وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله, وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
المرسل لغة: من أرسل بمعنى أطلق, واصطلاحاً: هو ما أضافه التابعي للنبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول: هو الذي سقط منه الصحابي, والأولى أن نقول: ما سقط منه راوٍ من طبقات الصحابة, وليس من الصحابة؛ لأننا لو تأكدنا أن الصحابي قد سقط فإن هذا الإسناد يكون صحيحاً؛ لأن الصحابة كلهم عدول, فسواء أبهم الصحابي أو سقط الصحابي, فحكمه كأنه ذكر.
والمرسل ضعيف؛ لأن هناك احتمالات, فيحتمل أن يكون الذي سقط هو الصحابي, ويحتمل أن يكون الذي سقط هو التابعي, فلما نجم الاحتمال, والأصل في الرواية الحيطة والتشديد؛ قلنا بالضعف.
ومثاله أيضاً أن تقول: عن الأعمش عن النبي صلى الله عليه وسلم, أو عن ابن عيينة عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم, فهذا مرسل؛ لأن طبقة الصحابي ما وجدت, وسقطت الواسطة بين الراوي وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
الشرط الأول: سقوط راوٍ من الرواة لا أكثر.
الشرط الثاني: أن لا يكون السقط من آخر السند.
الشرط الثالث: أن لا يكون السقط من أول السند.
والمنقطع غير المقطوع، فالمنقطع من صفات الإسناد، والمقطوع من صفات المتن.
ومحمد بن مسلمة كان سكيراً عربيداً, يشرب الخمر كثيراً, وفي يوم رأى كوكبة عظيمة من الشباب يطوفون حول شيخ ويبجلونه تبجيلاً عظيماً، وكان محمد بن مسلمة مخموراً، فنظر إليه نظرة إعجاب, فقال لمن حوله: من هذا؟ قالوا: هذا شعبة, قال: وما شعبة ؟ فلم يعرفوا كيف يجيبونه, فذهب إليه فقال: من أنت؟ قال: شعبة , قال: وما شعبة ؟ قال: محدث, قال: بم تحدث؟ قال: أحدث عن رسول الله, قال: حدثني, قال: نح نفسك عني, قال: والله لا أتركك حتى تحدثني, قال: لن أحدثك, فأشهر سيفه وقال: لتحدثني أو لأعلونك بالسيف, فقال: نعم, حدثني فلان عن فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، فسقط السيف من يده وبكى، وذهب فاغتسل, وتاب إلى الله توبة نصوحاً، وصار زاهداً عابداً، وكان من أحفظ الناس وأروى الناس للموطأ، والبخاري أخذ عنه الموطأ, فهو يروي أحاديث مالك بواسطة محمد بن مسلمة , والترمذي أيضاً يروي أحاديث مالك من طريق القعنبي , ولو رواها من طريق أحمد لكان بينه وبين مالك راويان؛ لأن أحمد ما أخذ عن مالك , وقال: قد كفانا الله بـابن عيينة أحاديث مالك .
مثال آخر للمنقطع: أن يروي القعنبي عن مالك عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم, فهذا منقطع؛ لوجود سقط أثناء السند، فـمالك لا يروي عن ابن عمر مباشرة.
واصطلاحاً: ما سقط من أثناء سنده راويان فأكثر بشرط التوالي. فيشترط في المعضل شرطان:
الشرط الأول: أن يسقط راويان.
الشرط الثاني: أن يكون السقوط على التتابع, فإذا سقط من أثناء السند راوٍ من الطبقة الأولى، ثم سقط راوٍ من الطبقة الثالثة أو الطبقة الرابعة أو الخامسة, فهذا السقط غير متتالٍ, فليس بمعضل.
والزهري قد أدرك أنساً وسمع منه، فهو من المعمرين من الصحابة، ومن المعمرين منهم سويد بن غفلة وكان قد صلى بالناس التراويح وقد بلغ مائة وعشرين سنة, وبعدما صلى بالناس مات, وكان قد تزوج بكراً وعمره مائة وخمس عشرة سنة!
وحكم الحديث المعضل أنه ضعيف؛ لاختلال شرط من شروط الصحة وهو اتصال الإسناد.
مثال المعلق: أن يروي أحمد عن مالك عن نافع عن ابن عمر , فـأحمد يروي عن مالك بواسطة الشافعي , أو بواسطة ابن عيينة , فـأحمد لو روى عن مالك لابد أن يكون بينه وبين مالك واسطة مثل الشافعي , وفي المسند ثلاثة عشر حديثاً بهذه السلسلة: أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مثال آخر: أن يروي البخاري عن نافع عن ابن عمر, والبخاري كثيراً ما يقول: قال رسول الله, أو يقول: قال ابن عباس، ولا يأتي بالسند أو لا يأتي بشيخه المباشر فيقول: قال مالك , فهذا يسمى معلقاً؛ لأن السقط من أول السند, وهذا إذا أسقط طبقة واحدة, لكن لو أسقط راويين على التوالي فالحديث معلق معضل, لكن يكفي أن نقول: هذا معلق.
إذاً: يدخل في الانقطاع: المرسل والمنقطع والمعضل والمعلق, وأحكام هذه الأربعة الضعف؛ لاختلال شرط من شروط الحديث الصحيح.
الحالة الأولى: أن يأتي بها بصيغة الجزم, كأن يقول: قال ابن عباس , قال النبي، أو يقول: ذكر ابن عباس , ذكر مالك , ذكر نافع , قال نافع .
الحالة الثانية: أن يرويه بصيغة التمريض, مثل أن يقول: يروى, يقال, يذكر, فهذه الصيغة تسمى صيغة تمريض.
وكتاب تغليق التعليق للحافظ ابن حجر اهتم بهذه المعلقات جداً، وبين أسانيدها، وبين أن كل ما علقه البخاري بصيغة الجزم فهو صحيح.
وهذا يرد على الذين يقولون: إن حديث المعازف حديث ضعيف؛ لأنه معلق, فنقول لهم: قد ذكره البخاري بصيغة الجزم, قال: وقال هشام بن عمار ، ثم هشام بن عمار هو شيخ مباشر للبخاري .
هذا حكم الحالة الأولى، أما الحالة الثانية وهي أن يأتي به بصيغة التمريض, نحو: يقال, يذكر, يروى, فهذه لابد من التتبع والنظر في الأسانيد، وقد بين ابن حجر أنه يكون منها الصحيح والضعيف والحسن.
إذاً: توجد حالة للمعلقات لا تبحث فيها، وهي إذا ذكرها بصيغة الجزم نحو: قال, وحالة تبحث فيها إذا ذكرها بصيغة التمريض نحو: يذكر أو يروى.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر