يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد:
فما زال الكلام موصولاً عن الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، جعلنا الله تعالى وإياكم من أهلها، ومع الباب السابع عشر: قال الإمام النووي عليه رحمة الله: (باب: ما يقول عند النوم وأخذ المضجع). أي: ما يقول من أراد أن ينام ويأخذ مضجعه. والمضجع: هو المكان الذي يريد الإنسان أن ينام فيه.
وقوله: (وضوءك للصلاة) يدل على أن المراد الوضوء الاصطلاحي لا الوضوء اللغوي؛ لأن الوضوء اللغوي هو الغسل، فلو أنك غسلت كفيك فقط لصح في اللغة أن يقال: إنك توضأت، ولو أنك غسلت وجهك فقط لصدق في اللغة أن يقال: إنك توضأت.
وأما قوله: (فتوضأ وضوءك للصلاة) يعني: أن تتوضأ الوضوء الاصطلاحي المعروف، الذي تتوضأه لأجل الصلاة، ولا يلزم منه الصلاة، فلا يلزم من إحداث الوضوء إحداث الصلاة؛ لأن الوضوء عبادة مستقلة عن الصلاة، وهو شرط في صحتها.
قال: [ (ثم اضطجع على شقك الأيمن) ]، يعني: نم على جنبك الأيمن. وهذا هو الأدب الثاني.
فأول أدب: أن تكون على وضوء. والأدب الثاني: أن تنام على جنبك الأيمن. قال: [ (ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت. واجعلهن من آخر كلامك، فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة) ]، وفي رواية بزيادة: (وإن أصبحت أصبت خيراً). وفي رواية: (وإن أصبت أصبت خيراً). يعني: إن أصبت في نومك أو في يقظتك فهذه الإصابة خير من عند الله عز وجل.
[ قال -أي البراء بن عازب-: (فرددتهن لأستذكرهن) ]. يعني: أراد أن يحفظ هذه الكلمات، فرددهن أمام النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه -أي: النبي عليه الصلاة والسلام- يخاطب البراء بن عازب ويقول له: إذا أخذت يا براء ! مضجعك فافعل كيت وكيت وكيت، فأراد البراء ألا ينصرف من حضرة النبي عليه الصلاة والسلام إلا بعد أن يحفظ هذه الكلمات، فقال: (فرددتهن لأستذكرهن. فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت) ]. مع أن النبي عليه الصلاة والسلام حفظه أولاً: (وبنبيك الذي أرسلت). فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا). أي: أنا ما قلت هذا. [ (قل آمنت بنبيك الذي أرسلت) ]، لا برسولك الذي أرسلت.
قال: [ وحدثنا محمد بن مثنى حدثنا أبو داود -وهو أبو داود الطيالسي - حدثنا شعبة -وهو ابن الحجاج العتكي البصري- ح وحدثنا ابن بشار -وهو محمد بن بشار المعروف بـبندار - حدثنا عبد الرحمن وأبو داود -و عبد الرحمن هو ابن مهدي ، وأبو داود الطيالسي - قالا -أي كلاهما-: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن البراء بن عازب : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً إذا أخذ مضجعه من الليل) ]، وفي طريق منصور قال: (يا
فهذا الحديث ورد في نوم الليل؛ لقوله: (إذا أخذ مضجعه من الليل)، يعني: في الليل، وأما في نوم النهار فلا، ولقوله في الرواية الأولى: (فإن مت من ليلتك). فهذا يدل على أنه نوم الليل وإن لم يصرح في أول الرواية بأنه نوم الليل.
قال: [ (أن يقول: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبرسولك الذي أرسلت) ]. وهنا قال: (وبرسولك الذي أرسلت). وهذا يدل على تعدد الحوادث؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أنكر على البراء قوله: (وبرسولك الذي أرسلت)؛ لأنه علمه وبنبيك الذي أرسلت، ثم علم النبي عليه الصلاة والسلام غير البراء رواية: (وبرسولك الذي أرسلت).
والمعلوم قطعاً أن كل رسول نبي وليس العكس، فليس كل نبي رسولاً، فالرسالة أعم من النبوة؛ ولذلك أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يوقف البراء على حقيقة لفظه الذي أراد أن يعلمه إياه، فلما أخطأ في ذلك رده وأنكر عليه، والنبي عليه الصلاة والسلام قد شهد له القرآن والسنة أنه رسول نبي.
قال: [ (فإن مات مات على الفطرة) ]. ولم يذكر ابن بشار في حديثه: (من الليل) ].
قال: [ وحدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا أبو الأحوص -وهو سلام بن سليم الحنفي - عن أبي إسحاق -وهو السبيعي - عن البراء بن عازب قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: يا فلان! إذا أويت إلى فراشك) ]. أي: إذا ذهبت إلى فراشك. أي: فراش نومك. [ بمثل حديث عمرو بن مرة ]. وفسرناه بالنوم لأنه مذكور في الرواية الصريحة، والغالب لا يؤخذ به إلا عند الخلاف، فإذا جاءت الرواية توقفنا عندها. [ غير أنه قال: (وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيراً) ]. أي: وإن أصبحت حياً لم تمت فإن الله تعالى يوفقك إلى فعل الخير.
[ وحدثنا ابن المثنى وابن بشار -وهما محمد بن المثنى ومحمد بن بشار - وهما فرسا رهان في السبق والعلم والفضل وغير ذلك من أعمال البر والخير، والرواية كذلك. [ قالا: حدثنا محمد بن جعفر -وهو المعروف بـغندر البصري - حدثنا شعبة عن أبي إسحاق -وهو السبيعي - أنه سمع البراء بن عازب يقول: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً)، بمثله ولم يذكر: (وإن أصبحت أصبت خيراً) ].
قال: (وفي هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة:
إحداها: الوضوء عند إرادة النوم، فإن كان متوضئاً كفاه ذلك الوضوء)، يعني: أنه لا يلزمه وضوء للنوم؛ لأنه إذا كان قد صلى العشاء مثلاً وهو باق على وضوئه الذي صلى فيه العشاء، فإن ذلك يكفيه؛ لأن الغرض أن ينام على طهارة، لا أن يخص النوم بوضوء، ويسميه وضوء نوم، بل إذا أراد النوم ولم يكن على وضوء توضأ، وإذا كان متوضئاً كفاه.
قال: (لأن المقصود: النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته، ولا شك أن من مات على طهارة خير وأفضل ممن مات على غير طهارة، وليكون أصدق لرؤياه)، والإنسان إذا نام متوضئاً ورأى رؤيا فإنها تكون صادقة بقدر الإمكان، يعني: رؤيا حقيقية.
قال: (وهي أبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه)؛ لوجود الطهارة، وذلك أنه إنما نام على سنة، وسيقوم عليها بإذن الله.
قال: (الثانية: -أي: السنة الثانية- النوم على الشق الأيمن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب التيامن)، وذلك في أمره كله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث عائشة : (كان يحب التيامن في تنعله وترجله وفي أمره كله). وقوله: في تنعله: أي إذا لبس النعل والحذاء بدأ اللبس برجله اليمنى، وإذا أراد أن يخلع بدأ باليسرى، (وإذا رجل شعره -أي: سرح شعره- سرح الشق الأيمن أولاً). كما كان عليه الصلاة والسلام يحلق شقه الأيمن أولاً قبل الأيسر، وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب التيامن.
قال: (ولأنه أسرع إلى الانتباه)، يعني: أن الشخص إذا نام على جنبه الأيمن كان أسرع انتباهاً من الذي ينام على شقه الأيسر، فمن نام على شقه الأيسر كان نومه ثقيلاً جداً، فما بالكم بمن ينام على بطنه؟ وقد (دخل النبي عليه الصلاة والسلام مسجده فوجد رجلاً قد اضطجع أو انبطح على بطنه فضربه بقدمه وقال: من هذا؟ قالوا: هذا فلان يا رسول الله! قال: أما علمت أن هذه ضجعة الشيطان). أي: هذه نومة الشيطان وليست نومة بني آدم، فمن نام على بطنه ففيه شبه من الشيطان في هديه في نومه.
قال: (الثالثة: ذكر الله تعالى؛ ليكون خاتمة عمله). يعني: لا ينام المرء إلا على ذكر، حتى يكون آخر عمله الذي عمله مؤخراً ثم مات بعده من ليلته هو ذكر الله تعالى، والأعمال بالخواتيم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالخواتيم).
وقد قرأت بحثاً علمياً لأحد الأطباء المبرزين ذكر فيه: أن النوم على الشق الأيسر يضر بالقلب. وقال: من أخطر الأشياء إسراعاً لفساد القلب أو تضرره هو النوم على الشق الأيسر؛ لأن هذا لا يجعل القلب يعمل بصورة طبيعية، وإنما يتأثر بضغطه في الفراش. ولا بأس من ضم هذا الكلام إلى كلام أهل العلم في شرح هذا الحديث.
النائم ينادي ويناجي ربه بكلمات مباركات، وهي: (إني أسلمت وجهي إليك). وفي رواية: (أسلمت نفسي إليك). فالوجه والنفس سواء؛ لأن الوجه يدل على النفس، والنفس تدل على الوجه، فكلاهما بمعنى واحد. (أي: استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك، طائعة لحكمك. قال العلماء: يقال: سلم وأسلم واستسلم بمعنى واحد).
قال: (ومعنى: (ألجأت ظهري إليك). أي: توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله كما يعتمد الإنسان بظهره إلى من يسنده). يعني: يا رب! ليس لي سواك، وكل اعتمادي وتوكلي عليك.
قال: (وقوله: (رغبة ورهبة إليك) أي: طمعاً في ثوابك وخوفاً من عذابك)، والعبد لا ينجو بين يدي الله عز وجل إلا بهذين، بأن يعبد ربه بجناحي الخوف والرجاء، الخوف من عقابه وناره وعذابه، والرجاء لرحمته وسعة فضله وجنته وثوابه في الدنيا والآخرة، وغير ذلك مما يرجوه العبد من ربه.
وهذا يُرد به على من قال من الصوفية: إنه لم يعبد ربه إلا بجناح الرجاء، وأنه لا يخاف الله تعالى؛ لأن الله تعالى حبيبه، والحبيب لا يعذب حبيبه، وقال: إن الخوف نقص في العبادة. والذي قال هذا هي رابعة العدوية ، ثم ذكرت لهذا مثلاً وقالت: إن الولد إذا خاف من أبيه فإن تبجيله وتعظيمه لأبيه لا يكون تبجيلاً وتعظيماً صحيحاً. فقاست الخوف من الله عز وجل على الخوف من المخلوقين، والقياس غير صحيح؛ لوجود الفارق، وهذا الفارق هو تماماً نفس الفارق بين الخالق والمخلوق.
والنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي كان يقول هذا الكلام إذا أخذ مضجعه، فقد كان يقول: (رهبة ورغبة إليك). فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يخاف الله تعالى، كما أنه كان يرجو الله تعالى، وعلى من دون النبي عليه الصلاة والسلام رابعة وخامسة وسادسة وغيرها أن تكون أشد خوفاً من الله عز وجل من النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له)، وفي رواية: (إني أعرفكم بالله وإني أخشاكم لله وأتقاكم له). وكلما ازداد المرء علماً بالله عز وجل ازداد منه خوفاً وقرباً؛ لمعرفته بما عند الله تبارك وتعالى من جنة عرضها السماوات والأرض، وكذلك لمزيد معرفته بالنار وما فيها من عذاب، فإنه يفر من النار ليدخل الجنة، ويفر من النار خوفاً من الله، ويلح في طلب دخول الجنة لما يعلم أن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ثم قال: (لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك). وأنت إنما تلجأ إذا عملت مصيبة أو حادثة أو ذنب إلى من يعافيك من هذا الحد، أو ييسر عليك، أو غير ذلك، وإذا كان هذا الذنب متعلقاً بالله عز وجل وهو تعالى مطلع عليه عليم به سميع له، فإن العبد مهما فر من المخلوقين فإنه لا يستطيع أن يفر من الله عز وجل الذي يعلم السر وأخفى، فمن فرط وأراد أن يفر من الله فلابد أن يكون ذلك إلى الله، والواحد منا إذا أراد أن يفر من أحد من المخلوقين فر منه إلى غيره أو إلى من فوقه، وإذا أراد أن يفر من ذنب اقترفه في حق رئيسه المباشر مثلاً فإنه يلجأ إلى من هو فوقه، ثم إلى من هو فوقه حتى يصل إلى قمة الهرم، وإذا كان هذا الذنب في حق الله عز وجل فلا يمكن أبداً أن تنجو بين يديه إلا بالتوبة من هذا الذنب، والتوبة لابد أن تكون خالصة لله عز وجل؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ملجأ ولا منجا)، أي: ولا نجاة، (منك إلا إليك)، يعني: كل إنسان أراد أن يفر من شيء فر إلى من فوقه، ولكن من أراد أن يفر من الله فإنه يذهب إليه، ولا أحد ينجيه إلا الله عز وجل، فلا يبقى أمام المرء ألا أن يقدم بين يدي الله تبارك وتعالى توبة نصوحاً ينجو بها من عذاب الله.
قال: (قوله: (آمنت برسولك) يحتمل غير النبي صلى الله عليه وسلم من حيث اللفظ واختار المازري وغيره أن سبب الإنكار أن هذا ذكر ودعاء، فينبغي فيه الاقتصار على اللفظ الوارد بحروفه). وهذا كلام جميل، فهو يقول: هذا ذكر ودعاء، والأصل فيه التوقيف، ومعنى التوقيف: أن نلتزم نص النبي عليه الصلاة والسلام أو نص القرآن بغير زيادة ولا نقصان ولا تبديل ولا تغيير؛ لأن هذا أمر تعبدي، والعبادات مبناها على التوقف.
والأمر الثاني: ربما يكون الشارع قد رتب الثواب على هذه الحروف لا على غيرها، فلا يُقبل من أحد تغيير كلمة مكان كلمة أو حرف مكان حرف، وإنما لابد أن يأتي بهذه الكلمات والألفاظ على وجهها الذي سمعه من النبي عليه الصلاة والسلام.
عن عبد الله بن عمر أنه أمر رجلاً إذا أخذ مضجعه قال: (اللهم خلقت نفسي وأنت توفاها) ]. وهذه هي العبودية، فهي إثبات أن الله تعالى هو الرب الخالق المحيي المميت، لا خالق غيره، ولا يحيي ولا يميت غيره سبحانه وتعالى، وفيه إثبات أن الله تعالى هو الذي خلق الأنفس، وهو الذي يتوفاها، أي: ينيمها أو يميتها.
قال: [ (وأنت توفاها، لك مماتها ومحياها) ]. أي: لك ما تعمله في حياتها وما تعمله في مماتها، أي: في نومها، وهذا يشهد له قول إبراهيم عليه السلام الذي جاء في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ [الشعراء:81].
قال: [ (إن أحييتها فاحفظها) ]، أي: إن كتبت لها الحياة بعد الموت -أي: اليقظة بعد النوم- والاستيقاظ من هذا النوم فاحفظها، وفي رواية: (فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين). قال: (وإن أمتها فاغفر لها)، أي: وإن أمت نفسي فاغفر لها، [ (اللهم إني أسألك العافية) ]. والعافية عند الاطلاق تشمل الدين والدنيا، فالعافية في الدين أن يعان المرء على طاعة الله عز وجل، والعافية في الدنيا أن يجتنب المرء الحرام ويحرص على الحلال. [ (فقال له رجل: أسمعت هذا من
[ قال ابن نافع في روايته عن عبد الله بن الحارث : ولم يذكر: سمعت ].
وهنا نكتة ظريفة جداً: وهي أن سهيل بن أبي صالح هو ابن لـأبي صالح السمان المسمى بـذكوان كان يقول: كان أبو صالح إذا أراد أحدنا أن ينام -يعني: إذا أراد أحد أبنائه أن ينام- أمره بكيت وكيت وكيت وهذا يدل على قيام السلف الصالح رضي الله عنهم بحسن تربية أبنائهم، وعدم تركهم حتى في لحظة نومهم، فكان أبو صالح السمان يأمر بنيه إذا أرادوا أن يناموا أن يناموا على السنة، وإذا قاموا أن يقوموا كذلك على السنة وعلى توحيد لله عز وجل.
قال سهيل: كان أبو صالح -أي: كان أبوه- إذا أراد أحدهم أن ينام [ يأمره أن يضطجع على شقه الأيمن، ثم يقول: (اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم) ]. وكل هذه مخلوقات، فالسماوات مخلوقة، والأرضين السبع مخلوقة، وكذلك عرش الرحمن تبارك وتعالى مخلوق، ولا خالق إلا الله عز وجل، فكأنه أراد أن يثبت في هذا الحديث كمال الربوبية لله عز وجل، وأن الله تعالى هو رب كل شيء ومليكه، وأن كل ما دون الله عز وجل مخلوق وخالقه هو الله.
وقوله: (اللهم رب السماوات السبع والأرضين ورب العرش العظيم)، كأن التقدير: رب السماوات وما فيهن والأرضين وما فيهن ومن فيهن، فإن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق الخلق جميعاً.
قال: [ (ربنا ورب كل شيء) ]، والشيء يطلق على العاقل وغير العاقل، يعني: أن الله تعالى هو الذي خلق الخلق أجمعين.
قال: [ (فالق الحب والنوى) ]، أي: الخالق للحب والنوى، والمدبر لكل شيء مهما دق وجل، يعني: مهما كان صغيراً دقيقاً، وربما لا يكاد يُرى إلا بأحدث المناظير؛ فإن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق كل هذا.
قال: [ (ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان) ]. فالله تبارك وتعالى هو الذي أرسل الرسل، وأنزل معهم الكتب، فأنزل مع موسى عليه السلام التوراة، وأنزل الإنجيل مع عيسى، وأنزل الفرقان مع محمد عليه الصلاة والسلام.
قال: [ (أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته) ]، وفي رواية: (من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها)، يعني: أنت قادر عليها ومتحكم فيها، وأنتم تعلمون أن الله تعالى على كل شيء قدير، فعلى العبد أن يستجير بربه أن ينجيه من شر كل ذي شر، والله تبارك وتعالى قادر عليه وآخذ بزمام أمره ومالك لناصيته، فإن هذه الثعابين والحشرات والعقارب والحيات وغيرها أشياء، وهي كذلك ذوات، وبإمكانها أن تؤذي هذا النائم، ولو قال المرء هذا قبل نومه فإن هذه الأشياء لو رتعت حوله بعد ذكره لهذا الدعاء فإنها إن شاء الله تعالى لا تضره.
وقوله: (أعوذ بك) أي: ألجأ إليك يا رب! أن تنجيني من شر كل شيء أو دابة أنت آخذ بناصيته أو بناصيتها.
[ (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء) ]، أي: أنت الأول قبل أن تخلق الخلق، وقبل أن تخلق السماوات والأرض، فإن الله تبارك وتعالى أول بلا ابتداء، أي: لا بداية له؛ لأن كل شيء له بداية، مخلوق وحادث، والله تبارك وتعالى لا يلحقه الحدث، وهذا قول: لا يرضاه السلف، وكذلك لا نرضاه نحن، فإن كل ما لا يرضاه السلف لا نرضاه نحن كذلك في ديننا ولا دنيانا، ولكني أردت مزيد بيان أن كل شيء له أول وله بداية فإنما هو مخلوق، إلا الله عز وجل، فإنه الأول بلا ابتداء، وهو الآخر كذلك بلا انتهاء، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء.
قال: (وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر). وقد ورد في بعض روايات هذا الحديث: أن من قال هذا الحديث قضى الله تعالى عنه دينه، ولم يحوجه إلى أحد. يعني: أغناه عن الناس.
[ وكان يروي ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ]، أي: أن الذي يروي هذا عن أبي هريرة هو أبو صالح السمان ، وكأن السند عن سهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر). وأبو صالح السمان كان يأمر أولاده إذا أرادوا أن يناموا أو يأخذوا مضجعهم أن يقولوا هذه الكلمات ولا يتركهم ينامون حتى يقولوها؛ ليحفظهم الله عز وجل بهذه الكلمات المباركات.
[ وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني الكوفي حدثنا أبو أسامة -حماد بن أسامة الكوفي-، ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا ابن أبي عبيدة -وهو محمد بن أبي عبيدة بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي ، واسم أبيه عبد الملك - قال: حدثنا أبي -أي: عبد الملك - كلاهما عن الأعمش ، يعني: عبد الملك وأبي أسامة كلاهما يروي عن الأعمش ، وهو سليمان بن مهران الكوفي ، وهذا الإسناد كله كوفي إلا أبي صالح مدني، وأبو هريرة كذلك دوسي مدني، ولكن الحديث انتقل إلى أهل الكوفة عن طريق رحلة أبي صالح من المدينة إلى الكوفة؛ لأن أبا صالح السمان إنما لُقب بالسمان لأنه كان يجلب السمن والزيت من المدينة ويبيعه في الكوفة، وكان إذا نزل الكوفة نزل في بيت الأعمش ، فهو من أجل شيوخ الأعمش.
[ عن أبي هريرة قال: (أتت
وعندما كنت طفلاً في الابتدائية كان أحد الجيران في قريتي أخرساً لا يسمع ولا يتكلم، وكان ينام في بيته المجاور لنا، وفي أحد الأيام خرج عليه ثعبان عظيم جداً وأحاط برقبته، ولم يستطع أحد أن يتعامل معه، وظل هذا الثعبان يشتد عليه ويشتد حتى مات، وقد تذكرت هذه القصة اليوم، فأيقنت -وأنا موقن من غير عمل. أي: من غير تجارب- ببركة قول الله عز وجل وقول نبيه عليه الصلاة والسلام، فقلت: سبحان الله! لو كان أحداً علم أهل القرى والريف كيف ينامون وكيف يستيقظون لما حدث مثل هذا. [ (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليسم الله، فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه) ]، أي: لا يعلم ماذا ترك في فراشه الذي نام فيه آنفاً. (فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل: سبحانك اللهم ربي، بك وضعت جنبي وبك أرفعه)، أي: كأنه أراد أن يقول: يا رب! لا حول لي ولا قوة إلا بك، بك وضعت جنبي وبك أرفعه، فلا يمكن أبداً لمن أراد أن يضع جنبه بغير إرادة الله أن يضعه، كما أن من نام وأراد أن يقوم في ساعة معينة، والله لم يرد له القيام في هذه الساعة لا يستطيع أن يقوم.
وقوله: (بك وضعت جنبي)، أي: بحولك وقوتك وطولك وضعت جنبي لا بحولي؛ لأنه لا حول لي ولا قوة لي ولا طول لي إلا حولك وقوتك وطولك.
قال: [ (إن أمسكت نفسي فاغفر لها) ]، أي: وإن قبضتني وأمتني فاغفر لي أو لها. (وإن أرسلتها)، أي: وإن أرسلت نفسي. [ (فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) ]، وقيد العبادة هنا بالصالحين؛ ليطلب من الله عز وجل أن يعامله معاملة أهل الصلاح.
[ وحدثنا أبو كريب حدثنا عبدة -وهو ابن سليمان - عن عبيد الله بن عمر العمري بهذا الإسناد، وقال: (ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، فإن أحييت نفسي فارحمها) ].
وأعظم كلمة يتقرب بها العبد إلى مولاه كلمة الحمد؛ ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح: (إن الله تعالى ليرضى من عبده -واللام للتوكيد- أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، وأن يشرب الشربة فيحمده عليها). فشكر الطعام الحمد، وشكر الشراب الحمد؛ ولذلك سن النبي عليه الصلاة والسلام لمن فرغ من طعامه أن يحمده، وأن يقول فقط: (الحمد لله)، يعني: إذا وضع أمامك أشهى المأكولات وأفضل الأطعمة فإن الله تعالى ينتظر منك كلمة واحدة فقط، وهي أن تحمده على هذه النعمة؛ لأن الحمد إقرار بأن النعم من عند الله عز وجل، وهذا هو مراد الله تعالى من خلقه أن يقروا له بأنه الخالق الباري. [ (وكان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا) ]. لأن الطعام من عند الله عز وجل وكذلك الشراب.
(وكفانا). أي: كفانا الشر، أو كفانا مئونة الحياة، أو كفانا الأذى، أو كفانا كل شيء، أي: في ديننا ودنيانا.
(وآوانا) أي: رحمنا، أو تكون بمعنى المأوى وهو السكن، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: [ (فكم ممن لا كافي لهم ولا مؤوي) ]، يعني: كم من الخلق، وهذا والله صحيح، فلو دخلت محطة قطار مثلاً أو شيئاً من هذا القبيل، فإنك تجد الناس كلهم ينامون على الرصيف، وأنت عندك بيت، فإذا ركبت سيارة ففي خمس دقائق تكون في البيت، وتنام على السرير مرتاحاً، أفلا تستشعر نعمة الله عليك؟
وهناك من الشباب من يرى نفسه جميلاً وشعره ناعماً، وربما يكون أصفر وعينيه خضراوين، ويقول: السنة أن أسرح شعري على اليمين والشمال وأعمل فارقاً في نصف رأسي، ونحن سنوافقه على ذلك إذا كانت نيته صالحة، وينوي الاتباع، ولكن إذا كانت نيته الاتباع فليكمل الاتباع بلبس العمامة.
فعلى الشخص أن يستشعر نعمة الله عز وجل عليه، وأنه مكفي وغيره غير مكفي، وأنه له مأوى وغيره لا مأوى له.
وأذكر أني مرة في سنة (1978هـ) جئت إلى القاهرة، وكان لي أقارب، فذهبت إلى أخي الذي كان يسكن في كلية دار العلوم، فوجدته قد كتب ورقة على الباب أنه مسافر وسيأتي بعد ثلاثة أيام، وكتب تاريخ ذلك اليوم، مما يعني: أني سأنتظر ثلاثة أيام، فذهبت إلى عمتي، فوجدت عمتي قد كتبت ورقة على الباب بأنها سافرت، فعدت إلى بعض أصحاب أخي الذين يعرفونه، فلم أجد أحداً، وكنت أريد أن أنام بأي شكل، فجئت إلى ابن عمتي وكان يعمل في شيراتون، وكتب أنه ذهب إلى العمل، وسيأتي الساعة العاشرة صباحاً، وأنا لم أنم إلى تلك اللحظة، فصعدت إلى الدور الأخير في الطالبية في شارع صبري، فوجدت شقة جديدة لازالت تتشطب وبها رمل، وكان معي شنطة فيها كتب، فقلت: أعمل هذه الكتب وسادة وأمهد هذا الرمل على شكل سرير، وأنام على الرمل وأضع كتبي تحت رأسي، ورضيت بهذه الحال، فجاء صاحب العمارة وهي مفتوحة وليس فيها أبواب، وقال لي: يا فلان! قلت له: نعم، قال: أتظن أننا فتحنا العمارة لوكندة أو ماذا؟ قلت له: أصل الحكاية. قال لي: لا أريد أن أسمع، انزل، فنزلت، وذهبت إلى مسجد عباد الرحمن الذي هو على نفس الشارع، قبل صلاة العشاء، ولم أكن ناوياً صلاة المغرب ولا العشاء؛ لأنني لا أستطيع نهائياً، وقلت: بعد أن آخذ قسطاً من النوم -وأنا على سفر- أقوم وأجمع، فنزلت قبل العشاء بحوالي نصف ساعة، فصليت المغرب وأسندت ظهري على الحائط كي أرتاح ونمت، فجاء الرجل الخادم وقال: هل ستصلي أم لا؟ فقلت له: نعم، فقمت وتوضأت وصليت العشاء مع الناس، وبعد العشاء ذهبت إلى هذا الرجل وقلت له: أغلق علي باب المسجد، قال لي: لماذا؟ قلت له: أريد أنام هنا إلى الفجر، أصلاً أنا. قال لي: لا لا، لا أصل ولا فصل، فمن يضمن لي، أخشى إن تركتك أن آتي وقد سرقت الميكرفون، وسرقت الأشرطة، وسرقت كذا. قلت له: يا عم! والله أنا لست من هذا الصنف أبداً، أنا رجل محترم وابن ناس، قال لي: أنا لا أعرف، ولا يمكن أبداً. فخرجت من المسجد وأنا لا أستطيع أن أضع رجلي على الأرض، فاستأجرت سيارة من موقف السيارات إلى أن وصلت إلى مسجد الحسين كي أنام لا لأصلي، فذهبت إلى هناك ونمت إلى الفجر، ولما بدأ المقرئ يقرأ استيقظت، فالمسجد مفتوح طوال الليل، وكنت أتصور أن الحمامات داخل المسجد، فدخلت الغرفة المباركة على اعتبار أنها حمامات، لأنني أبحث عن الحمام، فإذا بقلبي ينقبض، وخرج لي شخص ذراعه لا يقل عن مائة وخمسين كيلو، فقلت له: أين الحمامات؟ فقال: الحمامات في الخارج، اخرج، فخرجت وأنا خائف منه، ولما كنت خارجاً أمسكني في رقبتي مسكة أفقدتني النور تماماً، ولم أستطع أن أرى شيئاً، فقلت له: سأخرج، ودخلت في هذا الحي أكثر من عشرة مساجد ولم أجد مسجداً لا يوجد فيه قبر، فكنت كلما أدخل أخرج، ويرونني خارجاً، وأصبح الموقف محرجاً جداً، فقلت: أنظر من الباب أولاً قبل أن أدخل، فنظرت فوجدت خادماً مثل سابقيه، فقال لي: هاه يا فلان! ألستم الذين تحرمون الباذنجان؟ قلت له: نعم، والموز كذلك، وأخيراً فرشت الشنطة وجريدة وصليت في الشارع؛ لأني لم أجد مسجداً لا يوجد فيه قبر، وتصور شخصاً مثلي لا أحد يكفيه في طعامه وشرابه ودنياه، ولا أحد يؤويه، وكلما يذهب إلى شخص طرده عن بابه، وأنا صراحة عندما أقرأ هذا الحديث أتذكر ما وقع لي.
وهناك أحداث في حياة الإنسان محفورة في قلبه وعقله، لا يمكن أن ينساها، ولا يمل من ذكرها في كل لحظة إذا دعت الظروف إلى ذلك.
وأما ذكر النوم فيختلف عن الذكر بعد الصلاة بأن التكبير فيه أربع وثلاثون، وأما التكبير في أذكار ما بعد الصلاة فهو ثلاث وثلاثون، وتمام المائة هو التهليل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وفي رواية بغير قوله: يحيي ويميت.
والشاهد من هذا: أن النبي عليه الصلاة والسلام علم ابنته وزوج ابنته -وهو ابن أخيه علي رضي الله عنه- أن التكبير والتحميد والتسبيح عند أخذ المضجع هو خير لهما من خادم، مع أن الظاهر للناس أن الخادم يريح المخدوم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن استعمال الذكر خير من استعمال الخادم.
وفي رواية: [ (إذا أخذتما مضجعكما من الليل) ]، وهذا يدل على أنه ذكر من أذكار النوم بالليل.
وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديثه السابق، وفيه: [ (قال
والنبي عليه الصلاة والسلام كان أحياناً يرشد في معمعة الجهاد والقتال وبريق السيوف بسنن لو أننا نصحنا بها الآن في وقت السلم لقيل لنا: إن هذه من توافه الأمور، وليس في الدين توافه ولا قشور ولا لباب، فدين الله تبارك وتعالى كله دين، وهو على مراتب وشعب، وبعضها أعلى من بعض كما في حديثه عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وستون -أو بضع وسبعون- شعبة أعلاه لا إله إلا الله، وأدناه إماطة الأذى عن الطريق). فليحذر الإنسان أن يستهين بقول لله تعالى أو بقول للرسول صلى الله عليه وسلم.
[ وعن أبي هريرة : (أن
وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة)، أي: كان يحافظ ويواظب على هذا الذكر بالذات، ويفعله في كل ليلة، (جمع كفيه -يعني: ضم كفيه- ثم نفث فيهما)، والنفث: هواء يخرج بشدة وهو دون التفل وفوق النفس العادي، يعني: ينفخ بشدة في كفيه، (ثم يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، ثم يمسح بدنه وما أقبل من بدنه ووجهه ورأسه ثلاث مرات)، أي: ثم يعيد ذلك على النحو السابق مرة ثانية، ثم ثالثة، رواه البخاري، وفي رواية: أن النفث قبل القراءة، وفي رواية أخرى: ذكر النفث بعد القراءة وقبل المسح، فأيهما فعل إن شاء الله يجزئ.
وعند الترمذي من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وضع يده تحت رأسه). ففي هذا الأثر: وضع اليد تحت الرأس، يعني: نتوسد أيدينا، ثم قال: (اللهم قني عذابك يوم تجمع -وفي رواية: يوم تبعث- عبادك)، يعني: يوم المحشر أو يوم تبعث عبادك يوم البعث.
فاتخاذنا لهذه العبادة عند النوم بقراءة وتلاوة آية الكرسي بإقرار النبي عليه الصلاة والسلام، فلا يقولن شخص: كيف نقتدي بالشيطان؟! لأن العبرة هنا بإقرار النبي عليه الصلاة والسلام له.
والعلماء اختلفوا في قوله: (في ليلة)، وهل هو قبل النوم أم هو من أذكار المساء؟ فمن قال: بأن أذكار المساء لا تقال إلا بعد غروب الشمس قال: إن قراءة أواخر سورة البقرة من أذكار المساء لا من أذكار النوم، ومن جوز -وهم الجمهور- أن أذكار المساء تقرأ بعد العصر أو قبيل المغرب جعل هذا الذكر من آداب النوم.
والذي يترجح لي مشروعية الذكر بعد الغروب، ومن أتى بها قبل الغروب فلا حرج عليه.
واختلف أهل العلم في معنى (كفتاه) هل هي كفاية من الشر، أو كفاية من العذاب، أو كفاية من هواجس الشيطان في أثناء نومه. وقيل: كفتاه من قيام الليل، وقيل: كفتاه من عمل الطاعة؛ لأنها أعظم طاعة، وقيل: كفتاه ثواباً، يعني: من أثيب بقراءة هاتين الآيتين كان في غنى لمزيد ثواب هاتين الآيتين... إلى غير ذلك من أقوالهم رحمهم الله تعالى ورضي عنهم.
وإذا تقلب النائم ليلاً. يعني: إذا كان شخص يتقلب من جنب إلى آخر، أو من مكان إلى مكان، أو من موضع في الفراش إلى موضع آخر فإنه يقول: (لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار). ويقول هذا وهو يتقلب.
وفي قوله: (ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له). وهذه مكافأة وهدية ربانية لو قال هذه الكلمات التي كلها توحيد وإثبات البعث والحساب والنشور، وإثبات التهليل والتسبيح وغير ذلك لله عز وجل، وكلها تدل على شدة الذل والعبودية لله عز وجل، فلو قال العبد ذلك، ثم قال: (اللهم اغفر لي) غفر الله له، أو دعا استجاب الله تبارك وتعالى لدعائه.
ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فإن قام فتوضأ وصلى قبلت صلاته). ونحن نصلي بالليل والنهار ولا نعلم أهي مقبولة أم لا، وأما في هذه الحالة فإنك على يقين من أن الله تعالى يقبل صلاتك، وأنت لست أفضل من عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الذي قال: لو أني علمت أن الله تقبل مني ركعتين كفاني ذلك، قيل له: كيف ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟! قال: ألم تقرءوا قول الله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]. يعني: لو أنه علم أن الله عز وجل قبل منه ركعتين فقط لأحس بالاطمئنان قليلاً أنه من أهل التقوى ومن المتقين.
أسأل الله تعالى أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال والأقوال؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد.
الجواب: أنا لا أعبر الرؤى، ولا أحسن هذا الباب، غير أني أعلم بعض أحكام الرؤى والأحلام، ولا أستطيع أن أقول في هذه الرؤيا غير أنها من مبشرات الخير؛ لأنه رأى أنه على طاعة، فأسأل الله تعالى أن يمكنه منها في اليقظة.
ولكن قوله: (رأيت في المنام أني أحج أكثر من مرة) أرجو ألا يكون هذا الحج في العام الواحد؛ لأنه لا يكون الحج إلا مرة واحدة في كل عام.
الجواب: الكابوريا من حيث كونها حيوانات بحرية حلال، وأما من حيث كونها حلاقة وهيئة في الرأس فهي حرام، وهذا هو المعني في السؤال، وفي الشرع اسمها: القزع. وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن القزع، وهو حلق بعض الرأس وترك البعض الآخر.
وبعض أهل العلم حدد القزع بترك قص مقدم الرأس، مثلما كنا نعمل في الماضي ونحن نرعى الأغنام، فقد كنا نحلق الرأس كله ونترك مقدمة الرأس، ومع انتشار هذه السنة الكفرية في شباب المسلمين يعجبني القول الذي يعمم النهي بحلق بعض الرأس وترك البعض الآخر في أي موطن كان هذا القزع، فسواء حلق فوق أذنه وترك أم رأسه أو حلق أم رأسه وترك الذي فوق أذنه، أو حلق الرأس من الخلف وترك المقدمة، أو حلق المقدمة وترك الخلف كل هذا يسمى بالقزع، وقد ذكر اللغويون أن القزع يصدق على كل هذه الهيئات، والذي وقع في زمنه عليه الصلاة والسلام (أنه رأى غلاماً قد حلق رأسه إلا مقدمه -أي: إلا مقدم الرأس- فنهى عن ذلك عليه الصلاة والسلام). ولا يصح لشباب المسلمين أن يتشبهوا بغيرهم من أصحاب الملل الأخرى، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من تشبه بقوم فهو منهم).
الجواب: ليس معلوماً هذا الأخ بعينه، وهذا أمر يصلح لنا جميعاً، وهو إسبال الإزار، وأظن أن السؤال يعني هذا، وإسبال الإزار كبيرة من الكبائر، والذين صنفوا في الكبائر عدوا منها الإسبال؛ لما ورد في حقه من النهي والوعيد الشديد، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في صحيح مسلم : (ثلاثة لا ينظر الله تعالى إليهم ولا يكلمهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب).
وقال عليه الصلاة والسلام كما في حديث البراء بن عازب وغيره: (إزرة المؤمن إلى منتصف الساق، فإن أبى ففوق الكعبين).
وقوله: (إزرة المسلم) يعني: إزاره أياً كان هذا الإزار، وهو ما يلبس في أسفل البدن، سواء كان ثوباً أو بنطلوناً أو سروالاً أو غير ذلك، فلابد أن يكون فوق الكعبين، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما أسفل من الكعبين ففي النار)، أي: من القدم، وهذا تهديد ووعيد لصاحب الإسبال.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه دخل على النبي عليه الصلاة والسلام مرة وهو مسبل فأمره أن يرفع ثوبه، فما نزل ثوب عبد الله بن عمر عن منتصف ساقه قط، ولا يحتج أحد بحديث أو فعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأنه قال: (إن ثوبي ينزل، غير أني أتعاهده أو أتعهده). فليس في هذا الحديث ما يدل على أنه كان مسبلاً؛ لأنه كان يحرص دائماً على رفعه، ولذلك لما علم ذلك منه النبي عليه الصلاة والسلام وأنه لم يكن مسبلاً عمداً وإنما هو يتعهده بالرفع حتى يوافق في ذلك السنة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لست منهم يا
ولذلك أهل العلم يقولون: إسبال الإزار على سبيل الخيلاء والفخر وغير ذلك حرام، وإسباله ليس على سبيل الخيلاء والبطر مكروه كراهة شديدة.
الجواب: رابعة العدوية مختلف فيها، فبعضهم غالى تماماً فيها وأثبت أنها من أئمة الصوفية، والبعض جافى عنها تماماً وقال: إنها عبارة عن شخصية وهمية، والأمر ليس كذلك، بل هي شخصية حقيقية، وقد ترجم لها الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء، وقد كانت من أبناء القرن الثاني الهجري؛ لأنها عاصرت سفيان الثوري ، وهي صوفية، وكان سفيان يكثر زيارتها ويذم عندها الدنيا، فقالت: يا سفيان ! دع عنك هذا، فإن من أحب شيئاً أكثر ذكره. أي: لو كنت لا تحبها لما ذكرتها أبداً. وهذا كلام جميل، ورابعة كغيرها من نساء الأمة ورجالها، فإذا أصابت فإصابتها على العين، وإذا أخطأت فيرد عليها خطؤها.
الجواب: لقد زاد الناس في هيئات وكيفيات السلام والتحية هيئات كثيرة جداً، وهذه الهيئات تختلف من بلد إلى بلد، ومن قطر إلى قطر، وترك التقبيل أولى من التقبيل، فإن فعلته فلا حرج عليك، خاصة وأن النبي عليه الصلاة والسلام قبل جعفر بن أبي طالب ، وكان مالك لا يقبل مطلقاً، وكان الشافعي رحمه الله يقبل، وكان أبو حنيفة يقبل.
وقد صنف ابن الأعرابي رسالة لطيفة جداً سماها: (القبل والمعانقة والمصافحة)، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقبل كذلك محارمه من البنات والبنين، فقد كان يقبل الفضل بن العباس وعبد الله بن عباس ، وقد ثبت التقبيل في غير ما حديث، وما ورد أنه قبل الحسن في فمه فإنما فعل ذلك لعلة ذكرها بعد ذلك، وقبل الفضل بن العباس بين عينيه. يعني: في جبهته وبين عينيه.
فالتقبيل جائز، وتركه أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يداوم على ذلك، وقد ورد النهي عن التقبيل، وحمله العلماء على كراهة التنزيه. والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر