وبعد:
لقد روى حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ فقلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة، ولكني لدغت. قال: فما صنعت؟ قلت: ارتقيت. قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي . قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال: ( لا رقية إلا من عين أو حمة ). قال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال: هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون. فقام
يقول حصين بن عبد الرحمن : كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ كوكب سقط، وانقضاض الكوكب يرى إذا كانت السماء صافية، والبارحة ما بعد الزوال، وقبل الزوال تقول: الليلة، إذا أردت أن تتحدث عن شيء مضى قبل الزوال تقول: الليلة، وإذا أردت أن تتحدث عن شيء مضى بعد الزوال تقول: البارحة، وبعض الناس يقولون: البارحة من طلوع الشمس إلى الغروب، ومن الغروب إلى طلوعها يقولون: الليلة، حصل الليلة كذا وكذا، من غروب الشمس إلى طلوع الشمس أو الفجر.
قال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ قال حصين : فقلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة .. هذا الرجل وهو حصين -رحمه الله- رأى النجم وهو ينقض، لكن يقول للحاضرين: أنا لم أكن قائماً في الليل لأنني كنت أصلي، إنما كنت قائماً لسبب آخر، قال: ولكني لدغت. لم تمنعه الصلاة من النوم لكن منعه الألم من اللدغ، وهذا فيه فائدة بليغة في قضية الابتعاد عن الرياء؛ لئلا يحسب من الذين يحمدون بما لم يفعلوا، لأن الله تعالى ذم الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فهذا حصين من أعداء الرياء، وهكذا كان السلف رحمهم الله في إخلاصهم .. قال حصين : أما إني ... أما: أداة استفتاح، وقيل: هي بمعنى حقاً .. أما إني لم أكن في صلاة، الحقيقة أني لم أكن في صلاة؛ لئلا يظن السامعون أنه قائم يصلي، فيكون كأنه قد راءى بشيء لم يفعله، أو سمَّع بشيء لم يفعله، وهذا الأمر من نقص التوحيد؛ إذا راءى الإنسان وسمع بأعماله، فهو حتى يبرئ نفسه من هذا وضحها وقال: إني كنت مستيقظاً لأجل لدغ لا لأجل الصلاة، ولكني لدغت، واللدغة للعقرب، والظاهر أنها كانت شديدة، ولذلك لم ينم منها طيلة الليل.
قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، وهو صحابي مشهور، مات سنة ثلاث وستين .. عن بريدة بن الحصيب أنه قال: ( لا رقية إلا من عين أو حمة ). والرقية: هي القراءة على المريض أو المصاب وهي معروفة.
وظاهر هذا النص أن الحديث موقوف على الصحابي الذي هو بريدة ، لكن الحديث قد جاء من رواية أحمد وأبي داود والترمذي عن عمران بن حصين به مرفوعاً، وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات: (لا رقية إلا من عين أو حمة)، العين معروفة، وهي إصابة العائن لغيرة، والعائن حاسد، والحمة: سم العقرب، فمعنى هذا الحديث: لا رقية أولى من رقية العين والحمة، فـحصين استند في طلب الرقية إلى هذا الحديث، وهو يدل على أن الرقية من العين أو الحمة مفيدة؛ فإن الرقى تنفع -بإذن الله- من العين ومن الحمة أيضاً، إذاً: أنفع ما تنفع الرقية في مسألة العين، وتنفع في اللدغة والشفاء من السم، وكثير من الناس يقرأ على الملدوغ فيبرأ حالاً.
الأمر الثاني: ما جاء في الحديث الصحيح عن سهل رضي الله عنه، وكان جميل الخلقة، فمر به عامر فرآه وكان يصيب بالعين، فقال: ما رأيت اليوم كجلد مخبأة -والمخبأة هي البكر، أي أنه استحسن جلده الأبيض- ما رأيت قط كجلد مخبأة مثل اليوم أبداً. فلبط سهل ، أي أنه اشتل فجأة ولم يستطع أن يتحرك، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم غضب وقال: (علام يقتل أحدكم أخاه) ثم دعا هذا العائن وأمره أن يغتسل، ويكون ذلك في إناء ويصب الماء على جنبه الأيمن والأيسر داخل اتزاره، يجمع ماء الوضوء والغسالة ثم يسكب على المعيون من الخلف من على رقبته وظهره، فسكبوه عليه، قيل: يسكب عليه فجأة، وقيل: بعلمه، فسكبوه عليه، فقام ليس به بأس .. فهذا العلاج الثاني للعين.
وهناك أشياء عرفت بالتجربة، مثل أن يؤخذ أي شيء من آثار العائن مما يلي جسمه من الثياب كثوب، أو التراب الذي مشى عليه وهو رطب، فيصب عليه الماء ويرش به المصاب أو يشربه المصاب، أو يؤخذ بقية شرابه، كما إذا شرب العائن كأساً من الشاي، فتأخذ بقية الشاي فيشربها المعيون فتنفع بإذن الله، وهذه أشياء مجربة وأجازها أهل العلم.
وأما العائن فإنه يجب عليه إذا رأى ما يعجبه أن يبرك عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيش : (هلا برَّكت عليه) أي: هلا قلت: بارك الله عليك، أو بارك الله لك في أهلك وفي مالك، يبرك عليه ولا يقل: ما شاء الله تبارك الله، بل يقول: اللهم بارك فيه، اللهم بارك عليه، وإذا رأى ما يعجبه من نفسه ومن ماله يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، كما جاء في قصة صاحب الجنتين وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ [الكهف:39]، أي: هذا بفضل الله وليس من حيلتي ولا من قوتي؛ حتى لا يصيبه العجب والغرور.
أما إذا رأى إنساناً وخاف أن يحسده فإنه يبرك عليه، أو إذا علم من نفسه أنه إذا نظر إلى شيء عانه وحسده فإنه يبرك عليه ويقول: اللهم بارك فيه ولا تضره، وبعض العامة يقولون: يصلى على العائن صلاة الغائب، وهذا ليس عليه دليل، يقولون: يصلى على الحاسد والعائن صلاة الجنازة، وهذه عبادة تحتاج إلى دليل.
ولكن سعيد بن جبير الآن يريد أن يستدرك على حصين ، يقول: إذا كنت قد عملت بهذا الحديث فعندنا حديث آخر .. قال: ولكن حدثنا ابن عباس .. وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي دعا له عليه الصلاة والسلام بقوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) فكان كذلك، وتعلم التفسير وفهم الكتاب العزيز، ولم ينقل عن صحابي مثلما نقل عن ابن عباس في التفسير، ولذلك قال عمر أو ابن مسعود : [لو أدرك
قال: ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ) عرضت علي الأمم ) وهذا العرض -كما قلنا- حصل شبيه له في حادثة الإسراء والمعراج التي كانت من مكة .. ( عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط ) وفي رواية: (فأجد النبي يمر معه الأمة) والأمة: العدد الكثير، والرهط: الجماعة دون العشرة، إذا كان هناك جماعة دون العشرة يطلق عليهم في اللغة العربية رهط، والأمة: الجماعة الكثيرة .. (فرأيت النبي ومعه الرهط -من الثلاثة إلى التسعة- والنبي ومعه الرجل والرجلان) لو كانت الواو على حقيقتها في الرجل والرجلان لصاروا ثلاثة، ولقال: ثلاثة، لكن قال: النبي ومعه الرجل والرجلان، أي: النبي ومعه رجل أو رجلان، (والنبي يمر معه النفر)، وفي رواية: (والنبي يمر معه العشرة، والنبي ليس معه أحد) هناك أنبياء ما معهم ولا شخص واحد، وفي رواية: (فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة، والنبي يمر ومعه العصابة، والنبي يمر وليس معه أحد)، الحاصل من هذه الروايات أن الأنبياء يتفاوتون في الأتباع، هناك أنبياء أتباعهم كثر جداً، أمة كاملة، وهناك أنبياء معهم رهط وعشرة وثلاثة وخمسة واثنان وواحد، ومن الأنبياء من لم يتبعهم أحد، قال: ) (فنظرت فإذا سواد كثير)، وفي رواية: (إذ رفع لي سواد عظيم)، أي: بينما أنا كذلك إذ رفع لي سواد عظيم، والسواد ضد البياض، والسواد يطلق على الشخص إذا رؤي من بعيد، وقد يكون واحداً وقد يكون جماعة فيكون بلفظ الجنس، فالنبي عليه الصلاة والسلام رأى أنبياء يمرون، النبي معه واحد واثنان وثلاثة ورهط وجماعة، ورأى نبياً معه أمة وعدد كثير، سواد كثير قد ملأ الأفق، والأفق: ناحية وجهة من السماء، فظنهم النبي صلى الله عليه وسلم أمته، قال: (فقلت: يا جبريل! هؤلاء أمتي، قال: لا)، وفي رواية: (فرجوت أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى في قومه)، وعند أحمد : (حتى مر علي موسى في كوكبة من بني إسرائيل، فأعجبني فقلت: من هؤلاء؟ قال: هذا أخوك موسى معه بنو إسرائيل)، والكوكبة: الجماعة من الناس إذا انضم بعضهم إلى بعض.
فعرف النبي عليه الصلاة والسلام أن هؤلاء ليسوا أصحابه ولا أتباعه (... ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير. وفي رواية: عظيم) وفي رواية: (فقيل لي: انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فرأى مثله، فإذا سواد قد ملأ الأفق، فقيل: انظر هاهنا وهاهنا في آفاق السماء، فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال)، وفي لفظ عند أحمد : (فرأيت أمتي قد ملئوا السهل والجبل، فأعجبني كثرتهم وهيئتهم، فقيل: أرضيت يا محمد؟ قلت: نعم أي ربي).
لماذا لم يعرفهم وهو قد عرفهم في مرة أخرى بآثار مثل: الغرة والتحجيل؟ قيل: إنه رآهم من بعيد، والرؤية من بعيد ليس بالضرورة أن يرى فيها الشخص ملامح تفصيلية لوجوه المرئيين.
وبدأت الاستنتاجات في هؤلاء السبعين الألف (فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) والمقصود الصحبة المطلقة، وربما يكون المقصود الصحبة في الهجرة، ولكن إذا قلنا: إنهم كل الصحابة، فالصحابة أكثر من سبعين ألفاً، وقد قدر عدد الصحابة الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فقط بمائة وأربعة وعشرين ألف صحابي، والذين صحبوه في الهجرة أقل من سبعين ألفاً، وقد يحمل على صحبة معينة، مثلاً: من صحبه قبل الحديبية؛ لأنه قال لـخالد بن الوليد : (لا تسبوا أصحابي) وكل الذين قبل الهجرة من المهاجرين لا يبلغون سبعين ألفاً، فالمحتمل أنهم من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى فتح مكة ؛ لأن بعد فتح مكة دخل الناس في دين الله أفواجاً، وهذه مسألة تحتاج إلى نظر وتفتيش. (فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً) قالوا: نحن أشركنا ثم أسلمنا، فيحتمل أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب هم الذين لم يشركوا أبداً، هؤلاء أناس ولدوا في الإسلام، وهم أبناء الصحابة، وذكروا أشياء، وخاض الناس في الاحتمالات، حتى طلع عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه، قالوا: من السبعون ألفاً؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، إذاً: عرفنا أنه ليس المقصود أناساً في زمن معين، لكنهم أناس عندهم صفات معينة وقد يوجدون في أي جيل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل)، والنفع مطلوب، ومن جملة النفع أن يرقيه، فكيف يحث على أن ينفع الإنسان أخاه بالرقية ثم يقول له: أنت لست من السبعين ألفاً! إذاً: يرقون مستبعدة، والصواب :لا يسترقون.
أما الرقية: فهي من جنس الدعاء، ومن رقى غيره فقد أحسن إليه، لكن يسترقون فيها نقص في المسترقي الذي يطلب الرقية، وقلنا: يسترقون، الألف والسين والتاء تفيد الطلب، مثل: استغفر: طلب المغفرة، استجار: طلب الجوار، استرقى: طلب الرقية، فـ( لا يسترقون )، أي: لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم.
ثانياً: لعزة نفوسهم عن التذلل لغير الله، لا يريدون أن يذلوا أنفسهم لغير الله ويلجئوا إلى بشر، لا يريدون أن يذلوا أنفسهم عند بشر، ويقفوا طوابير عند هؤلاء الشيوخ في العيادات والمساجد، لا يريدون أن يقفوا طوابير في الرقية ولا يأتي ويتوسل إليه ويطلبون منه الرقية، فلا يريدون إذلال النفس.
ثالثاً: لا يريدون أن يفتحوا على أنفسهم أي باب تعلق بغير الله؛ لأنك تجد في الواقع عدداً من الذين يذهبون لبعض القراء والراقين يتعلقون بهم، ويظن أن الشيخ هذا أو الراقي ينفع بنفسه أو بذاته أو بكلامه، مع أن النفع من الله وهذا سبب، فلا يريدون أن يكون عندهم أي تعلق بغير الله، فيستغنون عن كل الراقين وكل القراء، ولا يطلبون من أحد رقية، ( لا يسترقون )، أي: لا يطلبون من أحد الرقية ألبتة.
وهناك فرق بين من سأل وطلب، وبين من رقى غيره.
وبعضهم حاول أن يحمل اللفظة التي في مسلم على أشياء، قال: لا تكون رقى شركية، لكن هذا الحمل فاسد؛ لأننا إذا قلنا بهذا فما هي الميزة فيها؟ لأن كل المؤمنين أصلاً يجب ألا يأخذوا الرقية الشركية، فلو قلنا: لا يرقون رقية شركية؛ فلن يكون هناك ميزة للسبعين ألفاً.
إذاً: الراجح قوله: ( لا يسترقون ) والإنسان الذي لا يسترقي تام التوكل، ويلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُحِر ما طلب من أحد من البشر رقية، وإنما نزل جبريل فرقاه بأمر من الله تعالى: (بسم الله أرقيك من كل أذى يؤذيك)، ونفهم من هذا -أيضاً- أن الرقية في حد ذاتها ليست ممنوعة، وليس ممنوعاً أن الشخص يرقي ولا يسترقي، لا بأس أن يسترقي إذا كانت عقيدته صحيحة، وأن الرقية إذا كانت مشروعة فلا شيء فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعرضوا علي رقاكم، ولا بأس بالرقى ما لم يكن شركاً)، فإذا كان هناك شيء عن الرقية فهو لأجل الشرك، ولا بأس بها ما لم يكن شركاً.
إذاً: طلب الرقية فيه نزول عن مرتبة الكمال في التوكل، وهؤلاء السبعون ألفاً في المنزلة العالية ولا يناسب أن يكون من صفاتهم أنهم يطلبون رقى من الناس، ولو كانت مباحة.
وقيل في هؤلاء أيضاً: إنهم مقصودون بقوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:10-11]، لكن قد وردت أحاديث تفيد أن هؤلاء السبعين ألفاً يدخلون بعد غيرهم، منها: حديث رواه الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان من حديث دفاع الجهني ، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث وفيه: (وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً من غير حساب، وإني لأرجو ألا يدخلوها حتى تبوءوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة) إذاً: لا يلزم أن يكون هؤلاء السبعون ألفاً أفضل من غيرهم، يمكن أن يكون هناك غيرهم أفضل منهم، لكنهم يدخلون الجنة من غير حساب ولا عقاب، وقد يكون فيمن يحاسب أفضل من هؤلاء السبعين ألفاً من جهة الدرجة في الجنة، لكن هؤلاء لا يحاسبون.
وما هو حكم الكي؟
قد جاءت الأحاديث بجوازه، كما روى جابر بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيباً، فقطع له عرقاً وكواه. وفي صحيح البخاري عن أنس أنه كوى من ذات الجنب والنبي صلى الله عليه وسلم حي، وجاء عند الترمذي من حديث أنس : (أنه صلى الله عليه وسلم كوى
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فقد تضامنت أحاديث الكي أربعة أنواع: أحدها: فعله.
والثاني: عدم محبته له.
والثالث: الثناء على من تركه.
والرابع: النهي عنه.
فلو راجعنا أحاديث الكي فسنجد أنه فعله أو أقر على فعله، وهناك أحاديث أنه لا يحب الكي، وهناك أحاديث أنه أثنى على من ترك الكي، مثل حديثنا هذا، وهناك أحاديث فيها نهي عن الكي.
يقول ابن القيم رحمه الله: ولا تعارض بينها بحمد الله، فإن فعله له يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على منعه؛ لأنه قد لا يحب شيئاً وهو ليس بممنوع، فإنه لم يكن يحب لحم الضب، لكن هل هو ممنوع أو محرم؟ الجواب: لا، وأما الثناء على تاركي الكي فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهية، أي: إذا كان عندك اختيار فلا تستعمل إلا إذا اضطررت، وقد يحمل النهي على الكراهية لا على التحريم، ويلاحظ هنا أنه قال: ( وكية نار ) فالكي البارد الذي يستعملونه في المستشفيات لا يعتبر كياً بالنار الذي يسبب تشويهاً للجلد، فهذا الكي الذي فيه تشويه للجسم مكروه وتعافه النفوس السليمة، ولا تريد هذا الأثر، لكن إذا لم يجد الإنسان دواءً إلا هو فآخر الدواء الكي.
لكن التطير استخدم بمعنى أعم من قضية إطلاق الطير والنظر هل يذهب يميناً أو شمالاً، فكانت العرب تتشاءم من أشياء مرئية وأشياء مسموعة، أو أزمنة معينة أو أمكنة معينة، فربما تشاءموا بصوت البوم والغراب من المسموعات، أو تشاءموا برؤية الأعور من المرئيات أو المجذوم ونحو ذلك؛ كأن يذهب أحدهم ليفتح دكانه في الصباح، فيجد في طريقه شخصاً أعور، فيقول: هذه أولها، فيعود ولا يفتح المحل، والتشاؤم كذلك بالأمكنة، كما يكون التشاؤم بالأزمنة، والتشاؤم بالأزمنة مشهور، فقد كانوا يتشاءمون في شهر شوال في النكاح خاصة، ويقولون: الذي يتزوج في شوال شر، ولذلك ورد عن الصحابة مخالفتهم، وكانت عائشة لا تدخل نساءها إلا في شوال، كانت إذا جهزت امرأة للزواج تجعل الدخلة والعرس في شوال نكاية في اعتقاد أهل الجاهلية، وقالت عائشة رضي الله عنها: [عقد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، فأيكن كانت أحظى عنده؟] لو كان شوال شراً ما كنت أنا بهذه المنزلة، ولا كان الزواج المبارك هذا.
ومنهم من كان يتشاءم بيوم الأربعاء، وقد جاء حديث موضوع: (آخر أربعاء من كل شهر يوم نحس مستمر)، وهذا هو المنحوس الذي وضع هذا الحديث.
وهناك من كان يتشاءم بشهر صفر، وبعض الناس الآن يتشاءمون بالرقم (13) وهذا من التشاؤم الموجود عند الغربيين، على تقدمهم والتكنولوجيا التي عندهم والتطور والمخترعات تجد بعض شركات الطيران العالمية أرقام المصاعد عندها: أحد عشر، اثنا عشر، أربعة عشر، ما فيها ثلاثة عشر، مصاعد في ناطحات السحاب أحد عشر اثنا عشر أربعة عشر، والطابق الرابع عشر هو الطابق الثالث عشر، ليس هناك طابق في الهواء غير موجود ومحذوف، الطابق الرابع عشر هو الثالث عشر، ولكنهم قوم لا يفقهون! مع أنهم يعتبرون أنفسهم متقدمين، لكنهم تراهم يتشاءمون من شيء يدل على سخافة عقولهم.
وقضية التشاؤم قضية طويلة، سبق أن تعرضنا لها في درس بعنوان: التفاؤل، في سلسلة الأخلاق الإسلامية، ذكرنا طرفاً من هذا الموضوع.
إذاً: التوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب، بل لا بد من الأخذ بالأسباب، وكيف لا يأخذ الإنسان بالأسباب وقد جاء في الحديث الصحيح: (أفضل ما أكل الرجل من كسبه)، وكان داود يأكل من كسبه وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ [الأنبياء:80]، والله عز وجل يقول: وَخُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:102]، ماذا يعني خذوا حذركم؟ يعني الانتباه والحراسة، وقسم الجيش نصفين: نصف يصلي، ونصف يراقب، هذه كلها أخذ بالأسباب، إذاً: التوكل على الله لا يعني أبداً ترك الأسباب، لكن التوكل على الأسباب هو المصيبة، والآن أكثر الناس يتوكلون على الأسباب؛ قلبه معتمد على الطبيب، وعلى الدواء، وعلى التخطيط للمشروع، والاعتماد على الله غائب، وهكذا لا يمكن أن يحدث تكسب إلا بتحسين السلعة ونقلها وبيعها وعرضها، ولا يمكن للإنسان أن ينفق على عياله إلا بالتكسب والسعي والأخذ بالأسباب، وهؤلاء الذين لا يسترقون ولا يكتوون ليس معناه أنهم لا يتداوون، ولا أنهم لا يعملون شيئاً من الأسباب المشروعة، بل إنهم يتخذون الأسباب المشروعة.
وقال بعض العلماء المعاصرين: الصحيح أن التداوي أنواع: الأول: ما غلب على الظن نفعه مع احتمال الهلاك في عدمه فهو واجب، أي أنه يغلب على الظن أن هذا الدواء نافع، ويمكن أن يهلك لو لم يأخذه، فيجب أن يأخذه.
الثاني: ما غلب على الظن نفعه، لكن ليس هناك هلاك محقق لتركه، فهذا أخذه أفضل، وما تساوى فيه الأمران فتركه أفضل، ولكن استعمال الدواء المباح مباح بالجملة.
أولاً: بالإضافة إلى صفاتهم قال: (تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر) (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر، والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء إضاءة) وقال في رواية: (فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون) البشارة أن هؤلاء السبعين ألفاً ليسوا فقط سبعين ألفاً، بل إن معهم آخرين.
وقد جاء في حديث أبي هريرة وسنده جيد عند أحمد والبيهقي : (فاستزدت -أي: استزدت ربي- فزادني مع كل ألف سبعين ألفاً) كل ألف من السبعين ألفاً معهم سبعون ألفاً زيادة، وفي رواية: (مع كل واحد من السبعين ألفاً سبعون ألفاً)، لكن هذه الرواية ضعيفة، لكن الرواية الصحيحة أن الله تعالى زاد النبي صلى الله عليه وسلم مع كل ألف من السبعين ألفاً -الذين لا يحاسبون من أمته- مع كل ألف منهم سبعون ألفاً، وفي رواية: (وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً مع كل ألف سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي) والله أعلم كم قدر الحثية.
وفي صحيح ابن حبان بسند جيد عن عتبة بن عبد الله : (ثم يشفع كل ألف في سبعين ألفاً، ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه)، فكبر عمر رضي الله تعالى عنه، فهؤلاء السبعون ألفاً مع كل ألف سبعون ألفاً كم سيكون المجموع؟ أربعة ملايين وتسعمائة ألف غير الحثيات، هؤلاء من أمة النبي صلى الله عليه وسلم، تطلق باعتبارات، إحداها: أمة الاتباع، ثم أمة الإجابة، ثم أمة الدعوة، فالأولى: أهل العلم والصلاح، والثانية: عموم المسلمين، والثالثة: من عداهم ممن بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولما حصلت هذه البشارات قام عكاشة ، وهو من عكش الشعر إذا التوى، فإذا التوى الشعر يقال في اللغة: عكش، ويقال: عكش القوم إذا حمل عليهم في الحرب، والعكَاشة بالتخفيف: اسم للعنكبوت، وأيضاً اسم لبيت النمل، ويصح في اسم هذا الصحابي الوجهان: عكَّاشة وعكَاشة كلاهما صحيح، ابن مِحصَن ، بكسر الميم وفتح الصاد، ابن حرثان ، من بني أسد من خزيمة، رضي الله عنه، كان من السابقين إلى الإسلام، وكان من أجمل الرجال، هاجر وشهد بدراً وقاتل فيها، وقيل: إنه قاتل حتى انقطع سيفه في يده، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فصار في يده سيفاً كرامةً، ذكره ابن إسحاق بدون سند، وقد استشهد رضي الله عنه في قتال الردة مع خالد بن الوليد سنة اثنتي عشرة للهجرة.
لما سمع عكاشة بهذا قال: (يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت منهم. وفي رواية: اللهم اجعله منهم) فقوله: (أنت منهم)، خبر بمعنى الدعاء، أو يقال: إنه سأل الدعاء ثم أجيب فأخبر بالجواب، (ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن أكون منهم. فقال صلى الله عليه وسلم: سبقك بها
الأول: أن هذا الرجل كان منافقاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن يدعو له لأنه منافق، ولم يرد أن يجيبه بما يكره فقال: (سبقك بها
والحديث فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حين رأى بعض الأنبياء ما معه إلا الرجل والرجلان، وبعضهم ليس معه أحد، فيعلم عند ذلك فضل الله عليه وشرفه عند الله ومكانته؛ بأن جعل أتباعه أكثر الأمم، وأكثر من أتباع أي نبي آخر، وعرفنا أن كل أمة تحشر مع نبيها.
ويؤخذ منه فائدة دعوية مهمة جداً وهي: أن عدد الأتباع ليس دليلاً على نجاح الداعية، فربما يقوم الإنسان بالدعوة ويجتهد ويدعو ويبذل ولا يستجيب له أحد، فلا يكون عدم اتباع الناس له دليلاً على أنه مخطئ أو ضال أو مذنب، بل قد يكون ابتلاء من الله، فهناك أكثر من نبي ومع ذلك ما تبعه أحد، وما استجاب له أحد، يعرف الدعوة ويفقهها، ويعرف أساليبها والطرق الناجحة فيها، ويبذل أسباب النجاح؛ ومع ذلك ما كتب له أن يتبعه أحد .. إذاً: الداعية إلى الله إذا كان صادقاً مع الله، متخذاً الأسباب، فقيهاً بأمور الدعوة، يتخذ الأساليب الناجحة، وما وفق في أشخاص يهتدون على يديه، فلا تذهب نفسه حسرات، ولا يحزن ولا ييئس، فهؤلاء أنبياء وما مشى معهم أحد، فما بالك بمن هو أقل منهم؟!
وفائدة أخرى مهمة جداً: وهي أن كثرة الأشخاص لا تدل على أن هذا حق، ليست الكثرة معياراً للحق أبداً، فلا يغتر الشخص بالكثرة وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] ومنه نعلم فساد المذهب الديمقراطي الذي يقوم على رأي الأغلبية؛ لأنهم يأخذون آراء السفهاء والشذاذ والهمل في الشوارع، يأخذون آراءهم بالعدد استفتاء، ثم يقولون: الأغلبية كذا، مع أن الأكثرية هؤلاء همل، ولذلك انتخاب الخليفة عند المسلمين يكون من أهل الحل والعقد، وليس من عموم الرعاع من الناس.
كذلك هؤلاء الغربيون يتباهون بأن عندهم الحرية ومبدأ الأكثرية، فيصوتون على أي شيء، وكثير من الناس سفهاء لا عقل لهم، أتباع الشهوات والأهواء، لو قيل لهم: أتريدون أن يكون الزنا مسموحاً به؟ لربما قال أكثر الناس: نعم، ولو قيل: أتريدون السماح بالخمر؟ لربما قال أكثر الناس: نعم، إذاً: مبدأ الأكثرية الذي تعتمد عليه الأنظمة الجاهلية هو جاهلي، وليس من الدين، لكن بالنسبة للعلماء فإنه إذا أراد الإنسان أن يطمئن إلى قول فعليه بالجمهور، وليس بالضرورة أيضاً أن يكون الحق مع جمهور العلماء، فقد يكون الحق مع غير الجمهور، حتى في قضية المسلمين المؤمنين العلماء ربما لا يكون الحق مع الجمهور، بل يكون مع من هو أقل؛ لأن الدليل معهم، فإذاً: لا يصح أن يغتر الإنسان بالكثرة حتى ولو كانوا على الحق، قال تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ [التوبة:25]، مع أن الطرف المقابل كفار، فالإنسان لا يغتر بالكثرة ولا يغتر مع الكثرة، وإذا رأيت كثرة الهالكين فلا تغتر وتقول: هؤلاء على الحق لأنهم أكثرية، وإذا رأيت كثرة أهل الحق فلا تعجب بهم، فإنه يحصل الإعجاب فيكون سبب الهزيمة والفشل، فهذه قضية الأكثرية والأقلية قضية مهمة جداً ينبغي أن تعرض على الشريعة.
وفي الحديث علم من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعجزة من معجزاته، وبرهان على نبوته عليه الصلاة والسلام، وأنه يوحى إليه، وذلك أنه أخبر أن عكاشة منهم، وعكاشة ما ارتد ولا غير ولا بدل، واستمر ومات شهيداً رضي الله عنه، فبقي محبوساً من الكفر حتى مات على الإسلام، فإذا أراد الإنسان أن يخبر عن أمثلة من المبشرين بالجنة من غير العشرة فإنه يقول: عبد الله بن سلام ، وعكاشة بن محصن رضي الله عنهما.
كذلك في الحديث استعمال المعاريض، في قوله: (سبقك بها
وهذا الحديث رواه البخاري وغيره، وهو مشروح في فتح الباري ، في كتاب التوحيد. والله تعالى أعلم.
جواب: نعم يجوز؛ لأن أبا سعيد رضي الله عنه قد رقى كافراً.
الجواب: نعم من غير أن تمسه.
الجواب: لا تجزئ إذا ذبح العقيقة جد الولد أو جدة الولد.
لجواب: ورد في معناه أحاديث صحيحة كحديث معاوية رضي الله عنه: (الزمها فإن الجنة تحت قدمها) أو (الجنة تحت أقدام الوالد)، ثبت هذا الحديث.
الجواب: لا، وذكر بعض أهل العلم المعاصرين أنه إذا كان الذي يكوي موظفاً بأجرة مثل الذي في المستشفى، فإن ذهابك إليه لا يعتبر أنك خرجت من هذا الحديث؛ لأن هذا موظف يأخذ أجرة على عمله، فإذا ذهبت إليه هو لا يتفضل عليك وليس له منة عليك، هو موظف يأخذ راتباً، لكن الذي له منة عليك هو الذي تلجأ إليه لجوءاً، وهناك فرق بين الطبيب والراقي، فقوله: (لا يسترقون) لا يعني هذا ألا نذهب إلى الطبيب ونطلب منه العلاج؛ لأن فيها نقصاً للتوكل فذهابك إلى الطبيب الذي يأخذ أجرة ليس فيه منة من الطبيب؛ لأنه يأخذ أجرة.
وكذلك الذي يكوي لا يعتبر الذهاب إليه مناقضاً للتوكل إذا كان موظفاً له راتب، وليس له منة عليك، هذا عمله ولابد أن يؤديه، ثم إنك لم ترضَ على ما تذكر.
الجواب: لا؛ لأنه لم يطلب الرقية، فلو جاء أحد وأنت مريض، وقال: أريد أن أرقيك، فلا حرج ولا مانع ولا تخرج من السبعين ألفاً.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر