حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الوفاء بالعهد]، أي: في لزومه ووجوب الوفاء به، وعدم الغدر فيه.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان بن فلان) والمقصود من ذلك: إعلان فضيحته، وأنه يكون هناك علامة تدل على أن الذي تحتها غادر، كما أن اللواء في الدنيا يكون عند الأمير أو عند الكبير في الجيش ليدل على مكانه، وهو شيء محمود، وأما الغادر فإنه ينصب له لواء يدل على أن الذي تحته رجل غادر، ويقال: (هذه غدرة فلان بن فلان)، ويذكر باسمه واسم أبيه، وهذا يدل على تحريم الغدر، ووجوب الوفاء بالعهود.
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن دينار ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ؛ لأنه رباعي، إذ ليس بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أشخاص هم: القعنبي ومالك وعبد الله بن دينار وعبد الله بن عمر .
حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما الإمام جنة يقاتل به) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في الإمام يستجن به في العهود] أي: أنه يتابع ويستتر به، ومعنى هذا: أنه في العقد والعهد بين المسلمين وبين الكفار الإمام هو الذي يتولى هذه المهمة وغيره يكون تبعاً له، وليس لأحد أن يعقد عقداً بين المسلمين والكفار إلا الإمام، فهو جنة، أي: وقاية، كما يقال للمغفر والترس: مجن؛ لأنه يستر، والجنة هو الساتر، ومنه الحديث: (الصوم جنة) أي: الوقاية من النار، أو الوقاية من المعاصي بإضعاف النفس بالصيام لله عز وجل.
فالإمام جنة يقاتل به، والناس يقاتلون تبعاً له، ويأتمون به، ويكون هو إمامهم في القتال وفي إبرام العقود والعهود، فيكونون تبعاً له ولا يتقدمون عليه، وإنما يسيرون وفقاً لأوامره ووفقاً لتعليماته، فهو الذي يقود الجيوش وهو الذي يرسل من يرسل ويقدم من يقدم ويؤخر من يؤخر، ويتابع في ذلك.
وأيضاً هو الذي يتولى إبرام العهود، وليس لأحد من أفراد الناس أن يقوم بهذه المهمة دونه، فهو جنة يستجن به -أي: يستتر به- ويكون هو الستر والوقاية بين الناس وبين من أبرم العهد معهم؛ ولهذا مر قريباً في الحديث الذي فيه قصة خالد بن الوليد والشخص الذي تكلم عليه، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل أنتم تاركون لي أمرائي، ثم قال: لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره)، معناه: أنكم قد كفيتم، وإنما أنتم تبع للأمير، فعليكم السمع والطاعة فيما هو معروف، ولا تخرجوا عليه بأن تعملوا أعمالاً فيها خروج عليه، وفيها تقدم عليه، فالأصل أنه هو الذي يكون مرجعاً في الحرب، وهو الذي يكون مرجعاً في إبرام العهد.
محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ].
عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[ عن أبي الزناد ].
أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ، يكنى بابنه عبد الرحمن هذا الذي يروي عنه، ولقبه أبو الزناد ، وهو لقب على صيغة الكنية، وعبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعرج ].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.
قال بكير : وأخبرني أن أبا رافع كان قبطياً.
قال أبو داود : هذا كان في ذلك الزمان، فأما اليوم فلا يصلح ].
أورد أبو داود حديث أبي رافع رضي الله تعالى عنه أنه أرسله المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورآه أدخل الله في قلبه الإسلام بمجرد أن رأى النبي عليه الصلاة والسلام.
قوله: [ (إني لا أحبس البرد)] البرد هو: الرسول الذي يأتي بالرسالة.
قوله: [ (ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع)] يعني: تعال من هناك، أما أن تأتي وأنت رسول ثم تبقى، فهذا لا يصلح، بل عليك أن ترجع إلى من أرسلوك، وإذا وصلت إليهم وانتهت مهمة الرسالة، وصار الأمر إليك، فإذا أردت أن ترجع فارجع من هناك مسلماً، فلما وصل إليهم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم.
قوله: [ (إني لا أخيس بالعهد)] أي: لا أفسد العهد، ولا أنقض العهد، وإنما أبقى عليه.
قوله: [ (ولا أحبس البرد) ] أي الرسول الذي يأتي بالبريد، ويأتي بالرسائل.
وقد ذكر الشارح في عون المعبود أن المجد بن تيمية قال: إن هذا كان في زمن الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفار قريش، وهذا في الحقيقة لا يستقيم؛ لأن مقتضى هذا أنه يرده كما رد أبا بصير ، ولكن يحتمل أن يكون هذا في غير زمن الهدنة، وأن يكون قبلها أو بعدها.
وأيضاً فقد يكون المقصود بالعقد والاتفاق من كان منهم، أما إذا كان قبطياً ليس من قريش وليس من العرب فلا يدخل تحت عهد الحديبية، فيستقيم كلام أبي داود حيث جاء بالحديث يشير به إلى أن هذا كان وقت صلح الحديبية، ثم ذكر ذلك في آخر الحديث حيث قال: هذا كان في ذلك الزمان، فأما اليوم فلا يصلح.
قوله: [ هذا كان في ذلك الزمان، فأما اليوم فلا يصلح ].
فسر بتفسيرين:
الأول: أن يكون القول بأنه كان قبطياً لا يصلح الآن، وهذا ليس بشيء.
والتفسير الثاني: أن المقصود به كونه في زمن الهدنة، وأن مقتضى الشرط أن من جاء يرد، ومن ذهب من المسلمين فإنه لا يرد، وهذا أيضاً كما أشرت غير واضح من جهة أن مقتضى الشرط يقتضي رده حتى ولو جاء من هناك من غير أن يكون رسولاً، لكن إذا قيل: إن المقصود بقوله: (من جاء منهم) كفار قريش والعرب فهو يرد، أما إذا كان ليس منهم وهو مثل هذا القبطي فلا؛ فيكون له وجه.
هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[ حدثنا عبد الله بن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني عمرو ].
هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن بكير بن الأشج ].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن بن علي بن أبي رافع ].
الحسن بن علي بن أبي رافع ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ أن أبا رافع أخبره ].
أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن أبي الفيض عن سليم بن عامر رجل من حمير قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون، وهو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء) فرجع معاوية ].
أورد أبو داود باباً في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه، أي: إلى العدو قبل انقضاء العهد.
أورد أبو داود حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه الذي قال فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها، حتى ينقضي أمدها) ].
ومعنى ذلك: أنه لا يحرك ساكناً إلا إذا انتهت المدة، أما كونه ينتقل من بلده إلى حدود العدو أو إلى قرب مكان يوجد فيه العدو، فإن هذا خلاف العهد، بل العهد أن يبقى في مكانه ولا يحرك ساكناً إلا إذا انتهت المدة، وعندما تنتهي يرحل متوجهاً إليهم، أما أن يسافر إليهم قبل أن تنتهي المدة فمعنى ذلك أنه تصرف تصرفاً وعمل عملاً مخالفاً في مدة العهد.
وذكر أبو داود رحمه الله القصة، وهو أنه لما سار معاوية رضي الله عنه وإذا رجل على فرس أو برذون، وإذا هو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر، فنظروا فإذا هو عمرو بن عبسة ، فطلب منه معاوية أن يأتي، فأتى إليه وأخبره فلما سمع الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع، وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الاستسلام والانقياد لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنهم إذا عملوا عملاً ثم تبين لهم أن الحق بخلافه فإنهم يرجعون عن الشيء الذي عملوه ما دام أن الدليل دل على أنه غير سائغ، وأنه لا يصلح.
قوله: [ (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة) ].
أي: لا يتصرف تصرفاً يخالف العقد.
قوله: [ (ولا يحلها) ] أي تلك العقدة.
قوله: [ (إلا بعد أن ينتهي الأمد) ]، وهذا إشارة إلى أنه لا يعمل أي شيء يخالف العقد.
قوله: [ (أو ينبذ إليهم على سواء) ] بأن يخبرهم، وذلك إذا خاف منهم خيانة فيقول: العهد الذي بيني وبينكم انتهى، فيكونون على علم بأن العهد انتهى.
قوله: [ (على سواء) ].
أي: هو وهم يستوون في العلم بانتهاء مقتضى العهد.
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الفيض ].
هو موسى بن أيوب ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن سليم بن عامر ].
وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عمرو بن عبسة ].
عمرو بن عبسة رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قتل معاهداً في غير كنهه حرم الله عليه الجنة) ].
قوله: [باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته] يعني: أنه إذا كان للإنسان عهد عند المسلمين فإنهم يوفون له بعهده ويعاملونه المعاملة التي يستحقها، فلا يقتلونه ولا يؤذونه.
قوله: [ (في غير كنهه) ] أي: من غير استحقاق للقتل، أما إذا كان مستحقاً للقتل فلا يستحق القاتل هذه العقوبة.
قوله: [ (حرم الله عليه الجنة) ] هذا من أحاديث الوعيد التي فيها تحريم الجنة، ولكن لا يعني ذلك أنها تحرم عليه كما تحرم على الكفار، وإنما تحرم عليه وقتاً معيناً، وذلك إذا لم يشأ الله عز وجل أن يغفر له، فإنه لا يدخلها مع أول من يدخلها، ولكنه يدخل النار ويعذب فيها على جرمه وعلى كبيرته، ثم بعد ذلك يخرج منها ويدخل الجنة، وهكذا شأن جميع العصاة وجميع أصحاب الكبائر، فإنهم لا بد أن يصيروا إلى الجنة في آخر الأمر، ولا يبقى في النار إلا الكفار الذين هم أهلها ولا سبيل لهم إلى الخروج منها، وأما العصاة وأصحاب الكبائر فهؤلاء لا بد أن يأتي عليهم وقت من الأوقات يخرجون من النار ويدخلون الجنة، وعلى هذا فالتحريم تحريم مؤقت.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عيينة بن عبد الرحمن ].
هو عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن أبي بكرة ].
هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة -يعني ابن الفضل - عن محمد بن إسحاق قال: كان مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وقد حدثني محمد بن إسحاق عن شيخ من أشجع يقال له سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما حين قرأ كتاب مسيلمة: (ما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال، قال: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما) ].
أورد أبو داود باباً في الرسل، أي: الرسل الذين يأتون من الكفار إلى المسلمين برسائل، ومعنى ذلك أنهم يؤمنون ثم يعودون من حيث أتوا، وقد سبق أن مر قريباً قوله في الحديث: (أني لا أحبس البرد) ومعنى هذا أن البريد أو الرسول لا يقتل، وإنما يؤمن حتى يرجع إلى الجهة التي جاء منها.
أورد أبو داود حديث نعيم بن مسعود رضي الله عنه، أن رسولي مسيلمة لما جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ الكتاب الذي معهما، قال: (ماذا تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال) أي أنهما يتابعانه فيما جاء به من الكفر ومن الردة، فقال عليه الصلاة والسلام: (لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما).
وهذا يدل على أن الرسل لا تقتل، ولو حصل من الرسول المجاهرة وإعلان الكفر كما حصل من رسولي مسيلمة بقولهما: (نقول كما قال) فدل هذا على أن الرسول يرجع إلى مأمنه وأنه لا يقتل.
محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة .
[ حدثنا سلمة -يعني: ابن الفضل- ] .
صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة في التفسير.
[ عن محمد بن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ كان مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقد حدثني محمد بن إسحاق عن شيخ من أشجع يقال له سعد بن طارق ].
سعد بن طارق ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي ].
سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي ، له صحبة، كما أن لأبيه صحبة، وحديثه أخرجه أبو داود .
[ عن أبيه نعيم ] .
وأبوه أخرج حديثه أبو داود .
أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنه جاءه حارثة بن مضرب ، وذكر الحديث.
قوله: [ما بيني وبين أحد من العرب حنة]: يعني: ليس هناك ضغن ولا حقد وعداوة، وهو بهذا يريد أن يمهد للكلام الذي يقوله، وكأنه يريد أن يقول: إن هذا الكلام الذي أقوله ليس عن عداوة، وليس عن غيض، وإنما هو الحقيقة والواقع.
قوله: [ مررت بمسجد لبني حنيفة فإذا هم يؤمنون بـمسيلمة ].
مسجد بني حنيفة في الكوفة، أي: في المكان الذي هم فيه، وكان فيه ابن مسعود ، فاستدعاهم لأنهم يؤمنون بـمسيلمة الكذاب .
قوله: [ فأرسل إليهم عبد الله ، فجيء بهم فاستتابهم ].
يعني: استتابهم وتركهم إلا واحداً منهم يقال له: ابن النواحة؛ لأنه قد قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لولا أنك رسول لقتلتك) فلم يستتبه بل قتله؛ لأنه لم يعد في ذلك الوقت رسولاً، فأمر قرظة بن كعب أن يقتله، فقتله في السوق وقال: من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة فلينظره قتيلاً بالسوق.
ومحل الشاهد منه قوله: (لولا أنك رسول لقتلتك) يعني: أن الرسل يعاملون معاملة خاصة فيردون إلى مأمنهم ولا يقتلون.
هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ] .
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي إسحاق ] .
هو أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أنه أتى حارثة بن مضرب ].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله ] .
هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عياض بن عبد الله عن مخرمة بن سليمان عن كريب: (عن
أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في أمان المرأة].
يعني: إذا أمنت أحداً أو أجارت أحداً فإنه ينفذ أمانها وجوارها، وقد سبق أن مر حديث: (المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم)، وهنا أورد أبو داود حديث أم هانئ رضي الله عنها، وهو أنها عام فتح مكة أمنت رجلاً، وكان أخوها علي رضي الله عنه أراد أن يقتله، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته، فقال لها عليه الصلاة والسلام: (قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت) معناه: أن جوارك وأمانك معتبر عندنا.
عياض بن عبد الله فيه لين، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن مخرمة بن سليمان ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن كريب ].
هو كريب مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس قال: حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب ] .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها حديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث عائشة : (إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز) أي: فيجوز جوارها وتأمينها وأمانها، ومعناه: أنهم كانوا يجيزونه ويثبتونه ولا يبطلونه، وهذا مثل الذي قبله، إلا أن هذا فيه إشارة إلى أن هذا يحصل، والحديث السابق إنما هو في قصة حصلت لـأم هانئ رضي الله عنها في شخص معين، وهذا لفظ عام يدل على أن المرأة كانت تجير فيجوز أمانها ويعتبر.
سفيان هو سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور ].
هو منصور بن المعتمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم ].
إبراهيم بن يزيد ين قيس النخعي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأسود ].
هو الأسود بن يزيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن عبيد أن محمد بن ثور حدثهم عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة أنه قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة.. وساق الحديث، قال: وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته فقال الناس: حل حل خلأت القصواء، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما خلأت وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل. ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، فجاءه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله.. وقص الخبر، فقال سهيل : وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. فلما فرغ من قضية الكتاب قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، ثم جاء نسوة مؤمنات مهاجرات.. الآية، فنهاهم الله أن يردوهن، وأمرهم أن يردوا الصداق، ثم رجع إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش، يعني: فأرسلوا في طلبه، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى إذ بلغا ذا الحليفة نزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً فاستله الآخر، فقال: أجل قد جربت به، فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه، فأمكنه منه فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لقد رأى هذا ذعراً، فقال: قد قتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: قد أوفى الله ذمتك، فقد رددتني إليهم ثم نجاني الله منهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، وينفلت أبو جندل فلحق بـأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة
أورد أبو داود باباً في صلح العدو.
أي: الصلح مع الكفار، والصلح مع الكفار يجوز في حال ضعف المسلمين وعدم قوتهم، وأما مع قوتهم فإنه لا يصلح أن يصالح الكفار، وإنما يكون ذلك مع الضعف كما قال الله عز وجل: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ [محمد:35] فالصلح يجوز عند وجود ما يقتضيه من عدم قوة بالمسلمين.
أورد أبو داود حديث المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه في قصة صلح الحديبية، وذهاب النبي صلى الله عليه وسلم معتمراً في السنة السادسة من الهجرة، ومعه ألف وأربعمائة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
قوله: [ (خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضعة عشرة مائة من أصحابة) ].
يعني: ألفاً وأربعمائة، هذا هو أصح ما قيل فيه، وقيل: ألف وخمسمائة، وقيل: ألف وثلاثمائة، والأصح أنهم ألف وأربعمائة.
قوله: [ (حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة) ].
وهذا يدل على أن الإحرام يكون من الميقات، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم عام الحديبية بعمرة من الميقات، وأن الهدي يقلد ويشعر، وإشعاره أن يغرز في صفحة سنامه حتى يسيل الدم، فيكون علامة على أنه هدي، بحيث لو ضاع عرف من رآه أن هذا هدي، وكذلك أيضاً التقليد هو علامة على أنه هدي، وهو يدل على أن الإشعار سنة وليس بمثلة، وهو للحاجة والمصلحة، مثل الوسم الذي يفعل للحاجة، ومثل الختان الذي يكون بالنسبة للمولود، فهو وإن كان فيه شيء من التعذيب وشيء من المضرة إلا أن المصلحة فيه كبيرة، وقد جاءت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ وساق الحديث ] معناه أن فيه اختصاراً وحذفاً.
قوله: [ (حتى إذا جاء الثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به ناقته، فقال الناس: حل حل)]، وهي كلمة زجر يراد منها أن تقوم الناقة.
قوله: [ (فقال الناس: حل حل، خلأت القصواء، مرتين) ].
يعني: حرنت، ومعناه: أنه صار بها هذا الخلق.
قال عليه الصلاة والسلام: (ما خلأت وما كان لها بخلق) -أي: ليس من عادتها- ولكن حبسها حابس الفيل)] أي: أن الذي حبسها هو الذي حبس الفيل عن أهل مكة.
قوله: [ (والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) ].
معناه: أنه لا يحصل بينه وبينهم قتال في الحرم.
قوله: [ (ثم زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء) ].
أي: زجرها فثارت وقامت، وذهب إلى الحديبية على ثمد وهو: الماء القليل.
قوله: [ (فجاءه
والحديث فيه اختصار، وكان فيه أنه جيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! نفد الماء فأخرج سهماً من كنانته، وأمرهم بأن يضعوه، فصارت البئر تجيش بالماء وتفور حتى سقوا رواحلهم ورووا، وذلك من بركة وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهم من كنانته فيها.
قوله: [ (فجاءه
وكانت العادة عندما كان الشخص يخاطب غيره يمسك بلحيته، وليس هذا من باب الإهانة، وإنما هو من باب الملاطفة.
فكان المغيرة بن شعبة واقفاً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعه السيف، فكان كلما مد يده على لحية الرسول ضربه بمؤخر السيف.
وهذا يدل على أن القيام على رأس الأمير عند حضور الكفار لا بأس به، وأن هذا من احترام الأمير، ومن المحافظة عليه، وأما إذا كان لغير ذلك فإنه لا يجوز، والرسول صلى الله عليه وسلم لما اشتكى وصلى جالساً، وصلى وراءه أناس قياماً أشار إليهم أن اجلسوا، ولما سلم قال: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رأس ملوكهم وهم جلوس) فالقيام محذور إذا كان في غير هذه الحالة، أما إذا كان في هذه الحالة فهو سائغ؛ لأن هذا حصل من المغيرة بن شعبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالقيام على الرجل له حالتان:
حالة فيها احترام الإمام وتوقيره، والمحافظة عليه عند الكفار، وإظهار تقديره عند الكفار.
والثانية: إذا كان لغير ذلك.
فهذه الحالة التي جاءت في قصة المغيرة تدل على جوازه في مثل هذه الحالة، والحديث الذي فيه: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رأس ملوكهم وهم جلوس) يدل على أن ذلك لا يجوز.
قوله: [ (فرفع
يسأل عن هذا الذي يضربه بنعل السيف، قال: من هذا؟! قالوا: المغيرة بن شعبة وهو ثقفي وعروة بن مسعود ثقفي، فقال: أي غدر، أولست أسعى في غدرتك؟!
معناه: أنه من قومه ومن جماعته؛ لأن هذا ثقفي وهذا ثقفي، ولعل المقصود منه: أنه كان يجمع ديات من أجل أن يعطيها أولئك الذين قتلهم المغيرة .
وهذه هي غدرة المغيرة التي ذكرها عروة بن مسعود .
قوله: (فذكر الحديث، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ..) وقص الخبر.
ثم ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بكتابة الصلح والعهد الذي بينه وبين الكفار وقال: [ (هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله) ] وقد جاء فيه أنهم قالوا: إننا لا نعتقد بأنك رسول الله، ولكن قل: محمد بن عبد الله، أي اذكر اسمك واسم أبيك، فأقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر الكاتب بأن يكتب محمد بن عبد الله.
قوله: [ (فقال
هو سهيل بن عمرو الذي تولى العقد عن جانب الكفار، وقد أسلم عام الفتح وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه.
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ما ذكر لما رأى في ذلك من مصلحة، وبعض أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم تألموا تألماً كثيراً، وقالوا: كيف نعطي الدنية في ديننا يا رسول الله؟! أي: كيف نقبل بمثل هذا الشرط الذي يقضي بأن من جاء منهم ولو كان على ديننا فإنك ترده إليهم، ومن جاء منا فإنه لا يرد إلينا، فرأوا أن في ذلك غضاضة، وأن في ذلك نقصاً وهواناً، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم رضي بهذا، وصار في ذلك الخير الكثير والمصلحة العظيمة كما سيأتي في قصة أبي بصير .
قوله: [ (فلما فرغ من قضية الكتاب قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا!) ].
معناه: أنه لما انتهى من الكتاب، وكان فيه أنه لن يدخل البيت هذا العام وإنما يأتي في السنة القادمة، قال لأصحابه: (قوموا فانحروا واحلقوا رءوسكم) ولكن لم يحصل منهم الإقدام على ذلك رجاء أن ينسخ هذا الحكم، وأن يأتي شيء يحقق لهم ما يريدون من دخولهم البيت والطواف فيه، وقد شق عليهم ذلك.
ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم على أم سلمة ، وأشارت عليه بأن يخرج ويحلق رأسه وينحر هديه، فلما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تسابق الناس إلى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً بالموسى عند الحلق من شدة ما أصابهم من الهم والغم؛ لكونه لم يحصل لهم دخول البيت والطواف فيه، وقد جاءوا مشتاقين إليه.
فلما فعل ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام عرفوا أن الأمر انتهى وأنه لا مجال للانتظار ولا لأن يأتي شيء ينسخ ذلك، فأقدموا على متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام فيما أمر به وفيما فعله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [ (ثم جاء نسوة مؤمنات مهاجرات.. الآية، فنهاهم الله أن يردوهن وأمرهم أن يردوا الصداق)].
معناه: أن النساء لسن داخلات في العقد؛ لأن الكلام إنما هو في الرجال، وأما النساء فما حصل عليهن تنصيص، ومن العلماء من قال: إنه شمل النساء ولكنه نسخ.
قوله: [ (ثم رجع إلى المدينة فجاءه
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاء رجل مسلم من قريش يقال له: أبو بصير، فأرسلت قريش رجلين في طلبه، فأرسله النبي صلى الله عليه وسلم معهما بناء على الاتفاق الذي بينه وبينهم، ولما وصلوا ذا الحليفة جلسوا يأكلون تمراً معهم، وكان مع أحدهما سيف، فقال أبو بصير : أرنيه، فأعطاه إياه فضربه حتى قتله، ففر الآخر يعدو حتى قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما هذا فقد رأى ذعراً) يعني: أصابه ذعر جعله يفعل هذا الفعل ويعدو هذا العدو، فقال: إنه قتل صاحبي وإني مقتول، فلما جاء أبو بصير وراءهم قال: قد رددتني إليهم، وقد أوفى الله ذمتك ونجاني منهم، فقال عليه الصلاة والسلام: (ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد).
وهذه كلمة تقال تعجباً من فعل إنسان يكون سبباً في إشعال الحروب.
وقوله: (لو كان له أحد) يعني: لو كان له أحد يتابعه ويستجيب له، فإنه يكون سبباً في إشعال الحروب، فلما سمع هذا الكلام علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيرده إليهم، فهرب وذهب إلى سيف البحر ، ثم جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو منفلتاً منهم، وكان أبو جندل له قصة أيضاً عند إبرام العقد، فجاء وهو مقيد بالحديد، فلماء رآه الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منهم استثناءه فقال أبوه: لا بد من رده، فتركه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلحق بـأبي بصير حتى صاروا عصابة، وكانوا كلما مرت عير لقريش من الشام اعترضوها، حتى إن قريشاً ضاقت بهم ذرعاً، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبل من يأتي إليه منهم، ومعناه: أنهم تنازلوا عن الشرط الذي شرطوه، وتبين بهذا مصلحة ذلك الشرط، وأن الخيرة فيما اختاره الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، وفيما رضي به الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث ترتب على ذلك الخير الكثير، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما كانوا يعرفون هذه النتيجة؛ ولهذا كان بعضهم يقول لبعض فيما بعد: يا أيها الناس! اتهموا الرأي في الدين، فلقد رأيتني يوم أبي جندل وقد جاء يجر الحديد.. إلخ، فكانوا ينصحون غيرهم باتهام الرأي في الدين، ومعنى ذلك: أن الدين قد يأتي بشيء تكون الفائدة العظيمة فيه، والنتائج الطيبة تترتب عليه، بينما المسلم لا يشعر بها ابتداء.
محمد بن عبيد هو ابن حساب أو المحاربي، وكل منهما روى عنه أبو داود ، وكل منهما روى عن محمد بن ثور ، ومحمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
و المحاربي صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
وفي تحفة الأشراف: محمد بن عبد الأعلى ؛ لكن هذا ليس بصحيح؛ لأن فيه محمد بن عبد الأعلى يروي عنه أبو داود في كتاب القدر فقط.
[ أن محمد بن ثور حدثهم ].
محمد بن ثور ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن معمر ].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة بن الزبير ].
هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن المسور بن مخرمة ].
المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود الحديث عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، وفيه: (أنهم اصطلحو) أي: الرسول صلى الله عليه وسلم وكفار قريش على وضع الحرب.
قوله: (على وضع الحرب عشر سنين) أي: أن الهدنة والصلح الذي بينهم مدته عشر سنوات يأمن فيها الناس، فيستطيع أن يذهب هؤلاء وهؤلاء، ولا يعتدي أحد على أحد إنفاذاً لهذا العهد، والصلح الذي بينهم.
قوله: [ (وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة) ] يعني: أنهم يلتزمون بمقتضى العقد، ويصير ما بينهم من عداوات ومن إقدام بعضهم على قتال بعض ممتنعاً بمقتضى هذا العقد، فتكون صدورهم وقلوبهم بمثابة العيبة المكفوفة، أي المشدودة على ما فيها من المتاع الجيد والشيء المحفوظ، فكذلك ذلك الاتفاق الذي قد حصل يحفظ في القلوب وفي الصدور ، ولا يعتدي أحد على أحد في هذه المدة بمقتضى هذا العقد.
قوله: [ (وأنه لا إسلال ولا إغلال) ] أي: ليس هناك سرقة ولا خيانة في ظاهر ولا باطن، بل يأمن الناس في الظاهر والباطن فليس هناك خيانة ولا اعتداء، وليس هناك سرقة، وأخذ للأموال خفيةً.
هذا هو معنى هذه الجمل القصيرة التي أوردها أبو داود رحمه الله من طريق المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم .
ثم الصلح مع العدو اختلف العلماء في مقداره وتحديده، فمنهم من قال: إنه عشر سنوات لا يزيد عليها كما جاء في هذا الاتفاق الذي حصل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفار قريش.
ومنهم من قال: إنه يكون سنتين أو ثلاثاً؛ لأن الذي حصل تنفيذه إنما هو هذه المدة، وبعد ذلك حصل نقض العهد من كفار قريش، وبعد ذلك فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك في السنة الثامنة في شهر رمضان، أي: بعد مدة تقرب من السنتين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج في عمرة الحديبية في شهر ذي القعدة سنة ست، وفتح مكة كان في رمضان سنة ثمان، أي: بعد مضي أقل من سنتين.
ثم مما ينبغي أن يعلم أن الصلح الذي حصل بين الفلسطينيين واليهود في هذا الزمان ليس من هذا القبيل؛ لأنه ليس هناك قوة مسلمة وقوة كافرة حصل بينهما صلح، وإنما حصل الصلح بين ظالم ومظلوم، وبين أناس مغتصبين وهم اليهود وبين أناس اغتصبت أرضهم وهم الفلسطينيون، وقد اغتصبت ومضى على اغتصابها عشرون سنة، أي: من سنة ثمان وأربعين إلى سنة سبع وستين، ثم بعد ذلك حصل من بعض الزعماء العرب المتهورين شيء من الغرور، وترتب على ذلك أن اليهود توسعوا فأخذوا الضفة الغربية وأخذوا سيناء وأخذوا هضبة الجولان، فمضى على هذا الاحتلال الأخير ربع قرن من الزمان، والفلسطينيون مشردون بعيدون عن أوطانهم، فإذا أرادوا أن يتفقوا مع العدو الذي اغتصب أرضهم على أن يحصلوا على بعض أرضهم، فإنه لا بأس بذلك، وهو ليس صلحاً بين قوة مسلمة وقوة كافرة، وإنما هو صلح بين ظالم ومظلوم ومغتصب ومغتصب منه.
وإذا جاء الوقت الذي يكون فيه للمسلمين قوة ويستطيعون أن يقاتلوا اليهود ويقضوا عليهم أو يتخلصوا منهم، فإن المجال واسع والباب مفتوح، ولكن بعد أن مضى على الفلسطينيين هذه المدة الطويلة وهم مشردون يحتاجون إلى أن يحصلوا على بعض أرضهم ليبقوا فيها بعد أن مضى على احتلال أرضهم عشرات السنين، ثم حصل هذا الصلح الذي مضى عليه عشر سنوات واليهود يماطلون، ولم يحصل المسلمون على ذلك الشيء الذي يريدونه، ولكن الصلح كما أشرت هو بين ظالم ومظلوم، ومغتصب ومغتصب منه، وإذا كان لا يستطيع أن يحصل حقه كله، فإذا ظفر ببعضه إلى أن يأتي الوقت الذي يتمكن فيه المسلمون من أن يقاتلوا اليهود ويرفعوا راية الإسلام؛ فعند ذلك يحصل ما يحصل من الخير، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لا بد أن يقتتل المسلمون واليهود، وأن الحجر والشجر يقول: يا مسلم! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله).
وقد أفتى شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه بجواز هذا الصلح، واعترض عليه بعض المعترضين الذين ليس عندهم إلا حماس وعواطف، وليس عندهم فهم للشريعة وأحكامها! وكما قلت: هو صلح بين مغتَصِب ومغتَصَب، وهذا نظير ما لو أن لصوصاً اعتدوا على إنسان وسلبوا كل ما بحوزته من النقود وتركوه خالي الوفاض ليس له شيء، ثم صار بحاجة إلى أن يحصل على شيء مما أخذوا منه، فقالوا: نعطيك بعض حقك، فهل يقبل بعض حقه أم يقول: إما أن تعطوني مالي كله أو أتركه كله؟ كونه يأخذ بعض حقه ويستفيد منه أولى من كونه لا يحصل على شيء من حقه.
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن إدريس ].
هو عبد الله بن إدريس الأودي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت ابن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة بن الزبير ]
هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المسور بن مخرمة ].
المسور بن مخرمة رضي الله عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ ومروان بن الحكم ] .
وهو الخليفة، وقد قال عروة بن الزبير : إنه لا يتهم في الحديث، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.
أورد أبو داود حديث ذي مخبر رضي الله تعالى عنه أنه جاءه جبير بن نفير ومعه غيره يسألونه عن الهدنة، أي: الهدنة التي تقع بين المسلمين والنصارى، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستصالحون الروم) وهم النصارى.
وقوله: [ (صلحاً آمناً) ] أي: يحصل الأمن بينكم وبينهم بمقتضى هذا الصلح، وهذا هو محل الشاهد للترجمة؛ لأن النصارى كفار، وهم أعداء المسلمين، ومع ذلك يحصل بينهم صلح، وهذا في آخر الزمان.
قوله: [ (وتغزون أنتم وهم عدواً من روائكم) ].
يعني: عدواً مشتركاً للمسلمين والنصارى، وليس معنى ذلك أنهم يغزون للجهاد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، ولإدخال الناس في دين الله؛ لأن النصارى أنفسهم كفار، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ارجع فلن أستعين بمشرك) وإنما المقصود: أن هذا عدو مشترك للجانبين، وأن أولئك المتصالحين تعاونوا على ذلك العدو المشترك.
قوله: [ (من ورائكم) ] هذا يحتمل أن يكون من خلفهم ويحتمل أن يكون من أمامهم؛ لأن (وراء) تأتي بمعنى الأمام.
وقد أورد أبو داود الحديث في كتاب الملاحم في آخر الكتاب، وذكر في آخره أنهم عندما ينتصرون أو يغنمون أو يسلمون يأتون قافلين حتى إذا صاروا في مرج ذي فلول قام واحد من النصارى ونادى: انتصر الصليب!
فيقوم رجل من المسلمين فيكسر الصليب الذي معه، فعند ذلك ينقض الروم العهد ويجمعون لقتال المسلمين، فيقتلون المسلمين قتلاً ذريعاً، وهذا لم يحصل إلى الآن، ولكنه لا بد أن يحصل كما أخبر بذلك الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا عيسى بن يونس ].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأوزاعي ].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو ، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن حسان بن عطية ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ خالد بن معدان ].
وهو ثقة عابد يرسل كثيراً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جبير بن نفير ].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ انطلق بنا إلى ذي مخبر ].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر