إسلام ويب

لو أن الله هدانيللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الهداية منحة إلهية، يهبها الله لمن يشاء، فهي ليست أمنية يتمناها العبد، وينتظرها حتى تأتيه، بل هي إقبال على الطاعات، وابتعاد عن المعاصي والمنكرات، والمسارعة بالتوبة والأوبة والخضوع والانقياد، والقبول والاستسلام.

    1.   

    المسارعة إلى الله قبل الندم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها الإخوة في الله! يقول الله عز وجل: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13] ويقول عز وجل: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس:99] ويقول عز وجل: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].

    اتصل بي شابٌ مؤمنٌ هداه الله ووفقه إلى الصراط المستقيم، وقال لي: إنه دعا أحد إخوانه في الله إلى الإيمان، وإلى الهداية والالتزام، فتعلل بهذه التعللات، واستشهد بهذه الآيات، وقال: إن الله لم يهده. فيقول لي الأخ: كيف أصنع به؟ وبماذا أجيب عليه؟

    الإجابة على مثل هذا الذي يقول: إذا هداني الله اهتديت .. لو أن الله هداني لكنت مثلك أو أحسن منك؛ لكن لم يهدني الله إلى الآن.

    الجواب جاء في القرآن الكريم -وكأنه يعالج مثل هذه المشكلة، ويجيب على هذا التساؤل- في آخر سورة الزمر، يقول عز وجل: وَاتَّبِعُوا هذا أمر لكم أيها المكلفون أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الزمر:55] وأحسن ما أنزل هو كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم مِنْ قَبْلِ أي: فليس هناك مجال للتأخير أبداً، إن من يماطل أو يؤجل التوبة، لحظة واحدة خاسر؛ لأن التأجيل ليس من صالحه، التأجيل يعرضك لقضيتين خطيرتين: إما مفاجأتك بالقضاء والقدر على غير موعد، فتخسر خسارة كبيرة، وتندم ندامة لا تعوض، ولا تقوم لها الدنيا كلها، وإذا سلمت من الموت ولم تتب؛ فإنك تخسر خلال فترة التأجيل وقتاً ذهبياً من عمرك كان بإمكانك أن تستغله، وأن تملأه بالعمل الصالح، فالذي يماطل بالتوبة خاسر على الجانبين، ماذا يكسب عندما يظل بدون توبة؟ يكسب نوماً كثيراً، وأكلاً كثيراً، وشهوات كثيرة، ودنيا؟!!

    لا. بل إنه يخسر كل شيء، يقول الله عز وجل: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ يعني: ماذا يضرهم لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً [النساء:39] يعني: ماذا ينقصهم ويضرهم لو أنهم ساروا على الخط الصحيح، والتزموا الإيمان بالله وباليوم الآخر، والإنفاق في سبيل الله .. ما الذي يضرهم؟! لا شيء، بل لهم لا عليهم، فالإنسان لا ينبغي له أن يؤجل التوبة وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ [الزمر:55] يعني: الموت، وسماه الله عذاباً لأنهم في دائرة العذاب .. الموت للكافر والفاجر والعاصي هو الانتقال من العذاب الأدنى إلى العذاب الأكبر، الذي قال الله فيه: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:21] فالعذاب الأدنى ما يناله الفاجر والعاصي من شقاء وضلال وقلق في هذه الدار، فإذا مات قال الله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ [الزمر:54] من يستطيع أن ينصرك في تلك اللحظات؟ إذا مت ولقيت الله أيها العبد! ووجهك أسود، وصحفك سوداء، وعملك سيئ .. فمن ينصرك؟! هل المال ينصر في تلك اللحظات؟! الولد ينصر؟! هل المنصب والجاه، والملك والإدارة، والوزارة والإمارة؛ تنصر؟! لا. لا ناصر أبداً إلا الله.

    والله تعالى لا ينصر الكافر؛ لأنه قال: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] نصرهم في الدنيا والآخرة، أما الفجرة فلا ينصرهم الله، بل يخذلهم ويتخلى عنهم أحوج ما يكونون إليه.

    الدعوة إلى الإنابة والرجوع إلى الله تعالى

    وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ [الزمر:54] (وأنيبوا) أي: ارجعوا، والإنابة هي: سرعة التوبة، ليس تائباً فقط، بل منيباً مهرولاً إلى الله، مسرعاً لا يلوي على شيء، اتجاهه وعزمه وتصميمه في سيره إلى الله، في كل لحظة يتوب، يقول عليه الصلاة والسلام: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) ويحسب له في المجلس الواحد الاستغفار سبعين مرة وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال الله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً [الفتح:2] وكان في كل أوقاته يردد: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، كان رجوعاً أواباً.

    وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ [ق:31-32] يعني: الجنة لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ [ق:32] أواب يعني: رجاع، حفيظ: محافظ على طاعة الله، حريص عليها، يضن بها أعظم من ضنه بالدرهم والدينار مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ [ق:33-34] نسأل الله من فضله، وهذا هو الشرف والفضل يا أخي!

    إذا مت ورأيت في بيتك ملائكة الجنة معها كفن من الجنة، وجاءك ملك الموت، وقال لك: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27-28] والله لا تحزن على شيء، تحزن على ماذا؟ على الزوجة؟ تحزن على واحدة والله سيعطيك في الجنة سبعين زوجة، الواحدة منهن خيرٌ من الدنيا وما عليها؟ والله ما عاد تذكر واحدة في هذه الدنيا إلا إن كانت صالحة، ويجعلها ربي معك في الجنة.

    أتحزن على عمارة أو بيت والله سيعطيك قصوراً في الجنة من در مجوف، طول القصر ستين ميلاً في السماء؟ أتحزن على مزرعتك والله يعطيك مزرعة في الجنة، الغصن الواحد من شجرة الجنة مائة عام يقطعها بصرك، وأنت جالس تبصرها على مسافة مائة عام؟!

    تصوير المعرضين عن التوبة وتحسرهم بعد الموت

    لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق:32-33] منيب: خاشع خاضع لله، يبكي من خشية الله .. لا يتعاظم على الله .. لا يتعالى على أوامر الله، إنما يرتعد، يخاف، يوجل، يشفق، كأن النار ما خلقت إلا له، يتصور أن الناس كلهم ناجون وأنه هو الخاسر، ويتصور أن الناس كلهم صالحون وأنه هو الفاسق، ويتصور أن الناس كلهم سيدخلون الجنة وأنه في النار، ولهذا في قلبه مثل النار.

    لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق:32-33] هذه صفات أهل الإيمان أربع صفات: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:34-35].

    يقول الله عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الزمر:53-55].

    مسرع بالسيارة، وفجأة بنشرت العجلة، ليس عندك حساب أو تخطيطات للموت، كل حساباتك للدنيا، كثير من الناس يموت وفي باله كل شيء إلا الموت، في باله الوظيفة، والزوجة، والعَشاء، والأولاد، ولكن أن يأتيه الموت بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الزمر:55] من غير أن تتصوروا أو تعقلوا.

    أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ [الزمر:56] أي: لئلا تقول نفسٌ، وهنا نفس نكرة، أن تقول أي نفس عند الموت يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56] يتمنى ويتحسر ويتندم على ما فرط في جنب الله، ما الذي فرط فيه في جنب الله؟ إما بارتكاب معصية، أو بترك طاعة.

    (يا حسرتى) هل يريد أحدنا يا إخواني! أن يقول هذه الكلمة عند الموت؟ والله ليس هناك عقل عند الإنسان الذي يعيا إلا على المعاصي والذنوب، ونقول له: يا أخي! اتقِ الله لا تزنِ، لا ترابِ، لا تترك فريضة، لا تعق والديك، لا تقطع رحمك، يقول: لا. يعني: فهل تستمر حتى تموت؟ وبعد ذلك تأتيك التحسرات وتقول: (يا حسرتى) هل تنفعك هذه التحسرات؟ هل تغني عنك وتنفعك هذه الأشياء؟ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ [الزمر:57-58] إذا رأيت النار ومنزلها لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً [الزمر:58] يطلب فرصة ثانية، يطلب إمهالاً لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً [الزمر:58] يعني: رجعة إلى الدنيا فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:58] أرجع فأعمل عملاً صحيحاً، اعمل الآن إن كنت صادقاً، هب أنك مت، وأنك دخلت القبر، وأنك رأيت مصيرك وقلت: ردني يا رب، فالآن .. ردك ربي، لا زلت حياً!

    وبعد ذلك قال: أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي [الزمر:57] هذا الشاهد من الآيات، مثل الذي يقول له: يا أخي! اتقِ الله، قال: لو أن الله هداني لكنت مثلك، هذا العذر يقوله الآن ويقوله إذا مات، يقول هذه الكلمة: يا رب! لو أنك هديتني لكنت مع الناس: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [الزمر:57] قال الله عز وجل جواباً على هذا المكابر: بَلَى يا كذاب بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي [الزمر:59] أي: قد هديتك، قال المفسرون: معنى: (جاءتك آياتي) أي: هديتك إليها بآياتي.

    1.   

    حقيقة الهداية ومعناها

    معنى الهداية أي: الدلالة، يعني: لو أن أحداً لقيك في الطريق يقول لك: أين مسجد اليحيى؟ فتقول له: هذا الطريق وتدله عليه، لكنه بدلاً من أن يأتي من هنا، ذهب من الطريق الأخرى، وبعد ذلك ظل يبحث عنه إلى نصف الليل، وبعد ذلك لقيك فيقول: يا أخي! أين مسجد اليحيى؟

    تقول: من أين جئت أنت؟

    قال: جئت من هنا.

    حسناً! ألم أقل لك أن تسير من هنا، هل أنا هديتك؟ بلى! قد هديتك إلى المسجد، قد دللتك على الطريق، لكنك خضت شرقاً، وأنا أقول لك: اتجه غرباً لتصل إلى المسجد، فالله عز وجل يقول: (( بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي ))[الزمر:59] أي: قد هديتك إليَّ ولكن كذبت بها وتنحيت، تسمع آيات الصلاة وترفضها، تسمع آيات الزكاة ولكن المال عندك أحب من الله، كثير من الناس ليست الزكاة في حسبانه وعنده آلاف الريالات، وعشرات الآلاف، ولا يتصور أن الزكاة تجب إلا على الأثرياء، وأصحاب الملايين، ومتى تزكي؟ قال: ليس عندي شيء، كيف ما عندك شيء؟ عندك النصاب، النصاب لا يخلو منه جيبك في سائر العام، من هو الذي يخلو منا جيبه خلال العام كله من (56) ريالاً؟ هذا هو النصاب، إذا بلغ في جيبك (56) ريالاً وحال عليها الحول، يعني: دارت السنة وفي جيبك (56) أو أكثر تجب عليك الزكاة.

    أبو بكر يقول: [والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه] أي: لاستبحت دماءهم من أجله، تأتيك آية الصوم والحج والبر، وترك الزنا .. الربا .. الحرام .. التبرج، هذه آيات الله جاءتك .. الله هداك، قال: اعمل هكذا ولا تعمل هكذا، هذا معناه أنه هداك، هذا معنى الهداية.

    التصور الخاطئ لمعنى الهداية

    بعض الناس يتصور أن معنى: (الله هداني) أي: أن يسلبك الإرادة ويجعلك إنساناً آلياً تعبد الله بدون اختيار! ليس لك جنة إذا سلب الله منك الاختيار، كيف يجعل الله لك جنة وأنت تعبده بدون اختيار؟ وهذا معنى قول الله عز وجل: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا [السجدة:13] يعني: لو أردنا لسلبنا الإنسان القدرة على الاختيار، ولجعلناه آلياً في حركته يعبدنا بدون اختيار، ولكن هذه ليست حكمة الله؛ حكمة الله اقتضت أن يعطيه القدرة والاختيار، وجعل له جنة وناراً، والجنة والنار للإنس والجن من بين سائر الخلائق؛ الملائكة .. السماوات .. الأرض .. الشمس .. القمر .. الليل .. النهار .. النجوم .. الشجر .. الدواب .. الحجر .. البحار .. الأنهار، كم خلق الله في الأرض؟ لكن لا يدخل الجنة والنار شيء منها، كلها تؤدي دورها في الحياة لخدمة الإنسان؛ لأن الله عز وجل قال: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [الجاثية:13] فإذا أغلقت الحياة، فالحيوانات تصبح تراباً، والشمس تكور، والنجوم تكدر، والأنهار تفجر، والبحار تسجر، وكلها تتغير ويأتي بك أنت يا (أبا اختيار) أنت الذي لك قدرة على أن تطيع، ولك قدرة على أن تعصي، فيقول: ماذا فعلت؟ أنا أعطيتك القدرة، وكرمتك، وفضلتك، وما جعلتك إنساناً آلياً، بل جعلتك سيد الكائنات، وجعلت لك القدرة على أن تسير في طريق الخير وطريق الشر، فماذا عملت؟ ماذا كنتم تعملون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ هذان سؤالان.

    فبعض الناس يتصور يقول: إن معنى الهداية أن الله ينزل ملكاً من الملائكة، ويربط في رقبتك حبلاً ويقول: سقه إلى المسجد كل صلاة، هذا ليس من حكمة الله؛ حكمة الله أنه بين لك الطريق، وأعطاك القدرة، وحين يسلبك القدرة يسلبك التكليف، انظروا حكمة الله، فالمجنون الذي ذهب عقله هل يعاقب؟ لا. لأنه ليس عنده القدرة على الاختيار، مسكين لا يدري: (رفع القلم عن ثلاثة) والقلم يعني: المؤاخذة والمسئولية، رفعت عن ثلاثة أصناف: (عن الصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ) إذا أفطرت في رمضان ناسياً، كأن جئت إلى البيت وأكلت أرزاً ولحماً، ولما أكملت تذكرت: كيف أكلتُ وأنا صائم؟ يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما أطعمه الله وسقاه) كل واشبع، لكن ليس عليك إثم، لماذا؟ لأنك أكلت وأنت ناس، والله لا يعاقبك وأنت ناس، إذا احتلمت في نهار رمضان وأنت صائم، فتقوم وتغتسل، ولا شيء عليك، لماذا؟ لأن الله سلبك الاختيار في تلك اللحظات، فأرغمك على فعل شيء من غير اختيار.

    كيف يرغمك على فعل شيء ثم يؤاخذك ؟ هل هذا معقول في حق الله وهو العدل؟ هل هذا معقول في حكم البشر الآن؟

    لو جئت من الخميس إلى الجولة، ووجدت رجل المرور يمنع الاتجاه إلى داخل الممساء، سيارات المرور واقفة، والإشارات شغالة، والعساكر يقولون: الاتجاه على المنهل، أنى اتجهت وجدت العسكري واقفاً يقول: لماذا تأتي من هنا؟ تقول للعسكر: ردوني، لا. أنت غلطان، هات مائة ريال، معقول يفعل المرور هذا، مدير المرور معقول أنه يسد الخط الداخل إلى أبها ، وحولوا الناس على طريق الطائف، والذي يأتيكم فخذوا منه جزاء؟ ليس معقولاً، ولو كان مجنوناً، وإذا فعل ذلك مدير المرور، ماذا نقول له؟ هل نطيعه؟ لا. بل نقول: والله لا نعطيك، لماذا؟ لأننا ما أخطأنا، أنت الذي أجبرتنا أن نمشي من هذا الخط وتريد أن نعطيك نقوداً، والله لا نعطيك نقوداً ولو دخلنا السجن؟

    فهل يعقل أن الله عز وجل يجبرك على سلوك طريق معين ثم بعد ذلك يدخلك النار؟ لا. متى يجوز للمرور أن يعاقبك؟

    إذا وضع لك لوحة وفيها علامة إكس، وبالعربي تحتها ممنوع الوقوف، وأتيت ووقفت، يأتي يمسكُ السيارة ولا يفكها إلا بثلاثمائة ريال، ولما تأتي، لماذا قيدت أو أمسكت السيارة يا مرور؟ قال: انظر اللوحة، تقول: والله أنا آسف ضع عني هذه المرة، يقول: لا. هات ثلاثمائة، فتعطيه، ولا تقدر أن تتكلم عليه بكلمة واحدة؛ لأنك مخطئ، رأيت الإشارة واللوحة وجلست متحدياً للنظم والتعليمات، فتستحق الجزاء.

    جعل الله المرء مختاراً للخير والشر؛ لقيام الحجة عليه

    إن الله تبارك وتعالى -وله المثل الأعلى- أعطاك طريقين: طريقاً باتجاه اليمين وله علامات: صلاة .. صيام .. زكاة، هذه لوحات، علامات الطريق، وطريقاً باتجاه الشمال ممنوع الاتجاه إليه .. خطر .. خط أحمر: الزنا خطر، الحرام خطر، وأتى أحد الناس وقال: يريد أن يسلك هذا الطريق، امش في الطريق هذه، انظر هذا الاتجاه الصحيح، قال: لا. أريد أن أغني، لماذا تغني؟ الآخرة مستأخرة، حسناً! غن، لكن بعد ذلك والله ستخرج هذه الأغنية دماً من ضلعك كما جاء في حديث عمرو بن قرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن هذا وأمثاله يقومون يوم القيامة عرايا لا يستترون بهدبة، كلما قاموا صرعوا، ولهم عواء كعواء الكلاب) يعوي مثلما كان يعوي في الدنيا على الجنس، يعوي على الغناء، يعوي في النار ويضرب بالسياط، ويقيد بالسلاسل والأغلال، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    فالله عز وجل يجيب على هذا وأمثاله ممن يحتجون بأن الله ما هداهم، قال الله تعالى: بلى! والله هديناك؛ هديناك يوم أن خلقناك بالفطرة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة) ما هي الفطرة؟ الفطرة هي الإسلام، ولهذا قال: (فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) ولم يقل: أو يمسلمانه؛ لأنه مسلم في الأصل، لكن أبواه يجعلانه إما يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً، يعني: على دين الأبوين، وهو مسلم، وفي صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: (إن الله يقول: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين) أي: أخرجتهم عن الحنيفية السمحاء، التي هي الدين الإسلامي، فالله خلقك وأودع فيك سلوكاً إسلامية، وركب طبيعتك على الإسلام، لتقوم عليك الحجة أكثر، أنزل لك كتاباً، وأرسل لك رسولاً، ومكنك من سلوك طريق الخير، وعدم سلوك طريق الشر، فلو أن أحداً من الناس، بمجرد ما يؤذن للصلاة يريد أن يصلي، لكن أصابه الله بمرض في قدميه، لا يستطيع أن يمدها، ما رأيكم في الإسلام، يقول: اذهب صل غصباً عنك، وإذا قعدت في البيت نجازيك بجزاء؟ ما دام أن الله عز وجل عطل فيك القدرة على أن تأتي إلى المسجد فصل في البيت، والمريض يصلي في بيته، فأركان الصلاة أربعة عشر ركناً، منها: القيام، لكن مقيد مع القدرة، لو صلى أحدُ الناس جالساً وهو يستطيع أن يقوم فصلاته باطلة، لكن إذا مرض فالذي أمرضه هو الله، حكم عليه بالمرض، والله أمره بالصلاة قائماً، فكيف يعاقبه إذا لم يصل قائماً وهو الذي أمرضه؟ فيسقط عنه التكليف بالقيام، صل قاعداً، ما استطاع أن يصلي قاعداً، فيصلي على جنب، ما استطاع على جنب فيومئ إيماءً بعينه.

    وآخر -مثلاً- بمجرد ما يرى المرأة في الشارع، ويريد أن ينظر بعينه، من قدرة الله أن ركب له بابين (أوتوماتيك) على العين يغطي العين بهما، فتقول: يا رب! والله لم أستطع أن أغطي عيني، بل يجب أن تغض بصرك، لو أن أحداً أراد أن يغض، ولما غض تفتحت عيونه، فالله لا يحاسبه، لماذا؟ لأنه ليس من اختياره، ولكن في قدرته أن يغض بصره.

    فالله تعالى يقول: يا من يدعي أن الله ما هداه: بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي [الزمر:59] بلى قد هديتك، بلى قد دللتك عليَّ، ولكن بدلاً من أن تأخذ آياتي هذه وتهتدي وتعمل بها كذبت، فتركت القرآن، وتركت السنة، وملت إلى الأغاني والمنكرات والمعاصي والأفلام، وصرت عبداً للشيطان يركب على رقبتك، ويذهب بك في كل حفرة ومتاهة، وإذا قال له أحد شيئاً، قال: إذا هداني الله، كيف إذا هداك؟ قد هداك: بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ [الزمر:59].

    علم الله بمآل المرء إلى شقي أو سعيد هو علم سابق لا سائق

    وآخر يقول: ربما أن الله كتبني يوم أمر الملك بكتابة رزقي وأجلي وعملي، وشقي أو سعيد، أنني شقي، قلنا له: لماذا تتوقع أنك شقي؟ لماذا لا تتوقع أنك سعيد؟ لِمَ تحتمل الخيار الأسوأ ما دامت القضية محتملة؟

    ومعنى الكتابة هنا أي: سبق العلم لا الإلزام؛ لأن الكتابة كما يقول العلماء سابقة لا سائقة، يعني: أن الله علم أنك سوف تأتي وتفجر، وتكون نهايتك بعد فجورك النار، فكتب أنك شقي، وليس معنى هذا أن الله كتبك أنك شقي أنك لا تستطيع أن تطيع الله، فسبق العلم صفة من صفات الله، إذ أن الإنسان إذا كان لا يعلم الذي في المستقبل والله لا يعلم، ففي هذه الحالة سيستوي الإنسان مع الله؛ وهذا محال، من الذي يعلم ما الذي يصير غداً؟ إنه الله، هذه صفة كمال في الرب؛ أنه يعلم ما سيحدث في المستقبل، فالله يعلم أنه سيأتي أحد من الناس ويعيش، ويكون عمله سيئاً وتكون نهايته أن يكون شقياً، فكتب عليه علماً وأزلاً أنه سيكون شقياً بما علمه الله من عمله، لا بما جبره الله وألزمه أنه لا يكون إلا عاصياً، فهذا يقول: ربما أن الله كتب عليَّ أن أكون شقياً، ولهذا أصبح مع الأشقياء، أتعرفون ما مَثَلُ هذا؟

    مثل هذا كمدرس في بداية العام الدراسي، تعرفون أن المدرسين وبعض الموظفين تقدر لهم العلاوة الدورية على ضوء تقييمهم، على ضوء تقرير الكفاءة في آخر السنة، مدير المدرسة يأتي بنقاط التقييم ويقيس المدرس يشرِّحه واحدة واحدة: مظهره، أداؤه، دوامه، إخلاصه، تفانيه، إنتاجه، ويأتي به ويضع له كل شيء، بعض المدراء يضع بالكريك، لكل المدرسين ستة ستة ستة، وهو لا يساوي صفراً، ولكن يقول: يا شيخ! الله الرزاق وهو كريم، ولذلك لا يعرف الطيب من البطال بهذا التقييم، التقييم أمانة في عنقك أيها المدير، فلا تظلم الدولة فتعطي أحدهم تقييماً وهو لا يستحق، ولا تظلم المواطن أو المدرس فتعطيه تقييماً أقل مما يستحق، أعطه ما يستحقه من أجل أن يكون هناك تفاضل بين الناس، عندما يأتي المدرس الممتاز ويأخذ علاوة أكثر بـ(5%)، ويأتي المدرس الجيد جداً ويأخذ علاوة (4%) من راتبه، ويأخذ المدرس الجيد (3%)، والبقية محرومون -أي: المتوسط والضعيف- يأتي هذا الذي أخذ متوسطاً السنة المقبلة فيأخذ ممتازاً ويأخذ علاوة، لكن عندما تضع للضعيف (100%)، والممتاز (100%)، قال ذاك: والله إني أجتهد، وإن فلاناً بليداً وأنه مثلي، إذاً.. نصير بلداء سواء، ما دام القضية سواء، فيأتي المدير بنقاط التقييم ويضعها، وفي نهاية السنة يعطى للموظف العلاوة الدورية، على ضوء عدد العلامات، فهناك أحد المدرسين من أول السنة لا يحضر في طابور الصباح، ولا يأتي الحصة الأولى إلا وقد ضاعت نصفها، وقبل أن تصفر بربع ساعة يخرج على الباب، ويتلفت على المراقب، وبعد أن تصفر يتهرب، ويجلس في الإدارة، وبعد ذلك صفرت والمدير يقول له: قد بدأت الحصة يا إخوان، قال: حسناً! ويمشي بتباطؤ، يريد أن يصل إلى الفصل بعد ربع ساعة، وإذا دخل، قال: ما عندكم يا أولاد؟ من الذي عنده خبر جديد؟ هل سمعتم أخباراً جديدة؟ قالوا: يا أستاذ! حصة قرآن، قال: صحيح قرآن، لكن أولاً نرى ما هي الأخبار الجديدة، وهو يهمه أن يفوت الحصة بأي وسيلة، وبعد ذلك جاءه أحد المدرسين من زملائه، قال له: يا أخي! أنت مهمل في دوامك، وأدائك، وتدريسك، فلماذا هذا الإهمال؟ قال: ربما المدير يضعني آخر السنة ضعيفاً، ولهذا سوف أكون ضعيفاً من الآن، لماذا أتعب نفسي، وفي الأخير يضعني ضعيفاً في آخر السنة؟ أنا سوف أرقد، أنت فقط تحضر وتتعب وتشتغل وفي الأخير تجد نفسك في آخر السنة ضعيفاً، بالله ما رأيكم في هذا المدرس أهو مجنون أو عاقل؟ مجنون، نقول لك: يا مدرس! أنت واجبك أن تعمل، وواجب المدير أن ينصف، وأن يعطيك بالميزان، مثلما تعمل تأخذ.

    أما أن تهمل خوفاً من أن يضعك المدير ضعيفاً فهذا غلط.

    ومثال آخر يقرب المعنى أكثر: مدرس دخل على طلابه، من أول العام الدراسي، وبدأ يصنفهم إلى مجموعات وفئات: الجيدين يضعهم في الوراء، والكسالى يقربهم منه من أجل أن يعطيهم مزيداً من الاهتمام، ويركز عليهم، حتى ينتشلهم من وضعهم، إلى وضع أحسن، وبعد ذلك دخل عليه يوماً من الأيام مدير المدرسة، واختبر الطلاب ورأى مستواهم، انبسط، وقال له: يا أخي! الطلابُ عندك كم؟ قال: ثلاثون طالباً، قال: كم تتوقع نسبة النجاح فيها، وكم تتوقع نسبة الرسوب؟ فالمدرس بحكم معرفته -قد درسهم وعرفهم واحداً واحداً، وعرف الطيب والبطال- قال: أتوقع أن ينجح ثمانية وعشرون طالباً، وهناك اثنان ربما رسبوا، وهو يعرفهم المدرس، فواحد من طلاب الفصل، لما سمع الكلمة، ترك المذاكرة والدروس، ولا يحل واجباته، ولما جاء آخر السنة وسقط، قالوا له: مالك سقطت؟ قال: إن المدير قال في أول السنة: إن هناك اثنين سيسقطون، فتوقعت أني واحدٌ منهم، فلم أتعب نفسي بالمذاكرة، وبعد ذلك أسقط في آخر السنة، ما دام أن هناك اثنين سيسقطون ربما أني منهم، حسناً! لماذا ما يمكن أن تكون من الثمانية والعشرين الذين سينجحون؟

    لكن انهزام الإنسان أمام شهواته، وحبه للخلود والراحة والأغاني، والأكلات والنومات والتمشيات، هذا يجعله يقول ربما أكون شقياً، لكن لو أنه أخذ بالعزيمة واحتمل أن يكون -إن شاء الله- سعيداً، وبعد ذلك كون الإنسان شقياً أو سعيداً في الأزل، هذا ليس من اختصاصنا، هذه ليست داخلة في دائرة اهتماماتنا، ما هو اختصاصك أنت؟ اختصاصك أن تطيع الله ولا تعصه فقط، وعندك يقين بعد هذا أن الله لا يظلم مثقال ذرة.

    أما أن تجلس وتبحث في علم الله، وماذا كتبتني يا رب، شقياً أم سعيداً؟ هذا ليس من شأنك، أنت عبد خلقك الله لعبادته، وبين لك الطريق إليه، وأعطاك القدرة على السير في الطريق، سر في الطريق، فعندك عقيدة ومن ضمن صفات الله العدل إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] .. فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195] لا يضيع الله عملَ عامل، فقط امش في الخط الصحيح، واعمل عملاً ووفر فيه شروطَ القبول، وهي: الإخلاص لله، والمتابعة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وابتعد عن شيء ثالث مهم يهمله الناس، لا ينفعك العمل في الآخرة إلا بانتفاء الموانع وإبعاد المبطلات؛ لأنك قد تعمل عملاً صالحاً، أردت به وجه الله مخلصاً، وسرت به على هدي رسول الله مقتدياً، ولكن بعدما فعلته أبطلته ونسفته، كيف تنسف العمل؟

    بمبطلات كثيرة، منها: الشرك، والرياء، والمنّ والأذى .. تصل إلى ثلاثين مبطلاً، وسوف يكون هذا الموضوع دروساً بإذن الله بعنوان: مبطلات العمل، ما هو الذي يبطل العمل؟ تعمل عملاً حسناً؛ لكن بعدما تنتهي ترجع وتنسفه، يعني: كرجل يصلي صلاة حسنة، ثم يذهب يخبر بها الناس، أو يرائي بها فإنه ينسفها، وأحدهم يتصدق صدقة ويخفيها، وبعد ذلك يذهب ويمنُّ بها فيبطل صدقته: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة:264] تؤذي هذا كلما تصدقت عليه، أو تمن عليه كلما لقيته، فدورك ومسئوليتك أن تعمل عملاً صالحاً، وتترك السيئات والمعاصي، وبعد ذلك يكون عندك يقين وجزم على أن الله لا يظلم أبداً: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20].

    هذا الجواب قلته لأخي الكريم! الذي سألني، وأقوله لكم ليكون جواباً حاضراً في أذهانكم على من يقول: لو أن الله هداني.

    نقول له: قد هداك الله، لكنك لا تريد أن تهتديَ: وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا [لقمان:23] .. وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النمل:70] .. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128].

    كنت أود هذه الليلة، أن يكون الكلام على سبب من أسباب عذاب القبر؛ لأنه بقي عندنا سببان، لكن كثرة الأسئلة، وبمراجعتها وجدت أنها مهمة جداً، وأن إهمالها ليس فيه مصلحة؛ فإن الأسئلة تنبع من حاجة، فهذا الذي يسأل سؤالاً، معنى ذلك أن في قلبه حاجة، ويريد أن يجاب على سؤاله، فوجدت أن الضرورة تقتضي أن أجيب على الأسئلة، والموضوع الذي كان ينبغي أن نأخذه في هذه الليلة نؤجله إلى الأيام القادمة بإذن الله عز وجل.

    1.   

    الأسئلة

    حكم مناوبة السماع بين الأشرطة الإسلامية وأشرطة الأغاني

    السؤال: ما رأيكم فيمن يجمع في سيارته وفي بيته الأشرطة الإسلامية وأشرطة الأغاني، ويسمع هذه فترة وهذه فترة؟ اذكر طريقة تبعدني عن الأغاني قليلاً قليلاً؟

    الجواب: لا يوجد قليلاً قليلاً، ما رأيكم لو كان عندك نار تشتعل وجلست تطفئها قليلاً قليلاً، هل نقول: أطفئ النار قليلاً قليلاً, أو صب الماء صباً؟ أنت الآن تغني، وواقع في طريق النار، أبعدك قليلاً قليلاً، أم أبعد مرة واحدة، ليس هناك قليل قليل، تب إلى الله بسرعة، بدون قليلاً قليلاً، لا يصح أن تسمع أغاني وقرآناً، يقول ابن القيم:

    حب الكتاب وحب ألحان الغنا     في قلب عبدٍ ليس يجتمعان

    وفي حديث ابن مسعود والحديث مرفوع، وقيل موقوف على ابن مسعود، قال: [لا يجتمع حب القرآن وحب الغناء في قلب عبد مؤمن] والذي يجتمع ذلك في قلبه، فيريد أن يغني ويريد أن يستمع أشرطةً إسلامية، في النهاية الغلبة للأغاني؛ لأن القرآن لا يحل في القلب الخرب؛ لأن القرآن نظيف، الآن لو أتيت بنجاسة وطيب، ووضعتهما في قارورة، ما الذي يبقى في القارورة؟ النجاسة، والطيب يتبخر ولا يبقى، الحق لا يتعايش مع الباطل، لا تجتمع في إناء واحد، كما يقول بعض الناس: ساعة لربك وساعة لقلبك، هذا شرك، ليس هناك ساعة لقلبك وساعة لربك، الساعات كلها لله؛ لأن الله تعالى يقول: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] فالساعات كلها لله، الصلاة لله، وآكل لله، وأنام لله، وأستيقظ لله، والعمل في المكتب لله، والدراسة لله، والنزول للسوق لله، والنظر لله، والتأمل.. كل شيء في حياته لله، يقول ابن مسعود: [إني أحتسب على الله نومتي وقومتي] أما التشليح والتجزئة في الدين، ساعة لربك وساعة لقلبك، صل قليلاً وغن قليلاً، واسحبني قليلاً في الغناء، هذا لا يصلح، ولا يجوز لك يا أخي المسلم! يا من تسمع الأغاني: لا تجمع بينها وبين الأشرطة الإسلامية.

    ونقول لك: تب إلى الله، واجمع الأشرطة الخبيثة هذه التي في سيارتك وبيتك، واذهب بها إلى الاستريو الإسلامي واجعلهم يغيرونها، واسمع كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنك إذا استمريت على هذا فإنه خطر جداً؛ لأن الشيطان يستفزك بالغناء؛ لأن الله عز وجل يقول: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ [الإسراء:64] ما هو صوت الشيطان؟ هذه الأغاني بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرب.

    أهمية عرض الشريط الإسلامي على الناس

    السؤال: أرجو من أصحاب التسجيلات وبيع الأشرطة الإسلامية، عرض هذه التسجيلات يوم الجمعة، أو في يوم الثلاثاء، أو بعد الندوات، لتظهر الفائدة على الناس؛ لأن معظم الناس لا يعلم أن هناك أشرطة دينية؟

    الجواب: هذه هي الحقيقة، الأخ جزاه الله خيراً يلفت النظر إلى هذا، وهو مهم حقيقةً، أنا ذهبت إلى الرياض، وإلى جدة ومكة، ولاحظت عقب كل محاضرة أو ندوة، أو كل مسجد نخرج منه والسيارات واقفة، وعليها عنوان المحل المرخص له من قبل السلطة؛ لأنه لا يصلح أن كل واحدٍ يبيعُ أشرطة، فلابد من مسئولية تركز على كل واحد يبيع، حتى لا يبيع لنا أشرطة فيها سم وشيوعية وإلحاد، وزندقة.

    لا بد من تحديد المسئولية، يوجد أناس يبيعون أشرطة إسلامية تدعو إلى الله، فيأتون بسيارات ومكتوب عليها مثلاً: تسجيلات الهدى، تسجيلات الفرقان، وبعد ذلك يجلس الواحد ويبيع الأشرطة الإسلامية، هذه طيبة جداً، بعد الندوة وأنت خارج تجد شريطاً وتأخذه، ربما يبعد عنك المحل، وقد رأيتها في الرياض، ومكة وجدة لكنها غير موجودة في أبها.

    كتاب فقه السنة محاسنه والمآخذ عليه

    السؤال: ما رأيكم في كتاب فقه السنة لـسيد سابق؟

    الجواب: كتاب فقه السنة لـسيد سابق كتابٌ جليلٌ، ومن أعظم الكتب التي ألفت في الفقه الإسلامي؛ لاختصاره وشموله واحتوائه على الدليل، فإنه لا يورد مسألة إلا ويحدد الدليل فيها ويخرج الحديث، غير أن هناك مؤاخذات عليه، ومن هو الذي ليس بمؤاخذ، فكلٌ يؤخذ من قوله ويرد، وهناك عدة مؤاخذات عليه في موضوع اللعب، وحلق اللحية، والأغاني، يعني: كانت له آراء قالها في زمن، وطبعت في كتبه، وهذه الآراء رد عليه العلماء فيها، فأنت إذا استطعت أن تشتري هذا الكتاب، فاشتره واستفد منه، لكن احذر من آرائه في هذه الأمور الأربعة:

    1- رأيه في الحجاب.

    2- والغناء.

    3- واللعب.

    4- وحلق اللحية؛ لأن الكتاب ألفه في وسط اجتماعي، يعني: لو أنه أعطاهم الحكم الشرعي في هذه، ربما رفضوا كتابه، فلعله ترخص أو تجوز في بعض الخلافات، لكن لا يوجد تردد، الدين ليس فيه أوصاف، ما فيه إلا قال الله، وقال رسوله، ومن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.

    جواز العمرة أكثر من مرة في الشهر

    السؤال: هل تكرر العمرة في الشهر أكثر من مرة؟

    الجواب: ليس هناك مانع، فقد ثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يعتمرون في الشهر أكثر من مرة، وقد ذكر هذا ابن القيم في كتابه زاد المعاد، ولكن بشرط أن ينشئ لكل عمرة سفراً مستقلاً.

    أما أن يكون في مكة ، ثم يأتي بعمرة، وبعد ذلك يخرج من الحرم ويذهب فيحرم من التنعيم ويجيء، هذا كرهه أهل العلم، وقالوا: لا دليل عليه، ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة، وإنما أجازه صلى الله عليه وسلم لـعائشة فقط تطييباً لخاطرها؛ لأنها دخلت وبعد ذلك حاضت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل عمرتها في الحج، فشعرت هي بنقص؛ لأن صاحباتها أخذن عمرة مستقلة؛ لأنهم كانوا متمتعين، وهي أخذت عمرة قارنة في الحج، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يأخذها، وأن تحرم من التنعيم، من مسجد عائشة الآن تطييباً لخاطرها، فمن كان له ظرف مثل ظرف عائشة فربما جاز له ذلك.

    بعضهم يعتمر في اليوم أربع عمرات، قال: هذه عمرة، يقول: إن ذهابه من بيت الله إلى مكان التنعيم ورجوعه، ليست كأجر مَن لو طاف بالبيت وجلس يتعبد في المسجد، أما إذا جئت إلى أبها، وقد أخذت عمرة قبل خمسة عشر يوماً، وعندك غرض ثانٍ إلى مكة، وذهبت وأتيت بعمرة، فلا شيء في ذلك، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) ولحديث في السنن: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان عن المرء الفقر والذنوب كما تنفي النار خبث الحديد) والمتابعة تقتضي التكرار.

    حكم طواف الوداع للعمرة

    السؤال: هل للعمرة طوافُ وداعٍ؟

    الجواب: اختلف أهل العلم في طواف الوداع بالنسبة للعمرة، فقال مجموعة من العلماء: إن لها طواف وداع؛ لأنه واجب، قلنا الدليل؟ قالوا: الدليل القياس على الحج، قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: (اجعلوا آخر عهدكم بالبيت) فنحن نقيس العمرة على الحج؛ لأن هناك تشابهاً في أحكامها.

    وقال آخرون: لا نوجب على الناس أمراً لم يوجبه الله عليهم؛ لأن الأصل في العبادات التوقيف، وعدم القياس، وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قال للناس في حجة الوداع: (اجعلوا آخر عهدكم بالبيت) نعم. يجب عليهم، لكن لم يقل لهم في العمرة، وهو اعتمر أربع عمرات صلوات الله وسلامه عليه، ولم يقل أحد: إنه اعتمر وأتى بطواف الوداع فيها، فدل ذلك على أنها للاستحباب، فمن طاف وداعاً فهو أفضل، ومن لم يطف فلا شيء عليه، والأول يرجحه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، والثاني رجحه مجموعة، من أعضاء هيئة كبار العلماء.

    حكم صلاة الوتر عند أذان الفجر

    السؤال: إذا أذن للفجر وأنا أصلي الوتر، فهل يحسب لي وتراً، علماً بأن بعض المؤذنين يؤذنون قبل دخول الوقت؟

    الجواب: الحمد لله، الوقت الآن معروف عن طريق التقويم، فإن أذن للفجر وأنت تصلي الوتر، وكان هذا الأذان على التوقيت، فمعنى هذا: فاتك الوقت الشرعي لأداء الوتر، وعليك أن تقضيه قضاء، ما هو القضاء؟ تقضيه شفعاً، فإذا كنت تفعله واحدة فاقضه اثنتين، والقضاء يمتد معك، من بعدما يؤذن إن أردت أن تقضي بعد الأذان أو بعد الصلاة، أو قبيل الظهر، معك طوال اليوم، وإن كنت تصلي ثلاثاً فتقضي شفعاً أربعاً، وإن كنت توتر خمساً فتقضي ستاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوتر من الليل بإحدى عشرة ركعة، فإذا فاته الوتر من الليل، قضاه اثنتي عشرة ركعة.

    أما إذا تيقنت أن هذا المؤذن يؤذن قبل الفجر المعلوم في التوقيت، فإنك لا تنتبه له، وعليك أن تصلي وترك، فأنت قد أديته في الوقت الشرعي؛ لأن الفجر يدخل بطلوع الفجر لا بأذان المؤذن، وبعض المؤذنين يؤذنون قبل دخول الوقت، هذا ما علينا منه، ولهذا كان أحد السلف إذا سمع المؤذن يؤذن قبل الوقت ويقول: الصلاة خير من النوم، قال: كذبت، لماذا؟ لأنك توجب على الناس أن الصلاة خير من النوم، وهو ما زال لم يطلع الفجر، لا تقال هذه الكلمة يعني: التثويب إلا بعد طلوع الفجر.

    جواز الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء خطبة الجمعة

    السؤال: إذا دخل الخطيب يوم الجمعة للخطبة، هل يجوز أن نقول عند سماع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم صل وسلم عليه؟

    الجواب: نعم يجوز، إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقل: اللهم صل وسلم عليه، فإنه ليس من الذكر المخالف لمضمون الجمعة والخطبة.

    جواز السؤال والاستعاذة أثناء الخطبة

    السؤال: إذا ذكرت الجنة والنار هل يجوز أن نستعيذ بالله من النار، أو نسأل الله من فضله عند ذكر الجنة؟

    الجواب: نعم.

    جواز التأمين عند دعاء الإمام في الخطبة

    السؤال: ما حكم التأمين عند دعاء الإمام حينما نسمع الإمام يدعو؟

    الجواب: التأمين مطلوب ومشروع، لكن رفع اليدين هو الذي ليس فيه دليل، إذا كان يوم الجمعة والإمام يقول: اللهم أعز الإسلام والمسلمين .. فمن حقك أن تقول: آمين، لكن رفع اليدين لم ينقل، ولو فعل لنقل، ولما لم ينقل دل على عدم مشروعيته، إلا في الاستسقاء، إذا قال الإمام: اللهم اسقنا وأغثنا، فيشرع له رفع يديه ويشرع للمؤمنين رفع أيديهم، وقد نقل هذا؛ (أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه، حينما استغاث للناس بالمسجد يوم الجمعة صلوات الله وسلامه عليه).

    فيؤمن الإنسان، ولم يرد في الشرع رفع أو خفض، ولكن نقول: أمن بصوت منخفض أو مرتفع، طبعاً بما لا يشوش أو يؤدي إلى الخروج عن العرف.

    حكم مصافحة أم زوجة الأب

    السؤال: هل يجوز أن أصافح والدة زوجة أبي، وخاصةً إذا كانت كبيرةً في السن؟

    الجواب: زوجة أبيك يعني: هذه أمك، هناك أناس يأتون بأسئلة، يريدون أن يختبروا ذكاء الواحد، زوجة أبيك هي أمك، أو عمتك إن كان لأبيك اثنتين، حسناً زوجة أبيك يعني: عمتك زوجة ثانية، أمها أنت محرم لها؛ لأنها حرمت على أبيك، وبالتالي حرمت عليك أنت، لا يجوز لك أن تنكحها؛ لأنها محرمة على أبيك ومحرمة عليك، فيجوز لك أن تصافحها.

    حكم ذهاب المرأة مع أجنبي ومعه زوجته

    السؤال: هل يجوز لامرأة أن تذهب مع رجل وزوجته، وهو غير محرم لها في داخل المدينة كالمدرسة، أو المستشفى بعد موافقة زوجها؟

    الجواب: لا يوجد في ذلك شيء، إذا لم يترتب على ذلك خلوة أو سفر؛ لأن المحرَّم في الشرع أمرين: إما خلوة ولو متراً واحداً فلا يخلو أحد بامرأة، أو سفر ولو كان يوماً واحداً، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم) هذا حرام، لكن إذا كان في الانتقال مثلاً من البيت إلى المستشفى، امرأة في البيت واتصلت بزوجها وقالت: أنا مريضة، قال: أنا لا أستطيع أن آتي، قالت: فلان سيذهب هو وامرأته، هل تسمح لي؟ قال: ليس عندي مانع؛ لأن المسافة من المستشفى إلى البيت قليلة، ولا يتوقع فتنة، ولا خلوة؛ لأن معها امرأة، فهذه إن شاء الله ما فيها شيء.

    حكم المذي وما يترتب عليه

    السؤال: ما رأيكم؛ أنا رجلٌ مذاءٌ، ويعتريني المذي من وقت لآخر، وقد حصل أن أحسست به وأنا في الصلاة أكثر من مرة، فما حكم المذي الذي يخرج مِنِّي؟ وما حكم الملابس التي يقع عليها المذي؟ وما حكم الصلاة التي اعتراني فيها شيء من هذا المذي، مع العلم أنني لا أحصيها؟ وقد مرت بي حالات أجهل الحكم فيها؟

    الجواب: المذي: سائلٌ لزجٌ يخرج من الرجل عند التفكير في النساء، ويخرج من غير تدفقٍ ولا لذةٍ، بينما المني: سائلٌ لزجٌ كثيفٌ يخرج من الرجل عند الجماع متدفقاً بلذة، وحكم المني أنه طاهر إذا وقع في الثوب، ولكن يجب منه الغسل.

    أما المذي فهو نجس يجب غسله من الثوب والوضوء منه، ولكنه لا يجب منه الغسل.

    وبالنسبة للملابس التي يقع فيها شيءٌ من هذا يجب غسلها.

    وبالنسبة للصلوات التي صليت فيها، وأنت تعرف أنه نزل منك شيء فعليك أن تقضيها ما دمت تستطيع أن تحصيها، وهنا يقول: إنه لا يحصيها، لكن حاول أن تحصرها، فإذا لم تستطع أن تحصرها مرة واحدة، فتتوب إلى الله عز وجل، ونسأل الله أن يتوب عليك.

    كيفية صلاة المريض

    السؤال: أنا شابٌ وبصحةٍ جيدةٍ، ولكن أصابني تمزق في العضلات وذلك نتيجة لعبة كرة القدم، ولقد ذهبت إلى العلاج الطبيعي ونصحني دكتور بأن أصلي وأنا جالس، مع العلم بأنني أحس بألم شديد حالة الركوع والسجود، ولكنني لا أصلي -والحمد لله الآن- إلا وأنا قائم، فما حكم الشرع في ذلك؟

    الجواب: هذا الرجل ذهب ليلعب كرة القدم، لماذا؟ من أجل أن يتقوى، يريد الربح فرجع خسراناً، يريد أن يصير قوياً، فتمزقت عضلاته، ليتك ما لعبت كرة، وجلست هكذا!

    أما وقد لعبت وتمزقت عضلاتك، فإنك تصلي بحسب الحالة التي تستطيعها، فإن كنت تستطيع أن تصلي قائماً فصل قائماً، وإن نصحك الطبيب أن تصلي جالساً والطبيب موثوقٌ في دينه، ويعرف قدسية الصلاة وأهميتها، وتعرف أنك أنت لا تستطيع، فصل جالساً، أما إذا كنت تقدر على أن تصلي، وتعرف أن الدكتور هذا لا يعرف الصلاة، بل يريدك أن تتركها بالمرة فلا تطعه؛ لأنه لا يؤخذ بقول الأطباء فيما يتعلق بالدين، إلا إذا كانوا مسلمين ومؤمنين، ويعرفون قدسية الصلاة؛ لأن بعض الأطباء لا يصلي، فيقول لك: لا تصل مثله، ولا يعرف أن حكم ترك الصلاة كفر.

    ضرورة الالتزام بغض البصر

    السؤال: أعاني من مشكلة الاختلاط مع عمي وأولاده؛ لأننا نسكن في بيت واحد، ولا يوجد عندنا سوى هذا البيت، ونحن في قرية صغيرة، مع عدم تطبيق الحجاب؟

    الجواب: يقول: أنا مع عمي كأنه هو الذي رباه وأولاده، وعندهم بنات طبعاً، لا يحل له أن ينظر إليهنّ، نقول لك: اتق الله ما استطعت، وأنت بحكم كونك صغيراً، ومع عمك في بيت عمك، والبيت صغير ولا تستطيع أن تلزمهم بالحجاب، ولكن تستطيع أن تلزم نفسك بالحجاب، كيف؟ تغض بصرك، إذا جئت لتأكل لا ترفع نظرك إلى بنت من بنات عمك، بأي حال من الأحوال؛ لأنك إذا رفعت بصرك وقعت في الإثم، وإذا غضضت بصرك باستمرار، فإنك تشعرهم بأنه يجب عليهن أن يتحجبن، وسيأتي يوم من الأيام تفرض عليهم بهذا التصرف أن يتحجبوا إن شاء الله.

    التوبة من المعاصي مهما عظمت

    السؤال: أنا شابٌ وقعت في جريمة الزنا -والعياذ بالله- مرات، أفدني هل لي توبة؟ لأنني أريد أن أرجع إلى الله من هذا المسجد؟

    الجواب: نقول: نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يردك إليه -وجميع المسلمين- رداً جميلاً، وبارك الله فيك ما دمت تريد الرجعة إلى الله، ولك توبة يا أخي! وتوبة عظيمة جداً، كيف التوبة؟ توبة يبدل الله فيها سيئاتك حسنات.

    معنى تبديل السيئات حسنات يوم القيامة

    السؤال: كتب لي أحد الإخوة كتاباً يقول فيه: إنني أحبك في الله -جزاه الله خيراً وأحبه الله- قد ورد في سؤال لك حول التوبة من جريمة الزنا، قلت: إن الله تعالى يبدل سيئات الزاني حسنات، بل ملايين الحسنات -أنا قلت يوماً من الأيام: إذا كان لك مليون سيئة فإن الله يمحوها ويجعل بدلها مليون حسنة- الأخ له رأي يقول: أنا لا أعترض على الآية، ولا على كرم الله، ولا على جوده وفضله، ولكنني سمعت قولاً لأهل العلم: أن الحسنات المقصودة التي تبدل للتائب، والتي في سورة الفرقان، المقصود منها: أن الله يغفر ويعفو عن عبده ما فعل في الماضي، وهذا فضلٌ من الله وجود وكرم، أما أن يبدلها ملايين الحسنات، فلا، ليس لأن الله كرمه محدود ولكن لأن صاحب هذه الكبائر لا يستحق ملايين الحسنات، بدل الكبائر التي فعلها، ويكفيه أن الله قد غفر له، وعفا عنه، وقبل توبته، وهذا فضلٌ من الله ونعمة وكرم، ثم إن بعض ضعفاء النفوس -هذا كلام الأخ- قد يستغلون هذا الكلام، فيتمادون في طغيانهم، بحجة أنهم سوف يتوبون، ويبدل الله سيئاتهم حسنات، لا سيما وأن الناس يحبون ندواتك، ويقتنون أشرطتك، ويثقون في أقوالك، وهذا فضلٌ من الله عليك، فأرجو أن تنبه على هذا الموضوع في ندوة أخرى.

    الجواب: جزى الله هذا الأخ خيراً، وأقول له: إن هذا القول الذي ذكرته، ليس القول الراجح في أقوال أهل العلم في هذه المسألة، صحيح قاله بعض أهل العلم، ولكن الذي رجحه ابن كثير في تفسيره، عند كلامه على هذه الآية خلاف ما ذكرت، وقال: والصحيح الذي عليه الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسول الله؛ أن الله يبدل السيئات حسنات بعددها، ما هو الدليل؟ قال الدليل: ما رواه مسلم اسمعوا الحديث، صحيح لم يعد هناك كلام، إذا ورد نهر النقل بطل نهر العقل، اجعل عقلك يجلس، قال: ورد في صحيح مسلم عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها، رجلٌ يؤتى به يوم القيامة فيقول الله: اعرضوا عليه صغار ذنوبه) آخر من يخرج من النار، وآخر من يدخل الجنة، أحدهم ذنوبه كثيرة، لكن الله أخرجه، قال: (فتعرض عليه ذنوبه، وترفع عنه الكبائر -يرى الصغار فقط- فيقال: هل عملت كذا يوم كذا وكذا؟ فيقول: نعم) لا يستطيع أن ينكر؛ لأنه إذا أنكر ظهر الشهودُ منه، وهو مشفقٌ من كبار الذنوب؛ يقول: الآن سألوني عن الصغار، كيف الكبار؟ سألوني عن النظرة، والضحكة .. كيف إذا جاءت الكبيرة؟ قال: (وهو مشفقٌ من كبار ذنوبه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئةٍ حسنة) هذا نص في الموضوع، مكان كل سيئة، يعني: من الذنوب التي أحصيناها لك، ليست من الذنوب التي في المستقبل ستعملها، لا. الذنوب التي عملتها، عملت كذا يوم كذا، قال: نعم، عملت كذا يوم كذا، قال: نعم، فيشفق من الكبار، قال: (فيقال له: فإن لك مكان كل سيئةٍ حسنة، فيقول: يا رب! قد عملت أشياء كبيرة ما رأيتها)؛ يقول: الآن أعطوني الكبار ما دام أن الله يبدلها حسنات، أخرجوا الكبار، سبحان الله! قال: (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه) كان يتصور وهم يسألونه: عملت كذا يوم كذا .. يتصور أن هناك عقبة، ويقول: كيف لو أتوا بالكبار؟ ويوم عرف أن بكل سيئة حسنة، قال: هناك أشياء ما رأيتها، أين هي يا رب؟ ائتوا بها كلها من أجل أن آخذ مقابلها حسنات.

    هذا جواب عليك يا أخي! في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في الصحيح، ارجع إلى صحيح مسلم، وارجع إلى تفسير ابن كثير، لتجد هذا الحديث صحيحاً عن أبي ذر.

    وذكر ابن كثير حديثاً آخر، يرويه الإمام ابن أبي حاتم رحمه الله، ويقول: (جاء رجلٌ كبيرٌ هرمٌ قد سقط حاجباه على عينيه فقال: يا رسول الله! رجلٌ غدر وفجر، ولم أدع حاجة ولا داجة إلا اقترفتها -لو قسمت خطاياه بين أهل الأرض لأوبقتهم، يقول: سني كبير حتى سقطت جفوني على عيوني وأنا في المعاصي- فهل لي من توبة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أأسلمت؟ قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقال له: فإن الله غافرٌ لك، ومبدلٌ سيئاتك حسنات، فقال: يا رسول الله! وغدراتي وفجراتي؟! قال: وغدراتك وفجراتك، فولى الرجل يكبر ويهلل) وهو يقول: لا إله إلا الله، الله أكبر!!

    فهذا الحديث والذي قبله نصٌ في القضية، أما أن يقال: إنا إذا قلنا للناس: إن الذنوب تبدل حسنات فسيتمادون، فهذا ليس بصحيح، بل إذا قلنا: إن الذنوب تبدل إلى حسنات هو الذي يدفعهم إلى التوبة، أليس كذلك؟ عندما يعرفون فضل الله عز وجل يسارعون إلى الله بالتوبة، فهذا القول.

    وعلى كلٍ جزاك الله خيراً، وقولك الذي ذكرته، وقلت: قال به بعض أهل العلم، نقل عن مجاهد وعكرمة، ولكن الذي رجحه أهل العلم والمحققون منهم، ما اتفق مع الدليل، وما اتفق مع نص الآية، فإن نص الآية كما قال الله عز وجل: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70] والقرآن نزل بلسان عربي مبين، وقضية الإبدال، هو إخفاء شيء ووضع شيء، فالله تعالى قال: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70] فدل بالمنطق والعقل والدليل أنه يبدلها من سيئات إلى حسنات، أما أن يغفرها رب العالمين، فهذا فضل منه، وقد أخبر في آية أنه يغفرها، لكنه كريم يغفرها ويبدلها، ماذا نقص عليك؟ ربك كريم.

    سبحان الله العظيم! لا إله إلا الله!

    ضرورة الصبر وتحمل التبعات في الدعوة إلى الله

    السؤال: أعد لنا -حفظك الله- قصتك مع الشيخ المدخن؟

    الجواب: كنت في طريقي من العمرة إلى أبها، ووقفت في الطائف أمام صاحب بنشر، من أجل أن أزيد هواء إطار السيارة، يعني: كنت ألاحظ أن في إطارات السيارة نقصاً، فبينما البنشري يعبئ، وأنا ماشٍ على سفر ومعي أهلي، رأيت شيبةً يبلغ ربما سبعين أو ثمانين سنة، قد حلق لحيته وشنبه؛ لأن اللحية تستر الرجال سواء كان مسناً أو شاباً؛ لأنه إذا كان شاباً وحلق لحيته شوهته، لأنه يتشبه بجنس ثانٍ، وإذا كان مسناً وحلق لحيته، أخرجت تجاعيد وجهه، وصار كأنه كاهنة، ولكن لو أبقى لحيته لكان مستوراً بها، فاللحية ستر، فهذا الرجل مجعد الوجه، ومحلوق اللحية، ومدخن، فسرت إليه، وقبل أن أصل إليه قلت: أنا ماش، وهذا المسكين مسلم، لماذا لا أنصحه؟ أليس الله أمرني بأن آمر بالمعروف؟ فتأثماً جئت إليه وبدأته بأحسن أسلوب، قلت له: السلام عليكم وأنا أبش في وجهه، قال: وعليكم السلام، قلت: بارك الله فيك، ووفقك الله، ونور الله بصيرتك، أنت من أهل الخير، انظر نور الإيمان في وجهك -وأنا لا أحبه والله؛ لكن قلت: لعل الله أن يهديه- وأنت أمد الله في عمرك، وأخرك في حياتك، ذهب الشباب وولى، وذهب الطيش والجنون، والآن جاء المشيب، الآن تقطف ثمرات عمرك تتوب إلى الله وتستغفر، وأنا مسافر ورأيتك تدخن، فحزنت عليك، وانظر إلى أهل السوق كلهم يدخنون، ما كلمت أحداً منهم إلا أنت؛ لأن النور في وجهك، وأنت غريب، والمفروض ألا تشرب الدخان.

    أنا كنت أتصور بعد هذا الأسلوب الجميل العظيم؛ أنه أقل ما يمكن؛ أنه يقول لي من باب المجاملة ومن باب الحياء: جزاك الله خيراً. وهذه الكلمة لا تكلفه شيئاً، وأنا سأقول: الله يوفقني وإياك، لكن أتعرفون ماذا قال لي هذا الشيخ العجوز، هداه الله وجميع المسلمين؟ هز رأسه وقال: عجيب أنت يا مطوع! اذهب اذهب .. أنت عاطل ليس عندك عمل، امش، الحقيقة لما قالها قلت: لم ينفع الهدوء معه، والكلام الحسن، وأن له قلباً خبيثاً، وصار في رأسي مثل الكهرباء، وجعلت أتلفت كيف أتخلص من هذا الموقف، كان باستطاعتي أن أضرب ذاك الشيخ العجوز؛ ولكن قلت له: اسمع، قال: نعم، قلت: بإمكاني أن أنتصر لنفسي من هذا الكلام، لكن أحيلك على من ينتصر لي يوم القيامة، ونسأل الله أن يهديه إن كان حياً، وأن يتوب عليه إن كان ميتاً.

    الوتر أول الليل لمن لم يقم آخره

    السؤال: يفوتني باستمرار أو دائماً الوتر وبعض السنن، مع أنني لم أترك فرضاً، وذلك ليس عمداً، ولكنني أظن أنني سأقوم آخر الليل فأنام، فإذا جئت لأصلي الوتر بعد العشاء قلت: سأقوم في هذه الليلة، ولكني أنام ولا أقوم، فما الحكم؟

    الجواب: نقول لك: ما دمت تعرف أنك على هذا الوضع، فعليك أن توتر أول الليل؛ لأن المجازفة في الوتر فيه خطورة عليك؛ لأن الوتر من آكد السنن، فأوتر قبل أن تنام الليل، وانو أن تقوم، فإن أمدك الله وأعانك وأيدك، وقمت آخر الليل، فاكتف بما أوترت أول الليل، وصلِّ ما بدا لك آخره، ولا شيء عليك، ولا داعي لأن تصلي ركعة كما يفعله بعض الناس فإنه لا وتران في ليلة، بل تكتفي بالوتر الأول، والخير لا يمنع من الخير، أما ما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) فإنه على سبيل الندب والاستحباب، لا على سبيل الإيجاب، كما سمعت الشيخ عبد العزيز بن باز يقول هذا.

    حكم الحك الكثير في الصلاة

    السؤال: رجل مصاب بالقشرة وهو كثير جداً، ويكثر حكه في الصلاة، فما حكم صلاته؟

    الجواب: عليه أن يقاوم، ويصبر عن الحك ما استطاع؛ لأن الحك يؤدي إلى إزعاج المصلين، وإلى كثرة العبث، فعليه أن يتقي الله، وأن يسأل الله أن يتوب عليه، وأن يصبر ويتحمل، فإذا أكمل الصلاة فله أن يحك عشر دقائق بعد الصلاة.

    حكم الركعتين بعد أذان المغرب

    السؤال: رجلٌ صلى بعد أذان المغرب ركعتين، وهي ليست سنة، كما يقول ابن تيمية : من صلى بعد أذان المغرب ركعتين وهو يعتقد أنها سنة فهو مخطئ، فصَّل لنا هذا الأمر؟

    الجواب: هذا الأمر فيه حديث في السنن أنه: (بين كل أذانين صلاة) لكن قال صلى الله عليه وسلم في الثالثة: (لمن شاء) فإذا أذن وأنت في المسجد، وأردت أن تصلي فصلِّ، وإذا أردت ألا تصلي فلا تصل، ولا عليك إن لم تصل ولا عليك إن صليت؛ لأنه لمن شاء.

    أما من صلاها بعد الأذان، وقبل الصلاة، على أنها راتبة، ويعتقد أنها سنة، فلا، لماذا؟ لأنها ليست من سنن الرواتب، الراتبة للمغرب بعد صلاة المغرب.

    حكم من ترك الصلاة عمداً ثم تاب

    السؤال: أنا شاب والحمد لله التزمت، وأبلغ من العمر تسعة عشر عاماً، ولكنني قلق بسبب أمر هام، وهو أنني تذكرت بأنني قد تركت بعض الصلوات، فماذا أفعل؟ وكنت أصلي بعض الأحيان بغير طهور؟

    الجواب: نقول: ما دام أنك كنت تترك الصلاة، وتصلي أحياناً بغير طهور، فلا يلزمك إعادة الصلوات الماضية وما دام أنك اهتديت فقد أسلمت، والإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها، ونسأل الله عز وجل أن يتوب عليك في الماضي، وأن يثبتك في المستقبل والحاضر .

    الشيخ وزيارته للمناطق

    السؤال: يقول: ذهبتم في دعوتكم إلى الشرقية والرياض والوسطى والغربية، ونحن في نجران لا نبعد عنكم سوى كيلو مترات، فحبذا لو زرتمونا؟

    الجواب: حفظك الله! إنها ثلاثمائة كيلو، نعم، جزاك الله خيراً، وسوف أزور نجران، وقد زرتها قبل الرياض، وقبل المنطقة الشرقية، والغربية، زرتها مرات، ولكن إن شاء الله أزورها مرة أخرى.

    حكم صلاة المرأة مكشوفة القدمين

    السؤال: هل للمرأة أن تصلي أمام النساء، أو أمام زوجها، أو المحارم وقدماها مكشوفتان؟

    الجواب: لا. لا يجوز لها أن تصلي وقدماها مكشوفتان، يجوز لها كشف وجهها فقط وكفيها، أما رجلاها فتغطيهما، والدليل ما رواه أبو داود في سننه عن أم سلمة، قالت: (يا رسول الله! أتصلي المرأة في درع -الذي نسميه الشرشف- وخمار بغير إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها) فدل الحديث -والحديث صحيح في سنن أبي داود - أنه يطلب من المرأة ألا تصلي ورجلاها مكشوفتان، بل يجب أن تلبس لباساً سابغاً يغطي رجليها، ولا يبدو منها إلا وجهها فقط وكفاها، إلا أن يراها أجنبي، فإذا رآها رجل أجنبي فإنها تغطي وجهها وكفيها.

    حكم تسريح شعر المرأة للخلف

    السؤال: ما حكم تسريح شعر النساء للخلف؟

    الجواب: ليس فيه شيء، تسرحه من الأمام أو من الخلف، المهم ألا يراها أجنبي.

    وضع (السحاب) في ملابس المرأة

    السؤال: شخص سألني: ما حكم (السحَّاب) الذي في الظهر في ملابس النساء؟

    الجواب: تضعه في الظهر، أو الجنب، أو الصدر يجوز كل هذا، بعض الناس يقول: لا تضعه في الظهر؛ لأنه حرام، ما هو الدليل؟ السحَّاب ضعه في أي مكان، ليس هناك شيء.

    حكم من أخذ شيئاً بغير حق

    السؤال: منزلنا مؤجر على مدرسة، وكان المدرس القائم بهذا العمل في هذه المدرسة وحيداً، والمدرسة في قرية من القرى، وكان حينما يخرج الطلاب والمدرس إلى صلاة المغرب؛ ولأن بيتي بجانب المدرسة، فأنزل من بيتنا وأفتحها، وآخذ منها إعاشة الطلاب -التي كانوا يصرفونها للطلاب في الماضي- وآكل منها، وكنت في ذلك الوقت جاهلاً، فما الحكم؟

    الواجب: الأخ تسلط على الإعاشة التابعة للطلاب من حليب وغيره ......

    فنقول له: استغفر الله يا أخي! وتب إلى الله، ونسأل الله أن يتوب عليك؛ لأنك جاهل وصغير، واليوم الحمد لله أنت عاقل؛ ولأنه قد يكون لك في ذلك الشيء نصيب باعتبارك طالباً، نسأل الله أن يتوب عليك.

    حكم تقبيل يد أم الزوجة

    السؤال: هل يجوز أن أسلم على يد أم زوجتي، أو على رأسها؟

    الجواب: أم زوجتك في حكم أمك، وأنت محرم لها، ولكن السلام على يدها غير مستساغ منك؛ لأن فيه منافاة لكرامتك، ولكن من باب التكريم سلم على رأسها، أما يدها فلا، أما أمك فلك أن تسلم على يدها، أو على يد أبيك إذا أردت؛ لأن فضل أمك ليس كفضل عمتك، نعم. عمتك لها فضل؛ لأنك زوج ابنتها، لكن أمك لها فضل؛ لأنها ولدتك وتعبت من أجلك فلا تساو بين أمك وعمتك.

    من وكل شخصاً في شراء شيء فباع له من نفسه

    السؤال: رجل أعطاني عشرة من الريالات؛ لأشتري له أشرطة دينية، ويوجد عندي ما يريده، ويوجد عندي آلة تسجيل، فسجلت له عندي في البيت، وأخذت النقود وهي عشرة من الريالات، فهل هذه حلال أم لا؟

    الجواب: أنت عقليتك تجارية، تريد أن تبيع لهذا الضعيف، أنا أقول: ما دام وصاك أن تشتري فيجب أن تشتري؛ لأن هؤلاء المساكين الفاتحين محلات أشرطة، فتحوا لماذا؟ من أجل نشر الدين الإسلامي، ومن أجل بث التوعية الدينية، وأيضاً لهم أتعاب وإيجارات، فإذا اشتريت شريطاً أو شريطين بعشرة ريالات، فإنك تساهم في دفع هذا الخير وترويجه، نقول لك: اذهب واشتر بالعشرة شريطين غير الذي طلبك وأعطه إياها، واعتبر الشريطين هدية وصدقة -إن شاء الله- تبرأ ذمتك.

    ضرورة الحرص على الأبناء وأماكن ذهابهم

    السؤال: يا شيخ أريد حلاً: والدي يمنعني من حضور مثل هذه الدروس المفيدة، وهذه المحاضرات، ويقول لي: ما يدريك لعل هؤلاء يتكلمون خلسةً من غير علم المسئولين، فأنا أحضر دون علمه، وإذا رجعت إلى البيت فإنني أجده غضبان بسبب هذا الفعل مني، وكأنني ارتكبت جريمةً، أقول لك بوضوح: إنه أمرض قلبي؟

    الجواب: لا. يا أخي! ما أمرض قلبك، بل جزاه الله عنك خيراً، فهو يحبك، ويحرص عليك، وعلى مصلحتك، ولا يريد أن تتعرض لشيء، ولكن أكد له وأقنعه واجزم له أنك تجلس في مجالس مرخص لأصحابها من قبل ولاة الأمر، مثل مجلس الشيخ عائض، وهذا المجلس، والمجالس الأخرى الدورية، هذه المجالس مرخص لأصحابها، ويمارسون هذا العمل بإذن رسمي من قبل الدولة وفقها الله، وبارك فيها وحفظها وهداها إلى الصراط المستقيم، فأقنعه وقل له هذا الكلام، إذا اقتنع فالحمد لله، وإذا رفض فعليك أن تطيع أباك؛ لأن طاعته واجبة، وبإمكانك أن تسمع الشريط الإسلامي الذي تسجل فيه هذه المحاضرات، فتجمع بين سماع العلم وطاعة الوالد.

    أما أن ترفض أمر أبيك وتأتي رغم أنفه وهو غير راضٍ، فإنه لا ينبغي، حتى ولو كان هذا من أجل طلب العلم؛ لأن بإمكانك أن تطلب العلم عن طريق الكتابة، والشريط، وتجمع بين الأمرين؛ لأن رضا الوالد مطلوب في الشرع، وقد يحصل لك عدم بركة في علمك إذا كان أبوك غير راضٍ.

    ولكننا ندعو هذا الأب الكريم -جزاه الله خيراً- الذي يحرص على ولده، نقول: إن من مقتضيات حرصك على ولدك أن تشجع فيه هذا الجانب الإيماني الذي يدفعه إلى حضور مجالس العلم، وأن تأتي معه، ما دام الله هدى ولدك ووفقه وسدده فافرح يا أخي!

    كثير من الآباء يحب أن يخسر نصف ملكه من أجل أن يهتدي ولده، لكن الهداية بيد الله عز وجل، فما دام أن الله هدى ولدك، ما رأيك لو أن ولدك ذهب إلى القهوة، أو المخدرات، أو مع المغنين، والفجرة واللوطة، هل ستكون مبسوطاً؟ لا. فكيف تمنعه من مجالس العلم؟ هل تريد أن ترده إلى الشر، فاتق الله يا مسلم! اسمح لولدك وتعال معه، وليس هناك مانع من أن تتأكد من نوعية المجالس التي يجلسها ولدك، حتى يطمئن قلبك إن شاء الله.

    حكم العلوم الدنيوية وكيفية استغلالها

    السؤال: سمعت من بعض المشايخ أن العلم الغير الشرعي ملعون، وبعضنا في أقسام الفيزياء والكيمياء والرياضيات، فما قولكم جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: ورد حديث في السنن : (إن الدنيا ملعونة معلونٌ ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً أو متعلماً) ومعنى الحديث إن صح: أن الدنيا التي لا تعين على الدين، بل ضد الدين فهي ملعونة، واستثنى منها: ذكر الله وما والاه أي: ما أعان عليه، وعالماً أو متعلماً، فإذا كنت تتعلم الفيزياء والكيمياء والرياضيات، وهدفك من هذه العلوم أن تتخرج، وأن تعلم أبناء المسلمين في المدارس الثانوية، فتعلمهم الرياضيات، ومع الرياضيات تصبغها بالدين، وتخدم بهذه المادة الدين، فأنت إن شاء الله! أجرك كبير جداً، وأنت تطلب العلم -إن شاء الله- ولأن العلم هذا واجب أيضاً، يقول العلماء: إنه فرض كفاية على الأمة، إذا لم تقم به فإنهم يأثمون كلهم، نحن بحاجة إلى الطبيب المسلم، ومدرس الرياضيات، والمهندس المسلم، والضابط المسلم.

    والأمة الإسلامية أمة متكاملة، تحتاج إلى كل التخصصات، فإذا كان الواحد يريد بهذا التخصص خدمة الأمة، وسد ثغر من ثغور الأمة فإن له أجراً.

    أما الذي يتعلم هذه المواد وهو ناقم على الدين، ولا يريد الدين، ولا الشريعة، ولا رفع رأس الإسلام، وأن يتخرج إلى منصب ليحارب الدين، هذا هو المعلون حقيقةً، أما إذا كانت نيتك حسنة، فأنت تستطيع أن تخدم الدين في أي مجال، ولك أجرك إن شاء الله حسب نيتك.

    حكم حلق اللحية بدعوى أن الله جميل يحب الجمال

    السؤال: بعض الإخوة أدعوهم إلى إعفاء لحاهم، فيقولون: إن الله جميلٌ يحب الجمال؟

    الجواب: نعم. صدقوا والله! إن الله جميلٌ يحب الجمال، وجمالكم يا شباب في لحاكم، والله ليس هناك جمال إلا في لحيتك، أما إذا حلقتها فقد شوهت نفسك، وغيرت خلق الله؛ لأن الله يقول: لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4] والذي يحلق لحيته فقد جعل نفسه في أسفل سافلين.

    حكم من مر بآية سجدة وهو في سيارة

    السؤال: إذا كنت راكباً في سيارة وقرأت القرآن، ومررت بأية فيها سجدة، فماذا أفعل؟

    الجواب: أومئ إيماء، إذا مرت بك سجدة فاسجد إيماءً بحسب استطاعتك إذا لم تستطع أن تصل إلى الأرض؛ لأنك إذا أوقفت السيارة دخلت عليك كلفة، فاسجد إيماءً، ولك -إن شاء الله- أجر.

    مدح الزوج في وجهه ولعنه إذا غاب

    السؤال: ما حكم الزوجة التي تسب زوجها في حال غيابه، وتلعنه وتلعن والديه، وإذا دخل البيت ضحكت في وجهه، وأثنت عليه ومدحته؟

    الجواب: هذه والعياذ بالله مجرمة، منافقة، لها وجهان، ومن لقي الله بوجهين كان له وجهان من نار!

    لا بد من الوضوح، إذا كانت غاضبة عليه، أو كان لها عليه مؤاخذات تقول له: أنت عملت بي كذا واتق الله.

    أما أن تمدحه في الوجه، وتسبه وتشتمه وتلعنه في حيال غيابه، فهذه والعياذ بالله! ترتكب جريمة من أعظم الجرائم، وتأكل لحمه في كل حين، وتهديه حسناتها إن كان لها حسنات، أو تأخذ من سيئاته، وكلنا لنا سيئات.

    عدم جواز منع الزوجة من زيارة أهلها

    السؤال: هناك زوج يمنع زوجته من زيارة أهلها، ولكن يقول لها: زوري أهلي، فماذا تقول له؟

    الجواب: نقول له: لا يجوز لك أن تمنع زوجتك من زيارة والديها وأهليها إلا إذا خفت وقوع فتنة، إذا كنت تعرف أنها إن ذهبت إلى أهلها تفسد جاز لك منعها، ولكن مع هذا يجب أن تذهب -أيضاً- معها، لتحول بينها وبين الفتنة.

    أما أن تمنعها على الإطلاق، وكل يوم تذهب بها إلى أهلك، وتمنعها من أهلها، فهذا لا يجوز، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف التي قال الله عنها: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] فكما تحب أنت أن تزور أهلك هي -أيضاً- تحب أن تزور أهلها، ومقتضى الحقوق التساوي في ذلك.

    حكم تفضيل الآباء لبعض أبنائهم

    السؤال: ما حكم الإسلام فيمن يفاضل بين أبنائه -دائماً- خصوصاً مع وجود الأولاد البالغين، والصغار كذلك؟

    الجواب: لا يجوز للمسلم أن يفضل بعض أبنائه على بعض، خصوصاً في حضرتهم، ولكن بإمكانه أن يُسِرَّ للطيب منهم المهتدي .. يأخذه على جنب؛ لأن هذا يخفض من معنوياتهم، ويوجد حقداً على أخيهم هذا؛ إذا جلسوا قال: والله ما فيكم إلا فلان فإنه مبروك، أما أنتم البقية ما فيكم خير، فإنهم سيقولون لوالدهم: ما دام ما فينا خير فأنت ما فيك خير.

    بل قل في المجلس: كلهم فيهم بركة، وكلهم فيهم خير، والحمد لله فيهم صلاح، واسأل الله أن يهديهم، وتأخذ الطيب وتقول له: إني راضٍ عنك أنت خصوصاً، أنت ملأت عيني؛ لأنك على الطريق المستقيم، وتمسك المنحرف منهم وتقول: يا ولدي! انظر إلى إخوانك فإنهم أحسن منك، أريدك أن تصير مثلهم، يعني: تتحدث معهم بالحكمة، أما التحطيم أمام الآخرين، فهذا لا يعالج وإنما يوجد مشكلة.

    الحقوق المشتركة بين الزوجين

    السؤال: ذكرتم حقوق المرأة وحقوق الرجل، أليست هناك حقوق مشتركة؟

    الجواب: نعم. هناك حقوق مشتركة، وأنا نسيتها حقيقةً، فالحقوق المشتركة بين الطرفين:

    أولاً: حل استمتاع كل منهما بالآخر، فإنه يحل للرجل أن يستمتع بالمرأة، ويحل لها أن تستمتع به.

    ثانياً: ثبوت التوارث، فإنه بموته وبموتها يثبت التوارث، إذا ماتت قبله أو مات قبلها.

    ثالثاً: ثبوت نسب الولد، يثبت نسب الولد له ولها بالزواج.

    رابعاً: المعاشرة كما قلنا بالمعروف، فكما هو مطلوبٌ منه أن يعاشرها بالمعروف، فإنه مطلوبٌ منها أيضاً أن تعاشره بالمعروف.

    الضرب للزوجات متى يلجأ إليه

    السؤال: متى يستخدم الزوج الضرب لامرأته؟ وما هو الضرب المشروع؟

    الجواب: أولاً: ليس هناك ضرب مشروع، وليس هناك مشروعية في الضرب، إنما الضرب مباح كعلاج عند دواعيه، وهو وسيلة ختامية، قال الله عز وجل: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34] النشوز هو: التعالي والارتفاع، يعني: التكبر على الزوج وعدم الطاعة فَعِظُوهُنَّ [النساء:34] فأول شيء التعليم والموعظة، وبعد ذلك: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ [النساء:34] وبعد ذلك: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34] الثالثة: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34] والضرب هو الذي ذكره العلماء مثل: اللطمة في غير الوجه، واللكمة في المكان الذي لا تكسر عظماً، المهم أن لا يسيل دماً، ولا يكسر عظماً، ولا يقيم حداً؛ بعضهم إذا ضرب ظل يضرب ويضرب إلى أن يتعب، أنت لا تعزر ولا تقيم حداً شرعياً هنا، إنما تؤدب، عندما تشعر بأنك غضبان، اضرب مرة واحدة فقط، لكن لكم ولطم وضرب ودوس بالأقدام إلى أن يذبحها، هذا لا يجوز أيها الإخوة!

    والحياة الزوجية إذا لم تمش إلا بالضرب، فإنها حياة فاشلة، يعني: يجب أن يكون لك أساليب أخرى غير الضرب، ولا تلجأ باستمرار إلى الضرب، والرسول صلى الله عليه وسلم عاب الرجل الذي لا يضع سوطه عن رقبته، عندما جاءت فاطمة بنت قيس تستشير النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من الصحابة منهم أبو سفيان فقالت: ما رأيك في الزواج من فلان أو فلان؟ قال: (أما فلان فصعلوك) يعني: ليس معه شيء (وأما فلان فلا يضع سوطه عن عاتقه) يعني: ضراب، العصا معلقة في الدار، كلما فعلت شيئاً يغضبه قام بضربها، هذا لا يصح، ونصحها الرسول صلى الله عليه وسلم، بألا تتزوج بهذا الضراب، فصفة الضرب للمرأة ليست صفة رجولية، فالمرأة لا يهينها إلا لئيم، ولا يكرمها إلا كريم، وهي أمانة في عنقك، وهي أسيرة عندك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنهن عندكم عوان) يعني: أسيرات، ولها حق عليك، فلا يكن الضرب ديدنك دائماً، لكن قد تضطر يوماً من الأيام إلى استخدام الضرب، وقد تلجئك الظروف.

    حكم دفع الزكاة للمجاهدين

    السؤال: هل يجوز دفع الزكاة إلى المجاهدين الأفغان؟

    الجواب: لم يكن جائزاً فحسب، بل هو واجب، فهو المصرف الشرعي الآن، والذي نحث أنفسنا وإخواننا إليه، هو الإنفاق على الإخوان المجاهدين، لا نقتصر على الزكاة فقط، بل نتصدق من أموالنا؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ [الصف:10]؛ تجارة عظيمة رابحة، ماذا تعمل لكم، تنجيكم من الجوع والعطش والأكل؟ لا. وإنما: تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] من عذاب الله، وكأن الناس قالوا: نعم يا رب! نريد هذه التجارة، قال: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ [الصف:11] فإذا قدرت بالمال والنفس فهو أفضل، وإذا لم تقدر إلا بالنفس، وليس معك مال فخير عظيم، وإذا لم تقدر بالنفس فلا أقل من أن تبذل المال.

    وقد أرسل لي أحد القادة المجاهدين يقول: اجمع تبرعات للمسلمين، وقل للمسلمين ليكن الجهاد في حسبان المسلمين، ولد أو طفلة تأخذ كل يوم من جيب أبيها ريالين، من هو الذي يترك ابنته أو ولده بغير نقود، هل هناك أحد يفعل ذلك؟! نقول: اعتبر أن لك طفلاً صغيراً يعيش في المخيمات، وأن لك أخاً مجاهداً يعيش في الثلوج، وفي قمم الجبال يجاهد أعداء الله بصدره، ويلتحف السماء، ويفترش الأرض، وليس عنده طعام إلا الخبز اليابس، وقد لا يجده إلا في بعض الأيام، فلنجمع كل يوم ريالين، حتى تصير في الشهر ستين ريالاً.

    وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:41] فالجهاد بالمال واجب، خصوصاً علينا نحن في هذه البلاد المباركة التي فيها خير، وخصوصاً في الآونة الأخيرة؛ لأن الجهاد الآن قام، وقطوف الثمرة الآن، فالذي يتخلى عن الجهاد الآن فإنه يتخلى عنه دائماً، قام الجهاد، واستطاع بإذن الله أن يدحر أقوى قوة كافرة على وجه الأرض؛ وهي قوة روسيا الدب الأحمر التي قامت على القتل واكتساح الشعوب، وتدمير الأمم، لكنها فشلت وانهزمت واندحرت، وخرجت تجر أذيال الهزيمة أمام الرجال الأشاوس الأبطال، الذين لا يملكون إلا الإيمان! قوة ضاربة حقيقةً، دمرت روسيا وخرجت وهي صاغرة، والآن يريدون العودة وسينتصرون بإذن الله، فقد انتصروا على روسيا، وسينتصرون على الخونة الملاحدة الموجودين الآن في الحكم بإذن الله عز وجل، ولكن يحتاجون إليك الآن.

    والحمد لله هناك لجنة فرعية في المنطقة لجمع التبرعات وما عليك يا أخي! إلا أن تساهم في جهاد الأفغان بمالك الخالص.

    أما الزكاة فهو مصرف شرعي ليس لك فيه فضل إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60] إلى أن قال: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] يعني الجهاد، فأخرج من مالك زكاته، وضعها في المصرف الشرعي للمجاهدين، وإذا كان هناك من المسلمين في بلدك مستحق، فيجوز لك أن تواسيه وتعطيه منها؛ ولكن لا تنس إخوانك المجاهدين.

    صيام المرأة وزوجها شاهد، وصيام شهر غير رمضان

    السؤال: هل يجوز للمرأة الكبيرة أن تصوم من غير إذن زوجها؟ وهل يجوز صيام شهر كامل غير رمضان مثل شهر رجب؟

    الجواب: أولاً: لا يجوز للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، سواء كانت عجوزاً أو بنتاً؛ لأن الحديث في البخاري ومسلم معلوم صحته قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه).

    أما صيام شهر كامل فإنه يجوز، ولكن فقط شهر شعبان لحديث عائشة تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان حتى نقول: لا يفطر، وكان يفطر حتى نقول: لا يصوم) فقد صامه مرةً كله ومرةً تركه كله.

    أما رجب فلا دليل على صيامه، أو قيامه، أو عمرته، أو أي عمل يختص به، وكل حديث ورد في فضل عمرة رجبية، أو سبعة أيام من رجب، أو ليلة سبع وعشرين من رجب، أو أي فضل فيه، فإنه موضوع أو ضعيف ولا يحتج به.

    الاستقامة هي لزوم العمل بالعلم

    السؤال: من الناس من يقول: إن الاستقامة فيما يحفظه الإنسان من معلومات إسلامية، فهل هذا صحيح، مع ضرب أمثلة من الواقع؟

    الجواب: ليس بصحيح، ليست الاستقامة والإيمان هما العلم فقط، الإيمان والاستقامة هما العلم والعمل، فإذا كان عندك علم، وكان عندك عمل وتطبيق وخشية، فأنت المستقيم.

    أما أن تكون عالماً، وتحفظ من العلم لكن لا تعمل به، فهذا مثل إبليس يعرف كل الأديان والرسالات، والكتب يحفظها كلها عن ظهر قلب، لكنه من أهل النار، لماذا؟! لأنه لم يعمل.

    حكم النظر إلى زوجة الأخ

    السؤال: زوجة أخي دخلت بيتنا ونحن صغار، وقامت بتنظيفنا وإلباسنا وخدمتنا حتى أصبحنا رجالاً، فهل نحتجب منها، ولكننا لو أفصحنا لها بهذا فإننا نخاف أن تشتعل النار في العائلة، ويدب الشك فما هو الحل؟

    الجواب: قولوا لها: جزاك الله خيراً على خدمتك لنا، ولكن أصبحنا رجالاً، وأنت أجنبية عنا، ولا يجوز أن ننظر إليك، وليس هذا الفعل لعدم الثقة بك، فثقتنا فيك كبيرة، ولكن هذا أمر الله عز وجل.

    أما أن البيت سيشتعل ناراً فلا، بل ستحل فيه الرحمة والبركة والرضوان من الله عز وجل، لا يتصور أحد أنه إذا وجد الحجاب تشتعل الأسرة، لا والله، بل تشتعل الأسرة إذا كان الحجاب غير موجود حقيقةً؛ لأنه يسبب هذا التكشف إلى اشتعال النار في الإنسان يوم القيامة.

    على كلٍ أختم الآن، وبالرغم من أن أسئلة الأسبوع الماضي لم تنته بعد، لكن الوقت ضيق، وما أريد أن أطيل على الإخوة، وقد أخذت تعهداً على نفسي أن لا أزيد على الثمانية.

    وأسأل الله الذي لا إله إلا هو، أن يجمعنا وإياكم على رضاه في الدنيا والآخرة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755901608