وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين وفي الآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! نواصل الحديث مع سورة المعارج، وقد انتهينا عند قول الله عز وجل: فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى * إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:5-34].
هذه الآيات تتحدث عن يوم القيامة: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا [المعارج:6-7]، وكما قلت قبل ذلك: كل آت قريب: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ [النحل:1]، اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، فمما لا شك فيه أنه قريب؛ لأنه آت، وما مضى من زمن الدنيا بالنسبة لما بقي فيها قليل؛ لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وقرن بين السبابة والوسطى).
والحديث له مفهوم عند بعض العلماء: إذا قارنت بين السبابة والوسطى تجد أن الوسطى تزيد عن السبابة بربع عقدة فقط، فما مضى من عمر الدنيا هو هذا القدر، وما بقي فيها تلك الزيادة.
إذاً: لم يبق منها إلا اليسير؛ ولذلك الساعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وليس بعده نبي؛ لذلك في حديث البخاري : (أنه كان يبيت عند
أولاً: عبر عن القيامة في القرآن باليوم العظيم، وباليوم العسير، يقول ربنا سبحانه: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر:8-10].
وعبر عنه في قوله: أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:4-6].
فالقرآن الكريم صور لنا مشاهد القيامة كأننا نراها رأي العين، يشيب فيها الولدان، فالولد الصغير الرضيع يقول الله في حقه: يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا [المزمل:17]، من شدة الهول والفزع، تصل فيه القلوب إلى الحناجر فلا تعود إلى مستقرها ولا تخرج من الأفواه، يقول ربنا سبحانه: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ [غافر:18].
ويقول سبحانه في وصفه أيضاً: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2].
عندما أصبنا بزلزال في التسعينات كان كل الناس يجري، ربما يترك ولده وينزل، وربما يترك زوجته وينفض، ومن لطائف هذا الأمور أن زوجة رفعت قضية طلاق على زوجها بعد الزلازل، فسألوها عن سبب ذلك. قالت: لأنه أخذ التلفاز وتركني، أي: أن كل الذي شغله هو التلفاز، وترك الولد والزوجة.
إخوتي الكرام! زلزال القيامة يختلف: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1]، ترى الناس فيه سكارى، وزلزال التسعينات كان الناس فيه حيارى، وفرق بين السكارى والحيارى.
كذلك تذهل فيه المرضعة عما أرضعت، في زلزال التسعينات تأخذ ولدها وتفر به وتنزل من الطابق التاسع، أما زلزال الآخرة فتترك الرضيع من هول ما رأت، تذهل عما أرضعت. وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا [الحج:2]، قبل الموعد المحدد لنزوله من شدة الخوف والفزع، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2].
ويقول سبحانه: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67].
وجاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رب العالمين يأتي يوم القيامة وقد حمل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، وينادي في خلقه: أين ملوك الأرض؟ أنا الملك يقول: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر:16]) فلا يجيب أحد، يا ملوك الدنيا! سيزول ملككم ولا يبقى إلا ملك الحي سبحانه؛ لذلك هارون الرشيد في مرض موته وهو يحتضر نظر إلى السماء، وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه. الله أكبر!
أما السماء فقد جاء في حقها آيات: يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ [المعارج:8] أي: كالرصاص المذاب.
وكذلك تتشقق: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ [الفرقان:25].
ويقول ربنا في هذا: فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن:37].
ويقول ربنا سبحانه: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ [الحاقة:13-16]، هذه النفخة الأولى في الصور هي نفخة الاضطراب الكوني وتدميره، تتشقق السماء وتنفطر وتصبح واهية كالرصاص المذاب.
أما البحار فتشتعل نيراناً على أهل الأرض، أما النجوم فتتناثر وتتساقط ويذهب ضوءها، والقمر ينخسف، والشمس تكور، والوحوش تحشر، والموءودة تسأل، يقول الله: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لا وَزَرَ [القيامة:7-11]. أي: لا مفر من الله إلا إليه؛ لذلك فروا إلى الله.
إخوتي الكرام! يحدث انقلاب في الكون بالنفخة الأولى في الصور، والذي ينفخ في الصور هو إسرافيل عليه السلام، ينفخ النفخة الأولى فيدمر الكون، عند ذلك تشخص الأبصار، أي: لا تنظر إلا إلى اتجاه واحد، وتصل القلوب إلى الحناجر. يقول الله في هذا: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ [غافر:18].
إن القرآن الكريم يتحدث عن هذا الانقلاب في الكون، فنقول نحن لأنفسنا: ماذا نفعل ونحن ضعفاء؟
قال: (يود) والود عمل من أعمال القلوب، قال: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ [المعارج:11]، فيا لها من مصيبة كبيرة إن سألت من يجمع المال من حرام: لماذا تجمع المال؟ يقول: أريد أن أؤمن مستقبل الأولاد بعد موتي، أبني العمارات، وأشتري السيارات والعقارات؛ حتى أورث بعد موتي. وأول من يضحي به يوم القيامة هم الأولاد، فيا لها من معادلة مقلوبة ومنكوسة: لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ [المعارج:11]، يا رب! خذ أبنائي ونجني من عذابك فلا يقبل منه، قال تعالى: وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ [المعارج:12]، الصاحبة بمعنى: الزوجة التي كانت في حضن دافئ، زوجها يوم القيامة يضحي بها! قال: وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ [المعارج:12]، فيا من تبحثون عن اسم العائلات! يقول تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101].
قال: وَفَصِيلَتِهِ [المعارج:13]، أي: عائلته الَّتِي تُؤْويهِ [المعارج:13]، التي ينضم إليها ويتشرف بها، يوم القيامة يقول: يا رب! خذ الأبناء، خذ الزوجة، خذ العائلة. قال تعالى: وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ [المعارج:14] خذ كل من أعرفه ونجني من عذابك، فيقول الله سبحانه: كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى [المعارج:15-18]، هذه ( لَظَى ) ملتهبة، تأخذ الأعضاء الظاهرة والباطنة؛ حتى قال بعض المفسرين: تحرق فروة الرأس، كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُوا [المعارج:15-17] النار تدعو إلى نفسها: تعال يا من أعرضت عن كتاب الله وعن سنة رسول الله! تعال يا من ضيعت حياتك في المعاصي! تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى [المعارج:17-18]، أي: جمع المال وجعله في وعاء، وظل يعدد المال، ولا يؤدي حق الله فيه، جمع المال كل ليلة، وإذا خرج منه جنيه يظن أن في خروجه الفقر، قال تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268].
ندب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة للإنفاق في غزوة تبوك، وهي من الغزوات المهمة في دراستها، إذ إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يخبر أصحابه بالجهة التي سيقاتلون فيها، إلا في هذه الغزوة، وذلك لسببين:
الأول: العدو هم الروم وهم كثر، والمسافة طويلة جداً آلاف الكيلو مترات.
الثاني: الجو حار؛ لذلك قال المنافقون: لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا [التوبة:81].
لما ندبهم النبي صلى الله عليه وسلم لتجهيز جيش العسرة أتى عثمان بن عفان بماله وجهز ثلث الجيش، ثلث جيش العسرة جهزه عثمان من ماله، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (ما ضر
ويقول: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4].
ويقول: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا [العصر:1-3] استثناء.
قوله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19]، ذكر فيها الهلع، وفسرتها الآيات التي بعدها على التو: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20] أي: إذا أصيب بمرض أو بفقر أو بفقد حبيب أو مال أو صديق يجزع، ولا يصبر على قضاء ربه، قال: وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:21] أي: إذا نزل به الفرج ومنع المال.
فيستثني سبحانه ويقول: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:22-23] فإن أردت أن تنظر في دين عبد انظر إلى صلاته، فإن ضيع الصلاة كان لغيرها أضيع.
أقول: إن حال سلفنا الصالح كان عجباً والذي نفسي بيده، منهم من قال عن نفسه: مكثت أربعين سنة أصلي الفجر بوضوء العشاء، قد يقول قائل: هذا مخالف للسنة، لكن نقول: يا عبد الله! هذا معان من ربه، وفعله ليس للأسوة، أما النبي عليه الصلاة والسلام حينما يفعل يفعل ليشرع؛ لذلك سأل العلماء سؤالاً مهماً: أيهما أفضل في الأضحية: البدنة أم الكبش؟ فقال جمهور العلماء: البدنة يعني: الإبل، وقالت المالكية: الكبش؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين، فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو الأولى، وقال جمهور العلماء: البدنة أولى بدليل حديث البخاري في فضل الجمعة والتبكير إليها: (من راح في الساعة الأولى إلى الجمعة فكأنما قرب بدنة -فبدأ بالبدنة- ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) فقدم في الحديث البدنة، والنبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين؛ لأنه أسوة، فإنه ربما لا يمتلك الفقير إلا ثمن الكبش، عند ذلك يضحي كما ضحى النبي صلى الله عليه وسلم، أما إن استطاع أن يذبح بدنة فهذا هو الأولى ولا شك في هذا، وهذا قول الجمهور.
قال تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23] أي: يحافظون عليها في أوقاتها فلا يضيعون صلاة في جماعة، بل يؤدونها وقد استكملوا الشروط والأركان والسنن بخشوع.
قال تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، الصدقة والزكاة مقدار كل واحدة منهما معلوم، لا يبخسون الناس حق الله عز وجل، قال: لِلسَّائِلِ [المعارج:25] الذي يسأل، وَالْمَحْرُومِ [المعارج:25]، الذي يكف عن السؤال، يحسبه الجاهل غنياً من التعفف، تعرفه بسيماه؛ لذلك ربنا يقول: فَكُلُوا مِنْهَا [الحج:36] أي: من الهدي وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36]، والقانع: الذي يقتنع بحاله ولا يسأل الناس، والمعتر: الذي يسألهم، فأطعموا من يسأل ومن لا يسأل، وإياك أن تطعم من يسأل وتترك من لا يسأل.
يقول ربنا عز وجل: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24] وكلمة ( حق ) تشير إلى أن للفقير في مال الغني حقاً، فأنت حينما تعطيه لا تعطيه فضلاً منك، إنما هو حق لابد أن يأخذه؛ لذلك قاتل أبو بكر المرتدين حينما منعوا الزكاة، فلو أن المجتمع يؤدي زكاة ماله لما وجد فيه الفقراء، ولا الذين بدون زوجات، والحالات التي تعرض ليلاً ونهاراً تجعلنا نبكي دماً بدلاً من الدموع؛ وذلك لأن الأغنياء يحبسون ما أعطاهم الله عز وجل.
قال تعالى: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:26-27]، خائفون وجلون يخشون عذاب ربهم عز وجل، إذ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28].
ومن صفاتهم: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المعارج:29]، حفظ الفرج عما حرم الله، والمحرمات متعددة، فلا يضعون فروجهم إلا فيما أحله الله من الزوجة أو ملك اليمين، أي: الأمة، أما ما سوى ذلك فحرام، واستدل العلماء من هذه الآية بحرمة نكاح اليد، لا يقربون بفروجهم ما حرم الله، لا يقربون دبراً ولا امرأة في حيض، ولا أي شيء حرمه الله، وذلك كما قال تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30].
ثم قال: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ [المعارج:32]، وتعدى حدود الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:31-32]، وأول الأمانات أمانات التكاليف الشرعية التي كلفهم الله بها، الأمانات بمعناها الشامل، والعهود بمعناها الشامل أيضاً، سواء كانت أمانة للمخلوق أو أمانة التكاليف التي كلفهم الله بها، ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33]، فلا يكتمون الشهادة، إنما يقيمونها لله عز وجل، أيها الإخوة الكرام! هذه صفات عباد الله تبارك وتعالى.
وفي حديث الثلاثة الذين دخلوا الغار، فأطبق على باب الغار صخرة، ماذا صنعوا؟ هل حطموها بمعول أو بفأس؟ هم في ظلام دامس، وعلى باب الغار صخرة يعجزون عن تحريكها حتى وإن جاءوا بأكبر الآلات، ماذا صنعوا يا عباد الله؟! قالوا: هيا بنا نتذكر أعمالنا الصالحة ونتوسل إلى الله بها، لعله يفرج عنا ما نحن فيه، فقام الأول وقال: يا رب! إنك تعلم ولا يعلم سواك أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت باراً بهما، وكنت في كل ليلة آتيهما بغبوق اللبن فأسقيهما قبل أن يناما، فيناما بعد أن يشربا، ففي ليلة تأخرت وجئت بغبوق اللبن فوجدتهما نائمين، والصغار عند قدميَّ يتضاغون، فأبيت أن أسقي أبنائي حتى يشرب أبوي، فلما استيقظا في موعدهما أعطيتهما فشربا، ثم سقيت أبنائي بعدهما.
يا قوم! يأتي الزوج بالفاكهة ويدخل بها على الزوجة، فيضعها في الجيب، أو يخبئها وراء الظهر حتى لا ترى الأم؛ لأنه يأخذ التعليمات الشفوية المشددة: لا تدخل على أمك إلا بإذني، أمي لا أبرها إلا بإذن زوجتي، يا قوم! ماذا حدث لنا؟!
قال: اللهم إن كنت تعلم -والله يعلم- أني فعلت ذلك لأجل وجهك وابتغاء مرضاتك؛ ففرج يا رب! عنا ما نحن فيه. فتحركت الصخرة، والذي حركها هو الله، الصخرة تتحرك بالدعاء يا قوم! هذا الدعاء من عبد أخلص لله.
رب عبد فينا لا نلتفت إليه يقول: يا رب! عليك بأعداء الدين، فيحطمهم الله وهو قادر.
أما الثاني فقال: يا رب! إنك تعلم أنه كان عندي أجير يعمل بالأجرة، ففي يوم ترك أجره دون أن يأخذه، فأخذته ونميته واستثمرته له، فجاء بعد مدة يقول: يا عبد الله! تركت عندك أجراً منذ زمن، قلت: انظر إلى هذا القطيع من الأنعام هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قلت: استثمرته لك.
فيا من تأكلون حق الأجير! اتقوا الله في أنفسكم، يا من تستعبدونهم بغير وجه حق! اتقوا الله في أنفسكم.
قال: فأخذ القطيع، فيا رب! إن كنت تعلم أني فعلت ذلك لأجلك ففرج عنا ما نحن فيه، فتحركت الصخرة مرة ثانية دون أن يمسها أحد.
فجاء الدور على الثالث، يقول العلماء: والثالث أفضلهم؛ لأنه لو لم تتحرك لما خرجوا، إذ إن المكان لا يتسع للخروج. قال: يا رب! إنك تعلم أنه كانت لي ابنة عم وكنت أحبها، فجاءتني يوماً تسألني فأبيت أن أعطيها حتى تمكنني من نفسها، فلما جلست بين شعبها الأربع كما يجلس الرجل إلى زوجته قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانتفضت من عليها خوفاً منك يا رب! وتائباً إليك، فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما نحن فيه، فتحركت الصخرة فخرجوا بإذن الله.
إذاً: الدعاء يحرك الصخر، أما أنا وأنت إن كنا معهم في الغار، وقلنا: يا رب! فرج عنا ما نحن فيه فربما أتت صخرة فوق صخرة؛ وذلك بفعل ذنوبنا، فنحن نقول: يا رب! انصرنا، لكننا لا نجد أعمالاً صالحة نتوسل بها إلى الله.
فلا تغتر بمظاهرة جماهيرية، هي غثاء كغثاء السيل، والذي نفسي بيده لا عقيدة ولا التزام بمنهج ولا التزام بحدود، إنما هي فقاقيع تطير في الهواء.
منهجنا في هذا المسجد ثابت وواضح وبيّن. الأمر الأول: ندعو، الأمر الثاني: ندعم بالوسائل الشرعية، كمقاطعة السلع، ومقاطعات المنتجات؛ وكالدعم المادي إن أمكننا ذلك، هذا ما نملكه إلى بعض الوسائل المشروعة الأخرى.
أيها الإخوة الكرام! أما حرية النعيق وحرية الصراخ ولطم الخدود وتمزيق التماثيل وحرق الصور، هذه أمور صنعها أعداؤنا لنا؛ لنفرغ فيها الشحنة، ويقع بعضنا في بعض وهم يشاهدون، فلا تغيير للواقع، أخبروني ماذا صنعت المظاهرات لأي قضية على وجه الأرض؟ وماذا حصدنا بها؟ أقول هذا احتساباً لله عز وجل، ودفعاً لشبهة زرعت في بعض الرءوس.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم مكن لدينك في الأرض يا رب العالمين! اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين، وانصر عبادك المستضعفين في العراق، اللهم أيدهم بنصرك يا قوي يا متين! اللهم عليك بأعداء دينك فإنهم لا يعجزونك، اللهم اقتلهم بدداً، وأحصهم عدد، ولا تبق منهم أحداً.
اللهم إنا عبيدك! نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت ربنا ورب المستضعفين ارحم نساء المسلمين، وارحم أطفال المسلمين، رحماك بأطفالنا وشيوخنا ونسائنا، فأنت رحيم بنا، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم.
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، اللهم أرنا في أعداء الدين آية فإنهم لا يعجزونك، يا قوي يا متين! شتت شملهم، فرق جمعهم، زلزل الأرض من تحت أقدامهم، جمد الدم في عروقهم، اللهم سلط عليهم جنودك يا رب العالمين! فأنت حسبنا ونعم الوكيل.
قلت وقولك الحق: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، يا رب! ندعوك فلا تردنا خائبين، يا رب! ندعوك فلا تردنا خائبين، مكن لدينك في الأرض يا رب العالمين! من أرادنا والإسلام بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام بكيد فاجعل كيده في نحره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود وفرعون.
اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، عليك بالأحزاب والتحالف، اللهم أهلكهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً.
اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وأمنا في أوطاننا، وأمنا في بلادنا، اللهم أمنا في بيوتنا، وخذ بناصيتنا إلى البر والتقوى، وارزقنا ما تحب وترضى.
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي قرارنا.
اللهم رخص أسعارنا، اللهم رخص أسعارنا، وعليك بأعدائنا فإنهم لا يعجزونك يا ربنا!
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وقلباً خشعاً، استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واجعل بلادنا بلاد أمن ورخاء فإنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.
آمين آمين آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181].
وقالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، وقالوا: إن الله خلق الأرض والسماوات في ستة أيام ثم تعب، فأراد أن يستريح فاستراح يوم السبت، وربنا يقول: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38]، فعقيدتهم في الله عقيدة إلحاد وتحريف.
أما عقيدتهم في الجنة: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111]، أي: أن أي دعوة ليس عليها برهان دعوة ساقطة، ربما يقول قائل: فلان كذا، يتهمه قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ [البقرة:111]، فلابد أن تقيم البرهان على كل دعوة، ولو سرنا بهذا المنهج لاستقامت الحياة دائماً وأبداً، شخص يقول: سمعت فلاناً يقول: كذا عن فلان، فلا بد أن تقول له: هل عندك دليل؟ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111]، فلان من الخوارج، فلان مرجئي، فلان اعتزالي.. وهكذا تهم، بعضنا يتهم بها البعض، أين البرهان والدليل؟ وأين الكلام الواضح البين؟ كما أنه محظور أن تقذف، لكن إذا قذفت لابد من أربعة شهود، ولو أننا سرنا على منهج هذه الآية فقط لاستقامت الحياة في تعاملاتنا، يقول الله تعالى لليهود والنصارى: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ [البقرة:111] في قولكم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة:111] فهذه أماني: تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ [البقرة:111].
أما عقيدتهم في النار: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً [البقرة:80]، سندخل النار مدة أربعين يوماً فقط، وهي مدة عبادتهم للعجل، صنعوا العجل وعبدوه من دون الله، يقول الله لهم: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:80].
أما عقيدتهم في الملائكة، فقد قالوا لرسولنا صلى الله عليه وسلم: لو نزل عليك ميكائيل لآمنا بك، أما جبريل عدونا اللدود، نحن نبغضه؛ فأنزل الله: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [البقرة:97].
أورد العلامة ابن حزم في كتابه القيم (الأدلة العقلية في تحريف التوراة)، منها: أن التوراة بها أماكن لم تسم بهذه الأسماء أيام نزول التوراة، مثال هذا: أن هذا الحي يسمى (الزيتون). قبل خمسمائة سنة ماذا كان اسمه؟ كانت أرضاً صحراء ليس فيها منازل ولا زيتون، فإن جاء رجل وقال: مررت بالزيتون منذ ألف سنة. كاذب أم صادق؟ سنقول: كذاب (100%)، فحين تحدثنا التوراة عن أسماء أماكن موجودة الآن، وسميت بهذه الأسماء بعد نزول التوراة بآلاف السنين، هل هذا كلام صدق أم كذب؟ الجواب: كذب.
إذاً: ابن حزم يستدل بالأدلة العقلية في تحريف التوراة فضلاً عن الأدلة النقلية، والأنبياء معصومون اصطفاهم الله وجعلهم للناس أسوة: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90]، فهل أقتدي برجل منحرف في سلوكه؟ اقرأ عن أنبياء الله في التوراة، بل العجب في سفر التكوين والأسفار الخمسة التي عندهم أن نبياً شرب الخمر فأخذت عقله وزنى ببنتيه زنا محارم، يعني: نبي يزني ولا يزني بامرأة أجنبية، وإنما يزني ببنتيه بالصغرى ثم بالكبرى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف:5].
دخلت امرأة مسلمة إلى سوق اليهود في المدينة يسمى سوق بني قينقاع، وكانت منتقبة، فراودها يهودي على أن تكشف الوجه فقط فأبت، فربطوا آخر ثوبها بمقدمته. يعني: ذيل الجلباب ربطوه بمقدمة الجلباب بحيث إذا قامت بدت العورة، وهذا يبين لك أنهم يريدون لعورات المسلمين أن تبدو، وهذا ما نجحوا فيه الآن، فالعورات الآن تبدو دون ربط للمقدم بالمؤخر.
فلما قامت المرأة انكشفت عورتها فصرخت بأعلى صوتها؛ لأنها حرة يا أخي! أما التي تظهر العورة هذه ليست بحرة ولا عفيفة، ألا تغار؟ ألا تستحي من شكلها ومن مظهرها؟
فصرخت بأعلى صوتها، وكان بجوارها رجل مسلم.
ما قال مثل جحا يقول: صباح الخير يا جاري. أنت في حالك وأنا في حالي، وأنا مالي، الضرب عنده هناك، أما أنا فمالي وله، هذه مشكلته، اعلم أن الأدوار تتوالى، وصراعنا صراع وجود لا صراع حدود، ولا هي مشكلة نزع أسلحة، إن المقصود السيطرة على بلاد المسلمين ومقدراتهم.
ولن يرحم التاريخ من تخاذل، والذي نفسي بيده سيكون العار في سجلاته، وسيقص التاريخ أن هناك جيلاً بطن الأرض كان أفضل له من ظهرها؛ وذلك لأن التخاذل ليس من شيم المسلمين أبداً، أعيش كريماً وبحرية أفضل من أن أعيش ذليلاً، ولذلك هب ذلك المسلم على اليهودي فقتله في الحال دفاعاً عن العرض: (من مات دون عرضه فهو شهيد) عند ذلك اجتمع اليهود فقتلوه؛ لأنه لا يستطيع أن يقتله بمفرده؛ لأن الله قال في حقهم: لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14]، هذه طبيعة اليهود. اجتمعوا عليه فقتلوه، ووصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجهز جيشاً وذهب إلى بني قينقاع، وأدبهم وأجلاهم عن المدينة بعد أن لقنهم درساً في احترام أعراض المسلمين، ولا تفهم اليهود إلا هذه اللغة، لغة السك على الدماغ، لا يعرفون سواها، أما أن تقول لي: محاورة.. محاورة، فكم لنا من سنوات ونحن نحاور؟ وسنظل نحاور إلى متى؟ فدائرة المفاوضات ومائدة المائدة طالت جداً، أنا لا أعرف ما هي هذه المائدة؟ هؤلاء هم اليهود ولن يكونوا يوماً بخلاف ما قال الله.
أيها الإخوة الكرام! مقومات الشخصية اليهودية في كتاب رب البرية يحتاج منا إلى سعة دراسة وإلى تحقيق؛ حتى نعلم العدو.
اللهم إنا نسألك يا ربنا! أن تنصرنا عليهم. إنك على كل شيء قدير.
الجواب: الحقيقة هذه مسألة خطيرة جداً؛ لأني أسمع كثيراً من الأصوات ترددها الآن، الجهاد في الإسلام له شروط:
أولاً: أن يكون تحت راية واضحة ومرفوعة على أرض العراق، ونحن مع العراق لا شك، لكنني كسلفي موحد أجاهد تحت هذه الراية، لا أملك هذا.
ثانياً: لابد أن يكون للمسلمين دولة ولها خليفة يبايعه الناس، ويرفع راية الجهاد، عند ذلك يجب عليك أن تدخل تحت الراية، فلا يلزمك الجهاد أبداً، وإنما هو فرض عين على من بداخل البلاد، وهذا قول العلماء، أما أنت فتصنع ما تستطيع أن تصنعه وأنت في بلدك، أما أن تخرج دون راية واضحة ودون إعداد عدة ودون أن يكون هناك دولة للمسلمين ترفع راية الإسلام فهذا لا يجوز، ولا أريد أن أحبط أو أثبط، لكن ينبغي أن نعرف معرفة اليقين أن نظام العراق نظام بعثي يقوم على حزب البعث الذي أسسه ميشيل عفلق فضلاً عن تشيع بعضهم، وهذا كله ليس معناه أن نتخلى، لكني أريد أن أقول: إن الراية راية عمية، ليست هي الراية التي يجب علينا أن نجاهد تحتها، وعلى ذلك لابد أن ننصر إخواننا في العراق بالدعاء، وبكل ما نملك من وسائل، أما أن تقول: إن الجهاد فرض عين، وعلي أن أذهب، هذا كلام غير مقبول، والله تعالى أعلم.
الجواب: نعم. هذه نازلة حلت ببلد مسلم، فيجوز أن نقنت في الفروض الخمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ظل شهراً كاملاً يقنت في الفروض الخمس على رعل وذكوان، وهما قبيلتان قتلتا حفظة القرآن، والقنوت يا إخواني! في النازلة فقط، وأجد البعض إذا قنت في الظهر يقول: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، يقول دعاء قنوت الوتر، ودعاء القنوت يكون في النازلة، وأن تسمي النازلة باسمها، والله تعالى أعلم.
الجواب: الحقيقة قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ذنب عظيم يحتاج منك إلى توبة وإقلاع وندم، أما إن كان القذف لشخصيات غير موجودة فيكفيك أن تتوب بينك وبين الله، وأن يتوب الله عليك، والله عز وجل يوم القيامة يرضيهم عليك طالما حسنت توبتك، ولشيخنا ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين قولاً مثل هذا، فلترجع إليه، والله أعلم.
الجواب: الحقيقة مثل هذه المسائل لا يجوز المتاجرة بها، فهرمجدون أظهروا المهدي والمسيح الدجال بعد اقتراب الساعة، هذا الكلام المستهلك الذي لا يتحدث فيه إلا من يريد أن يروج لكتاب أو يزايد بقضية، لا يا عبد الله! هذا ليس طريق منهج السلف الصالح، ربما يقول قائل: صدام هو الذي يسمى في هرمجدون بـالسفياني ، وفي صحيفة أبي نعيم كلام خطير ليس عليه أدلة، أن هذه الحرب مقدمة للملحمة، وسينتصر فيها كذا، ويحمل النصوص ما لا تتحمل، ما أنزل الله بذلك علماً، ولا ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، أما قولك: إن أمريكا تضرب العراق من الكويت، فهي مسألة لا يختلف عليها اثنان، ولا ينتطح فيها كبشان أو عنزان، مسألة واضحة أنت تفهمها وأنا أفهمها، فاجعلها هكذا مفهومة، ماذا أقول يا عبد الله؟! فنسأل الله العافية.
الجواب: هذا رجل على الفطرة والله، الطلب عليها يقل، وبالتالي سعرها يقل، وبالتالي يتدهور الدولار، فهذه وسيلة، لكن كل واحد منا يقول: غير الجنيه واجعله دولاراً، فعلى المسلم أن يدعم اقتصاد بلد مسلم وعملة بلد مسلم، أما أن تقول: أنا لا أحمل إلا دولاراً يا عبد الله هذه من الأمور التي لا ينبغي أبداً أن تخفى علينا، فهي ألف باء المسائل الاقتصادية.
والمعروف أن اليورو بثمانية جنيهات، والدولار بستة جنيهات، بعض إخواننا في هذين اليومين كان يشتري الدولار بخمسة وأربعين جنيهاً ويضعه وديعة، ثم يقبضه ليكسب، فمنهم من كسب مائة ألف بضربة واحدة عند ارتفاع سعر الدولار، وهو بذلك، يدعم اقتصاد عدوه، وهذه مصيبة كبيرة، لا يجوز ذلك يا عبد الله! قاطع هذه العملة لينخفض الطلب عليها حتى يتدهور السعر، وحينما يتدهور السعر ربما يقوم الشعب الأمريكي بنفسه بمظاهرة على رئيسه لتدهور الحالة الاقتصادية، فيقتلونه بأيديهم، فالأمور تحتاج منا إلى سعة أفق.
أخبرني أحد الأشخاص أن شركة (بيبسي كولا) تراجعت مبيعاتها إلى ستين مليون جنيه في السنة الماضية بسبب المقاطعة التي حصلت، وفي إحصائية في مركز صغير كمركزنا أيضاً يشير إلى مثل هذا المعنى، تراجع في مبيعات الشركة على هذا النحو، فلا ينبغي أبداً أن نغفل عن مثل هذا الأسلحة، والله تعالى أعلم.
الجواب: الحقيقة أن الله عز وجل أمر البحر فألقى جسد فرعون؛ حتى يتحقق اليهود من موته، وبعض الكتب تقول: إن فرعون هو رمسيس الثالث ، وهذا التحقيق ليس عندنا فيه يقين، ولا ندري أين كان لما أنجاه الله ببدنه بعد موته وهلاكه.
الجواب: تحتاج إلى تحقيق تاريخي أيضاً، والله تعالى أعلم.
الجواب: الحقيقة جاءتني أكثر من شكوى من هذا الموضوع، أن بعض الملتزمات يخرجن إلى المسجد بطريقة غير شرعية، إذا خلعت النقاب تجد فيها ألوان الطيف السبعة، ما هذه المصيبة؟!
تتقي الله عز وجل؛ لأن هذا لا يستقيم مع الزينة التي تلبسها.
كذلك جاءتني شكوى أن بعضهن يأتين بطريقة سافرة أكثر من التبرج، يعني: منتقبة، لكنها تلبس النقاب بطريقة استفزازية، لا يا أمة الله! لا ينبغي أن يكون اللباس لباس زينة، فاتقي الله في نفسك، هذا شيء لا يرضي الله عز وجل.
وبغضِّ النظر عن أصابع اليد والوجه، نحن نقول: ملابس المرأة ينبغي أن تكون مطابقة للشرع، وألا تكون على هذا النحو، والله تعالى أعلم.
الجواب: حرام (لعن الله الواشمة والمستوشمة).
الجواب: التوبة إلى الله تكون بالندم والعزم والإقلاع، لكن يبدو أنك على ذنب كبير وتعود إليه، هذا السؤال أفهم منه هذا، ويبدو أنك لا زلت تسكن في أرض المعصية، يعني: قد تكون في كلية الآداب مثلاً، وتقول: وقعت في جريمة مع صديقة لي في الفرقة الثالثة، وأريد أن أتوب إلى الله، وما دامت هي بجوارك في مدرج المعصية تراودك، سنة أو شهراً أو شهرين فإنك ستقع في الآخر، فعليك أن تنقل من آداب القاهرة إلى آداب عين شمس، واترك أرض المعصية؛ فمن شروط التوبة إلى الله أن تقلع عن أرض المعصية الإقلاع التام، والله تعالى أعلم.
الجواب: لا. لا نريدك أن تجاهدي، أين سيذهب الرجال إذا خرج النساء؟ جهادك يكون في بيتك، فحسن تبعلك لزوجك وتربية أولادك التربية السلفية الصحيحة على المنهج هو جهادك، وجهادك هو الحج كما قال صلى الله عليه وسلم.
لا ينبغي للأب والأم أن يمنعا البنت من لبس النقاب أبداً، هذا أمر بمعصية، ولا يجوز للبنت أن تسمع الأمر في معصية الله عز وجل، والذي يزوج البنات هو الله سبحانه وتعالى، فلا ينبغي أن نقول: كشف الوجه سيأتي بالعريس، الذي يذلل العريس ويأتي به هو رب العالمين عز وجل، وحينما تسجدين وتدعين ربك عز وجل أن يرزقك الزوج الصالح هذا هو الطريق، والله تعالى أعلم.
نكتفي بهذا القدر لضيق الوقت.
بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً، ولا تنسوا إخوانكم من الدعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر