إسلام ويب

آداب الطعام [1، 2]للشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لنا هذا الدين، فلا يحق لأحد أن يزيد فيه أو ينقص، أو يعدل أو يستدرك، وقد بين لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم كل شيء في السنة المطهرة، ومما ذكر لنا آداب الأكل والطعام، وقد أورد الشيخ حفظه الله آداباً جمة وردت فيها الأحاديث عن رسول الله، ثم ذكر بعد ذلك آداباً طيبة دل عليها العرف والعادات الحميدة عند المسلمين .

    1.   

    جملة من الآداب في باب الأكل

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    فحديثنا في هذه الليلة أيها الإخوة عن أدبٍ آخر من الآداب الشرعية، وهو أدبٌ نحتاج إليه باستمرار، ألا وهو: (أدب الأكل)، أو: (آداب الطعام)، وهذا الأدب من الآداب التي أطال العلماء في شرحها؛ نظراً لكثرة الآثار الواردة فيها والأحاديث والنصوص الشرعية، وقد سبق أن قلنا: إن الشريعة تهتم بجميع نواحي حياة الإنسان، وكلما كانت الناحية أكثر وجوداً في حياة الشخص المسلم، كانت الشريعة أكثر تطرقاً لما يتعلق بهذا الأدب من التفصيلات.

    أما بالنسبة إلى هذا الأدب فإننا نحتاج أن نلخص بعض فروعه قبل أن نبدأ في تفصيله، فنقول: والله المستعان.

    إن آداب الطعام، أو آداب الأكل كثيرة؛ فمن آداب الأكل:

    أولاً: غسل اليدين قبله، لما رواه النسائي بإسنادٍ صحيح ورجاله رجال الشيخين، غير محمد بن عبيدة وهو صدوق، كان النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه) وهذا حديثٌ عزيزٌ جيد في هذه المسألة.

    ثانياً: تسمية الله سبحانه وتعالى قبل الطعام، كما دلت عليه أحاديثٌ كثيرة، كقوله عليه الصلاة والسلام: (يا غلام! سم الله) وقد جاء صريحاً بلفظ: (يا غلام! إذا أردت أن تأكل فقل: باسم الله).

    ثالثاً: أن يأكل بيمينه: لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ( وكل بيمينك).

    رابعاً: أن يدنوا من الطعام: لقوله عليه السلام في حديث الغلام أيضاً: (ادن يا بني).

    خامساً: أن يأكل مما يليه: لقول النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً: (وكل مما يليك).

    سادساً: الاجتماع على الطعام، وعدم الأكل متفرقين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه) وينتج عن ذلك أن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة، وطعام الأربعة يكفي الخمسة والستة.. كما رواه ابن ماجة وهو حديثٌ صحيح.

    سابعاً وثامناً: ألا يمسح يده بالمنديل أو بغيره حتى يَلعِقها، أو يُلعقها كما جاء عند النسائي وهو حديثٌ صحيح: (إذا أكل أحدكم الطعام فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يُلعِقها، ولا يرفع الصفحة حتى يلعقها فإن آخر الطعام فيه البركة) وهذا هو الأدب الثامن، والذي قبله لعق الأصابع، والثامن: لعق الإناء. فإن آخر الطعام فيه البركة.

    تاسعاً: إذا سقطت اللقمة ألا يتركها لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا طعم أحدكم فسقطت لقمته من يده، فليمط ما رابه منها وليطعمها، ولا يدعها للشيطان).

    عاشراً: انتظاره حتى يذهب فوره ودخانه، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إنه أعظم للبركة) يعني: الطعام الذي ذهب فوره.

    الحادي عشر: عدم النفخ في الطعام، وقد يكون لهذا أضرار لا نعلمها.

    الثاني عشر: الأكل من جوانب الطعام كما قال عليه الصلاة والسلام: (كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها -أي وسطها- يبارك لكم فيها) وقال صلى الله عليه وسلم: (كلوا باسم الله من حواليها واعفوا رأسها، فإن البركة تأتيها من فوقها) وقال أيضاً في الحديث الصحيح: (إن البركة وسط القصعة فكلوا من نواحيها ولا تأكلوا من رأسها).

    الثالث عشر: أن يجلس على الأرض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد؛ فإنما أنا عبد) وقال أيضاً في الحديث الآخر: (آكل كما يأكل العبد، فوالذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء).

    الرابع عشر: إذا أتاه خادمه بالطعام أن يناوله منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح (إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه قد كفاه علاجه ودخانه؛ فليجلسه معه -يعني إجلاس الخدم معهم- فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلةً أو أكلتين).

    إذاً: بما أن الخادم قد شق عليه عمل الطعام، وهو الذي قد جاءه من حره ودخانه فمن المكافأة له وقد اشتهاه أن يجلسه معه، وهذا أيضاً فيه تواضع، بالإضافة إلى المكافأة على ما حصل له.

    الخامس عشر: أنه إذا لم يعجبه شيءٌ من الطعام فإنه لا يتأفف ولا يتذمر وإنما يتركه فقط، كما جاء في الحديث: (إن اشتهاه أكله وإلا تركه) (ولما قدم الضب للنبي صلى الله عليه وسلم ترك أكله، وقال: إنه لم يكن بأرض قومي؛ فأجدني أعافه).

    السادس عشر: تفتيش التمر من الدود: فقد جاء في حديثٍ صحيح رواه أبو داود وغيره: (عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالتمر فيه دودٌ، فيفتشه يخرج السوس منه).

    السابع عشر: ما ذكره صلى الله عليه وسلم في مسألة ما يقال بعد الأكل ولهذا أذكارٌ كثيرة سنأتي عليها إن شاء الله، ومنها: الحمد لله، وما يقال أيضاً: لصاحب الوليمة، إذا دعاك فأجبت دعوته وطعمت عنده فماذا تقول له؟ وهذا سيكون إن شاء الله في موضوع: آداب الوليمة، وإجابة الدعوة، لكن في آداب الأكل سنتطرق إلى الصيغ الواردة في حمد الله تعالى لأنها كثيرة.

    الثامن عشر: أن الإنسان إذا طبخ لحماً مثلاً فإن عليه أن يكثر المرق ويغرف منه للجيران، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا طبختم اللحم فأكثروا المرقة، فإنه أوسع وأبلغ للجيران) وقال أيضاً: (إذا طبخ أحدكم قدراً فليكثر مرقها ثم يناول جاره منها) يعني من هذا المرق ومن هذا الطعام.

    التاسع عشر: ماذا يفعل إذا وقع الذباب في الإناء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن أدبٍ يتعلق بذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء) وفي رواية: (وإنه يقدم السمّ ويؤخر الشفاء، فإذا غمسه كله ذهب ذلك).

    العشرون: كف الجشاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كف عنا جشاءك) وفي راوية: (أقصر من جشائك) وهو: الصوت الغليظ الصادر من الفم كما سبق بيانه.

    الحادي والعشرون: تنظيف اليدين من بقايا الطعام، خصوصاً إذا أراد أن ينام، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا نام أحدكم وفي يده ريح غمرٍ -وهو رائحة اللحم ودسامة اللحم وزهومته ودهنه- فلم يغسل يده فأصابه شيءٌ فلا يلومن إلا نفسه) .

    الثاني والعشرون: أنه إذا وضع العَشاء وحضرت صلاة العِشاء، فإنه يقدم العَشاء ولا يعجل عن طعامه.

    الثالث والعشرون: في طريقة الجلسة، أن يجلس ناصباً اليمنى جالساً على اليسرى، أو يجلس القرفصاء كما جاء أيضاً في رواية، ولا يجلس متكئاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما أنا فلا آكل متكئاً).

    الرابع والعشرون: النهي أن يأكل الرجل منبطحاً على بطنه لأنه قد ورد في الحديث الصحيح أيضاً: (النهي أن يأكل الرجل منبطحاً على بطنه) .

    الخامس والعشرون: عدم الشبع: لقوله في الحديث: (فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه، حسب ابن آدم لقيماتٌ يقمنَ صلبه) وذم التوسع في ألوان الطعام والشراب.

    السادس والعشرون: الأكل بثلاثة أصابع: فإنه قد ورد في الحديث الصحيح: (أنه عليه الصلاة والسلام كأن يأكل بثلاثة أصابع، وكان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث) .

    السابع والعشرون: ألا يقرن بين تمرتين خصوصاً إذا شاركه غيره، لما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن الإقران) وهو الجمع بين تمرتين ونحوها من الفواكه أو من الثمار التي تكون مفردة، فإنه لا يجمع بين حبتين منها، إلا أن يأذن له صاحبه، لأن في الحديث قوله: ( إلا أن يستأذن الرجل أخاه ).

    الثامن والعشرون: النهي عن الجلوس على المائدة التي فيها محرم، وهذا من الأحكام، كما جاء في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس على مائدةٍ يشرب عليها الخمر).

    التاسع والعشرون: الاعتدال في الطعام، حتى في أنواعه، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يأكل البطيخ بالرطب ويقول: نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا) وهذا يدل على اعتداله صلى الله عليه وسلم في أنواع الأطعمة التي كان يتناولها.

    الثلاثون: عدم أكل الثوم والبصل والكراث، ولا يقربن المسجد إذا أكل الثوم والبصل والكراث، وعدم أكله لمن أراد أن يأتي المسجد.

    الواحد والثلاثون: الاعتناء بما دلت الشريعة على فضله من الأطعمة كالتمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بيتٌ لا تمر فيه كالبيت لا طعام فيه) وفي حديثٍ آخر: (بيت لا تمر فيه جياعٌ أهله) وكذلك قال: (كلوا الزيت وادَّهنوا به) فالتمر إذاً قد ورد الاعتناء به، وكذلك زيت الزيتون المعروف، وكذلك الخل فقد قال: (نعم الإدام الخل) وما راق للإنسان أكله من الأطعمة بعد ذلك، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم -مثلاً- يعجبه الذراع والدباء -القرع- وهذا عائد إلى النفس.

    وفي الاعتناء بالأطعمة التي ورد الشرع بها أيضاً: إكرام الخبز -عدم القائه والاستهانة به- فإنه قد قال: (أكرموا الخبز) ولم يصح النهي عن قطعه بالسكين، وإنما الذي ورد إكرامه، فلذلك لا يلقى، والإنسان لو رآه يعتني به أكثر من غيره، للأمر بالاعتناء بإكرامه، فإذا رآه ملقىً مثلاً أخذه فوضعه أو جعله في مكان مرتفع أو أطعمه للدواب أو نحو ذلك.

    فهذه طائفة من آداب الطعام وشيء من الأحكام المتعلقة بها، وما يتعلق بالوليمة وآداب الدعوة والضيف، هناك أشياء مرتبطة بها مثل: الأطعمة ومثل: عدم سؤال صاحب الدعوة عن طعامه إذا كان مسلماً، كأن يقول: من أين هذا؟ ومن أين اشتريته؟ من جهة الشك فيه أو في أمانته، أو ربما أتى له بأشياء محرمة، فإذا كان عدلاً لا يسأل عن طعامه من أين أتى به، أو هل هو حلالٌ أم لا؟ أو هل هو مذكى أم لا؟ ولعل هذا سيأتي إن شاء الله في آداب الدعوة والوليمة.

    1.   

    التفصيل في مسألة التسمية

    أما بالنسبة لبعض التفاصيل المتعلقة بالموضوع فلعلنا نبدأ بحديث التسمية على الطعام، حيث إن هذا من أول ما يكون في الطعام، وإن كان غسل اليدين مثلاً يكون قبله بالترتيب المنطقي لكن نبدأ بهذا الحديث، فإنها كانت أول وصية في حديث: (يا غلام سم الله) وقد عقد الأئمة رحمهم الله في كتبهم أبواباً لهذا الأدب العظيم، ولا تخلو الكتب الستة وغيرها من بابٍ أو كتابٍ عن آدب الأكل.

    وأيضاً: بوبوا في الأطعمة، فإن العلماء يذكرون في مصنفاتهم آداب الأكل وأحكام الأطعمة.. والصيد والذبائح ماذا يحل منها؟ وماذا يحرم؟ وهناك بعض الاشتراك، لكن الذي يهمنا نحن الآن التركيز عليه هو قضية آداب الأكل.

    روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : عن عمر بن أبي سلمة قال: (كنتُ غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، فما زالت تلك طعمتي بعد) .

    صيغة التسمية عند الطعام

    عنون البخاري عليه: باب التسمية على الطعام والأكل باليمين.

    والمراد بالتسمية على الطعام قول: باسم الله، والبسملة قول: بسم الله الرحمن الرحيم، وقد ورد هذا صريحاً حيث قال: ( سم الله ) لكن الكلمة قد جاء مصرحاً بها كما جاء عند أبي داود والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة مرفوعاً: (إذا أكل أحدكم طعاماً فليأكل باسم الله، فإن نسي في أوله فليقل: باسم الله أوله وآخره) وهذا أدب يلحق بالتسمية أصلاً أو تبعاً لها، فهذا الحديث بين صفة التسمية.

    وهناك حديثٌ آخر أيضاً رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في السلسلة : عن عمر بن أبي سلمة قال: (كنتُ غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم _حِحر وحَجر كلاهما صحيح- وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام! إذا أكلت فقل باسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).

    قال الشيخ: وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، وقد ذكرت طرقه وخرجته في الإرواء ، وإنما خرجته هنا من طريق الطبراني بهذا اللفظ؛ لعزته وقلة وجوده في كتب السنة المتداولة.

    وفي الحديث دليلٌ على أن السنة في التسمية على الطعام، إنما هي: باسم الله فقط، فإذاً: جاء الحديث بلفظ ( سم الله ) وجاء في حديث: (اذكروا اسم الله تعالى عليه يبارك لكم فيه) وجاء النص على الكلمة التي تقال وهي: باسم الله.

    حكم زيادة الرحمن الرحيم التسمية

    قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث بعد أن ذكر الرواية التي تنص على قول: باسم الله قال: ( أما قول النووي في أدب الأكل من الأذكار: إن صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته، والأفضل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قال: باسم الله، كفاه وحصلت السنة، فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلاً خاصاً ).

    ( وأما ما ذكره الغزالي من آداب الأكل في كتابه الإحياء: أنه لو قال في كل لقمة: باسم الله كان حسناً، وأنه يستحب أن يقول مع الأولى: باسم الله، ومع الثانية: بسم الله الرحمن، ومع الثالثة: بسم الله الرحمن الرحيم، فلم أر في استحباب ذلك دليلاً ).

    إذاً السنة: باسم الله، والزيادة عليها غير محمودة؛ لأنها زيادة على السنة، ولذلك ذكر الشيخ الألباني في بعض كلامه العيب على من يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا قلت له: باسم الله فقط، فإنه يجيبك وماذا فيها؟ يعني: لو زدنا ماذا في هذه الزيادة؟

    وقد سبق بيان أن كلمة العامة: زيادة الخير خيرين، أنها ليست بصحيحة على إطلاقها، وأن الزيادة على السنة توقع في البدعة، وأن مجاوزة ما جاء به النص عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه فتح الباب، والخطير من ذلك: الاستدراك على الشريعة، لأنه كأنه يقول: ما جاءت به الشريعة فهناك ما هو أفضل منه، ويحكم رأيه فيقول: عندي وفي رأيي أن: بسم الله الرحمن الرحيم أفضل من باسم الله؛ لأن فيها ذكر كلمة: الرحمن والرحيم، وهما اسمان من أسماء الله عظيمان.

    فنقول: ليست المسألة بالاستحسان العقلي، المسألة بالدليل، ما دام أنه قد ورد النص على باسم الله، فنلتزم به.

    وواضح من كلام ابن حجر رحمه الله أن التسمية مرة واحدة فقط في بداية الطعام، وأنه لا يكرر ذلك في اللقم المختلفة. لكن لو نسي قال: باسم الله في أوله وآخره. لكنه يقولها مرة واحدة.

    وهذا الحديث وهو: حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله تعالى عنه وهو صحابيٌ صغير، ولكنه حفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحديث ونقله، وهو أنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فجلس وكانت يده تطيش في الصحفة ومعنى تطيش: تتحرك في نواحي الصحفة المختلفة ولا تقتصر على موضعٍ واحد يميناً وشمالاً، وكذلك معناها: تسرع.. فالطيشان في الصحفة إذاً: الإسراع والتجول فيها يميناً وشمالاً، وعدم الالتزام بمكانٍ معين، أو الالتزام بالأكل مما يليه.

    وأما بالنسبة للصحفة فهي: التي تشبع الخمسة وهي أكبر من القصعة.

    حكم الإتيان بالتسمية

    وأما بالنسبة لحكم التسمية، لما قال: (يا غلام! سم الله) فادعى النووي رحمه الله إجماع العلماء على استحباب التسمية، ولكن ادعاؤه ذلك فيه نظر كما بين الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، والأصل أن الأمر للوجوب، قال يا غلام: (سم الله) وهذا فعل أمر؛ فهو يفيد الوجوب، لكن لابد أن نقول: إن العلماء قد اختلفوا في ذلك.

    فمنهم من قال: إنه للاستحباب ومنهم من قال: إنه للوجوب، وقد اقترنت المسألة -مسألة سم الله- بمسألة لا شك بوجوبها وهي: قضية الأكل باليمين، لأنه قال: (سم الله، وكل بيمينك) ولا شك أن من القرائن التي يستدل بها على وجوب أمرٍ من الأمور أن يكون مقترناً بشيءٍ آخر الأمر فيه للوجوب قطعاً، ولا شك أن الأكل باليمين واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على من أكل بشماله، فقال: (لا استطعت) وقال لمن رآها تأكل بشمالها: (أخذها طاعون غزة) وفعلاً بعد سنواتٍ مرت بـغزة وكانت فيها طاعون فماتت منه.

    إذاً: هذه قرينة تدل على أن التسمية واجبة، وصيغة الأمر واردة في الحديث في جميع الأوامر (سم الله) (كل بيمينك) (كل مما يليك) ونص الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب: الأم على الوجوب، ولكن أكثر الشافعية حملوه على الندب وبذلك جزم النووي رحمه الله تعالى، هذا بالنسبة لقول: باسم الله.

    1.   

    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأكل عموماً من كلام ابن تيمية

    وفاتنا شيءٌ أن نذكره في بداية الحديث وهو: هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل عموماً ملخصاً فلعلنا نرجع إليه الآن قبل أن يفوتنا ذكره ونحن شرعنا في التفاصيل.

    لقد ذكر ابن تيمية رحمه الله طائفة عامة من هديه عليه الصلاة والسلام في الطعام، وكذلك ابن القيم رحمه الله تعالى ذكر طائفة عامة من هديه عليه الصلاة والسلام في الطعام، فلنعد إلى ذلك قبل أن نسترسل في التفاصيل:

    فقد ذكر الإمام تقي الدين أحمد بن عبد السلام رحمه الله تعالى في موضوع آداب الطعام ما يلي:

    قال: وأما الأكل واللباس فخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وكان خلقه في الأكل أنه يأكل ما تيسر إذا اشتهاه ولا يرد موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فكان إذا حضر خبزٌ ولحمٌ أكله، وإن حضر فاكهةٌ وخبزٌ ولحمٌ أكله، وإن حضر تمرٌ وحده أو خبزٌ وحده أكله، وإن حضر حلوٌ أو عسلٌ طعمه أيضاً، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد، وكان يأكل القثاء بالرطب، فلم يكن إذا حضر لونان من الطعام يقول: لا آكل لونين -ربما بعض الصوفيين الذي يدعون الزهد، إذا حضر بين يديه لونان من الطعام قال: لا آكل لونين ارفع واحداً حتى آكل- ولا يمتنع من طعام لما فيه من اللذة والحلاوة بحجة أنه يشغل عن العبادة أو أنه منافٍ للزهد، فإنه يأكله ولو كان مشوياً لذيذاً يأكله -مادام حضر، ما دام حلالاً طيباً- وكان أحياناً يمضي الشهران والثلاثة لا يوقد في بيته نار، ولا يأكلون إلا التمر والماء، وأحياناً يربط على بطنه حجراً من الجوع، وكان لا يعيب طعاماً فإن اشتهاه أكله، وإلا تركه، وأكل على مائدته لحم ضبٍ فامتنع عن أكله وقال: (إنه ليس بحرام، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه).

    وقال رحمه الله تعالى: كذلك في مسألة أكل الطيبات.

    بعد ما أتى بحديث الإنكار على الثلاثة الذين حرموا ما أحل الله على أنفسهم، وقال أحدهم: أما أنا فلا آكل اللحم، قال عليه الصلاة والسلام: (لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني) طبعاً هذا فيه رد على النباتيين الذين يأكلون الأشياء النباتية من باب الزهد، يقولون: لا نأكل اللحم؛ لأن أكل اللحم منافٍ للزهد، فإذاً هؤلاء مبتدعة ومن أنواع البدع البدع التركية؛ لأنه يترك أشياء لم تأمر الشريعة بتركها، مثل أكل اللحم تزهداً وتقرباً، فهذه من أنواع البدع، لكن إن تركه؛ لأنه يضر به، أو لوصية الأطباء واقتصر على أكل الفاكهة والخضار، فإنه ليس بمبتدعٍ والسبب في ذلك نيته، فإن نيته في الحالة الأولى: تركه تقرباً إلى الله، وفي الحالة الثانية: تركه لأنه يضر به.

    فقال رحمه الله: وقد كان اجتمع طائفةٌ من أصحابه على الامتناع من أكل اللحم ونحوه وذكر الحديث... ثم قال: وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] فأمر بأكل الطيبات والشكر لله، فمن حرم الطيبات كان معتدياً، ومن لم يشكر كان مفرطاً مضيعاً لحق الله.

    وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها) وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر) فهذه الطريق التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أعدل الطرق وأقومها والانحراف عنها إلى وجهين، ملخص الوجهين:

    أولاً: قومٌ يسرفون في تناول الشهوات.

    ثانياً: قومٌ يحرمون الطيبات.

    فإذاً الانحراف في هذا سيأتي من هذين الطريقين، الطريق الأول: قوم يسرفون في تناول الشهوات، والله يقول: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31].

    الطريق الثاني: قومٌ يحرمون الطيبات والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة:87].

    1.   

    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الطعام من كلام ابن القيم

    وقال ابن القيم رحمة الله عليه في كتاب زاد المعاد : وكذلك كان هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام لا يرد موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فما قرب إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله إلا أن تعافه نفسه، فيتركه من غير تحريمٍ وما عاب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه.

    كما ترك أكل الضب لما لم يعتده، ولم يحرمه على الأمة بل أكل على مائدته وهو ينظر، كما جاء في الحديث فاجتره خالد -الضب اجتره خالد- وأكل الحلوى والعسل وكان يحبهما.

    وذكر ابن القيم رحمه الله طائفة مما أكل عليه الصلاة والسلام فقال: وأكل لحم الجزور والضأن والدجاج.. كما سيأتي في حديث الرجل الذي تنزه عن أكل لحم الدجاج؛ لأنه رآه يأكل شيئاً منتناً فدعاه أبو سعيد وقال: أكله النبي عليه الصلاة والسلام، دعاه إلى أكل الدجاج.

    وأكل الحلوى والعسل وكان يحبهما، وأكل لحم الجزور والضأن والدجاج، ولحم الحبارى، ولحم حمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر الذي أتى به أبو عبيدة ، وأكل الشواء والرطب والتمر وشرب اللبن خالصاً ومشوباً، والسويق، والعسل بالماء، وشرب نقيع التمر -طبعاً هذا ليس بمسكر- وأكل الخزيرة وهي: حساءٌ يتخذ من اللبن والدقيق، وأكل القثاء بالرطب، وأكل الإقط، وأكل التمر بالخبز، وأكل الخبز بالخل، وأكل الثريد -وهو الخبز باللحم- وأكل الخبز بالإهالة وهي الودك -الشحم المذاب- وأكل من الكبد المشوية، وأكل القديد -اللحم المجفف- وأكل الدباء المطبوخة، وكان يحبها، وأكل المسلوقة، وأكل الثريد بالسمن، وأكل الجبن، وأكل الخبز بالزيت، وأكل البطيخ بالرطب، وأكل التمر بالزبد، وكان يحب التمر بالزبد، ولم يكن يرد طيباً ولا يتكلفه، بل كان هديه أكل ما تيسر فإن أعوزه صبر، حتى إنه ليربط على بطنه الحجر من الجوع، ويرى الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار، وكان طعامه يوضع على الأرض في السفرة، وهي كانت مائدته، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقها إذا فرغ، وهو أشرف ما يكون من الأكلة فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة، والجشع الحريص يأكل بالخمس، ويدفع بالراحة، وكان لا يأكل متكئاً والاتكاء على ثلاثة أنواع:

    أحدها: الاتكاء على الجنب.

    الثاني: التربع.

    الثالث: الاتكاء على إحدى يديه وأكله بالأخرى، والثلاث مذمومة -هذا رأيه رحمه الله- وكان يسمي الله تعالى على أول طعامه ويحمده في آخره، فيقول عند انقضائه: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفيٍ ولا مودعٍ ولا مستغنٍ عنه ربنا -غير مكفي: من الكفاية، ولا مودع: أي غير متروك الطلب- فإنه دائماً يطلب وربما قال: الحمد لله الذي يطعم ولا يُطعم... إلى آخر الألفاظ التي ذكرها رحمه الله.

    وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه، ولم يكن لهم مناديل يمسحون بها أيديهم، وكان أكثر شربه قاعداً وذكر موضوع الشرب، والشرب ستأتي له آدابٌ خاصةٌ به إن شاء الله تعالى.

    1.   

    التفصيل في مسألة الأكل مما يليه

    ونعود إلى موضوع الآداب لنأخذ أدباً أو جزئية أخرى فقط من الجزئيات فيما تبقى من الوقت.

    وهي مسألة الأكل مما يليه: والأكل مما يليه قد جاء في الحديث: ( كل مما يليك ) وفي هذه المسألة عنون البخاري رحمه الله: باب الأكل مما يليه، وقال أنس -جاء بحديث معلق- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اذكروا اسم الله وليأكل كل رجلٍ مما يليه) لأن مسألة الأكل مما يليه واضحة وينبغي أن يجمع بين الأشياء، بين الأكل مما يليه وبين إلعاق الإناء، فإن قال: الإنسان كيف يكون ذلك؟

    نقول: إنه يأكل مما يليه بحيث يظهر قاع الصحفة فيلعقها، يعني: الناس عندما يأكلون، بعضهم يأكل أفقياً ويتوسع، وبعضهم يأكل عمودياً تقريباً، فأيها الأقرب للسنة في الجمع بين لعق الإناء وبين الأكل مما يليه؟

    لا شك أنه إذا أكل مما يليه دون أن ينتشر يميناً وشمالاً بحيث إذا ظهر قاع الصحفة لعق ما يليه، وليس المقصود أنه يلعق كل الإناء أو (التبسي) فهذا قد لا يتيسر بل ربما انبشم ولما يلعقه كله، فإذاً يأكل مما يليه حتى إذا ظهر قاعها لعقه، فإنه ينظفه ويأتي عليه بأصابعه فيكون مكان أكله محفوظاً عن الانتشار.

    وكذلك فإنه مما يشكل في الموضوع حديث تتبع الدباء من حوالي القصعة، فقد يظهر في بادئ الأمر تعارضاً بين حديث تتبع الدباء في القصعة وبين قضية الأكل مما يليه، وحديث تتبع الدباء رواه البخاري عن أنس : (أن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعامٍ صنعه، قال أنس : فذهبتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يتتبع الدباء من حوالي القصعة، قال: فلم أزل أحب الدباء من يومئذٍ) إذا تأملنا في عنوان البخاري عن الحديث لربما تبين لنا شيئاً من الأشياء التي يزول بها التعارض.

    فإنه قال رحمه الله: بابٌ من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه الكراهية، وهذا القيد في قوله: إذا لم يعرف منه الكراهية مهم؛ لأن تتبع الأشياء كثيراً مما يكرهه الناس، إذا كان يأكل مع جماعة فتتبع مما عن يمينه وشماله فإنه يأكل مما عن يمين غيره وعن شمال غيره من هاهنا ومن هاهنا، لكن إذا كان يعلم أنهم لا يعيبون ذلك ولا يكرهونه، فهل يحق له أن يأخذ منه إذا علم ذلك؟

    فظاهر فعل البخاري رحمه الله وصنيعه في هذه الترجمة أنَّ له ذلك.

    وقد ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى، أن الجواب عن هذا التعارض يمكن أن يقال: إن المسألة فيها تفصيلٌ: أنه إذا كان لوناً واحداً فلا يتعدى ما يليه، وإذا كان أكثر من لون فيجوز.

    وقد حمل بعض الشراح هذا الحديث على ذلك فقال: إن كان الطعام مشتملاً على مرقٍ ودباءٍ وقديد، فكان يأكل مما يعجبه وهو الدباء، ويترك ما لا يعجبه وهو القديد، وبعضهم قال: هذا يحمل على ما إذا كان يأكل لوحده فيجوز له أن يتتبع الشيء الذي يريده، وقد جاء في بعض طرق الحديث أن الخياط تركه يأكل وذهب لعمله، أو أنه محتاج للذهاب فذهب، وإذا كان يأكل لوحده من صحن بناءً على ذلك، فإنه لا يكون هناك محذور في كراهية الآخرين لتتبعه لشيءٍ معين، فيمكن أن يكون الجمع بهذه الطريقة أيضاً، فإذاًً نقول:

    أولاً: إذا كان يعلم أن غيره لا يكره ذلك.

    ثانياً: إذا كان الطعام ألواناً وأصنافاً، فأمامه -مثلاً- رز أبيض، وفي الناحية الأخرى رز أحمر وهو يريد الأحمر فإنه إذا أخذ مما هو بعيدٍ عنه مما يلي غيره لا بأس بذلك.

    وثالثاً: أن نقول: إنه إذا كان يأكل لوحده جاز له أن يتتبع ما يريد، وبهذا يكون الجواب على هذه المسألة.

    ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أحدٌ ليتقذر صنيعه أو يكره منه فعله، فكون يده جالت في الطعام لأجل ذلك فإنه لا يكون قد آذى غيره مطلقاً، بل هناك أمر أدق من هذا ألا وهو: أنهم كانوا يتبركون بلعابه صلى الله عليه وسلم، وبريقه الذي يمسه يده، ولذلك لو أكل من أمام غيره لربما كان ذلك فيه إكرام له، من هذه الجهة.

    1.   

    الانحراف في الأكل وتحريم ما أحل الله

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعــد:

    سبق أن تكلمنا -أيها الإخوة- عن موضوع آداب الأكل، وعددنا بعض الآداب مع ذكر بعض الأدلة في ما يتعلق بكل أدبٍ من الآداب، وسنكمل إن شاء الله الكلام عن الموضوع في هذه الليلة، وسبق أن ذكرنا أن الناس يقعون في الطعام في محذورين، وأن الانحراف في مسألة الأكل يحدث من جهتين:

    الجهة الأولى: الإسراف فيه.

    والثانية: تحريم ما أحل الله منه.

    وهذا هو الكلام الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن الناس يقعون في الأكل في انحرافين أو هم على طرفين: الإسراف فيه، وتحريم ما أحل الله منه.

    وهناك بعض القصص التي ذكرها الذهبي رحمه الله في كتاب: سير أعلام النبلاء التي تبين بعض ما وقع فيه هؤلاء.

    قال في ترجمة أحد الزهاد: أنه عمل له خلوةً فبقي خمسين يوماً لا يأكل شيئاً، وقد قلنا: إن هذا الجوع المفرط لا يسوغ، فإذا كان سرد الصيام والوصال قد نهي عنهما فما الظن؟ -يعني فما الظن بالامتناع عن الطعام هذه الفترة الطويلة- وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع) ثم قلَّ من عمل هذه الخلوات المبتدعة إلا واضطرب وفسد عقله، وجف دماغه، ورأى مرأى، وسمع خطاباً لا وجود له في الخارج -يعني: الذي يجوع هذا الجوع المفرط، فإنه يسمع أشياء لا وجود لها في الحقيقة، لكن من شدة الجوع يتراءى له ويتخيل- فإن كان متمكناً من العلم والإيمان فلعله ينجو بذلك من تزلزل توحيده، وإن كان جاهلاً بالسنن وبقواعد الإيمان، تزلزل توحيده وطمع فيه الشيطان، وادعى أنه وصل إلى مرتبة عالية ونحو ذلك، وبقي على مزلة قدم وربما تزندق وقال: أنا هو، كما يقول: هؤلاء الصوفية ، يقول: أنا هو، يعني أنا الله سبحانه وتعالى.

    وقال: نعوذ بالله من النفس الأمارة ومن الهوى، ونسأل الله عز وجل أن يحفظ علينا إيماننا. آمين.

    ثم قال في ترجمة رجلٍ آخر من الزهاد قال: صام طائر أربعين يوماً أربعين مرة، فآخر أربعين عملها صام على قشر الدخن؛ فليبسه قرع رأسه واختلط في عقله، قلتُ: -الذهبي يقول- فعل هذه الأربعينات حرامٌ قطعاً، فعقباها موتٌ من الخور أو جنونٌ واختلاط، أو جفافٌ يوجب للمرء سماع خطاب لا وجود له أبداً في الخارج، فيظن صاحبه أنه خطابٌ من الله سبحانه وتعالى، مع أنه في الحقيقة من الجوع.

    وفرقٌ بين هذا وبين ما يحصل من زهد بعض الزهاد، أو أنهم كانوا لا يفرطون في الشبعة، فرق بين هذا المغرق في ترك الطعام، وبين من يترك الشبع ولا يترك الطعام.

    ولذلك لما نقل عن الشافعي رحمه الله، قال أبو عوانة الإسفرائيني : حدثنا ربيع قال: سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذُ ستة عشر سنة إلا مرةً فأدخلت يدي فتقيئتها، يعني: مما وجد عليه من الأذى فيها.

    فقول الشافعي : ما شبعتُ منذُ ستة عشر سنة إلا مرة، لا يدل على أنه تارك للطعام، وإنما يدل على أنه كان يقل منه، ولأن الإكثار منه والنهم فيه ربما يسبب الأضرار، وقد مات أحد من ترجم لهم الذهبي رحمه الله في السير بسبب أنه كان أكولاً.

    قال: كان فلان أكولاً، فقال أحد رفقته لما قدموا مكاناً معيناً: أهدي إليه فالوذج لم ينضج، يعني: لم يكن مطبوخاً طبخاً جيداً، فقلنا له: يا فلان لا تأكله فإنا نخاف عليك، فلم يعبأ بكلامنا وأكله، فلما استقر في معدته شكى وجع بطنه وانسهل إلى أن وصلنا إلى المدينة ولا نهوض له، فتفاوضنا في أمره، ولم يكن لنا سبيلٌ إلى المقام عليه لأجل الحج، ولم ندر ما نعمل في أمره، فعزم بعضنا على القيام عليه وترك الحج، وبتنا فلم نصبح حتى أوصى ومات فغسلناه ودفناه.

    فإذاً: النهم قد يكون أحياناً سبباً في الموت، وربما مات بعضهم فعلاً من كثرة الطعم.. انبشم ومات.

    وينبغي أن يكون الطعام -كما ذكرنا- من الحلال؛ ولذلك فإن أكل الحلال من أسباب إجابة الدعاء وقد أطعم أبا بكر غلامه طعاماً من كهانة تكهن بها وهو لا يحسن الكهانة، فلما علم أبو بكر قاء ما في بطنه.

    وأكل معمر من عند أهله فاكهة، ثم سأل فقيل: هدية من فلانة النواحة، هذه امرأة تعمل بالنياحة وتأخذ أجرة على النياحة، وأهدتهم فاكهة، فلما علم أن الفاكهة من فلانة النواحة قام فتقيأ، وذلك لأنه لا يدخل بطنه إلا الحلال.

    وكذلك فإن صاحب الأكل اليسير الحلال لا يحتاج إلى الأطباء، ولا تعرض له كثير من الأمراض التي تعرض للأكولين، عن ابن سيرين أن رجلاً قال لـابن عمر : أعمل لك جوارش؟ قال: وما هو؟ قال: شيءٌ إذا كظك الطعام فأصبت منه سهل -إذا صار عندك كظة الطعام وأضر بك وازدحم عليك؛ عملنا لك هذا فسهل- فقال: ما شبعتُ منذُ أربعة أشهر، وما ذاك ألا أكون له واجداً، ليس لأني لا أجد الطعام، ولكن عهدت قوماً يشبعون مرة ويجوعون مرة، فكان يقتدي بهم رضي الله تعالى عنه.

    فإذاً ينبغي أن يكون الإنسان في مسألة الطعام معتدلاً غير مكثرٍ منه ولا مفرطاً فيه.. ولا يكون في ذات الوقت تاركاً له بالكلية بحيث يضر بصحته وببدنه، وعليه أن يتحرى الحلال، وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجوع فترةً طويلة؛ لأنه كان لا يجد عليه الصلاة والسلام، ولكنه كان لزهده في الدنيا لا يطلب ما لا يجد وإنما كان عليه الصلاة والسلام إن وجده أكله وإلا لم يتطلبه ولم يتكلفه، وعلى الآكل أن ينوي بأكله الاستعانة على طاعة الله تعالى.

    1.   

    أقسام الأكل حسب الأحكام الخمسة

    إذا أردنا أن نقسم الأكل حسب الأحكام الخمسة فيمكن أن نقسمه إلى واجبٍ ومندوبٍ ومباحٍ ومكروهٍ ومحرم.

    الأكل الواجب

    فأما بالنسبة لما يبقى على الإنسان بحيث لو أنه ما أكل هلك، فهذا تفريط يعاقب على تركه، وأما إن كان لا يعينه على أداء الواجبات كالصلاة المفروضة وقد يبقى على قيد الحياة، لكن لا يصلي الواجبات مثلاً فهذا أيضاً من قسم الواجب يأثم لو تركه؛ لأنه لابد له من الإتيان بالصلاة الواجبة وأداء الصوم الواجب، وما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب.

    الأكل المندوب والمباح والمكروه

    القسم الثاني: ما هو مندوب: إذا كان يعينه على تحصيل رزقه، وتحصيل النوافل مثل: قيام الليل أو أنه يعينه على الإكثار من صيام النافلة، يكون مستحباً.. وقد يكون مباحاً إذا لم يصل إلى درجة الشبع والامتلاء فهو يزيد فيأكل مقدار الثلث، ويزيد لكن لا يصل إلى درجة الشبع والامتلاء، أما إذا وصل إلى درجة الشبع فإنه يكون مكروهاً وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم يأكل في معيٍ واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء) الكفار يأكلون لا يشبعون ولا يذكرون الله عز وجل، ولو أن الإنسان دقق في أكل بعض الكفار لوجد فعلاً أنهم يأكلون أكلاً أكثر مما يأكله كثيرٌ من المسلمين، وتتعجب أين يذهب هذا الطعام، ليس في طعامهم بركة: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12].

    الأكل الحرام

    وإذا وصل الأكل إلى درجة ما فوق الشبع، فإنه يكون ضاراً عند ذلك، وربما يهلك به صاحبه، وتصيبه الآلام والأمراض والأوجاع، ولا شك أن هذا حرام، الله تعالى قال: وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) ولا شك أن الإنسان إذا أكل بقصد الاستعانة على طاعة الله وعبادته يؤجر، أما إذا كان يأكل لمجرد التلذذ والتمتع فإنه لا يكسب هذا الأجر، نعم، إنه لا يكون قد عمل محرماً وهذا شيءٌ أباحه الله، لكن لا يكون وصل إلى المرتبة العالية، أو أنه يؤجر على ذلك.

    وهناك أطعمة يستحب الأكل منها، كالأضحية والعقيقة بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليأكل كل رجلٍ من أضحيته) فأمر بذلك.

    وهناك مأكولاتٌ لا يجوز أكلها مطلقاً كالخنزير والميتة.

    وهناك مأكولاتٌ يجوز أكلها لبعض الناس دون بعض، كالكفارات والنذور، فالذي يخرج الكفارة، أو أنه نذر أن يذبح ذبيحةً للفقراء لا يجوز له أن يأكل منها، بينما يجوز للفقير أن يأكل منها.

    ومن الأطعمة التي يستحب الأكل منها كذلك، الأكل مع الضيف إيناساً له، إجابة الوليمة والأكل من وليمة النكاح.

    هذا ما يتعلق ببعض الأحكام العامة في الأكل، وسبق أن ذكرنا بعض الآداب، ونتابع الكلام في تفصيل بعض هذه الآداب، من آداب ما قبل الأكل التي ذكرناها تسمية الله سبحانه وتعالى، وذكرنا بعض التفاصيل المتعلقة بذلك، ومما يضاف أيضاً إلى ما سبق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى في أوله، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره).

    1.   

    مسائل متفرقة في آداب الطعام وبقية الآداب

    الاجتماع على الطعام سبب للبركة

    والتسمية كما قلنا سبب البركة في الطعام، والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان عنده طعام مع ستة نفر من أصحابه فجاء أعرابي فأكله في لقمتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إنه لو سمى لكفاكم) ومن الأدلة على أن التسمية أيضاً تجلب البركة، حديث وحشي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: (يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: لعلكم تفترقون، قالوا: نعم، قال: اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله؛ يبارك لكم فيه) صححه الألباني.

    وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي) وهو حديثٌ حسن يبين أن الاجتماع على الأكل من آداب الطعام، وأن الإنسان يحاول قدر الإمكان ألا يأكل لوحده ما أمكنه وأن يجلس مع آخرين.

    وكذلك فإنه قد ورد حديث ضعيف: (أن الإنسان إذا قال: باسم الله أوله وآخره، قاء الشيطان جميع ما أكله) لكن ذلك لا يستبعد، ولكن يحتاج إلى صحة الدليل، لكن الشيطان إذا ما سمى الإنسان ماذا يقول لأصحابه؟ أدركتم العشاء، وإذا دخل وما سمى الله عند دخوله البيت؛ قال الشيطان لمن معه: أدركتم المبيت.

    فإذاً التسمية عند دخوله البيت مانع للشياطين من المبيت مع أهل البيت، وكذلك التسمية عند بدء الطعام مانعةٌ لهم من أن يطعموا معهم.

    وكذلك فإنه قد جاء في الحديث الصحيح عن حذيفة أنه قال: (كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده) هذا من الآداب التي تضاف وهو: انتظار الكبير أو العالم حتى يبدأ بالطعام، لكن الحديث في التسمية على أية حال، ولكن هذا الأدب في القصة، قال: (لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرةً طعاماً فجاءت جاريةٌ كأنها تدفع -كأن واحداً يدفعها- فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يستحل الطعام ألا يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية، ليستحل بها فأخذتُ بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده، والذي نفسي بيده! إن يده في يدي مع يدهما ثم ذكر اسم الله تعالى وأكل) رواه مسلم.

    فإذاً هؤلاء جاءوا دفعهم الشيطان، ليأتوا للطعام لكي يستحل الشيطان بواسطتهما الطعام؛ لأنهما لم يذكرا اسم الله تعالى، النبي صلى الله عليه وسلم أمسك بيديهما قبل أن يضع يديهما في الطعام، ثم سمى النبي صلى الله عليه وسلم وأكل.

    حكم الأكل بالشمال وما يستثنى منه

    وبالنسبة للأكل باليمين، فإن الأكل باليمين واجب، واليمين مفضلة على أية حال (فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث الذي رواه البخاري رحمه الله تعالى، وأما حكم الأكل بالشمال فقد قال النبي قال صلى الله عليه وسلم: (لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشربن بها، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) رواه مسلم.

    فإن أكل بشماله فهو آثم، ويدل على ذلك حديث: (الرجل الذي رآه النبي عليه الصلاة والسلام يأكل بشماله فأمره أن يأكل بيمينه، قال: لا أستطيع؟ قال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر فما رفعها ) يعني هذا الرجل قال: لا أستطيع.. كبراً وإلا فهو يستطيع فقال: لا أستطيع، قال: لا استطعت.. دعا عليه فلما دعا عليه شُلت وما استطاع أن يرفعها مطلقاً.

    لكن هناك بعض الحالات التي يجوز للإنسان أن يأكل فيها بشماله مثل: شلل اليد اليمنى فعجز عن رفعها وحركتها، وأن يكون بها جراحة، ومقطوع اليد، فهذا لا حرج عليه أن يأكل بشماله.

    عدم عيب الطعام

    وبالنسبة لقضية عدم عيب الطعام، فسبق ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ما عاب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه، من جهة أن الطعام مباح لكن هو لا يشتهيه، إذا كان حراماً هذا لابد أن يعاب، لو قدموا له خنزيراً أو ميتاً أو شيئاً محرماً فإنه يعيبه ولا شك، لكن إذا قدموا له شيئاً لا يشتهيه فإنه لا يعيبه، وقد تكون طريقة طهي الطعام فيها شيء مثلاً فمن السنة أن لا يعيبه، وذلك لأسباب: أن في عيبه لكسر قلب صاحبه؛ لأنه محسن وجاء بالطعام، قد تكون هذه قدرته وهذه استطاعته، وكذلك فإن عيب الطعام من العلل التي فيها لكسر قلب الصانع له، أنه ينمي عن التكبر -الكبر- والترفع والرعونة وسوء الطبع، وقد ذكر بعض أهل العلم: أن من عيب الطعام، أن يقول: حامض.. مالح.. ما في ملح، ونحو ذلك من الألفاظ التي يستعملها بعض الناس.

    فالعيب قد يكون من جهة الخلقة، وقد يكون من جهة الصنعة، قد يعيب شكل الطعام هذا، أو يعيب صنعته، ولا شك أن الأول أشد إذا عاب شكل الطعام، وإذا كان يعود إلى الصنعة: كأن يقول: حامض، مالح قليل الملح، غليظ، رقيق غير ناضج، ونحو ذلك فهذا تجنبه من حسن الأدب.

    السؤال عن الطعام

    أما بالنسبة للسؤال عنه فإنه لا يدخل في قضية العيب: إذا حضر إنسان على طعام، فالسؤال على نوعين: إما أن يسأل هذا مذبوح أو لا؟ فقلنا: إذا كان مسلماً ثقةً لا يسأله، يأكل فقط، أما إذا كان إنساناً متساهلاً مفرطاً غير متحرٍ للحلال لا يتورع عن الشبهات هذا يتأكد منه الآكل.

    لكن هناك سؤالٌ ليس به عيب، وهو أن يسأل ما هذا الطعام، أي وضعوا بين يديك طعاماً لا تدري ما هو!! قد يكون فيه شيء أنت لا تريده ولا تحبه ففي هذه الحالة لا بأس أن تسأل، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل عن ذلك، فيسأل للاطمئنان، والدليل على ذلك ما رواه البخاري عن خالد بن الوليد ، أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة : وهي خالته وخالة ابن عباس ، فوجد عندها ضباً محنوذاً -ضباً مشوياً- قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد.

    معناه: أن الضب لا يعيش في مكة ، ولا الحجاز ، ويكون في نجد : (فقدمت الضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قل ما يمد يده لطعام حتى يحدث به ويسمى له -هذا هو الشاهد ما يسأل هذا حلال أو حرام، لا، بل يسأل ما هو هذا؟- وأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى الضب، فقالت امرأةٌ من النسوة الحضور: أخبرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ما قدم له هو الضب، فقلت: يا رسول الله هو الضب، فرفع رسول صلى الله عليه وسلم يده عن الضب، فقال خالد بن الوليد : أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: لا. ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه، قال خالد : فاجتررته وأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي) .

    فمن أراد بالسؤال أن يعرف هل هذا النوع مما هو يشتهيه أو مما يكرهه فلا بأس أن يعرف ما هو هذا، يسأل عن نوع الطعام أو من أي شيء صنع ونحو ذلك، ولأن بعض الأطعمة من طريقة الطهي لا تعرف وتتغير ملامحها، هذا الضب مشوي بطريقة لم يظهر فيها، ولذلك ما تميز له إلا بعد أن قالوا له هو ضب.

    بالنسبة لوعظ من يسيء الأكل فقد تقدم حديث عمر بن أبي سلمة الذي يدل على مشروعية وعظ من يسيء الأكل.

    حكم الإقران في الطعام

    ومن آداب الأكل: مسألة النهي عن الإقران بين التمرتين: وبالنسبة للإقران بين التمرتين ونحوها فقد جاءت فيه أحاديث، ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري رحمه الله تعالى في كتاب: المظالم، باب إذا أذن إنسان لآخر بشيء جاز.. عن جبلة قال: كنا في المدينة مع بعض أهل العراق فأصابنا سنة -يعني قحط- فكان ابن الزبير يرزقنا التمر فكان ابن عمر رضي الله عنهما يمر بنا فيقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقران إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه) أي: لا يقرن تمرة بتمرة عند الأكل لئلا يجحف برفقته، ما داموا مجتمعين على الطعام.. وهذا جاء من ابن الزبير كان يمدهم به وهو في قحط، فإذاً من الظلم أن الإنسان يتفرد بقران تمرتين دون إخوانه، ولذلك قال في الشرح في فتح الباري : فإن أذنوا له في ذلك جاز؛ لأنه حق لهم، فلهم أن يسقطوه.

    وكذلك أورده البخاري رحمه لله تعالى في كتاب الشركة: باب القران في التمر بين الشركاء حتى يستأذن صاحبه، وأتى بحديث جبلة بن سحيم قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين جميعاً حتى يستأذن صاحبه، قال ابن بطال : النهي عن القران من حسن الأدب في الأكل عند الجمهور لا على التحريم كما قال أهل الظاهر.

    أي أن المسألة فيها خلاف: هل النهي عن القران للتحريم أو أنه من حسن الأدب أن لا يقرن؟

    قال: لأن الذي يوضع للأكل سبيله سبيل المكارمة لا التشاح باختلاف الناس في الأكل، الناس قدراتهم وطاقاتهم في الأكل وحاجاتهم مختلفة، هذا يأكل قليلاً وهذا يأكل كثيراً وهكذا.. لكن إذا استأثر بعضهم بأكثر من بعض لم يحل له ذلك، يعني: واحد يستولي على شيء دون الآخرين لا يحل له ذلك، إذا كانوا شركاء مثل المناهدة، وهي: أن يدفع كل شخصٍ قدراً من المال، فيشترون بهذا المال المجتمع طعاماً لهم جميعاً، ثم يقسمونه بينهم أو يجتمعون عليه، هذه هي المناهدة وقد وردت في السنة، وكانوا يستعملونها في الأسفار، يأخذون اشتراكات من كل واحد من الرفقة ثم يشترون بها طعاماً للجميع، فإذا نزلوا منزلاً للغداء أو العشاء ونحو ذلك أكلوا مجتمعين.

    فإذا تفرد بعضهم بالطعام دون بعض وقد اشتركوا جميعاً في قيمته فلا شك أنه فيه شيءٌ من الظلم، ثم إن البخاري رحمه الله تعالى: قد أورده أيضاً في كتاب الأطعمة، وقال: ثم يقول (إلا أن يستأذن الرجل أخاه فإذا أذن له جاز) والمراد بالأخ: رفيقه الذي اشترك معه في التمر مثلاً، سوء اشتركا في القيمة، أو أنه كان مهدى إليهما جميعاً، فإذا أكله دون أخيه لا شك أنه من الظلم، وكذلك فإن الإقران هذا يدخل فيه غير التمر ما كان مثل التمر، ولذلك لو كانوا وضعوا بين أيديهم عنباً أو خوخاً أو مشمشاً أي شيء مما له ثمرٌ مما هو منفصل، ولذلك قال ابن حجر : في معنى التمر الرطب وكذا الزبيب والعنب ونحوهما، لوضوح العلة الجامعة.

    بعضهم قيد النهي عن الإقران بما إذا كان في حال الفقر.. وأما إذا كان موسع فلو قرن بين الاثنتين فإنه لا يكون ظالماً للآخر؛ لأن الآخر عنده زيادة وموجود.. الخير كثير، فلو قرن يعني أنه لا بأس به، على أساس أنه في غير وقت الفقر والشدة.

    وكذلك قالها بعضهم: أنه مقيد بما إذا كانوا مشتركين فيه، أما إذا أعطاهم الطعام واحد غيرهم دون اشتراك فيقرنوا هم دون صاحب الطعام، لكن هذا يصلح إذا قلنا: العلة في القران هي الظلم، فهنا لا ظلم فلا بأس، لكن لو قلنا مثلاً: من العلة الشره، أنه إذا أكل اثنتين مع بعض صار كأن عنده نهم وشره، فهنا حتى لو كان هو مالك الطعام، فإن العلة لا تزال موجودة.

    المضمضة بعد الطعام

    كذلك مما يؤخذ من قضية النهي عن القران المساواة بين الضيوف، ولعله يأتي من الأحاديث ما يبين هذا.

    وكذلك من آداب الآكل قضية المضمضة بعد الطعام، ولعل هذه لم نذكرها في الآداب ونضيفها الآن، وقد جاء في حديث سويد بن النعمان (أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بـالصهباء فحضرت الصلاة، فدعا بطعامٍ فلم يجده إلا سويقاً فلاك منه، فلكنا معه ثم دعا بماء فمضمض، ثم صلى وصلينا ولم يتوضأ).

    قد يقال: هذا محله إذا كان سيصلي بعده لكن على أية حال، فالمضمضة مما يزيل الأوساخ أو مخلفات الطعام وكذلك السواك، ومما يكون فيه محافظة على الأسنان؛ فإن من أسباب تلف الأسنان بقايا الطعام التي تكون موجودة ومحبوسة فيها؛ فإذا تعفنت وأنتنت بين الأسنان سببت التسوس والآلام والأضرار.

    ولذلك المضمضة بعده والتسوك لا شك أنه مما يحافظ الإنسان به على صحته، ومن الأشياء التي يتأكد المضمضة فيها اللبن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مضمضوا من اللبن فإن فيه دسماً).. (أو فإن له دسماً) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

    يعني: اللبن فيه دسم فالمضمضة ليست مثل شرب الماء، فهذا الدسم يحتاج إذهاب أثره إلى مضمضة، واستخدام الأدوات في الطعام جائز، مثل الشوكة والسكين والملعقة، ومن الأدلة على ذلك حديث الصحيحين: عن عمرو بن أمية الضمري (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاةٍ في يده، فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ) .

    أما حديث (لا تقطع اللحم بالسكين) فقد بين الإمام أحمد رحمه الله أنه ليس بصحيح، وكذلك النهي عن تقطيع الخبز لم يثبت فيه شيء عن تقطيعه بالسكين، فتقطيع اللحم والخبز بالسكين لا بأس به، والنبي صلى الله عليه وسلم قد استخدم الأدوات أثناء الأكل كاستخدام السكين، فلو أكل واستخدم الملعقة والشوكة وغير ذلك لا بأس به، لكن ينتبه الذين يستخدمون الشوكة والسكين أن عليهم أن يمسكوا الشوكة باليد اليمنى، وأنهم إذا احتاجوا للقطع باليمنى فإنهم لا يأكلون مباشرة، يقطعوها باليمين أولاً، ثم يأكل بالشوكة باليمين، أما ما يفعله بعضهم المقلدين للكفرة من إمساك الشوكة باليسرى والسكين باليمنى ثم يقطع باليمنى ويأكل مباشرةً باليسرى فهذا من إشراكهم للشيطان معهم في الأكل.

    1.   

    التفصيل في الأكل على الأرض

    ومن آداب الطعام: الأكل على الأرض لحديث: (آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد) وقد جاء أيضاً في البخاري عن أنس قال: (لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان، وما أكل خبزاً مرققاً حتى مات) وقال: (ما علمت النبي صلى الله عليه وسلم أكل على سكرجة قط، ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوانٍ قط، قيل لـقتادة على ما كانوا يأكلون؟ قال: على السفر).

    حكم الأكل على السكرجة

    أما بالنسبة للأكل على الأرض فقد علمنا أن الأكثر تواضعاً والسنة أن يأكل الإنسان على الأرض، وبالنسبة للأكل على غير الأرض مما ارتفع عنها كالطاولة مثلاً فإن هذا الحديث وهو حديث أنس الذي فيه: (ما علمت النبي صلى الله عليه وسلم أكل على سكرجة قط) فما معنى السكرجة؟ وما علاقتها بالموضوع؟

    أما السكرجة جاء في تعريفها: أنها فارسية تكلمت بها العرب، وأن معنى هذه الكلمة: قال بعضهم: القصعة المدهونة، وقال بعضهم: أنها قصعة ذات قوائمٍ من عودٍ كمائدةٍ صغيرة، فلماذا لم يأكل على السكرجة؟

    قال بعض أهل العلم: ترك أكله على السكرجة إما لكونها لم تكن تصنع عندهم أو استصغاراً لها؛ لأن عادتهم الاجتماع على الأكل وهذه تضيق الدائرة، أو أنها كانت تُعد لوضع الأشياء التي تعين على الهضم، ولم يكونوا غالباً يشبعون فلا يحتاجون إلى شيءٍ يوضع عليه فيساعد على الهضم، الآن الناس يكثرون الطعام ويشربون بيبسي للهضم.

    طيب لا يحتاج أن تشرب بيبسي إذا كنت لا تكثر من الطعام، لكن صارت الآن الأمراض والأشياء التي تستخدم للإعانة على الهضم نتيجة خطأ أساسي في البداية، فالذي يظهر والله أعلم أن الأكل على الطاولة ليس بمحرم، وإن الأكل على الأرض أحسن، وأكثر تواضعاً وهو السنة، لكن لو أكل على الطاولة لا حرج إن شاء الله، لكن لو سأل واحد ما هو الأفضل نأكل على الأرض أو نأكل على الطاولة؟

    نقول: على الأرض؛ فهي جلسة النبي صلى الله عليه وسلم وهي التواضع: (آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد) لكن لو أكل على الطاولة لا حرج، ولعل الأكل على الأرض من مزاياه أن الإنسان يستطيع أن يجلس الجلسة التي وردت في السنة، وهي: نصب الرجل اليمنى والجلوس على القدم اليسرى، لكن لو أكل على الطاولة في الغالب لا يتمكن أن يجلس هذه الجلسة، وأقول: لأجل هذا فإن الأكل على الأرض هو الأفضل والأقرب إلى السنة، ويمكن الإنسان إلى الجلسة المشروعة فيه، لكن الأكل على الطاولة لا يصل إلى أن يكون محرماً ألبتة.

    ثم إن الإنسان قد يستطيع في بيته أن يكيف على أشياء، لكن في بيوت الناس والمحلات العامة لا يكاد يوجد الأكل على الأرض.

    1.   

    التفصيل في عدم الاتكاء أثناء الأكل

    وكذلك من آداب الطعام أيضاً: عدم الاتكاء أثناء الأكل، وذكرنا كلام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد حول هذا الموضوع، وقد جاء في حديث عبد الله بن مسلم قال: (أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاةٌ، فجثا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه يأكل، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟! فقال: إن الله جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً) رواه ابن ماجة ، وقال البوصيري ، في الزوائد : إسنادٌ صحيح، ورجاله ثقات.

    كيفية الاتكاء على الأرض وحكمه

    لكن ما كيفية الاتكاء؟ ذكر ابن القيم رحمه الله ثلاث كيفيات للاتكاء: الاتكاء على الجنب، الاتكاء على اليد، والتربع، وقد اختلف العلماء في حكمه لأن النهي ليس بصريح، لأنه قال: (إني لا آكل متكئاً) فالآن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أو مما نحن نقتدي به: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]؟

    فلا شك أن الأصل أن نقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولا نأكل متكئين وهذا هو الأحوط على الأقل، فقيل في صفة الاتكاء: أن يتمكن من الجلوس على أي صفةٍ كانت، يعني: يأخذ راحته ويتمكن، ويجلس جلسة فيها اطمئنان وراحة تامة، طبعاً من المحذور فيها أنه سيكثر من الطعام تبعاً لطريقة جلسته، وقيل: أن يميل على أحد شقيه على الجنب، وقيل: أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض.

    وقال الخطابي : تحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته فيجعل تحته فرشاً وشيئاً مريحاً للجلوس، يعني: كأنه يرى رحمه الله أن الاتكاء داخلٌ فيه، يعني: أي وضعية فيها راحة تامة، بحيث إن الإنسان يجلس فترة طويلة، فيتسبب في مزيدٍ من الأكل، قال: ومعنى الحديث (إني لا أقعد متكئاً على الوطاء عند الأكل فعل من يستكثر من الطعام، فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزاً) .

    وجاء في حديث أنس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (أكل تمراً وهو مقعٍ) -من الإقعاء- وفي رواية (وهو محتفز) والمقصود: أن يجلس على وركيه غير متمكن، وعموماً يدل ذلك على كراهة كل ما يعد الآكل فيه متكئاً لا بصفةٍ بعينه، اتكاء على جنب، اتكاء على اليد، اتكاء على الوطاء، جلسة مستمكنة يستريح فيها تماماً ويأخذ راحته فيها، كل ذلك داخلٌ فيه، ولعل الأكل وهو على جنب مما يضر به، فلا ينحدر الطعام في مجاريه سهلاً هنيئاً فربما يتأذى به لو أكل متكئاً، وقيل: إن ذلك من فعل الملوك الأعاجم الأكل متكئاً، ولذلك صار مكروهاً .

    والمستحب إذاً للآكل أن يكون جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه، أو ينصب رجله اليمنى ويجلس على اليسرى، فإذاً هناك كيفيتان للجلوس على الطعام قد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أولاً: أن يكون جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه.

    الثانية: أن يكون ناصباً للرجل اليمنى جالساً على الرجل اليسرى.

    ولا يستبعد أن تكون العلة مجتمعة في أشياء كثيرة -مثلاً- طبية وشرعية، قد تكون أقرب للتواضع وأبعد عن مشابهة الأعاجم.. تؤدي إلى عدم الإكثار من الطعام، وهكذا..

    1.   

    التفصيل في الأكل والأطعمة

    ذم الإسراف في الأكل ورميه

    وأما بالنسبة لمسألة الأكل فإن الأكل ينبغي أن يصان عما يهينه، فقد درج الناس على أنهم إذا طبخوا طعاماً اليوم لا يأكلون منه غداً، وإذا زاد يرمونه لا شك أن هذا من الإسراف ومن الاستهانة بالنعمة، وهناك من الناس من يبحث عن لقمةٍ صغيرة، وهؤلاء لا يطيقون الطعام الذي يبيت في الثلاجة ولو كان محفوظاً، فترى عندهم استحالة أن يأكل الواحد من الطعام ثاني يوم، ولا شك أن هذا من البطر، لماذا لم يؤكل الطعام اليوم الثاني؟ لماذا لا يسخن؟

    ثم ليتهم إذا ما أكلوه اليوم الثاني تصرفوا من اليوم الأول! لا، يرمى كأنه صار غير صالح للأكل، يعني: إذا زاد شيء لابد أن يرمى، أما يوم الثاني لا يمكن أن يبقى عندهم؛ وعلى أية حال، فإن هذا من صنيع المترفين ولعله يخشى على من فعل ذلك أن تزول منه النعمة.

    أطعمة دل الشرع على فضلها

    سبق أن ذكرنا أن هناك بعض الأطعمة التي جاءت السنة بما يفيد استحبابها أو فائدتها أو أن لها موقعاً خاصاً ونحو ذلك، فمثلاً التمر قد ورد مدحه وأن البيت الذي لا تمر فيه جياعٌ أهله، ومن أكل سبع تمرات من تمر العالية العجوة لم يضره سمٌ ولا سحر، هذا نوع معين من التمر يكون في المدينة من عجوة العالية منطقة يسمونها: العوالي، وقال بعض أهل العلم: أنه يفيد أكل سبع تمرات على الريق في الصباح من أي نوعٍ كان، لكن إذا كان من تمر العالية يكون أحسن، وأن من فعل ذلك لم يضره سمٌ ولا سحر.

    كذلك ورد الوصية بالتلبينة للمريض وأنه عليه الصلاة والسلام قال: (مجمةٌ لفؤاد المريض، وتذهب ببعض الحزن) ما هي التلبينة؟

    حساء، يعمل من دقيق أو نخالة، ويجعل فيه عسل سميت تلبينة تشبيهاً لها باللبن في رقتها وبياضها.

    جاء كذلك أن الخل نعم الإدام، حتى قال جابر : فالخل يعجبني منذُ سعمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما يقول.

    وجاء كذلك الثريد قال: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).

    وكذلك اللبن: الإنسان إذا شرب اللبن أكل أي طعام يقول: اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيراً منه، لكن اللبن يقول: وزدنا منه، لا يقول: وارزقنا خيراً منه، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فإني لا أعلم طعاماً أفضل منه أو خيراً منه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

    الاعتدال في الطعام والثناء على الله بعده

    وكان عليه الصلاة والسلام كما ذكرنا معتدلاً في طعامه، وربما جمع اللونين معاً لأجل الاعتدال، كما كان يجمع بين البطيخ والرطب، والتمر والقثاء، والقثاء بالرطب، وكذلك فإنه عليه الصلاة والسلام كان إذا فرغ من الطعام ورفعت مائدته عليه الصلاة والسلام قال: (الحمد لله كثيراً مباركاً طيباً فيه، غير مكفي ولا مودع ولا مستغنٍ عنه ربنا) رواه البخاري.

    المكفي: من انكفأ الإناء إذا انقلب للاستغناء عنه، يعني: أن نشكر نعمة الله ولا نكفرها، وأن هذا الطعام نعمة من الله لا نكفرها، ولا مودع: غير متروك الرغبة إليه والطلب منه، ولسنا بمستغنين عنه، فهو فيه حمدٌ لله سبحانه وتعالى على هذا الطعام، وأنه يتمنى من الله سبحانه وتعالى أن تدوم هذه النعمة، وألا تنقطع.

    وكذلك قد جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام، كان إذا فرغ من طعامه قال: (الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين).

    وكذلك جاء في الحديث الذي صحح إسناده النووي رحمه الله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجاً) لأنه أذىً لمن لم يجعل له مخرج، لأن هذه نقمة، ومصيبة، ولذلك بعض الناس يعملون عمليات جراحية لأجل أن يجعل له مكان تخرج منه الفضلات.

    وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفر له ما تقدم ما ذنبه) حسنه الترمذي .

    وكذلك فإنه قد جاء: (اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه -وأما اللبن فيقال- اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس يجزئ من الطعام والشراب غير اللبن) قال الترمذي حديثٌ حسن.

    وقد صحح الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة حديثاً مشابهاً لهذا، فيما يقال عند شرب اللبن.

    1.   

    آداب الطعام العرفية

    وقد سبق ذكر كثيرٍ من الآداب التي وردت الأدلة من السنة الصحيحة بها، وهناك آدابٌ أخرى ذكرها أهل العلم بلا أدلة لكنها من الأدب ومن العرف الطيب، وقبل أن ندخل فيها هل سبق ذكر عدم إدخال الطعام على الطعام في آداب الأكل؟ لا.

    لاشك أنه مضر من جهة الصحة، وأنه يعرقل هضم الغذاء الأول، فبعد الفراغ من الطعام وجدت طعاماً آخر، فأضفته إلى الأول وهكذا قبل أن يتم هضم الأول، تدخل وجبة على وجبة فلا شك أن هذا مما يضر في الطب، فما صحة حديث النهي عن إدخال الطعام على الطعام؟

    عدم المسح بالمنشفة قبل الأكل

    وما ذكره أهل العلم في هذا ونلخص ما ذكره الأقفهسي رحمه الله في: آداب الأكل، وكذلك مما ذكره ابن طولون الصالحي في كتابه فص الخواتم فيما قيل في الولائم في موضوع آداب الطعام والأكل، قال:

    واغسل يديك ولا تمسح بمنشفةٍ      قبل الطعام ففيه الأمن من علل

    ولا تغسل الصبيان أيديهم      قبل الشيوخ ولا تمسح من البللِ

    فمما ذكروه أنه يترك تنشيف اليدين قبل الطعام؛ لأنه ربما كان في المنديل وسخٌ تعلق في اليد؛ فإذا أكل تعلق الوسخ بالطعام، لكن إذا كان المنديل نظيفاً فلا بأس أن يمسح يديه ولا حرج في ذلك، فهم يقولون: لا ينشف إذا غسل قبل الطعام حتى يدخل بيديه نظيفتين للأكل مباشرةً، وإذا غسل بعد الطعام نشف يديه لأنه لن يدخل يديه في الطعام.

    غسل الكبار قبل الصبيان

    وكذلك مما ذكروه: عدم تقديم الصبيان على الشيوخ في الغسل قبل الأكل؛ لأنه ربما كان الماء قليلاً أو شحيحاً فيقدم الشيوخ قبل الصبيان في الغسل قبل الطعام، لأن الوسخ بأيدي الصبيان أكثر مما يكون في أيدي الكبار، فلو انتهى الماء بعد غسل الصبيان أيديهم فنكون قد أمنا من الأذى الأكثر.

    تنقية الطعام قبل أكله

    وكذلك مما ذكروه في آداب الطعام قوله:

    ونقي شوك طعامٍ أنت آكلـه     ولا تكن حاطباً يوماً على دغل

    كحاطب الليل إن يقبض على حطـبٍ     حوى البلاء ونوع الإثم والأصلِ

    فهذا يفيد تنقية الطعام الذي فيه شوك أو أذى قبل أكله، والذي يأكله من غير تنقية يسمونه: بحاطب ليل؛ لأنه ربما أخذ مع اللقمة شيئاً يضره.

    تقديم الفاكهة قبل الطعام

    وكذلك قالوا من آدابه: أن تقدم الفاكهة قبل الطعام كما قال:

    نضيج فاكهةٍ قبل الطعام فكل     ما لم يطب أكله فاطرحه في الذبل

    يعني أن تقديم الفاكهة قبل الطعام أحسن؛ لأنه أسرع لهضمها، وبعضهم يستند بقوله تعالى: في ضيافة أهل الجنة أو طعام أهل الجنة: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:20-21] فقدم الفاكهة على الطعام، لكن هذا لا يستلزم أن يكون دليلاً، فمجرد ذكره معطوفاً عليه لا يكون دليلاً على تقديم الفاكهة، ثم إن الوضع في الجنة قد يختلف عن الدنيا.. على أية حال سواء قدموا الفاكهة قبل الأكل أو بعده فالأمر واسع.

    الأكل بثلاث أصابع إذا كان الأكل جامداً

    وسبق أن ذكرنا الأكل بثلاث أصابع، وقلنا: محلهما إذا كان الأكل بها ممكناً كما إذا كان الطعام جامداً، كما قال هذا:

    كل بالثلاث إذا جمد الطعام أتى      وبالجميع إذا سمح الطعام ولي

    في الأكل من أصبعٍ مقت الإله ودع     دون الثلاث ففيها كبر ذي خيلِ

    يعني: أن الأكل بثلاث إذا كان الطعام جامداً يمكن أكله بثلاث هو السنة، والأكل بأصبع واحد مقت، وبالاثنين كبر، فلذلك السنة الأكل بثلاث، وإذا كان لا يمكن أكله بثلاث فإنه يؤكل بأكثر من ذلك للحاجة.

    استثناء الفواكه في الأكل مما يلي

    وذكروا أيضاً في آداب الطعام: الأكل مما يليه واستثنوا منه الثمار "الفاكهة" فإنه لا يشترط أن يأكل فيها مما يليه لأنه حب وعدد، وقد يحتاج وقد يريد أخذ واحدة دون أخرى من جهة النوع، فهي قد تكون مختلطة الأنواع، فإذا كانت ثمار فلا يشترط فيها ما يشترط في الطعام من الأكل مما يليه، وتقدم أيضاً النهي عن القران في التمر وغيره من الأشياء كالعنب وما يشابه التمر أيضاً من الثمار، واستثنوا منه ما إذا كان هو الذي يملك الطعام، أو إذا كانوا قد سامحوه بذلك الآكلون معه، أو إذا كان الآكلون كلهم يقرنون، وبعضهم قال أيضاً: يستثنى من ذلك إذا ما أكل مع عياله وأهله، وبعضهم قال: الحديث عام فلا يستثنى حتى لو أكل مع أهله.

    إذا أكل من طعام غيره لا يزيد على الشبع

    وكذلك مما ذكروه في آداب الطعام: أنه إذا أكل من طعام الغير فإنه لا يزيد على الشبع إلا إذا علم رضا صاحب الطعام وصاحب الوليمة، فله أن يأكل ما يشاء مع الالتزام بآداب الطعام الشرعية؛ لأن زيادة الطعام تسبب عدداً من الآفات قيل في الحكمة: يا بني! إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة -القدرة على التفكير تنام- وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.

    وقال بعض الحكماء: من كثر أكله كثر شربه، ومن كثر شربه كثر نومه، ومن كثر نومه كثر لحمه، ومن كثر لحمه قسا قلبه ومن قسا قلبه، غرق في الآثام، ولا شك أن هذا مما هو معين، ويسبب الخمول والكسل.

    عدم إدخال الطعام على الطعام

    وكذلك ذكروا أن البردة مما ينافي آداب الآكل وهي: إدخال الطعام على الطعام الأول قبل هضمه؛ لأن المعدة تبرز عن هضم الطعام عند ذلك وتصبح مرتبكةً بهذا القادم الجديد.. وكذلك فإن المرضى لا يكرهون على الطعام؛ لأن الله سبحانه وتعالى يطعمهم ويسقيهم كما ورد في الحديث الصحيح.

    أن لا يكون نهماً في أكله ولا يديم النظر إلى الآكل

    من الأشياء التي تضاف إلى قضية عدم الإكثار من الطعام أو من آداب الأكل أن لا يكون نهماً في أكله:

    ولا تكن نهماً في الأكل واقتصد     وانفي عن العرض وصف الجوع والبخل

    إن الرغيب مشئومٌ في الأنام فكن     زهيد أكل ترى في الناس ذا نحلِ

    فالتوسط في كل شيء حسن، والله يقول: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67] فالإنسان يتوسط في أكله فلا يقصر فيه حتى ينسب إلى التحشم، ولا يبالغ فيه حتى ينسب إلى الشره.

    ومما ذكروه أيضاً: أنه إذا قدم له طعامٌ فإنه لا يطعم منه غيره ولو كان قطاً إلا بإذن صاحب الطعام لأنه هو مالكه.

    ومن آداب الأكل التي ذكروها: أنه ينبغي للآكل حال أكله أن لا يديم النظر إلى جليسه؛ لأن ذلك يخجله فيترك الطعام قبل أن يشبع.

    وينبغي كذلك: ألا يقضم الخبز في فمه ثم يضعه في الطعام، فبعض الناس إذا أراد أن يغمس شيئاً بالخبز قضم الخبز بأسنانه ثم وضعه في الأكل، وهذا يورث أن تعاف النفوس الأخرى -نفوس الجالسين- الأكل فقد يلتصق بها من بصاقه أو يكون في فمه شيءٌ من البخر، والرائحة الكريهة، فيكره له ذلك، وهذا النوع يسمونه المهندس؛ لأنه يهندس اللقمة ثم يضعها في الطعام، كما سماها صاحب كتاب: عجائب الأكل، أو الآكل المهندس الذي يقضمها بأسنانه قبل أن يدخلها في الإناء وإن هذا مما يسبب التقزز والنفور فلا يفعل ذلك.

    إغلاق الشفتين عند الأكل

    من الآداب التي ذكروها أيضاً في الأكل: إغلاق الشفتين عند الأكل وأن لا يتركهما مفتوحتين، وذلك لمعنيين:

    المعنى الأول: الأمن من تطاير البصاق حال المضغ، وقد يقع ذلك في الطعام فيورث قنافةً يعني: تقززاً وأذىً عند الآخرين.

    وثانياً: أنه إذا ضم شفتيه لم يبق لطعامه فرقعة وصوت، فإن بعض الناس ربما ينزعج من صوت المضغ الذي يخرج من الآخرين، فإذا أطبق الشفتين أمن من تطاير البصاق، وأمن ثانياً من إصدار الصوت المزعج عند أكله للآخرين.

    ألا يكون خردباناً

    وكذلك من آداب الأكل ألا يكون خردباناً، والخردبان: هو الذي يجر الخبز خوفاً أن يسبقه إليه غيره، فيجعله في شماله ويأكل بيمينه، فهذا لا شك أنه دالٌ على الشره، فالذي تكون اللقمة في يده قبل أن يبتلع التي في شدقه وعينه على الثالثة، فهذا لا شك أنه من الجشعين؛ لأن بعض الناس كأنه لا يصدق أن ما أمامه طعامٌ يمكن أن يأكله، فإذا أخذ لقمةً قبل أن يبتلع التي قبلها فهذا شره منافٍ لآداب الطعام، وتكون عينه على الثالثة أيضاً، أو تكون كلتا يديه فيهما الأكل والطعام فيأخذ من هذه لهذه ونحو ذلك، أو أنه يأخذ رغيف الخبز كله، فيجعله في يده ونحو ذلك، كلها من الأشياء التي تنافي آداب الطعام.

    ترك السعال وقت الأكل

    وكذلك من الآداب التي ذكروها في حال الأكل: عدم السعال، فإذا سعل أو اضطر للسعال فإنه يحول وجهه عن الطعام ويبعده عنه، أو يجعل شيئاً على فيه حتى لا يخرج البصاق مع السعال فيقع في الطعام، فيسبب الأذى للآخرين.

    وكذلك ألا يتنخم، لا يخرج النخامة أو البلغم، ولا يبصق، ولا يتمخط بحضرة الآخرين عند الطعام، ولاشك أن هذا أيضاً مما يسبب القرف لدى البعض أو الأكثرين.

    ألا يصف أشياء مستقذرة عند الأكل

    وكذلك لا يذكر شيئاً فيه مستقذر، لا يصف أشياء مستقذرة إذا أكل على الأكل لا يأتي مثلاً بوصف الصراصير والجرذان والفئران، ونحو ذلك ويذكر القصص المقرفة؛ فإنها أيضاً مما يسبب نفسياً النفور من الأكل، وربما عافه بعضهم، وقال: من أجل هذه السيرة التي أتيت بها تركنا الأكل.

    ألا يأكل قبل الناس

    كذلك من الآداب ألا يأكل قبل الناس، ولا يمد يده قبل الناس، ويمد يده الأكبر مثلاً ممن كانت الوليمة من أجله، أو الذي قدمه صاحب المنزل للطعام، فقد يقدم شخصاً معيناً ليبدأ أو الأكبر بالسن أو الأفضل صاحب العلم العالم، وكان الصحابة لا يمدون أيديهم إلى الطعام حتى يمد النبي صلى الله عليه وسلم يده، والذي يمد يده قبل القوم دون أن يكون هناك سبب كأن يكون هو الأكبر أو صاحب العلم والفضل أو الذي قدمه صاحب البيت فلا شك أنه إذا لم تكن هناك هذه الأسباب أو بعضها يكون جشعاً.

    ألا يطأطئ رأسه حال الأكل على الإناء

    ومن الآداب: ألا يطأطئ رأسه على الإناء حال الأكل، وإنما يجعل شيئاً من المسافة بينه وبين الأكل.

    ومنها: ألا ينفض يديه على الطعام، بعض الناس وخصوصاً الذين يأكلون الرز من هذه (التباسي) وهذه الأواني فإنه يأكل وينفض يديه بعد كل لقمة على هذا الإناء ثم يأكل وينفض يديه وهكذا، وربما نفضهما على من بجانبه، على أية حال هذا أيضاً من الأشياء التي تسبب النفور، وربما وقع شيءٌ على ثوب الجليس أو على طعامه فيسبب تقذراً.

    إذا أكل بطيخاً ألا يخلط القشر باللبِّ

    وكذلك من آداب الطعام ألا يخلط -إذا أكل بطيخاً- يخلط القشر باللب، والأشياء التي تقشر كثيراً لا يخلط القشر ببقية الفاكهة، وكذلك لا يلقي بالقشور بعيداً؛ فربما نالت أحداً أو صدمته أو تقاطر منها شيءٌ من القشرة المرمية على الآخرين، فلا يلقي بها على المائدة.

    وكذلك ذكرنا عدم خلط النوى بالتمر، وكذلك كل ما كان مثل التمر، كالبرقوق مثلاً لا يخلط النوى بالثمرة، لا يخلط ما أكل بما لم يأكل، طبعاً أنتم ترون الآن -أيها الإخوة- أن هذه الأشياء فيها دقة بالغة، ولا شك أن بعض الناس يقولون: هل في الشريعة ذوق؟

    مثل هذه الأشياء ربما كان بعض الناس لا يتصورون أن هذه تكلم عنها العلماء، لكنهم تكلموا عنها وذكروها وفصلوا فيها تفصيلاً عجيباً، كل الأشياء التي تخطر ببال الإنسان من القضايا المتعلقة بالذوق والأدب والنظافة، والبعد عن القرف والتقزز والقنافة وما يكرهه الآخرون كلها مذكورة ومكتوبة، مما يدل على الأدب في هذه الشريعة وأن العلماء فهموا ذلك ودونوه، وكانوا يلاحظون من الواقع الأشياء التي تنافي الأدب أو التي هي من الأدب فينصون عليها، ولو ما وردت فيها الأحاديث لكنهم ذكروها.

    وقلنا: إنه لا يتصرف بالطعام في غير الأكل إذا كان ليس هو صاحب الطعام، ولذلك قالوا: لا يطعم الهر والقط وغيره إلا إذا أذن صاحب البيت.

    أن يختار لنفسه من الطعام الحلو

    وكذلك من الأشياء التي ذكروها: أن يختار لنفسه من الطعام الحلو؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلوى والعسل، ولاشك أن هذا من الطباع ولا يلزم الإنسان به.

    أن الآكل إذا شبع لا يرفع يده قبل القوم

    ومن الآداب أيضاً: أنه ينبغي للآكل إذا شبع ألا يرفع يده قبل القوم الذين لم يكتفوا منه، كما إذا كان هناك شخصٌ جائع أو شخصٌ جاء متأخراً فلو وقفوا أو توقفوا عن الطعام كلهم لأحرجوا هذا المتأخر، فيضطر لرفع يده معهم ولم يحصل له الاكتفاء من الطعام.

    تليين الجانب وخفض الجناح مع الضيف

    وكذلك ينبغي للآكلين أن يلينوا جانبهم ويخفضوا جناحهم لمن يأكل معهم، ولا يؤثروا أنفسهم بشيءٍ دون بعضهم البعض، وذكروا حتى من آداب الأكل مسامرة ومآنسة الضيف الآكل، إذا كان الكلام مما يجعله ينبسط ويرتاح في أكله وطعامه، فإذا كان السكوت يجعل هناك جواً من الوحشة يخيم على الآكل فقد لا يكون مرتاحاً أثناء الطعام فقالوا: إنه يأتي بالحكايات على الأكل التي في سماعها إيناسٌ للآكل، وإطالةٌ لجلسته.

    تصغير اللقمة وجودة المضغ

    وكذلك ذكروا من آداب الطعام ألا يمسح يديه بالخبز وقالوا: إنه داخلٌ في حديث (أكرموا الخبز) وتقدم أن هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة.

    وأيضاً من آداب الطعام: تصغير اللقمة، وجودة المضغ قبل البلع، لأن بعض الناس يبلع بدون مضغٍ جيد، فهذا يضره من جهة ويدل على شرهه من جهة، لأنه يريد أن يأكل أكثر كمية في أقل وقت.

    وقد سئل النووي رحمه الله عن مسألة وهي: هل ورد حديثٌ في تصغير اللقمة؟

    فقال: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بتصغير اللقمة ولا بتدقيق المضغ، ولكن نقل عبادي في الطبقات عن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: في الأكل أربعة أشياء فرض، وأربعة سنة، وأربعة أدب، أما الفرض:

    فغسل اليد، والقصعة، والسكين، والمغرف، والسنة: الجلوس على اليسار، وتصغير اللقمة، والمضغ الشديد، ولعق الأصابع، والأدب: أن لا تمد يدك حتى يمد من هو أكبر منك، والأكل مما يليك، وقلة الكلام، هذا مما نقل عن الشافعي رحمه الله تعالى، فإذاً تصغير اللقمة، وجودة المضغ من آداب الطعام.

    ألا يقيم الآكل قبل أن يفرغ من الطعام

    وكذلك ألا يقيم الآكل قبل أن يفرغ من الطعام، واختلفوا في الضيف هل يملك الطعام الموضوع للأكل أم لا يملكه؟ ثم قالوا: إذا امتلكه فمتى يمتلكه؟ هل إذا وضع بين يديه، أو إذا تناوله بيده، أو إذا أدخله فيه؟

    وقد ينبني على هذا دقائق وفروع فقهية، لكن بعضها فيه مبالغات، كما قالوا: لو أكل الضيف تمراً وطرح النوى فنبتت شجرة فلمن هي؟ فعش أيها الضيف ويا صاحب المنزل حتى تنبت الشجرة ثم سل عن هذا الحكم.

    ألا يحمل شيئاً إلا بإذن المضيف

    من آداب الطعام أيضاً: أنه لا يحمل معه شيئاً من بيت الذي أضافه إلا بإذن صاحب البيت؛ لأنه أذن له أن يأكل ولم يأذن له أن يحمل، والطعام طعامه والمال ماله، وإذا علم رضاه جاز له أن يدعو غيره وأن يأخذ معه ويحمل وأن يأكل على الشبع، فإذا علم رضا صاحب البيت وكان صديقاً له أو أخاً ويعلم أنه لا يمانع في ذلك فعله.

    ألا يأكل وحده

    وكذلك من آداب الأكل: ألا يأكل وحده ما أمكن ذلك، بل إنه يدعو من يمكن دعوته خصوصاً من الصالحين (لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) وقد يصادف صالحاً يدعوه معه؛ فيكون داخلاً في حديث إطعام الطعام الذي هو من أسباب دخول الجنة، ولعله يصيب من هذا الرجل دعوةً صالحةً تنفعه نفعاً عظيماً، وأيضاً الأكل أن يأكل لوحده ليس من دلائل الإيثار، ومشاركة الآخرين، ولذلك كان بعض السلف رحمهم الله، إذا حضر الطعام وهو لوحده يلتمس من يأكل معه، يبحث وربما مشى مسافة حتى قيل: إن بعضهم إذا كان يريد الأكل يمشي الميل والميلين يلتمس من يتغدى معه، ولاشك أن على رأس هؤلاء إبراهيم الخليل عليه السلام الذي كان مشهوراً بإكرام الضيوف.

    أن يأكل صاحب المنزل مع الضيف

    وكذلك من آداب الطعام: أنه إذا كان الضيف يستحي من الأكل لوحده فإنه ينبغي على صاحب المنزل أن يأكل معه، وجرى في عادات بعض الناس أنهم يضعون الطعام ويمشون، وقد يصيب الحرج الآكلين ويريدون أن يجلس معهم صاحب البيت، ليأنسوا ولا يشعروا بالحرج لكن هو يصر على العادات والتقاليد ويمشي من المكان.

    وهذا ليس من الدين في شيء، هذا يرجع إلى حال الضيوف فإن كانوا ممن يرون أن تجلس معهم اجلس معهم، وإن كانوا لا مانع عندهم أن تذهب اذهب، لكن أن تقول: أنا سأحكم العادات والتقاليد، ونحن عاداتنا ما نجلس مع الضيف عند الأكل، ولو كان الضيف يريدك أن تجلس، إذاً هذا من قلة الأدب وليس من الأدب في شيء، ضع العادات على جنب وخذ ما جاء في الشريعة التي أمرت أو حثت على الإيناس واللطف وحسن العشرة، فإذا كان من حسن العشرة أن تجلس مع الضيوف فاجلس معهم وكل معهم، وآنسهم.

    البدء بالطعام قبل الصلاة

    وكذلك ذكروا من آداب الطعام: أنه إذا حضر الطعام لا يذهب للصلاة ويترك الطعام، وإنما يبدأ بالطعام لأن البدء به فيه إذهاب ما في نفسه من الشوق للطعام الذي قد يشغله عن الخشوع في الصلاة، وفي هذا تفصيل سبق ذكره في شرح كتاب: عمدة الأحكام .

    أن يأخذ ما سقط من الأكل

    وكذلك من آداب الأكل: أن يلقط ما سقط خصوصاً من حبات الرز، الذين يأكلون الرز في هذه الأيام لا يكلفون أنفسهم مطلقاً في لقط حبات الرز الساقطة، فترمى وتجمع مع السماط وترمى، ولا شك أن هذا إهدار للنعمة وإهانة لها، ولم يتقزز الإنسان من شيء هو السبب فيه وهو الذي أسقطه والسبب في تناثره، فلماذا لا يجمعه؟

    ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وقعت اللقمة من أحدكم فيأخذها وليمط عنها الأذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان) فلماذا لا يلتقطون حبات الأرز التي وقعت ويأكلونها؟

    وهناك في العالم الذين يتمنون حبة رز؛ بل ربما تبع بعضهم نملة حتى يراها تذهب إلى شيء في الأرض من حبة شعير أو قمح صغير فيأخذه قبله، إذا كثرت النعمة عند الناس استهانوا بها ولا يعرفون قيمتها إلا إذا فقدوها.

    وما يورده بعض العامة لأولادهم ( من أن اللقمة تتبع صاحبها يوم القيامة وتجري وراءه إذا لم يلتقطها ) ليس له مستند صحيح، ولذلك لا ينبغي أن نخوف الناس بالأحاديث الضعيفة والموضوعة وعندنا من الصحيح ما يغني عنها.

    وكذلك: (الإناء يستغفر للاعقه) هذا حديث معروف أنه ليس ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هناك ما يغني عنه في لعق الإناء من الأحاديث التي وردت.

    أن لا يأكل عند رجل يشتهي الطعام وينظر إليه

    ومن آداب الأكل: أن لا يأكل بحضرة شخص يشتهي الطعام وينظر إليه، حتى ولو كان خادماً، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا أكل والخادم موجود أن يناوله منه أو يشاركه فيه، إما أن يجلسه معه أو على الأقل يناوله منه فإنه هو الذي ولي حره ودخانه، فالخادم هو الذي طبخ وتعرض للدخان والحر والنار التي طبخ بها، فلا أقل من أن يشرك أو يعطى من الطعام.

    وبعض الناس يأكلون وغيرهم ينظر إليهم بتشهي الطعام، ولكن لسبب أو لآخر لا يجعلونه يشارك معهم، فذكر أهل العلم كراهية أنه يأكل بحضرة من يشتهي الطعام دون أن يشاركه فيه، حتى قالوا: ولو كان قطاً.

    حتى قال بعضهم: فإن في نظرة هذا من السموم التي ربما أثرت في الآكل، نظرة المتشهي للطعام ولو كان قطاً قد يكون فيها شيء، ولذلك يرمى له بشيء.

    عدم الأكل في السوق

    ثم من آداب الأكل: قضية الأكل في السوق، وذكروا أن الأكل في السوق من خوارم المروءة وأنه إذا فعل ذلك سقطت شهادته، لكن هذه المسألة تعتمد على الزمن والوقت، يمكن يكون في وقتٍ مضى الأكل في السوق عيب كبير جداً.. والذي يأكل في السوق هذا إنسان ما عنده مروءة، إنسان دنيء، ولا يبالي أن يأكل أمام الناس وهم يمشون ويذهبون، ولاشك أن فيه شيءٌ من الدناءة فعلاً، خصوصاً الذين يأكلون السندوتشات وهم يمشون في السوق، أو في الأسواق والشوارع، لا شك أن فيه شيء من الدناءة وقلة المروءة.

    لكن الآن جعلت مطاعم فيها طاولات منفصلة، ولا يمر عليك الناس الغادين والرائحين، السوق في الماضي كان الأكل فيه دناءة وقلة مروءة؛ لأنه يأكل أمام الناس الغادي والرائح، والأكل ينبغي أن يكون فيه شيء من الاحتشام والآداب التي يصعب تطبيقها في السوق، وخصوصاً إذا كان يتمشى ويأكل، فليس من الأدب أن يأكل ويتمشى بين الناس.

    أما الشرب فإنهم رخصوا فيه، قالوا: لنقص زمنه.. لأنه لا يأخذ إلا شيئاً يسيراً، ثم قد يحتاج.. يصيبه العطش ويحتاج وقد جوزوا للمعتكف أن يخرج على بيته للأكل والشرب، ولو كان معتكفاً ما دام لم يحضر معه طعاماً وما تيسر إحضار الطعام معه.

    تنظيف الأسنان بعد الأكل

    كذلك من آداب الأكل: أن يتخلل بعد الطعام ويستعمل السواك أو العود لتنظيف الأسنان وإخراج ما بها، وفي عصرنا هذا الفرشاة ومعجون الأسنان.

    ثم إن بعضهم: فرقوا بين الشيء الذي يخرج من الأسنان هل يبتلع أم لا؟

    فقال بعضهم: إذا أخرجه بالخلال استحب طرحه وكره ابتلاعه، وإن قلعه بلسانه لم يكره ابتلاعه، ونقلوا ذلك عن الشافعي رحمه الله، ولم يظهر لي الفرق وما هو السبب في هذا؟ ولعل الأكل الذي يكون بين الأسنان نتيجة طول اللبث أو المكث فإنه يحدث له تغير أو رائحة؛ فإذا ابتلعه ربما يكون له ضرراً عليه، فهذا النوع من العالق الذي يطول مكثه يحتاج إلى عود إلى إخراجه، لكن الذي يخرج باللسان قد يكون مما يسهل إخراجه، ولذلك إذا خرج باللسان فلم يكن قد حدثت له فترة مكث في الفم، فما حصل له هذا التغير أو النتن، والله أعلم.

    النوم بعد الغداء والمشي بعد العشاء

    وكذلك من الأشياء أيضاً فإنهم ذكروا مسألة النوم بعد الأكل، وقال بعض أهل العلم: يستحب من جهة الطب النوم بعد الغداء، والمشي بعد العشاء، وقالت العرب: تعشى وتمشى، وتغدى وتمدى.

    طبعاً: تعشى وتمشى، واضح التمشية بعد العشاء، ولا ينام حتى ربما يهضم طعامه لأن نومه طويل، والغداء في وسط أو في أول النهار، وبعده قيلولة، تغدى وتمدى، والأصل طبعاً تمدد، لكن اختصر على دالٍ واحدة.

    وكما في قوله تعالى: ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى [القيامة:33] قالوا: هي أصلها يتمطط، فكان من علم الأولين بالطب أن النوم بعد الغداء مفيد.. والعشاء لابد من المشي بعده، وهذا موجود في أمثال العامة اليوم، حتى بنفس اللفظ هذا، مثل قديم لكنه ساري المفعول، تعشى وتمشى، وتغدى وتمدى.

    وأيضاً: مما ذكره الأطباء في الماضي التي دونها أهل العلم أن يعرض نفسه على الخلاء قبل النوم، يعني: إذا أكل قبل أن ينام يدخل الخلاء حتى لا يحتبس فيه البول والغائط فيضره ذلك؛ لأن النوم قد يأخذ وقتاً طويلاً، فيدخل الخلاء قبل أن ينام.

    لا يشرع في الأكل حتى يؤذن له

    هذا بعض ما ذكره الأقفاسي رحمه الله في كتابه: آداب الأكل ابن عماد الأقفاسي المتوفى سنة 880هـ وابن طولون هو: محمد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي الذي توفي بعد بفترة فإنه قد ولد بعد موت الأول، ولد في عام 880هـ وتوفي في عام 953هـ ألف كتابه: فص الخواتم فيما قيل في الولائم ، وذكر في أثناء الكتاب فصلاً يتعلق بآداب الأكل، تخلل كلامه عن الولائم، فأخذ من كلام الأقفاسي شيئاً كثيراً جداً، كما هو واضح في الكتاب، والأقفاسي يأخذ من الغزالي أشياء كثيرة جداً من الإحياء، المهم لا زال أهل العلم يأخذ بعضهم من بعض، ويذكر بعضهم من بعض، والعلم ليس ملكاً لأحد، لكن لعل هناك بعض الإضافات التي ذكرها فمما ذكر من آداب الأكل:

    أنه لا يشرع في الأكل إذا كان عند الآخرين حتى يؤذن له، فمثل أن يقول: سموا الله أو كلوا ونحو ذلك، وقال بعضهم: يكفي أن يضع الطعام بين أيديهم، فإن مجرد وضع الطعام بين أيديهم دليلٌ على إذنه لهم بالأكل وأنه لا يشترط لفظ معين، فإذا كان العرف جارياً أنه بمجرد وضع الطعام بين أيديهم دليلٌ على الإذن لهم بالأكل يمشي على ذلك، أما إذا كان جرى في العرف أنه لا يبدأ إلا إذا قال صاحب البيت: سموا الله أو باسم الله، أو كلوا أو تفضلوا أو اشرعوا أو ابدأو ونحو ذلك، فإنه ينتظر حتى يبدأ ويقدم لهم صاحب الطعام أو يأذن لهم بمثل هذه الألفاظ.

    وقال النووي رحمه الله: الصحيح في تقديم الطعام أنه لا يجوز الأكل بلا لفظٍ سواء دعاه أم لا، بشرط ألا يكون ينتظر غيره.

    وقال ابن العماد : يشترط أن يكمل وضع السماط، يعني: ليس من أول طبق يأتي به معناه: اشرعوا في الأكل قال: يشترط أن يكتمل وضع السماط: يكتمل وضع الطعام بأنواعه أو بما يريد إحضاره وبعد ذلك يشرعوا فيه.

    نحن ذكرنا قضية غسل اليدين، وقضية الحديث الذي ورد في الوضوء للجنب، أو غسل اليدين للجنب قبل الطعام وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وثبت في حديثٍ آخر من طريقٍ عزيز ذكره الشيخ: ناصر في السلسلة غسل اليدين قبل الطعام عموماً للجنب ولغير الجنب، وللمحدث وغير المحدث.

    ترك أكل الأشياء غير الناضجة

    ومن الأشياء التي ذكرها رحمه الله تعالى في آداب الأكل ألا يأكل الطعام غير نضيج سواء كان فاكهة أو غيرها، وأن أكل الفواكه غير الناضجة من الأشياء التي تضر، وكذلك أكل اللحم النيئ، وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن أكل اللحم المتغير، لحم قد يحصل له تغير في الرائحة بسبب طول مكثه فقال: إن لم يكن يضر فيجوز أكله، وإن كان يضر فلا يجوز أكله، ونقل عن الغزالي قوله: ويأكل من استدارة الرغيف إلا إذا قل الخبز فيكسره ولا يقطعه بالسكين، وقد تقدم أن قطع الخبز بالسكين ليس به بأس، وأن الحديث الوارد في النهي عن قطع الخبز بالسكين ليس بصحيح.

    عدم إهدار النعمة

    ومن الآداب التي ذكرها أيضاً ألا يوضع الطعام على الخبز إلا ما يؤكل منه، فإن بعض الناس قد يأخذ رغيفاً ويضع عليه قطعةً من الطعام، ثم يأكل جزءاً من الرغيف ويترك الباقي وقد تلوث أو أصابه ما أصابه من الطعام فلا يأكله لا هذا ولا هذا، ويفضي ذلك إلى إهدار النعمة، كما يحدث لكثير من الناس عندما يوزعون الأرغفة على الطعام فإن بعضهم يجعل الأرغفة توزع، بحيث يقسم من هذا ومن هذا ومن هذا ثم تبقى الأشياء المقسومة أو الباقية ترمى، ولا شك أن هذا مخالف لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أكرموا الخبز).

    عدم غمس اللقمة الدسمة في الخل

    وكذلك ورد في كلامهم: عدم غمس اللقمة الدسمة في الخل، ولعل من أسباب ذلك عدم تلويث السائل أو الشراب، أو الخل وإنما يأخذ منه فيضعه على اللقمة، ولا يضعها فيه فيجعله مشوباً بها، فربما أدى ذلك إلى تقزز الآخرين ونفورهم.

    عدم الحلف على الآخرين بالأكل

    وكذلك من آداب الأكل التي ذكرت عدم الحلف على الآخرين، وأما الحلف عليه بالأكل فممنوع، وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب أنه قال: الطعام أهون من أن يحلف عليه، فينبغي للشخص ألا يقول للآكل: أقسم عليك بالله.. حلفت عليك بالله أن تأكل.. والله العظيم أن تأكل، الأكل أهون من أن يحلف عليه، ما يستحق الأكل أن تأتي بلفظ الجلالة وتقسم، والله يقول: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ [القلم:10] الحلاف الذي يكثر الحلف بالشيء المهم وغير المهم ويحلف هذه عادته وطبيعته، كثرة الحلف هذا مذموم، خصوصاً إذا كان في أشياء مثل هذه، ويمكن أنه يعزم عليه، وأن يدعوه إلى الطعام بغير الحلف كأن يلح عليه بقوله ائت، تخير، كُلْ، تفضل، وإذا آنس من رفيقه الأكل نشطه بألفاظ ولكنه لا يحلف عليه.

    ولا شك أن الشخص الغريب أو الشخص الذي يأتيك لأول مرة على طعام ربما يكون في نفسه شيءٌ من الحياء، ويحتاج منك إلى شيء من الإلحاح أو شيء من التشجيع على الأكل، فهذا من الأداب مع الضيف، وهذا داخل في آداب الضيف ربما استبقناه هنا، لكن على أية حال لا يقسم بالحلف على الكل هذا من الأمور السيئة المنتشرة بين الناس.

    عدم شرب الماء أثناء الأكل

    ومما ذكروه أيضاً من الفوائد الطبية في آداب الأكل: أن لا يكثر من شرب الماء أثناء الأكل، قالوا: إلا إذا غص بلقمةٍ ونحوها الحاجة، لأنه وجد أن ذلك مضر بالهضم أو المعدة.

    وينبغي كذلك الحذر من استعمال الحار بعد البارد، والبارد بعد الحار، في الأكل والشرب وفي الشرب أكثر لأن ذلك ربما أضر به، وقال العز بن عبد السلام رحمه الله في مسألة اللقمة: ويحرم عليه لو كان الطعام قليلاً أن يأكل لقماً كباراً مسرعاً في مضغها وابتلاعها حتى يحرم أصحابه، فلا شك أن هذا من الجشع، فلو كان الطعام قليلاً فلا يكبر اللقمة إذا كان مشتركاً ومعه أناسٌ آخرون حتى يكون هناك عدلٌ في الطعام.

    حمد الله بعد الطعام

    وكذلك تقدم: أنه يحمد الله بعد الانتهاء من الطعام، ويسأل الله أن يرزقه خيراً منه إلا اللبن، فإنه يقول: وزدنا منه، ولا يقل، ارزقنا خيراً منه، لأنه ليس هناك طعامٌ يجزئ عن اللبن كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك فإن من آداب الطعام أيضاً، أنه يتجنب الأكل من الأشياء الضارة أو التي تضره هو مثل الأكل من الثوم والبصل إذا أراد أن يذهب إلى المسجد، أو أن يأكل من لحم البقر إذا ثبت عنده حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لحم البقر داء) .

    لكن جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى عن أهله ببقرة.

    المحادثة أثناء الأكل

    وكذلك فإن من آداب الطعام ما قاله النووي رحمه الله: وإذا أكلوا جماعةً فمن الأدب أن يتحدث على طعامهم بما لا إثمٍ فيه، وبعض الناس يورد حديثاً: (تحدثوا ولو بثمن أسلحتكم) لكنه ليس بصحيح.

    فالأكل أثناء المحادثة مما يكون فيه إيناس، ولذلك فإنه لا بأس به وليس بحرام، بعض الناس يظن أن الحديث أثناء الأكل مما يكره أو مما ينهى عنه، وليس ذلك بصحيحٍ على الإطلاق، وللشرب آداب كما للأكل آداب، لكن حيث إن موضعنا هو آداب الأكل فنقتصر عليه.

    معرفة قدر هذه النعمة

    وكذلك فإن من آداب الطعام أنه يعرف قيمة هذه النعمة، ليحمد الله سبحانه وتعالى عليها وينوي بالأكل التقرب إلى الله عز وحل بتقوية البدن لأجل الطاعة، وهذا مما يفوت كثيراً استحضاره من كثيرٍ من الآكلين.

    ونكتفي بهذا القدر من آداب الأكل، وبذلك يكون قد انتهى هذا الموضوع مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة، ومن كلام أهل العلم، والآداب التي ذكروها واستحسنوها مما يتبع العرف الحسن والذوق الطيب، والأدب الذي تهواه وتميل إليه النفوس ذات الفطر الصحيحة والسليمة، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    الإسراف في الوجبات المكلفة

    السؤال: هل من الإسراف ما يفعله بعض الناس من ارتياد بعض المطاعم المكلفة، حيث قد تبلغ وجبة الفرد الواحد مائة ريال؟

    الجواب: نعم. لا شك في أن هذا من الإسراف، ولكن المسألة أحياناً تعتمد على قدرة الشخص المادية أن يشتري طعاماً، لكن في بعض الحالات يكون هذا إسراف حتى في حق أغنى الأغنياء، فيكون الطعام غالي الثمن بغير فائدة، وإنما مجرد لأنه من المطعم الفلاني، ففي هذه الحالة يكون إسرافاً.

    معنى الخل

    السؤال: ما هو الخل؟ هل هو الخل المعروف في يومنا؟

    الجواب: نعم. الخل: هو هذا الخل المعروف في يومنا وهو يؤخذ من عدة أشياء، فهناك خل من العنب، وخل من التفاح وغير ذلك، الخل أنواعٌ كثيرة، وبعضه له فوائد طبية، بحسب المأخوذ منه.

    حكم الأكل بالملعقة

    السؤال: ماذا تقول إذا قال الشخص أن الأكل بالملعقة سنة لأنك تمسكها بثلاثة أصابع؟

    الجواب: قد لا نقول: إن الأكل بالملعقة سنة، لأنك إذا قلت إن الأكل بالملعقة سنة معناها أنه كان عليه الصلاة والسلام يأكل بالملعقة، نعم، إن المغارف والملاعق كانت معروفة في عهدهم وقد جاء في بعض الأحاديث ذكرها، لكن يمكن أن يقول الشخص: إنك إذا كنت مخيراً بين الأكل بالملعقة أو الأكل بالخمس الأصابع فإن الأكل بالملعقة أقرب إلى السنة، يعني: لا تقول: هو سنة، لكن تقول: هو أقرب إلى السنة من عدة جهات:

    أولا: أنه يمسكها بثلاث أصابع، والذي يأكل بخمس أصابع يأكل بالخمسة معاً؛ فهي أكثر من الثلاث.

    ثانياً: أنه إذا أكل بالملعقة كانت اللقمة أصغر مما إذا أكل بالخمس.. أليس كذلك؟

    ولا شك أن تصغير اللقمة من السنة، وتكبيرها من الجشع، ولذلك الأكل بالملعقة أقرب إلى السنة من الأكل بالخمس من جهة تصغير اللقمة.

    ثالثاً: أنه إذا أكل بالخمس نثر الطعام أمامه وتساقط، وإذا أكل بالملعقة يمكنه أن يتحكم فيه، فكان الأكل بالملعقة أحسن من الأكل بالخمس؛ لأن الأكل بالخمس يؤدي إلى تناثر الطعام، وأكثر هؤلاء الذين يأكلون بالخمس ويتناثر بينهم الطعام لا يكلفون أنفسهم جمعه ولا أكله، وإنما يبقى هكذا. فمن هذه الجهة يكون الأكل بالملعقة أحسن من الأكل بالخمس.

    كذلك يمكن أن يقال: إن الأكل بالملعقة أكثر تحكماً من الأكل بالخمس؛ لأنه عند أكله بالخمس كما قلنا يتناثر الطعام. لكن لو كان الإنسان يستطيع أن يأكل بثلاث أصابع والطعام يؤكل بثلاث أصابع، لأن من الطعام ما يؤكل بثلاث أصابع ومنه ما لا يؤكل بثلاث أصابع، فمثلاً: ما كان متماسكاً كالثريد، وكالتمر المخلوط بالسمن والزبد (حيس) هذا يمكن أن يأكل بالثلاث أصابع، لا داعي أن يأكل بالخمس أبداً، فلو قيل لك: تأكله بثلاث أصابع أو تأكل بالملعقة أيهما هو السنة؟

    بثلاث أصابع أفضل، لكن بين الخمس وبين الملعقة قد تكون الملعقة أقرب إلى السنة من الخمس، ثم إن الذين يستخدمون الخمس ليسوا سواء، فبعضهم يستخدمها استخداماً جيداً، وبعضهم يستخدمها استخداماً في غاية الرداءة.

    فإذاً هناك طعام لا يمكن أن يؤكل بثلاث، الرز -مثلاً- كيف تأكل الرز بثلاث أصابع؟ ولذلك قد يكون هناك عذر أن يأكل بأكثر من ثلاث أصابع، لكن ليس العتب هنا في استخدام أكثر من ثلاث للحاجة، العتب في طريقة الاستخدام، وإذا كان الأكل بالملعقة سلبياته أقل فيكون هو أحسن، وهناك من الأطعمة ما لا يمكن أكله لا بثلاث أصابع ولا بخمس مثل: الحساء، كيف يحتسي بأصابع؟ لا يمكن، فطريقة الاحتساء إما أنه يشرب من الإناء مباشرة أو أنه يبتلعه بمغرفةٍ أو ملعقةٍ مثلاً.. فإذاً المأكولات تختلف، ومنه ما يحتاج إلى إمساك بالقبضة كالتفاح مثلاً، فأنواع الأكل تتحكم في الطريقة التي تستخدم في أكلها.

    أكل الدباء ليس بسنة

    السؤال: هل أكل الدباء سنة وعبادة؟

    الجواب: فيما يتعلق بالدباء ليست هذه سنة تعبدية، فلا يترتب على أكل الدباء أجر من جهة أنه سنة مثل الأكل بثلاث أصابع أو التسمية أو الأكل باليمين، لا. هذه لا تقارن بهذه مطلقاً.

    كيفية قول: لا إله إلا الله.. بعد الفجر والمغرب

    السؤال: قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بعد المغرب والفجر؟

    الجواب: عشراً عشراً كما ثبت في السنة، بعد الصلاة عشراً عشراً، وبقية الصلوات مرة أو ثلاث مرات، كما ورد في السنة.

    حكم ذكر دعاء معين قبل الصلاة

    السؤال: هل يجوز الدعاء قبل كل صلاة، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً؟

    الجواب: الدعاء قبل كل صلاة لا بأس به، بل هو من أوقات الإجابة بين الأذان والإقامة، لكن تعيين دعاء معين يقوله فهذه مشكلة إذا ما ورد في السنة، ولذلك لا يواظب على دعاءٍ معين.

    حكم قراءة الفاتحة بعد الإمام

    السؤال: هل تقرأ الفاتحة بعد قراءة الإمام؟

    الجواب: هذه المسألة طويلة ولكن الخلاصة: اختلف العلماء فيها في الصلاة الجهرية، منهم من قال تجب القراءة، ومنهم من قال: لا تجوز القراءة، ومنهم من قال: إذا كانت الصلاة جهرية لا يقرأ، وإذا كانت سرية يقرأ، وهذا أوسط الأقوال وأعدلها، وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

    تعليم الطفل قول: باسم الله

    السؤال: بعض الأطفال لا يقولون: باسم الله؟

    الجواب: يسقط عن الطفل إذا لم يستطع أن يقول، لكن يذكره أمامه أبوه أو أمه من باب التعليم.

    كيفية الأكل جماعة

    السؤال: إذا أكل جماعة مجتمعين ولكن في صحون صغيرة، كلٌ على حدة على مائدةٍ واحدة؟

    الجواب: نعم. إنهم ليسوا متفرقين تماماً لكن لو اجتمعوا في صحنٍ واحد يكون أحسن.

    عدم جواز رمي الأكل المكشوف

    السؤال: الأكل المكشوف من غير تعمد هل يرمى لأنه قد يخاف منه الداء الذي ينزل كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: سبق أن سألت هذا السؤال الشيخ عبد العزيز بن باز فقال: لا. يؤكل أو إذا خشي أن يكون نزل عليه الداء، يطعم للبهائم ولا يرمى.

    حكم اللحوم تذبح في ديار أهل الكتاب

    السؤال: يوجد في الأسواق كثير من اللحوم التي ذبحت في ديار أهل الكتاب؟

    الجواب: إذا كان هؤلاء لم يعرف عنهم أنهم يقومون بقتلها بطرق غير شرعية فإننا نأكل، هذا الأصل من حل أكل طعام أهل الكتاب، لكن إذا وردت الأخبار، وتكاثرت الأنباء، وتعددت المصادر، وجاءت الروايات والصور وشهادات الناس الذين زاروا تلك المصانع، أنهم يصعقون ويرمون الدجاج في أحواض المياه المغلية، وهي حية، أو يضربون البقر بالمسدس مثلاً.. فيقتلونها فعند ذلك لا نأكل، لأن الشبهة صارت قوية جداً، الآن جاءت الأخبار وتكاثرت وأصلاً عندهم جمعيات الرفق بالحيوان، تمنع الذبح وتقول: رفقاً بالحيوان لا تذبح، ورفق بالإنسان الذي يأكل هذه الميتة!!

    كيفية أكل التمر المسوس

    السؤال: ما كيفية أكل النبي صلى الله عليه وسلم التمر المسوس؟

    الجواب: سبق أن ذكرنا الحديث الذي رواه أبو داود وهو حديثٌ صحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل التمر فتشه وأخرج ما فيه من السوس ثم أكله).

    عيب الطعام بعد الانتهاء منه

    السؤال: ماذا لو عاب شخص الطعام بعد انتهائه بفترة؟

    الجواب: إذاً دخلنا في عيب الطعام قبله أو بعده أو معه، ما دام أنه حصل العيب فهو عيب، ولكن إذا أراد أن يبين لصاحب المطعم عيوب الطعام لا بأس، فهذا لمصلحة المسلمين لكن الآن ما صار لأجل مصلحة المسلمين كأن يقول: يا أخي اهتم بطعامك أنتَ تفعل فيه كذا وكذا ونحو ذلك، فهذا لا بأس، هذا قصده نصيحة للمسلمين.

    الفرق بين التربع والقرفصاء

    السؤال: هل التربع هو القرفصاء؟

    الجواب: لا. يختلف التربع عن القرفصاء.

    تحريم الجمع بين اليد اليمنى واليسرى في الأكل

    السؤال: استعمال الأكل باليد اليسرى مع اليمنى أثناء الأكل كأن يمسك باليد اليمنى طعاماً ويمسك باليد اليسرى شراباً؟

    الجواب: العبرة بالذي يوصل الطعام إلى الفم، فإذا كانت اليسرى فهو حرام.

    سؤال صاحب المطعم عن مصدر طعامه

    السؤال: هل أسأل صاحب المطعم عن الطعام؟

    الجواب: إذا كثرت الشبه عن هذا اللحم الذي يستخدمه أو الدجاج فإنك تسأله، لكن إذا كان يستخدم طعاماً مستورداً من بلاد المسلمين لا تسأل، أو من بلاد أهل كتاب لا يعرف عنهم شيء غير الذبح فلا تسأل.

    حكم استخدام الملاعق والسكاكين من الذهب أو الفضة

    السؤال: الملاعق والسكاكين مصنوعة من الذهب والفضة؟

    الجواب: حرام، لا تجوز، الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة فكأنما يجرجر في بطنه نيران جهنم، ومثلها الأواني والصحون والملاعق والسكاكين والشوك وكلها داخلة فيها.

    اشتراط الأكل من الوليمة في إجابة الدعوة

    السؤال: هل إجابة دعوة الوليمة تقتضي الأكل من الطعام؟

    الجواب: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، بعضهم قال: يشترط لكي تكون مجيباً للدعوة أن تأكل من الطعام، الذي هو وليمة الزواج، وقال بعضهم: لا يشترط ولعله هو الأرجح.

    أكل الشيطان مع من يأكل بشماله

    السؤال: هل الشيطان يأكل مع الذي يأكل بشماله حتى وإن كان قد ذكر اسم الله عند الأكل؟

    الجواب: نعم. لأنه قال: الشيطان يأكل بشماله، ولا مانع أن يكون هناك عدة وسائل للشيطان تمكنه من الأكل مع الإنسان، منها: ألا يذكر اسم الله، ومنها: أن يأكل بشماله، وإذا أكل بشماله وما سمى الله شبع الشيطان.

    حكم دفع الفوائد من البنك للضرائب

    السؤال: دفع الفوائد من البنك إلى الضرائب؟

    الجواب: حرام. لأنه استفاد من الربا لشيءٍ وهو دفع الضرر عن نفسه.

    هذا بالنسبة لأسئلة هذا الدرس.. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767161439