قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فصل ]، وهذا الفصل في شروط الطواف.
[ وشروط صحة الطواف أحد عشر ] هذه شروط صحة الطواف، وهي أحد عشر شرطاً.
قال: [ النية ] هذا هو الشرط الأول، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فلابد من النية.
قال: [ والإسلام ]، فلا يصح الطواف إلا من مسلم، لأن الكافر لا يصح عمله، ومن ذلك الطواف، وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54].
قال: [ والعقل ]، فلا يصح الطواف من مجنون.
قال: [ ودخول وقته ] وتقدم أن أول وقته في المذهب نصف ليلة النحر.
قال: [ وستر العورة ]، فقد جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث منادياً في حجة أبي بكر بالناس: (ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان)، فلا بد من ستر العورة في الطواف.
وهذه الشروط في كل طواف، في طواف الركن كطواف الإفاضة وطواف العمرة، وفي الطواف الواجب كطواف الوداع، وفي الطواف المستحب كطواف القدوم.
قال: [ واجتناب النجاسة ] يعني: في ثوبه وفي بدنه.
[ والطهارة من الحديث ] يعني: الأكبر والأصغر.
فلابد من الطهارة من الأحداث الأكبر منها والأصغر، ولابد من الطهارة من النجاسة في ثوبه وفي بدنه، هذا هو قول الجمهور، واستدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الطواف في البيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه) رواه الترمذي والنسائي .
واستدلوا أيضاً بما ثبت في البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم مكة كان أول شيء بدأ فيه أن توضأ ثم طاف بالبيت، قالوا: وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لتأخذوا عني مناسككم) .
والقول الثاني في المسألة وهو قول في المذهب خلافاً للمشهور، واختاره شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ، واختاره أيضاً الشيخ محمد بن عثيمين وطائفة من أهل العلم، قالوا: إن الطواف ليس من شروطه الطهارة، وعلى ذلك لو طاف وهو محدث أجزأ ذلك.
واستدلوا بالأصل، فإن الأصل صحة الطواف، والأصل -أيضاً- براءة الذمة من الشروط.
قالوا: وأما حديث: (الطواف بالبيت صلاة) فإنه كقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة } يعني: هو مأمور بالسمت والسكينة والوقار، كالذي يكون في طريقه إلى المسجد، وكالذي ينتظر الصلاة، قالوا: ويدل على ذلك أن الشخص في طوافه لا ينهى عن الكلام وينهى عنه في الصلاة، ولا ينهى عن الشرب وينهى عنه في الصلاة، ولا يؤمر باستقبال البيت ويؤمر باستقباله في الصلاة، إلى غير ذلك من الأحكام، قالوا: فدل على أنه كقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة، فلا يشبكن) في بعض الأحاديث.
وأما ما استدلوا به من أن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ فنقول: هذا فعل، والفعل عند أهل الأصول لا يدل على الوجوب، وهذا القول أرجح، وإن كان الأحوط له ألا يطوف إلا وهو متطهر، لكن بعض الناس في هذا الزمن مع الزحام الشديد قد يحدث، بأن تخرج منه ريح أو نحو ذلك لا سيما كبير السن.. والمرأة، ويشق عليه مشقة شديدة أن يذهب إلى دورات المياه ليتوضأ ثم يستأنف الطواف من جديد، هذا فيه مشقة شديدة، وعلى كل حال فإن الذي يترجح هو القول الثاني في هذه المسألة.
قال: [ وتكميل السبع ] فلابد من تكميل السبع، فلو طاف بالبيت ستاً لم يجزئه ذلك، لأنه لابد من سبعة أشواط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتأخذوا عني مناسككم).
قال: [ وجعل البيت عن يساره ] فلا يصح أن يجعله عن يمينه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما طاف جعل البيت عن يساره، وقد قال: (لتأخذوا عني مناسككم).
قال: [ وكونه ماشياً مع القدرة ] المشهور في المذهب أن الركوب في الطواف -وكذلك في السعي كما سيأتي- لا يجزئ إلا مع العذر كالمريض، واستدلوا بأن النبي عليه الصلاة والسلام رخص لـأم سلمة أن تطوف راكبة لأنها كانت شاكية، كما في الصحيحين.
قالوا: وقياساً على الصلاة، فكما أن الصلاة لابد فيها من قيام مع القدرة فلابد في الطواف من مشي مع القدرة.
والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الشافعية أنه يصح الطواف من الراكب مع القدرة، لكنه خلاف الأفضل، واستدلوا بأن النبي عليه الصلاة والسلام طاف على بعيره كما في الصحيحين.
وقد جاء في مسلم من حديث ابن عباس : (أن الناس اجتمعوا عليه وكان يطوف ماشياً، وقالوا: هذا محمد .. هذا محمد .. حتى خرجت العواتق من البيوت، وكان يكره أن يدفع الناس بين يديه).
وقال ابن عباس رضي الله عنه: (فطاف على بعيره والمشي أفضل)، فدل ذلك على أن المشي أفضل وإن كان الطواف على البعير أو على الكرسي ونحو ذلك مجزئ، وكذلك في السعي.
قال: [ والموالاة ] يعني: بين الأشواط، فلا يفصل بين شوط وآخر بفاصل يعد في العرف طويلاً، بل يجب أن يوالي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف موالياً وقال: (لتأخذوا عني مناسككم).
قال: [ فيستأنفه لحدث فيه ] اشترط الموالاة واشترط الطهارة، يقول: لو أحدث في الطواف فيجب أن يستأنف، يعني: أن يبدأه من جديد.
قال: [ وكذا لقطع طويل ] يعني: لغير عذر، فلو أنه فصل بين الشوط الأول والشوط الثاني بقطع طويل في العرف فالواجب أن يستأنف من جديد.
قال: [ وإن كان يسيراً أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى وبنى من الحجر الأسود ].
يقول: إن كان الفاصل يسيراً في العرف، كمن يرتاح أو يذهب ليشرب من ماء زمزم، ويكون هذا لدقائق معدودة في العرف، فهذا لا يؤثر، كذلك إذا أقيمت الصلاة المكتوبة، أو حضرت جنازة فإنه يصلي الجنازة ثم يبني، والمؤلف هنا قال: يبني من الحجر الأسود.
إذاً: لا يقطعه إلا بشيء يسير في العرف، أو إذا أقيمت الصلاة المكتوبة أو حضرت جنازة فقط، فإذا قطعه لشيء من ذلك فلا يبدأ من جديد.
لكن هل يرجع إلى الحجر ليبدأ هذا الشوط من أوله أو يطوف من مكانه؟
هذا رجل طاف أربعة أشواط، وفي أثناء الخامس أقيمت الصلاة، أو تعب فارتاح يسيراً، أو حضرت جنازة، فهل نقول له: ارجع وابدأ من الحجر أو طف من مكانك؟
قولان لأهل العلم، والمؤلف هنا قال: إنه يبني من الحجر الأسود، وهذا هو المذهب، والقول الثاني في المسألة وهو وجه عند الشافعية وبه أفتت اللجنة الدائمة في المملكة وهو الراجح أنه يبني من مكانه؛ لأن الطواف عبادة واحدة، وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
قال: [ وسننه: استلام الركن اليماني بيده اليمنى ].
الركن اليماني هو الركن الذي يكون قبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فيستحب له أن يستلمه بيده اليمنى، ولم يرد أنه يقبل يده، ولم يرد أنه إذا لم يستلمه يشير إليه، إذاً: فلا يشرع إلا استلامه فقط، ولا يشرع تقبيله ولا تقبيل اليد التي استلمته، ولا الإشارة، كل ذلك لا يشرع في حقه.
أما الحجر الأسود فيستحب تقبيله أو استلامه وتقبيل اليد، أو مسه بعصا أو نحوها وتقبيل هذه العصا، أو الإشارة إليه، كل ذلك وارد عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن إذا أشار إليه بيده فقط فلا يقبل يده؛ لأنها لم تمسه، أما إذا استلمه بمحجن أو عصا فإنه يقبل هذا المحجن كما ثبت في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: [ وكذا الحجر الأسود وتقبيله ] كما تقدم شرح هذا.
ويستحب له إذا أشار إليه بشيء أو استلمه أو قبله أن يقول: الله أكبر، ثبت هذا في البخاري عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وفي أول طواف له يستحب أن يقول: باسم الله، فيبدأ بالبسملة، وثبت هذا عن ابن عمر كما في البيهقي بسند صحيح، فيقول: (باسم الله) عند أول طوافه فقط، ويكبر عند كل تقبيل له أو كل استلام له أو كل إشارة له، هذا في الحجر الأسود.
قال: [ والاضطباع ]، الاضطباع سنة في حق الرجال فقط، وصفة الاضطباع أن يضع وسط الرداء تحت منكبه الأيمن، فيكون منكبه الأيمن مكشوفاً، وتكون هذه السنة في طواف القدوم وفي طواف العمرة فقط، أما طواف الإفاضة فلا يستحب فيه الاضطباع، ولا طواف الوداع، بل يستحب له أن يكون قد لبس ثيابه، لكن بعض الناس يقدم طواف الإفاضة قبل أن يرمي الجمار، فيكون عليه إزاره ورداؤه، فلا يشرع له أن يضطبع، والاضطباع يكون في الأشواط السبعة كلها حيث شرع.
[ والرمل ] الرمل هو إسراع في المشي مع تقارب في الخطى، وليس هرولة ولا جرياً، وإنما هو مشي سريع يقارب فيه بين خطاه، ويستحب في الأشواط الثلاثة الأولى في طواف القدوم وطواف العمرة للرجال فقط، ويرمل ثلاثة أشواط من الحجر إلى الحجر ويمشي أربعة.
ولا يشرع هذا في طواف الإفاضة ولا طواف الوداع.
قال: [ والمشي في مواضعها ] أي: المشي في المواضع التي يستحب فيها المشي، وبقية الطواف يستحب فيه المشيء، فطواف الإفاضة يستحب فيه المشي، وطواف الوداع يستحب فيه المشي، والأشواط الأربعة الأخيرة في طواف القدوم وطواف العمرة يستحب فيها المشي.
قال: [ والدعاء والذكر ] ومما ورد بين الركنين: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) رواه أبو داود .
ويستحب له أن يشتغل في طوافه بالذكر والدعاء وقراءة القرآن، وليس هناك ذكر مخصوص ولا دعاء مخصوص لكل طواف، وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما تقدم ذكره، وأما ما سوى ذلك فإنه يدعو بما تيسر، ولو بلهجته الدارجة، والأفضل أن يدعو بما جاء في القرآن من الأدعية وبما جاء في السنة، لكن إن دعا بما يحب وبما يتيسر له فهذا أمر جائز.
قال: [ والدنو من البيت ] فيستحب له أن يدنو من البيت، فكلما قرب من البيت فهو أفضل، إلا أن يكون هناك زحام فإنه يبتعد عن الزحام ويخفف على الطائفين.
[ والركعتان بعده ] ويستحب أن تكونا خلف المقام، قال الله جل وعلا: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125].
قال: [ فصل؛ وشروط صحة السعي ثمانية ] السعي الذي يكون بين الصفا والمروة، شروط صحته ثمانية.
[ النية ]، لحديث: (إنما الأعمال بالنيات).
[ والإسلام والعقل والموالاة ] تقدم ذكر ما يدل عليها في الطواف، فكذلك في السعي. فلابد إذاً من الموالاة بين أشواط السعي، فلا يفصل بين أشواط السعي بفاصل طويل في العرف، يستثنى من ذلك ما إذا أقيمت مكتوبة أو حضرت جنازة كما تقدم شرحه.
وأما الموالاة بين الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فهو سنة، لو طاف بالبيت سبعة أشواط والى بينها، ثم استراح طويلاً، كأن ذهب إلى بيته ونام ثم عاد فطاف بين الصفا والمروة، فلا بأس بذلك.
فالموالاة بين الطواف والسعي سنة، أما الموالاة بين أشواط الطواف وبين أشواط السعي فهو شرط لابد أن يواليه.
قال: [ والمشي مع القدرة ]، تقدم الكلام على هذا، وأن الراجح أن المشي أفضل من الركوب وإن كان الركوب يجزئ.
قال: [ وكونه بعد طواف ] فلا يصح سعي إلا بعد طواف.
هذا رجل ذهب إلى مكة وهو قارن أو مفرد، فأتى البيت فوجد زحاماً في الطواف، فذهب فسعى بنية الركن، لا يجزئه ذلك، ونقول له: إذا أردت أن تسعى فطف أولاً طواف القدوم ثم اسع بين الصفا والمروة، هذا هو الصحيح وعليه المذاهب الأربعة.
فلابد -إذاً- أن يكون السعي بعد طواف ولو كان هناك فاصل طويل في العرف، لكن المقصود أن يكون قد سبقه طواف.
قال: [ ولو مسنوناً كطواف القدوم ] لو كان هذا الطواف مسنوناً كطواف القدوم، فإنه يصح أن يسعى بعده للركن بين الصفا والمروة، ويجزئه هذا السعي للمفرد والقارن كما تقدم.
بعض العلماء رخص في كون السعي لا يسبقه طواف في يوم النحر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم أو أخر إلا قال: (افعل ولا حرج)، وأما ما سوى ذلك فالصحيح المقطوع به أنه لا يصح إلا بعد طواف.
قال: [ وتكميل السبع ] أي: فلو أنه سعى ستاً لا يجزئه، لأنه لابد أن يسعى سبعاً، لكن لو زاد فسعى أربعة عشر شوطاً نقول: إن سعيه يصح والزيادة لغو.
بعض الناس يقول: أنا حججت أو اعتمرت وسعيت أربع عشرة مرة من الصفا إلى المروة ثم من المروة إلى الصفا، كنت أظن أن الذهاب والإياب هذا شوط، فنقول: هذا غلط، بل من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط ثان، ثم من الصفا إلى المروة شوط ثالث وهكذا.
قال: [ واستيعاب ما بين الصفا والمروة ] فلابد أن يستوعب ما بين الجبلين، ولا يجب الرقي، فرقي الصفا ورقي المروة سنة، لكن الواجب أن يسعى من طرف الجبل في الصفا إلى طرف الجبل في المروة؛ لأنه لا يصدق عليه أنه سعى بينهما حتى يستوعب، فلو أنه بدأ بعد عشرة أمتار أو خمسة أمتار من الصفا لا يجزئه ذلك.
والمستحب له إذا رقى الصفا أن يقرأ قول الله جل وعلا: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، وأن يستقبل القبلة، ويرفع يديه ويقول: (لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو، ثم يعيد الذكر مرة ثانية: (لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو ثانية، ثم يقول الذكر ثالثة، فيكون الذكر ثلاثاً والدعاء مرتين، ثم ينزل إلى المروة.
وإن كان رجلاً فيستحب له أن يسعى سعياً شديداً بين الميلين الأخضرين، فإذا أتى إلى المروة فعل كما فعل على الصفا، فاستقبل القبلة وأتى بالذكر الذي تقدم، يفعل ذلك سبع مرات.
وعلى ذلك فوقوفه الأخير عند المروة لا يشرع، بل إذا وصل إلى المروة عند آخر سعية ينصرف، ولا يرقى المروة في آخر مرة ويدعو بما تقدم، لأنه يقول ذلك سبعاً عند الصفا ثم المروة ثم الصفا ثم المروة ثم الصفا ثم المروة ثم الصفا، فإذا أتى إلى المروة وقد فرغ من سعيه انصرف ليحلق رأسه أو يقصره.
قال: [ وإن بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط ] لأن الله بدأ بذلك فقال: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ [البقرة:158] وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أبدأ بما بدأ الله به) وفي رواية: (ابدءوا بما بدأ الله به) كما في النسائي .
قال: [ وسننه: الطهارة، وستر العورة ]، هذه سننه، فالطهارة سنة في السعي، وهي شرط في الطواف في المذهب كما تقدم، وعلى ذلك فلو أنه طاف بين الصفا والمروة محدثا فلا حرج عليه في المذهب، وكذلك الطواف على الراجح.
[ والموالاة بينه وبين الطواف ] يقول: يستحب أن يوالي بينه وبين الطواف، فيستحب له أن يسعى بين الصفا والمروة بعد طوافه.
قال: [ وسن أن يشرب من ماء زمزم لما أحب ويرش على بدنه وثوبه ]؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ماء زمزم لما شرب له)، ولم أقف على دليل يدل على أنه يرش منه الثوب، وإنما جاء شربه والتداوي به، وأما رش الثوب فلا أعلم دليلاً يدل على ذلك.
قال: [ ويقول: باسم الله، اللهم اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، ورياً وشبعاً وشفاء من كل داء، اغسل به قلبي واملأه من خشيتك ] وقد جاء بعض هذا الدعاء عن ابن عباس رضي الله عنه، فيدعو بما أحب، وهذا دعاء حسن إن دعا به أو بغيره فلا بأس.
[ وتسن زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام وقبري صاحبيه رضوان الله وسلامه عليهما ]، لمن أتى المدينة لا أن يشد رحله لذلك.
أما من أتى المدينة فيستحب له أن يزور قبره وقبر صاحبيه، وليس له أن يسافر لأجل ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) متفق عليه، فلا يشد الرحل إلى غير هذه المساجد.
[ وتستحب الصلاة بمسجده وهي بألف صلاة، وفي المسجد الحرام بمائة ألف ].
قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام) متفق عليه، زاد أحمد : (فصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد).
والمشهور في المذهب أن هذا لا يخص الصلاة بل سائر الأعمال الصالحة مضاعفة، وهذا قياس صحيح، فسائر الأعمال الصالحة تضاعف.
قال: [ وفي المسجد الأقصى بخمسمائة ] جاء هذا في الطبراني بسند فيه ضعف، وجاء في مستدرك الحاكم والحديث حسن: (أن صلاة في المسجد النبوي أفضل من أربع صلوات في المسجد الأقصى)، وعلى ذلك ستكون الصلاة في المسجد الأقصى عن مائتين وخمسين صلاة، وهذا أصح.
ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر