الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [باب الفوات والإحصار]
هذا الباب فيه مناسبة لطيفة؛ فبعد أن بَيَّن المصنف رحمه الله صفة الحج والعمرة الكاملة، ذكر أن الفقيه محتاج إلى بيان مسألة مهمة، وهي: هب أن إنساناً نوى الحج، وتلبس بنسكه، وأحرم به، ثم فاته الحج، أو نوى به العمرة، ثم صد عن البيت، ولم يتمكن من الوصول إليه؛ فما حكم الأول، وما حكم الثاني؟
وهذا ما يعبر عنه بالفوات والإحصار؛ فما موقف الشرع ممن فاته الحج، وما موقفه ممن أحصر عن حجه أو عمرته؟
من هنا كان العلماء رحمهم الله يعتنون بعد بيان صفة العبادات ببيان فواتها؛ فيتكلمون عن أحكام قضاء العبادة بعد أن يتكلموا عن أحكام العبادة في مواقيتها، والحج يكون الكلام عنه في باب الفوات والإحصار.
والإحصار مأخوذ من الحصر، وأصل الحصر: المنع، يقال: حصر عن الشيء، إذا منع منه، والحصر والقصر كلٌّ منهما فيه معنى الحبس عن الشيء والمنع منه. ومعلوم أن المكلف مطالب -في الأصل- بإتمام عبادة الحج والعمرة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بذلك فقال: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] ، ثم قال سبحانه: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، فقسم الله عز وجل العباد إلى قسمين: قسم يتم عبادة الحج والعمرة، وقسم يحصر عن حجه وعمرته، ومن هنا لزم بيان أحكام الفوات والإحصار.
أما الفوات فمسائله متعلقة بالحج فقط، وأما العمرة فلا يقال: فيها فوات، إلا في حق من حج قارناً، فقرن حجه مع عمرته؛ لأن العمرة في حق القارن تكون داخلة في حجه، وحينئذٍ يقال: فاتته العمرة.
فالفوات في الأصل يكون في الحج؛ والسبب في تعلق الفوات بالحج: أن العمرة يجوز إيقاعها في سائر أيام العام ولياليه، بخلاف الحج فله ميقات معين وزمان محدد، كما أخبر الله جل وعلا عنه بقوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197]، ومعلوم أن كل معين محدد أو مؤقت بزمان لا يتمكن كل المكلفين من إيقاعه في الزمان المعتبر له؛ كالصلاة، فإن الله جعل لصلاة الفجر مثلاً ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وليس كل الناس يتمكن من إيقاعها في هذا الزمان، فلربما نام عنها شخص ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، وحينئذٍ يرد السؤال: ما حكم من فاتته عبادة الصلاة على هذا الوجه؟ وكذلك يرد السؤال: ما حكم من أحرم بالحج ولم يستطع الوصول إلى عرفة قبل فجر يوم النحر، وإنما وصلها بعد طلوع الفجر؟ وحينئذٍ يحكم بفوات حجه.
يقول المصنف رحمه الله: (باب الفوات والإحصار).
وكأنه يقول: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من المسائل الشرعية والأحكام المتعلقة بمن فاته الحج أو أحصر عن الحج والعمرة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [باب الفوات والإحصار]
هذا الباب فيه مناسبة لطيفة؛ فبعد أن بَيَّن المصنف رحمه الله صفة الحج والعمرة الكاملة، ذكر أن الفقيه محتاج إلى بيان مسألة مهمة، وهي: هب أن إنساناً نوى الحج، وتلبس بنسكه، وأحرم به، ثم فاته الحج، أو نوى به العمرة، ثم صد عن البيت، ولم يتمكن من الوصول إليه؛ فما حكم الأول، وما حكم الثاني؟
وهذا ما يعبر عنه بالفوات والإحصار؛ فما موقف الشرع ممن فاته الحج، وما موقفه ممن أحصر عن حجه أو عمرته؟
من هنا كان العلماء رحمهم الله يعتنون بعد بيان صفة العبادات ببيان فواتها؛ فيتكلمون عن أحكام قضاء العبادة بعد أن يتكلموا عن أحكام العبادة في مواقيتها، والحج يكون الكلام عنه في باب الفوات والإحصار.
قوله: (من فاته الوقوف) أي: الوقوف بعرفة، و(أل) هنا للعهد، والمراد به العهد الذهني، أي: الوقوف المعروف الذي هو ركن الحج؛ فقد فاته الحج.
والوقوف ينتهي بطلوع الفجر الصادق من صبيحة يوم النحر، وعلى هذا يكون مراد المصنف بقوله: (من فاته الوقوف) أي: أن الشخص إذا لم يدرك الوقوف بعرفة ولو لحظة يسيرة قبل طلوع الفجر الصادق يوم النحر؛ فحينئذٍ يكون قد فاته الحج، والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (الحج عرفة)، وعلى هذا أفتى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أنه أمر أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه لما فاته الوقوف بعرفة أن يتحلل بعمرة، وقال له: (إن كنت قد سقت الهدي فانحره، ثم تحلل بعمرة)، وجاءه هبار بن الأسود في صبيحة يوم النحر فقال: يا أمير المؤمنين! ظننت أن هذا اليوم يوم عرفة، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ابق كما أنت، وائت البيت وطف واسع، ثم حج من قابل، واهد إلى البيت).
فهذا يدل على أن من فاته الوقوف بعرفة أنه يحكم بفوات حجه، ويؤمر بالانصراف إلى العمرة، وأن يتحلل من الحج بالعمرة، وهذا بإجماع العلماء؛ فمن طلع عليه الفجر الصادق من صبيحة يوم العيد -يوم النحر- ولم يدرك ولو لحظة من الوقوف بعرفة، فإنه يتحلل بالعمرة وقد فاته الحج.
فلو كان حجه نافلة ألزم بالقضاء، وكذا إن كان فريضة من باب أولى.
وقوله: (ويقضي) أي: يلزمه أن يقضي هذا الحج؛ لقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، فلما أحرم بالحج -ولو كان نافلة- لزمه الإتمام، وحيث لم يحج ولم يؤد الحج كما فرض الله عليه؛ لزمه أن يقضيه من عامه القادم إذا تيسر له الحج من العام القادم، وأما إذا لم يتيسر له أن يحج في العام الذي يلي العام الذي فاته فيه الحج وحبس عن البيت لمرض أو عذر، ثم حج بعد عام ثانٍ أو ثالث أو رابع؛ فإنها تجزيه حجته عن تلك التي حبس عنها؛ فيستوي أن يحج في العام الذي يليه أو في العام الذي بعده على الفور، ولا يجوز له أن يؤخر إلا أن يكون عنده عذر.
قال المصنف رحمه الله: [ويهدي؛ إن لم يكن اشترط].
قوله: (ويهدي) أي: إلى البيت؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر هباراً أن يهدي.
وقوله: (إن لم يكن اشترط) أي: إذا كان اشترط عند إحرامه أن محله حيث حبسه الحابس؛ فإنه يسقط عنه القضاء والدم، وهذا قول لبعض العلماء رحمهم الله: أن الاشتراط يسري على مثل هذه الحالة.
والقول الآخر: بأن الاشتراط يتقيد بالصورة الواردة في حديث ضباعة رضي الله عنها، وهي المرض؛ فإن كان الإنسان مريضاً واشترط ذلك صح اشتراطه، وما عداها فإنه يبقى على الأصل، وقد بيّنا هذا القول، وبيّنا من خالفه، ودليل كلٍّ منهما، وبيّنا الراجح في مسألة الاشتراط، وأن الظاهر هو الاكتفاء بالوارد في صورة حديث ضباعة رضي الله عنها وأرضاها.
قوله: (ومن صده عدو عن البيت) هذا يسمى بالإحصار، وصورته: أن يريد شخص الحج ثم يحصر ويمنع من الوصول إلى البيت بعدو، كما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية؛ فإنه عليه الصلاة والسلام حصره المشركون عن عمرته، ومنعوه من الوصول إلى البيت، واشترطوا عليه أن يرجع من هذا العام وأن يأتي من العام القادم؛ فتحلل عليه الصلاة والسلام، ثم نحر هديه ورجع إلى المدينة.
وللعلماء في تحديد صور الحصر أقوال:
فمنهم من يقول: الحصر يتقيد بالعدو ذي القوة والغلبة والقهر، بحيث لا يستطيع الشخص الوصول إلى البيت؛ كما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية.
ومنهم من يقول: يلتحق بحصر العدو كل ما في معناه، ثم قاسوا على ذلك مسائل:
منها: أن يحصر بمرض؛ كأن يكسر، أو يصيبه عرج، أو يكون مريضاً ويفوته الوقوف بعرفة بسبب هذا المرض الذي لم يستطع أن يدرك معه هذا الركن، فيأخذ حكم المحصر.
فلو أن إنساناً نوى الحج ثم خرج، فلما صار في الطريق أصابته الحمى، أو كسرت يده أو رجله، واحتاج للعلاج، وقيل له: لا يمكن لك أن تبرح هذا المكان قبل يومين أو ثلاثة، وليس بينه وبين عرفة إلا يوم واحد، ويلزمه الطبيب العدل أو أهل الخبرة من الأطباء بالبقاء، وأنه لا يمكنه العلاج إلا في هذا الموضع؛ فحينئذٍ يكون محصراً عند هؤلاء.
ويدخل في حكم المحصر من أصابه المرض المعدي -كالكوليرا ونحوها- بحيث لو مشى بين الحجاج أهلك الناس وأضر بهم؛ فإن من حق ولي الأمر أن يحجر عليه، وقد ذكر العلماء رحمهم الله هذه المسألة تحت القاعدة المشهورة: إذا تعارضت مفسدتان روعي ارتكاب أخفهما دفعاً لأعظمهما. واستدلوا لذلك بالأدلة الصحيحة الكثيرة: منها: كسر السفينة من الخضر عليه الصلاة والسلام دفعاً لضرر أعظم. قالوا: فيجوز الحجر على هذا الحاج ومنعه من إتمام نسكه.
وقد ذكر العلماء -من أئمة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة- جواز الحجر على من عنده مرض معدٍ، ومنعه من الخروج للقاء الناس، واعتبروها من مسائل الحجر على المريض، وذلك أن العدوى بقول الأطباء تقبل فيها شهادتهم، وينظر إلى الغالب، فمثل هذا يعتبر في حكم الحصر.
ثم قالوا: يقاس على المحصور بالعدو من كان عنده عذر يحول بينه وبين بلوغ البيت؛ كذهاب النفقة، أو سرقة ماله وهو في الطريق، ولم يستطع أن يكتري ولا أن يستأجر أو أن يمشي على قدميه حتى يصل إلى عرفات ليدرك الحج، فهو في حكم المحصر، ويتحلل.
ومثله أيضاً العاجز حسياً، وهو مثل العذر الشرعي، فيكون أيضاً في حكم الإحصار، ومثلوا لذلك بالمرأة التي مات محرمها في طريقها للحج، أو مرض أو انكسر ولا يستطيع أن يتم معها مناسك الحج، وهي على مسافة قصر بينها وبين مكة، فإذا بقيت مع محرمها فإن الحج يفوتها، فقالوا: إن هذا عذر شرعي؛ لأن المرأة لا يجوز لها أن تسافر بدون محرم، فينزّل العجز الشرعي منزلة العجز الحسي.
ومن العجز الشرعي أيضاً: إذا توفي زوج المرأة؛ فإنه يلزمها الإحداد، وللعلماء في المرأة التي تبلغها وفاة زوجها أثناء الحج أو أثناء العمرة وجهان:
الأول: منهم من يرى أنها إذا أحرمت بالحج أو بالعمرة ودخلت في النسك، ثم جاءها الخبر، فإنها تتم الحج والعمرة ولا ترجع، وقد قضى بهذا بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تفتي به، وهو الصحيح؛ فإن المرأة إذا أحرمت بالحج أو العمرة وبلغتها وفاة زوجها؛ لزمها إتمام الحج والعمرة، ولا يعتبر هذا بمثابة الإحصار، وإنما تبقى في نسكها؛ لتعارض الواجبين، الأول: ما يمكن تداركه، والثاني: ما لا يمكن تداركه، فيقدم ما لا يمكن تداركه على الذي يمكن تداركه عند ازدحام الفرضين والواجبين، فنقول لها: امضي وأتمي النسك، ثم ارجعي واعتدي عن بعلك عدة الوفاة.
وقد اختلف في المرض، والقول باعتباره عذراً في الحج من القوة بمكان، ويقول به جمع من أهل العلم، كما هو موجود في مذهب الحنفية والحنابلة وغيرهم رحمة الله على الجميع.
وقد جعل الله تعالى الإحصار رحمة للعباد، فإن الإنسان إذا حيل بينه وبين البيت وفاته الحج، فإنه لا يمكنه أن يتداركه، فلو أن الشرع ألزمك إذا أحصرت عن البيت أن تبقى بإحرامك حتى تحج من السنة القادمة، فيبقى الإنسان محرماً سنة كاملة محرمة عليه محظورات الإحرام، فلا شك أن هذا من العسر بمكان، فمن رحمة الله تعالى أن شرع هذا الأمر وهو الإحصار، فهو من دلائل يسر الشريعة، وصدق الله عز وجل إذ يقول: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] .
إذا ثبت أن الحصر بالعدو يعتبر موجباً للرخصة، فهنا مسألة، وهي: أن من شرط هذا الحصر: ألَّا يتمكن الإنسان من طريق بديل، فلو كان لمكة أكثر من طريق، وحصر من طريق، وأمكنه أن يذهب من طريق ثانٍ ففيه تفصيل:
قال بعض العلماء: إذا كان الطريق الثاني فيه مشقة، أو أنه يحتاج إلى نفقة أكثر من النفقة التي معه، أو فيه ضرر عليه؛ فإنه يكون في حكم المحصر.
وقال بعض العلماء: إذا وجد طريقاً بديلاً يلزمه أن يسلكه ولو كانت نفقته لا تكفي، ولو كانت فيه مشقة عليه؛ لأنه من باب ارتكاب أخف الضررين، فإن فوات هذه العبادة أعظم من المشقة الطارئة على هذا الوجه، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الحج بكونه جهاداً، فلا يرون وجود المشقة على هذا الوجه موجبة للرخصة. وقولهم ألزم للأصل كما لا يخفى.
قوله رحمه الله: (أهدى ثم حلّ) أي: يهدي ويذبح ما معه من الهدي، كما قال تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، والأصل في ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية نحر هديه وتحلل حينما صد عن عمرته، فأوجب الله عز وجل الهدي بظاهر القرآن، وكذلك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف العلماء: هل يلزمك أن تبعث بالهدي إلى مكة ليذبح فيها إذا تيسر لك ذلك، أم أنك تذبحه في الموضع الذي أحصرت فيه؟ على وجهين مشهورين، أصحهما: أنه يذبح الهدي وينحره في الموضع الذي أحصر فيه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحصر عن البيت ولم يكن بينه وبين حدود الحرم إلا خطوات، وذلك في الحديبية -وهي التي تسمى اليوم بالشميسي- وكان يمكنه أن يدخل ويصلي داخل حدود الحرم، ومع ذلك لم يتكلف أن ينحر هديه داخل حدود مكة، والله تعالى يقول: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ [الفتح:25] ، فقال: (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) أي: عن بلوغ محله، ومحله هو البيت العتيق -أعني: حدود الحرم- فدل على أنه لا يلزم المحصر بأن يبعث هديه إلى الحرم، وإذا تيسر له بعثه فإنه يبعثه، خروجاً من خلاف العلماء رحمهم الله.
ثم قال رحمه الله: [فإن فقده صام عشرة أيام ثم حلّ] أي: إن فقد هديه فإنه يصوم عشرة أيام بدلاً عن هذا الدم. وقد طرد العلماء هذا الأصل في الدماء الواجبة، فقالوا: من وجب عليه دم التمتع ودم القران، أوجب الله عليه -إذا لم يجده- أن يصوم عشرة أيام، فكل دم واجب إذا لم يستطعه الإنسان صام بدلاً عنه عشرة أيام، وعلى هذا قالوا في المحصر: إذا لم يستطع ولم يتيسر له الهدي فإنه يصوم العشرة الأيام؛ على ظاهر آية البقرة؛ لشمولها للمتمتع والمحصر.
أي أنه إذا كان قد بلغ البيت، ولكنه صد عن عرفة؛ فإنه يتحلل بعمرة بعد ذهاب وقت الوقوف، فلو صد ورجا أن يتمكن من الوقوف؛ فإنه ينتظر إلى آخر الأمد الذي يتمكن معه من الوقوف، ثم إذا خالف ظنه وتبين أنه لا يتمكن وطلع الفجر؛ مضى إلى مكة وتحلل بالعمرة، وذلك أشبه بفسخ الحج بعمرة، مثلما فسخ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حجهم بعمرة، ولذلك لا يرى بعض العلماء أن هذه الصورة من صور الإحصار؛ لأنه يراه فسخاً للحج بعمرة، كما هو القول عند الحنابلة رحمهم الله وطائفة من السلف؛ فإنهم يرون أن من منع من الوقوف بعرفة فإنه يمكنه أن يفسخ حجه بعمرة، ويتحلل بالعمرة على هذا الوجه الذي أشار إليه المصنف رحمه الله.
وقوله: (تحلل)، ولم يوجب عليه الدم، فدل على أنه ليس بمحصر، كما اختاره المصنف.
وهناك من أهل العلم من يقول: يتحلل بعمرة وعليه دم.
فالفرق بين القولين: أن المصنف لا يراه محصراً، فإن قلت: لا أراه محصراً، فحينئذٍ لا يلزمه دم، وإن قلت: إنه يعتبر في حكم المحصر؛ أخذ حكم المحصر، وكان تحلله بالعمرة موجباً للدم؛ كما هو قول بعض العلماء رحمهم الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر