يقسم العلماء السموم المعروفة عادة إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: هي تلك السموم القاتلة التي تمزق وتحرق الأجزاء التي تصل إليها من الجسم بمجرد تعاطيها أو تناولها، وذلك كالسم المعروف بالسليمانى.
القسم الثاني: هي السموم المهيجة كالزرنيخ مثلاً، وهي ذات تأثير مهيج على المعدة والأمعاء.
القسم الثالث: هي السموم المخدرة وهي ذات تأثير تخديري على المخ والأعصاب كالحشيش والأفيون وغيرها، وهي ما تعارف الناس اليوم - بل ومن قبل - على تسميتها بالمخدرات.
ولم تكن هذه المخدرات وليدة اليوم وإن كان هذا العصر شهد تطوراً رهيباً مذهلاً في انتشارها وترويجها واستخدامها في كافة الأغراض، لم تكن المخدرات وليدة اليوم، بل لقد عرفها الإنسان منذ آلاف السنين، وقد ذكر المتحدثون عن المخدرات أن بعض شعوب الشرق الأدنى عرفوا الأفيون منذ نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة كما يقولون، وكانوا يسمونه نبات السعادة، ويستخدمونه في بعض الأغراض الصحية، أو يعطونه لأطفالهم لمنع إفراطهم في البكاء أو ما أشبه ذلك.
أما استخدام هذه المخدرات وتحول هذا الأمر إلى ظاهرة عامة، فلعل أول ما عرف ذلك في العالم الإسلامي على الأقل هو ما قام به الحشاشون، وهم طائفة من المتصوفة ذات تأثير خطير في العالم الإسلامي في تاريخ المسلمين، وهم أصحاب قلعة الموت على بحر الخزر، فكانوا يتعاطون المخدرات والحشيش بالذات للتأثير على أتباعهم، حتى كان الحسن بن الصباح -زعيمهم- إذا أراد أن يعاقب شخصا من أتباعه فإنه يمنع عنه الحشيش أياماً معلومات، ويعتبر هذا من التعذيب والتأديب لهذا الإنسان التابع لـه، وقد عرفت هذه الطائفة في التاريخ باسم الحشاشين، وهناك دراسات مستفيضة عن الحشاشين ودورهم وأعمالهم.
وخلاصة القول فيهم أن هؤلاء الحشاشين كانوا عبارة عن جماعة إرهابية تخريبية جعلت العنف والقتل والإرهاب سياسة لها، وهي من الباطنية، وقد حاولوا اغتيال البطل المسلم صلاح الدين الأيوبي مراراً، لكنهم باءوا بالفشل، وقد ذهب ضحيتهم عظماء ووزراء كبار من أبرزهم نظام الملك الوزير العباسي المشهور، وكان لهم في ذلك خطط كبيرة لاغتيال الشخصيات المشهورة والزعامات البارزة وإحداث الفوضى وزعزعة الأمن في المجتمعات الإسلامية.
ثم تذكر الحديث الذي رواه البخاري ومسلم - رحمهما الله - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى فيه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسُمٍّ فسُمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه - أي: يطعن بها بطنه - في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً} وهكذا نجد هذا الوعيد الشديد على من يقتلون أنفسهم، سواء بالانتحار من خلال السقوط والتردى من القمم الشاهقة والمباني المرتفعة، أم من خلال قتل أنفسهم بالنار والسكاكين وغيرها، أم من خلال قتل أنفسهم من خلال هذه المخدرات التي يتعاطونها بأيدهم طوعاً واختياراً، والوعيد جاء رهيباً كبيراً: {فسُمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً} وكل إنسان مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر حين يسمع هذا الحديث تصيبه قشعريرة من هذا الوعيد العظيم، في هذا الحديث الذي رواه البخاري ورواه مسلم أيضاً، وهو وعيد يوحي بأن المتعاطين لهذه السموم الفتاكة المؤدية إلى الموت يتعاطونها في نار جهنم خالدين فيها أبداً، وهو وعيد شديد، لا أتصور وعيداً أعظم منه، وينبغي أن نبقي هذا الوعيد بهيئته وجلاله وتأثيره كما تحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله عزوجل {من قتل نفسَه بسُمٍّ فسُمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً}.
مع أننا نعلم جميعاً أن معتقد أهل السنة والجماعة الذي أجمعوا عليه أن مرتكب المعاصي والكبائر لا يخرج من الإسلام وإن وقع فيها؛ ما دام يعترف بأنها محرمة، فهو مسلم مهما ارتكب من المعاصي والكبائر والموبقات، فلا يخرج من الإسلام بهذه المعاصي، لكن بقاء هذا الوعيد على هيئته أبلغ في النفوس وأقوى في التأثير.
وهذا يؤكد لنا أن قضية المخدرات ليست قضية محلية كما يحاول أن يفسرها بعض الناس، بل هي قضية عالمية، وما العصابات المشهورة في العالم والتي تتبنى ترويج المخدرات ونشرها كعصابات المافيا وغيرها عنا ببعيد، وفي جريدة المسلمون أيضاً الصادرة في يوم الجمعة القادم سوف ينشرون تحقيقاً كما ذكروا عن دور هذه العصابات في نشر ألوان المخدرات لشباب الجامعات في مصر وغيرها، وكذلك دور الأعداء الداخليين الممثلين في أوساط المجتمع الإسلامي، كما لاحظنا دور الحشاشين المتصوفة في نشر المخدر بين المسلمين، واستخدام ضحايا المخدر في أغراض أخرى: في أغراض سياسية وفي أغراض تخريبية، وفي إخلال بالأمن، وفي القتل وسفك الدماء وترويع الآمنين إلى غير ذلك.
وربما يكون الوقوف أمام قصة أو حادثة أبلغ من كلام طويل عريض في بيان أثر التربية الوجدانية على الفرد والمجتمع.
ما هو الدافع الذي جعل هذا الرجل يقف على رأس أبويه وهما نائمان لا يشعران به، ولا يسقي أطفاله الصبيان الصغار، وهم يبكون من الجوع حتى برق الفجر، فيستيقظ والداه ويشربان قبل أطفاله؟ إنه لا شك شعور إيماني، الشعور بأن الله عز وجل رقيب عليه مطلع، فلا يعمل إلا ما يرى أنه أقرب له إلى الله عز وجل.
وما الذي جعل الآخر يقلع عن المعصية وقد أصبح قاب قوسين أو أدنى منها، وقد تهيأت لـه سبلها وأسبابها، وأصبحت هذه المرأة في متناوله، والدوافع موجودة، ومع ذلك يقوم وهو أشد ما يكون رغبة وشوقاً؟ إنه الإيمان بالله عز وجل والخوف منه.
وما الذي يدفع ذلك الرجل الثالث إلى أن يحتفظ بمال رجل أجنبي قد يعود أو لا يعود؟ بل نَمَّاه حتى أصبح أودية من الإبل والبقر والغنم والرقيق، ثم يسلمه له؟ لاشك أنه دافع الإيمان وأنه يشعر أنه يتعامل مع الله عز وجل حين يتعامل مع الناس، فالله تعالى مطلع عليه ومحاسبه على كل ما يأخذ وكل ما يدع، ولذلك كان الإمام أحمد ومن قبله أبو الدرداء - رضي الله عنه وأرضاه - كثيراً ما يتمثلون بهذه الأبيات:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل: عليَّ رقيبُ |
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيبُ |
لهونا عن الأيام حتى تتابعت ذنوب على آثارهن ذنوبُ |
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ويأذن في توباتنا فنتوبُ |
فالمؤمن يشعر بأن الله عز وجل رقيب عليه؛ حتى في حال خلوته وبعده عن أعين الناس.
فهذه التربية الوجدانية؛ وهذه التربية الإيمانية، وليس الكلام الفارغ الذي قد نتبجح به في الصباح والمساء وفي كل ميدان! التربية الإيمانية التي تجعل المرأة تقلق من جريمة وقعت فيها منذ سنتين وتسعة أشهر؛ فلا ترضى إلا أن يقام عليها الحد، وهى تعلم سلفاً أي حد سيقام عليها، إنه الرجم...!
وكلنا نعرف كيف كانت الخمر في حياة العرب في الجاهلية، وإذا كان الناس يقولون (الشعر ديوان العرب) فاقرأ أشعار الشعراء الجاهليين، وانظر كيف يتغنون بالخمر، بل اقرأ أشعار الشعراء الإسلاميين وانظر كيف كانوا يتغنون بالخمر في حال جاهليتهم، هذا حسان رضي الله عنه شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في همزيته عن الخمر حين كانوا يشربونها في الجاهلية:
فنشربها فتجعلنا ملوكاً وأُسْداً لا يُنْهَنْهَهَا اللقاءُ |
وهذا أبو محجن الثقفي رضي الله عنه يقول عن الخمر -ولعل هذا كان في حال جاهليته-:
إذا متُّ فادفني إلى جنب كرمةٍ تروي عظامى بعد موتى عروقُها |
ولا تَدْفنـنِّي بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت ألا أذوقها |
والشاعر الجاهلي يقول:
فإذا سكرتُ فإنني ربُّ الخوَرْنَقِ والسديرِ |
وإذا صحوتُ فإننى ربُّ الشويهةِ والبعيرِ |
أي أنه يسكر فيعيش في أحلام وخيالات أنه رب الخوَرْنَق والسدير -وهى قصور معروفة لملوك العرب- فهو إذا سكر خُيِّل إليه أنه من الملوك، وأن الدنيا في يده كما قال حسان:
فتجعلنا ملوكاً... |
وكل شعراء الجاهلية لهم قصائد خاصة تسمى الخمريات، أو غالبها فيها تَغَنٍّ بالخمر، وبيان مدى تغلغلها في المجتمع العربي آنذاك.
مع هذا كله يأتي بيان يعلن من الرسول -عليه الصلاة والسلام- بأن الخمر قد حُرِّمَتْ فتراق في شوارع المدينة، حتى إنَّ من كان في يده الكأس منهم كان يريقه، وحتى إنهم لم يكتفوا بإراقة الخمر بل أمروا أنساً أن يكسِّر قنان الخمور وأوانيها، بل من كان الخمر في فمه فإنه يبزقه ولا يشربه، وأعجب في ذلك أنهم بدءوا يفكرون فيمن ماتوا والخمر في أجوافهم قبل أن ينـزل تحريمها، فقالوا: قد مات أقوام وهى في أجوافهم؛ فأنـزل الله عز وجل قوله: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا [المائدة:93] فبين أنه لا جناح على هؤلاء الذين ماتوا، والخمر في أجوافهم؛ ما دام ذلك كان قبل منعها وتحريمها.. فمن خلال هذه الأمثلة يتبين لنا دور الوازع الإيماني وأثره، وأثر التربية الوجدانية على الفرد وعلى المجتمع في الوقاية من هذه المخدرات.
إننا نجد أن دول العالم اليوم وهى تتنادى لحرب المخدرات قد فشلت في ذلك فشلاً كبيراً إلى حد كبير! وبقدر ما تقدمت الوسائل في اكتشاف المخدرات تقدمت الوسائل في تهريبها أيضاً! وتفانى من يهربونها في هذا السبيل؛ حتى إنهم يبذلون مهجهم وأرواحهم من أجل تحصيل هذه المتعة، أو من أجل المكسب المادي، أو من أجل التقريب، أو غير ذلك، ونحن نجد أن في الإسلام للمسلمين إمكانية كبيرة جداً للقضاء على هذه المخدرات من خلال إثارة وإحياء التربية الوجدانية في نفوس الناس.
فمثلاً: الحديث عن حكم الإسلام في هذه المخدرات والوضوح بذلك في شكل جيد، هذا من القضايا المهمة وقد يقول قائل: وهل يجهل أحد حكم المخدرات؟ فأقول: نعم، وقد دلت الإحصائيات والدراسات المتنوعة على أن عدداً غير قليل ممن يتعاطون هذه المخدرات قد يجهلون حكمها في الشريعة الإسلامية، فقد ذكر سعد المغربي في دراسة إحصائية له في مصر؛ أن الغالبية العظمى من متعاطي الحشيش يعتقدون أنه غير محرم، أو غير مكروه من ناحية الشريعة الإسلامية، وفى دراسة أخرى لـمصطفى سويف في مصر أيضاً ذكرت هذه الإحصائية: أن اثنين وستين في المائة من متعاطي الحشيش يعتقدون أنه غير محرم ولكنه مكروه فقط! اثنان وستون في المائة منهم يعتقدون أنه مكروه فقط، واثنا عشر منهم يقولون: إن تعاطيه محرم، وستة وعشرون منهم بالمائة يقولون: إنه غير مكروه ولا محرم أيضاً، إذاً حوالي ثمانية وثمانين بالمائة من متعاطي الحشيش في إحدى الدول الإسلامية يعتقدون أن الحشيش غير محرم..!
وبالتأكيد أن هذه النسبة تختلف من بلد إلى آخر بحسب قوة الوعي الإسلامي، وبحسب انتشار العلم الشرعي وجهود العلماء والدعاة والمصلحين في التحذير من هذه الأخطار، فبالتأكيد مثلاً أن النسبة ستختلف كثيراً لو كانت الإحصائية في هذه البلاد.
لكن أيضاً الجهل موجود في كل مكان، وقبل أيام كان أحد الأشخاص يحدثني عن مشكلة تتعلق بتعاطي الخمر، وأن أحد الأشخاص يقول وهو يشرب الخمر: إنها ليست بحرام، وغاية ما في الأمر أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول: {من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة} فأنا أريد أن أشربها في الدنيا حتى لو لم أشربها في الآخرة؛ فالمهم أن أدخل لجنة ولو لم أشرب الخمر، يعنى: ليس هناك مشكلة، هكذا يقول!!
ونحن نعلم أن الإسلام موقفه من هذه القضية واضح وصريح؛ فإن الله عز وجل صرح بأن الخمر رجس من عمل الشيطان، وأمر باجتنابها، وبيَّن أن فيها إثماً كبيراً يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:219] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90] وقال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:91] فكثير من الناس إما أنهم يجهلون الحكم، أو يتجاهلون ويحاولون أن يلتمسوا المسوغات والمبررات لأنفسهم في الوقوع في هذه المعاصي، فلابد من القيام بجهود تربوية ومحاولة توعية الناس بموقف الإسلام الصريح من هذه القضايا، حتى من التدخين -فضلاً عن الخمر وغيره من المخدرات- لأن الأمور يجر بعضها إلى بعض.
التعليم: من خلال المؤسسات، والمدارس، والمعاهد، وغيرها.
الصحة، رعاية الشباب، وغير ذلك من المؤسسات ذات العلاقة والارتباط بالمجتمع عموماً وبالشباب خصوصاً، لابد أن تُجَنَّد جميعُ هذه الأجهزة في هذه الحرب في إحياء الإيمان في النفوس وجعله هو الوازع الأكبر في وقاية الفرد والمجتمع من هذه المخدرات.
فحينئذٍ يشعر الشاب بتناقض كبير بين ما يدرس ويسمع ويتعلم وبين ما يواجهه في الواقع، ويصعب على الشاب -بل حتى الكبير في كثير من الأحيان- أن يوفق بين هذا التناقض.
وهذا قد يوجد للأمة الإسلامية أجيالاًََ الله أعلم بحالها، أجيالاً مهزوزة لا تنفع في دين ولا تنفع في دنيا، فلا بد من القضاء على التناقض الموجود في المجتمعات الإسلامية، وتوحيد الاتجاه في بناء أجيال إسلامية صالحة تخدم الأمة وتحمل راية الإسلام، وهذه الأجيال هي التي سوف تقوم بالتصنيع، هي التي سوف تقوم بخدمة المجتمعات، هي التي سوف تتحمل الأعباء والمسئوليات، وهي التي سوف تقود الأمة الإسلامية إلى الحضارة، والعز، والتقدم، والنصر، والتمكين.
والحديث -كما يقولون- ذو شجون ولعل فيما ذكرت كفاية.
والحمد لله رب العالمين.
وأعتذر إليكم عن الإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: هنا قاعدة عامة صرح بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر، فكل شيء يحدث السكر فهو محرم بغض النظر عن اسمه، فقد تتنوع المسميات والأسماء لكن القاعدة لا تتغير ولا تتنوع، وكذلك الأشياء التي تثبت الفتور والخمول في البدن؛ فهي محرمة أيضاً، وبناءً على هذه القاعدة فإن الإنسان يستطيع أن يحكم على أي عقار جديد بحسب ما تقتضيه هذه القاعدة، ومن الصعب أن أتكلم في هذه النقطة الخاصة التي سأل عنها السائل لأنني لا أعرف بالضبط ما هذه العقاقير؟ وما تركيبها؟ وما أثرها؟ هذا كله يحتاج إلى تثبت ومعرفة واضحة، لكن القاعدة معروفة.
الجواب: أحبك الله الذي أحببتني من أجله، ونسأل الله أن يجعل قلوبنا جميعاً متآلفة متحابة فيه؛ فإن المحبة في الله من أسمى وأرقى درجات الإيمان! ويكفيك أيها المسلم! فرحاً وسروراً قول الله عزوجل {وجبت محبتي في المتحابين فيَّ، ووجبت محبتي للمتزاورين فيَّ، ووجبت محبتي للمتجالسين فيَّ، ووجبت محبتي للمتباذلين فيَّ} والحديث رواه مالك في الموطأ بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، والله تعالى ذكر أن الأخلاء يوم القيامة تنقلب خلتهم إلى عدواة إلا المتقين، فينبغي أن نفرح بالتحاب في الله تعالى، ونحرص على تعميق وتدعيم راوبط المحبة فيما بيننا؛ فهي الواحة التي يستظل بها الإنسان في هذه الصحراء، صحراء الحياة الملتهبة.
أما الحديث فهل يدخل في من مات بسبب التدخين، الذي يظهر لي بادي الرأي أنه لا يدخل فيه؛ لأن موته بسبب التدخين إنما يحدث بعد فترة طويلة، والموت بالتدخين ليس أمراً مؤكداً، وإنما هو يحدث أحياناً، لكن لا شك أن المدخن لـه نصيب من عموم النصوص الواردة في ذلك، ويخشى عليه أن يكون واقعاً في شيء من هذا، أما نص الحديث فالذي يظهر لي بادي الرأي أنه لا يتناوله والله أعلم.
الجواب: إذا تاب الإنسان تاب الله عليه؛ مع أن الحدود كفارات لأهلها كما ورد في الحديث، ولذلك جاء في الحديث أن: {من شرب الخمر ولم يتب منها لم يشربها يوم القيامة} فالمدار على التوبة، فإذا تاب الإنسان تاب الله عليه، ولذلك الصحابة رضي الله عنهم كثير منهم وقعوا في شرب الخمر في الجاهلية، ولما أسلموا ونـزل تحريمها؛ تابوا فتاب الله عليهم، فمنهم الصديقون والشهداء والصالحون ومنهم ومنهم...، أما إذا أقيم على الإنسان الحد ولم يتب، يعني جلد مثلاً في الخمر ثم لم يتب، بل ظل يتعاطاها سراً، فلا شك أن هذا لا يكفي؛ فإنه إذا قلنا: إن الحد كفَّر شَرْبَتَه الأولى التي حُدَّ فيها، فإنه لا يكفر ما بعدها، وأما كون الإنسان يَشرب اليوم ويُجلد غداً، ويقول: يكفِّر عني، فالذي ذهب إليه أكثر أهل العلم، وهو قول قوي فيما أرى، وله أدلة صحيحة: أن شارب الخمر إذا شرب أربع مرات فإنه يقتل لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا شرب فاجلدوه، فإن شرب فاجلدوه، فإن شرب فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه} وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن شارب الخمر إذا تكرر منه شربها فإن حدَّه حينئذٍ القتل، أما كونه يشرب ويقول: أجلد فيكون هذا كفارة لي! فهذا نوع من العبث.
بل أمير المؤمنين رضي الله عنه وهو الباب بين المسلمين وبين الفتن! لما رأى وقوع الناس في الخمر ضاعف الحد من أربعين وجعله ثمانين، فكان الناس يجلدون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في عهد أبي بكر شارب الخمر أربعين أو نحواً من أربعين؛ بالجريد والنعال وأطراف الثياب وغير ذلك، فلما جاء عمر رضي الله عنه ورأى وقوع الناس في الخمر جلد ثمانين! فألحقه بأخف الحدود، فالواجب أنه مع كثرة هذا الشيء وانتشاره يزيد التحذير منه، وكذلك يُغني بتطبيق العقوبة على من يقعون في هذه الجريمة.
الجواب: هناك في الشريعة الإسلامية باب واسع اسمه باب التعزير، وأوسع من استخدم هذا الباب هو الإمام مالك، وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ومن بعده ابن القيم إلى ترجيح رأي الإمام مالك في التعزير، وقد نصوا على أن التعزير للإمام أو من يقوم مقامه، وقد يصل التعزير أحياناً إلى القتل في أمور لم يرد فيها نص، ولذلك قال بعض السلف عن المرابين: والله إن هؤلاء الصيارفة لأكلة الربا، ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم، فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح، أخذاً من قول الله عز وجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:278-279].
قال: فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح، فقضية التعزير باب واسع، بالإمكان استخدامه في علاج الأحداث والجرائم التي جدت أو تطورت وتغيرت، واتخذت مجرى آخر غير ما كان معهوداً عند الناس من قبل، هذا فيما يتعلق في نوعية العقوبة التي يواجه بها مدمنو ومروجو ومهربو المخدرات وغيرهم، من أصحاب الجرائم الأخرى، أما فيما يتعلق بالعذاب المعنوي، فأنا كنت أقصد بالعذاب المعنوي ما يسمى بتوبيخ الضمير، بمعنى كون الإنسان الواقع في المعصية يشعر بالألم الداخلي، وهذا موجود، ولذلك في إحصائية نشرها مجلس التعاون الخليجي في أحد كتبه - وهذه الإحصائية تحدثت عن سجن في بريدة للمخدرات - وأوردت إحصائيات معينة، وذكرت الإحصائية بأن تسعة وسبعين في المائة من متعاطي المخدرات يشعرون بعد زوال مفعولها بالندم الشديد والألم والضيق، ويؤكدون أهمية العناية بالتوعية الدينية، والإرشاد والتوجيه في إنقاذ هؤلاء المرضى مما هم فيه، وأرى أن موضوع الدوافع القلبية وتعذيب الضمير موضوع مهم يمكن الاستفادة منه إلى حد كبير؛ لأن الذي يتعذب يدل على وجود شيء من الإيمان؛ إذا أمكن إزالة الغبار عنه وتحريكه فقد ينتعش وينتصر، ومالنا نستغرب ذلك، ونحن نجد اليوم في مجتمعنا ونسمع يوماً بعد يوم عن أعداد غير قليلة من الشباب؛ ممن وقعوا ضحية هذه المخدرات؛ تاب الله عليهم بسبب موعظة سمعوها، أو آية سمعوها، أو عبرة حصلت لهم، أو ما أشبه ذلك؟! فالنفوس قريبة إذا وجدت من يخاطبها بصدق، لأن الدين من ميزته أنه يصعب استغلاله إذا ما كان حديثك عن القضية حديثاً غير جاد، أي لو أردت أن تحرك الإيمان في ضمير شخص وأنت ضعيف الإيمان ما يتقبل منك، لأن (فاقد الشيء لا يعطيه) لكن لو استطعت أن تجعل شخصاً فعلاً يتحدث بإيمان وبصدق وبحرقة وجد القبول، ولذلك قال بعض السلف لأبيه وقد رأى أن أباه واعظ كبير يؤثر في الناس ويبكيهم قال له: يا أبت، مالي أرى الناس إذا سمعوا إليك بكوا، وإذا سمعوا إلى فلان وفلان لا يتأثرون؟ قال: يا بني، لا تستوي النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة!، امراة يموت وحيدها فتبكي عليه بصدق وانفعال، فكل من سمع لها هشَّ وتأثَّر، لكن امرأة يموت إنسان، ولا يوجد في المجتمع من يبكي عليه، فيستأحرون امرأة حتى تبكي مقابل أجر معلوم، فالناس يضحكون منها، فلا بد من إحياء الوازع الديني في قلوب الناس، كذلك لا بد من العقوبة -عقوبة بدنية بالضرب والحبس والغرامات وغيرها- وتوجد عقوبات -كما أشار الأخ- يمكن أن نقول أنها عقوبات نفسية، فأحياناً وقوف الإنسان أمام الناس أو التشهير به أو ما أشبه ذلك، يكون لـه وقع كبير في نفسه، وقد يردعه ويجعله على الأقل يستخفي بمعصيته أكثر مما يردعه الضرب والجلد.
الجواب: إذا تاب الإنسان إلى الله عز وجل من جريمة ارتكبها، ولم يكن يترتب عليها حقوق للناس، فلعل الأولى به أن يستر على نفسه ويتوب فيتوب الله عز وجل عليه، ولذلك جاء في الحديث: {هلاَّ تركتموه، لعله يرجع فيتوب، فيتوب الله عليه} وفي الحديث الآخر: {مَن ارتكب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله} وقد سمعتم ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ماعز، ومع الغامدية في ترديدهم بعد أن اعترفوا لعلَّهم ألاَّ يأتوا إليه مرة أخرى ما داموا قد تابوا إلى الله عز وجل، أما من يعرف عنهم الجرأة في المعاصي والمنكرات، والإقدام عليها ومحاولة نشرها في المجتمع فأرى وجوب فضحهم وعدم سترهم - خلافاً لأولئك الناس الذين وقعت منهم زلة ثم تابوا منها، فسترهم حينئذٍ أولى -.
الجواب: ليس أغلب العلماء؛ بل كل أهل السنة والجماعة لا يُخرجون فاعل المعصية من الإسلام، ولذلك يقول الإمام الطحاوي في عقيدته: وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون وإن كانوا غير تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين، وفي ذلك يقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:{من قال: (لا إله إلا الله) خالصاً من قلبه دخل الجنة} وفي حديث أبي ذر قال: {قلت: يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قال: قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قال: قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنف
وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر