الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
الحمد لله رب العالمين شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3]. وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطاهرين، وعن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أخواتي الكريمات! كنا نتدارس مقدمتين اثنتين في موضوع طلبته الأخوات الصالحات ألا وهو آداب طالب العلم في طلبه، والعلامات التي تدل على إخلاصه في نيته لربه، هذا الموضوع قلت سأقدم له مقدمتين بمثابة التمهيد له، المقدمة الأولى تدارسناها في الموعظتين الماضيتين، حول تعريف العلم، وطرق تحصيل العلم، وأما في هذه الموعظة المباركة فسأنتقل إلى الأمر الثاني من التمهيد للموضوع، ثم نتدارس إن شاء الله العلامات التي تدل على إخلاص طالب العلم في طلبه.
أخواتي الكريمات! سنتحدث عن وجوب إخلاص النية لرب البرية في طلب العلم، فقد ثبت في الكتب الستة في الصحيحين والسنن الأربع من رواية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دينا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ).
فصحة الأعمال وفسادها، قبولها وردها يقوم في نفس الفاعل وفي قلبه من باعث لذلك العمل، فإذا كان الباعث على العمل طاعة الله عز وجل، والتقرب إليه قبل العمل وأثيب الفاعل عليه، (إنما الأعمال بالنيات)، وإذا كان الباعث على العمل غير ذلك من أمور الدنيا فالعمل رد على فاعله، وعوقب عليه.
(إنما الأعمال بالنيات) صحة وفساداً، قبولاً ورداً، ثواباً وعقاباً، يقبل العمل أو يرد، يصح أو يبطل، يثاب عليه الفاعل أو يعاقب عليه، على حسب ما يقوم في قلبه من باعث لذلك العمل، أي: من النية، والنية هي الباعث على العمل.
(فمن هاجر إلى الله ورسوله)، وفي قلبه أنه يريد من هذه الهجرة طاعة الله والتقرب إليه فلن يضيع أجره عند الله جل وعلا، وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:100] (فهجرته إلى الله ورسوله).
والذي يهاجر من أجل عرض الدنيا من أجل تجارة أو زواج، ففي الظاهر هو مهاجر، لكنه في حقيقة الأمر خاطب أو تاجر (فهجرته إلى ما هاجر إليه)، وليس في التجارة مذموم، ولا خطبة المرأة وزواجها مذموم، لكن عندما أظهر طاعة وأراد بها عرض الدنيا، أراد أن يكتسب الدنيا باسم الهجرة، وأن يحصل امرأة باسم الهجرة، فهذا هو المذموم، فإذا طلب الدنيا من طريقها، وهكذا تزوج المرأة حسبما شرع الله دون أن يلبس على الناس أنه مهاجر أو غير ذلك فلا حرج عليه، إنما إذا هاجر ويريد الدنيا هاجر من أجل امرأة وهو في الظاهر هاجر لله وللرسول عليه الصلاة والسلام فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك العرض الخسيس، وليس له على الهجرة أجر عند الله جل وعلا، ( ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ).
وكان العبد الصالح الإمام العلم عبد الرحمن بن مهدي عليهم جميعاً رحمة الله يقول: من صنف كتاباً فليبدأ بحديث عمر : ( إنما الأعمال بالنيات ).
وكان أبو سليمان الخطابي عليهم جميعاً رحمة الله يقول: كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث عمر قبل كل قول وعمل، ليخلص الإنسان في قوله وفي عمله لربه جل وعلا.
أولهما: لنزكي أنفسنا بشريعة ربنا جل وعلا.
والأمر الثاني: لندعو إلى الله جل وعلا على بصيرة.
هذا هو المقصود من طلب العلم، فإذا جاء بعد ذلك شيء من عرض الدنيا دون أن يكون في قصدنا وفي نيتنا فلا مانع من الانتفاع به، ليكون مطية لنا إلى ربنا، بشرط أن لا يكون ذلك المتاع والعرض الدنيوي في نيتنا وقصدناه، وجاءنا من طريق حلال لا نعصي به ربنا، ولا نفقد به مروءتنا وكرامتنا، فحالنا كحال المجاهد الذي يقاتل في سبيل الله من أجل إعلاء كلمة الله إذا جاءته الغنيمة فحاله كما قال الله: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا [الأنفال:69]، وأما إذا قصد الغنيمة من جهاده فليس له من جهاده إلا عرض دنيوي وليس له عند الله خلاق.
إذاً: إخلاص النية في طلب العلم واجب والنية الطيبة والنية الخالصة والإخلاص يشترط في جميع الأعمال, فهو روح الأعمال، كالروح للبدن، فكما أن البدن لا يحيا بدون روح يحيا بها الإنسان، فالعمل لا يقبل عند الله عز وجل ولا يرفع إلا بالإخلاص. وإخلاص النية لله جل وعلا أمر مطلوب في سائر الأعمال، فكل عمل يقوم به الإنسان ينبغي أن يخلص النية لربه في عمله، ويشترط لقبول أي عمل الإخلاص، كما ثبت في المسند وسنن النسائي ومستدرك الحاكم، والحديث إسناده صحيح كالشمس من رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من غزا ولم ينو من غزوته إلا عقالاً فليس له إلا ما نوى )، جاهد في سبيل الله لكن من أجل عرض الدنيا، وهو يريد عرض خسيساً ومتاعاً قليلاً قليلاً، (يريد به عقالا )، والعقال: حبل يعقل به البعير، ويربط به الجمل، فمن أراد من غزوته أن يغنم حبلاً ليربط به دابته فليس له عند الله ثواب وليس له من غزوته إلا ما نوى.
أولها: إيمان يقوم في نفس الإنسان، فالكفار أعمالهم كما قال الله: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، فلابد إذاً من الإيمان.
والشرط الثاني لقبول العمل: الإخلاص للرحمن، فكل عمل لا يخلص الإنسان فيه، سواء كان طلب علم أو غير ذلك، لا يقبل عند الله عز وجل: ( إنما الأعمال بالنيات ).
والشرط الثالث: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون ذلك العمل على وفق شريعة الله عز وجل، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أمنا عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، ( من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد )، وفي رواية لـمسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، أي: عمل عملاً يتقرب به إلى الله جل وعلا، وذلك العمل لم يؤخذ من هدي النبي عليه الصلاة والسلام، ومن مشكاة النبوة، فأخذ عن طريق الرأي وعن طريق الهوى وعن طريق العرف وعن طريق التقليد الأعمى، فهو مردود على فاعله: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، إذاً لابد من إيمان، وإخلاص للرحمن، ومتابعة للنبي عليه الصلاة والسلام ليقبل العمل عند ذي الجلال والإكرام، فالله جل وعلا خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً، وحسن العمل يتحقق بإخلاص لله، ومتابعة الرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولذلك قال سيد المسلمين في زمانه إمام الحرم المكي أبو علي الفضيل بن عياض عليه رحمة الله: أحسن عملاً: أخلصه وأصوبه. قيل: ما تعني بهذا يا أبا علي ؟ قال: الإخلاص أن يراد به وجه الله، والصواب أن يكون على السنة.
فكل علم لا إخلاص فيه لا يقبل عند الله، وكل عمل لا متابعة فيه لرسول الله عليه الصلاة والسلام لا يقبل عند الله، فكل عمل لابد إذاً فيه من إيمان وإخلاص ومتابعة، ولذلك قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله: دين الله يقوم على دعامتين اثنتين: إياك أريد بما تريد، أي: أخلص لك وغرضي من أعمالي إرضاءك.
إياك أريد بما تريد. أي: على حسب ما شرعت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، فقصدي من عملي التقرب إليك على حسب ما شرعت على لسان نبيك صلى الله عليه وسلم.
والجواب عن هذا السؤال الذي قد يتبادر ويعرض للأذهان، الجواب على هذا بأمرين اثنين:
وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من طلب العلم لغير الله، وعدم الإخلاص في طلب العلم، ففي سنن ابن ماجه ، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تعلموا العلم )، يعني: لا تتعلموا العلم، ( لتباهوا به العلماء، ولتماروا به السفهاء، ولتخيروا به في المجالس )، وفي رواية لـابن ماجه : ( لتصرفوا به وجوه الناس إليكم ).
( لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء )، من المباهاة، وهي المفاخرة، يجلس مع العلماء وأنني أحفظ أكثر مما تحفظون، وأطلع على ما لا تطلعون، مباهاة, ولا يوجد في هذا المكان أعلم مني... ومن هذا القبيل.
( ولتماروا )، من المماراة وهو الجدال والمخاصمة ( ولتماروا به السفهاء )، أي: تجعلون هذا العلم وسيلة للمجادلة والقيل والقال، وإفحام الخصم وإظهار الغلبة.
( ولا لتخيروا به في المجالس )، أي: لتتخيروا به المكان النفيس، المكان الذي يكون في الصدر، المكان البارز.. يتعلم العمل حتى إذا دخل إلى المجلس يوسع له ويجلس في صدره، وضبط ( لتحيزوا به في المجالس ) من التحيز وهو التمكن والاستقرار، يعني: يطلب العلم ليكون له حيزاً ومكاناً معروفاً إذا دخل إلى المجلس، وضبط ( لتجيزوا به في المجالس ) من الإجازة وهي الإنظار، يجيز الناس ويفتيهم ويقر هذا، ويرد على هذا، وكما قلت في رواية ابن ماجه : ( لتصرفوا به وجوه الناس إليكم )، وفي رواية للحاكم في المستدرك: ( لتحدثوا به في المجالس ).
إذاً: لا تتعلموا العلم لتباهوا العلماء، ولا لتماروا السفهاء، ولا ليكون لكم في المجالس شأن لتصرفوا وجوه الناس إليكم، قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ( فمن فعل ذلك )، أي: طلب العلم لشيء من عرض الدنيا، من مباهاة العلماء، أو مماراة السفهاء، أو ليصرف إليه وجوه الناس ( فمن فعل ذلك فالنار النار )، أي: مأواه النار وبئس القرار.
إذاً: جرت عادة كثير من الناس أنهم يطلبون العلم ليباهوا العلماء، وليقال: هو أرفع العلماء منزلة وأعلاهم مكانة، يتعلم العلم ليجادل ويماري السفهاء، يتعلم العلم ليوسع به في المجالس، ويتحدث، ولتصرف الوجوه إليه.
إذاً: جرت عادة كثير من الناس أنهم يتاجرون بالعلم لا بالصلاة وبالصيام ولا بقراءة القرآن، وقد يقع في تلك العبادات نية فاسدة، لكن ليس بنسبة فساد النية في طلب العلم، فصار الأصل في طلب العلم أنه يطلب للدنيا إلا ما رحم الله، وصار الأصل في سائر العبادات والطاعات أنها تطلب للآخرة إلا عند بعض الناس.
إذاً: الأصل في طلب العلم بعد انحراف الناس صار من أجل تحصيل عرض الدنيا, فلابد إذاً من تذكير طالب العلم في بدء طلبه من وجوب إخلاص النية لربه جل وعلا؛ ليكون العلم له لا عليه.
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]، لا يستوون لا في الدنيا ولا في الآخرة فمنزلة العلماء تلي منزلة رسل الله الكرام على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله الصلاة والسلام.
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]، من هم الذين يعملون؟ من حصلوا العلم النافع فترتب عليه عمل صالح، ولذلك نعتهم الله في أول الآية فقال: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ [الزمر:9]، مطيع قائم لله بأنواع الطاعات من صلاة وذكر وقراءة قرآن، وصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وخشية للرحمن في جوف الليل: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9] رغباً ورهباً، هذا هو العالم، هل هذا كغيره ممن لا يقنت في الليل وينام كالجيفة ولا يحذر الآخرة، ولا يأمل رحمة الله ولا يعد لها عدتها؟! هل هذا الصنف يستوي مع الصنف المقابل له؟ لا. الصنف الذي هو قانت يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه هؤلاء هم العلماء الأتقياء: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]، فالذين يعلمون هم الذين يقنتون للحي القيوم آناء الليل ساجدين وقائمين يحذرون الآخرة ويرجون رحمة أرحم الراحمين.
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]، لا يستوون، إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:9].
إذاً طلب العلم أشرف ما يقوم به الإنسان في هذه الحياة، ويتقرب به إلى رب الأرض والسماوات، ولذلك يؤثر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام أنه قال:
الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
أي: بعضهم يكافئ بعضاً.
إذاً: هم متكافئون، الأب واحد والأم واحدة: إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].
الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكون لهم في أصل عنصرهم شيء يفاخرون به فالطين والماء
الذي خلق منه أبونا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حياً به أبداً الناس موتى وأهل العلم أحياء
إذاً: العلم هو أشرف طاعة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، بل لا يمكن للإنسان أن يكون من بني آدم، وأن تكتمل فيه الإنسانية والآدمية والبشرية إلا بالعلم، فلذلك لما قيل للعبد الصالح شيخ المسلمين وسيدهم عبد الله بن المبارك عليه وعلى جميع المسلمين رحمات رب العالمين: من الناس؟ قال: العلماء. يعني من الذين يتصفون بهذه الصفة أنهم بشر، أنهم من بني آدم؟ قال: العلماء، وحقيقة لا فارق بين بني آدم وبين الحيوان البهيم إلا هذه الصفة وهي صفة العلم التي تميزهم عن الحيوان الأعجم.
قيل له: من الناس؟ قال: العلماء. قالوا: فمن الملوك والأمراء؟ قال: الزهاد.
وأكيس الناس وأعقل الورى هم الذين زهدوا فيما ترى
إذ نبذوا الدنيا لعلمهم بها ورغبوا لأختها لقربها
أي: في الآخرة.
إذاً: أكيس الناس أعقل الناس، الزهاد، أما الناس فهم العلماء، ومن عداهم كأنهم ليسوا من بني آدم، فقالوا لـعبد الله بن المبارك : فمن السفلة؟ يعني: الساقطون من الناس؟ قال: هم الذين يأكلون الدنيا بالدين.
إذاً لا تتحقق في الإنسان حقيقة الإنسانية وصفة البشرية إلا بصفة العلم.
إذاً: هذه طاعة عظيمة بها تحقق ذاتك، وتتقرب بهذه الطاعة إلى ربك جل وعلا.
إذاً هذه كلها أجور عظيمة ينبغي أن يبذل نحوها نية عظيمة تناسبها، فإذا كنت في طلب العلم ذكراً أو أنثى، كنت وارثاً للنبي عليه الصلاة والسلام وخليفة له، وأنت على منهاج النبوة في ذلك، فينبغي أن تخلص كنبيك عليه الصلاة والسلام كما تعلمت هذا العلم الذي جاء به، فإذاً العلماء ورثة الأنبياء.
العلم ميراث النبي كما أتى في النص والعلماء هم وراثه
ما خلف المختار غير حديثه فينا فذاك متاعه وأثاثه
على نبينا صلوات الله وسلامه.
ثبت في معجم الطبراني الأوسط بسند حسن من رواية أبي هريرة رضي الله عنه: أنه دخل سوق المدنية بعد موت نبينا عليه الصلاة والسلام وانتقاله إلى جوار ربه عليه صلوات الله وسلامه وفداه أنفسنا، أنه دخل إلى سوق المدنية والصحابة يبيعون ويشترون فنادى فيهم بأعلى صوته: يا أهل السوق! ما أعجزكم، قالوا: وما ذاك؟ قال: ميراث النبي عليه الصلاة والسلام يقسم في مسجده وأنتم تبيعون وتشترون، فظن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أنه يقسم شيء من متاع النبي عليه الصلاة والسلام وأثاثه من لباسه ومتاعه وآنية بيته، فظنوا أنها تقسم، فكل واحد أسرع لينال شيءً من ذلك تبركاً بآثار المصطفى عليه صلوات الله وسلامه، فذهبوا إلى المسجد فلم يروا شيئاً يقسم فيه، فخرجوا منه فاستقبلهم أبو هريرة رضي الله عنهم أجمعين عند باب المسجد، قالوا: ذكرت لنا أن ميراث النبي عليه الصلاة والسلام يقسم في مسجده فلم نر شيئاً، قال: وماذا رأيتم؟ قالوا: رأينا أناساً يقرءون القرآن، وأناساً يتذاكرون الحلال والحرام، وأناساً يصلون، قال: ويحكم! ذاك ميراث النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ).
إذاً: نحن نتدارس وجوب إخلاص النية في بدء طلبنا من أجل أن نبذل نية خالصة نقية تناسب مكانة هذا العلم الذي هو أعلى الدرجات عند رب الأرض والسماوات.
ثبت في سنن الترمذي بإسناد صحيح من رواية أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: ( ذكر عند النبي عليه الصلاة والسلام رجلان أحدهما عالم والآخر عابد، فقال عليه الصلاة والسلام: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم )، كم بين نبينا عليه الصلاة والسلام وبين أدنى الصحابة منزلة من البون الشاسع والمسافة العالية العظيمة؟ كم؟ هكذا تكون المسافة بين العالم والعابد.
( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، وإن الله وملائكته وأهل السماوات وأهل الأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحيتان في البحر، ليصلوا على معلم الناس الخير ) الله وملائكته وأهل سمواته وأهل أرضه والنمل في جحورها والحيتان في بحورها تصلي على من يعلم الناس الخير.
وثبت في مسند البزار عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( معلم الخير يستغفر له الحيتان في البحر، والنمل في جحورها ).
إذاً معلم الخير له هذه المنزلة، والذي يتعلم العلم له هذه المكانة، فينبغي إذاً أن يبذل نية تتناسب مع هذا العلم.
إذاً من علامة سعادة الإنسان في هذه الحياة: أن يفقه في دين رب الأرض والسماوات بشرط إخلاص النية لرب البرية، وهذا الحديث -أعني حديث معاوية - رواه الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن عباس ، ورواه الإمام ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين.
نعم، كل منهما يطالب بذلك ويستويان في هذا الأمر، وقد ثبت في سنن ابن ماجه وكتاب شعب الإيمان للإمام البيهقي ، وكتاب الإمام ابن عبد البر جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، عن أنس بن مالك، والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو حديث صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )، كل من اتصف بصفة الإسلام من الذكور والإناث فطلب العلم فريضة عليه، وهذا اللفظ كما قلت شامل للصنفين، وما زاده بعض الناس: (ومسلمة) فهذا من قلة عقله ومن عدم وعيه، لا يوجد في الحديث: (ومسلمة) لأن لفظ المسلم شامل للذكر والأنثى، فهذه الصفة موجودة في النساء وموجودة في الرجال، والله جل وعلا إذا خاطب هذه الأمة ذكوراً وإناثاً يوجه الخطاب إلى الذكور، والنساء يدخلن في ذلك، عندما قال: أَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، خطاب للذكور، لكن يدخل في هذا النساء، فما يكلف به الرجل تكلف به المرأة، فالمرأة تساوي الرجل تماماً في الخلق، فهي بشر وهو بشر، وتساويه في التكليف، كل ما كلف به الرجل تكلف به المرأة وتساويه في الجزاء عند رب الأرض والسماء، ولذلك قال الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، وقال: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195]، وقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97]، فالمرأة تساوي الرجل في الخلق، تساويه في التكليف، تساويه بعد ذلك في الجزاء مثوبة وعقوبة عند الله على وجه السواء، ثم بعد ذلك كل واحد من الصنفين خصّ ببعض الأمور في التشريع حسب ما تقتضيه طبيعة كل من الصنفين، وما لم يقم عليه دليل التخصيص فالخطاب الذي يوجه إلى الذكور يشمل النساء، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )، دخل في هذا كل من حقق وصف الإسلام وكان من المؤمنين بالرحمن سواء كان من الرجال أو من النساء.
وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر، وأن المرأة تساوي الرجل فيما يكلف به، فثبت في مسند الإمام أحمد والسنن الأربع عدا سنن النسائي ، فالحديث في سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجه من رواية أنس بن مالك وأم سليم رضي الله عنهم أجمعين: ( أنه قيل للنبي عليه الصلاة والسلام: الرجل يذكر حلماً؟ -أي: في نومه ومنامه، ولا يرى بللاً؟- قال: لا غسل عليه، فقيل: الرجل يرى بللاً ولا يذكر حلماً؟ -أي: ماءاً في سراويله- قال: عليه الغسل، فقيل: يا رسول الله عليه الصلاة والسلام! والمرأة؟ -يعني: إذا رأت حلماً ولم تر بللاً، وإذا رأت بللاً ولم ترى حلماً فما حكمها؟- فقال عليه الصلاة والسلام: إنما النساء شقائق الرجال )، والحديث صحيح.
(إنما النساء شقائق الرجال)، أي: كأنها يعني أخ شقيق له تساويه، هذا شق وهذا شق، هذا نصف وهذا نصف، فما يوجه إلى هذا يوجه إلى هذا، وهما متساويان في الإسلام، ( إنما النساء شقائق الرجال )، كالأخوين الشقيقين تماماً ما يثبت لهذا يثبت لهذا، وعليه ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ).
والحديث من رواية أنس وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وروي عن جمع غفير من الصاحبة الطيبين، أوصلهم الإمام السيوطي إلى خمسين صحابياً، وقد صحح الحديث الإمام السيوطي ، وحسنه أبو الحجاج المزي ، وقال شيخ الإسلام الشيخ عبد الرحيم بن الحسين الأثري العراقي : صححه بعض الأئمة، وطرقه تقضي بأنه صحيح. وأقول: بل في حكم المتواتر كما نص على ذلك الشيخ الكتاني في كتابه: (نظم المتناثر من الحديث المتواتر)، وأورده في كتابه برقم (6) في صفحة (25) على أنه من الأحاديث التي تنزل منزلة الحديث المتواتر لكثرة طرقه: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ).
أما ما ينبغي أن يفعله فـ: حسن الإنصات، حسن الفهم، حسن السؤال، حسن الحفظ، حسن العمل، حسن التعليم، أمور ستة ينبغي أن يفعلها، وسأشرحها وأقررها بأدلتها.
وأمور أربعة ينبغي أن يحذرها: أن يحذر ضياع الوقت، وأن يحذر الجدال والقيل والقال، وأن يحذر مخالطة المترفين من أهل الدنيا، وأن يحذر الوقوع في سلفنا الماضين وفي علمائنا الكرام الطيبين هذه الأمور العشرة إذا وجدت في طالب العلم، فهذا دليل على إخلاصه في طلبه، وأنه يطلب العلم لوجه ربه.
وقبل أن أتكلم على هذه الأمور كما قلت أخواتي الكرام أحب أن أنبه إلى أمر، وهو ما ينبغي أن يتصف به طالب العلم بالنسبة إذا كان طالب العلم امرأة، ما ينبغي أن يتصف به في حال خروجه من بيته لذهابه إلى بيت ربه أو إلى حلق العلم ومجالس الذكر، ما ينبغي أن تتصف به المرأة من آداب لا أريد أن أذكرها، وكنت قد تحدثت عنها في الجمعة الماضية في خطبة جمعة كاملة، فأرجو من الأخوات الكريمات أن يحرصن على سماعها واقتنائها، فكل الخطبة والموعظة تتعلق بهذا الأمر، وماذا ينبغي أن يكون حال المرأة عندما تخرج من بيتها لبيت ربها، أي: لمجالس العلم أو لزيارة في الله من محارم أو أخوات في الله، ماذا ينبغي عليها من أمور؟ وأجملتها في خمسة أحكام ثم فصلتها وبينت أدلتها، لا أريد أن أذكر شيئاً منها كما قلت فلعلكن تحرصن على اقتناء خطبة الجمة الماضية، وتسمعن الآداب التي ينبغي أن تتصف به المرأة في حال خروجها من بيتها، وأسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أخواتي الكريمات! أول أدب من الآداب الذي ينبغي أن يحرص عليه طالب العلم ليكون ذلك برهاناً على إخلاصه في طلبه: حسن الإنصات، أي: إذا كان في مجالس العلم ينبغي أن ينصت، وأن يخشع، وما ينبغي أن يتحرك منه عضو، فيكون خاشعاً مخبتاً منصتاً مستمعاً متوجهاً بكليته لتحصيل هذه الفوائد، وهذا حقيقة من علامة إخلاصه، لأن هذا العلم درر وجواهر، وهو أعظم ما يتقرب به إلى الله جل وعلا، فلا بد له -إذاً- من خشوع وإنصات وأدب وحسن استماع، الإنسان يخشع وينصت بمقدار اهتمامه بما يطلب، فإذا كان ما يطلبه نفيساً يخشع له وينصت له، وإذا أردتن أن تتحققن من ذلك، لو أن الواحدة منكن تأملت الهرة، القطة المعروفة الذي يقال لها في لسان العامة: البسة أو ما شاكل هذا، الهرة عندما تريد أن تصطاد فأرة، الفأرة لها عند الهرة مكانة تريد أن تأكلها، وأن تتغذى بها، فإذا أرادت أن تصطادها تقف على باب جحر الفأرة، عندما تريد أن تراقبها لا يتحرك للهرة شعرة واحدة، خاشعة منصتة مخبتة ترقب هذه الغنيمة، وهكذا طالب العلم ينبغي أن يخشع، ينبغي أن ينصت، ولذلك لا تنزل الرحمة إلا إذا تحقق الناس بصفة الإنصات والخشوع والإخبات والسكينة في طلب العلم، قال الله جل وعلا: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].
وقد جاء في أحاديث كثيرة في بيان حال الصحابة الكرام في مجالستهم لنبينا عليه الصلاة والسلام، جاء في وصفهم: كأنما على رؤؤسهم الطير، ورد الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد وفي كتب السنن الأربع عدا سنن الترمذي ، من رواية البراء بن عازب ، وثبت ذلك في صحيح البخاري من رواية أبي سعيد الخدري وفي مسند الدارمي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين، والأحاديث مستفيضة في ذلك، في وصف الصحابة الكرام في مجالسهم مع نبينا عليه الصلاة والسلام، عندما يذكرهم ويعلمهم: ( كأنما على رؤوسهم الطير ) أي: حال الواحد منهم كأنه جذع شجرة لا يتحرك منه يد ولا رأس ولا رجل، لا يتثاءب ولا يتكلم ولا يلتفت ولا.. ولا.. كأنه جذع شجرة، بحيث لو نزل طائر من السماء ظن أن هؤلاء جذوع من الشجر فيقف على رؤوسهم فلا يطير الطائر؛ لعدم وجود حركة من واحد منهم، كأنما على رؤوسهم الطير.
وحقيقة إذا ما أخذ العلم بالأدب أسرع إلى طالب العلم الهلاك والعطب، فينبغي أن يتأدب الإنسان في مجالس العلم، فهذا العلم نتقرب به إلى الله جل وعلا، ولابد من حسن إنصات، حسن إصغاء، أن يطلب بسكينة ووقار، ولذلك من لا ينصتون ولا يخشعون ولا يتأدبون في مجالس العلم فالويل لهم، قال الله جل وعلا: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات:2-3].
وكان الإمام مالك عليه وعلى أئمتنا رحمة الله جل وعلا إذا كان في مجلس علم وتكلم بعض الناس ورفع صوته يقول: اغضض صوتك ولا ترفع صوتك في مجلس حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام. اغضض صوتك خشية أن يحبط عملك. إذاً هذا الأدب الأول: حسن الإنصات، والإصغاء، وحسن الاستماع.
إذاً: لابد من حسن أدب الظاهر والباطن، الظاهر سكينة ووقار، والباطن تدبر واعتبار، وأما المنافقون فيظهرون خلاف ما يبطنون، فظواهرهم ساكنة، لكن قلوبهم غافلة لاهية، قال الله جل وعلا في وصف المنافقين في سورة محمد على نبينا صلوات الله وسلامه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد:16].
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ [محمد:16]، من المنافقين، حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا [محمد:16]، ماذا قال في المجلس قبل قليل؟ أين كنتم؟ الأبدان حاضرة لكن القلوب غافلة غائبة. أين كنتم؟ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد:16]، نعم خشعت ظواهرهم لئلا يظهر نفاقهم، فخشعت الظواهر، لكن كشفوا عن حقيقة أمرهم عندما قالوا: مَاذَا قَالَ آنِفًا [محمد:16]، فالمنافق هو من يخشع ظاهره ويغفل باطنه، والله يقول في سورة المنافقين التي سماها باسمهم، يقول جل وعلا في أولها: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:1-4]، إذاً حالهم: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ [المنافقون:4].
والصحابة كانوا يجلسون كأن على رؤوسهم الطير من الخشوع، والقلوب تتفكر وتتدبر، وهؤلاء كأنهم خشب في الظاهر والباطن، خشع في الظاهر نفاقاً، لكن الباطن لا خشوع ولا تدبر ولا تفقه ولا تأمل: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4].
هذا الأدب الثاني ينبغي أن نعتني به أخواتي الكريمات، بعد أدب الظاهر ينبغي أن يكون هناك أدب في الباطن، وهذا حال المؤمن ظاهره طيب وباطنه أطيب، ظاهره خاشع وقلبه أخشع، وخشوع البدن دون خشوع القلب هذا هو خشوع المنافقين نعوذ بالله منه.
وقد ثبت في صحيح البخاري في كتاب العلم باباً يشير به الإمام إلى هذا الأمر وهذه القضية فقال: (باب في الحياء في العلم). أي: هل يوجد في العلم حياء؟ والحياء أخواتي الكريمات على قسمين: حياء جبلي طبيعي غريزي، وحياء شرعي، والحياء الشرعي هو الذي يمنعك من فعل القبيح ويمنعك من التقصير في حق ذي الحق، فلا ينبغي أن تفرط فيه في وقت من الأوقات.
وحياء طبيعي، وهذا قد يكون في فضيلة وقد يكون في رذيلة، وما ينبغي أن يساق الإنسان مع حياة الطبيعي، فمثلاً قد لا يسأل الإنسان عما يشكل عليه خشية أن يقال: إنه بليد الذهن لا يفهم بسرعة، فحياؤه الغريزي الطبيعي وليس الحياء الشرعي منعه من السؤال، وهذا لا يمكن أن يتعلم بحال.
وهكذا من الحياء الطبيعي المذموم. ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول: أنا لو أمرت ونهيت أعير، ولربما المأمور والمنهي أكبر مني فيقولون لي: أنت تسيء الأدب معه! إذاً: لأجل أن لا أرمى بهذا، ولأجل أن لا أعير، لأجل أن لا يتكلم الناس بعرضي لا آمر ولا أنهى.. يستحي. وهذا ليس بحياء شرعي، بل هذا عجز وذل ومهانة وإن كان حياء طبيعياً.
باب في الحياء في العلم، أي: في الحياء الطبيعي، هل يسير الإنسان معه أم لا؟ ثم أورد البخاري ثلاثة آثار، أثرين معلقين وأثراً موصولاً مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام.
وأثر معلق كأنك حذفت أساسه فصار معلقاً، أي: ليس له أساس يستند عليه، فـالبخاري بينه وبين مجاهد رجال حذفهم، وكل المعلقات في الصحيحين بصيغة الجزم محكوم بصحتها إلى من أضيفت إليهم، كأن الإنسان ذكر لاشتراط الإمام البخاري ومسلم أن لا يوردا في صحيحيهما إلا ما كان صحيحاً، فالمعلق بصيغة الجزم مجزوم بصحته إلى من أضيف إليه.
يقول البخاري عليه جميعا رحمة الله: وقال مجاهد رحمه الله: ( لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر ) اثنان لا يتعلمان العلم، مستح، أي: الحياء الغريزي الطبيعي الجبلي، لا يسأل لئلا يقال: لا يفهم بسرعة، أو خشية أن يعير، أو.. أو.. أو يقال: هذا أمر معلوم أنت لا تعلمه؟ فلا يسأل.
( لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر ) أو يتعالى يقول: أنا أكبر من المسئول، أو إذا سألت الناس يحتقرونني، فإذاً تنزل مكانتي فلا يريد إذاً أن يسأل، مستح ولا مستكبر، كان أئمتنا يقولون:
العلم حرب للفتى المتعالي كالماء حرب للمكان العالي
العلم حرب للفتى المتعالي، أي: يحاربه ويبتعد عنه، بينهما منافرة وخصومة وعداوة، فلا يمكن للعلم أن يكون في نفس المتكبر؛ لأنه تكبر فلا يتعلم، كالماء حرب للمكان العالي، فقمم الجبال لا تصل إليها السيول.
العلم حرب للفتى المتعالي كالماء حرب للمكان العالي
إذاً: هذا الأثر الأول: ( لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر ).
والأثر الثاني: قال الإمام البخاري : وقالت أمنا عائشة رضي الله عنها: ( نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين )، هذا الأثر الذي علقه البخاري رضي الله عنه في صحيحه عن أمنا عائشة رضي الله عنها وصله الإمام مسلم في صحيحه: أن أسماء بنت يزيد جاءت فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الغسل من المحيض؟ فقالت أمنا عائشة: ( نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين )، فهو معلق لكن نقل في صحيح مسلم ، والأثر الأول أثر معلق وصله أبو نعيم في مستخرجه بسند صحيح على شرط البخاري ، فهو موصول أيضاً، وأما الأثر الثاني كما قلت وصله الإمام مسلم ، كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تقول: ( جاءت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام تسأله فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! كيف أتطهر من الحيض؟ فقال عليه الصلاة والسلام: خذي فرصة من مسك فتطيبي بها )، أي: قطعة من قطن أو كرسف أو قماش وضعي عليها شيئاً من الطيب، وبعد الاغتسال ضعيه على الأماكن التي أصابها الدم من أجل إزالة الروائح الكريهة، ( خذي فرصة من مسك فتطهري بها )، قالت: كيف أتطهر؟ لا يمكن للرجل أن يتكلم مع المرأة بأكثر من هذا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( سبحان الله! تطهري )، يتعجب منه كيف يخفى عليك هذا الأمر، إذا أخذت هذه القطعة من القطن وعليها هذا الطيب معلوم أين توضع، أما يعني أن يصرح الرجل بذكر المكان أمام المرأة فهذا في الحقيقة مما لا يحصل، تقول أمنا عائشة : ( فاجتذبتها وقلت لها: تتبعي بها أثر الدم )، فكانت أمنا عائشة رضي الله عنها تقول بعد ذلك: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.
وأما الأثر الثالث فساقه الإمام البخاري موصولاً بسنده إلى زينب بنت أمنا أم سلمة رضي الله عنهن أجمعين، قالت: (جاءت أم سليم ) امرأة صالحة قانتة من أهل الجنة كما ثبت ذلك في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وهي أم أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين، وهي المرأة القانتة الصابرة التي لها مواقف مشهورة في الإسلام ( جاءت
هذه الآثار الثلاثة أوردها الإمام البخاري في كتاب العلم: (باب في الحياء في العلم) أي: أن الحياء الغريزي لا ينبغي أن يمنع الإنسان من السؤال عن الأمر الشرعي.
هذه الأدب الثالث ينبغي أن نعتني به أخواتي الكريمات! وأولها كما قلت: حسن الإنصات والإصغاء والاستماع، ثانيها: حسن الفهم والتدبر والتأمل والتعقل، ثالثها: حسن السؤال.
( ارحموا ترحموا ). الجزاء من جنس العمل، ( الراحمون يرحمهم الرحمن )، ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )، ( ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، ويل لأقماع القوم )، أقماع: جمع قمع، وقمع بإسكان الميم وفتحها والقاف مكسورة في الحالتين: قِمْع قِمَع، والقمع وعاء معروف، وهو آلة معروفة فتحتها العلوية واسعة وفتحتها بعد ذلك السفلية ضيقة جداً، يصب فيها الزيت والعسل والسمن وما شاكل هذا، يصب في هذا الفتحة الكبيرة لينزل بعد ذلك من هذا المكان الضيق في التنكة.. في الوعاء.. في الظرف وما شاكل هذا، هذا يقال له: قِمْع في اللغة، قِمَع معروف يقال له: مصفى.. معبأ.. محدل محدال في بعض اللغات العامية عند بعض الناس، وقِمْع وقِمَع: الفتحة العلوية واسعة جداً يصب فيه الزيت، يصب فيه العسل وما شاكل هذا لينزل بعد ذلك من فتحة ضيقة في الوعاء الذي نريد أن نملأه بهذا السائل، هذا القِمْع والقِمَع لا يستفيد من هذا السائل شيئاً، يصب في الفتحة الواسعة فيخرج من الفتحة الضيقة.
( ويل لأقماع القوم )، أي: يسمعون ولا يحفظون، حالهم كحال القِمْع والقِمَع يصب فيه المواد النافعة الطيبة من عسل وسمن لكن لا ينتفع بها، تخرج منه، فمن كان يعني يسمع -كما يقال- من إحدى أذنيه ويخرج من الأذن الأخرى، أو في إحدى الأذنين -كما يقال- طينة وفي الأخرى عجينة، فويل له، ( ويل لأقماع القوم يسمعون ولا يحفظون )، ثم قال: ( ويل للمصرين ) الذين على خطئهم وذنوبهم وتقصيرهم ( ويل للمصرين الذين يصرون على ما عملوا وهم يعلمون ).
إذاً: لابد أخواتي الكريمات من الأدب الرابع ليكون هذا برهاناً على صدق طالب العلم في طلبه وإخلاصه لربه: حسن الحفظ، والإنسان يحفظ بمقدار إخلاصه لله وطهارة قلبه وصفاء نيته، ولذلك ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إنما يَحفظ الرجل على قدر نيته. وضبط يُحفظ بالمبني للمعلوم والمبني للمجهول، وكل من الأمرين حق وصدق، إنما يُحفظ الرجل على قدر نيته. يَحفظ، أي: النافع من العلم على قدر إخلاصه، ويُحفظ من قبل الله، ويتولى الله أمره، إنما يُحفظ من قبل الله على قدر نيته، وإنما يَحفظ العلم بمقدار نيته وإخلاصه لربه جل وعلا.
ولذلك إذا طهر القلب قوي الحفظ والإمام الشافعي عليه رحمة الله يخبر عن حاله أنه كان يحفظ، وبلغ من قوة حفظه أنه عندما كان يقرأ ينظر في الصفحة اليمنى فيضع يده على اليسرى لئلا يسبق نظره شيئاً من الكلام في هذه الصفحة فيلتبس عليه بعد ذلك، فيدخل في هذه الصفحة ما ليس منها، وكان إذا قرأ الصفحة مرة حفظها، وتقدم معنا في دروس سنن الترمذي أن الإمام الترمذي سمع من أحد الشيوخ أحاديث فأسمعها للشيخ قال: لعلك كنت تحفظها، قال: أملي عليّ غيرها، أسمعني غيرها فأسمعه في المجلس أربعين حديثاً بأسانيدها فأعادها الترمذي على الولاء والترتيب ولم يخطئ في حرف واحد. إنها طهارة القلوب.
يقول الشافعي : فبعد ذلك تأثر حفظي وتغير، صرت إذا قرأت لا أشعر بكمال الضبط وكمال الحفظ. والسبب أنه عندما خرج إلى الشارع وقع نظره على امرأة فتكدر قلبه وصار فيه ما فيه، فذهب إلى شيخه وكيع بن الجراح عليهم جميعاً رحمة الله وعرض عليه حاله، فقال له شيخه: لعلك عصيت الله حتى فقدت الضبط الكامل التام، ( إنما يَحفظ الرجل على قدر نيته )، أو ( إنما يُحفظ على قدر نيته ) فقال الإمام الشافعي مخبراً عن حاله حسبما أشار شيخه عليهم جميعاً رحمة الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي
إذاً: الذي يحفظ فليعلم أن هذا من علامة نعمة الله عليه ورضا الله عليه، وإذا كان لا يحفظ فـ ( ويل لأقماع القوم، ويل للمصرين الذين يصرون على ما عملوا وهم يعلمون ).
أما الأدب الخامس والسادس: حسن العمل وحسن التعليم فأترك الكلام عليها مع الأمور الأربعة التي ينبغي أن يحذرها طالب العلم، وهي أن يحذر ضياع الوقت، وأن يحذر الجدال، والاختلاط بالمترف من أهل الدنيا، وأن يحذر الوقوع في سلفنا الماضين وعلمائنا الكرام الطيبين، وسأتكلم على هذه الأمور الستة في أول الموعظة الآتية.
أسأل الله إن أحيانا أن يحيينا على الإسلام، وإن أماتنا أن يتوفانا على الإيمان، ونسأله أن يجعل خير أيامنا يوم لقاه؛ إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم أرحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، وأحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات؛ إنك سميع قريب مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر