وبهذه المناسبة أيها الإخوة، نتعرض اليوم إن شاء الله لبعض أحكام وآداب العيدين، وذلك لأن المسلم مطالبٌ بأن يعرف أحكام دينه، وكلما حدثت مناسبة أن يعرف أحكامها الشرعية.
فأما بالنسبة لأحكام العيدين وآدابهما؛ فإن صلاة العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد كان المشركون يتخذون أعياداً زمانية ومكانية فأبطلها الإسلام وعوض عنها عيد الفطر وعيد الأضحى شكراً لله تعالى على أداء هاتين العبادتين العظيمتين، صوم رمضان وحج بيت الله الحرام.
فإذاً يأتي موسم الفرح هذا بعد انتهاء عبادة عظيمة وهي الصيام، وتأتي فرحة عيد الأضحى بعد الانتهاء من العبادة العظيمة أو في نهاية حج بيت الله الحرام.
فقال بعضهم: إنها واجبة، يأثم من لم يحضر صلاة العيد؛ لأنه إذا كانت النساء اللاتي يطلب منهن القرار في البيوت قد أمرن بالخروج فالرجال من باب أولى، وأن هذا فيه دليلٌ على وجوب الخروج وأنه فرض عينٍ لنص الآية عليه، وللأمر به في الكتاب والسنة، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنها فرضٌ على الكفاية، إذا قام بها البعض سقط عن الباقين، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى بأنها فرض كفاية.
وذهب بعضهم وهم المالكية والشافعية إلى أنها سنة مؤكدة لقوله في حديث الأعرابي: (هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع) ورد القائلون بالوجوب: إن حديث الأعرابي على صلوات تتكرر في اليوم والليلة ماذا يجب منها؟ قال: خمس صلوات أما وجوب صلاة أخرى لسبب يعرض مثل صلاة العيد، فإنه لم يكن متطرقاً إليه في حديث الأعرابي، وبما أننا أمرنا به وأمرت النساء بالخروج فإنه يكون واجباً، وقالت حفصة بنت سيرين : كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد فجاءت امرأة فنزلت قصر بني خلف فأتيتها، فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة فكانت أختها معه في ست غزوات فقالت: فكنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى، فقالت: يا رسول الله أعلى إحدانا بأسٌ إذا لم يكن لها جلبابٌ ألا تخرج فقال: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها، فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين) يعني لو لم يكن عندها جلباب تأخذ جلباب صاحبتها، قالت حفصة : فلما أتيت أم عطية فسألتها: أسمعت في كذا وكذا، قالت: نعم بأبي -وقلما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبي- وقال: (ليخرج العواتق) والعواتق جمع عاتق وهي البكر البالغة أو المقاربة للبلوغ، أو قال: (العواتق ذوات الخدور والحيَّض) وتعتزل الحيَّض المصلى وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، قالت: فقلت لها: الحيَّض؟ قالت: نعم أليس الحائض تشهد عرفاتٍ وتشهد كذا وتشهد وكذا، رواه البخاري رحمه الله.
إذاً الخروج لصلاة العيد مؤكد، والنساء مأمورات به يخرجن على الوجه الشرعي، وخروج المرأة على الوجه الشرعي يعني ألا تكون متطيبة ولا لابسة لثياب زينةٍ أو شهرة لقوله عليه الصلاة والسلام: (وليخرجن تفلات -يعني غير متزينات- ويعتزلن الرجال، ويعتزل الحَّيض المصلى).
كان المصلى خارج البلد فلما توسع البنيان صار المصلى داخل البلد، فلو كان من الممكن الصلاة في صحراء تسع الجميع لكان هو السنة، لكن أصبح الآن المصلى محاطاً وأصبح لا يكفي للناس، ولذلك أصبح لفتح المساجد الكبيرة لصلاة العيد حاجة خصوصاً في عيد الفطر، ولذلك فإن صلاتها في المساجد لا بأس بها، ولو تعددت إذا لم يكفهم مسجدٌ واحد أو مُصلى واحد جاز لهم أن يعددوا المساجد لصلاة العيد.
فلو كانت تؤدى صلاة العيد بعد الزوال لما أخرها صلى الله عليه وسلم إلى الغد، فلما جاء الخبر بعد الزوال وأخرها إلى الغد علمنا أن آخر وقت لها هو الزوال؛ ولأن صلاة العيد شرع لها الاجتماع العام، فلا بد أن يسبقها وقتٌ يتمكن الناس من التهيؤ لها، ولذلك لا بد من نشر الخبر قبل الصلاة بوقتٍ كافٍ حتى يتمكن الناس من الإتيان لصلاة العيد.
ويسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر ليتسع الوقت للناس لإخراج زكاة الفطر إذا أخر صلاة العيد، وتعجيل الأضحى لأجل أن يتمكن الناس من ذبح الأضاحي، أو أن يسرع الناس إلى ذبح الأضاحي، هذا بالنسبة للسنة، والآن الناس في عجلة من أمرهم، ويقولون: نريد أن نصلي العيد بسرعة ونذهب للسلام على الأقارب والجيران ونحو ذلك، وتقريباً كلهم يتعجلون في إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيومٍ أو يومين حتى صارت السنة في إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد شبه مهجورة، وصاروا يقولون نحن أخرجناها قبل صلاة العيد، قبل العيد بيومٍ أو يومين فلا حاجة لتأخيرنا، صلوا بنا بسرعة حتى نذهب ونسلم على أهالينا والناس، فلا حرج أن يصلي الإمام صلاة عيد الفطر في أول الوقت لمصلحة الناس، فنحن إن شاء الله سنصلي صلاة العيد غداً بإذن الله بعد ارتفاع الشمس مباشرة، فإذا كان الإشراق الساعة السادسة وخمس دقائق فبعدها بربع أو ثلث ساعة نصلي مباشرة، بإذن الله تعالى.
إذاً السنة أن يأكل ثلاث تمرات فأكثر، خمساً أو سبعاً أو أكثر ويقطع على وتر، يعني: تسع أو إحدى عشرة فالسنة أن يفطر على تمراتٍ وتراً، وقال شيخ الإسلام رحمه الله في استدلالٍ بالغ ولطيف قال: لما قدم الصلاة على النحر في قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] وقدم التزكي على الصلاة قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15] كانت السنة أن الصدقة قبل الصلاة في عيد الفطر والذبح بعد الصلاة في عيد الأضحى.
والتبكير لصلاة العيد سنة، وتحصل فضيلة لصاحبه في انتظار الصلاة فيكثر ثوابه، ويُسن أن يتجمل المسلم لصلاة العيد، ويلبس أحسن ثيابه، لحديث جابر : (كانت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة) رواه ابن خزيمة في صحيحه، وعن ابن عمر رضي الله عنه: (أنه كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه) رواه البيهقي بإسنادٍ جيد.
و عمر رضي الله عنه ابتاع أو جاء للنبي عليه الصلاة والسلام بحلة من إستبرق أو من حرير، وأخبره أنه أتاه بها ليلبسها للعيد، وليتجمل بها للوفود، فأخبره النبي عليه الصلاة والسلام: (أن هذا لباس من لا خلاق له) لأنها حرير ولا يجوز للرجال لبس الحرير، لكن لم ينكر عليه أن يأتي بثوبٍ جديدٍ جميلٍ لأجل العيد.
فالسنة إذاً أن يأتي بأحسن ثيابه لصلاة العيد.
ولا يشرع لصلاة العيد أذانٌ ولا إقامة، لما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: [صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذانٍ ولا إقامة] ولذلك أنكر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على بعض الخلفاء أو بعض الملوك لما قدموا الخطبة على الصلاة، قالوا: إن الناس لا يجلسون إلينا فنجعلها قبل الصلاة لإلزام الناس بالاستماع، فكانت بدعة من البدع أنكرها الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
وبالنسبة للركعة الأولى فإن الإمام يكبر فيها تكبيرة الإحرام والاستفتاح، وقبل التعوذ والقراءة يكبر ست تكبيرات، فتكبيرة الإحرام ركنٌ لا بد منها، لا تنعقد الصلاة بدونها وغيرها من التكبيرات سنة في الركعة الأولى، ثم يستفتح بعدها، لأن الاستفتاح في أول الصلاة، ثم يأتي بالتكبيرات الزوائد الست ثم يتعوذ عقب التكبيرة السادسة، لأن التعوذ للقراءة فيكون عندها ثم يقرأ.
فإذاً يقول: الله أكبر، ثم يذكر دعاء الاستفتاح: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك... إلى آخر الأدعية) ينتقي من الأدعية ثم يكبر ست تكبيرات بعد التكبيرة السادسة يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ... ويقرأ الفاتحة، ويكبر في الركعة الثانية قبل القراءة خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، لما روى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيدٍ اثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى -يعني مع تكبيرة الإحرام- وخمساً في الآخرة -يعني بدون تكبيرة القيام-) وإسناده حسن، ويرفع يديه مع كل تكبيرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير.
الجواب: ورد عن بعض الصحابة أنهم كانوا يقولون بين التكبيرات أشياء، فعن حماد بن سلمة عن إبراهيم : أن الوليد بن عقبة دخل المسجد وابن مسعود وحذيفة وأبو موسى في المسجد، فقال الوليد وهو أمير البلد: إن العيد قد حضر فكيف أصنع؟ فقال ابن مسعود : [يقول: الله أكبر، ويحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو الله، ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم] الحديث رواه الطبراني وصححه الألباني في الإرواء .
فإذاً هناك أشياء تقال بين التكبيرات وهي: حمد الله والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تقال بين تكبيرات صلاة العيد الستة في الأولى والخمسة في الثانية.
ويرفع يديه مع كل تكبيرة اقتداءً بالسنة، وأشار ابن القيم رحمه الله بأنه يسكت سكتة يسيرة بين التكبيرتين لأنه لم يثبت عنده شيء، ولكن هذا الذي ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه ينبغي الأخذ به، وإن شك الإمام في عدد التكبيرات بنى على اليقين وهو الأقل، وإن نسى التكبير الزائد حتى شرع في القراءة -يعني الإمام أخطأ وكبر الإحرام وبدلاً من أن يكبر ست تكبيرات شرع في الفاتحة، ما العمل؟ يسقط التكبير، لأنه سنة وقد شرع في الركن الآن، سقط التكبير لا يعود إليه وهو سنة، لو نسيها فصلاته صحيحة، هذه التكبيرات سنة، وإذا شرع في القراءة تكون هذه السنة قد فات محلها، وكذلك إذا أدرك المأموم الإمام بعدما شرع في القراءة لم يأت بالتكبيرات الزوائد، وعليه أن ينصت للإمام، ولا يأتي بالتكبيرات الزوائد، وكذلك إذا أدركه راكعاً فإنه يكبر تكبيرة الإحرام ثم يركع، ولا يشتغل بقضاء التكبير.
ويحثهم في خطبة عيد الفطر على تقوى الله تعالى ويذكرهم بصدقة الفطر وأحكامها.
ويرغبهم في خطبة عيد الأضحى في ذبح الأضحية ويبين لهم أحكامها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في خطبة الأضحى كثيراً من أحكامها.
وينبغي على الخطباء أن يركزوا في خطبهم على المناسبات وما يحتاج إليه الناس من البيان في كل وقتٍ بحسبه وخصوصاً الوعظ والتذكير، لا سيما في المجامع العظيمة، ويذكر الغافل ويعلم الجاهل، وينصح العاصي، ويُؤتى بما يفيد المستمعين، وليس هناك شيءٌ قبل صلاة الأضحى أبداً ولا الفطر، ليس هناك شيءٌ قبل الصلاة مطلقاً، وذلك لحديث أبي سعيد قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيءٍ يبدأ به الصلاة) إذاً ليس هناك سنة قبل صلاة العيد، فإذا ذهب إلى المصلى جلس ينتظر، وإذا ذهب إلى المسجد يصلي تحية المسجد فقط، تحية المسجد لأجل المسجد.
الجواب: إذا جاء والإمام يخطب جلس لاستماع الخطبة، فإذا انتهت صلاها قضاءً بعد ذلك، ولا بأس بقضائها منفرداً أو في جماعة.
فبعض الناس من جهلهم يصلون جماعة والإمام يخطب، الإمام يخطب وهم يكبرون، هذا من جهلهم، ينبغي عليهم إذا جاءوا وقد بدأ الإمام بالخطبة أن يجلسوا لاستماع الخطبة، فإذا انتهى الإمام قاموا فصلوا جماعة أو فرادى.
اليوم لما غربت الشمس اكتملت العدة، أليس كذلك؟ إذاً نكبر بعدها لأنه قال في الآية: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] ويجهر به في الأسواق والمساجد والبيوت وفي كل موضعٍ يجوز فيه ذكر الله تعالى، ويجهر به بالذات في الخروج إلى المصلى، لما أخرجه الدارقطني وغيره عن ابن عمر أنه كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ثم يكبر حتى يأتي الإمام، فإذاً ينبغي الحرص على التكبير.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى، وكان صلى الله عليه وسلم يخرج في العيدين رافعاً صوته بالتهليل والتكبير وهذا من الأحاديث الصحيحة، وقد جمع الفريابي رحمه الله كتاباً في أحكام العيدين ذكر فيه كثيراً من الأحاديث المتعلقة بالعيدين ومنها التكبير، وعن وليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين قالا: نعم كان عبد الله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام، وصح عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال: كانوا في الفطر أشد -يعني التكبير في الفطر أشد من التكبير في الأضحى، يعني في القوة والملازمة والحرص عليه- كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى، يعني التكبير، هذا صحيحٌ إلى أبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى، وذكرنا كذلك رواية الدارقطني عن ابن عمر أنه كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام، وصححه الألباني في إرواء الغليل .
وروى ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح عن الزهري قال: كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام سكتوا فإذا كبر كبروا، أي: فإذا كبر وبدأ بالصلاة كبروا معه وصلوا، فإذاً متى ينتهي التكبير؟ عند خروج الإمام لصلاة العيد، إذا خرج الإمام انقطع التكبير، بالنسبة لعيد الفطر ينقطع التكبير بخروج الإمام.
إذاً السنة أن يخرج ماشياً لا يركب، يأتي المصلى ماشياً وهو الأكثر أجراً وهو الأفضل ولا شك، لكن إن شق عليه المشي لبعد المصلى فإنه يمكن أن يوقف سيارته مثلاً في أقرب مكان يمكن أن يمشي منه إلى المصلى ويمشي، ليحافظ على سنة المشي، وإن قال إنسان ما فائدة مخالفة الطريق؟ فالجواب: إن مخالفة الطريق في العيد لها عدة فوائد، وقد ذكر العلماء عدة حكم في مسألة مخالفة الطريق منها: ليسلم على أهل الطريقين، ومنها لينال بركة المشي فيهما يشهدان له عند الله يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4] فالأرض تحدث بما عُمل عليها من خير أو شر، ومنها ليظهر شعائر الإسلام في كل الفجاج والطرق في هذا وفي هذا، فيكون البلد من جميع طرقه فيه ذكر، ومنها للتفاؤل بتغير الحال إلى المغفرة والرضى، يعني من الغضب والسخط إلى المغفرة والرضى، وقيل من الحكم في ذلك: إغاظة المنافقين واليهود وليرهبهم بكثرة من معه، وقيل: ليقضي حوائج الناس من الاستفتاء والتعليم والاقتداء أو الصدقة على المحاويج، ومنها: أن يزور أقرباءه وأصحابه، لأنه قد يوجد بعضهم في هذا الطريق وبعضهم في الطريق الآخر، فهذا بالنسبة للسبب، ولا مانع من أن يكون السبب كل هذه الأشياء مجتمعة لمن يستطيعها.
وكذلك فإنه لا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضاً بأن يقول لغيره: تقبل الله منا ومنك، وقد أخبر ابن حجر رحمه الله أن ذلك قد جاء بإسنادٍ حسن عن جبير بن نفيل قال: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك] وقال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه ورخص فيه الأئمة كـأحمد وغيره، والمقصود من التهنئة: التودد وإظهار السرور، ولا بأس بالمصافحة في التهنئة.
وإذا قال أي عبارات أخرى طيبة مثلاً: كل عامٍ وأنتم بخير، جعلكم الله من الفائزين ونحو ذلك، أو أعاده الله علينا وعليكم بالخير والمسرات ونحو ذلك فلا بأس، أي عبارة طيبة يقولها لا بأس بذلك.
ولأجل ذلك لا بد من المحافظة على السنة في هذا العيد، ولذلك من السنة أن يلبس الجديد أو الجميل، ويأمر بناته ونساءه أن يخرجن بالتستر الكامل والحشمة الشرعية، والتكبير من خروجه من بيته حتى يأتي المصلى رافعاً صوته بالتهليل والتكبير، وأكل تمراتٍ وتراً قبل أن يخرج، وشدة التكبير في الفطر، وإذا خرج الإمام سكتوا، والقراءة بـ(سبح) و(الغاشية) أو (ق) و(القمر) والخروج ماشياً، والصلاة بغير أذانٍ ولا إقامة، والرجوع ماشياً من طريقٍ آخر، وغير ذلك من السنن التي تقدم ذكرها ينبغي المحافظة عليها.
فإذاً اللهو المباح لا بأس به، والنساء يضربن بالدف في الأعراس لا بأس به، وفي الأعياد لا بأس به، وفي توابع الأعراس لا بأس به، وفي توابع الأعياد لا بأس به، وأما أن يكون هذا لنساء كبيرات بمحضر من الرجال فهو حرام ولو بالدف، بل ولو بدون دف، لأن أصوات النساء الكبيرات فتنة للرجال، يحرك الشهوة ويبعث على الفتنة، يحرك كل كامن، ولذلك فإن تهييج الكامن وتحريك الساكن بالغناء المحرم لا شك أنه مما يسخط الله تعالى، فلا حجة في هذا الحديث أبداً لسماع الرجال لغناء النساء الكبيرات والبالغات بالأصوات الفاتنة، بهذه الكلمات الماجنة بالأدوات الموسيقية المختلفة.
أما اللهو المباح، جوار صغيرات (بنات صغيرات) يغنين بأهازيج وأناشيد مباحة فلا بأس به.
إذاً ينبغي اجتناب الألعاب المحرمة والمؤذية، والحرص على الألعاب المباحة المفيدة، التي فيها تسلية وفيها إدخال للسرور على الأولاد وتمتيع الأولاد ما أمكن بالفرجة المباحة والفسحة المباحة، والاجتماع بين الأولاد وإظهار الزينة المباحة ونحو ذلك هذا مشروع ينبغي عدم خلطه بالممنوع.
هذا ما تيسر ذكره في أحكام صلاة العيد وبعض الآداب المتعلقة بالعيدين، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يجزينا بذلك الجزاء الأوفى، وأن يجعلنا في ختام هذا الشهر من عتقائه من النار.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على النبي الأمي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر