إسلام ويب

التفريح بذكر التسبيحللشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • التسبيح له فضل عظيم وأجر كبير، ويدلك على ذلك أن الله أمرنا به في الصلاة وفي غيرها، بل ورتب عليه أجراً كثيراً، وقد ذكر الشيخ المواطن التي يجب ويستحب فيها التسبيح، كما تحدث عن التسبيح الجماعي وذكر بدعيته مستدلاً على ذلك.

    1.   

    مقدمة عن التسبيح

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعد:

    فحديثنا في هذه الليلة -أيها الإخوة- بعنوان: التفريح بذكر التسبيح.

    التسبيح عبادةٌ عظيمة لله سبحانه وتعالى، نسبح الله تعالى بكرةً وأصيلاً، نسبح الله في الصباح والمساء، نسبح الله في الصلوات؛ في ركوعنا وسجودنا، نسبح الله في افتتاحنا لصلواتنا.

    هذه العبادة ما معناها؟

    ما هي المواضع التي يذكر فيها التسبيح؟

    وما فضل التسبيح؟ إلى أمورٍ أخرى نتعرف عليها بمشيئة الله تعالى في مرورنا على هذه العبادة العظيمة من الأذكار التي يذكر بها المسلم ربه.

    معاني التسبيح

    أما معناه أيها الإخوة! فإن التسبيح: هو التنزيه فإذا سبحت الله أي: نزهته عن جميع النقائص والعيوب.. تسبح الله سبحانه وتعالى، أي: أن تبرئ ربك من كل عيب، وأن تشهد له بالكمال، وإذا حمدته فأنت تثني عليه، فيكتمل التسبيح بالتحميد، تمجيد الله عز وجل، لأنك تثبت له الكمال من جهة، وتنفي عنه النقص من جهةٍ أخرى، ولذلك كان من أعظم الأذكار: سبحان الله وبحمده: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الروم:17].

    وقد يكون التسبيح بمعنى الصلاة كما أنه قد جاء في صلاة السبحة (سبحة الضحى) وهي: النافلة تسمى بالتسبيح، لأنها تشتمل على التسبيح، وكذلك فإن هذا التسبيح هو من رءوس الأذكار، فإن ذكر الله تعالى منه ما يكون تسبيحاً، ومنه ما يكون تهليلاً، ومنه ما يكون تحميداً منه ما يكون تكبيراً، وكل هذا من أنواع الثناء على الله عز وجل، والتسبيح تبريكٌ وتقديسٌ وتطهيرٌ، والتسبيح من حكمته استحضار العبد عظمة الخالق، ليمتلئ قلبه هيبةً فيخشع له سبحانه وتعالى، هذا التسبيح مطلوبٌ عقله بالقلب والتفكر فيه، وأننا إذا قلنا سبحان الله، فإن هذه ليست كلمة تقال باللسان دون أن نعرف معناها، بل نستحضر المعنى إذا عرفناها، إن التسبيح عبادةٌ لو كانت على طهارة فهي طيبة، ويجوز أن تكون على غير طهارةٍ قائماً وقاعداً ومضطجعاً: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191].

    التسبيح داخل في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) وسواء كان تسبيحاً أو غيره، ويندب للمسلم أن يسبح الله سبحانه وتعالى بصوتٍ خافت على وجه العموم: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [الإسراء:110].. وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ [الأعراف:205].

    وأما دبر الصلوات فقد ذهب عددٌ من أهل العلم إلى مشروعية الجهر به؛ لأن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قد أخبر أن الجهر بالذكر عقب المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا التسبيح إذا عقله الإنسان، فإنه يعقل أموراً كثيرةً منها:

    بعض المخلوقات التي تسبح الله

    أن يعرف أنه ليس مختصاً بهذا الذكر، فإن هناك مخلوقات تسبح الله سبحانه وتعالى، ألم يأتك خبر تسبيح الملائكة، لقد روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه : عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (أخبرني رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار؛ بينما هم جلوس ليلةً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي بنجمٍ فاستنار، -أضاء النجم في السماء لما رمي به- فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ قالوا: كنا نقول: ولد الليلة رجلٌ عظيم، ومات رجلٌ عظيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال، قال: فيستخبر بعض أهل السماوات بعضاً حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا) كلما أمر سبحانه بأمرٍ سبحت الملائكة على طبقاتها؛ حملة العرش ويليهم أهل السماوات السبع، حتى ينتهي التسبيح إلى الملائكة الذين في السماء الدنيا، إن السماوات ممتلئة بالملائكة ليس فيها موضع شبرٍ أو أربع أصابع إلا وفيه ملكٌ قائم راكعٌ أو ساجد (أطت السماء وحق لها أن تئط) لقد اهتزت واضطربت بعبادة الملائكة فيها، فهؤلاء الملائكة يسبحون الله سبحانه وتعالى.

    - وكذلك الجبال والطير تسبح، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى بقوله عز وجل: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النور:41].. وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44] فهي تسبح الله عز وجل وقال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44] كل شيءٍ حتى الجمادات تسبح بحمد الله تعالى، وهذه الجبال لما كان داود عليه السلام يقرأ في الزبور ما تملك الجبال إلا أن تسبح معه من جمال صوته عليه السلام، ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ [سبأ:10] قال مجاهد : [سبحي معه].

    ومن الجمادات التي سبحت: الطعام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا نعد الأيادي بركة وأنتم تعدونها تخوفيا، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بإناءٍ فيه ماءٌ قليلٌ فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حيّ على الطهور المبارك، والبركة من الله) فلذلك لا يجوز أن يقال: بارك لنا يا فلان، أو تباركت علينا يا فلان، مصدر البركة من الله وليست من المخلوق، والله يبارك من خلقه ما يشاء، فجعل النبي مباركاً، وجعل ماء زمزم مباركاً، ويجعل البركة فيما يشاء سبحانه وتعالى.

    وقال ابن مسعود: (فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل بين يدي النبي صلى الله عليه وسل) فالصحابة كان يسمعون بآذانهم تسبيح الطعام وهو يؤكل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

    وأكرم وأعظم تسبيح هو تسبيح أهل الجنة.

    أهل الجنة يسبحون الله عز وجل، وتسبيحهم لله سبحانه وتعالى ليس بتعبٍ ولا بنصب؛ لأنهم يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون، ولا يتغوطون ولا يمتخطون، قالوا: فما بال الطعام؟ أين يذهب إذا أكله أهل الجنة؟ قال: جشاءٌ ورشحٌ كرشح المسك) فضلات الطعام من أجسادهم تترشح، ولكن رشحٌ ليس كعرقنا برائحة كريهة، إنما هو رشحٌ كرشح المسك، فيضمر بطن أحدهم، فيعود ويأكل، ويرشح كرشح المسك، ويضمر بطنه ويأكل، وهكذا في أكلٍ مستمر ولذةٍ مستمرة.

    قال عليه الصلاة والسلام في الحديث: (يلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس) رواه مسلم ، هل نتعب إذا تنفسنا نحن، إننا نتنفس بطريقةٍ آلية بدون كلفةٍ أو مشقة وهكذا يلهم أهل الجنة التسبيح، يسبحون باستمرار ولا يتعبهم ذلك التسبيح.

    فضل التسبيح وأجره ومنزلته

    التسبيح -أيها الإخوة- منزلته عظيمة وأجره جزيل وفضله كبير.

    وقد جاء عن أبي مالكٍ الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض) وقال: (الحمد لله تملأ الميزان) وكذلك قال (إن التسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض) روى ذلك النسائي رحمه الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهو صدقةٌ من الصدقات كما قال عليه الصلاة والسلام: (يصبح على كل سلامى في كل يوم صدقة) كل عظم أو كل مفصل من المفاصل عليه صدقة، لشكر نعمة المفاصل، كيف نتحرك وكيف نقرب وكيف ننبسط إلا بهذه المفاصل، في الإنسان ثلاثمائة وستون، كل واحد عليه شكر نعمة، كل سلامى من أحدكم في كل يومٍ صدقة، فمن أين تأتي بثلاثمائة وستين صدقة؟ قال: (فله بكل صلاةٍ صدقة، وصيامٍ صدقة، وحجٍ صدقة، وتسبيحٍ صدقة) الحديث رواه أبو داود وهو حديثٌ صحيح.

    وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن أجر التسبيح فقال الحديث الذي رواه أحمد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي عبد الله مولى جهينة قال: سمعتُ مصعب بن سعد يحدث عن سعد ، وهؤلاء كلهم ثقات، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيعجز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنة؟! قالوا: ومن يطيق ذلك؟ قال: يسبح مائة تسبيحه فيكتب له ألف حسنةٍ وتمحى عنه ألف سيئةٍ).

    إذاً مائة تسبيحه في اليوم، مائة تسبيحة يومياً يسردها كلها في نفس الوقت أو يجزئها على أوقات أو غير ذلك، وهي سهلة، قد تحتاج منك عشر دقائق أو ربع ساعة، دقائق قليلة تكسب فيها ألف حسنة، وليس فقط هذا، وإنما تمحى عنك ألف سيئةً أيضاً، والله ذو الفضل العظيم.

    1.   

    تسبيح النبي صلى الله عليه وسلم

    لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسبح الله في صلاته، وإذا أردنا أن نعرف عدد المرات التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يسبح فيها في ركوعه وسجوده فإن أقرب حديثٍ ينبئنا عن ذلك حديث سعيد بن جبير : قال: (سمعت أنس بن مالك يقول: ما صليتٌ وراء أحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى -يعني: عمر بن عبد العزيز- قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات) رواه النسائي رحمه الله فيه.

    هذا الحديث هو الحديث الذي فيه ذكر عدد التسبيحات النبوية في الركوع والسجود، كان عليه الصلاة والسلام -نحن نعلم أن الواحدة واجبة والثلاث أفضل- يسبح عشر تسبيحات في الركوع وعشر تسبيحات في السجود.

    وكان عليه الصلاة والسلام يسبح في صلاته إذا قرأ القرآن وخصوصاً في قيام الليل كما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه قال: (صليتٌ مع النبي عليه الصلاة والسلام ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلتُ: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً فإذا مر بآية فيها تسبيحٌ سبح، وإذا مر بسؤالٍ سأل، وإذا مر بتعوذٍ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريباً من قيامه) وهكذا كان عليه الصلاة والسلام طويل التسبيح في صلاته، وفي ركوعه وسجوده، وفي قيامه إذا قرأ في صلاة الليل ومر بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبح الله عز وجل، توقف عن القراءة وصار يسبح الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    مواطن يستحب فيها التسبيح

    التسبيح في الصلاة المفروضة وبعدها

    لقد جاءت -أيها الإخوة- السنة بأن التسبيح في افتتاح الصلاة وأثناء القراءة في قيام الليل، وفي الركوع والسجود، وإذا انتهى من الصلاة فإنه يسبح الله ثلاثاً وثلاثين كما جاء ذلك في حديثٍ صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام ((من سبح الله في دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على شيءٍ قدير؛ غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر).

    فإذاً في أول الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وبعد نهاية الصلاة أول ذكر من الأذكار: سبحان الله، يبدأ به، ثلاثاً وثلاثين.

    التسبيح في الصباح والمساء

    لقد جاءت السنة أيضاً بتسبيح الله سبحانه وتعالى في الصباح والمساء كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحدٌ قال مثلما قال أو زاد عليه) رواه مسلمٌ رحمه الله تعالى.

    وكذلك فإن التسبيح في الصباح والمساء مما ورد في القرآن: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى [طه:130] وكما مر معنا يطلق التسبيح على الصلاة.

    التسبيح في السفر

    لقد ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كانوا إذا نزلوا في السفر -في منخفضٍ من الأرض- سبحوا الله تعالى: (كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا) وقد أشار ابن القيم رحمه الله وغيره إلى مناسبة هذا التسبيح، وهو أن الإنسان إذا نزل في منخفض فإنه يتذكر أن ينزه الله تعالى عن السفول وعن المواطن المنخفضة، وعن كل نقصٍ وعيبٍ، ويقدس ربه بهذا التسبيح، فإذا نزل قال: سبحان الله، وإذا ارتفع تذكر عظمة ربه وارتفاعه سبحانه وتعالى فكبرَ، يكبر الله ويذكر الكبير المتعال.

    وكذلك التسبيح يكون أيضاً في الركوع والسجود واجباً كما تقدم، وأن التسبيح في الركوع بقوله: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى مناسبٌ لحال المصلي، فإن المصلي عندما يكون في أنزل مكان وأخفض مكان ويضع جبهته على الأرض ويقول: سبحان ربي الأعلى، فيتذكر علو ربه، وهو في أخفض مكان، كما أنه يسبحه عندما ينزل في الأماكن المنخفضة في الأسفار، وهذا ليس خاصاً بالأرض فحتى لو كان في الجو ونزل أو نزلت الطائرة فإنه يسبح الله سبحانه وتعالى.

    تنبيه الإمام في الصلاة بالتسبيح

    سبحان الذي لا ينسى، لقد كان التسبيح منبهاً للإمام من قبل المأمومين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نابه شيءٌ في صلاته فليقل: سبحان الله). ( وجعل التصفيق للنساء والتسبيح للرجال) فإذا أخطأ الإمام وأراد المأموم أن ينبهه، فإنه يقول له: سبحان الله، فهذا الإنسان ينسى والله تعالى لا ينسى، فسبحان من لا ينسى، ولذلك يذكر المأموم الإمام التسبيح، إذا أخطأ أو سهى في صلاته، كما أن المصلي يمكن أن يسبح لأي شيءٍ ينوبه في الصلاة، فلو أن إنساناً طرق الباب، أو أوشك شخصٌ على الوقوع في المهلكة، أو أوشك الولد أن يقترب من الكهرباء، وأراد المصلي أن ينبه زوجته أو أحداً في البيت، فإنه لا بأس عليه أن يرفع صوته بالتسبيح ما دام أنه قد نابه شيءٌ في الصلاة، فليسبح. (من نابه شيءٌ في صلاته فليقل: سبحان الله فإنه لا يسمعه أحدٌ يقول: سبحان الله إلا التفت) حديثٌ صحيحٌ رواه البخاري رحمه الله تعالى.

    وكذلك جاء عن علي رضي الله عنه: (كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعةً آتيه فيها، فإذا أتيته استأذنته؛ إن وجدته يصلي فسبح دخلت، وإن وجدته فارغاً أذن لي).

    إن التسبيح أيها الأخوة! يكون في عبادات أخرى مثل: ما يكون في صلاة الكسوف والخسوف، فإنه قد جاء في السنة أن التسبيح عند الكسوف والخسوف عبادة، كما روى عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه حيث قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد كسفت الشمس وهو قائمٌ في الصلاة رافعٌ يديه، فجعل يسبح ويهلل ويكبر، ويحمد ويدعو حتى حسر عنها) وهذا الحديث قد رواه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه .

    التسبيح في صلاة العيدين

    والتسبيح يكون مشروعاً في تكبيرات صلاة العيدين، فإن الثناء على الله بعد كل تكبيرة من تكبيرات صلاة العيدين سنة، فيسبح ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويحمد الله تعالى ويهلله عز وجل، فيقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، والذي ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه، مما كان يقول بين تكبيرات العيد، أن يحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

    التسبيح عند التعجب

    التسبيح يستعمل عند التعجب، إذا قال لك إنسان شيئاً عجيباً أو استغربت من فعلٍ أو قولٍ فإنه يشرع لك التسبيح، هذا من المواطن التي يسبح فيها الإنسان، وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا هريرة وأبو هريرة جنب، فانسل أبو هريرة وذهب خفية فاغتسل فتفقده النبي عليه الصلاة والسلام وسأل عنه قال: أين كنتَ يا أبا هريرة ؟ قال: يا رسول الله! لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال: سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس) فقد تعجب عليه الصلاة والسلام مما قاله أبو هريرة إذ كان أبو هريرة يظن أن الجنب لا يجالس ولا يصافح، فقال ((سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس)

    وكذلك جاء في صحيح مسلم ، عن أنسٍ رضي الله عنه أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنساناً فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (القصاص القصاص فقالت أم الربيع: يا رسول الله! أتقتص من فلانه؟ والله لا يقتص منها! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: القصاص كتاب الله، سبحان الله يا أم الربيع!

    وإن هناك من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره، كما حصل أن عم أنس بن مالك ، أنس بن النضر لما جيء بخبر القصاص قال: والله لا تكسر ثنية الربيع وأبر الله قسمه وتسامحا) وكانوا من قبل مصرين على القصاص، ومصرين على كسر سن هذه الفاعلة، وهذه الفاعلة كان لها منزلة عظيمة، لكنها اعتدت وأخطأت، ولما حكم النبي عليه الصلاة والسلام بالقصاص، وأصروا عليه وجاء أنس بن النضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: والله لا تكسر ثنية الربيع ، هذه المرأة الصالحة لا تكسر ثنيتها حلف فأبر الله قسمه، فجاءوا وتنازلوا ولم تكسر ثنيتها.

    إن التسبيح عند الرعد قد ورد فيه حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كنّا مع عمر رضي الله عنه في سفر، فأصابنا رعدٌ وبرد فقال لنا كعب رضي الله عنه: من قال حين يسمع الرعد: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاث مرات، عوفي من ذلك الرعد، قال: فقلنا فعوفينا) أخرجه الطبراني وحسنه ابن حجر رحمه الله كما نقل ابن علان في الفتوحات الربانية .

    التسبيح للحائض والجنب

    إن هذا التسبيح يكون للإنسان في كل أحيانه، ولذلك فهو إنقاذ للحائض ومجالٌ لها للأجر وذكر الله تعالى، فحيث أنها لا تقرأ القرآن ولا تمسك القرآن، وعند بعض العلماء لا تقرأ القرآن لكنها لا تنسى التسبيح، ولذلك لما ذكر الترمذي رحمه الله تعالى المسألة في سننه ساق الحديث وفي إسناده ضعف، قال ((لا تقرأ الجنب ولا الحائض) وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، مثل: سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً إلا طرف الآية والحرف ونحو ذلك، ورخصوا للجنب والحائض في التسبيح والتهليل.

    فحتى لو قلنا على قول هؤلاء العلماء أنها لا تقرأ القرآن، فلا يعني هذا أن تنقطع عن ذكر الله، ولذلك يكون التسبيح مجالاً للعبادة، فتهلل وتسبح وتذكر الله عز وجل، واختار عددٌ من أهل العلم أن الحائض يمكن أن تقرأ القرآن لكن بدون أن تمس المصحف، وتقرأ القرآن إما عن ظهر قلب، أو أنها تمسك المصحف بخرقةٍ أو بشيءٍ أو تقلب الورقة بالقلم ونحو ذلك.

    التسبيح فيه قوة للبدن ووقاية من المجاعة

    التسبيح فيه قوة للبدن والدليل على أن التسبيح يقوي البدن ما جاء في الحديث الصحيح عن عبيدة السلماني عن علي رضي الله عنه قال: شكت إليّ فاطمة مجل يديها من الطحين -لقد أصاب يدي فاطمة خشونة نتيجة الخبز فشكت لزوجها علي رضي الله عنه- فقال لها علي مقترحاً: لو أتيت أباك فسألته خادماً، فذهبت تسأل أباها خادماً يكفيها مؤنة العمل، فقال ((ألا أدلكما على ما هو خيرٌ لكما من الخادم؟ إذا أخذتما مضجعكما تقولان ثلاثاً وثلاثين، وثلاثاً وثلاثين وأربعاً وثلاثين، من تحميدٍ وتسبيحٍ وتكبير).

    فإذا سبحان الله ثلاثاً وثلاثين والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين، هذه الأذكار بدل الخادم، إذاً تعطي قوة للبدن، وتعوض عن الخادم، وأشار إلى هذا المعنى ابن القيم رحمه الله وعده من الأذكار التي تقوي البدن، وقد جاء في الحديث أيضاً، أن التسبيح يقيت الناس، عندما لا يكون هناك طعام ولا شراب، وهذا ليس في الآخرة بل في الدنيا، يأتي على الناس وقت لا يجدون فيه طعاماً ويعيشون مدة طويلة بدون طعام فما يقيتهم وما يقويهم وما يبقيهم على قيد الحياة، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الدجال المشهور: (وإنه قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شدادٍ يصيب الناس فيها جوعٌ شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضرا، فلا تبقى ذات ظلف -الدواب- إلا هلكت، إلا ما شاء الله، قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير والتسبيحُ والتحميدُ ويجري ذلك عليهم مُجرى الطعام).

    إذاً يقوم هذا بالنسبة لهم مقام الطعام، ويكفيهم عن الطعام! هذا التسبيح لعظمة أجره وفائدته في الدنيا وفي الآخرة.

    1.   

    ابن مسعود وإنكاره للتسبيح الجماعي

    ولنعلم أخيراً -أيها الإخوة- أن هذه العبادة قد ابتدع بعض الناس فيها بدعاً كثيرة، في طريقة التسبيح، وأدخلوه في أشياء، فبعضهم يسبح في الأذان، وأيضاً في اتباع الجنازة بعضهم يسبح مشيعاً الجنازة، ولا شك أن هذا كله من البدع المنكرات.

    وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز.

    ومن البدع أيضاً: التسبيح الجماعي كما يفعل في بعض البلدان، يبدأ الإمام فيسبح الناس كلهم بصوتٍ واحد ثلاثاً وثلاثين بعد الصلاة وهكذا.

    أصحاب حلق الذكر وكيفية تسبيحهم

    وقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حديثٌ عظيمٌ في هذا الشأن، رواه الدارمي رحمه الله بإسنادٍ صحيح، قال عمرو بن يحيى سمعتُ أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد -يستفيدون من العالم وهو خارج من باب بيته إلى المسجد- فجاءنا أبو موسى الأشعري على باب بيت عبد الله بن مسعود ، فقال: أخرجَ إليكم أبو عبد الرحمن بعدُ؟ قُلنا: لا. فجلس معنا، حتى خرجَ فلما خرجَ قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ! إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً نكرته، ولم أرَ والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو؟ قال: إن عشتَ فستراه، لقد رأيتُ في المسجدِ قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة في كل حلقةٍ رجلٌ وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة!! -إذاً هذا العمل كان عن أمر رجلٍ بمجموعات معهم حصى قال عبد الله بن مسعود لـأبي موسى الأشعري : فماذا قلتَ لهم؟ قال: ما قلتُ لهم شيئاً انتظاراً لرأيك وأمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم؟ وغضب عبد الله بن مسعود ؛ لأن أبا موسى لم ينكر المنكر الواضح والبدع الواضحة، ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقةً من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعدُ بها التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ ألا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر -ما أسرع ما وقعتم في البدع! الآن الصحابة ما زالوا موجودين والنبي صلى الله عليه وسلم آنيته موجودة، وثيابه موجودة، ومات قريباً، وبسرعة وقعتم في البدع- والذي نفسي بيده؛ إما إنكم لعلى ملةٍ هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة قالوا: والله -يا أبا عبد الرحمن - ما أردنا إلا الخير -هذه العملية فيها تحميس وفيها ضبط للعدد، هذه العملية يتشجعون فيها على الذكر، ولا أحد يقوم بسرعة بعد الصلاة بل الجميع يأتي بالأذكار وما أردنا إلا الخير- قال: وكم من مريدٍ للخير لم يصبه!

    وكم من مريد للخير لم يصبه

    وهذه عبارة عظيمة جداً أهل البدع لا أحد منهم يقول: أنا أريد شراً، لا أصحاب المسابح الألفية ولا أصحاب الصلوات النارية، ولا أصحاب الأذكار الصمدية، ولا أصحاب اللطيفية، يا لطيف أربعة آلاف وأربعمائة وأربعين مرة! ولا أصحاب البدع المختلفة من الموالد وغيرها. ولا يقول: أريد بدعة، كلهم يقول: نريد الخير، نريد إحياء القلوب، نريد الذكر والحسنات، نريد الأجر، نريد التحميس، نريد الضبط وهكذا، فقال ابن مسعود : وكم من مريدٍ للخير لم يصبه! أي: فكونكم تريدون الخير، لا يبرر العمل -إذا كان العمل خطأ فالمائة الحسنة لا تبرره، يبقى العمل خطأ ولو كانت النية حسنة.

    ليت أصحاب البدع من الصوفية وغيرهم يفقهون هذه الكلمة، النية الحسنة لا تبرر البدعة، تبقى البدعة بدعة، والخطأ خطأ ولو كانت نية حسنة، ولو كان يقصد الخير، ولو قال لك: اجتمعنا في المولد في اثني عشر ربيع الأول لنتذكر سنة محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته، ولو كنتم تريدون الخير، ولو كنتم تقصدون إحياء السيرة وتذكرها، يبقى الاحتفال بالمناسبة بدعة، والاجتماع عليها بدعة، ويبقى إظهار الاحتفال والفرح بها عيدٌ مبتدع مخالف، وكم من مريدٍ للخير لم يصبه.

    كنتُ أناقش شخصاً قبل أيام في مسألة الاحتفال بيوم المولد، فقال: نحن نجتمع في يوم المولد ونعمل أشياء، وفينا أحد المشايخ يرى الرسول صلى الله عليه وسلم كل ليلة في المنام، ويأخذ منه تعليمات.

    وهذه كارثة أيها الإخوة، يرى الرسول كل ليلة! هل الرؤية باليد، أم بالريموت كنترول؟ واحد إذا ضغط على زر يأخذ قليلاً من النوم ثم يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يا ليت رؤيا النبي عليه الصلاة والسلام بالمنام كانت مسألة باليد، إذاً.. لكان الواحد ضغط الزر ونام، أو يقول أذكاراً معينة وينام ويأتيه الرسول في المنام، هذا يقول: شيخنا يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ليلة، قلت له: في كل ليلة؟! قال: لا يمر أسبوع إلا ويراه، ثم قال: يتلقى منه تعليمات، وهذه طبعاً كارثة كبيرة جداً جداً، أي: يتلقى منه تعليمات، يعني ممكن أن يقول: الكتاب والسنة الآن على جنب، وفتح باب جديد، لأن هناك تعليمات إضافية، يأتيه في المنام ويقول له تعليمات، وافعل وقل لأتباعك، وقل لأصحابك أن يفعلوا كذا كذا.

    وهذا هو الخطر العظيم وهذا هو الشر الداهم والمستطير أن يقال: جاءنا في المنام، لو جاءه أحد فقد جاءه إبليس قطعاً.

    المبتدعة لا يجاوز القرآن تراقيهم

    وقال ابن مسعود لأصحاب حلق الذكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا: (إن قوماً يفقهون القرآن لا يجاوز تراقيهم) لا أجر ولا ثواب ولا انتفاع، لا يجاوز الحناجر والتراقي، وايمُ الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، هذه فراسة ابن مسعود رضي الله عنه فراسة عجيبة! يقول ابن مسعود : أظن القوم هؤلاء الذين أخبرني النبي عليه الصلاة والسلام عنهم، أنهم يقرءون القرآن ولا ينتفعون به، ولا يثابون ولا يأخذون منه شيئاً، مثل السهم إذا اخترق الغزال ونفذ من الطرف الآخر من سرعته وقوته، فإن السهم يخرج نظيفاً لم يعلق به من لحم وعصب الغزال شيء إطلاقاً، كما يخرج السهم من الرمية من قوس الصائد، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم.

    يقول: لعل أكثر هؤلاء منكم أنتم يا أيها الذين تذكرون بهذه الطريقة المبتدعة، ثم تولى عنهم رضي الله عنه، فقال عمرو بن أبي سلمة : رأينا عامة أولئك يطاعنون يوم النهروان مع الخوارج ، فعلاً حصل، وهؤلاء كانوا في عماد جيوش الخوارج الذين قاتلوا علياً والصحابة والصالحين من المسلمين في معركة النهروان ، وكان معهم ذو الثدية وهو رجلٌ أسود، مقطوع اليد، في عضده مثل حلمة ثدي المرأة، علامة على أن هؤلاء هم جيش الخوارج ، ولذلك علي بن أبي طالب طلبَ أن يلتمسوه في القتلى، حتى يطمئن أنه ما قاتل مسلمين وأراق دماء مسلمين، فبحثوا فما وجدوه قال: ما كذبت ولا كذبت، لا يمكن إلا أن يكون هذا موجوداً، فبحثوا وبحثوا ووجدوه تحت الجثث مقتفياً مقتولاً، وجدوه وآيته في عضده مثل حلمة ثدي المرأة وحولها شعيرة.

    رجل أسود، النبي صلى الله عليه وسلم أخبر علياً رضي الله عنه أنه سيقاتل قوماً هذه آيتهم، ذو الثدية وفعلاً قد كانوا هؤلاء.

    إذاً أيها الإخوة: هذا التسبيح عبادة عظيمة قد يجعلها بعض الناس على هيئةٍ بدعية، لا يرضاها الله ولا رسوله، ولا شرعها الله ولا رسوله.

    1.   

    التسبيح باليد اليمنى

    ويكون التسبيح باليد، والأفضل باليمنى كما بين الصحابي كان يعقد التسبيح بيمينه، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما روى عمرو بن العاص : (كان يعقد التسبيح بيمينه) رواه أبو داود والترمذي وهذا الحديث يبين أن السنة أن الإنسان إذا أراد أن يعد التسبيح أن يجعل عقدة من طرف الأصبع الأنملة مع راحة اليد، هذه عقده، وهذه عقدة ثانية، وهذا طرف الإصبع مع راحة اليد، فيعقد التسبيح بيمينه ويعد ثلاثة وثلاثين وهكذا إذا أراد أن يضبط العدد، وهذا ليس فقط لضبط العدد، بل له فوائد أخرى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنهن مسئولاتٌ مستنطقات، أطراف الأصابع الأنامل، قال (واعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات) فيوم القيامة تشهد لك هذه الأنامل بأنك ذكرت الله فيها، هذه طائفة من هذه العبادة العظيمة وهي التسبيح.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المسبحين ومن المستغفرين ومن التائبين، وصلى الله على نبيه الأمين.

    1.   

    الأسئلة

    التسبيح بالسر

    السؤال: هل التسبيح بالسر مشروع؟ أو لابد من تحريك الشفتين على الأقل؟

    الجواب: نعم. لا يعتبر تسبيحاً حتى تذكره، ولا يكون ذكراً حتى تتلفظ به، ولكن لا يعني أن تجهر به وتصيح، لكن لابد أن يجري نفس يتحرك اللسان والشفتان حتى يكون ذكراً تؤجر عليه، أما التأمل القلبي أو إمرار الشيء في الذهن، فلا يعتبر ذكراً إلا إن كان ذكراً بالقلب.

    تفريق صيام الكفارة

    السؤال: هل يجوز تفريق صيام كفارة اليمين؟

    الجواب: نعم. الجمهور على أنه يجوز تفريقه، وذهب ابن مسعود رضي الله عنه إلى التتابع فيها، وقرأ القراءة المفسرة صيام ثلاثة أيام متتابعات، ولكن لو فرقها ليس عليه بأس إن شاء الله، وإذا صامها متوالية فهو أحوط.

    مسألة في الإحرام

    السؤال: نقل عملي من الظهران منذ ثلاث سنوات، وما زال منزلي في جدة قائماً أعود إليه في الإجازة، فمن أين يكون إحرامي؟

    الجواب: إذاً ما دام لك منزل هناك في ذلك المكان فأنت مخير، أن تحرم من هنا أو تحرم من منزلك هناك، أن تحرم من ميقات أهل الشرقية هنا، أو أن تحرم من منزلك في جدة .

    صلاة التسابيح ومشروعيتها

    السؤال: ما مشروعية صلاة التسابيح؟

    الجواب: هذه الصلاة قد اختلف فيها أهل العلم اختلافاً كثيراً، فقال بعضهم بمشروعيتها وذهب إلى تحسينه كالحافظ ابن حجر رحمه الله، وذهب إلى أنها ليست بثابتة عدد من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فعلى حسب ما يترجح لطالب العلم يعمل، والذي ليس عنده قدرة على بحث المسألة والخروج بنتيجة، فإنه يقلد أهل العلم، فإذا سأل العالم قال له: ليست بمشروعة، فلا يجوز.

    مسألة تقطيع أذكار الصباح والمساء

    السؤال: أذكار الصباح والمساء هل يجوز تقطيعها؛ مثلاً يقرأ دعاءً ثم يشغله شاغل ثم يرجع ويكمل؟

    الجواب: نعم. هي مجموعة أذكار وأدعية لو قرأ بعضها ثم انشغل بشيء، ثم أكمل بعد ذلك فلا حرج في هذا.

    حكم جوائز السحب في المبيعات

    السؤال: ما حكم الجوائز من السيارات وغيرها التي توضع في بعض محلات التسويق لمن يشتري، توزع كوبونات للمشتري ثم يضعها في الصندوق ويجرى عليها السحب بالحظ؟

    الجواب: إذاً أنت تدفع مالاً، وتأخذ كوبوناً وقسيمةً، ويجرى عليها سحب على أمل أن تخرج لك جائزة، وهذه صورة مقامرة وميسر لا يجوز الدخول فيها؛ لأنك إنما نلت هذا أو هذه القسيمة بالمال الذي دفعته، ثم قد تغنم وقد لا تغنم شيئاً.

    حكم شراء المواد الغذائية وداخل بعضها نقود

    السؤال: إذا اشتريت بعض المواد الغذائية تجد بداخلها نقوداً تصل إلى الخمسمائة ريال أحياناً؟

    الجواب: هذه أيضاً لا تجوز، يجعل لك في علبة حليب خمس عشرة ريالاً، وفي علبة لا شيء، وفي أخرى خمسمائة، إذاً هذه المجازفة والمغامرة وهذا المجهول الموجود في العلبة يجعل هذا البيع ليس بجائز، لكن لو قالوا لك: العلبة هذه بخمسين فيها ثلاث ريال، أي علبة تشتريها فيها ثلاثة ريال، إذاً فالحقيقة سعر العلبة كذا، انتهت المسألة إذاً لا جهالة في العملية، لكن نقول لك: هذه العلبة يمكن فيها عشرة أو خمسة أو ريال أو لا شيء، وأنت تشتري، قد يخرج وقد لا يخرج، ثم إن هناك سلعاً متشابهة ويشترون هذه بالذات على أن يخرج فيها خمسمائة، هو أصلاً الدعاية والإعلان قائم في الغالب على التزوير، والغش والخداع، والتلبيس والضحك على عقول الناس والسذج والبسطاء، أكثر الناس يقفون هكذا في السحب من هؤلاء.

    الدم العلامة البينة للدورة الشهرية

    السؤال: الزوجة تأتيها علامات الدورة الشهرية ولا يأتي الدم، ولها خمسة أيام تأتي العلامات ولا تحدث دورها في الدم؟

    الجوب: ما دامت ما رأت الدم، فهي تصوم، الدم هو البينة والعلامة القاطعة، وكذلك الكدرة والصفرة إذا جاءت في وقت العادة فهي عادة.

    صلاة الضحى

    السؤال: هل الركعتان اللتان تصليا بعد شروق الشمس في المسجد ورد فيهما حديث؟ وهل تصلى في التاسعة صباحاً؟

    الجواب: نعم. منهم من يقول: هذه صلاة الإشراق، ومنهم من يقول: هذه صلاة الضحى، ولعلها صلاة الضحى، إن شاء الله أن هاتين الركعتين صلاة الضحى، يمكن أن تصلى في أي وقت من بعد ارتفاع الشمس إلى قبيل الظهر.

    حكم حمل الطفل في الصلاة وعليه نجاسة

    السؤال: ما حكم صلاة العبد إذا كان يحمل ابنه الصغير وفيه نجاسةٌ بالبول، ولكن مع الحاجز من الحفاظات؟

    الجواب: لا بأس بذلك، ما دام أن النجاسة لا تصل إلى المصلي ليس فيها رطوبةٌ تتسرب إلى المصلي، وهو يصلي فلا حرج في حمله الطفل.

    حكم صيام كبير السن الذي لا يميز

    السؤال: والدي ووالدتي لا يصومان لكبر سنهما ولا يقدران على تمييز الأوقات؟

    الجواب: إذا كبر الشخص وأصابه الخرف، وصار لا يدري بالأوقات، ولا يميز الأشخاص، فقد سقط عنه التكليف فلا صلاة عليه ولا صيام، ولا يأمر بهما حيث أنه غير مكلف.

    أما إذا كان هذا الكبير يعقل وإذا قيل له أن يصوم يفهم معنى الصيام، ولا زال يعرف معنى الصيام والصلاة، فإنه يأمر بهما، وإذا قلنا إنه غير مكلف وأصابه الخرف وفقد التمييز؛ فإنه لا صيام عليه ولا قضاء ولا كفارة ولا على أوليائه شيء ولا عليه شيء؛ لأنه ليس بمكلف مثل: الصبي الصغير.

    ابتلاع اللعاب لا يفطر

    السؤال: ابتلاع اللعاب الذي في الفم؟

    الجواب: هذا لا يضر الصيام.

    مسألة في الزكاة

    السؤال: هل أخرج الزكاة على أرباح الشركة المساهمة التي أخذت منها نصيبي من الإرث؟

    الجواب: أسهم الشركات الذي يتعامل بها هو أحد شخصين؛ إما أنه يريد باتخاذها وشرائها أن يتكسب من أرباحها ويبقيها عنده أصل، ويأخذ الأرباح ويعيش من الأرباح ويكسب من الأرباح.

    الثاني: أن يقصد بشرائها المتاجرة فيها، فيشتري الأسهم ليبيعها، فالأول لا زكاة عليه إلا في المال الذي يأخذه من الأرباح إذا حال عليه الحول؛ لأنه ما اتخذ الأسهم عروض تجارة يبيع فيها ويشتري، وإنما أرادها لأجل الأرباح، فالأرباح إذا أخذها فإن الزكاة فيها.

    وأما إذا كان قد اتخذ أسهم الشركات يبيع فيها ويشتري ويتاجر في الأسهم، فالزكاة عليها وعلى أرباحها، فإذا حال الحول على الأسهم المعدة للبيع والشراء ففيها زكاة في قيمتها الحالية، وإذا خرجت الأرباح ففيها الزكاة وحولها حول الأصل، ولا ينتظر بالأرباح حول مستقل، وإنما حولها حول أصل.

    الوتر يشفع بركعة عند قيام الليل

    السؤال: إذا أراد رجل أن يقوم آخر الليل فهل يصلي مع الإمام ويوتر ويكمل الركعة؟ أم لا يصلي؟

    الجواب: له خياران، إما أنه يكمل الوتر مع الإمام ويشفعه بركعة، ثم يقوم ويصلي في الليل ما يريد ويوتر، وإما أن يصلي في الليل مثنى مثنى ولا يعيد الوتر ويكتفي بوتره الأول مع الإمام.

    حكم قراءة سورة بعد الفاتحة في السنن الرواتب

    السؤال: هل يجب أن يقرأ شيء من القرآن بعد الفاتحة في سنن الرواتب؟

    الجواب: لا يجب ولا في الفرائض، لكن السنة أن يقرأ.

    وقت فطر المسافر بالطائرة

    السؤال: إذا كان الرجل الصائم يريد أن يسافر بالطائرة إلى مكان ليس فيه مسلمون، وأقلع بالطائرة من مدينته عند قرب الغروب، هل يعتبر كصيام أهل البلد الذين يذهب إليهم؟

    الجواب: الصائم إذا أراد أن يصوم في السفر، وإذا أراد أن يحسب له اليوم كاملاً، فإنه لا يفطر إلا إذا غربت الشمس في المكان الذي هو فيه، فإن كان في الجو لا يفطر إلا إذا غربت الشمس والطائرة في الجو، وعندما يكون في الجو فهو ينتظر الغروب لا في الأرض ولا في البلد الذي سيصل إليه، ولا في البلد الذي أقلع منه، وإنما هو في الجو بحسب غروب الشمس وهو في الجو، إذا اختفت وهو في الجو أفطر ويعتبر يوماً كاملاً، وإذا أراد أن يفطر فعذره معه، وهو مسافر.

    الاستلاف من أجل الزواج بالثانية

    السؤال: هل من الحكمة الاستلاف للزواج من زوجةٍ ثانية؟

    الجواب: حسب الحاجة، إذا احتاج الشخص إلى أن يتزوج زوجةً ثانية، فلا حرج عليه أن يستلف سواءً الزوجة الأولى أو الزوجة الثانية، لكن بعضهم يستلف من الزوجة الأولى لكي يتزوج عليها زوجة ثانية، فهذه قلة ذوق.

    حكم تخصيص وقت لقراءة القرآن خلال الدوام في الشركات

    السؤال: هل يجوز تخصيص وقت في نهار رمضان خلال العمل في الشركات لقراءة القرآن؟

    الجواب: إذا كان هناك عمل فلا يجوز الانشغال بأي شيءٍ آخر من الفرائض، مادام أنه كان يتعارض مع العمل، فلا يجوز أن يترك العمل ويقرأ القرآن ولا يصلي والسنن وغير ذلك، وأما إذا كان لا يوجد عمل فإنه لا بأس أن يقرأ القرآن وأن يصلي النوافل، وهناك أذكار لا تتعارض مع العمل، إذا كان يكتب -مثلاً- ويستغفر الله ويسبح فلا يتعارض مع العمل.

    حكم حبوب منع الدورة

    السؤال: هل يجوز للمرأة أن تتناول حبوب منع الدورة؟

    الجواب: الأفضل ألا تتناولها؛ لأن تناولها يوقع كثيراً في مشكلات تتعلق باضطرابها، وبالتالي اضطراب الصلاة والصيام.

    حكم حلق الرأس بدون حج أو عمرة

    السؤال: هل يجوز حلق الرأس كاملاً بدون الحج والعمرة؟

    الجواب: إذا كان لغرضٍ صحيح طبي كعلاج أو حجامة فلا مانع، وإلا غير الحج والعمرة مكروه؛ لأن الخوارج كان من سيماهم التحليق.

    المسافر يتم الصلاة إذا وصل إلى مدينة

    السؤال: مسافر صلى المغرب ولم يجمع معها العشاء ودخل وقت العشاء ولم يصل إلى مدينته، ووصل متأخراً فصلى العشاء قصراً؟

    الجواب: إذا وصل إلى بلده فلا يجوز أن يصلي العشاء قصراً لأنه صار في البلد، ويجب عليه أن يتم الصلاة.

    الذكر في سجود السهو

    السؤال: ما المشروع في سجود السهو؟

    الجواب: نفس أذكار السجود الذي في الصلاة العادية.

    المأموم لا يقف عن يسار الإمام

    السؤال: هل يجوز للمأموم أن يقف عن يسار الإمام؟

    الجواب: يقف عن يمينه، وإذا وقف عن يساره فعلى الإمام أن يأخذ بيده فيديره إلى الجهة اليمنى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767384295