يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الروافض والنواصب، وقد أثنى الله تعالى على الصحابة هو ورسوله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، ووعدهم الحسنى كما قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100].
وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا [الفتح:29] إلى آخر السورة، وقال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض [الأنفال:72] إلى آخر السورة، وقال تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد:10]، وقال تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:8-10] وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار، وعلى الذين جاءوا من بعدهم يستغفرون لهم ويسألون الله ألا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، وتتضمن أن هؤلاء هم المستحقون للفيء، فمن كان في قلبه غل للذين آمنوا ولم يستغفر لهم لا يستحق في الفيء نصيباً بنص القرآن.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان بين
هذا ابتداء الكلام في فضل الصحابة رضي الله عنهم، وسبب الكلام في الصحابة أنه وجد طوائف يطعنون في الصحابة ويضللونهم ويبدعونهم ويرمونهم بالنفاق ويرمونهم بالردة، ويتبرءون منهم بل ويشتمونهم ويلعنونهم قديماً وحديثاً، وهؤلاء الطوائف فرقتان:
الروافض والنواصب؛ فالروافض: هم الذين يغلون في علي وذريته من أهل البيت فقط، ويزيدون في حبهم، وأما بقية الصحابة أو أكثرهم فإنهم يكفرونهم، أما النواصب: فهم الذين يضللون علياً وذريته أو من كان قريباً منهم، ويميلون إلى بني أمية أو إلى من والاهم، وسموا نواصب؛ لأنهم نصبوا العداوة لأهل البيت، ولكن الرافضة هم الذين كثروا وظهر تمكنهم فيما هم فيه، فأصبحوا ينتشرون في الأرض وتقوى شوكتهم.
ووصف الله الصحابة بقوله: تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ [الفتح:29] سيماهم التي هي علامة على وجوههم من كثرة سجودهم، ( ركعاً سجداً ) دائماً يشتغلون بالركوع والسجود، وهذا دليل على أن من أخل بهذا الوصف وترك الركوع والسجود والصلاة فإنه مخالف لطريقة الصحابة، ومخالف لطريقة الأمة.
ووصفهم الله بأنهم ( يبتغون فضلاً من الله ورضواناً ) أي: يطلبون فضله ورضوانه.
ووصفهم في آخر الآية بقوله: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّار [الفتح:29]، نقول لمن أبغضهم: إنهم قد أغاظوك، فأنت داخل في هذه الآية، فكل من أبغضهم قد صار في قلبه غيظ عليهم، وحقد وشنئان وبغضاء شنيعة لهم، لذلك نصفه بأنه داخل في هذه الآية، فمن أغاظه الصحابة فهو كافر، الله تعالى يقول: ( ليغيظ بهم الكفار ) فالمبغض لهم الذي أغاضه ما من الله به عليهم، من هؤلاء الكفار.
وقد مدح الله تعالى الصحابة بالسبق في قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ [التوبة:100] والسابقون يعني: المتقدمون من المهاجرين الذين أسلموا بمكة قبل الهجرة بعشر سنين وبثلاث عشرة سنة، ومن الأنصار الذين أسلموا قبل الهجرة بسنة أو سنتين أو أسلموا بعد الهجرة، ومن الذين اتبعوهم بإحسان يعني: ساروا على نهجهم واتبعوهم إلى يوم القيامة، مدح الله الجميع بقوله: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه [التوبة:100]، وهذا فضل كبير أن رضي الله عنهم ورضوا عنه، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَار [التوبة:100] وما أعظمها من كرامة.
كذلك أيضاً مدحهم بالآيات التي في آخر سورة الأنفال فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّه [الأنفال:72] آمنوا إيماناً ثابتاً راسخاً في قلوبهم، وهاجروا من بلادهم التي هي بلاد كفر إلى بلاد الإسلام، وجاهدوا بالأموال، وجاهدوا بالأنفس، بذلوا كل ما يملكونه من الأموال، وبذلوا أنفسهم في سبيل الله، هؤلاء هم المهاجرون، وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا [الأنفال:72] أي: الأنصار الذين آووا إخوانهم ونصروهم أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض [الأنفال:72]، ثم قال بعد ذلك: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:74] مدحهم بأنهم المؤمنون حقاً، ثم قال بعد ذلك: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا [الأنفال:75] أي: المتأخرون الذين آمنوا في آخر الأمر وهاجروا وجاهدوا فَأُوْلَئِكَ مِنْكُم [الأنفال:75] وما أعظمها من مزايا لهؤلاء الصحابة، ولكن الرافضة قوم لا يعقلون.. قوم لا خلاق لهم.
وقال الله تعالى في سورة الحديد: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَل [الحديد:10] يعني: السابقون الذين أنفقوا وقاتلوا -سواءً من المهاجرين أو الأنصار- قبل الفتح، يعني: قبل صلح الحديبية الذي فتح الله به على المؤمنين أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْد وَقَاتَلُوا [الحديد:10] يعني: بعد الفتح، ولكن يقول الله تعالى وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10] وعد الله المتقدم منهم والمتأخر بالحسنى، وهو الثواب الكبير والثواب العظيم.
وكذلك لما ذكر الله تقسيم الفيء في سورة الحشر، ذكر أن أول من يستحقه هؤلاء الفقراء من المهاجرين الذين هاجروا بأنفسهم وتركوا ديارهم، وتركوا أموالهم وعشائرهم وأهليهم ونجوا بأنفسهم الَّذِينَ أُخْرِجُوا [الحشر:8] لما ضيق عليهم هربوا، أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ [الحشر:8] لماذا؟ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8] ثم قال في الأنصار: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِم [الحشر:9] أي: هؤلاء الأنصار يحبون المهاجرين؛ لأنهم إخوانهم وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا [الحشر:9] لو أعطي المهاجرون ما أعطوا من الفيء ومن الغنائم ما غضب أولئك الأنصار، بل يوافقون على ذلك وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ [الحشر:9] أي: يقدم الأنصار إخوانهم من المهاجرين على أنفسهم وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9] أي: جوع وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]، ثم قال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِم [الحشر:10] سواءً كانوا آخر الصحابة الذين أسلموا بعد الفتح، أو الذين جاءوا بعدهم إلى يوم القيامة، هؤلاء منهم بشرط أن يدعو لهم، وأن يقولوا: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا)، ومن كان في قلبه غل وحقد وبغض وشنئان وغضب عليهم، فإنه بريء منهم، ولأجل ذلك استنبط العلماء أن الذين في قلوبهم غل على الصحابة وحقد عليهم ولا يدعون لهم بقولهم: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)؛ فليسوا من أهل الفيء ولا يستحقون أن يعطوا من بيت المال؛ وذلك لحقدهم على المسلمين وبالأخص الصحابة رضي الله عنهم.
وقد اشتهر أن هؤلاء الرافضة يبغضون الصحابة ويدعون عليهم ويشتمونهم، ولكن ذلك لا يضر الصحابة بل فيه خير لهم؛ لأنهم قد ختم على أعمالهم وانتهت أعمارهم، وحصلوا على ما حصلوا عليه من الثواب، وتستمر لهم الحسنات من هؤلاء الذين يسبونهم، روي عن بعض السلف أنه قال: ما أرى الناس ابتلوا بسب الصحابة إلا ليجري عليهم عملهم، أي: ليكون عمل الصحابة مستمراً غير منقطع، فيأخذون من حسنات هؤلاء الذين يسبونهم، وكأنهم لما حقدوا عليهم ورأوا أنهم ضلال وكفار عاد الضلال والكفر على هؤلاء والعياذ بالله، ودخلوا في قوله تعالى: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29].
فالله لم يستثن أحداً من أهل البيعة، ولهذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) أي: كلهم من أهل الجنة، وسمعنا أنه صلى الله عليه وسلم قال للمتأخرين من الصحابة كالذين أسلموا بعد صلح الحديبية أو في سنة ثمان وما بعدها: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) المد: ربع الصاع، والنصيف: نصف المد، أي: لو أن أحدكم أنفق نفقة من الذهب مثل هذا الجبل الذي يضرب به المثل في عظمه وضخامته ما بلغ مد أحدهم، سواءً من طعام أو نحوه، فكيف بمن أنفقوا أكثر أموالهم أو كلها في سبيل الله رضي الله عنهم وأرضاهم.
وزكاهم بقوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100].
وزكاهم بقوله: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة [التوبة:117].
وزكاهم بقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:18]. فعلم الله أن قلوبهم مؤمنة الإيمان الصادق.
وزكاهم بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:72] والآيات كثيرة كما تقدم، وإذا كان الله تعالى هو الذي زكاهم فلابد أن هذه التزكية لها أثرها، بمعنى: أنهم عدول، وأنه لا يطعن فيهم طاعن، فمن طعن فيهم فقد كذب خبر الله، ولا شك أن من كذب خبر الله تعالى وكذب ما جاء من عند الله يعتبر كافراً، حيث إنه خالف كلام الله، وطعن فيما أخبر الله به، فالله تعالى يعلم ما كان وما يكون، ويعلم بإيمانهم ويطلع على ما في قلوبهم، ولهذا قال: فعلم ما في قلوبهم علم الله أن قلوبهم مطمئنة بالإيمان، فإذاً: الذين طعنوا فيهم يطعنون في الله تعالى وأنه لم يعلم أنهم سوف يرتدون، وهذا هو معتقد الرافضة، فهم يقولون: إن هذه الفضائل التي ذكروا بها كانت قبل أن يرتدوا، وبطل مفعولها بعد أن ارتدوا، فهم بذلك يكفرون أجلاء الصحابة، وعليه فهم يطعنون فيما أخبر الله به، ولازم قولهم أن الله لم يعلم ما في قلوبهم.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة)، ولما قال لأصحابه: (إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، قالوا: الله أكبر! فقال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة.).
وقد زكاهم الله بقوله: ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:13-14] يراد بالأولين -على الصحيح- الأولون من هذه الأمة، أي: الصحابة، فذكر أن الأكثر من السابقين الأولين هم من القرن الأول الذين هم الصحابة، وكذلك من تبعهم وسار على نهجهم.
ومعنى كلام الرافضة أن دين الله مغير، وأن كلام الله مبدل، وأن شريعة الله غير محفوظة، وأن الله ما صدق في كلامه بقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] ولم يحفظ دينه وكتابه، بل وكله إلى كفرة فجرة -في زعم أولئك الرافضة- غيروا فيه وكتموا وكذبوا، وزادوا ونقصوا وحرفوا، وقالوا ما يشتهونه، وولوا من يريدونه، وعزلوا من يبغضونه، هذا مقتضى قول هؤلاء الرافضة.
إذاً: فينبني على قول الرافضة أن الله ما حفظ شريعته، وأن هذه الشريعة ليست هي الإسلام؛ لأن طعنهم في الصحابة ليس طعناً في ذواتهم خاصة بل هو طعن في الشريعة، وطعن في الإسلام، وطعن في الدين، وطعن في القرآن، وطعن في السنة، وطعن في الأحاديث النبوية، وطعن في الأحكام، وطعن في الأوامر والنواهي، وطعن في الوعد والوعيد، وطعن في الخبر والأمر، وطعن في كل ما جاء في هذه الشريعة، هذا لازم طعن هؤلاء الرافضة، لكن الله تعالى قيض هؤلاء الصحابة حتى حفظوا الشريعة وبلغوها، وقيض لهم تلامذة يتقبلون منهم، ويأخذون عنهم السنة، وقيض للتلامذة آخرين من تلامذتهم إلى أن حفظت الشريعة الإسلامية في الأقوال والأفعال، وصدق الله في حفظ شريعته من الضياع لتقوم الحجة على الآخرين كما قامت على الأولين، فإن الله تعالى له الحجة قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ [الأنعام:149] وليست الحجة لأحد من خلقه، فإذا كنت الحجة لله سبحانه؛ فإن كلامه لم يتغير، فيكون حجة علينا وحجة على آبائنا وعلى أبنائنا، وعلى الخلق كلهم إلى أن تقوم الساعة، أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:19]، ولئلا يقول الناس: رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [القصص:47].
فإذاً: قد جاءهم الرسول، وقد بلغ الرسول الشريعة، وقد حفظت شريعته التي بلغها، وقد قيض الله له صحابة أتقياء أنقياء ليس فيهم طعن، اعترفت الأمة بفضلهم، ورأوا فضائلهم التي في القرآن والتي في السنة، وأقروها في شروحهم وفي كتبهم ومؤلفاتهم، فتجدون مؤلفات أهل السنة مليئة بذكر فضائلهم، فقد ألف الإمام أحمد كتاباً مطبوعاً في مجلدين سماه: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك في صحيح البخاري كتاب الفضائل، ذكر فيه فضائل الصحابة بدءاً بالخلفاء الراشدين، وهكذا صنع مسلم رحمه الله في كتابه الصحيح، فجعل كتاباً في فضائل الصحابة روى فيه فضائلهم بدءاً بالخلفاء الأربعة على ترتيبهم في الخلافة، وهكذا أكثر المؤلفين ذكروا فضائلهم، ورووها بالأسانيد الصحيحة الثابتة التي لا مطعن فيها؛ اعترافاً منهم بأن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم هم أزكى هذه الأمة، وهم الذين حازوا هذه الفضائل، وهم الذين أجمعت الأمة على فضلهم، وأجمعت على تقديمهم، ومع تفاوتهم في الفضل، فأفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، وهكذا بقية الصحابة، ولم تزل الأمة تترضى عنهم كما رضي الله عنهم، والله تعالى ذكر الرضا عنهم في قوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِين [الفتح:18]، وإذا رضي الله عنهم، فمتى علمتم -يا رافضة!- أنه سخط عليهم بعد الرضا؟
وكيف يسخط عليهم وقد رضي عنهم؟! يقول الله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَار [التوبة:100] أعدها لهم، وكذلك لمن اتبعهم بإحسان لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِين ، لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ [التوبة:117]، فإذا تاب عليهم فكيف يعذبهم؟
فعلى المسلم أن يعرف فضلهم, وأن يعترف بفضائلهم، وأن يصدق ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يترضى عنهم ويحبهم، وينشر بين المسلمين فضائلهم، وأن يحذر من الرافضة الذين يطعنون فيهم ويكفرونهم، وينزلون عليهم الآيات التي جاءت في المنافقين، ويجعلونهم منافقين أو مرتدين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك تعرف طريقة أهل السنة وطريقة الرافضة الذين سموا أنفسهم شيعة، ولعله يأتينا كلام أوسع من هذا على هؤلاء الصحابة في الشرح إن شاء الله.
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، وقيل: إن السابقين الأولين من صلى إلى القبلتين، وهذا ضعيف؛ فإن الصلاة إلى القبلة منسوخة ليس بمجرده فضيلة؛ لأن النسخ ليس من فعلهم، ولم يدل على التفضيل به دليل شرعي كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة التي كانت تحت الشجرة.
وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) فهو حديث ضعيف، قال البزار : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هو في كتب الحديث المعتمدة.
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال:( قيل لـعائشة رضي الله عنها: إن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر! قالت: وما تعجبون من هذا، انقطع عنهم العمل فأحب الله ألا يقطع عنهم الأجر ).
وروى ابن بطة بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ( لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة -يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم- خير من عمل أحدكم أربعين سنة ) وفي رواية وكيع : ( خير من عبادة أحدكم عمره ).
وفي الصحيحين من حديث عمران بن الحصين وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال
وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة).
وقال تعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة:117]، ولقد صدق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في وصفه حيث قال: ( إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد؛ فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيء) وفي رواية: (وقد رأى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم جميعاً أن يستخلفوا أبا بكر ) وتقدم قول ابن مسعود : ( من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات ) إلى آخره عند قول الشارح: ونتبع السنة والجماعة.
فمن أضل ممن يكون في قلبه غل على خيار المسلمين، وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين، بل قد فضلهم اليهود والنصارى بخصلة، قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وقيل للنصارى: من خير أصحاب ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وقيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يستثنوا منهم إلا القليل، وفيمن سبوهم من هو خير ممن استثنوهم بأضعاف مضاعفة.
وقوله: ( ولا نفرط في حب أحد منهم ) أي: لا نتجاوز الحد في حب أحد منهم كما تفعل الشيعة، فنكون من المعتدين، قال تعالى يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُم [النساء:171]].
ومن جهة ثانية: ما جاء في قوله تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه [المائدة:119]، لا شك أنه مدح لهم وإخبار بأن الله قد رضي عنهم، وفي قوله: وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ [التوبة:100] إخبار بأنهم من أهل الجنة، وخبر الله تعالى صادق: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، وفي قوله تعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة [التوبة:117] يعني: غزوة تبوك، وكانوا حينها أربعين ألفاً أو نحو ذلك، فذكر الله تعالى أنه تاب عليهم كلهم، فلم يستثن منهم أحداً، وكذلك ما أخبر الله عز وجل من أنه رضي عن طائفة منهم وهم أهل بيعة الرضوان في قوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، وأخبر بأن بيعتهم كأنها بيعة مع الله، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم [الفتح:10]، وحاشاهم أن ينكثوا بيعة الله، وحاشاهم أن يكذبوا في مبايعتهم، سواءً كانت مبايعتهم على الموت أو مبايعتهم على ألا يفروا، روي أنه لما نزل أول سورة الفتح وفيها قول الله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [الفتح:2] قالوا: (هنيئاً لك يا رسول الله! فما لنا؟ فقرأ عليهم: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح:4].. إلى قوله: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [الفتح:5].. إلى قوله: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا [الفتح:26]) كل هذا اختص بأولئك الصحابة، ولكن الرافضة طمس الله تعالى على قلوبهم، وأعمى بصائرهم؛ فصدوا عن هذه الآيات، ولم يتفكروا فيها، وأخذوا ينقبون الآيات التي وردت في المنافقين، ويطبقونها على الصحابة فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].
ونقول لهم: متى سخط الله عليهم بعد الرضا؟! ومتى لم يتب عليهم بعد أن تاب عليهم؟! لا شك أن الله تعالى لا يخلف وعده، وأنه قد صدقهم ما وعدهم، لما صدقوا الله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ [الأحزاب:23] هذه صفات الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وجاء في كلام ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ( إن الله تعالى نظر في قلوب العباد فاختار قلب محمد صلى الله عليه وسلم، ونظر في قلوب الأمم فوجد قلوب أصحابه أبر وأزكى وأطهر فاختارهم لصحبته ) اختارهم الله لصحبة هذا النبي، فدل هذا على أن الصحابة رضي الله عنهم هم خلاصة الأمة وهم صفوتها.
وتقدم قول ابن مسعود رضي الله عنه: ( من كان مستناً فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أبر هذه الأمة قلوبا،ً وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه ولحمل دينه؛ فاعرفوا لهم حقهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ) شهادة منه رضي الله عنه بأنهم كانوا على الهدى، وأن من خالفهم وخرج عن طريقتهم فليس على الهدى، بل هو على الضلال.
فالأدلة الواضحة من الكتاب والسنة الشاهدة بأن الله رضي عنهم أكثر من أن تحصر، ولكن كما قالت عائشة رضي الله عنها في الأثر الذي تقدم: ( لما انقطع عملهم بموتهم، أجرى الله لهم حسنات غيرهم )، فهؤلاء الذين يسبونهم ويحقدون عليهم، إنما يهدون إليهم حسناتهم وأجور أعمالهم، فهم يعملون ويتصدقون ويصلون ويقرءون ويركعون، ولكن يذهب ثواب أعمالهم إلى أولئك الصحابة الذين سبهم هؤلاء.
وروي ذلك أيضاً عن الإمام أحمد أنه قال: ( ما أرى الناس ابتلوا بسب الصحابة إلا ليجري الله لهم عملهم )؛ لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث، ولكن إذا كان هناك من يسبه فإنه يأخذ من حسنات الذين يسبونه، وتضاف إلى حسناته كما ورد ذلك في الأحاديث، فيكون ذلك رفعة له، وزيادة في درجاته، وزيادة في أعماله.
كذلك تقدم قول ابن مسعود : ( فما رآه المسلمون حسناً -يعني: الصحابة- فهو عند الله حسن ) وقد رأى المسلمون -يعني: الصحابة- أن أبا بكر رضي الله عنه أولى بالخلافة فاتفقوا عليه، وولوه أمر المسلمين، فذلك بلا شك اتفاق منهم على أهليته، وعلى أفضليته، وعلى أحقيته بالخلافة، ولهذا سموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بلا شك أهل لهذه الخلافة، ولهذا قام بها أتم قيام، وصمد فيها وصبر، وعمل بما كان يعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتقدم أيضاً ما ذكر عن اليهود والنصارى مما يبين أن اليهود خير من الرافضة، والنصارى خير من الرافضة؛ لأن اليهود يقولون: أفضل بني إسرائيل أصحاب موسى، والنصارى يقولون: أفضل أتباع عيسى أصحابه الذين هم معه، وهم الحواريون، أما الرافضة فهم يقولون: شر هذه الأمة أصحاب محمد، فتفوقوا على اليهود، يعني: صاروا بذلك أشر من اليهود؛ لأن اليهود فضلوا أصحاب موسى، والنصارى فضلوا أصحاب عيسى، والرافضة تفوقوا عليهم في الكفر وجعلوا أشر قرون هذه الأمة وأكفرها وأضلها وأدناها وأبعدها عن الحق هم أصحاب محمد، ولم يستثنوا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا أفراداً قليلين كـعلي وأولاده، وعمار وسلمان وخباب ونحوهم، وكذلك الذين هم أقارب النبي صلى الله عليه وسلم القدامى كـحمزة ونحوه، أما بقية الصحابة فإنهم عندهم ضلال وكفار! قاتلهم الله أنى يؤفكون، فلا يغتر بقولهم، وبذلك يعرف أفضلية هؤلاء الصحابة، وأما أهل السنة والحمد لله فلا يشكون في ذلك، ولكن من باب التأكيد والتقرير حتى يعرف كفر وضلال هؤلاء الرافضة.
وقوله: ( وحبهم دين وإيمان وإحسان ) لأنه امتثال لأمر الله فيما تقدم من النصوص، وروى الترمذي عن عبد الله بن مغفل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الله الله في أصحابي! لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه).
وتسمية حب الصحابة إيماناً مشكل على الشيخ رحمه الله؛ لأن الحب عمل القلب، وليس هو التصديق، فيكون العمل داخلاً في مسمى الإيمان، وقد تقدم في كلامه أن الإيمان هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان، ولم يجعل العمل داخلاً في مسمى الإيمان، وهذا هو المعروف من مذهب أهل السنة، إلا أن تكون هذه التسمية مجازاً.
وقوله: ( وبغضهم كفر ونفاق وطغيان) تقدم الكلام في تكفير أهل البدع، وهذا الكلام نظير الكفر المذكور في قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] وقد تقدم الكلام في ذلك].
نقول: إن حبنا للصحابة رضي الله عنهم -كما سمعنا- إيمان، فحب الصحابة من الإيمان، وبغضهم من النفاق، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحب الأنصار إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق)، وكذلك الحال في المهاجرين: (لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، والمهاجرون أقدم من الأنصار وأفضل، فبغضهم كفر ونفاق، وحبهم زيادة في الإيمان وقوة في الإيمان, وباعث على الأعمال الصالحة التي تنبعث من القلب.
لسبقهم لمن بعدهم حيث إنهم سبقونا بالإيمان، فنقول: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10] أي: طهر قلوبنا من أن يكون بها حقد وبغض لأولئك الصحابة الذين تقدمونا وكانوا مؤمنين.
ونحبهم لأن لهم المنة علينا؛ وذلك لأنهم حفظوا الشريعة، وبينوها وبلغوها.
ونحبهم لأنهم دعوا إلى الله وجاهدوا في سبيل الله، ونصروا الله ورسوله، وانتشر بواسطتهم الإسلام.
ونحبهم لأنهم أهل الأعمال الصالحة، وأهل النفقات في سبيل الله.
ونحبهم لأنهم أهل التصديق القوي وأهل الإيمان القوي. ولا شك أن هؤلاء هم أولى بالمحبة ممن سموا أنفسهم شيعة، وادعوا أنهم يوالون ويعادون ونحو ذلك.
نتولى المؤمنين كلهم وهم الصحابة ومنهم أهل البيت، ومن الذين نتبرأ منهم؟
نتبرأ من المنافقين، ونتبرأ من الكافرين عموماً، ونتبرأ ممن أمرنا بالبراءة منه ولو كانوا أقارب، كما قال إبراهيم عليه السلام: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ [الزخرف:26]، إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّه [الممتحنة:4] هؤلاء هم الذين نتبرأ منهم، فلا ولاء إلا ببراء، فيكون ولاؤنا للمؤمنين ومن جملتهم الصحابة، وبراؤنا من الكافرين ولو كانوا أقارب، ولاؤنا لأولياء الله الذين قال فيهم: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُو [البقرة:257] وبراؤنا وتبرؤنا من أعداء الله ومن جملتهم أولياء الشيطان الذين قال الله فيهم: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ [البقرة:257].
أما الرافضة فعندهم أن الولاء هو ولاء أهل البيت خاصة الذين هم علي وذريته وزوجته وأم زوجته التي هي خديجة ومن كان معهم من المقربين عنده أو نحوهم، وأما البراء فإنه البراء من غيرهم، كالبراء من أبي بكر وعمر ، والبراء من جابر وأنس ، والبراء من ابن عمر وابن عباس وسائر أجلاء الصحابة، والبراء من أبي هريرة وغيره من الصحابة، ولماذا البراء منهم؟!
يقولون: نتبرأ منهم؛ لأنهم مرتدون وخارجون عن الإسلام!
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوماً فأحسبـه أوفى البرية عند الله ميزانا
يعني: ابن ملجم الذي قتل علياً، فهؤلاء بلا شك طرف هالك حيث أبغضوا هذا الصحابي رضي الله عنه الذي هو من أجلاء الصحابة، أما الطرف الثاني فهم الشيعة، ومذهبهم معروف بالغلو في آل البيت.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر