وقد وجد في عصرنا هذا من يطعن في السنة ويحاربها، تارة بالتشكيك بصحة الأحاديث الصحيحة، وتارة بتسهيل عملية انتقاد النصوص، دون جعل ذلك كبيرة يعاقب عليها الفرد.
والسنة النبوية تحارب لأسباب كثيرة منها: حب الشهرة والرياسة تحت راية: خالف تعرف، والإعجاب بالغرب، وعرض النصوص على العقل الذي لا يرتقي إلى إدراك الأحكام من وراء نصوص الشريعة.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]. أما بعد:
فيا أيها الناس: نور النبوة وإشعاعها، والهداية المتحققة -بإذن الله- في الاقتباس من ذلك النور، مرهون بمدى قرب المسلمين من هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم والبعد عما يخالفه، وكلما ازداد المسلمون تمسكاً برسالته صلى الله عليه وسلم، ازداد هذا النور واتسع، وعمَّ ضياؤه المدر والوبر.
وعلى العكس من ذلك: كلما ابتعدوا عنه، أو زهدوا فيه، أو اقتبسوا نوراً من غيره، ضاق ما اتسع، وأظلم ما هو منير لهم، وهذه سنة الله في المتخاذلين: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40].
إن المترقب لأحوال كثير من المسلمين في جملة من الأقطار قد يرى ما يؤسفه، ولربما صدق حدسه، وظهر أثر ترقبه ونتيجة سبره واستقرائه، على أن جهوداً غير قليلة تتسلل لواذاً، وتبذل على تخوف مشوب بمكر على الإخلال بواقع المسلمين، حتى يرضى المسلمون ولو ببعض الإسلام الذي تلقوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وعرفوه من كتاب ربهم سبحانه.
نعم. قد تبذل مثل هذه الجهود لتهميش الإسلام من قبل أعدائه ممن هو أجنبي عنه، أو ممن يتكلم بلغته، وهم مع ما يبذلونه من جهود في هذا الإطار، لم يهدأ لهم بال، أو يقر لهم قرار، حتى يروا في واقعنا إسلاماً منقوص الحقيقة والأطراف، إسلاماً منقوض العرى والوشائج، ينكر عليه المنكرون ويزمجرون: كيف يتدخل في شئون التشريع كافة دون استثناء، أو يبت في قضايا المجتمع أو يقتلع من السلوك العام ما يخدش قيمه ويمس مثله الرفيعة؟!
إنهم لا يريدون أن يبقى من الإسلام إلا اسمه، أو على أقل تقدير الإبقاء بضرورات لا تلبث أن تزول، ليصدق فيها ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم منوهاً إلى آخر الزمان بقوله: (يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صلاة ولا صيام ولا زكاة ).
إن الجهود الغامضة لا تزال تبذل في غير ما سبيل، لتحصل أجيال مهيأة لقبول مثل هذه الصورة المشوهة للإسلام، حتى ترتضي ما قام في أوساط البسطاء السذج من أهله: من الجرأة على تحليل الحرام، أو تحريم الحلال، أو قطع ما أمر الله به أن يوصل، والوصول إلى واقع يدفع فيه معظم الأمور الثوابت بعيدة من هداية الله، فيألف البعض التفلت من المُسَلَّمَات، كتحقيق توحيد الله جلَّ شأنه، وكالربا، وذرائع الزنا، مع مصادمة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوات متهافتة لاقت رجع الصدى يمنة ويسرة، داعية إلى تحرير الناس من أواصر قيود الشريعة.. زعموا!
ولعل من أشهر من صب عليه التغريب دون هداوة أو تريث سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي هي أس من أساسات هذا الدين، والتي حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع في مغبة ما ذكر في قوله: (إن مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قومه، فقال: يا قوم! إني رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان، فالنجاة النجاة! فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا -أي: ساروا ليلاً- وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا على مكانتهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واستباحهم، فذلك مثلي ومثل من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق ) رواه البخاري .
إن ما خشي منه النبي صلى الله عليه وسلم بدأت تظهر ملامحه على فترة من أهل العلم، وإبان طفرة طاغية من الظواهر المعلوماتية والثقافات العولمية، والتي تصب في قالب واحد؛ هو جعل العالم كله كالكتلة الواحدة دون تميز، مما سبب الهجوم الكاسح والحرب التي لا هوادة فيها تجاه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، مع قلة في الإنصاف وبعد عن الطرح الصحيح الموافق للشرع الصحيح والعقل الصريح.
وأمثال الخائضين في مثل هذا مهما قصروا هجومهم على سنة النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، فإنهم لو تم لهم ما يريدون لأضاعوا القرآن والسنة على حد سواء، حيث أن خدش السنة ذريعة لخدش القرآن، ومن ثم القضاء على الدين بالمرة.
فكان من أشهر وسائل الطعن في السنة أمران:
يقول أبو القاسم الأصبهاني رحمه الله: ولئن دخل في غمار الرواة من وسم بالغلط في الأحاديث؛ فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث ورتوة العلماء -أي: رؤسائهم- حتى أنهم عدوا أغاليط من غلط في الأسانيد والمتون، بل تراهم يعدون على كل رجل منهم في: كم حديث غلط، وفي كم حرف حرّف، وماذا صحف.. انتهى كلامه رحمه الله.
ولقد أحسن ابن القيم رحمه الله في وصف أمثال هؤلاء بقوله: ومن ذلك تلاعبهم بالنصوص، وانتهاك حرماتها، فلو رأيناهم وهم يلوكونها بأفواههم، وقد خلت بها المثُلات، وتلاعبت بها أمواج التأويلات، وتقاذفت بها رياح الآراء، واحتوشتها رماح الأهواء، ونادى عليها أهل التأويل في سوق من يزيد، فبذل كل واحد في ثمنها من التأويلات ما يريد... إلى أن يقول رحمه الله: فلا إله إلا الله والله أكبر! كم هدمت بهذه المعاول معاقل الإيمان! وثلمت بها حصون حقائق السنة والقرآن! وكم أطلقت في نصوص الوحي لسان كل جاهل أخرص ومنافق أرعن!
إننا حينما نتطرق لمثل هذا عباد الله، فإنما نقوله لأجل أن نبين أنَّ للسنة رجالها الخبراء بها، وهم أئمة الدين من العلماء والفقهاء، النجوم الثواقب، ورواسي الأرض وأوتادها: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59]، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:83].
إنَّ ترك الرد إلى الرسول وإلى أولي الأمر -وهم العلماء- سبيل من سبل اتباع الشيطان، فحري إذاً ألا يقبل في هذا الميدان ما يرسله المتهورون من أحكام طائشة، تجعل التطويح بالسنة النبوية أمراً جائزاً، أو تجعل تكذيب حديث النبي صلى الله عليه وسلم والتلاعب به هوىً مطاعاً وكلأً مباحاً.
وما سبب قولنا هذا -عباد الله- إلا ما نراه في هذه الأزمنة، من ذهاب أهل العلم الذين تنقص الأرض بموتهم، مع فشو القلم، وكثرة الكذب، والقول على الله بلا علم، ونطق الرويبضة؛ وهو الرجل التافه الحقير الذي يتكلم في أمور العامة، وهو من العلم خواء وفؤاده هواء، حتى كثر المتعالمون، وصار الحديث في أحكام الدين مطلق العنان لدى البعض دون زمام ولا خطام، فخاض البعض في السنة وخاصموا، ولتوا وعجنوا، من خلال محادثات شفهية أو مطارحات صحفية، أو عبر كتب النشر المقروءة والقنوات المرئية، فبدءوا يتحدثون عن مسلمات في الدين، وثوابت لا تتغير، فشككوا في الربا، وهمشوا الولاء والبراء، فأعموه من حيث أرادوا تكحيله.
وتحدثوا عن المرأة وميراثها ونقصانها عن الرجل، وتحدثوا عن حجابها، وعزلتها عن الرجال، وقرارها في البيوت، فكان الذي طرح ليس من السنة في ورد ولا صدر، وما ذاك إلا لغياب مفهوم خطورة الفتوى، وتدخل الغير في غير فنه، وقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.
فالواجب: جعل تقرير الشريعة في العلاقات الفردية والدولية، وشئون الأسرة، وتداول المال العام والخاص، وأساليب الحكم والتحاكم وغير ذلك من شئون أهل الذكر، أما العمال والفلاحون والصحفيون والمتفيهقون فما لهم ولهذه الشئون؟!
ألا إن قلة البضاعة من العلم محنة، فإذا انضم إليها حب التطاول على النصوص وتلمس المتشابه، زادت المصيبة، وتفاقم الداء؛ فلا يزال الورم في نفوخ، فلا غرو إذاً ألا يصل العطاش إلى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا، وألا يثني الأصاغر عن مراد إذا جلس أكابرهم في الزوايا.
الجواب أن نقول: يصعب بداهة سرد أسباب ذلك في هذه العجالة، على أننا نؤكد أن من أهمها: الجهل بالعلم الشرعي، والخوض في غير التخصص، غير أن من الأسباب ما يلي:
من باب ما يقال: خالف تذكر، وأصحاب الهوى كثر، فلو خلي لهم السبيل لأفسدوا في الأرض: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص:50] والهوى قَتَّالٌ عبادَ الله، ولربما صار لصاحبه أتباع ينعقون له ويهرفون بما لا يعرفون، وقد أشار ابن قتيبة رحمه الله إلى مثل هذا بقوله: والناس أسراب طير يتبع بعضها بعضاً، ولو ظهر لهم من يدعي النبوة مع معرفتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، أو من يدعي الربوبية، لوجدوا على ذلك أتباعاً وأشياعاً.
وإشارة إلى حب هؤلاء للشهرة والرئاسة، يقول ابن قتيبة أيضاً: ولكن يمنع من الحق طلب الرياسة، وحب الأتباع، واعتقاد الإخوان بالمقالات.
وذكر ابن القيم رحمه الله عن يحيى بن أكثم أنه قال: قال هارون الرشيد : ما أنبل المراتب؟ قلت: ما أنت فيه يا أمير المؤمنين، قال: فتعرف أجّل مني؟ قلت: لا. قال: لكن أعرفه، رجل في حلقة يقول: حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: يا أمير المؤمنين! أهذا خير منك، وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين؟ قال: نعم. ويلك، هذا خير مني؛ لأن اسمه مقترن باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت أبداً، ونحن نموت ونفنى، والعلماء باقون الدهر.
وذكر ابن القيم أيضاً عن ابن العميد الوزير المشهور قوله: فوددت في مكاني أن الوزارة والرياسة ليتها لم تكن لي، وكنت الطبراني وفرحت مثل الفرح الذي فرح به الطبراني لأجل الحديث.
إذاً عباد الله: هذه هي الشهرة الشريفة، وإنما تكون في الأخذ بالنصوص لا في تركها، وفي تحكيمها لا في مخاصمتها.
وفي ذلك يقول أبو القاسم الأصبهاني رحمه الله: وقول من قال: تعرض السنة على القرآن، فإن وافقت ظاهره، وإلا استعملنا ظاهر القرآن وتركنا الحديث، فهذا جهل؛ لأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كتاب الله تقام مقام البيان عن الله عزَّ وجلَّّ، ليس هناك شيء من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف كتاب الله؛ لأن الله عزَّ وجلَّ أعلم خلقه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي إلى صراط المستقيم فقال تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52].
صح عند أحمد وأبي داود والحاكم من حديث عبد الله بن أبي رافع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا أعرفن ما بلغ أحدكم عني حديث من حديثي قد أمرت فيه أو نهيت، وهو متكئ على أريكته، فيقول: لا حاجة لي به، هذا القرآن ما وجدنا فيه اتبعناه وما لم نجد فيه لم نتبعه }.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مشيراً إلى هذه المسألة: [[سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله ]].
اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، ولا تجعل الحق مشتبهاً علينا فنضل يا أرحم الراحمين، ونستغفرك اللهم إنك كنت غفاراً.
أما بعد:
فإن ثالث الأسباب -عباد الله- في مخاصمة السنة: يكمن في ميل بعض المخاصمين إلى أهل الغرب والإعجاب بهم، والحرص على مسايرة ركبهم رغبة في اللحاق بهم، ونزع معرة التخلف التي وسموا بها -على حد زعمهم- من خلال التقيد الكامل بما دلت عليه النصوص الشرعية، مما لا يمكن بسبب العمل بها أن يلتقي هؤلاء وأولئك، مما سبب تلك المواقف الصارخة، والتي ولدتها بعد ذلك العداوة للنصوص، فنظروا بعين عداوة، ولو أنها عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا، وهذا الميل الجارف لأهل الغرب، ولد لدى من يحبهم شيئاً من المحاكاة في الطبع والمنهج.
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أصل مثل هذه المسألة فقال: إن الله تعالى جبل بني آدم -بل سائر المخلوقات- على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، حتى يئول الأمر إلى ألا يميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط.
ثم يستطرد رحمه الله مؤكداً على ما تزعمه في هذا الإطار فيقول: وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيماناً من غيرهم ممن جرد الإسلام.
ولله در الحافظ ابن حجر ، فقد أحسن حيث قال: وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان ، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرهاً، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأنَّ من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف.
يقول ابن تيمية رحمه الله: والداعون إلى تمجيد العقل إنما هم في الحقيقة يدعون إلى تمجيد صنم سموه عقلاً، وما كان العقل وحده كافياً في الهداية والإرشاد، وإلا لما أرسل الله الرسل.
ويقول القرطبي رحمه الله: إن الله سبحانه وتعالى لم يبن أمور الدين على عقول العباد ولم يعدهم وعداً على ما تحتمله عقولهم ويدركونها بأفهامهم، بل وعد وعداً بمشيئته وإرادته، وأمر ونهى بحكمته، ولو كان ما لا تدركه العقول مردوداً لكان أكثر الشرائع مستحيلاً على عقول العباد.
وقد روى أبو داود وغيره، أن علياً رضي الله عنه قال: [[ لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه ]].
إذاً: العقل وحده غير كافٍ في معرفة الحق والنور، بل لا بد من إخضاع العقل للشرع على وجه التسليم به، والإيمان بمراده، كما قال تعالى: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران:7].
يقول ابن القيم رحمه الله: إن عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل عقول أهل الأرض على الإطلاق، فلو وزن عقله بعقولهم لرجح بها كلها.
وقد أخبر سبحانه أنه صلى الله عليه وسلم قبل الوحي لم يكن يدري الإيمان كما لم يكن يدري الكتاب، فقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبرهيم.. إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين.. إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.
اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم.
اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم من مات من علمائنا فاغفر له وارحمه، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله أجمعين، ومن كان منهم حياً، فوفقه وسدده لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لتسقيَ به العباد، وتحييَ به البلاد، ولتجعلَه بلاغاً للحاضر والباد.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر