الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
الحمد لله شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد:
الجانب الثالث وهو عمل السلف الصالح رضي الله عنهم في قيام الليل، سأبتدئ بذكر الصحابة الكرام الذين كانوا ينفذون ما يغرس نبينا صلى الله عليه وسلم في قلوبهم من التوجيه نحو القيام، لنرى كيف كانوا، ثم آخذ نماذج أيضاً ممن جاء بعدهم، ثم ننتقل بعد ذلك إلى المبحث الرابع إن شاء الله.
ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين -بين عمودين من أعمدة المسجد- فقال: ما هذا؟ فقيل: هذا حبل لـ
وهكذا كان السلف يوصي بعضهم بعضاً بهذا الأمر، ففي سنن أبي داود بسند صحيح عن عبد الله بن أبي قيس رضي الله عنه قال: دخلت على أمنا عائشة رضي الله عنها، وعبد الله بن أبي قيس من أئمة التابعين الكبار، فقالت له أمنا عائشة : ( يا
وثبت في المستدرك بسند صحيح: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على
وهكذا كان الصحابة الكرام قاطبة، فهذا عمر كما في موطأ مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: كان عمر رضي الله عنه يصلي في الليل حتى إذا كان من آخر الليل ودخل الثلث الأخير أيقظ أهله، وتلا قول الله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132]، قال الإمام ابن كثير في كتاب البداية والنهاية في ترجمة عمر رضي الله عنه: وثبت أنه كان في خلافته إذا صلى العشاء يأتي إلى بيته فيلقي نفسه في مسجده ويتهجد حتى يطلع الفجر، وما كان ينام رضي الله عنه إلا ساعة يسيرة عند الضحى، ثم يتفرغ بعد ذلك للرعية، وكان يقول: إذا نمت في الليل ضيعت نفسي، وإذا نمت في النهار ضيعت رعيتي. رضي الله عنه وأرضاه، يقوم في الليل ويتهجد حتى إذا دخل الثلث الأخير أيقظ أهله، وتلا قول الله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
وقد استنكرت القوانين الشيطانية الغوية الإنسانية في هذا الوقت هذا الأمر، وقالت: إنه جريمة ما بعدها جريمة، ونقول ما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ( عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل)، كفروا بالله فأمكننا الله من رقابهم، فخير من ضرب رقابهم وتخليدهم في السجن أن نجعلهم يخدمون من يعبد الله ليوحدوا الله ويدخلوا الجنة بعد ذلك، هذا شرع الله ومن اعترض عليه فهو كافر، إنما أريد أن أقول لهؤلاء الزنادقة في هذا الوقت الذين يعترضون على حكم الله جل وعلا، ويقولون: إن هذا امتهان للإنسان، إذا قلنا لكم: عاشروا هذه المرأة على أنها أمة ولها حكم الزوجة، وإذا حملت منك فلا يصح بيعها صارت أم ولد، بمجرد موتك تصبح حرة، هذا الحكم تستنكرونه وهو في منتهى الرحمة، وبدأتم تستسيغون -يا إخوان الشياطين- الشغالات والخدامات التي ملأتم بها البيوت، عدد الشغالات الآن في هذه البلاد ثلاثمائة ألف شغالة، تستسهلون هذا الأمر وتستمرءونه، وتعاشرها بعد ذلك عشرة المحارم، أو عشرة الزوجات، وهذا عندكم لا غضاضة فيه! وإذا قلنا: هذه أمة حكمها حكم الزوجة تعاشرها فيأتيك أولاد منها عن طريق الحلال، وإذا حملت صارت أم ولد بمجرد موتك تصبح حرة لا تباع، هذا تستنكرونه وتستهلون ما يوحيه إليكم ساداتكم من الغرب! وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].
إذا دخلت الشغالات للبيوت، هذا رقي والناس يفتخرون، وإذا كانت أمة فهذا امتهان للإنسان! لم هذا امتهان وهذا إكرام؟! الشغالة إكرام وذاك امتهان! لم؟ تمتهنها امتهاناً إذا كانت شغالة ليس بعده امتهان، ولكن هذا عندهم هو الإكرام.
فهنا كان أبو هريرة هو وزوجه وخادمته، أي: أمته، يقتسمون الليل أثلاثاً، هذه أمة ليست شغالة ولا خادمة، وما كانت في بيوت أحد من سلفنا شيء من ذلك.
إخوتي الكرام! واقتسام الليل أثلاثاً كان فاشياً في زمن السلف الصالح، فليتنا نحيي هذه السنة في هذه الأيام، يقتسم الإنسان مع زوجه أو مع زوجتيه أو مع أولاده الليل، بحيث لا يخلو البيت من قائم من أول الليل إلى آخره، هذا كان فاشياً عن عدة من السلف الصالح.
هذا سليمان التيمي المتوفى سنة 196 للهجرة، وهو من رجال الكتب الستة، وأطلق عليه الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ لقب: شيخ الإسلام، وكنت قرأت الكتاب بأجزائه الأربعة، وترجم فيه ألفاً ومائة رجل وستاً وسبعين، فما وصف أحداً بشيخ الإسلام إلا قرابة مائة فقط من الأئمة الذين هم حفاظ.
يقول في ترجمة سليمان التيمي : إنه شيخ الإسلام، من رجال الكتب الستة، كان عنده زوجتان رضي الله عنه وعن زوجتيه، فكانوا يقتسمون الليل أثلاثاً، ولا يخلو بيتهم من قائم، ولما احتضر بدأ يبكي عليه رحمة الله، فقالوا له: ما الذي يبكيك؟ قال: مررت على مبتدع فسلمت عليه، فأخشى أن يجعلني الله معه. يخاف بسبب تسليمه على مبتدع أن يكون مثله! هذا شأنه وهذا صلاحه رضي الله عنه وأرضاه، كان يقتسم الليل مع زوجتيه أثلاثاً.
وهكذا كان الحسن بن صالح بن حي ، وهو من رجال مسلم والسنن الأربعة، كان أيضاً يقتسم الليل هو وأخوه وأمه أثلاثاً، فماتت أمه فاقتسم الليل هو وأخوه علي بن صالح بن حي ، فمات أخوه فقام الليل كله.
ومن طريف ما يروى: أنه كان عنده جارية (أمة) فباعها عندما احتاج لشيء من المال، فأيقظت هذه الجارية أهل البيت الذين صارت إليهم في وسط الليل لقيام الليل، فقالوا لها: أسحرنا؟ هل دخل الفجر؟ قالت: لا، قوموا لتتهجدوا ولتعبدوا الله، قالوا: لا نستيقظ إلا إذا أذن الفجر، فلما كان اليوم الثاني ذهبت إلى الحسن بن صالح بن حي ، وقالت: يا سيدي! بعتني إلى أناس لا يصلون إلا الفرائض، فاتق الله فيّ وردني إليك، فذهب إليهم وقال: ردوا عليّ الجارية، قالوا: نعم، فأعطاهم فلوسهم وأعاد الجارية إليه، سبحان الله العظيم! كان سلفنا على هذا المسلك العظيم.
إذاً: كان أبو هريرة وأهله يقتسمون الليل أثلاثاً، سليمان التيمي ، الحسن بن صالح يقتسمون الليل أثلاثاً، ومثل هؤلاء كثير وكثير.
قل لابن ملجم والأقدار غالبة هدمت ويحك للإسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدم وأول الناس إسلاماً وإيمانا
هذا محمد بن واسع عليه رحمة الله، من رجال مسلم وسنن أبي داود والترمذي ، قال عنه الحافظ: ثقة عابد كثير المناقب، وهو من التابعين، أدرك أنس بن مالك رضي الله عنه في البصرة وروى عنه، كان إذا جن عليه الليل يقوم ويتهجد، يقول أهله: والله إن حاله كحال من قتل أهل الدنيا، فهو يلجأ إلى الله جل وعلا، ويعود إليه من ذنوبه. هذا محمد بن واسع عليه رحمة الله.
ويروى أنه لما داهم الكفار بلاد الكوفة وكان فيها إذ ذاك، تفقد أمير الكوفة قتيبة بن سعيد الناس وقال: من في المسجد؟ فقالوا: لا يوجد إلا محمد بن واسع رافعاً أصبعه إلى السماء، فقال: والله إن تلك الأصبع أحب إليّ من ثلاثين ألف فارس، أصبع محمد بن واسع بدعائه ينصرنا الله ويفرج كروبنا، رضي الله عنه وأرضاه، هذا كان حاله.
وهكذا الإمام أبو سليمان الداراني المتوفى سنة 207 للهجرة، كان يقول: والله! لولا قيام الليل ما أحببت البقاء في الدنيا، ووالله! إن أهل الليل في ليلهم مع الله ألذ من أهل اللهو في لهوهم، وإنه لتمر بالقلب ساعات يرقص القلب فيها طرباً بذكر الله فأقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه من النعيم إنهم لفي نعيم عظيم. وكان يستغفر في الليل كثيراً مع أنه كان يقومه، وما ذلك إلا لأن سنة الوصال سنة، كما أن سنة الهجر سنة، لكن سنة الوصال بمقدار لمحة بصر، بمقدار ما يغفل الإنسان، فكان يستغفر الليل الذي نراه طويلاً إذا أردنا أن نتهجد فيه، كان يرى سنة الوصال حيناً يسيراً، كما أن سنة البعد والجفاء بمقدار سنة على المحب، وكان يقول عليه رحمة الله: من صفى صفي له، ومن كدر كدر عليه، وإنما عصى الله من عصاه لهوانه على الله، ولو كرموا عليه لحال بينهم وبين معصيته. كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24]، وكان يقول: الأخ من يعظك بحاله قبل أن يعظك بمقاله.
وهكذا كان أئمتنا وسلفنا ما بين رجال ونساء، فهذا رياح بن عمرو القيسي ، وهو من العباد في زمن التابعين، تزوج امرأة اسمها ذؤابة ، وكانت من الصالحات أيضاً، فلما جاء النهار أراد أن يختبرها، فقامت لتعجن عجينها، فقال: أحضر لك أمة؟ قالت: أنا تزوجت رياحاً ، وما تزوجت جباراً عنيداً، لا داعي لأمة، هذا شأن الملوك والأمراء والجبابرة، فعجنت، فلما جاء الليل تناوم رياح ليرى على أي شاكلة هي، يا عبد الله! إن الجنس يألفه الجنس، وإذا كنت طيباً فلن يكرمك الله إلا بالطيب فاطمئن، فتناوم فقامت ربع الليل، ثم نادته يا رياح قم، فقال: أقوم، فبقي نائماً، فمضى ربع الليل الثاني، فقالت: يا رياح قم، فقال: أقوم، فمضى الربع الثالث، فقالت: يا رياح قم، فقال: أقوم، ودخل الربع الثالث فقالت: يا رياح ! قد عسكر المعسكرون، وفاز المحسنون، يا ليت شعري من غرني بك! ليت نساءنا يسلكن هذا المسلك فيقلن للرجال: يا ليت شعرنا من غرنا بك عندما اتقيت الله في بيتنا، وجعلت بيتنا قطعة من النار، من غرنا بك؟ من غرنا بك يا رياح ، وكانت بعد ذلك إذا دخل الليل تكون في أجمل هيئة، فإن كان له بها حاجة أصابا حاجتهما ثم تفرغا لعبادة الله، وإلا شرع كل واحد منهما في مناجاة الله، هذه ذؤابة مع زوجها المبارك رياح .
فانتظر الخليفة وحاجبه على باب الفضيل حتى انتهى من الركعتين، فطرقا الباب، فقال: من؟ قال: هارون ، قال: ما لي ولـهارون ، فقال له حاجب هارون : أوليس له في عنقك بيعة، وله عليك حق الطاعة؟ افتح الباب، ففال: نعم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يذل المرء نفسه، والحديث وارد في سنن الترمذي وغيره: ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يذل المرء نفسه ) فلينصرف، قال: عليك عزيمة أمير المؤمنين أن تفتح، ففتح، فلما دخل هارون ووضع يده بيد الفضيل صاح الفضيل وقال: أوه، يد ناعمة لو نجت من النار، فبعد أن وعظه قال: هل عليك ديون يا فضيل ؟ قال: نعم، قال: علي ديون لربي، الويل لي إن لم يعف عني ولم يسامحني، قال: ما أسألك عن هذا، قال: عن أي شيء تسألني؟ قال: عن ديون العباد، قال: ما أمرنا الله بهذا، لقد تكفل الله لنا بذلك، أمرنا أن نعبده ووعدنا أن يرزقنا، الرزق ليس منك، وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
ولذلك كان بعض الصالحين يقول: والله! لو أن أهل مصر كلهم عيالي لما خشيت الفقر، علينا أن نعبده كما أمر، وعليه أن يرزقنا كما وعد، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58].
هذا هو الفضيل بن عياض ، بلغ من مكانته أن أمير المؤمنين في الحديث في زمانه سفيان بن عيينة كان إذا التقى به قبل يده، كما روى هذا الذهبي في تذكرة الحفاظ، ومن كلامه الطيب: من جلس مع صاحب بدعة منع من الحكمة.
وهذا الوصف كان لجميع التابعين رضي الله عنهم أجمعين، ولمن جاء بعدهم، كلهم كانوا على هذا المسلك، فهذا الإمام أبو إسحاق الشيرازي حبر المسلمين في زمانه المتوفى سنة 476 للهجرة، الذي غسله إمام الحنابلة ابن عقيل عليه رحمة الله وعليهم جميعاً رحمة الله، كان إذا جاء الليل يقوم وينادي رب العالمين جل وعلا بالصلاة والقرآن والذكر، وبأبيات رقيقة من نظمه، فيقول:
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلت يا عدتي في كل نائبة ومن عليه لكشف الضر أعتمد
أشكو إليك أموراً أنت تعلمها ما لي على حملها صبر ولا جلد
وقد مددت يدي بالذل معترفاً إليك يا خير من مدت إليه يد
فلا تردنها يا رب خائبة فبحر جودك يروي كل من يرد
يردد هذا ويبكي عليه رحمة الله.
إخوتي الكرام! والله الذي لا إله إلا هو! إن من استحل الغناء سيمسخه الله في قبره قرداً أو خنزيراً، ولعله سيمسخ فينا عدد من الناس على قيد الحياة ونراهم بأعيننا ليثبت لنا عن طريق العيان صدق نبينا صلى الله عليه وسلم، ويتحقق ما أشار إليه، ولعل الله يمد في الأجل بالكلام على هذه المفسدة التي عمت البيوت في هذا الوقت، الغناء وقلة الحياء، الذي يلعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله، والذي يلعب بالنرد ثم يقوم ويصلي كمن يغمس يده في دم خنزير، ثم يقوم ويصلي كما في المسند، فلا تقبل صلاته، والله إن شناعة الغناء أعظم من شناعة النرد بكثير، فإذا سمع الغناء والمسلسلات التي لو سمعها الزهاد العباد لانحرفوا، ثم بعد ذلك أراد أن يصلي، ليصلي بجسم حاضر وقلب في كل واد يهيم من أودية الشيطان.
إخوتي الكرام! لا تظنوا الأمر يسيراً، هذا المنهال بن عمرو من رجال البخاري والسنن الأربعة، من تلاميذه شعبة بن الحجاج ، جاء يوماً إلى بيته ليسمع الحديث منه، فسمع في بيته صوت طنبور، شيء من الآلات يضرب به، نعوذ بالله مما ندرك في هذه الأوقات، سمع صوت طنبور، وهو من هو من الأئمة المحدثين، فانحرف شعبة عنه، وقال فيه كل سوء، وعلماء الحديث ما خطئوا شعبة ، قالوا: أنت لو أثبت أن الطنبور جرى من بيته وبعلمه فهو فاسق ترد شهادته، ولا يجوز حمل الحديث عنه، وترد روايته، ولكن يا عبد الله! لعل صوت الطنبور كان من بيت جاره، هل تحققت يا شعبة ؟! قال: لا، إذاً: كيف نقذف هذا الرجل بأمر لم نتحقق منه، إنما قال علماؤنا: لو سمع صوت الطنبور من بيته لكان هذا فسقاً، هذا في المنهال بن عمرو من شيوخ البخاري والسنن الأربعة، سمع من بيته هذا الصوت، فقدح فيه وقال كل سوء، وعلماؤنا أقروه، وقالوا: يحتاج فقط لإثبات، هل هذا الطنبور من بيته أو من بيت جيرانه واشتبه عليك الصوت؟
لقد بدأنا نستحل هذا الأمر، قال عليه الصلاة والسلام، والحديث في صحيح البخاري وغيره: ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرو والحرير والخمر والمعازف )، قال الحافظ ابن حجر : المعازف هي آلات اللهو بأسرها، قال: (ولينزلن أقوام إلى جنب علم لهم تروح عليهم سادحة لهم، فيأتيهم الفقير لحاجته، فيقولون: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)، وثبوت المسخ في هذه الأمة تواترت به الأحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وما ندري في أي وقت سيقع؟ ولعله عما قريب يستيقظ بعضنا في يوم من الأيام ويتحدثون بأنه مسخ اليوم بأسرة فلان، ولا تستعظموا هذا، والأمر كما قال الله: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا [المعارج:6-7].
يقول الإمام ابن القيم : ومن لم يمسخ منهم في حياته مسخ في قبره. سبحان الله! البيوت كانت تتنور وتعج بقراءة القرآن وذكر الرحمن، ولها دوي كدوي النحل، واليوم أصبح فيها ما يصك الآذان! عباد الله! اتقوا الله في أنفسكم، فمن سلم من هذه المفسدة في هذا الوقت فليحمد الله، واتقوا الله في أنفسكم، وأحيوا قيام الليل فيكم وفي أهلكم وفي أولادكم وفي جيرانكم، وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، فوالله ما تحفظ الأمة في هذا الوقت إلا بواسطة ثلة قليلة من المتهجدين لله في الليل، ولولا أهل الطاعة لهلك أهل المعصية.
يقول سليمان الأخناصي من التابعين عليه رحمة الله: رأيت علياً في النوم فأنشد لي بيتين، فقال:
لولا الذين لهم ورد يقومون وآخرون لهم فرد يصومون
لدكدكت أرضكم من تحتكم سحراً لأنكم قوم سوء لا تطيعون
لولا هؤلاء لدمر الله الأرض ومن عليها، ولكن يحفظ الله جل وعلا العباد بواسطة هؤلاء، ولولا شيوخ ركع، وبهائم رتع، وأطفال رضع، لصب عليكم البلاء صباً.
هذا فيما يتعلق بمسلك سلفنا، وما أحرانا أن نسير على شاكلتهم، فهم أسوتنا وقدوتنا، وهم سلفنا الصالح.
أتكلم على هذا وعلى ما بعده بإيجاز لأنهي الموضوع على وجه التمام في هذا الوقت إن يسر ربنا الرحمن:
إن الأمور التي كان من أجلها لقيام الليل تلك المنزلة العالية أمور عظيمة كثيرة، أبرزها تدور حول خمسة أمور:
الأمر الأول: أن الإنسان عندما يقوم في الليل ويتهجد يكون هذا أخلص لربه جل وعلا؛ لأنه يكون في وقت سر لا يطلع عليه أحد، وعبادة السر تفضل عبادة العلانية كما ثبت هذا عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي معجم الطبراني الكبير وكتاب الزهد لـعبد الله بن المبارك بسند حسن عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية)، وصدقة السر تزيد على صدقة العلانية بسبعين ضعفاً، وهكذا صلاة الليل، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، كما ثبت في معجم الطبراني بسند حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر )، فصلاة الليل أخلص لله لأنه يكون في وقت سر لا يطلع عليه أحد.
الأمر الثاني: أنه أشق على النفس، والمجاهدة في ذلك أكثر، ولذلك يكون للإنسان أجر أكثر مما لو قام بهذه العبادة في النهار، والأمر كما قال الله: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ [المزمل:6]، وناشئة الليل لا تكون إلا بقيام بعد نوم، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا [المزمل:6]، أي: أثقل على النفس وأصعب وأعظم، ولذلك يكون الأجر أكثر.
الأمر الثالث: في الليل يحصل مزيد تدبر وتفهم، فالشواغل يبتعد عنها الإنسان، ويكون قد استراح منها عن طريق النوم، وليست أنوار تبهر بصره وتخسفه هنا وهناك، فيتواطأ القلب واللسان على التفهم والتدبر، وقد قرأ أبو عمرو إمام البصرة، وابن عامر إمام الشام قول الله: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا [المزمل:6]، قرءا: (إن ناشئة الليل هي أشد وطائاً وأقوم قيلاً)، أي: مواطأة للقلب مع اللسان، فيتفق القلب مع اللسان لعدم الشواغل، والقراءتان ثابتتان عن نبينا عليه الصلاة والسلام، والإنسان بعد ذلك لا يوجد هناك ما يخطف بصره، ولا ما يلفت ذهنه هنا وهناك.
الأمر الرابع: أن الليل موسم لتنزل الرحمات، ولنزول رب الأرض والسماوات، فعظمت العبادة فيه، وكان لها ذلك الأثر الكبير؛ لأن الوقت وقت مبارك، والزمن زمن فاضل.
الأمر الخامس: إن قيام الليل والتهجد لله في الليل عبادة جامعة لطهارة القلب وبنائه، فالقلب يطهر عن الرذائل، وبعد ذلك يتحلى بالفضائل، ولذلك لا يقوم الليل منافق، وإذا اشتغل الإنسان بالذنوب لا يتيسر له قيام الليل كما سيأتينا، فهذا يطهره، ثم بعد ذلك يحليه بالفضائل والأنوار التي تنزل عليه في ذلك الوقت، ولذلك ثبت في سنن الترمذي وصحيح ابن خزيمة والمستدرك بسند صحيح على شرط البخاري وأقره عليه الذهبي ، عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة لربكم، وفيه تكفير للسيئات، ومنهاة عن الإثم )، ثبت في سنن الترمذي والطبراني عن سلمان زيادة: ( ومطردة للداء عن الجسد )، أي: يصح الجسد وينشطه ويقويه، فكان لقيام الليل تلك المنزلة لهذه الاعتبارات العظيمة.
الأولى: أن الإنسان إذا قام في الليل متهجداً لله جل وعلا، يسهل عليه القيام يوم يقوم الناس لرب العالمين، والجزاء من جنس العمل، فمن استراح هنا وقضى أيامه في البطالة فإنه يتعب هناك، ومن تعب هنا وفي هذا التعب راحته وسعادته، ولذته وبهجته، فإنه يستريح هناك، والجزاء من جنس العمل.
الأمر الثاني كما قال سلفنا: إن من يكثر القيام في الليل إذا كان من الرجال يعوضه الله يوم القيامة ويثيبه كثرة الأزواج من الحور العين، والسبب في هذا: أنه عندما ابتعد عن أهله في ذلك الوقت عوضه الله جل وعلا في يوم القيامة أضعاف ما فاته، وهذا أيضاً لأن الجزاء من جنس العمل.
الأمر الثالث: في ذلك صحة جسم وبهاء وجه، ولذلك لما قيل للحسن البصري عليه رحمة الله: لم كان المتهجدون أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خلوا بربهم فأعطاهم من نوره، فإذا قام الإنسان في الليل يكسي الله وجهه نوراً ونضرة، فهذا أيضاً من الفوائد التي يحصلها الإنسان.
الأمر الرابع: أن الفتوحات والتوفيق وإرشاد الناس لخير الأمور وأسدها وأفضلها، هذا يتم إذا كان الإنسان قائماً، فالله يهديه لسبل الخير من حيث لا يحتسب، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، ولذلك كان سري السقطي يقول: الفوائد ترد في ظلم الليل، أي: التحف والطرائف والاستنباطات، وإذا خفي على الإنسان شيء إذا قام في ظلام الليل يفتح الله جل وعلا عليه فيدركه، ويهتدي إلى الأمر، ويعلمه من حيث لا يحتسب، فإن الفوائد ترد في ظلم الليل.
الأمر الخامس وهو أعظم الفوائد: أن الذين يقومون في الليل ويتهجدون يمتعهم الله جل وعلا يوم القيامة برؤية وجهه الكريم، كما خلوا به كل ليلة ولم يروه، يكشف الحجاب بينهم وبينه في ذلك اليوم العظيم ليروه، ولذلك قال الحسن البصري عليه رحمة الله: والله لو علم العابدون أنهم لا يرون ربهم يوم القيامة لذابوا، فهؤلاء يمتعون بأعظم النعيم بالنظر إلى وجه الله الكريم.
وفي معجم الطبراني الأوسط بسند فيه رواة قال الحافظ الهيثمي : لا أعرفهم، فالحديث ضعيف، وما قبله وغيره يشهد له، أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله! ادع لي أن أكون مستجاب الدعوة، قال: أطب مطعمك تستجب دعوتك، ثم قال: يا
إن اللئيم عن المكارم يشغل
فإذا منع من صلاة الجماعة لذنب فمن باب أولى سيمنع من القيام بسبب الذنوب والعيوب.
وقد قال بعض السجانين في زمن التابعين: كنت سجاناً ثلاثين سنة، فكل من يؤتى به إلى السجن في الليل أسأله: هل شهدت العشاء في جماعة؟ فيقول: لا، فأقول: هذا من شؤم إعراضه عن الله وقع فيما وقع فيه، ولو صلى العشاء في جماعة والفجر في جماعة لكان في حفظ الله وذمته، ووفق لقيام الليل، ونحي عن تلك الأماكن، ثلاثين سنة يشرف على السجن، يقول: ما دخل أحد السجن وقد صلى العشاء في جماعة، فهذا الأمر ينبغي للإنسان أن يحرص عليه وهو أن يبتعد عن الذنوب.
وفي شمائل الترمذي عن أمنا حفصة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان فراشه في بيتها مسحا )، أي: كساء خشن غليظ، ( مسحاً نثنيه ثنيتين فينام عليه، فقلت -أي:
عباد الله! تفقدوا فرشكم، إن الناس في هذا الوقت -وخاصة عند بداية العرس- يريدون أن يؤثثوا بيتاً كبيت فرعون وقارون ، سرير وثير إذا نام عليه الإنسان لا يستيقظ إلى الظهر، والأسرة التي بدأت تباع الآن من أسرة إيطالية أو أميركية، يا عبد الله! هذه ليست للمسلمين، هذه للملاعين، للإيطاليين والأمريكيين، دعك منها يا عبد الله، وعلى الجانب الأيمن موسيقى شرقية، وعلى الجانب الأيسر موسيقى غربية! وإذا نام الزوجان تضرب الموسيقى حتى يناما، ولا يستيقظا بعد ذلك إلا إلى جهنم وبئس المصير! هكذا تؤثث بيوتنا في هذا الوقت، كان فراش خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه يثنى أربع ثنيات ويمنعه عن قيام الليل، فماذا سيكون حال غيره؟! تعهدوا أنفسكم واتركوا الفضول، فإن الفضول سيقودنا للعمل المرذول، وسيحول بيننا وبين مناجاة الله جل وعلا في السحر.
ولذلك قالت رابعة لـسفيان : يا سفيان ! إنما أنت أيام معدودة، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، وإذا ذهب بعضك فيوشك أن يذهب كلك. فانتبه لنفسك يا عبد الله! تأمل هذا يا عبد الله! تأمل إلى أي شيء ستصير بعد النومة الحقيقية عندما تلقى في القبر، إذا استحضرت هذا عند نومك ستوفق لمناجاة ربك، تأمل حال القبور، فحالها كما قال القائل:
أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر
وأين المدل بسلطانه وأين المزكى إذا ما افتخر
والجواب يا عبد الله!
تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما ترى معتبر
أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يجعلنا ممن يقومون الليل، وممن يتقبل ذلك منهم إنه على كل شيء قدير، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت فتنة بقوم فتوفنا غير مفتونين بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك، اللهم اجعلنا من المحبوبين عندك، واجعلنا من أحب خلقك إليك، ومن المقربين لديك، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك يا رب العالمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فأصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن له حق علينا، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر