ثم قال المؤلف رحمه الله: [ باب صريح الطلاق وكنايته ].
الألفاظ الصريحة في الطلاق وفي غيره هي التي لا تحتمل غير المراد.
وأما الكناية فهي التي تحتمل المراد وتحتمل غيره.
فإذا قال: أنت طالق، فهذا صريح لا يحتمل إلا الطلاق، وإذا قال: اذهبي إلى أهلك، فهذه كناية قد يريد بها الطلاق وقد يريد بها غيره، وقوله: غطي وجهك، قد يريد بذلك الطلاق وقد يريد به غيره.
إذاً: الصريح هو الذي لا يحتمل غير المراد، فصريح الطلاق هو الذي لا يحتمل إلا الطلاق، وكناية الطلاق هي التي تحتمل الطلاق وتحتمل غيره.
هنا الحنابلة عندهم صريح الطلاق من جهة اللفظ هو لفظ الطلاق وما تصرف منه، ولذا قال المؤلف: [ صريحه لا يحتاج إلى نية، وهو لفظ الطلاق وما تصرف منه ]، كطالق وطلقتك ومطلقة، [ غير أمر ] مثل: اطلقي، [ وغير مضارع ]، مثل: تطلقين.
اطلقي: هذا أمر والأمر لا يتوجه إلى المرأة في الطلاق.
وتطلقين: هذا في المستقبل.
[ ومطلِّقة: اسم فاعل ]، إذا قال: أنت مطلقة -اسم فاعل- فهذا ليس من صريح الطلاق.
وقال الشافعية: بل صريح الطلاق هو الطلاق وما تصرف منه، وكذلك الفراق، وكذلك السراح.
لأن الله ذكر التسريح وذكر الفراق في القرآن، وهي: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130]، فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229].
وقال شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية واختار هذا القول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي : صريح الطلاق وكنايته يرجع فيه إلى العرف فما كان صريحاً في العرف فهو من صريحه، وما كان كناية في العرف فهو من كنايته، والناس يختلفون في هذا بحسب لغاتهم ولهجاتهم وأعرافهم، وهذا هو الراجح.
في بعض البلاد إذا قال لها: تغشي، فهي كلمة تفيد الطلاق عندهم ولا تحتمل غيره، وبعض البلاد تحتمله وتحتمل غيره، وهكذا.
وعلى ذلك فنرجع في هذه المسألة إلى العرف، فما عد في العرف صريحاً فهو صريح، وما عد في العرف كناية فهو كناية.
بقي الآن أن نعرف ما الذي يترتب على معرفتنا أن هذا من صريح الطلاق وأن هذا من كنايته؟
قال المؤلف: صريحه لا يحتاج إلى نية.
فإذا قال: أنت طالق، لا نسأله عن نيته، فهذا اللفظ يكفي، فلا تشترط فيه النية.
ولذا قال المؤلف: [ فإذا قال لزوجته: أنت طالق طلقت هازلاً كان أو لاعباً أو لم ينو ].
لأنه لا عبرة بنيته من جهة الحكم.
وقال هنا: (هازلاً كان أو لاعباً).
لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الخمسة إلا النسائي : (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة)، فحتى لو كان هازلاً فإن الطلاق يقع.
إذاً: إذا قال: أنت طالق، طلقت منه ولو لم ينو، هذا في الحكم، وذلك لأن القاضي يحكم بنحو ما يسمع، فما ظهر له حكم به، فعندما يقول لامرأته: أنت طالق، فهذه العبارة صريحة في الطلاق لا تحتمل غيره، وهو على ذلك يحكم بنحو ما يسمع.
لكن إذا لم يترافاعا إلى القاضي وقال: أنا عندما قلت لها: أنت طالق، إنما أردت أن أقول: أنت طالق من زوج سابق، أو أردت أن أقول: أنت طاهر فسبق ذلك على لساني، فيدين فيما بينه وبين الله، فنقول: أنت الذي تكلمت بهذا اللفظ والأمر في ذمتك فيما بينك وبين الله جل وعلا.
إذاً: فيما بينه وبين الله يدين، لكن في الحكم لو أن المرأة قالت: إنه طلقني، وذهبت إلى القاضي وأقر أنه قال: أنت طالق، فلا يقبل القاضي منه ذلك، فالقاضي يحكم بصريح هذه العبارة، لكن في باب الفتيا يدين فيما بينه وبين الله جل وعلا.
قال: [ حتى ولو قيل له: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم. يريد الكذب بذلك ].
لو قيل له: أطلقت امرأتك؟ قال: نعم، طلقت، لأنه معلوم أن المذكور في السؤال كالمعاد في الجواب، فكأنه قال: نعم طلقتها، وعلى ذلك فتطلق امرأته، أي أن هذا صريح أيضاً.
قال: [ ومن قال: حلفت بالطلاق. وأراد الكذب ثم فعل ما حلف عليه وقع الطلاق حكماً، ودين ].
قال: أنا حلفت بالطلاق أن امرأتي لا تذهب إلى السوق، وهو كاذب، فذهبت المرأة إلى السوق ثم إن المرأة قالت: فلان قال لي: إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، وأنا ذهبت إلى السوق، وذلك من أجل إيقاع الطلاق، فقال: أنا أكذب، فهنا يقول: وقع الطلاق حكماً، لأنه قد أقر على نفسه قبل ذلك فيؤاخذ بإقراره في الحكم عند القاضي، لكن فيما بينه وبين الله جل وعلا يدين.
أي: إن قال: أنا كاذب في هذه اليمين وما حلفت، لكني أردت أن أمنعها فقلت: يا فلانة اعلمي أني قد حلفت قبل قليل أنك إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، وأنا في الواقع لم أحلف؛ لكنها ذهبت تريد إيقاع الطلاق، فقال: أنا ما حلفت وإنما كذبت لأمنعك.
فمن جهة الحكم يقع الطلاق، وفيما بينه وبين الله يدين، يعني: إذا لم يترافعا إلى القاضي فإنه يجعل هذا ديناً ويقال له: اتق الله، وأنت أعرف هل أنت صادق أم كاذب؟ هذا كله على الكلام بوقوع الحلف بالطلاق، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله في موضعه.
قال: [ وإن قال: علي الطلاق، أو يلزمني الطلاق فصريح ].
إذا قال: علي الطلاق، فهذا صريح. وإذا قال: يلزمه الطلاق، فهذا صريح، وعلى ذلك فلا يحتاج إلى نية.
قال: [ منجزاً أو معلقاً ].
(منجزاً) كما لو قال: ليلزمني الطلاق، يعني الآن، ومعلقاً كما إذا قال: إن فعلت كذا فعلي الطلاق، فهذا معلق، ويأتي الكلام على هذا إن شاء الله في درس قادم في مسألة الحلف بالطلاق.
قال: [ أو محلوفاً به ].
قال: [ وإن قال: علي الحرام إن نوى امرأته فظهار ].
هذا الرجل قال: علي الحرام، ونوى تحريم المرأة، فالحكم أنه ظهار، فيعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يفصل في قول الرجل لامرأته: أنت علي حرام، بين التنجيز وبين التعليق، فإذا قال: أنت علي حرام منجزاً، فهذا ظهار، وعليه كفارة الظهار، وهي عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً.
وإن كان معلقاً كأن قال: يا فلانة إن حصل كذا فأنت علي حرام، فهذا فيه تفصيل أيضاً، فإن كان يريد إيقاع التحريم فإن عليه كفارة الظهار، فلو قال: إذا دخل رمضان فأنت علي حرام، فدخل رمضان نقول: إن جامعتها في رمضان فعليك كفارة الظهار، ولذا يجب أن تجتنبها في رمضان، وإن كان يريد الحلف فقط، أي: يريد أن يمنع نفسه من شيء أو يحث نفسه على شيء، فإن فيها كفارة اليمين.
بعض الناس يريد أن يمنع نفسه من شيء فيقول: إن شربت الدخان فامرأتي علي حرام، أو يقول: إن ذهبت يا فلانة إلى السوق فأنت علي حرام، يريد أن يمنع امرأته فقط، فهذا عليه كفارة يمين، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنه في تحريم المرأة، قال: هي يمين يكفرها. رواه مسلم .
وفي النسائي أنه قال: (أعتق رقبة) وهذا دال على التفصيل المتقدم.
إذاً إذا قال: أنت علي حرام منجزاً بذلك فعليه كفارة ظهار، وإن قال: أنت علي حرام إن حصل كذا أو إن فعلت كذا فنسأله عن نيته: فإن كان يريد إيقاع التحريم فهذا ظهار، وإن كان لا يريد إيقاع التحريم وإنما يريد المنع أو الحبس أو التأكيد فهي يمين فيها الكفارة،
قال: [ وإلا فلغو ].
هذا رجل قال: علي الحرام، إن أراد امرأته قلنا: هذا ظهار، وإن لم يرد امرأته فهذا لا يطلق، لأنه لم يحرم شيئاً بعينه، فلم يحرم العسل، ولم يحرم اللحم، وعلى ذلك فهو لغو، إذاً: إذا قال: علي الحرام فإن أراد امرأته فهو ظهار وإن لم يرد امرأته فهو لغو لأنه لم يعين شيئاً مباحاً حرمه على نفسه.
قال: [ ومن طلق زوجة له ثم قال عقبها لضرتها: شركتك، أو أنت شريكتها، أو مثلها، وقع عليهما ].
قال لفلانة من نسائه: أنت طالق، فقالت ضرتها: اتق الله لماذا تطلقها؟ فقال: وأنت شريكتها، يعني: شريكتها في الطلاق، ولذا قال: (ثم قال لضرتها: شركتك، أنت شريكتها أو مثلها وقع عليهما)، أي أن هذا من صريح الطلاق، ولا يحتاج إلى نية.
ثم قال: [ وإن قال: علي الطلاق، أو امرأتي طالق ومعه أكثر من امرأة ].
هذا رجل قال: علي الطلاق، أو قال لامرأته: طالق، ومعه امرأتان أو ثلاث أو أربع.
قال: [ فإن نوى امرأة معينة انصرف إليها ].
لو قال: أنا عندما قلت: امرأتي طالق كنت أعني فلانة، فينصرف إلى فلانة.
قال: [ وإن نوى واحدة مبهمة أخرجت بقرعة ].
عنده أربع، فقال: امرأتي طالق، فقلنا: أي نسائك؟ قال: أنا لم أعين واحدة، فلم أعين فلانة ولا فلانة ولا فلانة، لكني أريد واحدة، فتخرج بالقرعة، أي: توضع قرعة ومن خرجت قرعتها طلقت.
قال: [ وإن لم ينو شيئاً طلق الكل ].
لأن هذا مفرد مضاف، والمفرد المضاف يفيد العموم، فنقول: إذاً كل امرأة لك فهي طالق.
قال: [ ومن طلق في قلبه لم يقع طلاقه ].
إذا طلق بقلبه ولم يتلفظ بلسانه فإن الطلاق لا يقع، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم).
قال أهل العلم: ومثل ذلك لو حرك بيده ولم يتلفظ، ومثل ذلك لو أشار إشارة وليس بأخرس، أما إشارة الأخرس فإنها يعتد بها، لكن لو أشار بالطلاق بحركة بيده فإن الطلاق لا يقع حتى يتلفظ، أو كتب هكذا في الهواء فإن المرأة لا تطلق.
قال: [ فإن تلفظ به أو حرك لسانه وقع، ولو لم يسمعه ].
ما دام أنه حرك لسانه ونطق بالطلاق ولو لم يسمعه بأذنه فإن المرأة تطلق؛ لأنه نطق به وتكلم.
قال: [ ومن كتب صريح طلاق زوجته وقع ].
وهذا كالذي يكتبه الآن برسالة جوال، أو يكتبه بورقة، فإنه يقع، فالكتابة تقوم مقام اللفظ، أي أن الكتابة صريحة في الطلاق، لأنها تتكون من حروف تكتب.
[ فلو قال: لم أرد إلا تجويد خطي، أو غم أهلي، قبل حكماً ]، لو قال: أنا ما أردت إلا أن أجود خطي أو لم أرد إلا غم أهلي، قبل ذلك حكماً، يعني: عند القاضي.
أما قوله: تجويد خطي فهذا احتمال، لأن بعض الناس قد يقع منه ذلك، وقد تكون هناك قرينة تدل على كذبه، كما لو كتب فقال: باسم الله، أنا يا فلان ابن فلان قد طلقت، فنقول: هذا ليس موضع تجريب الخط، لكن بعض الناس عندما تكون عنده ورقة يكتب هنا وهنا عبارات، وربما يكتب هذه الكلمة، فهذا إذا كان من هذا النوع فإن هذا يقبل حكماً.
وأما إذا كتبها محررة كعادة الناس في كتابة الطلاق فالذي يظهر لي أن هذا من صريح الطلاق.
قوله: (أو غم أهلي)، إذا قال: أنا ما أردت إلا أن تصل إليهم هذه الرسالة في الجوال ويقع في قلبهم غم، فكنت أريد أن أؤدبهم ولا أريد الطلاق، وهذا أيضاً لا يقبل، ولذا قال في الكافي: إن ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله أنه يقع، وهذا هو الصحيح، لأن هذا صريح في الطلاق.
قال: [ فصل: في كنايات الطلاق ].
تقدم الكلام في صريحه، وهنا الكلام في كناية الطلاق، قال المؤلف: [ وكنايته لابد فيها من نية الطلاق ].
يقول: اخرجي إلى أهلك، اذهبي إلى أهلك، غطي وجهك، ويكون نوى في قلبه الطلاق، لكن لو كانت نيته: اذهبي إلى أهلك مؤدبة أو مهانة لم يقع به الطلاق.
قال: [ وهي قسمان: ظاهرة وخفية، فالظاهرة يقع بها الثلاث ].
الكناية نوعان: كناية ظاهرة وكناية خفية، الكناية الظاهرة يقع بها الطلاق الثلاث، وهذا على القول بأن طلاق الثلاث يقع ثلاثاً، وأما على القول بأن طلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة كما هو الصحيح، فلا فرق بين النوعين.
قال: [ والخفية يقع بها واحدة ما لم ينو أكثر ].
فإذا نوى أكثر وقع أكثر بحسب نيته.
الآن يذكر لنا أمثلة على الظاهرة، قال المؤلف: [ فالظاهرة: أنت خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وأنت حرة، وأنت الحرج، وحبلك على غاربك، وتزوجي من شئت، وحللت للأزواج، ولا سبيل لي عليك أو لا سلطان، وأعتقتك، وغطي شعرك، وتقنعي ].
هذه كلها من ألفاظ الكناية الظاهرة، وهذه يقع بها الثلاث عند من يقول بالثلاث، وعند من يقول: إن الثلاث واحدة هي واحدة.
قال: [ والخفية اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، وخليتك، وأنت مخلاة، وأنت واحدة، ولست لي بامرأة، واعتدي، واستبرئي، واعتزلي، والحقي بأهلك، ولا حاجة لي فيك، وما بقي شيء، وأغناك الله، وإن الله قد طلقك، والله قد أراحك مني، وجرى القلم ].
هذه كلها كنايات خفية تقع بها واحدة.
إذاً: الكناية تشترط فيها النية، فلا يقع الطلاق بالكناية إلا مع النية، ولكن هنا المؤلف يقول: [ ولا تشترط النية في حال الخصومة والغضب، وإذا سألته طلاقها ].
هذا رجل في حال الغضب أتى بكناية، أو المرأة سألته الطلاق فقال لها: أنت مخلاة، أنت برية، أنت بتة، أو كان في حال خصومة بينه وبينها، فلا يحتاج هذا إلى نية؛ لأن قرينة الحال تكفي عن النية، فالغضب قرينة حال، والخصومة قرينة حال، وسؤالها الطلاق قرينة حال.
فإذا أتى بلفظ من ألفاظ الكناية في غضب أو في خصومة أو عند سؤالها فهذا يكفي عن النية، فلو قال في هذه الحالة: لم أرد الطلاق، دين ولم يقبل حكماً.
هذا رجل اشتكته المرأة وقالت: إن زوجي قال: أنت برية، أو قال: حبلك على غاربك فقلنا: متى قال هذا؟ قالت: عندما سألته الطلاق، أو قالت: صار بيني وبينه خصومة فقال: حبلك على غاربك، فإن القاضي يحكم بالطلاق.
لو قال: أنا لا أريد الطلاق، فنقول له: حال الخصومة أو حال الغضب أو سؤال المرأة للطلاق، يكفي عن النية، أما إذا لم يترافعا إلى القاضي فإنه يدين فيما بينه وبين الله، ولذا قال المؤلف: [ فلو قال في هذه الحالة: لم أرد الطلاق، ودين ولم يقبل حكماً ].
يعني: في جهة الدين يدين ويرجع الأمر إلى ذمته، وأما من جهة الحكم فإن القاضي يحكم بالظاهر، والظاهر أنه طلاق، لأنه في حال خصومة أو غضب أو عند سؤالها الطلاق.
إذاً: خلصنا مما تقدم أن صريح الطلاق لا تشترط فيه نية ولا قرينة حال، وأما كناية الطلاق فإنه تشترط فيه النية أو قرينة الحال من غضب أو خصومة أو سؤال المرأة.
السؤال: هل الحلف بالطلاق يعد من الشرك الأكبر أو الأصغر؟
الجواب: ليس المقصود بالحلف بالطلاق أن يقول: والطلاق، كما يقول مثلاً: والنبي. بل معنى الحلف بالطلاق أنه أجرى الطلاق مجرى اليمين، بمعنى أنه علق الطلاق على شيء ليمنع نفسه أو يحثها أو يؤكد الأمر؛ لأن اليمين يقصد منه التأكيد ويقصد منه الحث ويقصد منه المنع، فهذا جعل الطلاق له فائدة اليمين فقط.
فإذا قال: يا فلانة إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، يريد من ذلك أن يمنعها كما يمنعها بقوله: والله لا تذهبين إلى السوق، فهذا حلف بالطلاق.
وذلك لأن الحلف إنما يكون بالشيء المعظم، والطلاق ليس بمعظم، والذي يعظم هو النكاح بخلاف الطلاق؛ لكنه جعل فائدة اليمين وثمرة اليمين في الطلاق، لأنه عندما يقول: يا فلانة إن فعلت كذا فأنت طالق فإنه يريد أن يمنعها من الشيء كما يمنعها منه باليمين.
وهذا مثل ما يقع بالنذر، بعض الناس يقول مثلاً: إن شربت الدخان فعلي صدقة ألف ريال، إن نمت عن صلاة الصبح تصدقت بمائة ريال، فهذا له حكم اليمين عند أهل العلم، ومثله تحريم الشيء، كما إذا قال: العسل علي حرام، اللحم علي حرام، طعام فلان علي حرام، فهذا له حكم اليمين.
ولذا قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] إلى أن قال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2].
السؤال: هذه تقول: إنها امرأة قد خلعت من زوجها ولها منه أبناء، فهل لها أن تكلمه بالهاتف لبعض مصالح الأبناء؟
الجواب: إذا كان الكلام ليس فيه خضوع بالقول فلا حرج عليها في ذلك ولها أن تتكلم معه بقدر الحاجة فقط؛ لأنه أجنبي عنها، فتتكلم معه بقدر حاجتها في حق أبنائها أو ما يتعلق بمجيء الأبناء إليها أو نحو ذلك.
السؤال: وهذه تقول: ألا تعتقدون أن إدخال الطلاق في كل مناسبة من قبل الرجال فيه تعد على حق المرأة؟
الجواب: نعم، نعتقد ذلك، والرجل لا يؤذي المرأة فيهددها في كل حال وعند كل مشكلة بهذه الكلمة، وقد يحملها الشيطان على أن تقول: طلقني ويحصل بينهم ما هو كالتحدي، فيفتح على نفسه باب شر فيطلق، فنقول: لا ينبغي للمسلم أن يكثر من ذلك، بل الطلاق يستخدمه العاقل في وقته الذي شرعه الله جل وعلا ولا يؤذي المرأة به.
السؤال: ما معنى قول المؤلف في مواضع عدة إن الرجل يدين؟
الجواب: نبين المعنى بمثال: فهذا رجل اتصل ببعض المشايخ من أهل الفتيا، وقال: أنا يا شيخ قلت لامرأتي: أنت طالق، لكن هذا سبق لسان ولم أرد الطلاق، بل أردت أن أقول كلمة أخرى فخرجت هذه الكلمة على لساني من غير إرادة لها.
فيقول له هذا المفتي: اتق الله فيما تقول، إن كنت صادقاً فالمرأة لا تزال في ذمتك ولا يقع الطلاق، وإن كنت كاذباً فيما تقول فالمرأة تطلق، والأمر راجع إليك، هذا معنى أن يدين.
لكن لو أن المرأة قالت: أنا لا أرضى بهذا الكلام، وكانت تريد الطلاق، فذهبت إلى القاضي، فالقاضي يحكم بنحو ما سمع، فيقول له: هل قلت يا فلان أنت طالق؟ فإن قال: نعم، وأردت به كذا.. لم يسمع القاضي هذا لأنه خلاف الظاهر، فيحكم بالطلاق.
فهناك شيء يكون في الحكم عند القاضي وهناك شيء يكون في الفتيا.
السؤال: الرجاء شرح ألفاظ الكناية؟
الجواب: الكناية ألفاظ تحتمل الطلاق وتحتمل غير الطلاق، نحكم بأنها طلاق إذا نوى بها الطلاق، وكذلك إذا كان هناك قرينة حال فنحكم بناء على القرينة، مثل حال غضب أو حال خصومة، يعني: لو أن رجل قال لامرأته: قد خليتك، وكان ذلك القول حال غضب أو حال خصومة، ثم قال: أنا لم أنو الطلاق، نقول: هذه القرينة كافية.
السؤال: ما الفرق بين الطلاق قبل الخلوة بالزوجة وبعد الخلوة بها؟
الجواب: إذا خلا الرجل بالمرأة تعلقت أحكام تزيد على الأحكام المتعلقة بمجرد العقد، منها أن الصداق يكون كاملاً ومنها مسألة الطلاق، فلو طلقها بعد الدخول بها فلها عدة ولو طلقها قبل الدخول فلا عدة لها، والدخول يحصل بمجرد الخلوة.
بعض الناس يعقد على امرأة فيذهب إليها في بيتها ويجلس معها وحدها وفي غرفة ويقفل الباب، فهذه خلوة، بعض الناس يظن أن الحكم لا يثبت حتى يبنى بها في ليلة العرس، والصحيح أنه بمجرد أن يخلو بها في غرفة أو في مكان يخصهما فهذه الخلوة تترتب عليها الأحكام.
السؤال: ما الحكم لو أرادت امرأة أن تذهب إلى إحدى جاراتها وحاول زوجها منعها ولكنها لم تمتنع، فأراد تهديدها وقال لها: أنت تكونين طالقاً لو ذهبت إليها! ولكنها ذهبت؟
الجواب: هذا هو الحلف بالطلاق، فيسأل عن نيته: فإن كان قد يريد طلاقها وفراقها طلقت، وإذا كان يريد أن يمنعها فقط ولا يريد الطلاق فلا تطلق.
السؤال: ما حكم الطلاق في الغضب؟ وإذا كان لا يقع فما معنى عدم اعتبار النية في كناية الغضبان؟
الجواب: تقدم أنه إن كان الغضب متناهياً بحيث لا يشعر، أو كان يخف معه الشعور وهو المتوسط؛ فالطلاق لا يقع.
ثم إن الغاضب قد يتكلم بصريح وقد يتكلم بكناية، فإذا تكلم بكناية يقع، لأن كونه غضبان يدل على أنه أراد الطلاق، ثم ننظر هل غضبه شديد أو لا، فهذه مسألة أخرى.
السؤال: إذا عمم شخص جميع النساء بالطلاق أو خصص، مثل أن يقول: إن تزوجت أي امرأة فهي طالق، فهل يقع الطلاق؟
الجواب: هذا رجل قال له أبوه: تزوج فلانة، قال: إن تزوجتها فهي طالق، أو قال: أيما امرأة تزوجتها فهي طالق، فلا يقع شيء، لأن هذا طلاق قبل النكاح، والطلاق إنما يكون بعد النكاح.
السؤال: هل يقع طلاق الهازل والمخطئ؟
الجواب: طلاق الهازل يقع، لأنه لا هزل في الطلاق.
والمخطئ إذا كان نطقه بالطلاق سبق لسان كمن يريد أن ينطق بكلمة فسبق على لسانه كلمة الطلاق، فهذا يقع طلاقه في الحكم، ويدين فيما بينه وبين الله فإن قال: أنا لا أريد الطلاق فإن ذلك يقبل منه.
السؤال: رجل قال لامرأته: أنت علي كظهر أختي، فما الحكم؟
الجواب: هذا ظهار، فإن وطأها فعليه أن يعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، ويأتي شرح الظهار إن شاء الله تعالى.
السؤال: كيف يكون في المسألة الواحدة قولان مختلفان في مذهب واحد كمذهب الإمام أحمد ؟
الجواب: الحنابلة والشافعية والمالكية والأحناف مدارس دخل فيها مئات العلماء بل ألوف العلماء ويخرجون على مذهب الإمام وينظرون إلى قواعد الإمام، فقد يكون في المذهب أكثر من قول، وقد يكون عن الإمام نفسه أكثر من قول.
الشافعي مثلاً له قول في العراق وله قول في مصر، وكذلك غيره من الأئمة، فالإمام قد يظل سنين يفتي بشيء ثم يتبين له خلافه، وقد يفتي في المسألة لأنه يرى أن هناك خلافاً بين هذه المسألة وهذه المسألة لكن أتباعه يظنون أنها مسألة واحدة فيظنون أن له قولين وإنما له قول واحد، فهذا أمر معروف في المدارس الفقهية في مذهب أحمد وغيره.
وتقدم شرح التفريق بين الرواية وبين الوجه، وأن الرواية ما نسب إلى الإمام، وأن الوجه ما ينسب إلى أصحاب الإمام.
السؤال: ما المقصود بقول الرجل لزوجته: أنت بتة وبتلة؟
الجواب: (بتة) بمعنى أنه انتهى ما بيني وبينك، أي انقطع ما بيني وبينك.
السؤال: قال له أبوه: طلقها، فإني سمعت الناس يقولون فيها كذا، وهو يعلم أن أباه صاحب هوى، فهل يطيع أباه في ذلك؟
الجواب: إذا كان أبوه ممن يعرف بتحري العدل فإنه يطيعه ويطلق، وكذلك إذا عرف أن أباه يتقي الله جل وعلا ولا يأمره بالطلاق إلا إذا كان قد رأى بعض الأمور المريبة وأنه يسمع من الناس كذا، وكذلك إذا سمع من غير أبيه بعض الكلام.
فإذا كان هناك قرائن تدل على أن أباه في هذه المسألة ليس بمتبع للهوى وأنه يتحرى العدل في هذه المسألة، والعادة أن الأب لا يحرص على أن يفرق بين زوجة ابنه وابنه، بل هو حريص على الوفاق، فإنه يطيع أباه.
وأما إذا كان الأب عنده عجلة ويصدق الناس، وقد تكون هذه المرأة مظلومة، فالواجب عليه التثبت، ولذا فإنا نقول لهذا الرجل: الواجب عليك أن تتثبت عما ذكر في هذه المرأة، ولا تستعجل في الطلاق، فالمرأة قد تكون مظلومة بكلام الناس، فلا تستعجل في الطلاق فتفرق بين نفسك وبين امرأتك. لاسيما إذا كان أبوه صاحب هوى.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر