وبعد:
فحديثنا في هذه الليلة -أيها الإخوة- في سلسلة الرقائق، وهو حديث علي رضي الله عنه: (أن
وهذا الحديث رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في ثلاثة مواضع من كتابه الصحيح أو في أربعة.
والقصة يقول فيها علي رضي الله عنه: إن فاطمة شكت ما تلقى في يدها من الرحى، والرحى: هو آلة الطحن التي كان يطحن بها، وأرته أثراً في يدها من الرحى، واشتكت فاطمة رضي الله عنها مجل يدها، والمجل: هو التقطيع الذي يحصل لليد نتيجة العمل، وهو غلظ اليد الذي يحدث عند مباشرة الأعمال، فكل من عمل عملاً بكفه تجد فيه تقطيعاً إذا كان يمارس العمل بكفه دائماً، فيقول علي رضي الله عنه -وهو الزوج المشفق على زوجته ولاشك أن النبي عليه الصلاة والسلام عرف من ينتقي لابنته- يقول علي رضي الله عنه، قلت لـفاطمة : لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته خادماً فقد أجهدك الطحن والعمل، وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة ، قال علي لـفاطمة ذات يوم: [والله لقد سنوت حتى اشتكيت ظهري، فقالت: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي] ومعنى سنوت: يعني: عملت مكان السانية، والسانية: هي الناقة التي تسحب الماء من البرك فيقول علي رضي الله عنه: من الحاجة عملت عمل الناقة في سحب المياه من الآبار بالدلاء لأجل الأجرة، فقالت فاطمة: [وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي] فهذه فاطمة رضي الله عنها جرت بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في عنقها، وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها كما جاء في رواية أبي داود لهذا الحديث.
وفي رواية: وخبزت حتى تغير وجهها؛ لأن الخباز مع لفح نار الفرن يتغير لون وجهه كل ذلك حصل لـفاطمة رضي الله عنها، فاقترح عليها علي رضي الله عنه أن تذهب إلى أبيها تطلب خادماً، حيث إن علياً لم يستطع أن يوفر لها خادماً، وسمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه سبي فاقترح عليها أن تطلب جارية تخدمها من أبيها من هذا السبي الذي جاء، فقال لها: [لقد جاء أباك سبي فاذهبي إليه فاستخدميه -الألف والسين والتاء تجيب الطلب- أطلبي خادماً وجارية تخدمكِ، فذهبت فاطمة رضي الله عنها إلى أبيها محمد صلى الله عليه وسلم فلم تجده، ووجدت جماعة يتحدثون فاستحيت ورجعت] وفي رواية: (فذكرت ذلك لـ
وفي رواية مسلم : (حتى أتت منزل النبي صلى الله عليه وسلم فلم توافقه فذكرت ذلك له
وجاء في رواية قال: (فأتانا وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولاً خرجت منا جنوبنا وإذا لبسناها عرضاً خرجت منها رءوسنا وأقدامنا، ولما دخل عليه الصلاة والسلام قالت: فذهبت أقوم -وفي رواية: فذهبنا نقوم- فقال صلى الله عليه وسلم: مكانك أو مكانكما -أي: الزما مكانكما لا تقوما- فجلس بيننا صلى الله عليه وسلم فقال: إني أخبرت أنك جئت تطلبين، فما حاجتك؟ قالت: بلغني أنه قدم عليك خدم فأحببت أن تعطيني خادماً يكفيني العجن والخبز، فإنه قد شق علي، قال: فما جئت تطلبين أحب إليك أو ما هو خير منه؟ قال
وفي بعض الروايات: قال: (ما كان حاجتك أمس؟ فسكتت، مرتين، فقال
وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم أتاهما فقال: (ما الذي أتى بكما، قال
فهذه الأحاديث وهذه الروايات تدل على أنه ربما حصل ذلك بإتيانهما ثم بإتيانه إليهما، المهم أنه عليه الصلاة والسلام، قال: (ألا أدلكما على ما هو خيرٌ لكما من خادم -خير مما سألتماني-؟ قالا: بلى. فقال: كلمات علمنيهن جبريل، إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما من الليل تسبحان ....) فذكر لهما التسبيح ثلاثاً وثلاثين والتحميد ثلاثاً وثلاثين والتكبير أربعاً وثلاثين، قال: (فتلك مائة باللسان وألف في الميزان) أي أن الأجر عند الله الحسنة بعشرة أمثالها، وفي رواية: (فأمرنا عند منامنا بثلاثٍ وثلاثين وثلاثٍ وثلاثين وأربعٍ وثلاثين من تسبيحٍ وتحميدٍ وتكبير) سبحان الله ثلاثاً وثلاثين قبل النوم، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين مرة يقول ذلك.
علي رضي الله عنه حافظ على هذا الذكر ولم يتركه أبداً، جاء في رواية أن علياً رضي الله عنه قال: [فما تركتها بعد، فقالوا له: ولا ليلة صفين ؟ قال: ولا ليلة صفين] وهذا الرجل الذي قال له ذلك جاء في رواية: أنه: ابن الكواء يقول لـعلي رضي الله عنه: ولا ليلة صفين؟ فقال: [قاتلكم الله يا أهل العراق ! نعم ولا ليلة صفين.] عبد الله بن الكواء من أصحاب علي رضي الله عنه لكنه كان متعنتاً في السؤال، وقد ابتلي علي رضي الله عنه بأشخاص ما شفوا غليله ولا صبروا معه، ولا حققوا ما يريد، كان يريد أن يقر الأمر وتستقر الخلافة، ولكنهم ما شفوا غليله ولذلك قال في نهاية حياته: [اللهم مللتهم وملوني فاقبضني إليك].
لم يكن مع علي من الرجال مثلما كان مع أبي بكر وعمر ، ولذلك لم يكن الأمر مستتباً له، فكان ابن الكواء نموذجاً ممن كان مع علي رضي الله عنه، وكان معه أفاضل وعلماء وصحابة ولا شك؛ لكن ابتلي -أيضاً- بأشخاص فيهم ما فيهم منهم عبد الله بن الكواء لما حدثهم علي بالقصة، قال: [فما تركت بعد فجاء عبد الله بن الكواء يقول: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين، ويحك! ما أكثر ما تعنتني لقد أدركتها من السحر]. وفي رواية: [فإني ذكرتها من آخر الليل فقلتها] وفي رواية: [إلا ليلة صفين فإني أنسيتها حتى ذكرتها من آخر الليل فقلتها] فهذا يدل على لزومه للذكر رضي الله عنه وأنه حتى ليلة صفين وهي المعركة التي جرت بين علي رضي الله عنه وأهل الشام، حتى أنهم اقتتلوا مقتلة عظيمة وأقاموا بـصفين عدة أشهر وكانت المعركة عبارة عن وقعات كثيرة؛ لكنهم ما قاتلوا في الليل إلا مرة وهي ليلة الهرير، سميت بذلك لكثرة ما كان الفرسان يهرون فيها، وقتل من الفريقين في تلك الليلة عدة آلاف.
وقد أوشك علي رضي الله عنه على النصر حتى رفع أهل الشام المصاحف وطالبوا بتحكيم القرآن، وحدث بعد ذلك توقف المعركة، وكانت سنة سبع وثلاثين وخرج الخوارج عقب التحكيم في أول سنة ثمانية وثلاثين، وقتلهم علي رضي الله عنه في النهروان وحاول علي رضي الله أن يحسم الأمر لكنه لم يتهيأ له ذلك، ولم يكتب الله عز وجل له ذلك، وكان الخوارج هم السبب في عدم حسم الأمر حيث انقلبوا عليه، وقالوا: حكم الرجال في كتاب الله، وأرسل علي رضي الله عنه ابن عباس فناقشهم وناظرهم ورجع من الإثنا عشر ألفاً ثمانية آلاف وهؤلاء كان عندهم سرعة في الرجوع وسرعة في الرد، وهؤلاء الذين قاتلهم علي رضي الله عنه في سنة ثمانية وثلاثين للهجرة بـالنهروان كان منهم ذو الثدية الذي كان مقطوع اليد، في عضده مثل حلمة ثدي المرأة أسود، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام علياً أنه سيقاتل الخوارج وأنه سيقتلهم، وأن آيتهم ذو الثدية هذا، ولذلك فإن علياً رضي الله عنه بعد المعركة طلب البحث عن ذي الثدية فلم يوجد، فأمر بالبحث فلم يوجد، ثم حلف أنه يوجد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كذب، فبحثوا عنه بين القتلى حتى وجودوه فخر علي رضي الله عنه ساجداً لله شكراً.
وكان هؤلاء قد أفسدوا في الأرض حتى أنهم خرجوا على علي رضي الله عنه وعلى المسلمين يكفرون مرتكب الجريمة، حتى كفروا علياً ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم من الصحابة حتى أنه اجتمع ثلاثة منهم قبل عام أربعين للهجرة في موسم الحج، قالوا: ما هي سبب مشكلات المسلمين؟ فخرجوا من الاجتماع بأن سبب مشكلات المسلمين ثلاثة: علي ومعاوية وعمرو بن العاص ، فما هو الحل؟! قالوا: نقتلهم ونريح المسلمين من شرهم، فتفرقوا في البلدان على أساس أن واحداً منهم يغتال علياً ، وآخر يغتال معاوية وآخر يغتال عمرو بن العاص ، فأما معاوية رضي الله عنه فقد طعن فاكتوى منها فبرأ، وعمرولم يصل في تلك الصلاة إماماً صلى غيره فطعن غيره، وأما علي رضي الله عنه فإنه خرج عليه عبد الرحمن بن ملجم بسيف ظل يسقيه السم شهراً، فخرج عليه في الظلام واختبأ له فخرج عليه فضربه على جبهته بهذا السيف المسمم وسال الدم من جبهته على لحيته فتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أشقى الناس عاقر الناقة والذي يضربك يا
ومن ضلال الخوارج أن عبد الرحمن بن ملجم لما أخذوه فربطوه قطعوا يديه فلم يتكلم، ورجليه كذلك، فلما أرادوا أن يقطعوا لسانه كما جاء في بعض الروايات صرخ، فقالوا: مالك؟ قال: لساني أذكر به الله، وهو الذي قتل خير الناس في ذلك الوقت علياً رضي الله عنه.
فهؤلاء خرجوا على المسلمين فكفروا المسلمين، فكل من ليس معهم فهو كافر وقتلوا خير المسلمين، وذهبوا إلى أحد المسلمين وكان معتزلاً الفتنة ومعه مصحف يقرأ به، وعنده وليدة حامل، فأخذوه وأخذوا المصحف منه وقتلوه وذبحوه وأراقوا دمه في النهر، وأخذوا الوليدة وبقروا بطنها وأخذوا الجنين الذي في بطنها وقتلوه، ثم مشوا إلى بستان كتابي نصراني فأراد بعضهم أن يأخذ منه تمراً، فقال بعضهم لبعض: لا. هؤلاء أهل كتاب أوصانا بهم النبي صلى الله عليه وسلم خيراً، ولا يجوز أن تأخذه إلا بحقه، فجاءوا إلى صاحب البستان يفاوضونه، فقال: واعجبا لكم تقتلون صاحبكم المسلم ثم تأتون تفاوضونني على التمر؟
حتى هذا النصراني تعجب من صنيعهم، فهؤلاء بقية الخوارج الذين كان أحدهم قد قتل علياً رضي الله عنه، وكان علي رضي الله عنه قد قتل معظمهم وأراح المسلمين من شرهم، ولكن بقيت منهم بقية ثم بعد ذلك تفرقوا في البلدان تسعة منهم: عبد الله بن إباظ التي تنسب إليه فرقة الأباظية ويقولون: هؤلاء من مكفري مرتكب الكبيرة، وتطوروا بعد ذلك فأنكروا رؤية الله في الجنة وقالوا: إن القرآن مخلوق، وقد أخذوا من المعتزلة خلق القرآن وهكذا عندهم بدع في الدين، ولازالوا هكذا إلى الآن.
المهم أن علياً رضي الله عنه مع شدة وهول المعركة لم ينس هذا الذكر تلك الليلة مع أن المعركة تنسي كل شيء لكنه ما نسي أن يقوله وتذكر قبل الفجر وقال به، فهذا الذكر العظيم يدل على أن ذكر الله عز وجل يقوي البدن كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله، فأن رسول الله لما علم فاطمة قال: إنه خيرٌ من خادم، معناها أن ذكر الله عز وجل يقوي الأبدان.
وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم قد اختار لابنته أن تبقى على حالها ولم يعطها ذاك الخادم، وإنما أعطاها بديلاً وهو ذكر الله.
وكذلك فإنه اختار لابنته ما أحب لنفسه من إيثار التحمل والصبر على الشدة والقلة، تعظيماً لأجرها، وقد كان يستطيع أن يعطيها من الذهب ما شاء، ولكنه اختار لها ما اختار لنفسه، واختار لها ما هو أكثر نفعاً لها في الآخرة، وآثر أهل الصفة لأنهم فقراء قد وهبوا أنفسهم لسماع العلم وضبط السنة على شبع بطونهم منهم: أبو هريرة رضي الله عنه من زهران يرجع نسبه إليه، هذا الذي وقف نفسه على العلم على شبع بطنه فقط، ومع ذلك كان لا يجد في كثير من الأحيان ما يشبع به بطنه، فأهل الصفة وقفوا أنفسهم للعلم والجهاد يخرجون في جيوش المسلمين لا همَّ لهم إلا العلم والجهاد، اشتروا أنفسهم من الله بالقوت، وأخذ العلماء من الحديث تقديم نفقة طلبة العلم على غيرهم، لأنه أنفق عليهم.
كذلك استدلوا بالحديث على جواز دخول الرجل على ابنته وزوجها بغير استئذان، لكن هذا فيه نظر؛ لأنه جاء في بعض طرق الحديث أنه استأذن.
وكذلك في هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم معصوم فلا يقاس على غيره من غير المعصومين، كما إذا جاء ودخل وجلس بينهما، ثم إن هذا الحديث فيه إظهار الشفقة على البنت والصهر، فإنه أتاهما في بيتهما وجلس بينهما، وقال: ألا أعلمكما؟ فيؤخذ منه أن على الإنسان أن يبر بصهره، فلو قال أحدهم: زوج البنت ليس من الأرحام، لقلنا: نعم. ليس من الأرحام لأن الرحم قرابة الرجل من جهة أبيه وأمه، لكن كونه ليس من الرحم لا يعني أنه لا يبر ولا يحسن إليه، فإن الأصهار لهم -أيضاً- معاملة حسنة في الإسلام، فمن ذلك هذا الحديث.
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم جاء مرة المسجد فوجد علياً رضي الله عنه مضطجعاً على التراب فجعل ينفض عنه التراب وقال له: (قم يا
وكذلك: فإن مواقف النبي عليه الصلاة والسلام مع علي وفاطمة متعددة تدل على أنه كان يبر بصهره كما يبر بابنته صلى الله عليه وسلم، وعلى أن الإنسان إذا كان عنده زوج بنت أو زوج أخت أن عليه أن يصلح من شأنهما وألا يقول: ليس لي دخل فيهما ولا في حياتهما، بل إنه كلما استطاع أن يحسن العلاقة ويدخل السرور، وأن يسعى في دوام الألفة، ويزيل سوء التفاهم، وأن عليه أن يفعل ذلك وهو من الواجبات.
وكذلك في هذا الحديث: أن من واظب على هذا الذكر لم يصبه الإعياء، لأن فاطمة شكت التعب فأحالها النبي صلى الله عليه وسلم على هذا، أفاد هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ وهذا يدل على أن الذكر له أثر في تقوية البدن كما تقدم، فإذاً من فوائد الذكر أنه يقوي البدن كما أنه يقوي القلب، فهو يزيد النفس ثباتاً، والقلب طمأنينة، والإنسان رباطة جأش، كما أنه يقوي الجسد وهذا دليل على ذلك.
وكذلك: فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتني بزيارة بنته في بيتها، ولا يقطعها بعد الزواج كما يفعل بعض الناس إذا تزوجت ابنته كأنما هو شر ألقاه عن عاتقه، ولا يسأل عنها ولا عن بيتها ولا عن حالها، فهذا تفقد منه صلى الله عليه وسلم.
وكذلك في هذا الحديث: أن الإنسان يعطي الأوكد فالأوكد والأكثر استحقاقاً، وبعض الناس الآن إذا جاء يعطي الزكاة ربما حابى بها قريباً أو أعطى شخصاً ليس بفقير ذاك الفقر، مع وجود شخص مستحق وأشد حاجة وأفقر؛ لكن بالمحاباة يترك الأفقر والأحوج ويعطي الأقرب أو من له علاقة به ونحو ذلك، والرسول مع أنها ابنته وزوج ابنته لكن قدم الأوكد -الأفقر الأحوج- فمع أن هذه ابنته وزوجها لكن ما أعطاهما على حساب الأحوج، وإنما قدم الأحوج.
وفي هذا الحديث كذلك: أنه إذا حصل ازدحام في الحقوق فإنه يؤثر صاحب الحق الأقوى، وفيه جواز أن تشتكي البنت لأبيها ما تلقاه من الشدة، ولم ينكر عليها أنها اشتكت، فلو اشتكت -مثلاً- تعب العمل في البيت، واشتكت من أذى أطفالها وأنها تلقى شدة في تربيتهم، أو أنهم يتمردون عليها أو أنهم يعاندون ونحو ذلك فإن لها أن تشتكي لأبيها، وأن الأب عليه أن يقوم بدور الناصح الموجه، وأن مسئوليته عن ابنته لم تنته بتزويجها، وإنما هي مستمرة في التسديد والإصلاح والنصيحة وتخفيف ما يصيب البنت من نتيجة أعباء الزواج؛ لأن البنت في بيت أبيها قد تكون مدللة، وقد يكون عندها من يخدمها، فإذا انتقلت إلى بيت رجل آخر صار حمل البيت عليها، وأيضاً بالإضافة إلى ذلك وخدمة الزوج الجديد وما يضاف من الحمل والوحام، وهو ما يصيب من الإرهاق والتعب، ثم الوضع والرضاعة مع الخدمة، البنت يختلف عليها الجو جداً، فعلى الأب أن يكون حكيماً في نصح ابنته في مواجهة الواقع الجديد بعد الزواج هذه مسألة مهمة, وكثير من البيوت تنجح بسبب مواصلة الأب فلا يقول الأب: أنا انتقيت لها الكفء وانتهت مسئوليتي، لا. يجب أن يواصل القيام بالمسئولية وأن يواصل الاعتناء بالبنت حتى بعد زواجها، وكثير من الأباء من خيرهم وبرهم أنهم لا زالوا يشرفون على بناتهم ويعتنون بهن حتى بعد الزواج بسنوات طويلة، وربما يكون هناك من أشرف على ابنته وجلب الطعام إليها في بيت زوجها، وخدمتها والاعتناء بأولادها، وهكذا لا تزال الرعاية مستمرة.
والحديث فيه منقبة لـعلي رضي الله عنه من جهة منزلته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه دخل عنده وجلس بينه وبين زوجته، وأنه اختار له أمر الآخرة على أمر الدنيا وآثر ذلك له.
وكذلك في هذا الحديث: أن هذه الكلمات التي تقال مائة مرة قبل النوم يشبهها كذلك ما يقال بعد الصلوات، فقد ورد في بعض كيفيات الأذكار التي بعد الصلوات مثل أذكار قبل النوم: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين، هذه كيفية صحيحة من كيفيات الأذكار بعد الصلاة، وكذلك وردت قبل النوم، وبعد الصلاة الكيفية المشهورة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاًوثلاثين، وتمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وفيه ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من الشدة وأنهم احتملوا ذلك وخرجوا من الدنيا في نظافة، وأنهم لم يتقذروا بما فيها.
وفيه -أيضاً- تسلية لكل من اشتدت حاله أن من هو أفضل منه لاقى ما هو أشد، فلعل أن يكون فيه درس له أيضاً على الصبر.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يسيرون على خطاهم، ويتأثرون بسيرتهم ويعملون بها، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجواب: إذا لم يثبت في هذا حديث فهي بدعة فبعض الناس -مثلاً- إذا قام للصلاة قال: أقامها الله وأدامها، هل ورد في هذا شيء؟ لم يرد حتى حديث ضعيف، إذاً لا نقوله، أو إذا قام للتراويح للوتر يقول هذا الدعاء، الدعاء صحيح لكن توقيته غير صحيح، الدعاء صحيح قاله زكريا عليه السلام: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89] بعض الناس بعد السلام من الصلاة يقول: تقبل الله، ويحافظ عليها، وبعضهم يقول: حرماً يعني: يصلي في الحرم فيقال: جمعاً أي: أجمعين.
وبعضهم بعد الوضوء يقول: زمزم، ونحو ذلك من عبارات معينة لم ترد في الشرع إذا واظب عليها تتحول إلى بدعة، لأنك كأنك اخترعت ذكراً، بل هو كذلك اختراع لذكر لم يرد في الشريعة بقصد التعبد إلى الله، فهذا هو تعريف البدعة: اختراع في الدين يقصد به التقرب إلى الله، أحداث في الدين يقصد بها التقرب إلى الله.
جاء أبو موسى إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: [يا
فإذاً: لا يجوز إحداث شيء في الدين أو ذكر من الأذكار لم يرد في الشريعة ومن فعل ذلك يأثم؛ لأنه يزيد على الدين وكأنه يقول: إن الإسلام ناقص وأنا جئت وأكملته، أو يقول: إن رسول الله خفيت عليه وأنا علمته، لأنك تلزم المبتدع تقول له: هذا الشيء الذي تفعله -احتفال بالمولد أو ذكر من الأذكار، وأي بدعة من البدع، أو صلاة أول خميس من رجب، تقول: هذا الشيء الذي تفعله هل أنت تفعله بنية التقرب إلى الله أم لا؟ هو لا يستطيع أن يكابر ويقول: لا. أنا أفعله مثل الأكل أو الطعام؛ لأنه أكيد يفعله تقرباً إلى الله، إذاً أنت تقول: أنت تعمله تقرباً إلى الله وهذا دين فأين الدليل؟ فيقول: لا دليل فتقول: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) ثم تقول له: هل علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا قال: لا. اتهم رسول الله بالجهل، وأنه فاته هذا الشيء حتى علمه هذا، ثم إذا قال: نعم. علمه رسول الله فما بلغنا معناه، فإنه اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بكتمان العلم.
وهكذا المبتدع من جميع الجهات آثم متضرر من جميع الجهات، كلما جئت من جهة وجدت خرقاً، والدين يزول بأن يزيد فيه كل واحد حتى يصبح متغيراً، والقاعدة: كلما أحييت بدعة أميتت سنة، وكلما أحييت سنة أميتت بدعة، ولذلك فالبلاد التي فيها بدع كثيرة السنة فيها ميتة، وما عندهم من العلم بالسنة إلا قليل، عندهم مجموعة كبيرة من البدع، والبلاد التي فيها السنة ظاهرة تجد البدع فيها قليلة، وهذا قانون المدافعة الإلهي، إذا انتصرت السنة وهيمنت؛ زالت البدعة وخفت، والعكس بالعكس.
الجواب: نعم. ولكن الأفضل أن يسلم مع الإمام وينصرف معه حسب الحديث: (من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) ثم بعد ذلك يصلي مثنى مثنى إذا أراد الزيادة في بيته.
الجواب: هو يقصد -والله أعلم- أنه غسل القدم اليمنى ثم لبس عليها الجورب الأيمن، ثم غسل القدم اليسرى ولبس عليها الجورب الأيسر، فهو لما غسل القدم اليمنى ولبس عليها الجورب الأيمن هل لبسه على طهارة كاملة أم لا؟ لا. بل لبسه على طهارة ناقصة، حيث بقي عليه غسل القدم اليسرى، ولذلك لا يجوز له أن يلبس الجوربين إلا على طهارة كاملة: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) بطهور كامل، فهذا الشخص ماذا عليه أن يفعل إذا لبس الجورب اليسرى على طهارة كاملة؟ إن عليه أن ينزع اليمنى ويعيد لبسها على طهارة تامة، وأبى شيخ الإسلام رحمه الله ذلك؛ وهذا رأيه، وقال: إن ذلك عبث لا تأمر به الشريعة، ويرجع إلى كلامه رحمه الله تعالى من شاء، هذا ما أراه في هذه المسألة، والأحرى بالإنسان ألا يمسح إلا على جوربين قد لبسهما على طهارة تامة.
الجواب: أما قضية حدود المعقول وغير المعقول هذا ما عرفناه؛ كيف يكون معقولاً وغير معقول؟ يعني: عشرين مرة في اليوم معقول أو عشرة أو ثلاثة أو واحدة، كم المعقول وغير المعقول؟ هناك ضوابط للعب في الشريعة، فأما بالنسبة للزهر فلا يجوز اللعب به ولا مرة واحدة بسبب واضح وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه) رواه مسلم، وكذلك أخبر صلى الله عليه وسلم: (أن من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله) فالنرد: هو المكعب الذي يكون محفوراً في كل وجه منه دوائر لعدد معين من الواحد إلى الستة ثم ترمى، وبناء على الرقم الذي يكون في النرد يتحرك اللاعب أو يفعل شيئاً في اللعبة، فإن هذا النرد هو من صميم الميسر والمقامرة، وفكرة الميسر والمقامرة موجودة في رمي الزهر بالحظ؛ لكي يخرج لك الرقم وبعد ذلك يحدث ما يحدث تبعاً له، فإذاً: فكرة المقامرة موجودة في حجر الزهر وفي النرد، فكل الألعاب الموجودة فيها حجر النرد والزهر كالطاولة والملكلي وغير ذلك من الألعاب التي لا يجوز استعمالها، ما دام حجر الزهر موجوداً فيها لأجل الحديث، فالمهم في الألعاب أن تضبط بضوابط شرعية:
أولاً: لا تصد وتبعد عن ذكر الله، ولا تلهي عن الصلاة.
ثانياً: ألا تؤدي إلى إيقاع العداوة والبغضاء بين اللاعبين واللعن والسب والشتم.
ثالثًا: ألا تؤدي إلى الغش، لأن كثيراً من لعب الورق من أشهر الألعاب التي فيها غش.
رابعاً: ألا يكون فيها صليب؛ كلعب الشطرنج وكثير من ألعاب الكمبيوتر.
خامساً: ألا يكون فيها ما يخالف العقيدة من جهة إحياء الميت ونحو ذلك؛ كما تدل بعض الألعاب في الكمبيوتر، يدخل ميتاً ويخرج حياً ويقول: هذا بقي له ثلاثة أرواح، وسبعة أرواح، وخمسة أرواح، وذهبت روح الذي اخترع اللعبة، فإذا بعضها واضح المصادمة للعقيدة، والأطفال يتربون على هذا (مات ثم يعيش).
سادساً: ألا يكون فيها ضرب على الوجه؛ كلعبة الملاكمة فهي حرام قطعاً (100%)، والآن يفكرون بإعادة النظر فيها عالمياً بعدما أصيب كذا واحد بنزيف، وكذا واحد كُسِر وتهشم رأسه، وكذا واحد فقئت عينه، وكذا واحد أصيب بعاهة، الآن يفكرون والحكم عندنا من زمان وهو: النهي عن ضرب الوجه.
سابعاً: ألا يكون فيها تحريش بين البهائم كنطاح الأكباش ومناقرة الديوك ومصارعة الثيران؛ فمصارعة الثيران حرام؛ لأنهم يغرسون فيها السهام، وهذا تعذيب واضح للحيوان واعجبا لهم! يقولون: نحن نعترف بالحيوان ويفعلون هذا بالثيران! وهم الثيران في الحقيقة.
ثم -أيضاً- من ضوابط الألعاب ألا يكون فيها صور ذوات الأرواح، فإن اتخاذ صور ذوات الأرواح محرم لا يجوز، وألا يكون فيها كشف للعورات مثل لعبة كرة القدم بالشورت فإن العورة تبان وهو هذا التبان وهو البنطلون القصير فهذا فيه كشف للعورة والرسول صلى الله عليه وسلم قال لـجرهد : (غط فخذك فإن الفخذ عورة).
عاشراً: ألا يكون فيها ما يؤذي البدن، ذكرنا مثالاً الضرب على الوجه، لكن -أيضاً- قضية التكسير أثناء اللعب كما يقع في بعض ألعاب كرة القدم، فإن الإصابات تقريباً شبه مؤكدة، ونادراً ما ينتهي الشوط من غير إصابات، وقد ذكر الشيخ/ محمد بن إبراهيم رحمه الله في أسباب النهي عنها، قال: يجعلون سيارة إسعاف في الملعب دائماً، لكن على أي حال يمكن أن تلعب كرة القدم بضوابط شرعية، كأن لا يكون فيها تكسير ولا كشف عورات، ولا تلهي عن الصلاة، ولا تأخذ بالألباب، ولا تسبب التعصب وتفريق الناس على الأندية ونحو ذلك، وهذا من شروط اللعب (ألا تسبب التعصب وتفريق القلوب) وبعضهم قد يطلق زوجته، وبعضهم يطلق على الهدف إنه صحيح وهو ليس كذلك، وبعضهم يتشاجر حتى يكون العراك بالأيدي في حسم القضية، ومعروف ما يحدث بين مشجعي الفرق من المشاجرات واللعن والسب والحلف أنه هدف وليس بهدف ونحو ذلك.
فالمهم أنهم يتفرقون تعصباً للأندية وهذه لاشك أنها حرام؛ لأنها مخالفة لما أمر الله تعالى به المسلمين من أن تكون قلوبهم مؤتلفة، فالشاهد أن هناك عدداً من الضوابط الشرعية يجب أن تتوفر في الألعاب حتى تصبح مباحة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أربعة ليست من اللهو: (ملاعبة الرجل امرأته، وتأديبه فرسه، وتعلمه السباحة، ومشيه بين الغرضين) ملاعبة الرجل امرأته معروف، تأديب الرجل فرسه: لأن هذا شيء يعين على الجهاد والفروسية وهو محبب في الإسلام (والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة) كما جاء في الحديث الصحيح، وإلى الآن حتى الجيوش الكبرى والدول المتقدمة في جيوشها فرق للخيالة باعتراف منهم بأهميتها.
وثالثاً: قال: (وتعليم الرجل السباحة) لأنه يحتاج إليها، وبعض المعارك البحرية يحتاج فيها إلى غطاس؛ كما كان للمسلمين غطاس وكانوا يرسلون معه الرسائل والذهب من صلاح الدين إلى المسلمين المحاصرين في عكة فيغطس بها قبل سفن الصليبيين ويخرج بها من الجانب الآخر إلى أن توفاه الله عز وجل غريقاً، ولم يكن قد أدى الأمانة وقذفه البحر إلى عكة بالذهب وبالخطابات بعدما غرق في البحر فأدى الأمانة بعد موته رحمه الله، فالشاهد أن تعلم السباحة مفيد في كل الحالات، قال: (ومشي الرجل بين غرضين) يعني: التدرب على الرماية وإطلاق السهام، والغرض: الأهداف التي يطلق إليها السهم ويرمى، فهذا يفيد -أيضاً- في الجهاد في سبيل الله، فلذلك تعلم الرماية من العبادات، ومن تعلم الرمي فتركه فكأنما هي نعمة كفرها يعني: أوتي نعمة ثم كفرها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح من أن ينسى الإنسان الرماية إذا تعلمها، فإنه إذا نسيها فكأنما هي كنعمة كفرها.
الجواب: هذا محسن إذا فعل ذلك، وإذا أنفق عليهم من راتب التقاعد فإن هذا الإنفاق يكون في محله.
الجواب: في معركة الخندق كان ثلاثة آلاف -العدد الإجمالي- لكن الذين كانوا عند الخندق في ذلك الوقت كان عددهم ألف.
الجواب: ما دام أنها نسيت ثم قصت فليس عليها شيء.
الجواب: لا بأس إذا لم يكن يحدث بينك وبين الإمام أو الجماعة شحناء أو بغضاء.
الجواب: أما مسألة دخول الكافر المسجد فإن الراجح جواز دخوله للمصلحة كما أدخل ثمامة رضي الله عنه وكان مشركاً إلى المسجد وربط فيه، فيجوز دخول الكافر المسجد لمصلحة.
ثانياً: لا يأكل مع المسلمين إذا كان الطعام مخصصاً لهم؛ لأن بعض الناس يأتي إلى المسجد ويقول: هذا إفطار صائم، أو يعطي الإمام مالاً ويقول: هذا المال أريد به إفطار صائم، والكافر ليس بصائم، إذاً لا يأكل معهم، لكن إذا كان الطعام صدقة عامة فإن السماح للكافر بالمجيء ربما يكون فيه فائدة من جهة دعوته وتأثره بهذا الاجتماع، وهو عندما يفطر مع المسلمين، ويرى هذه العبادة واجتماعهم عليها، فربما يؤثر ذلك في نفسه، فإذا كانت صدقة عامة رئي فيها مصلحة لهذا الكافر من الدخول أدخلناه وأطعمناه، وإذا كان لا مصلحة فيها لا ندخله المسجد، وكذلك إذا كان الطعام مختصاً بالمسلمين أو بالصائمين.
الجواب: إذا كنت قاصداً العمرة سواءً كان هدفاً أول أو هدفاً ثانياً فلا بد أن تحرم من الميقات، وإذا لم تحرم من الميقات فإن عليك دم يذبح في مكة ويوزع على فقراء الحرم، وإذا كنت تقصد العمل فقط وتقول: إذا تهيأ لي وقت اعتمرت وإذا لم يتهيأ لي وقت رجعت من دون عمرة، فتحرم من حيث ما تهيأ لك، سواء جزمت بالعمرة من جدة أو من غيرها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر