الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الليلة السبت الموافق السادس عشر من محرم من سنة 1423 للهجرة، وهذا الدرس هو مقدمات في البيوع، ربما عندنا في هذه الليلة حوالي سبع مقدمات تقريباً، نأتي عليها بإذن الله تعالى.
أولاً: المقدمة الأولى: الحاجة إلى عقد البيع.
عقد البيع: هو أبو العقود جميعاً وأسبقها من حيث الوجود، وحاجة الناس إلى البيع وضرورتهم إليه فوق حاجتهم وضرورتهم إلى أي عقد آخر من العقود العادية التي يجرونها، ولهذا يذكر الفقهاء جميعاً عقد البيع في طليعة كتاب المعاملات أو كتاب العقود، أو في طليعة العقود التي يتحدثون عنها بعد كتاب العبادات، بعدما ينتهون من كتاب العبادات الذي هو الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج ينتقلون إلى المعاملات، فأول ما يبدءون به هو كتاب البيوع.
معناها: أن البيع له اسم، أو ما له اسم؟ له اسم، ما اسمه؟ اسمه البيع.
كما أن عقد الإجارة عقد مسمى واسمه الإجارة، وهكذا هذه العقود التي لها أسماء يسميها العلماء: العقود المسماة، وهي تزيد على خمسة وعشرين عقداً من العقود الشرعية، مثلما ذكرنا: الإجارة، الرهن، الوديعة، الصلح، العارية، الهبة، الشركة، المضاربة، المزارعة، المساقاة، الوكالة.. إلى غير ذلك من العقود، هذه كلها تسمى عقوداً مسماة؛ لأن كل عقد منها يحمل اسماً.
طيب يقابل ذلك ماذا؟ عقود غير مسماة، هناك عقود غير مسماة في الماضي، يعني: لم يرد لها اسم في الشرع، ولكن الفقهاء الذين عايشوا وعاصروا تلك العقود أطلقوا عليها أسماء معينة فصارت مسماة الآن؛ لأن الفقهاء سموها.
الآن في العصر الحاضر يوجد عقود ليس لها اسم بالضبط، أو تحتاج إلى اسم خاص؛ لأنها مركبة من عدة عقود، مثلاً: عندما يدخل الإنسان إلى الفندق فيتفق مع أصحاب الفندق على أنه يسكن عندهم يوماً وليلة آكلاً شارباً، بخدمات معينة، من المطار إلى المطار، إلى مجموعة خدمات، من ذلك مثلاً: خدمات هاتفية، وخدمات الفاكس.. وإلى آخر الأشياء الموجودة.
هذه العملية قد تحتاج إلى اسم خاص تجمع كل هذه الاتفاقيات، هناك قد تكون أمام عقد قد لا يكون مسمى، ويوجد لذلك نظائر كثيرة في الحياة الجارية بين الناس اليوم؛ لأن التجارة والاقتصاد يتطور وينمو شيئاً فشيئاً والباب فيه مفتوح كما سوف يأتي الكلام الآن.
المقصود: بيان كلمة مسماة، وأنها تعني: أن هذه العقود تحمل أسماء يقابلها عقود غير مسماة، إما في الماضي وأطلق الفقهاء عليها أسماء فصارت مسماة، أو نقول: جدت الآن ولا زالت بحاجة إلى تسمية، مثل ذلك أيضاً ربما نقول: إنه بعض البطاقات الموجودة الآن، بطاقات التي يسمونها بطاقات الائتمان.. البطاقات الائتمانية، هذه بطاقة أيضاً تحتاج إلى تسمية معينة، هل هي عبارة عن قرض؟ هل هي إجارة؟ هل هي وكالة؟ هل هي خليط من ذلك كله؟ وقد كتب فيها أهل العلم، لكن لا يزال هناك نوع من البحث والتردد بشأنها.
يتفرع عن عقد البيع عقود أخرى، مثل: عقد السلف كما سوف نشير إليه، عقد الاستصناع، عقد الصرف، عقد المرابحة، التورية، الوضيعة، النقالة.. غيرها، لا بأس أن نجري تعريفاً سريعاً، سنعرف البيع ثم نعرف هذه الأشياء كلها بعد قليل.
المهم أن هناك عقد البيع وترتبط به عقود أخرى مثلما ذكرنا، ولذلك كان كثير من الفقهاء يقولون: كتاب البيوع بدلاً ما يقولون: كتاب البيع، فيأتون به بصيغة الجمع؛ إشارة إلى أنه يدخل في عقد البيع مجموعة من البيوع الأخرى التي يتضمنها كما ذكرنا. وأحياناً يقولون: عقد البيع.
إذاً: عقد البيع هو عقد مسمى.
هذا النوع من البيع ماذا يسمى؟ كوني أعطيك الكتاب هذا وتعطيني كتاباً آخر، أو أعطيك الكتاب وتعطيني الساعة التي معك إن كانت رخيصة وتعادل قيمتها أو تقاربها، أنا أحتاج الساعة وأنت تحتاج الكتاب، هذا النوع من البيع ماذا يسمى؟ يسمى مقايضة.
إذاً: البيع هو عبارة عن عقد مبادلة.. مبادلة مال بمال، وقد نقول عنه: إنه عقد معاوضة؛ لأنه لا يمكن أن يخلو من عوض، هناك سلعة وهناك ثمن وعوض لها، ولذلك لو كان هناك مثلاً هدية أو هبة أو عطية هل تسمى بيعاً؟ لا تسمى بيعاً، وليس فيها معاوضة، وليس فيها ثمن أو مبادلة أيضاً، فالبيع من عقود المبادلات ومن عقود المعاوضات.
لكن المقايضة عملية لا تخلو من تعقيد وصعوبة؛ لأنه متى أكتشف أن الشيء الذي أحتاجه موجود عندك، وأن الشيء الذي تحتاجه أنت موجود عندي، وقد أحتاج شيئاً عندك وأنت تحتاج شيئاً عند فلان، وفلان يحتاج شيئاً عن رابع، وهكذا تصبح القضية أكثر تعقيداً، فلذلك أول ما بدأ الناس بعملية المقايضة؛ لأنها عملية يعني هي أول وأبسط وأبدأ ما يقوم الناس به، ثم بعد ذلك انتقل الناس إلى ابتكار واختراع عملية النقود والأموال التي تكون وسيلة للشراء والبيع والإبراء وسداد الديون.. وغير ذلك.
فهنا وجدت النقود ذات القيمة الثمنية، والتي يمكن أن يشتري بها كل من الآخر ما يحتاج إليه، وبهذا عرفت طريقة البيع، ثم توسع الأمر وتزايد بحسب حاجات الناس، وتنوعت ألوان البيوع كما أشرنا إلى شيء من ذلك قبل قليل.
القسم الأول يسمونه: العبادات.
والقسم الثاني يسمونه: المعاملات.
ويشمل العبادات من الطهارة إلى الحج والصوم، وما وراء ذلك فهو يعتبر من المعاملات، وقد يسميه بعضهم: بالعادات، فيقولون: قسمان: عبادات وعادات.
وهذا أيضاً موجود عند الناس، تقول: الصلاة مثلاً عبادة، لكنها تحولت عند بعض الناس إلى عادة، إذاً: عندهم فرق بين العبادة وبين العادة.
هذه العقود التي أشرنا إليها من البيوع والإجارة والرهن والإعارة والوديعة والصلح وو.. إلى آخره، هذه كلها تسمى معاملات، تدخل في باب المعاملات، وتدخل أيضاً في باب العادات أنها من الأعمال العادية، يعني: أن الأصل فيها أنها يمكن أن تجري بين الناس دون أن يحتاجوا إلى شريعة تبين لهم هذا، لكن الشريعة جاءت لتحكم هذا وتضبطه وتبين الحلال منه والحرام.
بخلاف المعاملات: فهي معاملة بين الناس ففيها معاوضة وأخذ وعطاء، ومثلما ذكرنا قبل قليل: مبادلة، وفائدة لهذا الطرف وفائدة لذاك، فالمشتري اشترى؛ لأنه يحتاج إلى السلعة، والبائع باع؛ لأنه يحتاج إلى الثمن؛ ولهذا نقول: إن هذا لا يدخل في باب الإعانة للطرف الآخر، يعني الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبيع ويشتري في المدينة من اليهود، فهل تقول: إن بيعه وشراءه من اليهود كان مثلاً إعانة لهم؟ لا؛ لأنه لما باع منهم واشترى كان ذلك لمصلحته هو ولمصلحة المسلمين، وإن كان الطرف الآخر قد يستفيد من ذلك أيضاً، فهذه قضايا الأصل فيها: تبادل المنافع بين الأطراف المشتركة في هذا الأمر.
وهكذا كانت المعاملات كلها تدور على تبادل المنافع والأموال بين الناس بواسطة العقود والتصرفات المختلفة، وعامة كتب الفقه هي على هذا الترتيب الذي ذكرته: أنه يكون فيها العبادات ويكون فيها المعاملات، وهذا تقسيم اصطلاحي بحت، ربما نقول: إنه تقسيم موضوعي يراعي طبيعة الموضوع الذي ينتمي إليه الباب، والناس والطلاب لابد لهم من تقسيمات في أبواب العلم حتى يميزوا بعضها عن بعض، ولا شك أن هذا الاصطلاح قد يترتب عليه مع الوقت عند بعض الخاصة وكثير من العامة بعض اللبس، ولهذا استنكر الأستاذ: سيد قطب رحمه الله في كتاب: خصائص التصور الإسلامي، وكأنه مال إلى انتقاد هذا التقسيم، وأن المسألة كلها تتعلق بعبادات وأنشطة للمؤمن يقوم بها بينه وبين الله تبارك وتعالى، وفي نظري أن هذا المأخذ الذي ذكره سيد رحمه الله تعالى فيه نظر؛ لأن تقسيم الفقهاء معتبر وصحيح وله أصل في الشريعة، فالإسلام ليس ديناً كهنوتياً محضاً مختصاً بالعلاقة الروحانية بين العبد وبين ربه، كما هي الحال بالنسبة للنصارى مثلاً في دينهم المحرف، ولكن الإسلام دين شمولي تكاملي، وهذه الشمولية والتكاملية في الإسلام سر من أسرار عظمته إذ جعل الله سبحانه وتعالى لكل شيء قدراً.
فوضع الله عز وجل للعبادات المحضة نظاماً خاصاً كما سوف أشير إليه، وجعل للمعاملات أو العادات نظاماً آخر.
إذاً: نقول: أن نظام العبادات في الإسلام نظام توقيفي أولاً.
ثم هو نظام تفصيلي. ومعنى كونه تفصيلياً: أن الشريعة جاءت بتفصيل العبادات في سببها، فسبب العبادة لابد أن يكون مشروعاً.
في نوعها فنوع العبادة كونها صلاة، أو صياماً، أو حجاً.. أو غير ذلك، لابد أن يكون مشروعاً أيضاً.
في صفة العبادة: قياماً، ركوعاً، سجوداً، قياماً، قعوداً.. هذا أيضاً لابد أن يكون مشروعاً.
في وقتها، فوقت العبادة لابد أن يكون مشروعاً: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، وهكذا الصيام، الوقوف بعرفة، الزكاة أيضاً، الحول.. وهكذا ما يتعلق بالوقت.
أيضاً في عددها، فإن عدد العبادة لابد أن يكون محدداً: خمس صلوات في اليوم والليلة مثلاً، الصلاة أربع ركعات.
إذاً: ذكرنا خمسة أشياء أو لا؟
نقول أولاً: في نوع العبادة، وفي سببها، وفي صفتها وفي عددها، وفي وقتها.
خمسة أشياء كلها لابد أن يكون عندنا إذن من الشارع بها؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، فإذا اخترعنا نحن عبادة جديدة لم يأذن بها الله وقعنا في هذه الآية.
إذاً: هذا نظام العبادات في الإسلام، فهي توقيفية كما ذكرنا، وهذا جانب من جوانب يسر الإسلام وسماحته؛ لأنه لو فتح الشرع باب التوسعة على الناس في ابتكار عبادات جديدة، كما يقع فيه بعض المبتدعين، أو بعض المتوسعين مثلاً، وصاروا كلما جاءت مناسبة اخترعوا عبادة تليق بها، لوجدت أنه كما تجد في بعض البيئات الإسلامية ربما يكون عندهم في السنة ثلاثمائة وستون مناسبة، كل مناسبة يقام لها حفل وعيد واجتماع وذكر.. وأعمال معينة، فهذه من الآصار والأغلال التي يلقيها الناس ويقيمونها على أنفسهم؛ بسبب جهلهم بقانون الشريعة.
ولهذا نقول: إن من يسر الشريعة وسماحتها أن الله تعالى حد لنا الواجبات فلا نزيد فيها؛ حتى لا تتحول حياة الناس كلها إلى صلة ونشاط متواصل من الأعمال التعبدية والقرب التي تلهيهم عن أعمال أخرى يريدها الله سبحانه وتعالى منهم، كالمعاملات، والأعمال الدنيوية، والبيع والشراء، والضرب في الأرض؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يذكر هذا وهذا: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10]، وهكذا جاء الكلام في الحج وغيره مما سبق أن ذكرناه في أكثر من مناسبة.
موسى عليه السلام قال للرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: ( إن الله فرض على أمتي خمسين صلاة )، قال له: ( إن أمتك لا تطيق، فارجع إلى ربك واسأله التخفيف )، وهذا الذي تجد أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حاذروه عن هذه الأمة وسألوا ربهم التخفيف؛ لأن بعض أتباعهم ربما عن إخلاص، لكن الإخلاص لا يكون مقبولاً إلا إذا صاحبه علم وفهم واتباع، فيقعون في إنشاء واختراع عبادات وطقوس ورسوم لم يأذن بها الله تعالى.
فمن تحكم في عباد الله تعالى وفي رزق الله تعالى، وفي تصرفات الناس وعقودهم بالتحليل والتحريم بغير إذن من الله سبحانه وتعالى فهو واقع في هذه الآية: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [يونس:59].
ولذلك جاءت النصوص الشرعية في مجال المعاملات قليلة جداً، فتجد مجلدات مثلاً في العبادات، بل في الصلاة وحدها، بينما تجد في المعاملات كلها أربعين خمسين صفحة وأحاديث معدودة، وربما يقوم الباب كله على حديث واحد، باب الشفعة مثلاً، أو باب إحياء الموات، وربما لا تجد في الباب كله حديثاً واحداً أيضاً، وجاءت النصوص في المعاملات ليست تتكلم عما يجوز وإنما تتكلم عن ماذا؟
عما لا يجوز؛ ولهذا يقول لك الفقهاء مثلاً: باب البيوع المحرمة، أو يقولون بشكل أحسن: البيوع المنهي عنها؛ لتشمل المحرم والمكروه, لماذا؟ لأن الأصل هو الإباحة؛ ولهذا قد يجد للناس من البيوع أو الشركات أو المعاملات شيء لم يكن معروفاً عند أسلافهم، فلهذا جعل الله سبحانه وتعالى النصوص في باب المعاملات أو في باب العادات ليست نصوصاً تفصيلية، وإنما هي نصوص إجمالية، إما أنها نصوص تبين ما هو محرم وممنوع، هذا نوع، أو أنها نصوص تضع القواعد الكلية العامة في الباب، وينطلق الناس منها.
والمقصود من النصوص الشرعية في المعاملات: هي حفظ المعاملة بين الناس، وحفظ حقوق الناس، ومنع الضرر ومنع الضرار، ومنع الاضطراب، ومنع الخصومات.. وما أشبه ذلك.
وبهذا يعلم أنه ليس كل ما ورد في الشريعة فهو من العبادات، ولكن بدون شك أنه بالنية الصالحة والقصد الحسن ومراقبة الله سبحانه وتعالى والتزام شريعته، يثاب المرء على مثل هذه الأشياء.
وهذه الدائرة دائرة المباح هي أوسع الدوائر في الشريعة، فأنت حينما تأتي إلى الواجبات تجدها معدودة محدودة، تأتي إلى المحرمات مثل ذلك، المستحبات المكروهات.. لكن حين تأتي إلى دائرة المباح تجد أن في هذه الدائرة أشياء كثيرة جداً مما لا يتناهى ولا يأتي عليه الحصر، وهو مما سكت الله سبحانه وتعالى عنه، أو بين حله وجوازه بنص كتابه أو بحديث رسوله صلى الله عليه وسلم، أو بما أشبه ذلك من الأشياء التي يعرف بها ويتعرف بها إلى الأحكام الشرعية.
ولهذا يقول جمهور الأصوليين: ما من مسألة تقع للناس إلا ولله سبحانه وتعالى فيها حكم علمه من علمه وجهله من جهله، ويقصدون بهذا أنه حتى المباح، يعني: كوننا نقول مثلاً: إن شرب الماء مباح -ودعوني أشرب قليلاً- هذا حكم شرعي وهو الإباحة.
يعني: مع الأسف الشديد أن بعض الغربيين -وأنا لا أعمم وإن كانوا على ما هم عليه من الشر والفساد، إلا أنهم واضحون، فهو قد يرتكب الخطأ والفحش والفساد ويعلن بذلك، ليس عنده نفاق أو ازدواجية؛ لأن واقع حياته يسمح له بهذا، بينما تجد -مع الأسف- أن بعض -وأيضاً لا أعمم- وأقول: قليل أيضاً من المسلمين من قد يقع عنده ازدواجية وتناقض ونوع من النفاق الاجتماعي، فتجد أن حياته الظاهرة شيء وحياته الباطنة شيء آخر، أو أن حياته في جانب العبادة شيء وحياته في جانب المعاملة مع الناس شيء آخر.
هذا نموذج عملي لنوع من تأثيرات التناقض أو ازدواجية الشخصية أو اعتبرها نوعاً من العلمنة في حياة المسلمين.
وهكذا الإسلام نظام حياة شامل ليس مقصوراً فقط على العبادة، ثم يخرج الإنسان في الحياة العادية ليمارس ما شاء، هذا نوع من الخلل والتقصير في حس كثير من المسلمين يحتاج إلى معالجة، وبعضهم قد يسمي مثل هذه الأشياء بأسماء، لكن يبقى أن الإسلام ينبغي أن يهيمن على الحياة كلها؛ ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى هذا الكتاب تبياناً لكل شيء.
نحن نقول عن البيع مثلاً: إنه حلال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، هذا حلال فيما يتعلق بي وبك، أن الأصل في هذا العقد أنه حلال أو مباح، لكن على مستوى الأمة كلها لا نقول: إن البيع حلال مجرد، بل نقول: إن البيع هو من فروض الكفاية، بمعنى أنه لو لم يوجد في المسلمين جميعاً من يقوم بعملية البيع وتوفير السلع التي يحتاجها الناس، وأصبح الإنسان عندما يذهب ليشري خبزاً لا يجد الخبز، أرزاً لا يجد الأرز، ملابس لا يجد ملابس، كتباً لا يجد كتباً.. هنا نقول: إن الإثم قد عم المسلمين جميعاً في التقصير بهذه السلع التي هي من حاجاتهم الضرورية، فلا يمكن فصل مسألة العبادات عن المعاملات باعتبار أن هذا مثلاً من الدين، وهذا ليس من الدين، أو هذا من الشريعة وليس من الشريعة، لكن نقول: هذه عبادات وهذه معاملات أو عادات، وكلها من الدين، وكلها من الشريعة، والشريعة أحاطت بها.
العقود طبعاً: هي اتفاقية بين طرفين أو أكثر، والعقد: هو السبيل إلى التملك وإلى القبض وإلى التصرف في الأشياء؛ ولهذا يقول العلماء: إن تصرفات الإنسان جنسان: عقود وقبوض، أو عقد وقبض.
فالعقد: هو أني أجري عقداً مع أخي تركي مثلاً على أنني بعته هذا الجهاز، وهو جهاز تسجيل يسجل لمدة إحدى وعشرين ساعة وبطريقة جيدة وصاف، فبعته هذا الجهاز مثلاً بثلاثمائة ريال، هذا عقد بيني وبينه، وهو عقد شفوي يتم بموجب الإيجاب والقبول والتراضي بين الطرفين، هذا يسمى عقد، لكن كونه يقوم باستلام هذا الجهاز ويأخذه ويتصرف فيه هذا يسمى قبضاً أو تصرفاً، البيع والشراء: عقد واستلام المبيع وما يتبعه قبضه.
والشرط قد يكون المعروف، وتعريف الشرط: أنه يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود.
والشرط قد يكون شرطاً في الشيء، شرطاً في البيع مثلاً يترتب عليه صحة العقد أو نفاذه، وقد يكون شرطاً له أو شرطاً فيه، يعني مثلاً: كون البيع مثلاً بالتراضي هذا شرط، لكن كون هناك شرط في البيع بمعنى: أنني بعت عليه هذا الجهاز واشترطت أنه لا يستلمه إلا بعد نهاية هذه الجلسة مثلاً، هذا يعتبر شرطاً في العقد.
العقود والشروط فيها ثلاثة أقوال، وهي ثلاثة أقوال مشهورة، والذي سوف أذكره منها قولان مشهوران:
وعمدة هؤلاء هو: ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة لما جاءت إلى عائشة وقالت لها: إنها طلبت من أهلها أن يعتقوها، أو أنها سيمت منهم بتسع أواق، فاشترطوا: أن يكون لهم الولاء، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( خذيها منهم واشترطي لهم الولاء، فعدت لهم
المأخذ الثاني وهو القياس، فإنهم قاسوا الشروط التي تنافي موجب العقد على اشتراط الولاء، قالوا: أي شرط في البيع مثلاً هو مثل اشتراط الولاء، وبناء عليه يكون الشرط مناقضاً لجزء من العقد فيكون باطلاً، وافتياتاً على الشرع فلا يصح.
كذلك استدلوا بحديث النهي عن بيع وشرط: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط )، وهذا ذكره بعض الفقهاء، والواقع أن هذا الحديث ليس له أصل حتى قال الإمام أحمد عنه: إنه باطل، أو قال: إنه منكر، ولم يذكر الحديث في شيء من كتب السنة المعتمدة، فلا حجة فيه .
ولذلك أجمع الفقهاء على جواز اشتراط شروط معينة مثل: كون الإنسان يشتري داراً يشترط فيها شيئاً، أو سيارة يشترط فيها شيئاً، أو عبداً يشترط فيه صفة، أن هذا الشرط صحيح، فلا يمكن أن يقال: إن الشرط باطل مطلقاً في كل بيع.
وهذا تقريباً قول الجمهور وأدلته كثيرة جداً، أذكرها بإيجاز حتى نأتي على ما بقي:
فمن أدلتهم:
أولاً: الآيات القرآنية:
فإن الله سبحانه وتعالى في كثير من الآيات القرآنية أمر بالوفاء بالعقود والعهود، كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1].
وقال سبحانه: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ [النحل:91].
وقال: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [التوبة:4]، إلى غير ذلك من النصوص، وهي كما ذكرت كثيرة جداً.
فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى لما أمر بالوفاء بالعقود والعهود وما أشبهها، فهذا دليل على جوازها، وأن الأصل فيها الجواز، ولا يمكن أن يقال: إن هذا لا ينطبق إلا على ما أذن فيه الشارع، قالوا: لأنه مثلاً لا يمكن أن يأتينا أمر شرعي بالقتل ونقول: إن هذا يكون محمولاً على من حل قتله، فلما جاءت النصوص المتكاثرة في الأمر بالوفاء بالعقود والعهود والمواثيق دل على أن الأصل في هذه العهود والعقود والمواثيق أنها جائزة مباحة إلا ما استثني منها بالتحريم، أو دل الشرع على تحريمه إما بنص، أو بقاعدة، أو بإجماع.. أو ما أشبه ذلك، هذا دليل.
الدليل الثاني: الأحاديث النبوية:
وقد جاء أيضاً أحاديث كثيرة جداً في مثل هذا المعنى، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث)، وذكر منها: ( إذا عاهد غدر )، و( أربع من كن فيه كان منافقاً )، والأمر بالوفاء أيضاً بالعقود والعهود في السنة النبوية، ويقال فيها مثلما يقال في الآيات القرآنية.
بل جاء في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )، يعني: الشروط المتعلقة بالنكاح؛ ولهذا دل الحديث على أن شروط النكاح من أشد الشروط، وأنها أشد من شروط غيرها من العقود والمعاملات، فهذا دليل على أن الأصل في الشروط الجواز والإذن، وأن أي شرط حلال يجب الوفاء به إلا إذا دل دليل شرعي على منعه أو تحريمه.
الدليل الثالث أيضاً: الأصل، فالأصل الشرعي أو البراءة الأصلية دليل مهم جداً في هذا الجانب، فنقول: إن الأصل في مثل هذه العقود والمعاملات والعادات الإباحة، ولا دليل شرعياً على أن الأصل فيها المنع والتحريم، فالأصل فيها الإباحة، والأصل في الأشياء الإباحة أيضاً باستثناء العبادات، فالخروج عن هذا الأصل يحتاج إلى دليل واضح صريح، ولا دليل هنا، بل الدليل يدل على خلاف ذلك وهو أن هذه الأشياء تجري بين الناس بمقتضى عاداتهم ويفعلها المسلمون وغيرهم، والأمر فيها لا يحتاج إلى تعبد، ليس الأمر تعبدياً بحيث يحتاج إلى أن تشرّع لهم، وإنما هي مصالح قائمة بينهم في دنياهم يكفي أن يأذن الشرع فيها، وألا يكون هناك اعتراض على إجرائها، فيكون هناك تصحيح لما فسد منها، وإلا فالأصل فيها هو الإباحة كما ذكرنا.
أيضاً الدليل الرابع: هو آثار الصحابة رضي الله عنهم من الأقوال والأفعال التي تدل على ذلك، كما قال عمر رضي الله عنه قال: (مقاطع الحقوق عند الشروط)، فأطلقها، وكذلك نقل عن ابن مسعود وصهيب وغيرهم في مبايعات وأوقاف وسواها، وكانوا يضعون فيها العقود.
الدليل الخامس: النظر والمعقول كما أشرنا إليه قبل قليل، فهي من الأعمال العادية التي يعملها الناس ويفتقرون ويضطرون إليها، ويحتاج الأمر فيها إلى التوسعة، وهذا هو الأصل.
ولهذا نقول: إن القول الراجح، بل لعله القول الصحيح: أن الأصل في العقود والشروط هو الإباحة، وإذا جد عقد أو جد شرط فإن الحجة مع من قال بجوازه وإباحته إلا إذا قال المانع بدليل شرعي أو قاعدة شرعية، إما من نص أو إجماع أو قياس صحيح يدل على إلحاقه بممنوع.
وقد يطلق البيع والشراء بمعنى واحد، وهذا وارد وكثير في اللغة، وقد يطلق كل واحد منهما على معنى خاص، فيكون المراد بالبائع: هو صاحب السلعة، والمشتري: هو صاحب النقد، فأنا بعتك هذا الكتاب فأنا بائع؛ لأن السلعة عندي، وأنت دفعت الثمن لي فأنت المشتري؛ لأن النقد من عندك.
وهذا هو استخدام الجمهور، وقال بعضهم: إن هذه لغة قريش، وهي أفصح اللغات.
ويأتيان أحياناً حتى في القرآن الكريم بمعنى المترادف، وهما متلازمان أيضاً؛ لأن هذا باذل للسلعة وذاك باذل للعوض.
وأما البيع من حيث الاصطلاح: فهو مبادلة مال بمال ولو في الذمة بقصد الاكتساب للطرفين. وقد يعرف بغير ذلك.
وبهذا التعريف يتميز البيع مثلاً عن الهبة؛ لأن الهبة ليس فيها مبادلة مال بمال، بل هي تمليك بغير عوض، ومثلها العطية والهدية، وذلك في حال الحياة، ويتميز أيضاً عن الوصية؛ لأنها مثل الهبة لكنها بعد الموت، ويتميز أيضاً عن الإجارة؛ لأنه ليس فيها مبادلة مال وإنما فيها تمليك منفعة، وفيها أيضاً توقيت يعني: بوقت معين.
طبعاً الأصل في البيع الحل والإباحة، بدليل قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، فهذا دليل على أن الأصل في البيع كما هو في غيره من العقود هو الحل والجواز؛ وذلك لدفع حاجة الناس وتحقيق أغراضهم -كما أشرنا إليه- وإن كانت قد تعتري هذا الأصل أحكام أخرى كما سوف أشير.
فأما دليل هذا الحكم فالآية الكريمة، وكذلك الآية الأخرى، وهي قوله تعالى: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، هذا دليل مهم سوف نحتاج إليه، فذكر التجارة عن تراض، وسوف نحتاج إلى هذه الآية في مسألة العقود وصيغ العقود، وأن المقصود هو حصول التراضي بأي صفة كان.
كذلك من السنة النبوية استدل بعضهم بحديث ولكنه ضعيف رواه الإمام أحمد في مسنده : ( أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور )، لكن هذا الحديث ضعيف، في سنده مجموعة من الضعفاء، فيه شريك بن عبد الله وفيه مقال مشهور، وفيه جميع بن عمير ضعفه البخاري وغيره، وفيه المسعودي فالحديث ضعيف، ولكن يكفي في الاستدلال من السنة النبوية الأحاديث المتواترة القطعية في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمبايعات وغيرها، وهذا يجمع منه مئات الأحاديث من الصحيحين وغيرهما، وهذا يغني عن هذا الحديث.
كذلك أجمع الفقهاء على جواز البيع، وهذا الإجماع من حيث الأصل هو إجماع قطعي متواتر لا شك فيه، قول وفعل لا يحتاج إلى تطويل وتفصيل.
أما الحكمة أو الدليل العقلي من المشروعية فقد ذكرنا ما يحتاج إليه الناس في هذا الباب، وأن الشريعة جاءت بتحقيق هذه المصالح وتكميلها.
طبعاً: هذا هو الأصل في حكم البيع.
وكذلك قد يكون البيع مكروهاً مثل البيع المكروه إذا كان نهي عنه نهياً غير جازم، وطبعاً أحياناً الأمثلة يكون فيها إشكال، لكن يقول بعضهم: بيع لحم الفرس عند من يقول بكراهية أكل لحمه، وكذلك بيع جلود السباع عند من يقول بكراهية ذلك، وما أشبه ذلك من بيع الأشياء التي يقول العلماء بكراهية استعمالها، فيكون بيعها مكروهاً.
وقد يكون البيع واجباً، ومثال الوجوب: حال الاضطرار، لو جاءك إنسان مضطر إلى أكل يخشى عليه العدم والموت والتلف بسبب أنه محتاج إلى أكل أو إلى شرب يدفع به الغص عنه، فهنا يجب له بذل الشيء بمثله على مالكه، فهذا البيع يكون واجباً في هذه الحالة الخاصة، دعك من الحالة العامة التي تحدثنا عنها.
كذلك قد يكون البيع مندوباً، ومثل له الفقهاء بمن حلف على إنسان أو عزم عليه أن يبيع عليه سلعة لا ضرر عليه من بيعها، فقالوا: يندب له أن يجيب، ولا يجب عليه أن يبر هذا القسم؛ لأنه مندوب ليس فيه ضرر، وفي نفس الوقت ليس واجباً عليه، إنما هذا داخل في دائرة المندوب، والشريعة جاءت بما يحتاج الناس إليه في عموم هذه العقود والمعاملات من الآداب والأخلاق والضوابط، فحرمت ما فيه فساد كما حرمت الربا مثلاً، وحرمت بيع الغرر، وبيع الجهالة، وحرمت القمار والميسر في البيوع، وأوجبت ما لابد منه مثل معرفة المبيع وقدره، ومعرفة الثمن وقدره، وما أشبه ذلك مما لابد من معرفته بين المتبايعين، وكذلك كرهت ما لا ينبغي مثل ما ذكرنا، واستحبت ما فيه مصلحة راجحة ولكنه ليس بلازم من الصفات، والمقادير، والأنواع.. ونحوها.
هناك تقسيمات متعددة باعتبارات متعددة، وهذا يوجد في كل أنواع العلوم.
النوع الأول: البيع المطلق: وهو مبادلة العين بالدين، وهو يبيح ويتيح للإنسان المبادلة بنقوده على كل ما يحتاج إليه من الأعيان، وإليه ينصرف البيع عند الإطلاق، مبادلة العين بدين أو بنقد أو غير ذلك مما يحتاج إليه الإنسان.
وهذا يسمى بيعاً مطلقاً، يعني: غير موصوف بشيء آخر غير أنه بيع.
النوع الثاني: بيع السلم، وبيع السلم هو ما يسميه أهل الحجاز السلف، وهو مبادلة الدين بالعين، مثلاً: أن يدفع الإنسان المال الآن ويستلم السلعة بعد سنة، يدفع له المال الآن ويستلم منه سيارات، أو قوت أو ثياب بعد سنة، فهذا يسمى سلماً؛ لأن الثمن حاضر والسلعة مؤجلة.
كذلك، طبعاً بعض الفقهاء يسمونه: بيع المحاويج؛ لأنه يدعو إليه الضرورة، ولهذا بعضهم يراه استثناء.
كذلك هناك بيع الصرف: وهو مبادلة الأثمان بمثلها، الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والعملة بالعملة، مثلاً الدولار بالريال، أو الدينار بالجنيه.. وهكذا، فهذا يسمى الصرف.
وهناك بيع المقايضة، ما هو بيع المقايضة؟ عين بعين.. سلعة بسلعة.
إذاً: عندنا أربعة أنواع: المقايضة عين بعين، الصرف بيع نقد بنقد، السلم وهو بيع ثمن سلعة مؤجلة بثمن حال، البيع المطلق وهو البيع الذي ليس فيه وصف آخر غير كونه بيعاً.
هناك ما يسمى بالمساومة، والمساومة واضحة: إنه أنا لا أعرف رأس مالك، لكن يجتمع أقوام ويتساومون، فهذا يزيد وهذا يزيد، أو يسوم واحد أيضاً بدون أن يعرف رأس المال، فهذا يسمى مساومة.
هناك بيع المزايدة، وهو التقسيم الثاني باعتبار تحديد طريقة الثمن.
إذاً: قلنا أولاً: بيع المساومة، أن أسوم منك السلعة وأنا لا أدري بكم دخلت عليك، النوع الثاني: بيع المزايدة، يعني: مثلاً أن يعرض البائع سلعته والحاضرون يزايدون فيها، فهذا يزيد وهذا يزيد وهكذا، ثم تدفع لمن يصل إلى الثمن الأكثر.
يقابل المزايدة، ماذا يقابلها؟
المناقصة، ما هي المناقصة؟
مثلاً لما أقول: سأبيع القلم، فالمزايدة أن نقول: من يشتري؟ فيقول هذا: بريال، ويقول هذا: بريالين، ويقول هذا: بثلاثة، أبيعه على صاحب الثلاثة.
لكن المناقصة هي أن أقول: أريد قلماً بمواصفات معينة، فكل واحد يقدم لي عرضاً، فأجد أنه مثلاً عرض الأخ جمعان هو أفضل العروض؛ لأنه سوف يقدم قلماً بمواصفات ممتازة، وبسعر معقول أو رخيص، ليس بالضرورة رخيصاً، يعني: هو يفترض الأرخص وفق المعايير، فهذه تسمى مناقصة، وهي عكس المزايدة.
هناك طبعاً كلمة المزايدة والمناقصة تستخدم أحياناً في ميدان آخر، أنه واحد يزايد على أمر شرعي أو أمر ديني أو فكري أو.. هذا موضوع ثان، لكنها كلمة دارجة.
هناك ما يسمى عند الفقهاء: ببيوع الأمانة، وبيوع الأمانة هي التي تكون مربوطة برأس المال، يعني: أفترض أن رأس مال هذه السلعة وهي الساعة مثلاً مائة ريال، يكون بيع الأمانة أني أحدد السعر بناء على أن رأس المال مائة ريال، فإذا كان الثمن الذي سوف أشتري به هو نفس رأس المال الأصلي، فهذه تسمى تولية.
هذه يمكن أسماء عند بعضكم جديدة، إذا كان سيبيع بنفس السعر فهذه تسمى تولية؛ لأنه كأنك جعلت المشتري تولاها وقام مقامك فيها، يعني: كأنه دخل مدخلك فيها ونزل منزلك بغير زيادة ولا نقص، هذا يسمى بيع التولية، إني أبيع السلعة عليك برأس مالها، خذه برأس ماله، هذه تسمى تولية.
إذا كان سيبيعه بربح أقول لك: الساعة بمائة وسوف أبيعها عليك بمائة وعشرة، هذه تسمى مرابحة، وهذه أيضاً كلمة دارجة الآن يسمى بيع المرابحة، تجد كثيراً من البنوك الإسلامية أنه يبيع بربح، هذه تسمى أيضاً مرابحة.
لو كنت سوف أبيعها عليك بخسارة، سوف أحط أو أضع من الثمن، ثمنها مائة فأقول: سوف أبيعها عليك بتسعين، هذه تسمى بيع المواضعة أو وضيعة، بيع الوضيعة أو بيع الحطيطة، يعني: أنه حط عنه أو وضع عنه من الثمن الأصلي، فهذا يسمى بيع الوضيعة.
إذاً: هي ثلاثة أنواع تسمى بيوع الأمانات: التولية، أو المرابحة، أو الوضيعة. هذا باعتبار طريقة تحديد الثمن.
لو كانت السلعة موجودة والثمن مؤجلاً، فماذا يسمى هذا البيع؟
يسمى بيع الأجل أو بيع المؤجل، يعني مثلاً: اشتريت سيارة إلى أجل بأقساط معينة، فهذا يسمى بيع الأجل، طبعاً قد يسمونه بيع التقسيط أحياناً، قد يكون الأجل مع التقسيط أو مع غيره، لكنه لا يكون إلا بزيادة في الثمن؛ ولهذا الله سبحانه قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282]، ولا يكون الأجل المسمى في العادة إلا بزيادة في الثمن مقابل الأجل، فهذا يسمى بيع الأجل.. بيع مؤجل الثمن.
وقد يكون الأجل أيضاً في المثمن، يعني: أن يعطيك الثمن الآن وتكون السلعة تأتي بعد سنة، وهذا يسمى ماذا؟
يسمى: بيع السلم.
أيضاً قد يكون العوضان كلاهما مؤجل، وهذا يسمى بيع الدين بالدين، ويسميه بعض الفقهاء: بيع الكالئ بالكالئ، والكالئ: هو الدين، وقد جاء في هذا حديث، لكنه لا يصح ولا أصل له: ( نهى عن بيع الكالئ بالكالئ )، ولكن الفقهاء أجمعوا عموماً على منع بيع الدين بالدين، وإن كان يستثنى من ذلك حالات ربما يأتي لها عرض إن شاء الله بالتفصيل، يعني: بيع الدين بالدين له صور كثيرة بعضهم يوصلها إلى عشر صور، غالبها ممنوع، ومنها ما هو مأذون به.
إذاً: البيع الأول هو البيع المنعقد يقابله الباطل. منها عند الحنفية خاصة: البيع الصحيح ويقابله الفاسد، يعني جمهور العلماء الصحيح والفاسد عندهم سواء، وأبو حنيفة رحمه الله والأحناف يرون أن الباطل غير الفاسد، يعني: جمهور العلماء يرون أن الباطل والفاسد سواء.
الأحناف يرون أن الباطل غير الفاسد، فالباطل عندهم: ما كان النهي يعود إلى أصله، والفاسد ما كان النهي يعود إلى صفته، فيكون الفاسد أهون وأحسن حالاً؛ ولهذا قد يترتب عليه بعض الآثار في أحوال خاصة، ربما يأتي الآن مثال.
فلذلك نقول: الصحيح يقابله الفاسد.
هناك أيضاً النافذ ويقابله الموقوف، مثل: بيع الإنسان مال غيره الذي هو بيع الفضولي، لو أن واحداً تطفل على آخر وباع سيارته مثلاً، البيع هنا يكون مرهوناً أو موقوفاً على موافقة صاحب السيارة، فبإمكانه أن يمضي البيع وبإمكانه أن يرده.
كذلك البيع اللازم، ويقابله البيع غير اللازم أو البيع الجائز أو البيع المخيّر.
وذلك كبيع الخيار، لو بعتك السلعة واشترطت أنا أو اشترطت أنت الخيار أياماً معدودات، فهذا بيع غير لازم، وإنما هو داخل في الخيار، فبإمكانك أن تمضي البيع أو أن ترجع عنه.
هذه بعض تقسيمات البيوع وهذه بعض المقدمات التي لابد منها.
بقي أيضاً مقدمات أخرى إن شاء الله نعرض لها في الجلسة القادمة، وأبدأ أيضاً في الكتاب.
زفراتكم من حولنا تتصعد وصراخكم في صمتنا يتبدد
ذبتم على وهج الرصاص ولم نزل لعدونا وعدوكم نتودد
تتغيثون سحابنا وسحابنا وهم كبير في الفضاء مجمد
تترقبون قرار مؤتمراتنا بشرى لكم فقرارنا سيندد
ولسوف يحلف حالف من قومنا أن الأسى من أجلكم يتجدد
ولسوف ينطق ناطق من قومنا إنا على شجب العدو سنصمد
ولسوف نرسم لوحة زيتية فيها صريع بالتراب موسد
بشرى لكم سيقام حفل ساهر وتصاغ أغنية لكم وتردد
هذا الذي سترون منا فافرحوا واستبشروا وعلى الكلام تعودوا
أما الجهاد لأجلكم بعتادنا فمحرم إن الجهاد تمرد
الجواب: طبعاً ربما يقصد الجريدة، طبعاً ليس المقام مقام تحليل أو دراسة، لكني أقتصر على الإشارة إلى أن الجريدة نشرت مقالاً بعنوان: محمد صلى الله عليه وسلم، منقول عن الموقع، وكذلك مجلة الدعوة بلغت أمس أنها نشرت مقالاً عنوانه: تنويع الخطاب الدعوي، وهو أيضاً منقول من موقعنا (islamtoday.net) ونحن نسمح لـجريدة الوطن ومجلة الدعوة، وجميع الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية والصحف الداخلية والخارجية ووسائل الإعلام بالنقل من الموقع بغير أجر مادي أو مقابل مادي خصوصاً ما يتعلق بي، والشرط الوحيد الذي نشترطه: ألا يكون هناك أي تصرف أو تحكم في المادة بزيادة أو نقص أو حذف.
هذا كل ما هنالك، وأنا أرى أن تسمية الأشياء بأسمائها هو في نظري أنه هو الأفضل، وكون الإنسان له تحفظات على هذه الجريدة أو تلك هذا شيء طبيعي، ونحن نرى أن كثيراً من الجرائد الموجودة ووسائل الإعلام لنا عليها تحفظات كبيرة جداً في أسلوبها وطريقتها ومادتها وكتابتها، ومع ذلك نقول: أحياناً بعض هذه الأشياء لها وجود وتفرض نفسها على الواقع، ولا شك أنه لا ينصح الناس بكثرة التداول لها والقراءة والتواصل معها، لكن مع ذلك يظل كثير من الناس يتعاطونها ويأخذون منها ويتعاملون معها بشكل أو بآخر.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك..
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر