يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
قال الله تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21] الله غالبٌ على أمره، يعني: إرادته تغلب إرادة غيره، ومشيئته تغلب مشيئة غيره؛ لأن الله تبارك وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وكل صفة في العبيد حاشا الأنبياء فهي صفة نقص، فإذا كان هناك رجلٌ ذكي ففي الكون من هو أذكى منه، وهو ناقص بالنسبة لغيره، فإرادته تناسب نقص صفته، وإرادة الله عز وجل تناسب كمال صفته، فالله غالب على أمره، وهذا الذي حدث في حياة يوسف، كيف غلب أمره في قصة يوسف كلها؟ قال يعقوب عليه السلام: قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا [يوسف:5] رؤياه وقد منعه أبوه، لكن غلب أمر الله فقص على إخوته فكادوا له، فرموه في الجب بقصد إقصائه عن وجه والده، وأرادوا أن يخلو لهم وجه أبيهم، فما تم لهم ما أرادوا؟ غلب أمر الله عز وجل وضاق عليهم قلب أبيهم، ونحن نعلم أن حسن المعاملة، هذا معتمد على عمل القلب، فإذا دخل البغض على قلب رجل، لا يستطيع أن يتبسم في وجه من يبغضه، فكل الجوارح تخضع لعمل القلب، ثم دخل قصر العزيز وراودته المرأة، فلما رأت العزيز بادرت بالهجوم والاتهام، وأرادت أن تبرئ نفسها: قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [يوسف:25] بقصد أن تبرأ من هذا الذنب، فغلب أمر الله عز وجل وشهد شاهد من أهلها فاتهمت، ثم دخل السجن، وذَكَّر الساقي، فقال له: اذكرني عند ربك، فغلب أمر الله عز وجل ونسي الساقي هذا ولم يذكر إلا بعد أمة من الزمان، ثم بعد مرة من الزمان تذكر يعقوب عليه السلام يوسف، لما أبى أن يعطيهم المتاع إلا أن يأتوا بأخ لهم من أبيهم، فلما ذكروا أخا يوسف هاجت الذكرى عند يعقوب عليه السلام، وقال: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف:18] .. وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ [يوسف:84]، وهذا بعد مدة من الزمان، وأصروا على الذنب، لكن كان مبدؤهم أن يفعلوا الفعلة ثم يتوبوا، لكنهم فعلوا الفعل ولم يتوبوا، بل أصروا على الذنب، ونفوا عن أنفسهم الجناية، لكنهم عادوا فاعترفوا لما غلب أمر الله، تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ [يوسف:91] .. يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ [يوسف:97] فهذا اعتراف بالذنب بعد الإصرار على عدم الاعتراف.
وإذا علم العبد أنه يموت هناك ما ذهب، لكن الله غالب على أمره، كما روى أبو الشيخ في كتاب العظمة أن داود عليه السلام قرَّب رجلاً من أهل مملكته، فلما مات داود عليه السلام اصطفاه وسليمان وقربه إليه، وكان ملك الموت عليه السلام يجالس الأنبياء عياناً، ودخل ذات مرة على سليمان عليه السلام فنظر إلى الرجل ولحظه بطرف عينه، وانتبه الرجل لنظره إليه، وذهب ملك الموت، فسأل الرجل جليس سليمان عليه السلام من هذا، فقال: ملك الموت، فقال: لا أجلس في أرض فيها ملك الموت، فقال: وماذا تريد؟ قال: مر الريح فلتذهب بي إلى أرض الهند، وكانت الريح مسخرة له كما قال الله عز وجل: تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ [ص:36] رخاء يعني: لا شديدة ولا رخوة، وبعد قليل جاء ملك الموت إلى سليمان عليه السلام فقال له: لم لحظت الرجل، ولم نظرت إليه؟ قال: إن الله أمرني أن أقبض روحه في أرض الهند، فلما ذهبت إلى هناك وجدته هناك يرتعد في مكانه فاستلبت روحه.
لو علم الرجل أنه يقبض هناك ما طلب هذا الطلب، لكن الله غالب على أمره، وتدبيره محكم وسابق على تدبير عباده، وإذا قرأت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرث القاتل) تبين لك هذا المعنى أيضاً، فالقاتل يقتل أخاه أو أباه أو عمه من أجل أن يرث، فلو علم أنه سيحرم الميراث ما قتل، فالله غالب على أمره، إشارة إلى القدر الأعلى المهيمن المسيطر على مصائر العباد.
قارن هذه القصة واربطها بقوله تبارك وتعالى: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ [يوسف:21] لتعلم ونحن في مرحلة الاستضعاف أن النصر قريب لكن بشرط، (فكان هذا الغلام يخرج من بيته إلى بيت الساحر، وكان إذا مر مر بصومعة راهب، فعرج الغلام يوماً على صومعة الراهب فدخل، وسمع كلامه فأعجبه)، فعندما يسمع كلام الساحر، ثم يسمع كلام الله لا بد أن يجد فرقاً، (فصار يتأخر عند الراهب، فيتأخر في الرجوع إلى بيته إذا كان راجعاً، أو يتأخر في الذهاب إلى الساحر إذا كان ذاهباً، فكان هؤلاء يضربونه على التأخير، وهذا يضربه أيضاً على التأخير، فشكى ذلك إلى الراهب فقال له: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل: حبسني أهلي، وإذا ضربك أهلك فقل: حبسني الساحر، ومضى زمن، حتى جاء يوم واعترض طريق الناس دابة، فقال الغلام: اليوم أعلم أأمر الراهب أحب إلى الله عز وجل أم أمر الساحر، فأمسك حجراً وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك فاقتل هذه الدابة، ثم رماها بالحجر فقتلها. تحدث الناس عن الغلام وذاع صيته، فدخل على الراهب، فقال: أي بني إنك اليوم صرت أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليّ وجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني بلغ من سحرك ما أرى؟ تبرئ الأكمه والأبرص وتداوي الناس من سائر الأدواء، فقال: إني لا أشفي أحداً، ولكن يشفي الله تعالى، فلا زال يعذبه حتى دل على الراهب
إن الملوك بلاء حيثما حلـوا فلا يكن لك في أكنافهم ظل
ماذا تأمل من قوم إذا غضبـوا جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
فإن نصحتهم خالوك تخدعهم وإن استصغروك كما يستصغر القل
استغن بالله عن أبوابهـم أبداً إن الوقوف علـى أبوابهـم ذل
إذا غضب ثار عليك، لا يرقب فيك إلا ولا ذمة، وإذا أعطاك مَنَّ، وكلمات الوفاء والإخلاص لا توجد في قواميس هؤلاء أبداً، بل إن الملك يفرق بين الولد ووالده، كما حدث في قطر، كان الملك سيعود إلى الولد، لكنه أخذه من أبيه بالقوة.
كان هناك رجل يعمل مع المشير عبد الحكيم عامر ، وكان هذا رجلاً منحرفاً، وكان رجل نساء، فكان إذا أراد أن يقضي ليلاً أو شهراً مع امرأة يذهب إلى باريس، وكان صلاح نصر رئيس المخابرات صديقاً حميماً للمشير، وكان يصوره وهو في هذه الأوضاع المشينة ويحتفظ بالصور حتى يستخدمها وقت الحاجة، وفي يوم من الأيام فقد صورة من الصور فخاف أن تصل إلى المشير فيكون فيها هلاكه، فبدأ يعمل تمشيطاً لكل الرجال الذين يعملون مع المشير، يقول الرجل: فدخلت في بيته يوماً من الأيام فأخذوه، وقالوا له: أين الصور؟ قال: والله ما أعرف شيئاً، فقالوا: أنت كذاب، وعلقوه وساموه سوء العذاب.
وبعدما جلس في السجن أياماً طويلة إذا بالصور موجودة عند صلاح نصر ، فأخرجوه وعفوا عنه ولم يعتذروا له، وهناك بعض العصاة لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم، قال صلى الله عليه وسلم: (عجب ربك من أقوام يدخلون الجنة بالسلاسل) وهذا كالأسرى الذين إذا غلب المسلمون على ديار الكفر استرقوهم وأتوا بهم إلى ديار المسلمين فيرون الإسلام فيسلمون، فهؤلاء لم يسلموا إلا بسبب الحرب، فيدخلون الجنة بالسلاسل.
فجليس الملك وصفي الملك وخليل الملك لم يتورع الملك عن قتله يوم خالفه، وكذلك الراهب، لكنه لم يقل للغلام: ارجع عن دينك حتى إذا قال: لا، قتله؛ لأنه بإمكانه أن يضع يده في يد عدوه لتحقيق مصلحته، فهؤلاء لا مبدأ عندهم إلا هواهم، فالغلام أثبت جدارة ومهارة، وهو صغير السن وأمامه المستقبل، والملك محتاج إلى مثله، (فأتى به وقال له: ارجع عن دينك، فقال له: لا، فدعا جنوده وقال: خذوه على قمة الجبل الفلاني فإن رجع وإلا فألقوه..) ولم يقل: خذوه على قمة الجبل واقتلوه، لا، ولكن هناك مراجعات؛ لأنه يحتاج إليه، (فأخذوه على قمة الجبل وقالوا: ترجع؟ قال: رب اكفنيهم بما شئت، فارتجف بهم الجبل فسقطوا، ورجع هو إلى الملك) فغلب أمر الله، (فلما رآه الملك قال: ويحك أين أصحابك؟ قال: كفانيهم الله بما شاء، فأمر جنوده، قال: خذوه في قرقور -وهو القارب- وامضوا به في البحر، فإن رجع وإلا لججوا به -أي: اقذفوه في لجة البحر في وسط الماء- فلما كانوا في البحر قالوا له: ترجع؟! فقال: رب اكفنيهم بما شئت، فانكفأ بهم القارب فغرقوا ورجع هو. فلما رآه الملك قال: ويحك أين أصحابك؟ قال: كفانيهم الله بما شاء
إنك تستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت أو كل الناس بعض الوقت، لكن لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، إن الناس يموجون بين الهدى والضلال، لكن يجبنون ويعرفون الدعي الذي يكذب ويعد الوعود الكاذبة، ويعرفون الكاذب، ولكن لا يستطيعون الكلام، فإذا جاءت الفرصة تكلموا وفعلوا، وهذا ما فعله الرعية، وهذا فعل العامة في كل زمان.
لماذا آمنوا بالله رب الغلام؟ لأن رب الغلام هو الذي غلب، حاول الملك أن يقتل الغلام مرة من على الجبل، ومرة في البحر ولم يستطع، فلما قال: بسم الله رب الغلام؛ قتل الغلام، إذاً رب الغلام هو الأكبر وليس الملك، فاحتار الرجل، واستشار الذين حوله من بطانة السوء ماذا يفعل وقد آمن الناس جميعاً، فقالوا: والله وقع الذي كنت تحذر، فقال: وما العمل؟ قالوا: احفر الأخاديد على السكك، ثم ملأوا هذه الأخاديد بالنحاس المغلي، وعرض الناس على الكفر عرض الحصير عوداً عوداً، فيقال للرجل: تؤمن بالله رب الغلام، أو تؤمن بالملك؟ فإن قال: أؤمن بالله رب الغلام؛ قذفوه في الأخدود، وإن قال: آمنت بالملك؛ نجى، فذلك قوله تبارك وتعالى: قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ *النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ [البروج:4-5] وفي بعض القراءات (ذات الوِقُود) أي: الاشتعال لشدة الحرارة.
حتى جاء الدور على أم تحمل ولدها، فالأم خافت، وكأنها تراجعت، فسمعت ولدها يقول: يا أماه اصبري فإنك على الحق!! فتبين هذه القصة، كيف أن الله غلب على أمره، أراد الملوك أمراً وأراد الله أمراً، فكان ما أراد الله، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا *وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطارق:15-17]، فكل مما يفعلونه من الإجراءات الاستثنائية، والأحكام العشوائية، واتهام الأبرياء بما ليس فيهم، وتنزيل أقصى العقوبات غير اللائقة لا قانوناً ولا وضعاً ولا عرفاً، كل هذا لا ينفع، فإن الله غالب على أمره، وخذ ما حدث في صحراء إيران أيام قضية احتجاز الرهائن، خذ منها عبرة في التاريخ الحديث.
أرادوا شيئاً لكن الله غالب على أمره.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
هذه الآية تشير إلى القدر، القدر الأعلى الذي لا يخرج من قبضته أحد، فإذا قدر عليك البلاء فاعلم أن الله غالب على أمره، وإذا استطعت ألا تبتلى إلا في الله فافعل، وذلك بأن تتبع الشرع، ولا تخالف.
فالغفلات يدخل منها الشيطان، فكيف تضع سلاحك وتترك ذكر الله عز وجل وعدوك شاهر سلاحه، فالجهاد قائم ما دام هناك دين على وجه الأرض بخلاف دين الإسلام، ولا يجوز لك ترك الجهاد أبداً، وإذا جاهدت في سبيل الله غنمت، وجعل الله لك الرجال، والديار والأموال، فتأخذ الرجال تستغلهم، وتسيى النساء والولدان.
إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن امرأة بغياً دخلت الجنة في كلب، وهو الحيوان المهين، الذي ضرب به المثل في المهانة وعدم التحمل، وأنه لا صبر له، وهذه امرأة بغي تترزق بعرضها، ولا توصف المرأة بالبغاء إلا إذا صار حرفة ومهنة وخلة دائمة لها، يعني: امرأة زانية عريقة في الزنا، ملأت موقها ماء وسقت كلباً يلعق الثرى من العطش، فشكر الله لها فغفر لها، وفي المقابل: دخلت امرأة النار في هرة. لو ملك المسلمون فهل سيرمون البر والدقيق في المحيط وهم يعلمون أن ربع الكرة الأرضية يموت من الجوع؟! حفاظاً على سعر الدقيق والخبز!! هذه ليست إلا أخلاق الكافرين: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التوبة:8].
كلما يحصل شد يحصل انفجار، وهم يعترفون بهذا، فالرسم البياني للصحوة الإسلامية الأثرية التي تنتسب إلى القرون الثلاثة المفضلة يبين أنها كل يوم تزداد، واتسع الخرق على الراقع، فالذي كان يضرب على قفاه إذا بكى يسكت، الآن لا يسكت، بل هو صاحب ساعد قوي يستطيع أن يضرب ولو كانت ضربته أقل تأثيراً من غيره، وابنك الذي كان يأخذ حاجته بالصراخ أمس كبر وصار له ساعد، صحيح أنك أقوى منه، ولو ضربته ضربة لقلعت له عيناً، ولكنه سيضربك ولو كانت ضربة لا تؤثر فيك، وهذا انتصار ومكسب، أن يمد يده ولو كانت ضعيفة، وهذا الذي يضربك الآن بيد رخوة غداً يشتد ساعده، وأنت بطبيعتك تكبر وتكبر، ثم يستدير القمر ويعود محاقاً بعدما كان بدراً، وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ [يس:68] فيشتد ساعد هذا ويضعف ساعدك، فإذا ضربك قلع لك عيناً، وإن ضربته فلن تؤثر فيه، فلا تهاجمه، وأعطه جزءاً من المشاركة تكفى شره بذلك، ولا يفعل هذا إلا عاقل، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21].
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان عن مسعر وغيره عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: قال رجل من اليهود لـعمر : (يا أمير المؤمنين لو أنا نزلت علينا هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] لاتخذنا هذا اليوم عيداً، فقال عمر : (إني لأعلم أي يوم نزلت هذه الآية، نزلت يوم عرفة، في يوم جمعة).
سمع سفيان مسعراً ، ومسعر قيساً ، وقيس طارقاً .
هذا الحديث رواه الإمام البخاري رحمه الله في أربعة مواضع من صحيحه، الموضع الأول في كتاب الإيمان في باب زيادة الإيمان ونقصانه، والموضع الثاني: في كتاب المغازي، في باب حجة الوداع، والموضع الثالث في تفسير سورة المائدة عند ذكر هذه الآية، والموضع الرابع: هو الذي نشرحه وهو أول حديث في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.
قلت قبل ذلك: إن الإمام البخاري رحمه الله له فهم ثاقب ونظر حاد في ترجمته لأبواب صحيحه، فوضع هذا الحديث في كتاب الإيمان في باب زيادة الإيمان ونقصانه، علاقة الترجمة بحديث عمر الواردة فيه الآية : أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] أن الآية دلت على تمام الإيمان، فالإيمان له زيادة ونقصان، فأعلى زيادة في الإيمان هي كمال الدين، وأن تتمه في نفسك، وبقدر ما يكون لله عز وجل في قلبك يكون كمال الإيمان، فأراد الإمام البخاري أن يبين أن أوج الزيادة في كمال الدين.
(قال رجل من اليهود) وهذا الرجل اسمه كعب الأحبار ، وكعب الأحبار كان رجلاً من علماء اليهود وأسلم في خلافة عمر رضي الله عنه، فيحمل على أن كعباً قال هذا الكلام لـعمر قبل أن يسلم، وهذا ظاهر من اللفظ: (قال رجل من اليهود لـعمر )، وإذ ثبت أنه كعب فإذاً قال هذا الكلام لـعمر قبل أن يسلم ، وإما أن يكون أسلم ولكن نظر إلى أول حاله، كما في الحديث الصحيح أن زينب رضي الله عنها حدث بينها وبين صفية بنت حيي خصومة، وضعف جمل صفية فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـزينب : (أعطها الظهر لتركب، فقالت له: أنا أعطي هذه اليهودية!!) -وهي زوجة النبي عليه الصلاة والسلام- فكأن النظر بالنسبة إلى الحال الأول، وإن كان الوجه الأول أقوى، وهو أن كعباً سأل عمر رضي الله عنه قبل أن يسلم قال: (يا أمير المؤمنين لو أنا نزلت علينا هذه الآية لاتخذنا هذا اليوم عيداً، قال عمر -في رواية للبخاري أيضاً- أي آية؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]) فأراد عمر أن يرد عليه فقال له: نحن ما قصرنا في اتخاذ ذلك اليوم عيداً، بل هي نزلت في يوم عيد، كما رواه الترمذي من حديث ابن عباس أن رجلاً قال لـعمر هذا الكلام فقال: (نزلت في يومي عيد)، يوم عرفة ويوم جمعة، ومناسبة هذا الحديث لكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة الإشارة إلى أن الله تبارك وتعالى أتم دينه وأكمله، فلم تعتصم بغير الكتاب والسنة؟ أتطلب الهدى خارج الكتاب والسنة؟ والله عز وجل يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] إذاً لا عذر لك في الخروج عن الكتاب والسنة.
فمثلاً: الخمر علة التحريم فيه الإسكار، وهو وصف ثابت منضبط، فأي إنسان يسكر تظهر عليه علامات السكر، ولا يقال: إن أناساً يشربون الخمر ولا يسكرون، فعلى هذا يجوز الخمر، وقد رأيت هذا بعيني، لما سافرت إلى أسبانيا سنة (76)، وعملت هناك صحفياً لجريدة مشهورة، وكان القصد منها أن أمارس اللغة، فكنت أجد أي فرد فأتكلم معه حتى أتقن كلامهم فأمسك بيدي دفتراً وقلماً وأعرض لأي رجل في الشارع وأقول له: أنا صحفي وأريد أن أسأل أسئلة عن أسبانيا حتى نعرف المسلمين بها، ومن ثم ندخل في الكلام، فرأيت في هذه الدولة عجباً، قابلت رجلاً عجوزاً شيخاً، فقلت له: أنا صحفي ومن مصر، وأريد أن أعرف أسبانيا أيام الطراز الإسلامي، وأسبانيا أيام فرانكو ، وأسبانيا أيام خوان كارلوس وهو الموجود حالياً، فأول ما سألته عن الإسلام بصق الرجل ومضى، والأندلس هي جنوب أسبانيا وهي الصعيد، فكل بلد فيها صعيد، يعني وجه قبلي ووجه بحري، فالصعيد ليس عندنا فقط، فالمسلمون ما دخلوا إلا صعيد أسبانيا التي هي الأندلس، ووقفوا تقريباً على منتصف أسبانيا من الأسفل، وعندما تذهب إلى هناك ترى فعلاً الآثار الباقية واضح عليها جداً اللمسات الإسلامية، فأول ما قلت للرجل: إسلامي بصق، وحدث نفس الموقف مع رجل آخر، وبصق أيضاً، ومكثت أبحث عن المسجد لأصلي الجمعة قرابة أسبوعين، ولم أعثر عليه حتى وصف لي وصفاً دقيقاً، وكنت متوقعاً أن أجد مسجداً وحيداً في مدريد له منارة وقبة، وظاهر عليه سمت المساجد التي نعرفها، فبحثت في الشارع كله فلم أجد المسجد، فسألت رجلاً: يقولون إن مسجداً في هذا الشارع؟! فبصق وتركني، وظللت أبحث عن المسجد حوالي أربع ساعات إلى أن عرفت أنه في عمارة في أسفلها، تنزل له بسبع أو ثمان درجات، ودخلت فلم أجد مسلماً من جنس أسباني أبداً، وإنما كل الموجودين في المسجد كانوا من الجالية العربية، وكان أغلب هؤلاء من أهل الشام.
فكنت أعمل صحفياً وأسأل الناس عن الأخبار، ومرة سألت رجلاً منهم يقال: إن هناك حي ليس للمسلمين فيه نصيب أبداً، ويقال والله أعلم: بني فيه مسجد، وهو حي من أعتى أحياء أسبانيا وهو حي الجامعة، فبينما كنت أمشي في يوم من الأيام لقيني رجل فعرف أني من مصر فقال كلمة أسبانية تعني: الأحرار، فهو لا يعرفنا إلا بالأحرار، وقال: لا بد أن أدعوك اليوم، وكان معي زميلي في الرحلة، فأخذنا إلى البيت وقال: هذا الخمر القديم أنا لا أنزله إلا للأحباب، وأنزل قارورة سوداء جداً، وصب منها كأساً، قدر عقلة الإصبع، فقلت له: الخمر عندنا حرام ولا يجوز، وأما صاحبي فكان عنده حب استطلاع فأخذها فقال الرجل: لماذا الخمر حرام؟ فقلت: لأنها تسكر، فرفع القارورة وقال: هه، وشرب منها، وأما صاحبي فشرب منها فاضطربت معدته وحصل لها ما حصل، بينما شرب الرجل وأتم معنا الجلسة وذهنه صافٍ وليس هناك إشكال.
فلا تؤثر مثل هذه الصورة على الحكم، لأنه يقال: الشاذ لا يقاس عليه، وإنما يقاس على الأعم الأغلب، يعني مثلاً: النفاس أكثره أربعون يوماً، فلو نفست امرأة مثلاً ثلاثة أشهر فلا يجوز أن نربط حكم النفاس على الثلاثة أشهر لقلة من يستمر معها النفاس ثلاثة أشهر، لكن لما تدبروا في حال النساء وجدوا أن أغلب النساء لا يزدن على أربعين يوماً، فجاز لهم تعليق الحكم بالعادة الغالبة، فالوصف المنضبط في الخمر هو الإسكار، وعلامة الإسكار تظهر على كافة الناس حيث يخرج الإنسان من وقاره ويتكلم بكلام يخلط فيه.
إذاً العلة في تحريم الخمر هي الإسكار، وهذه علة وصفها ثابت ومنضبط، فحيثما وجدنا هذه العلة في أي مشروب آخر فإنه يأخذ حكم الخمر؛ لأن علة الأصل -وهو الحكم السابق بتحريم الخمر في القرآن- تعدت إلى الفرع، وهي وصف ثابت منضبط لا يتغير، فمنكرو القياس قالوا: هذه الآية حجة لنا في نقد القياس؛ لأن القياس محض اجتهاد، وقد يخطئ الرجل في تنزيل العلة من الأصل على الفرع ويقول: هذا حكم الله فيخطئ، ولا يجوز لأحد أن يقول: هذا حكم الله بالاجتهاد، فرد عليهم الأئمة المثبتون للقياس بأدلة كثيرة، أتوا مثلاً ببعض الأحاديث التي استخدم فيها النبي صلى الله عليه وسلم القياس، كما في الحديث الصحيح أن رجلاً أراد أن ينتفي من ولده، حيث التبس عليه أنه أبيض والولد أسود وأمه بيضاء، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هذا ليس ابني!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس لك إبل؟ قال: بلى. قال: أليس فيها من أورق؟) يعني: أحياناً يأتي جمل لونه ليس كلون أمه: (قال: نعم. قال: ومم ذاك؟ قال: لعله نزعه عرق، قال: وهذا لعله نزعه عرق) فمن الممكن أن يكون هذا الولد ينزع لجده، أو لجد جده، فيكون أخذ منه شيئاً من بعيد، فكما أن الجمل الأورق نزعه عرق فكذلك الولد نزعه عرق، فهل هذا إلا القياس؟ هذا هو القياس، حيث عدى العلة وهي اختلاف اللون من اختلاف الجمل عن لون أمه، إلى اختلاف لون الولد عن لون أمه وأبيه، أن هذا لعله نزعه عرق وهذا أيضاً لعله نزعه عرق، ثم نقول: إن الأحكام الشرعية تبنى على الظن الغالب، وليس معنى بناء الحكم على الظن الغالب أن نقول: هذا مراد الله، فهذا شيء وهذا شيء، وإلا فنقول لنفاة القياس: أنتم تفسرون الآية الواحدة بعدة تفسيرات، فهل تستطيع أن تجزم أن أي تفسير منها هو مراد الله؟ لا نستطيع الجزم، وهذا قرآن، فهل يبطل تفسير القرآن؛ ونقول: لا يجوز لنا أن نفسر القرآن وكلام الله عز وجل؛ لأنه قد يكون هذا التفسير ليس بمراد لله تعالى؟ لا، ولا نقول: هذا حكم الله، ولكن نقول: هذا هو حكم الشرع فيما ظهر لنا، وهذا سائغ.
وإذا كانت الأحكام تبنى على الظن الغالب فلا يجوز التمسك بهذه الآية في نفي القياس؛ لأن القياس راجع إلى حكم الشريعة، ألم نقل قبل: إن القياس هو تعدية علة أصل إلى فرع، وهذا الأصل هو كلام الله عز وجل، فإذا حددت العلة ونقلتها بشروطها، فأنا في تعديتي العلة من الأصل إلى الفرع لم أخرج عن حكم الله، ولم أخرج عن كلام الله عز وجل، فالقياس في حقيقته راجع إلى كلام الله عز وجل وإلى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
فبايع علي أبا بكر الصديق ، وكان إلى المسلمين أقرب منه إليهم قبل أن يبايع أبا بكر رضي الله عنه، فأين النص والدليل على إمامة علي بن أبي طالب وأن المسلمين أخفوها؟ فهذه الآية أيضاً حجة قاهرة على هؤلاء الروافض، إذ لو جاز للصحابة أن يبدلوا لما جاز أن يظهر تبديلهم على كلام الله عز وجل القائل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] وقبل هذه الآية قال الله عز وجل: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ [المائدة:3].
فـإسحاق رابين يبني المستوطنات، ويطلق على المصلين النار وهم سجود دون أي اهتمام، وعندما دخلنا مرحلة جديدة وهي مرحلة السلام والاستسلام قالوا: نريد أن نثبت حسن النية، فإذاً نراوغ ونقول: إن السلام يقتضي أن يكون هناك احترام، يظهر هذا في الجامعات عندنا، وكذلك في الجامعات عندكم، وممكن نعمل اتصالات ... إلخ، ويفكرون الآن في شبكة كهرباء للوطن العربي كله، ومفتاحها يكون عند من؟ عند هذا اليهودي، والله عز وجل أنزل آيات محكمات في الكتاب المجيد أن هؤلاء لا دين لهم ولا ولاء، وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] .. كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التوبة:8] لو ظهر عليك لا يمكن أن يتركك، وهذا كلام الله عز وجل، فإذا اتبعنا القرآن والسنة واعتصمنا بهما، ييئس الذين كفروا من ديننا، كما قال تعالى: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ [المائدة:3]؛ لأن فيهما الجلاء والتوضيح والبرهان.
وقد أطال صديق حسن خان في الرد عليهم حتى يكاد الواقف على كلامه يظن أنه ينفي القياس، من شدة رده على المقلدة، فوضع البخاري هذا الحديث في أول كتاب الاعتصام، أراد به أن يقول : إذا تم الدين وكملت النعمة ولم يترك الله تبارك وتعالى دقيقاً ولا جليلاً إلا بينه لعباده، وكذلك الرسول عليه الصلاة والسلام بيَّن القرآن، فلا معنى للخروج عن الكتاب والسنة واستيراد أحكام من الخارج.
ثم جاء المؤتمر الذي أقيم في الصين في مسألة الزواج والطلاق، وقام العلماء قومة رجل واحد، فقانون الأحوال الشخصية فيه إعواز بسبب اعتماده على مذهب أبي حنيفة وحده، ومن المفروض أن المسألة لا تقتصر على مذهب واحد، فمثلاً في مذهب الأحناف إذا غاب الرجل بأن سافر لأجل أن يأتي بمال وغاب سنة أو سنتين أو أربع أو عشر أو عشرين سنة ليس للزوجة أن تطلب الطلاق، ولا أن ترفع أمرها للقاضي، فإن لم تجد حلاً تصبر، وأما في المذهب المالكي إذا يئسنا من رجوع الرجل بسبب غيابه جاز للمرأة أن تطلب الطلاق، إذ أنه إذا كان يعمل بالظن الغالب في الأحكام الشرعية أفلا يعمل بالظن الغالب في مثل هذه الأمور العادية؟ فتصبر المرأة وتظل معلقة مدى الحياة، فلماذا لا يدخلون مذهب مالك في هذه المسألة؟ خاصة أن مذهب الأحناف مخالف للدليل في بعض المسائل.
ثم بأي عقل أيها الإخوة! الكرام في بلد الإسلام يقال: إن حالة الزنا تسقط إذا رضي الزوج، وهذا الحكم بمنتهى الجلاء واضح في كتاب الله عز وجل، وبأي عقل يقال: يجوز للمرأة أن تزني إذا رأت زوجها يزني، والجروح قصاص!! أيجوز هذا الكلام في ديار الإسلام وعندنا قرآن وسنة، والأحكام واضحة جداً وجلية؟
ويأتي رجل بلغ من الكبر عتياً، صاحب (عودة الروح)، (وعصا الحكيم) (وحمار الحكيم)، كان سنه ثلاثاً وثمانين سنة يوم أن قال هذا الكلام في الأهرام، عندما عاد من باريس واستقبلوه في المطار فسألوه: ماذا أعجبك في باريس؟ فلم يقل البيجو أو شيء من هذه الأشياء، وإنما قال لهم: أعجبني في باريس الزواج الجماعي، يعني: تبديل الزوجات، كل رجل يعطي زوجته للآخر، هذا الذي أعجب ابن ثلاث وثمانين سنة.
والآن تعرفون فرج فودة الذي أهلكه الله عز وجل وقلعه في ليلة مباركة، بدأت الآن تسن قوانين لضرب الإرهاب من كتب فرج فودة:
بأيمانهم نوران: ذكـر وسنـة فما بالهم في حالك الظلمات
وضرب شركات توظيف الأموال هذه تمت بفعل فاعل، هذه الشركات كانت مباركة عمل فيها ألوف العاطلين، وفتحت أبواب الرزق على آلاف الأسر، وكان الرجل الذي يذهب للعمل فيها يأخذ خمسائة وستمائة وسبعمائة إلى ألف جنيه، وأحدث هذا حالة ازدهار وانتعاش، وبدأت تحويلات المصريين في الخارج تأتي، حتى صار رأس مال واحد مثل أحمد الريان وإخوانه في نحو ثلاث سنوات ثلاثة مليارات وواحد من عشرة، فقالوا: هؤلاء سيتمكنون بالمال ويلعبون بكم كما يلعب اليهود برئيس أمريكا، فهم الذين يتحكمون بالرئيس في الترشيحات، والملاحظ أن كل الشركات كان عليها سمت الإسلام، وكان معهم مليارات، وبعضهم استعد لدفع الديون التي على البلد، فهذه الشركات ضربت بفعل فاعل، وألصقوا بهم التهم وقالوا: إنهم كانوا يضحكون على المودعين ويعطونهم أرباحاً من رأس المال، ولو أتيت بـأبي جهل وأعطيته هذه الشركة لا يمكن أن يعطي المودعين من رأس المال، بدليل أنهم عندما ظهرت هذه الفرية قالوا: لو أن كل المساهمين أرادوا أن يأخذوا رءوس أموالهم ما عليهم إلا أن يأتوا، وكل هذا بسبب أننا نحكم بغير ما أنزل الله تبارك وتعالى، وهو مهيمن ومسيطر وكامل.
وليس هناك حكم لغيره سبحانه وتعالى إلا تجد له نص: إما خاص، وإما يندرج تحت عنوان.
فإذاً: الاعتصام بالكتاب والسنة هو النجاة؛ لأن الله عز وجل ضمن لنا هذا الكمال، وضمن لنا تمام النعمة إذا صدقنا الكتاب والسنة، إذاً: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ [المائدة:3].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر