حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان بن عفان يسأله، -و أبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان-: إني أردت أن أنكح طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير فأردت أن تحضر ذلك، فأنكر ذلك عليه أبان وقال: إني سمعت أبي عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاينكح المحرم، ولا ينكح) ].
قال المصنف رحمه الله تعالى: باب المحرم يتزوج، أي: ما حكم ذلك؟ والجواب أنه لا يجوز للمحرم أن يتزوج، أي: أن يعقد النكاح، سواء كان له أو لغيره، فلا يكون متزوجاً ولا ولياً أو وكيلاً في زواج، فالمحرم عليه أن يبتعد عن الجماع، وعن كل ما هو مفض إلى الجماع، ومن ذلك العقد والخطبة، وكذلك أي شيء يؤدي إليه فإنه لا يسوغ للإنسان أن يفعله في حال إحرامه.
وليس المقصود بالنكاح في هذا الحديث مجرد الجماع، فإن ذلك كما هو معلوم غير سائغ، ولكن المقصود به العقد؛ لأنه قد جاء بعده: (ولا ينكح ولا يخطب).
أورد أبو داود حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح)، فقوله: (لا يَنكح المحرم) أي: لا يتزوج ولا يعقد بنفسه، (ولا يُنكح) أي: لا يعقد لغيره، وذلك بأن يكون ولياً عن المرأة، فليس له أن يزوج المرأة في حال إحرامه، بل يكون الزوج والولي ووكيلاهما حلالاً عند العقد وليسوا بمحرمين، وسيأتي لفظ آخر بعد هذا بزيادة: (ولا يخطب) أي: الخطبة التي هي التقدم بطلب الزواج، فلا يخطب، سواء تمت أو لم تتم، سواء حصلت موافقة أو لم تحصل موافقة، فذلك لا يجوز، والمقصود أن الجماع وكل وسائله وما يؤدي إليه ممنوع منه المحرم، ولهذا منع المحرم من الطيب؛ لأنه من وسائله، وفيه ترفه أيضاً، وقد جاء في القرآن الكريم: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، وفسر الرفث بأنه الجماع ومقدماته، وفسر أيضاً بأنه الفاحش من الكلام، وكل ذلك حق وصحيح، فليس للمحرم أن يجامع، ولا أن يأخذ بالوسائل التي تؤدي إليه، وليس له أن يأتي بالفاحش من الكلام وهو في حال إحرامه، والجماع ووسائله ممنوعة في حال الإحرام، وهي مباحة في غير حال الإحرام، وأما الكلام البذيء فإنه ممنوع في حال الإحرام وغير حال الإحرام.
وهذا الحديث فيه قصة: (وهي أن
ولا يجوز للإنسان أن يحضر ذلك ولو كان غير محرم؛ لأنه فعل محرم لا يجوز المشاركة فيه، وإن ذهب فإنما يذهب لينكره فقط، أو ينكره قبل أن يأتي إليه.
ولو كان الزوج حلال والمرأة حلالاً فلا يحضره المحرم ولو كان شاهداً أو غير ذلك؛ هذا هو الأولى، فهو متلبس بالإحرام، فيكون ذلك شبيهاً بالخطبة، وإنما يشهده غير محرم، فمن كان محرماً فلا يجوز له شهود ذلك، حتى ولو كان المحرم مدعواً إلى الوليمة في العقد فالأحوط أن يبتعد، مع أن فعل الوليمة في العقد ولو كانت يسيرة فيه تكلف، ولا ينبغي التكلف في أمور الزواج.
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع ].
هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نبيه بن وهب ].
نبيه بن وهب هو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبان بن عثمان ].
هو أبان بن عثمان بن عفان وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ قال: إني سمعت أبي عثمان بن عفان ].
عثمان بن عفان أمير المؤمنين ، وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى وفيه ما في الذي قبله وزيادة الخطبة أيضاً، وأن المحرم لا يفعلها.
قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].
قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن محمد بن جعفر ].
محمد بن جعفر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سعيد ].
هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مطر ].
هو مطر الوراق ، وهو صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ ويعلى بن حكيم ].
يعلى بن حكيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان ]
قد مرَّ ذكرهم.
في حديث ميمونة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوجها وهما حلالان هي وهو، وكان ذلك في سرف، فدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما تزوج ميمونة وهو حلال وكذلك كانت هي حلالاً، ولم يكن منهما أحد محرماً، وهذا هو الذي جاء عن ميمونة وهي صاحبة القصة، وجاء عن أبي رافع أيضاً، وهو السفير بينهما، وجاء عن ابن عباس في الحديث الذي سيأتي أنه تزوجها وهو محرم، وحديث ابن عباس يعارض حديث ميمونة وحديث أبي رافع السفير بينهما، فأهل العلم قالوا: إن المسائل التي لا يمكن فيها الجمع، كأن وردت في واحدة وليس فيها تاريخ تقدم وتأخر حتى يكون المتأخر ناسخاً المتقدم؛ يصار إلى الترجيح، والترجيح يكون لكلام صاحب القصة ومن له علاقة بالقصة؛ لأنه أدرى من غيره.
فهنا ميمونة حدثت عن نفسها وهي صاحبة الشأن، وأبو رافع السفير بينهما والواسطة بينهما له علاقة بالموضوع، فيكون الخبر بأنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال هو للراجح، أضف إلى هذا أنه متفق مع حديث عثمان : (لا ينكح المحرم ولا ينكح) يعني: أن المحرم لا يحصل منه شيء من ذلك، وكون النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم يخالف ما جاء من قوله: (لا ينكح المحرم ولا ينكح).
إذاً: ما جاء عن ميمونة وعن أبي رافع متفق مع ما جاء عن عثمان رضي الله تعالى عنه وهو أنه تزوجها وهو حلال ولم يكن محرماً.
وبعض الناس ذكروا أوجهاً للجمع فيها تكلف، ولكن الأظهر هو أن قول ميمونة وأبي رافع هو المقدم، وهو المتفق مع حديث أمير المؤمنين عثمان كما في الحديث الذي في صحيح مسلم وعند أبي داود وغيرهما.
ومن الأشياء التي ذكروها أنه كان في الحرم، وكان حلالاً عند العقد، فلما عقد عليها في الحرم قيل له: محرم؛ لأنه في الحرم، مثل ما يقال: أتهم وأنجد، فأحرم معناه صار في الحرم، مثل أنجد وأتهم إذا كان في نجد وتهامة، لكن المعروف أن المحرم هو المتلبس بالإحرام وليس المقصود أنه الذي في الحرم.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن حبيب بن الشهيد ].
حبيب بن الشهيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ميمون بن مهران ].
ميمون بن مهران وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن يزيد بن الأصم ].
يزيد بن الأصم وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن ميمونة ].
هي ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها وأرضاها أم المؤمنين، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج
هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا حماد بن زيد ].
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عكرمة ].
هو عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم يعني: أن الذي تقدم من حديث عثمان ومن حديث ميمونة وكذلك ما جاء من حديث أبي رافع مقدم على قوله، وهذا من الأوهام، مثل ما مر بنا في قضية أن معاوية قصر له عند المروة في حجتة بمشقص، والرسول صلى الله عليه وسلم حال إحرامه، مع أنه صلى الله عليه وسلم كان قد ساق الهدي ولم يقصر له عند المروة إلا في العمرة، فهذا من الأوهام.
هو محمد بن بشار الملقب بندار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ].
عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسماعيل بن أمية ].
إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن رجل عن سعيد بن المسيب ].
عن رجل مبهم، وسعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد الفقهاء السبعة المعروفين في عصر التابعين في المدينة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قال الشيخ الألباني عن هذا الأثر: صحيح مقطوع.
وابن القيم أطال الكلام في جلاء الأفهام عند قصة ميمونة ؛ لأنه ترجم لأمهات المؤمنين، وأتى بالأشياء التي فيها إشكال بالنسبة لأمهات المؤمنين كزواج ميمونة ، وكذلك زواج أم حبيبة وغيرهما.
إذاً: إذا عقد الرجل وهو محرم فإنه يبطل العقد، وهو عقد فيه شبهة، فلابد أن يجدد العقد.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: (سئل النبي صلى الله عليه وآله سلم عما يقتل المحرم من الدواب، فقال: خمس لا جناح في قتلهن على من قتلهن في الحل والحرم: العقرب، والفأرة، والحدأة، والغراب، والكلب العقور) ].
هذه الخمس جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها تقتل في الحل والحرم، وجاء في بعض الأحاديث تقييد الغراب بأنه الأبقع، يعني: ليس كل غراب يقتل، وإنما يقتل الغراب الأبقع الذي في ظهره وبطنه بياض، وفي بعض الأحاديث الصحيحة: (والحية والعقرب والحدأة والغراب والكلب العقور والفأرة).
والكلب العقور هو الذي يعقر ويفتك ويحصل منه الأذى، ومعنى هذا أن الكلب الهادئ الذي ما يحصل منه شيء من الأذى فإنه لا يقتل في الحرم بل يترك.
أما الحية فسيأتي ذكرها في الحديث الذي بعد هذا.
إذاً: بدل ما كن خمساً صرن ستاً، والعدد لا مفهوم له.
أحمد بن حنبل أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان بن عيينة ].
هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم ].
هو سالم بن عبد الله بن عمر وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
أبوه هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حديث أبي هريرة مثل الذي قبله، إلا أن فيه ذكر الحية بدل الغراب.
قوله: [ حدثنا علي بن بحر ].
علي بن بحر ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي .
[ حدثنا حاتم بن إسماعيل ].
حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني محمد بن عجلان ].
محمد بن عجلان وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن القعقاع بن حكيم ] .
القعقاع بن حكيم وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي صالح ].
هو ذكوان السمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
هذه الأشياء التي جاءت في الحديث مر ذكرها، كالحية والعقرب والحدأة والكلب العقور والغراب، إلا أن السبع العادي هذا يشمل السباع المعتدية كلها، كالذئاب وغير ذلك، فإنها تقتل بمجرد ما يراها الإنسان، ولا يتركها حتى تعتدي عليه؛ لأن من شأنها الاعتداء والافتراس بطبعها، فهي من جنس هذه الأشياء التي فيها الضرر، والحديث فيه يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، ولكن أكثر ما جاء فيه جاء في الأحاديث الصحيحة.
وأما قوله: (يرمي الغراب ولا يقتله) فهذا جاء في هذا الحديث وهو منكر؛ لأنه مخالف للثقات، وكأن المقصود بذلك أنه يزعجه وينفره، ولو صح الحديث فيحمل على الغراب الذي ليس بأبقع، وهو الذي لا يحصل منه أذى، ولكنه قد يحصل منه ضرر كأن يأكل الحب وما إلى ذلك، فالرمي فيه إزعاج من دون أن يتعمد قتله، لكن هذا اللفظ مخالف لما جاء في الأحاديث الصحيحة، وإنما جاء من هذه الطريق التي فيها يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف.
هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يزيد بن أبي زياد ].
يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له، البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي ].
عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد ].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: إن الجامع بين هذه الفواسق هو كونها مؤذية، والحدأة هي التي جاءت في قصة الجارية التي كانت عند عائشة وكانت تتمثل بقولها:
ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا
ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
كانت هذه الجارية عند قوم، وكان لهم بنت لها وشاح أحمر، واتهموها به، فجعلوا يضربونها وقالوا: إنه عندك فأخرجيه، فبينما هم كذلك إذا جاءت الحدأة ومعها الوشاح ورمته؛ فعرفوا أنهم مخطئون، وأن الحدأة هي التي أخذته، ولكونه كان أحمر نزلت عليه الحدأة وكانت تحسبه لحماً فذهبت به.
الجواب: قيل: إن المراد به الجنس المفترس؛ ولهذا جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم سلط عليه كلباً) يعني: على ابن أبي لهب؛ فسلط الله عليه الأسد فافترسه، فهو كلب، ولكن بالإطلاق المشهور يطلق على هذا النوع من الحيوانات الذي يكون منه ما هو عقور ويكون منه ما ليس بعقور، وأما جنس السباع المؤذية المعروفة كالذئاب وغيرها فهذه تقتل مطلقاً؛ لأنها مؤذية دائماً.
أما الكلب المشهور المعروف عند الناس والذي يأتي ذكره في الأحاديث، فإنه يباح اتخاذه في بعض الأمور كالزرع والماشية والصيد، فالعقور منه هو الذي يقتل، والذي ليس كذلك يترك، كالكلاب الوديعة التي لا تؤذي الناس.
حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان بن كثير عن حميد الطويل عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبيه: (وكان
قوله: [ باب لحم الصيد للمحرم ] يعني: المحرم لا يصيد ولا يأكل ما صيد من أجله، ولا يساعد على الصيد ولا يعين عليه، وهذا هو الذي دل عليه القرآن ودلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختلفت الأحاديث فيما يتعلق بالذي يصيده الحلال، هل يأكله المحرم أو لا يأكله؟ فقد جاء في بعض الأحاديث كما في حديث علي هذا، وكما في حديث الصعب بن جثامة الليثي الذي في الصحيحين ولم يأت عند أبي داود (أنه صلى الله عليه وسلم رد الذي أهدي إليه وقال: إنا لم نرده إلا أنّا حرم)، ولكن جاء في حديث أبي قتادة الذي في الصحيحين وقد أورده أبو داود : (أن
وفي هذا الحديث أن الحلال إذا صاد شيئاً من أجل المحرم فلا يأكله المحرم، وإن كان لم يصده من أجله ولكنه أعطاه، فهذا هو الذي يجوز.
فيجمع بين الأحاديث في هذا الباب بهذا التفصيل وبهذا التوفيق.
قوله: [ (وكان
يعني: كان الحارث أميراً على الطائف لـعثمان رضي الله عنه، وصنع له طعاماً فيه حجل وفيه يعاقيب، واليعاقيب هي ذكور الحجل، وقيل غير ذلك، والمقصود أنها من الصيد، فبعث بطعام إلى علي رضي الله عنه، وكان علي يخبط لأباعر له، والخبط هو أن يضرب الشجرة حتى يسقط ورقها، ويعلفها الإبل، وتبقى الأصول والأغصان، وينبت الورق مرةً ثانية، هذا هو الخبط، فجعل علي رضي الله عنه ينفض يديه من أثر الخبط الذي كان بمباشرته ذلك العمل.
قوله: [ (فقال: أطعموه قوماً حلالاً فإنا حرم) ].
يعني: أن الذي صاده الحلال إنما يأكله الحلال، ولا يأكله المحرم، ونحن محرمون، ثم بعد ذلك سأل من كان عنده علم من أشجع ممن كانوا حاضرين، فقالوا مثل ما قال رضي الله عنه وأرضاه، ومثله حديث الصعب بن جثامة الذي في الصحيحين: (أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش فرده عليه، فلما رأى في نفسه شيئاً من التأثر قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم).
قالوا: فيحمل على ما صيد من أجل المحرم فإنه يمنع منه، وما لم يصد من أجله له أن يأكل منه.
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سليمان بن كثير ].
سليمان بن كثير لا بأس به، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حميد الطويل ].
هو حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث ].
إسحاق بن عبد الله بن الحارث وهو ثقة، أخرج له أبو داود .
[ عن أبيه ].
هو عبد الله بن الحارث قيل: له رؤية، وقيل: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ فقال علي ].
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين ، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
إذاً: لا يجوز الصيد للمحرم خارج الحرم وداخله، وما كان داخل الحرم فإنه يمنع منه المحرم وغير المحرم، وأما الشجر فما كان داخل الحرم فممنوع منه المحرم وغير المحرم، وما كان خارج الحرم فهو حلال للمحرم وغير المحرم.
هذا الحديث مثل حديث علي ، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الأكل من الصيد وقال: (إنا حرم)، ومثله حديث الصعب بن جثامة الذي أشرت إليه، ويحمل ذلك على أنه صيد من أجله.
قوله: [ حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ].
مر ذكرهما.
[ عن قيس ]
هو قيس بن سعد المكي وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عطاء ].
هو عطاء بن أبي رباح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
وقد مر ذكره.
قال أبو داود : إذا تنازع الخبران عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينظر بما أخذ به أصحابه ].
قوله: [ (صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم) ].
يعني: أن المحرمين إذا صادوه بأنفسهم أو صاده لهم غيرهم فإنه يكون حراماً، وهذا فيه التوفيق بين ما جاء من الأدلة الدالة على المنع وعلى عدم المنع، وأن الحل فيما إذا لم يصد من أجلهم، والمنع فيما إذا صيد من أجلهم.
وحديث المطلب عن جابر هذا فيه كلام؛ لأن المطلب لم يسمع من جابر ، فالحديث ضعيف منقطع، وهو من قبيل المرسل، ولكن معناه صحيح من جهة أن الجواز فيما إذا كان لم يصد من أجله كما جاء في حديث أبي قتادة ، وأنه إذا صيد لأجله فإنه يمنع منه كما جاء في حديث علي وحديث الصعب بن جثامة وحديث ابن عباس .
قتيبة مر ذكره.
[ حدثنا يعقوب -يعني الإسكندراني - ].
هو يعقوب بن عبد الرحمن القاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن عمرو ].
عمرو بن أبي عمرو ، ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المطلب ].
هو المطلب بن عبد الله بن حنطب صدوق كثير التدليس والإرسال، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[ عن جابر بن عبد الله ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي الجليل، صحابي ابن صحابي وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
هذا فيما إذا حصل من أصحابه الأخذ بأحد الخبرين، لكن إذا كان الأصحاب قد اختلفوا فإنه ينظر إلى أمور أخرى غير الأخذ، لكن إذا كان خبران أحدهما جاء عن الصحابة الأخذ به، والآخر ما جاء عن الصحابة الأخذ به؛ فالذي أخذ به الصحابة يكون مقدماً على القول الآخر، لكن هنا المعول عليه هو التوفيق بين الأدلة؛ لأن ما صيد للمحرم لا يأكله، وما لم يصد له وأهدي إليه فله أن يأكله.
حديث أبي قتادة رضي الله عنه هو في الصحيحين أيضاً، وفيه: أن الذين أكلوا من صيد الحلال -وهو أبو قتادة رضي الله عنه- أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إنما هي طعمة أطعمكموها الله تعالى)، فدل ذلك على أن ما جاء فيه الأكل محمول على أنه لم يصد من أجل المحرم، وما كان فيه الامتناع محمول على أنه ما صيد لأجله.
أبو النضر هو سالم بن أبي أمية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري ].
نافع مولى أبي قتادة الأنصاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي قتادة ].
أبو قتادة الأنصاري هو الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا حماد عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الجراد من صيد البحر) ].
حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن حبيب المعلم عن أبي المهزم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أصبنا صرماً من جراد، فكان رجل منا يضرب بسوطه وهو محرم، فقيل له: إن هذا لا يصلح، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنما هو من صيد البحر).
سمعت أبا داود يقول: أبو المهزم ضعيف، والحديثان جميعاً وهم.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن كعب قال: الجراد من صيد البحر ].
قوله: باب: في الجراد للمحرم يعني: هل يصيده أولا يصيده؟ وأورد أحاديث تدل على أنه من صيد البحر، وإذا كان من صيد البحر فإنه يكون حلالاً؛ لأن الله تعالى أحل صيد البحر للمحرم، وإنما منع المحرم من صيد البر، ولكن هذه الأحاديث كلها غير صحيحة وغير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيها أبا المهزم وهو متروك لا يحتج بحديثه، وميمون بن جابان مقبول لا يحتج به إلا عند الاعتضاد، وليس هناك شيء يدل على ذلك، ولعل الظن أن الجراد من صيد البحر؛ لأنه شبيه به من ناحية أن ميتته حلال كصيد البحر، فكان شبيهاً به، فقيل: إنه من صيد البحر، فيكون له حكم صيد البحر من جهة أن المحرم يصيده، لكن لم يأت شيء يدل على ذلك، ومعلوم أنه من صيد البر، والناس يحصلونه في البر، فليس للمحرمين أن يصيدوه، وجاء عن بعض الصحابةأن فيه الجزاء، وهذا يدل على المنع من صيده، فعلى هذا لا يصاد الجراد، وحكمه غير حكم صيد البحر.
هو محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ميمون بن جابان ].
ميمون بن جابان وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود .
[ عن أبي رافع ].
هو أبو رافع المدني، وهو نفيع الصائغ وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي مر ذكره.
وقوله: [ حدثنا مسدد ]
مسدد مر ذكره.
[ حدثنا عبد الوارث ]
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حبيب المعلم ].
حبيب المعلم وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي المهزم ].
اسمه يزيد وقيل: عبد الرحمن بن سفيان وهو متروك، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة مر ذكره.
وقوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن كعب ].
كعب الأحبار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة في التفسير.
الجواب: الظاهر أنه لا يصح الاتزار بالبنطلون؛ وذلك لأنه ضيق، وإذا عرضه على نفسه ظهرت عورته.
الجواب: كون الإنسان يستعمله لا بأس؛ لأنه علاج من أجل جلاء البصر.
الجواب: الأمر في ذلك واسع، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل تسعة أيام يمشي في الطريق، ومعلوم أنه يحصل في هذه المدة شيء من العرق ومن الأوساخ ومن الأشياء التي يحتاج الناس إلى أن يزيلوها، وأما الآن فالواحد خلال أربع ساعات من المدينة يصل إلى مكة، ولا بأس أن يغتسل، وإن لم يغتسل فليس هناك أمر يقتضيه من ناحية الأوساخ، لكن لو اغتسل الإنسان فلاشك أن هذا جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن تركه فليس عليه شيء.
الجواب: كما هو معلوم أن الحج الآن مع كثرة الناس ومع شدة الزحام لابد أن يلحق المرأة به شيء من الضرر، فنقول والله تعالى أعلم: الأمر في ذلك واسع، إن حجت وكررت الحج فلها ذلك، وإن لم تحج ولم تكرر الحج فلها ذلك.
الجواب: الذي يبدو أنه لا يصلح ذلك، فكونه يشتغل بالكلام عن النساء والبحث عن النساء، وذكر من يصلح ومن لا يصلح منهن، والجميلة وغير الجميلة؛ هذا لا يناسب المحرم.
الجواب: إذا كان يعلم أن المنكر موجود فلا يذهب، وأما مسألة الإسراف فالناس قد ابتلوا بهذا، فله أن يحضر ولكن ينصح حتى لا يحصل شيء من ذلك في المستقبل، أما ما قد حصل من الإسراف فإنه يوصي بإيصال الزائد من الطعام إلى من يحتاج إليه ومن يستفيد منه؛ لأن بعض الناس قد يتساهل ويتهاون في ذلك ويرمى به في أماكن لا يستفيد منه أحد من الناس الذين هم بحاجة إليه.
الجواب: ليس عليك شيء ولا بأس بذلك؛ لأن كل ما يؤذي فإن للإنسان أن يقتله في أي مكان.
الجواب: حمار الوحش هو ضد الحمار الإنسي، وهو يعيش في البر والناس يصيدونه، سواء كان مخططاً أو غير مخطط، ولكنه من صيد البر، وليس من حمر البيوت وحمر المزارع، بل هو في الفلاة يصاد كما تصطاد الظباء والأرانب وغيرها.
الجواب: نعم يقاس عليها كل ما هو مؤذ، فيقتل المؤذن من الحيوانات في الحل والحرم، لكن هذه أشدها.
الجواب: إن بيع الكلب وشراءه جاء ما يدل على منعه، فكونه يعطي شخصاً مالاً من أجل أن يصطاد له كلباً، فهذا مثل بيع الكلب وشرائه، وهذا لا ينبغي ولا يصلح.
أما كونه يحتاج إليه للماشية والزرع، فلا يتفق معه على أن يصيد له بكذا وكذا، حتى لو كان هذا الشخص مالكه، فلا يبيعه منه، وإنما يدفعه له بدون قيمة إذا كان قد استغنى عنه؛ لأنه لا يجوز بيع الكلب ولا شراؤه، فمتى استغنى عنه الإنسان فإنه يدفعه إلى من يحتاج إليه، ولا يأخذ عليه ثمناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثمن الكلب خبيث) أو يرسله، إلا إذا كان مؤذياً فإنه يقتله.
الجواب: لا أعلم شيئاً يدل على الأمر بقطعها.
الجواب: جمهور العلماء على أنه يقع الطلاق، ولكن عليه أن يراجعها وتحسب طلقة، كما جاء في حديث ابن عمر وقصة تطليقه في حال الحيض.
الجواب: لا بأس بذلك، لكن السجاد ينبغي أن يكون سالماً من النقوش، سواءً كان مصوراً فيه الكعبة أو غير الكعبة، وينبغي أن يكون شكله على هيئة واحدة؛ حتى لا يشوش على المصلي، لاسيما والإنسان ينظر إلى موضع سجوده.
الجواب: ما دام أنه عقد عليها والعقد موجود فله أن يصطحبها؛ لأنها زوجته، لكن ينبغي أن يعلم أنه إذا وجد العقد أصبحت زوجة له، فلو حصل موت بينهما فإنهما يتوارثان؛ لأن الزوجية موجودة، ولو مات عليها عدة، وعليها إحداد؛ لأنها زوجة بعد وجود العقد، لكن كونه يعلن الزواج أفضل؛ حتى لا يتهم الإنسان أو يساء به الظن، أو قد تحمل ثم يعلن الزواج بعد مدة، وتلد لمدة قصيرة؛ فيحصل سوء ظن واتهام وغير ذلك من المشاكل، والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر