يأخذ منه حاجته وحاجة أهله، وقد جاء في الحديث: [ (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) ] يعني قوته وقوت أهله يكون من ذلك، والباقي بعد حاجته وحاجة أهله مردود على المسلمين ومصروف في مصالح المسلمين.
قوله: [ (فأدوا الخياط والمخيط) ].
قيل: الخياط هو الخيط، والمخيط هو الإبرة. يعني: أدوا كل شيء ولو كان شيئاً قليلاً، ولا يأخذ الإنسان شيئاً لا يستحقه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الوبرة ليس له منها إلا الخمس، ولا يستحق إلا الخمس، فيقال لغيره: أدوا الخياط والمخيط؛ لأن كل ذلك من الغنائم ومن الفيء، ويقسم على من شرع أن يقسم عليهم.
معنى هذا أن رجلاً أخذ كبة من الغنيمة، وقال: إنه أراد أن يصلح بها برذعته. والبرذعة هي التي تجعل تحت الرحل؛ لأن الرحل يكون من الخشب، والبرذعة لينة، فتجعل بين جلد البعير وبين الخشب الذي هو الرحل الذي يكون عليه الراكب، فيلامس جلد البعير هذا الشيء اللين ثم يكون الرحل فوقه.
فأراد الرجل أن يصلح هذه البرذعة التي هي تحت الرحل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك) ] فسامح النبي صلى الله عليه وسلم في حقه وحق بني عبد المطلب ولم يسامح في حق الناس، ولكن من أين لهذا الرجل أن يعرف مسامحة الناس له وهم كثيرون مستحقون لذلك؟! ولذلك قال: [ أما إذ بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها ] أي: ما دامت المسألة وصلت إلى هذا الحد، فكل له فيها نصيب وله أن يطالب بحقه، وحقه يجب أن يوصل إليه، وأن هذه الكبة من جملة الغنائم وتقسم كما يقسم غيرها فلا أرب لي فيها. ثم رماها.
ومعنى قوله: [ فلا أرب لي فيها ] أي: لا حاجة لي فيها.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عمرو بن شعيب ].
عمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وفي (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.
[ عن جده ].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الجواب: ليس هناك دليل يخص ليلة النصف من شعبان ولا يوم النصف من شعبان بشيءٍ من العبادة، ولم يثبت في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء.
ولشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة في هذا الموضوع طبعت ضمن أربع رسائل تتعلق بليلة النصف من شعبان وليلة الإسراء والمعراج وبالمولد النبوي وبالرؤيا أو الوصية المنسوبة إلى أحمد خادم حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي مكذوبة كذباً واضحاً.
وسمى هذه الرسائل الأربع (التحذير من البدع)، ومما ورد فيها أنه لم يثبت شيء فيما يتعلق بليلة النصف من شعبان ولا بيومه.
الجواب: المحرمية -كما هو معلوم- إنما هي بالأنساب وليست بالتبني، والاحتمال قائم، ولكن الضرورة -كما هو معلوم- تبيح المحظورات، فالمرأة إذا كانت مضطرة إلى سفر بدون محرم مع رفقة مأمونة كأن كانت بين الكفار فأفلتت منهم فمثل هذا لا بأس به، ويدخل تحت قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، ولكن الأصل باق على ما هو عليه، وأن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم.
الشيخ: لا تخصص ليلة النصف من شعبان بعادات، لا فيما يتعلق بالكبار ولا فيما يتعلق بالصغار، فالسنن يؤخذ بها، والبدع يحذر منها، سواء أكانت من صغار أم من كبار، والصغار يؤدبون وينشئون على اتباع السنة.
الجواب: ليس هذا من هذا القبيل، بل تبقى امرأته عند أهلها، وإذا تمكن من أن يأتي بها فذاك وإلا فليذهب لزيارتها ويجلس عندها فترة ويرجع.
وأما أن يقال: إن مثل تلك حالة ضرورة فإنه عندئذ ستقول كل امرأة: إنها في حال ضرورة. ثم لا يبقى للحديث عمل.
الجواب: لا بأس بذلك، فالمحذور هو صيد البر الذي يأكل من الشجرة، ولهذا منع من قطع الشجر ومن قطع الحشيش -وهو النبات الرطب-، ولعل من حكمة ذلك أن يكون للصيد الذي يدخل الحرم قوته ومرعاه الذي يرتعي فيه، حيث يكون آمناً عنده قوته وعنده رزقه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر