بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
ففي الآيات التي مضت بين ربنا تبارك وتعالى أن المشركين متكبرون متغطرسون، مفترون على الله الكذب، وأنهم إذا رأوا المؤمنين الطيبين يقولون: أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا [الأنعام:53]، قال الله عز وجل جواباً على فريتهم: أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [الأنعام:53]، وختم تلك الآيات بقوله: وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ [الأنعام:58]، يعني: الله جل جلاله أعلم بالشاكرين وأعلم بالظالمين. ثم عطف ربنا جل جلاله على تلك الجملة قوله: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59]، المفاتح جمع مفتح، كمخازن جمع محزن، وقال بعضهم: بل مفاتح جمع مِفتح، بكسر الميم، والمفتح بفتح الميم مكان الفتح، والمفتح بكسرها اسم آلة الفتح كما يقال: مَشعل، مكان الاشتعال، ومِشعل آلة الإشعال، وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ [الأنعام:59]، وقرأ بعضهم: (مفاتيح الغيب).
مفاتح الغيب هذه قد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيح حين قال: ( مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله: ثم قرأ: إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34] )، وفي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى ينزل المطر إلا الله، ولا يعلم ما يكون في غد، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله )، وفي صحيح مسلم من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ما في غدٍ فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ [النمل:65] )، وهذا ظاهر.
أفضل المخلوقات رسل الله من البشر ومن الملائكة، قد بين ربنا جل جلاله ذلك بقوله: اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الحج:75]، الملائكة لا يعلمون الغيب؛ ولذلك لما قال الله عز وجل: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:31-32].
وكذلك الرسل صلوات الله وسلامه عليهم لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله إياه، فهذا خليل الله إبراهيم عليه السلام لما جاءته الملائكة ما عرف حقيقتهم؛ ولذلك قرب إليهم عجلاً سميناً، قال أَلا تَأْكُلُونَ [الصافات:91]، وكذلك نبي الله لوط عليه السلام لما جاءته الملائكة: سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ [هود:77]؛ لأنه خشي عليهم من قومه، حتى بلغ به الحال أن يقول: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود:80]، وما عرف حقيقتهم إلى أن قالوا له: يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ [هود:81]، وكذلك نبي الله نوح عليه السلام، دعا ربه فقال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [هود:45]، ما كان يعلم حقيقة الأمر، حتى قال الله له: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود:46]، كذلك نبي الله سليمان ما كان يعرف سبب غياب الهدهد، حتى جاءه فقال له: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل:22]، وما كان سليمان يجزم بصدق الهدهد حتى قال له: سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النمل:27].
وأفضل الرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد خاطبه ربه جل جلاله فيما مضى من الآيات بأن يقول: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام:50]، وكذلك في أحداث السيرة المطهرة تجدون نبينا صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك، كان يقول لأمنا رضي الله عنها: ( يا عائشة ! إن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ).
لا يعلم الغيب إلا الله، ومن هنا قال علماؤنا: من ادعى علم الغيب فقد كفر بالله؛ لأنه مشارك لله في صفة ليست لأحد إلا الله جل جلاله، قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ [النمل:65]، وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59]، قال الإمام أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في كتابه الكافي: من المكاسب المجمع على تحريمها: الربا والرشا والزنا والكهانة، الكهانة معناها أن الإنسان يتكهن، ويدعي معرفة الغيب، فيدخل في ذلك الرمال والضارب بالحصى وزاجر الطير وصاحب الطرق الذي يخط في الرمل، ويدخل في ذلك الوداع من يضرب بالودع، ومن يقرأ الكف والفنجان، ومن يستدل بالنجوم ومنازلها على ما يكون، هؤلاء جميعاً داخلون في الذم الشرعي ومكاسبهم محرمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مهر البغي خبيث، وحلوان الكاهن خبيث، وثمن الكلب خبيث )، فقوله: (مهر البغي خبيث)، البغي التي تتجر بفرجها والعياذ بالله، ما تتقاضاه من أجر فهو خبيث، وقوله: (وحلوان الكاهن)، الحلوان هو المال الذي يناله من تكهنه، وسمي حلواناً؛ لأنه يناله بغير جهد يشبه الحلوى، حلوة الطعم سهلة البلع.
وقد زجرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان هؤلاء الكهان والمنجمين، فثبت في صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أتى كاهناً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً )، وفي الحديث الآخر: ( من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد )، يعني أن من يأتي الكاهن أو العراف يكون بين مصيبتين: إما أن يسأله من باب التسلية، فهذا الإنسان لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، وإما أن يسأله على سبيل التصديق له، والاعتقاد بقوله فهذا والعياذ بالله كافر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
قال أهل العلم: ولو أن أنساناً دفع حلواناً لكاهن، ثم تمكن منه، وألقي القبض عليه، فإنه يؤخذ الحلوان من الكاهن ولا يرد إلى صاحبه، بل يجعل في بيت المال؛ لئلا نجمع له بين الثمن والمثمن، وكذلك من دفع مالاً ثمناً لخمر أو مهراً لبغي أو ثمناً لكلب أو نحو ذلك من المحرمات فإن المال يؤخذ ويجعل في بيت المال؛ عقوبة لكليهما.
لا يجوز إتيان هؤلاء الكهان؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في صحيح مسلم ، من حديث عمران بن حصين الخزاعي رضي الله عنه من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: ( أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: ليسوا بشيء، فقالوا: يا رسول الله! إنهم يخبروننا بالأمر أحياناً فيكون حقاً، فقال: تلك الكلمة يخطفها الجني فيقرها في أذني وليه من الكهان قبل أن يدركه الشهاب، فيخلط معها الكاهن مائة كذبة ).
ومنه ما يسمى الآن بحظك اليوم في بعض الجرائد وبعض شركات الاتصالات ممن لا يتقون الله، عرضوا قبل حين في بعض إعلاناتهم أن تتصل برقم معين وتخبرهم بتاريخ ميلادك؛ من أجل أن يخبروك بحظك اليوم، هذا حرام ولا يجوز، وكله من ادعاء علم الغيب.
ليس من ادعاء الغيب الاستدلال بمنازل الشمس والقمر على بعض ما يكون من أحداث كونية، مثال ذلك: الاستدلال بمنازل الشمس والقمر على ما يكون من كسوف وخسوف، ومثاله أيضاً: أن يقول قائلهم: بأنه يتوقع غداً إن شاء الله أن يكون الجو صحواً مشمساً، أو أن يكون الجو غيماً ممطراً، ليس هذا من ادعاء علم الغيب، وإنما هو من باب الاستدلال بالموجود على المفقود، أو على الذي يكون حاصلاً، ومثله ما كان الأطباء قديماً في الزمان الأول يقولون: إذا اسودت حلمت الثدي الأيمن كان المولود ذكراً بإذن الله، وإذا اسودت حلمة الثدي الأيسر كان المولود أنثى، هذا من باب الخبرة والاستدلال بالظواهر المشاهدة، وليس هو من ادعاء علم الغيب، ومثله ما كانوا يقولون: إذا وجدت المرأة ثقلاً في جانبها الأيسر فإن المولود ذكر ونحو ذلك، ومثله أيضاً ما يفعله الطبيبات الآن من استعمال بعض الأجهزة؛ للاستدلال على نوع الجنين، ليس هذا من ادعاء علم الغيب والله تعالى أعلم.
قال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59]، لكن الله عز وجل يطلع أنبياءه ورسله على ما شاء من غيب، قال الله سبحانه: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ [آل عمران:179]، قال سبحانه: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:26-27]، فالرسول يطلعه الله على الغيب؛ ولذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الخليفة من بعده أبو بكر ، قال: ( اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر و عمر )، وأخبر صلوات الله وسلامه عليه أن عمر مقتول، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن عثمان رضي الله عنه شهيد وسيدخل الجنة على بلوى تصيبه، وأخبر أن علياً مقتول، وأن أشقاه الذي يخضب هذه من هذه، أي لحيته من دم رقبته، ومثله أيضاً ما أخبر به صلوات الله وسلامه عليه حين قال لثابت بن قيس بن شماس : ( تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة إن شاء الله )، فقتل رضي الله عنه يوم اليمامة شهيداً. ومثله لما نام نومة القيلولة في بيت أم حرام بنت ملحان عليها من الله الرضوان، فاستيقظ وهي تمسح العرق عن جبهته؛ فتبسم عليه السلام، قالت: ( يا رسول الله! أتضحك من فعلي، قال: لا، ولكني أريت أناساً من أمتي يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة، غزاة في سبيل الله، قالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، ثم نام عليه السلام فاستيقظ وهي تمسح العرق عن وجهه فقال: أريت أناس من أمتي يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة غزاةً في سبيل الله، قالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين )، وقد غزت هذه المرأة الصالحة مع زوجها في البحر على أيام بعض الخلفاء وهو عثمان رضي الله عنه، وصدقت نبوته صلى الله عليه وسلم.
ومثله ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم: أنه ستفتح الشام وتفتح العراق وتفتح مصر وقوله عليه الصلاة والسلام: ( أوتيت مفاتيح اليمن )، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وسيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الشرك )، هذا كله مما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وقد صدقت نبوته؛ لأن الله عز وجل قال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3].
ثم قال: وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام:59]، ذكر الله البر مريداً به اليابسة، وذكر البحر مريداً به الماء، فالعرب تطلق البحر على النهر، فيقولون عن دجلة والفرات بحر، ولذلك بعض الناس قد يعيبون على أهل هذه البلاد أنهم يقولون عن النيل: بحراً، يقولون: البحر، وهذه فصيحة، لا حرج علينا لو قلنا عن النيل بأنه بحر؛ لأن كلمة البحر مشتقة من التبحر وهو التوسع.. الشيء الواسع، فالماء الكثير يقال له: بحر، هذه هي حقيقة الإطلاق، وقد تطلق الكلمة مجازاً فيقال: فلان بحر في العلم، إذا كان علمه كثيراً، أو يقال: فلان ماله بحر، إذا كان كثيراً.
قال الله عز وجل: وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، ذكر الله هذين من المخلوقات مع أنه سبحانه وتعالى يعلم ما في البر وما في البحر، وما في الأرض وما في السماء وما تحت الثرى، ويعلم جل جلاله ما يكون في أطباق الفضاء ويعلم ما لا نعلمه وما لا يخطر على بال أحدنا، لكنه جل جلاله خص هذين بالذكر؛ لأنهما أقرب المخلوقات إلينا، نحن نرى ما في البر ونرى البحر، فالله عز وجل قال: وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام:59]، جل جلاله.
قال تعالى: وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا [الأنعام:59]، الظاهر من معنى الآية: أن ورقة الشجر إذا سقطت فإن الله يعلمها، يعلم وقت سقوطها وكم تستغرق في طبقات الهواء، والواحد منا لا يعلم ورق الشجر الساقط في بيته.
لكن الله عز وجل ما من ورقة تسقط في المشارق والمغارب إلا وهو يعلمها، هذا هو التفسير الظاهر.
وهناك تفسير ثان، قالوا: المراد بالورقة الرزق، قال بعضهم: ما من روقة تسقط إلا ومكتوب عليها: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا رزق فلان بن فلان، كل ما يكون من نبات، من حب، من ثمر، الله عز وجل يعلم من آكله، ومن صاحبه؛ لذلك مثلاً لو وُضع عنب في صحن ونحن نجلس جماعة، ما يستطيع أحد منا أن يجزم بأن هذه سيأكلها فلان وهذه فلان، وهذه التي من الأسفل يأكلها فلان، لكن الله يعلم.
وهناك تفسير ثالث بعيد، وهو من باب التفسير الإشاري، وينسب إلى جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه، قال: المقصود بالورقة الساقطة: ما ينزل من بطن أمه سقطاً، المولود الذي يخرج من بطن أمه ميتاً.
وأما الحبة فالمقصود: ما يخرج من بطن أمه حياً، قال الله عز وجل: وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ [الأنعام:59]، ولا حبة، انظروا حبة قمح، حبة شعير، حبة ذرة.
قال تعالى: وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ [الأنعام:59]، أي: في تخومها، قال أهل التفسير: وجمعت الظلمات؛ لأن المقصود ظلمة الأرض وظلمة الغيم وظلمة الليل وظلمة البحر، فهذه الظلمات ظلمات الأرض، وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ ، ما يكون من شيء رطب ولا شيء يابس، ما يكون من متحرك ولا ساكن، ما يكون من حي ولا ميت، إلا في كتاب مبين، وهو اللوح المحفوظ، ( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة )، وهذه الآية من أدلة التوحيد التي يقيمها ربنا جل جلاله على هؤلاء الذين جعلوا مع الله أنداداً.
قال تعالى: وعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59]، وهذه الآية دليل على إثبات القدر، أنه ما كان شيء ولا يكون شيء إلا وهو مكتوب عند الله جل جلاله، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا [التوبة:51]، مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ [الحديد:22]، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ [الحج:70]، كله مكتوب عند الله، وهذا الاعتقاد يسكب في قلب المؤمن طمأنينة حين يعلم أن كل شيء مكتوب عند الله، فلا يقول: لو كان كذا لكان كذا، ولكن يقول: قدر الله وما شاء فعل.
يقول لله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأنعام:60].
قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ، هو جل جلاله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا [الفرقان:47]، هو الذي جعل الليل لباساً وجعل النهار معاشاً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62]، من رحمته جل جلاله أنه إذا أرخى الليل سدوله وغارت نجومه هدأت الحركات، وسكنت الأصوات، وهرع الناس إلى بيوتهم وأووا إلى فرشهم، كل يرجو في هدأة الليل أن ينعم الله عليه بوقت يريح فيه جسده، ويجدد نشاطه؛ ليستقبل يوماً جديداً، هذه آية من آيات الله عز وجل لا يعرف قيمتها إلا من حرمها؛ ولذلك كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ثار من فراشه حمد ربه: ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا ).
قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ، أي: الوفاة الصغرى، يقال: توفي الميت أي: استوفى أيامه في الدنيا، وكذلك توفي فلان بالليل أي: استوفى ساعات نشاطه، ما يستطيع بعد ذلك، هذه الوفاة التي تكون بالليل، الله عز وجل قال: اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42]، تفارق الروح الجسد، لكنها ليست مفارقة نهائية، وإنما مفارقة إلى حين يبقى للروح نوع تعلق بالبدن.
قد مضى معنا الكلام مراراً أن تعلق الروح بالبدن على خمسة أنواع:
التعلق الأول: تعلق الروح بالبدن والإنسان في بطن أمه، الإنسان يتحرك في بطن أمه والأم تشكو وتقول: فلان منذ الصباح وهو يرفس في بطني، كأنه يتعجل الخروج، هذا تعلق للروح بالبدن؛ فلا تستغرب كيف وهو في هذا الوعاء المغلق يعيش؛ لأنه يعيش بقدرة ربنا.
قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداكا
قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا
قل للجنين يعيش معزولاً بلا راع ومرعى ما الذي يرعاكا
قل للوليد بكى وأجهش بالبكا ء لدى الولادة ما الذي أبكاكا
قل للبصير وكان يحفر حفرة فهوى بها من ذا الذي أهواكا
بل سائل الأعمى خطا بين الزحام بلا اصطدام من يقود خطاكا
الله أنشأ كل ذاك بفضله فتبارك الخلاق منشئ ذاكا
فالجنين الروح موجودة فيه ولها تعلق ببدنه.
ثم التعلق الثاني: ونحن نمشي على هذه الأرض مستيقظين، نبصر، نسمع، نتكلم، نعقل، ننتبه، هذا أيضاً تعلق ثان.
التعلق الثالث: تعلق الروح بالبدن عند النوم، يحلق في عوالم علوية، كما قال بعض الصالحين: بعض الناس يطوف في نومه بالعرش، وبعض الناس يطوف في نومه بالحش -بالمزابل- فالذي ينام على ذكر الله، على طهارة، فهو في نومه في حال طيبة، ومن نام نجساً دنساً يدندن بالكلام الذي لا فائدة منه أو القول القبيح، يطوف حول الحش.
التعلق الرابع: تعلق الروح بالبدن، والإنسان إذا وضع في قبره تولى عنه مشيعوه، فيقول الله عز وجل: أعيدوا روح عبدي إلى الأرض، فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم؛ ولذلك يأتيه الملكان فيجلسانه وينتهرانه.. ويكون بينهم كلام وخطاب.
التعلق الخامس: وهو أكمل التعلقات وأدومها وأبقاها: إذا نفخ في الصور تعاد كل روح في بدن صاحبها فلا تفارقه أبداً، إذا كان من أهل الجنة الحمد لله، ينعم فلا نوم ولا مرض ولا إغماء ولا موت، وإذا كان من أهل النار عياذاً بالله، قال الله عز وجل: ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا [الأعلى:13]، وقال: لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [فاطر:36]، إذاً تعلق الروح بالبدن على خمسة أنوع:
التعلق الأول: في بطن أمه، التعلق الثاني: حال استيقاظه، التعلق الثالث: وهو نائم، التعلق الرابع: في قبره، التعلق الخامس: يوم القيامة إذا نفخ في الصور وبعثر ما في القبور؛ عادت كل روح إلى جسد صاحبها.
قال الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ [الأنعام:60]، جرحتم: أي اكتسبتم بجوارحكم؛ فالإنسان في نهاره يكتسب بعينه طاعة أو معصية، ينظر في كتاب الله، ينظر في ملكوت الله، أو ينظر إلى ما حرم الله، وكذلك بأذنه، بيده، برجله، بأنفه.. بغير ذلك من الجوارح.
وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ، بالنهار الذي سبق نومكم بالليل.
قال تعالى: ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ، أي: إلى نهار ثان؛ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ، إذا استوفيتم أيامكم وانتهت أعماركم، فالمرجع والمصير إلى الله، ما يستطيع أحد أن يفلت ولا أن يذهب هكذا وهكذا، كما قال الله عز وجل: يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المَفَرُّ [القيامة:10]، وقد ورد في الحديث: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى قصة ذلك الرجل الذي أسرف على نفسه، فلما نزل به الموت جمع أولاده وقال: إن أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني، ثم انظروا في يوم شديد الرياح، فذروني، فوالله لأن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين -يعني: يقول لهم: شتتوني لئلا يجدني ربي- فلما فعلوا به ذلك قال الله عز وجل له: كن فكان -أعاده كما كان- ثم قال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: مخافتك يا رب! قال الله عز وجل: قد غفرت لك ).
ثم قال سبحانه: ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ، الله عز وجل يوم القيامة ينبئ كل امرئ بما فعل، كما قال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ [آل عمران:30]، وقال الله عز وجل: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14]، وقال: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]، وقال: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:19-21].
قال سبحانه: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:61]، جل جلاله، له علو الذات وعلو القهر، قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الإنسان:30].
قوله تعالى: وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام:61]، وكل الله بك أيها الإنسان ملائكة يحفظونك أي: يحوطونك ويحرسونك، وكذلك يحصون عليك أقوالك وأعمالك، وقد دل على المعنيين آيات من كتاب الله.
المعنى الأول: قال ربنا سبحانه: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ [الرعد:11]، أي: من قدره جل جلاله؛ ولذلك سيدنا علي رضي الله عنه، لما خشي عليه المؤمنون من الخوارج الظالمين، الذين يستحلون دماء أهل الإسلام، قالوا له: يا أمير المؤمنين! لو اتخذت حرساً -اعمل لك حرساً- فقال علي رضي الله عنه: إن الله عز وجل وكل بكل واحد منا ملائكة يحفظونه، حتى إذا جاءه الموت خلوا بينه وبين أمر الله، فلا يغني حذر من قدر؛ ولذلك لما جاءه عبد الرحمن بن ملجم المرادي الملعون، قال له: يا علي ! اتق الله إنك ميت، قال علي : كذبت؛ بل مقتول، انظروا إلى هذا الإيمان! وخرج رضي الله عنه إلى صلاة الفجر؛ فطعن من عدو الله عبد الرحمن بن ملجم .
فـعلي رضي الله عنه ما اتخذ حرساً؛ لأنه كان موقناً بقدر الله إذا نزل، وكذلك سيدنا عمر رضي الله عنه، لما جاءه أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة شكا إليه أن المغيرة يفرض عليه خراجاً كثيراً، فقال عمر رضي الله عنه: بلغني بأنك حداد وأنك كذا وأنك كذا.. وأنك تصنع الرحى -يعني: عندك مهن كثيرة- وهذا الخراج ليس عليك بكثير؛ فقال له عدو الله: لأصنعن لك رحى تتحدث بها العرب والعجم، وسيكون لها شأن، فقال له عمر رضي الله عنه: تهددني العبد -أي توعدني- و عمر رضي الله عنه لو أخذ بالوسائل الدستورية -كما يقولون- كان يمكن أن يفتح بلاغاً، بأن هذا لإنسان يهددني وحياتي في خطر؛ فتأتي به الشرطة وتأخذ عليه تعهد بألا يتعرض لعمر رضي الله عنه، لكن عمر رضي الله عنه قال: هذه الكلمة تهددني وما زاد على ذلك رضي الله عنه، لا حرس ولا شرطة ولا غيره، استمرت حياته كما هو، حتى طعن رضي الله عنه في صلاة الفجر فكان شهيد المحراب، هذا هو التفسير الأول.
المعنى الثاني: الحفظة بمعنى يحفظون عليكم أعمالكم وأقوالكم، ويشهد لهذا قول ربنا: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12]، ويشهد لهذا قول ربنا جل جلاله: إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ [ق:17]، ويشهد له قول ربنا: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، وقد وكل الله بنا ملكين أحدهما يكتب الحسنات والآخر يكتب السيئات.
قال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ [الأنعام:61]، نزل بأحدكم أجله.
تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا [الأنعام:61]، وقرئ: (توفاه رسلنا)، فيصح التأنيث والتذكير، قال الله عز وجل: (كذبت رسلنا)، وقال الله عز وجل: جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ [المائدة:32]، وقال: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [الأنعام:34]، فيصح التذكير والتأنيث، تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا [الأنعام:61]، والذي يتوفى هو من قال الله فيه: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ [السجدة:11]، ومر معنا قبل قليل: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ [الأنعام:60]، كذلك قوله: اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر:42]، فتارة تنسب الوفاة إلى الله: اللهُ يَتَوَفَّى [الزمر:42]، باعتبار أنه الآمر جل جلاله، وتارة تنسب الوفاة إلى ملك الموت باعتبار أنه المباشر، وتارة تنسب الوفاة إلى الملائكة باعتبار أنهم يساعدون ملك الموت -ولله المثل الأعلى- كما يقال: أجرى العملية فلان من الأطباء، وهذا الطبيب ما يجريها وحده، وإنما معه مساعدون، فهؤلاء جميعاً ينسب إليهم الفعل، وقد يكون إجراء العملية بأمر طبيب آخر، يعني: أمر طبيب وباشر طبيب وساعدته مجموعة، فملك الموت إذا نزل بالعبد فهناك ملائكة رحمة وهناك ملائكة عذاب، فإذا كان العبد من أهل الخير -نسأل الله أن يجعلنا منهم- فإن روحه تأخذها ملائكة الرحمة، وإن كانت الأخرى -نسأل الله العافية- فإن روحه تأخذها ملائكة العذاب، وقد حكى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ( الرجل الذي قتل مائة نفس، فاختصمت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ).
قال الله عز وجل: وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61]، لا يقصرون ولا يضيعون، لو أمر الله ملك الموت بقبض روح عبدٍ بالمشرق وفي الوقت نفسه بقبض روح عبد بالمغرب، لما فرط ملك الموت فيما أمر به؛ ولذلك لما سئل ابن عباس رضي الله عنهما: كيف يقبض ملك روح رجل بالمشرق ورجل بالمغرب في آن واحد؟ قال: والله ما أرواح العباد بين يدي ملك الموت إلا كالقصعة بين يدي الآكل، يأكل من حيث شاء، وروي في الحديث: ( أن ملك الموت إذا قبض روح العبد فصرخ صارخ من أهله؛ قال ملك الموت: ما هذا الصارخ؟ والله ما سبقنا أجله! وما استعجلنا قدره، وما لنا في قبضه من ذنب، فإن ترضوا لما صنع الله تؤجروا، وإن تسخطوا تأثموا وتؤزروا، وإن لنا عندكم عودة بعد عودة، فالحذر الحذر ) يعني كأنه يقول لهم: أنا سآتي مرة أخرى هذه الدار وليست هذه آخر مرة.
يقول الله عز وجل: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [الأنعام:62].
هذه الآية في معنى قوله تعالى: ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأنعام:60].
قوله: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ ، خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم وباعثهم، الحق لا إله إلا هو، المعبود بحق، (الْحَقِّ) الحق على أنها صفة للمولى.
قال تعالى: أَلا لَهُ الْحُكْمُ [الأنعام:62]، جل جلاله، له الحكم الكوني القدري، وله الحكم الديني الشرعي، فكما أنه لا يحي ولا يميت إلا الله، كذلك لا يحلل ولا يحرم إلا الله، له الحكم الكوني وله الحكم الشرعي.
ثم قال: وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:62]، يوم القيامة جل جلاله لا يحتاج إلى عقد باليد ولا إحصاء بالقلم، لكنه جل جلاله يعلم ما تكسب كل نفس.
قد يسأل بعض الناس فيقول: إذا كان كذلك فلم تنشر الدواوين وتنصب الموازين يوم القيامة؟
نقول: من أجل إقامة الحجة، فما وكل الله ملائكة يكتبون من أجل أنه جل جلاله لا يعلم، حاشاه، ولكن من أجل أن يكون هؤلاء الملائكة شهوداً، قال تعالى: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق:21]، ما نصب الله الموازين لأنه لا يعلم مثقال الحسنات والسيئات؛ ولكن من أجل إقامة الحجة عليك أمامك، -ولله المثل الأعلى- كما تذهب فتشتري رطلاً من السكر فتشكك فيه فيقول لك التاجر: أزنه لك من أجل أن يطمئن قلبك، فربنا سبحانه وتعالى يقيم الحجج على المشركين؛ لأنه الإله الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، المستحق للعبادة وحده جل جلاله، وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ، هو الذي يبعثكم ويميتكم ويحييكم.
ثم يقول سبحانه: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ [الأنعام:63]، أو: (لئن أنجيتنا من هذه)، قراءتان، مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ [الأنعام:63-64]، أو: (ينجيكم)، مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ [الأنعام:64]، يوجه الله السؤال لهؤلاء المشركين فيقول: أنتم تقعون في مصائب ومشاكل، وتحيط بكم كربات وغموم وهموم، من الذي ينجيكم؟ من الذي تدعونه؟ من الذي تلجئون إليه؟ إنه جل جلاله، تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا ، تضرعاً، قالوا: كلمة التضرع مشتقة من الضرع، انظروا إلى الشاة حين يأتي ولدها فيمص ضرعها، كذلك الإنسان في لحظات الحاجة والضيق والفاقة، يتضرع إلى ربه جل جلاله ويرجوه، تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ، والمخافة على سبيل الأدب الكامل التام.
ويقطع الإنسان على نفسه عهداً، يقول لربه: لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، يا رب! لو نجيتني من هذه الكربة وخلصتني من هذه المصيبة ستجدني شاكراً ذاكراً، حامداً عابداً، لا أشرك بك أحداً، ولا أقصر في حقك، ولا أقدم على معصيتك.
قال تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا [الأنعام:65].
قص الله عز وجل علينا في القرآن أنه عذب أقواماً من فوقهم، وعذب أقواماً من تحت أرجلهم، وجمع لأقوام بين العذابين، يقول سبحانه: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا [العنكبوت:40]، من فوقه، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ [العنكبوت:40]، من فوقه، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ [العنكبوت:40]، أي: من تحته، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت:40]، إن الله عز وجل عذب عاداً وثمود وقوم لوط بعذاب جاءهم من فوقهم، وعذب قارون وأصحاب مدين بالخسف من تحتهم، وأما قوم نوح فقد جمع الله لهم بين العذابين، قال تعالى: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى المَاءُ [القمر:11-12]، أي: الماءان، عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:12]، جمع الله لهم بين العذابين، من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح وإذا أمسى: ( اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ).
وقال بعض المفسرين: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ، أي: حكام السوء، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، أي: خدم السوء، فيكون المعنى أن يسلط الله عليك حاكماً ظالماً، يجلد ظهرك، ويأخذ مالك ويشتم عرضك، أو يسلط الله عليك خادماً سيئاً، يسرق مالك ويفشي سرك، فقد يكون الخادم عذاباً من حيث لا تحتسب، يسرق مالك وأنت لا تقدر على متابعته، ويفشي سرك ويظهر للناس ما تريد ستره، والله يفعل ما يشاء.
قال سبحانه: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ، يجعلكم فرقاً وأحزاباً وطوائف وجماعات، كما قال تعالى: كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون:53]، يبغض بعضكم بعضاً، ويلعن بعضكم بعضاً، ويكفر بعضكم بعضاً، ويرجوا بعضكم لبعض العداوة والبغضاء، نسأل الله العافية.
قال بعض المفسرين: وقد استدل بهذه الآية الحسن البصري رحمه الله على ما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم من فتن وحروب، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة أطال السجود، كما ثبت ذلك من حديث خباب رضي الله عنه، وأخبر عليه الصلاة والسلام فقال: ( سألت ربي ثلاثاً، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته ألا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها، وسألته ألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمعنيها )؛ ولذلك نرى البأس بين الأمة -نسأل الله العافية- شديداً، وقد قال الله عز وجل: ( يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني قد أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً )، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ).
قال الله عز وجل: وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ [الأنعام:66].
(وكذب به)، الضمير يعود إلى القرآن ،كذب المشركون بالقرآن (وهو الحق)، نزل من الله عز وجل بالحق، كما قال تعالى: وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ [الإسراء:105]. قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ، لست عليكم بحافظ، ما وكلني الله عز وجل على حفظ أعمالكم، إنما أنا بشير ونذير، ولا أجازيكم على أعمالكم.
ثم قال تعالى: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ [الأنعام:67].
لكل خبر حقيقة ونهاية، له وقت يقع فيه، لا يتقدم ولا يتأخر، يخبر الله عز وجل عن الساعة أنها ستقع، ويخبر بالحساب أنه سيقع يخبر عن الجنة والنار أن الناس سيرونهما رأي عين.
والمعنى كما قال بعض أهل التفسير: يراد بذلك ما أنزل الله بهم من العذاب يوم بدر، كما قال سبحانه: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر:45]، لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ [الأنعام:67].
من اللطائف أن بعض المفسرين كان يقول: هذه الآية تفيد في وجع الضرس، وأن من آلمه ضرسه فإنه يأخذ قطعة فيكتب عليها: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ [الأنعام:67]، ويضعها فيسكن بإذن الله، يعني: ومثله ما قال بعضهم: بأنه إذا كنت لا تريد أن يراك إنسان فإنك تقرأ: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا [الأنعام:25]، أو تقرأ: خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ [البقرة:7]، لكن ما ينبغي أن يستخدم القرآن في مثل هذا، وبعض الناس مرة قال لي وهو رجل عامي: إذا أزعجك الأضياف وكثروا عليك فاقرأ لهم: إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1]!
قال الله عز وجل: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68].
هذه الآية كقول ربنا جل جلاله في النساء: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140]، (إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) وهم المشركون، حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليهم القرآن وهم يتغامزون ويتضاحكون، فنهى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عن الجلوس مع هؤلاء، بل أمره بالإعراض عنهم، وألا يجلس معهم.
وأصل الخوض المشي في الماء، ولكن استعير هذا المعنى لكل من يتكلم فيما لا علم له به؛ ولذلك أهل جهنم -والعياذ بالله- إذا سئلوا: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ [المدثر:42-45].
قال تعالى: وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ [الأنعام:68]، لو أنك نسيت فجلست مع هؤلاء، فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68]، وهذه الآية قد دلت على أن النسيان من الشيطان كما في قول ربنا: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ [الكهف:63]، وكما في قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا [الأعراف:201]، وكما في قوله سبحانه: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ [المجادلة:19].
قال سبحانه: وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَهمْ يَتَّقُونَ [الأنعام:69]، لما نزل قوله تعالى: فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68]، قال بعض المسلمين: إذاً لا يمكننا دخول المسجد ولا الطواف؛ لأن المشركين موجودون فيه، فرفع الله عز وجل عنهم الحرج، قال لهم أنتم مؤمنون متقون، ليس عليكم حساب هؤلاء؛ بل: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21]، عليكم بأن تذكروهم إذا وجدتم الوقت مناسباً لذلك، مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَهمْ يَتَّقُونَ [الأعراف:164].
أسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما نقول ونسمع، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد.
قال الله عز وجل: قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا، أي: من تلك الظلمات، وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ، كما قال في صدر السورة: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام:2]، تمترون: تتشككون فيه جل جلاله، هو ينجيكم ويطعمكم ويسقيكم، يشفيكم ويؤويكم.
ثم قال: ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ، وهذا المعنى يوجد في القرآن كثيراً، كقول الله عز وجل: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]، هذا حالهم نسأل الله السلامة والعافية! وفي الآية تقريع وتوبيخ لهؤلاء المشركين الذين إذا مسهم الضر في البحر ضل من يدعون إلا إياه، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر