إسلام ويب

كتاب الصلاة [19]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هناك أحكام كثيرة شرعت في موضوع الإمامة في الصلاة، منها حكم إمامة الصبي والفاسق والمرأة، كما أن هناك أحكاماً خاصة بالإمام ومنها في موقفه في الصف، ونيته في الإمامة، والفتح عليه إذا ارتج عليه، وغيرها وكل ذلك قد وضحها الفقهاء أيما توضيح.

    1.   

    الإمامة في الصلاة

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    1.   

    الأولى بالإمامة في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [ الفصل الثاني: في معرفة شروط الإمامة ومن أولى بالتقديم، وأحكام الإمام الخاصة به.

    وفي هذا الفصل مسائل أربع:

    المسألة الأولى: اختلفوا فيمن أولى بالإمامة.. ] يعني: الأحق بالإمامة [ فقال مالك : يؤم القوم أفقههم لا أقرؤهم، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة و الثوري و أحمد : يؤم القوم أقرؤهم ].

    سبب الاختلاف في الأولى بالإمامة في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في هذا الاختلاف: اختلافهم في مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم إسلاماً، ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه )، وهو حديث متفق على صحته ] يعني: أخرجه البخاري و مسلم [ لكن اختلف العلماء في مفهومه، فمنهم من حمله على ظاهره وهو أبو حنيفة ] يعني: قدم بالقراءة [ ومنهم من فهم من القراءة هاهنا الأفقه; لأنه زعم أن الحاجة إلى الفقه في الإمامة أمس من الحاجة إلى القراءة، وأيضاً فإن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه ضرورة، وذلك بخلاف ما عليه الناس اليوم ]، يعني: أن الإنسان يقرأ القرآن كله ولا يفهم من معانيه شيئاً، وكان الرجل في زمن الصحابة إذا قرأ سورة البقرة فهو أفقه وفقيه؛ لأنه يعرف المعاني ويعرف كذا.. أما الآن فلا يعرف، فهو يقرأ القرآن كله ولا يعرف عامه ولا خاصه ولا كذا.. وهم كانوا يتلقون القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلقيهم له منه بيان لمعانيه وما يحمله؛ ولهذا أنا قلت: وهذا هو الأقرب من جهة المعنى، يعني: قول الإمام مالك و الشافعي أقرب من جهة المعنى.

    1.   

    إمامة الصبي

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية: اختلف الناس في إمامة الصبي الذي لم يبلغ الحلم إذا كان قارئاً، فأجاز ذلك قوم ] منهم الشافعي [ لعموم حديث عمرو بن سلمة ، أنه كان يؤم قومه وهو صبي. ومنع ذلك قوم مطلقاً ]، ومنهم الحنفية، [ وأجازه قوم في النفل ولم يجيزوه في الفرض، وهو مروي عن مالك ]، و أبي حنيفة و أحمد ؛ لأنهم يقولون: أنه متنفل ومن بعده يصلي فريضة، ولا تصح اختلاف النية؛ لأن صلاته نفل وصلاتهم فرض، وهذا تعليلهم.

    [ وسبب الخلاف في ذلك: هل يؤم أحد في صلاة غير واجبة عليه من وجبت عليه؟ وذلك لاختلاف نية الإمام والمأموم ]، وهذا ما عللوا به.

    ولكن الراجح جواز إمامة الصبي المميز مطلقاً في الفرض والنفل؛ لدلالة حديث عمرو بن سلمة على ذلك، وما قيل فيه إنه يحتمل عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فالجواب عنه: بأنه وقع في زمن الوحي، ولو كان غير جائز لأعلم الله به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ بدليل قول ابن مسعود : ( كنا نعزل والقرآن ينزل ).

    قلت: إن ما عمل في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا يسمى إقراراً.

    وما ذكره المؤلف من سبب الخلاف فيرده حديث معاذ أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم في تلك الصلاة.

    1.   

    إمامة الفاسق

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثالثة: اختلفوا في إمامة الفاسق ] هذه المسألة قد تقع في بعض الأوقات [ فردها قوم بإطلاق ]، أقول: إذا كان في استطاعة المصلين، كأن يكون هناك مثلاً قرية يتحكم فيها المصلون، وليس هناك من يتحكم عليهم، لا أوقاف ولا كذا.. فماذا يقدمون؟ سيقدمون الأصلح، ولكن هذا في مسألة أن الحكومة والأوقاف وغيرها تتدخل وتجعل للمسجد إماماً، ويكون من جهة مسئولية ولا يستطيع المصلون رد ذلك، فما هي السنة؟ وما هي طريقة السلف؟ وما هي البدعة؟

    الجواب: إن طريقة السلف أنهم يصلون بعد البر والفاجر، وقد كان ابن عمر يصلي بعد الحجاج وقد علم ما فيه، كم قتل من العلماء وكم كذا.. إلى غير ذلك، فإذاً من ترك الصلاة وراء مثل هؤلاء الأئمة، وترك الجماعة وصلى في بيته، وقاطعهم فهو مبتدع، بدعته أكبر من هذا الإمام الذي جعلته السلطة.

    [ وأجازها قوم بالإطلاق، وفرق قوم بين أن يكون فسقه مقطوعاً به أو غير مقطوع به، فقالوا: إن كان فسقه مقطوعاً به أعاد الصلاة المصلي وراءه أبداً ] يعني: الفاسق الذي يشرب الخمر والذي يفعل كذا.. [ وإن كان مظنوناً استحبت له الإعادة ] أي: ليس ثابتاً، أو كان متأولاً أعاد الصلاة [ في الوقت، وهذا الذي اختاره الأبهري ] وهو فقيه مالكي [ تأولاً عن المذهب. ومنهم من فرق بين أن يكون فسقه بتأويل أو يكون بغير تأويل مثل الذي يشرب النبيذ، ويتأول أقوال أهل العراق ] يعني: أنه لا يحرم النبيذ إلا لقدر المسكر منه [ فأجازوا الصلاة وراء المتأول، ولم يجيزوها وراء غير المتأول ].

    سبب الاختلاف في إمامة الفاسق

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم في هذا أنه شيء مسكوت عنه في الشرع ] يعني: أن الصلاة وراء الفاسق شيء مسكوت عنه في الشرع، لا ورد في الشرع جوازه ولا نفيه [ والقياس فيه متعارض. فمن رأى أن الفسق لما كان لا يبطل صحة الصلاة، ولم يكن يحتاج المأموم من إمامه إلا صحة صلاته فقط على قول من يرى أن الإمام يحمل عن المأموم أجاز إمامة الفاسق، ومن قاس الإمامة على الشهادة واتهم الفاسق أن يكون يصلي صلاة فاسدة كما يتهم في الشهادة أن يكذب لم يجز إمامته؛ ولذلك فرق قوم ] يعني: بالقياس على الشهادة [ بين أن يكون فسقه بتأويل أو بغير تأويل ] لأن الفسق بالتأويل قد يكون عذراً في ذاته [ وإلى قريب من هذا يرجع من فرق بين أن يكون فسقه مقطوعاً به أو غير مقطوع به; لأنه إذا كان مقطوعاً به، فكأنه غير معذور في تأويله، وقد رام أهل الظاهر ] يعني: قصدوا [ أن يجيزوا إمامة الفاسق بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم ) قالوا: فلم يستثن من ذلك فاسقاً من غير فاسق ]، يعني: أنه داخل في هذا العموم، لكن المؤلف يقول: [ والاحتجاج بالعموم في غير المقصود ضعيف ]، ولكن مال شيخنا في أحد دروسه إلى الاحتجاج بهذا العموم، كما في المذكرات التي عندي فقد مال إلى الاحتجاج بهذا العموم على صحة إمامة الفاسق.

    الراجح في إمامة الفاسق

    قلت: فالراجح صحة إمامة الفاسق لما يأتي:

    أولاً: لدخوله في هذا العموم.

    ثانياً: صحة صلاته لنفسه.

    ثالثاً: أنه من الأمر المسكوت عنه، والأصل عدم البطلان.

    رابعاً: القول بالبطلان حكم شرعي يحتاج إلى دليل.

    خامساً: عمل الصحابة يدل على صحة الصلاة وراء الفاسق، فقد ثبت أن عبد الله بن عمر كان يصلي بعد الحجاج وفسقه ظاهر كالشمس، حتى إنه قيل: إنه تسبب في قتله، فجاء يزوره، فقال: من قتلك؟ قال: أنت.

    1.   

    إمامة المرأة

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الرابعة: إمامة المرأة.

    اختلفوا في إمامة المرأة، فالجمهور على أنه لا يجوز أن تؤم الرجال، واختلفوا في إمامتها النساء.. ] كذلك إمامة النساء الراجح أنه يجوز [ فأجاز ذلك الشافعي .. ] يعني: أن تؤم النساء [ ومنع ذلك مالك .. ] قال: لا تؤم لا رجالاً ولا نساء، يصلين فرادى أو يصلين بعد رجل [ وشذ أبو ثور و الطبري ، فأجازا إمامتها على الإطلاق.. ]، والإمام الطبري دائماً له مخالفات ومنها أنه قال: يجوز أن تكون المرأة قاضية والإمام الطبري له مذهب مستقل.

    هناك امرأة اسمها غزالة ، كانت قائدة وإمامة، كانت تقود المعارك للخوارج، وعندما كانت تتجهز للدخول على البصرة، نذرت لله نذراً إن هي انتصرت ودخلت البصرة، أن تصلي بقومها صلاة الفجر في مسجد البصرة بسورة البقرة، وفعلاً دخلت وانتصرت ودخلت البصرة وأوفت بنذرها، فصلت بهم إمامة في صلاة الفجر بسورة البقرة كلها.. وهم واقفون وراءها يصلون، وبعد ذلك كان يقول صبيان البصرة:

    أوفت غزالة نذرها يا رب لا تغفر لها

    ودليل أبي ثور والطبري الحديث الذي سيأتي، ورواه أبو داود بسند صحيح من حديث أم ورقة : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها )، فاستدلوا بهذا الحديث، وشيخنا كان في الدرس يميل إلى هذه القضية خاصة، وليس إلى إمامتها مطلقاً، لكن كان يقول: إذا كان أهل دارها -يعني محارمها- فتصلي بهم عملاً بهذا الحديث.

    وقد كان فيهم رجل؛ لأنه كان يؤذن لها رجل وهو غلامها فتصلي بهم كما في الحديث، فالشيخ مال إلى مثل هذه القضية فقط في البيت تؤم أهل بيتها، إذا كانت فقيهة.. فتؤم أولادها أو كذا.. فقد أجاز لها في مثل هذا فقط، أما أنها تكون إمامة مطلقاً فلا؛ لأنها عورة.

    وقوله: (فأجازا إمامتها على الإطلاق)، يعني: أبا ثور و الطبري ، وفيه شيء، لكن لو قالا بأنها تؤم أهل بيتها فقط؛ لكان الحديث دليلاً لهم.

    [ وإنما اتفق الجمهور على منعها أن تؤم الرجال; لأنه لو كان جائزاً لنقل ذلك عن الصدر الأول ]، يعني: أن الصدر الأول ما نقل عنهم شيء إلا ما نقل عن الخوارج الذين (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، وقال: ( إنهم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام )، ( ويقولون من قول خير البرية ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )، فهؤلاء لا يعتبر خلافهم.

    [ ولأنه أيضاً لما كانت سنتهن.. ] أي: الطريقة في الشرع [ في الصلاة التأخير عن الرجال؛ علم أنه ليس يجوز لهن التقدم عليهم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( أخروهن حيث أخرهن الله ) ]، وهو حديث حسن، يعني يضعهن في منازلهن، وليس هذا تحقيراً للنساء، بل يعني: المواضع التي وضعهن الله فيها فنحن نضعهن فيها، فالله سبحانه وتعالى ما اختار لهن إلا ما هو الأحسن لهن في حياتهن وفي آخرتهن، والأحسن للمجتمع الإسلامي..

    وأما ما أورده المؤلف أنه حديث: ( أخروهن حيث أخرهن الله ) فهو ليس بحديث مرفوع، إنما هو أثر عن ابن مسعود ، قال المحقق: إنما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن مسعود من قوله: وإسناده صحيح.

    وقد كان ابن مسعود صحابياً فقيهاً، ليس صحابياً فقط، إنما هو صحابي فقيه، فيكون لكلامه وجه من النظر، إما بالرفع وإما بالاستنباط، ولم نر مخالفاً له من الصحابة، فيكون قوله معمولاً به، ولكن المصنف رحمه الله كأنه ظنه حديثاً، وحكم عليه بالرفع.

    [ ولذا أجاز بعضهم إمامتها النساء إن كن متساويات في المرتبة في الصلاة.. ] وهذا جائز [ مع أنه أيضاً نقل ذلك عن بعض الصدر الأول ] يعني: إمامتها [ ومن أجاز إمامتها ]، يعني: أبو ثور و الطبري .

    [ فإنما ذهب إلى ما رواه أبو داود من حديث أم ورقة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذناً.. ) ] رجلاً [ ( يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها ).. ].

    يعني بأهل دارها الذين هم محارم لها، لكن إذا كانوا غير محرم لها، فهذا لا يجوز، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قال: ( شر صفوف الرجال آخرها.. وشر صفوف النساء أولها ).

    وقوله: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ [الحجر:24]، ذكر شيخنا ناصر الدين وصححه، أنها نزلت في رجل كان يتأخر لينظر النساء في الصفوف.

    وقد قال الإمام الشوكاني في السيل، (1/250): لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في جواز إمامة المرأة بالرجل أو الرجال شيء.

    فلعل الشوكاني لم يبلغ عنده الحديث إلى درجة الحسن، فلهذا نفى عدم الثبوت مطلقاً، ولو ثبت عنده لقال به في تلك الواقعة. أما الرجال الأجانب فهذا لم يثبت، وأما أهل دارها فقد ثبت.

    قال الشوكاني : (ولا وقع في عصره..) يعني: في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم (ولا في عصر الصحابة والتابعين من ذلك شيء..)، يعني ما ورد من ذلك شيء.. إلا هذه المرأة - غزالة - والعياذ بالله.. وقالوا: إن واحدة منهن كان يخافها الحجاج في الحرب، فقرروا أنهم إذا ظفروا بها فسوف يجردونها وهذا ليس بجائز؛ فلهذا يراد منعهم من الدخول في الحرب.

    قال الشوكاني : (وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوفهن بعد صفوف الرجال؛ وذلك لأنهن عورات، وائتمام الرجل بالمرأة) يعني: اقتداء (خلاف ما يفيده هذه)، يعني: أن تقف في آخر الصفوف.. حتى ولو كانت منفردة فلا تقف جانب الرجل، بل تقف وراءه، ولو كان من أقاربها، وصلت وراءه فإنها تقف خلفه.

    (ولا يقال: الأصل الصحة لأنا نقول: قد ورد ما يدل على أنهن لا يصلحن لتولي شيء من الأمور..) يعني ما يصلح -على كل حال- أن تتولى شيئاً من الأمور، فإذا كانت طاعة ربها متوقفة على إذن زوجها، فلا تصوم نافلة وهو حاضر إلا بإذنه، فكيف نقول لها: أنت ستكونين في مجلس النواب؟! وامكثي خمسة عشر يوماً في مجلس النواب، فهل هذا يصلح؟! وزوجك يكون في البيت ويأخذ الأولاد ويحضنهم، وترجع هي الرجل وهو المرأة!! فهذا والله ما نراه أنه من تقدم للنساء أو من حقوق النساء أو إرضاء للنساء.. وإذا كانت هناك امرأة تريد أن تعمل للإسلام.. فلا مانع لها أن تنتخب، ولا مانع أن تجمع النساء وتعلمهن وترد شبهات.. وتعرفهن بالشبهات التي في الأحزاب الضالة فهذا لا مانع منه.

    لكن لا تقول لنا: كيف أن الأحزاب جعلت من نسائهن من يكن في مجلس النواب؟ بل وجعلوا منهم رئيسة وزراء! فنقول لنسائنا: ذلك جزاء عملهم في الدنيا، وأنتن تعملن للآخرة، فسوف يقنعن بذلك لأنهن يعملن للآخرة، وخير لهن أن يكن في بيوتهن، ولا مانع من أن يقمن بالوعظ والإرشاد والتنظيم النسوي في صفوف النساء.

    أما أن نقول: إنا متأخرون ورجعيون؛ لأنا لم نقدم نساءنا في مجلس النواب، ولا في الوزارات فهذا ليس من حقهن.

    وهناك رجل دكتور يسمى الحسامي من تعز رأيته كتب كتاباً، وذهب يتلمس كلام الطبري في أن المرأة يجوز أن تكون قاضية.. ويتلمس الأقوال الشاذة في المذاهب.. وهذا لم تطمئن إليه نفوسنا، وإن كان الصحابيات يقمن بأعمال يساعدن فيها الرجال في الحرب. أما أنهن يتولين فلا. وكن أيضاً مفتيات، وكن مدرسات يؤخذ عنهن العلم.

    وأما الاستشارة فلا مانع منها، لا مانع من أن نستشيرهن، لكن أن يتركن بيوتهن فلا.

    ثم إنه لا يحل للمرأة أن تدخل في بيت زوجها أحداً إلا بإذنه، ونحن لما نجعلها في مجلس النواب فلا بد أن يكون هناك رجال يريدون أن يتفقوا معها على وضع قرار، ويجتمعوا في لجان خاصة، وهذا ما يتصور أن يكون الزوج بهذه السذاجة، فيقبل أنها تجتمع مع هذا وتجتمع مع هذا.. فوالله ما لنا حاجة إلى النساء في هذا، بل لنا حاجة إلى النساء في غير هذا، وفي الرجال كفاية، وليس هذا من التقدم وإنما هو من التشبه.

    قال الشوكاني : (وهذا من جملة الأمور..) وهذا يعني: الإمامة (بل هو أعلاها وأشرفها..) يعني: الإمامة (فعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )، كما في الصحيحين وغيرهما يفيد منعهن من أن يكون لهن منصب الإمامة في الصلاة للرجال). انتهى كلام الشوكاني ، وهو كلام وجيه.

    الراجح في إمامة المرأة

    والراجح أنها لا تصلي.. وتلك واقعة حال، وعدم العمل بها من الصحابيات يدل على أنه كان شيئاً خاصاً، وإلا لنقل عن الصحابيات إمامتهن بأقاربهن، وأما إمامتها للنساء فجائز، وقد ورد عن عائشة ( أنها كانت تؤم النساء وتقوم في وسطهن )، وإن كان في الحديث بعض الشيء لكنه صحيح.

    وأما حديث أم ورقة وهو: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها )، فهذا الحديث قلنا: إن شيخنا ناصر الدين الألباني كان يرى في مثل هذه أن تؤم أهل دارها - يعني من الرجال المحارم لها - وأما ما أخذ به أبو ثور و الطبري من أنه يجوز لها أن تؤم الرجال مطلقاً فهذا بعيد، ولا يصلح هذا الدليل له.

    وقلت أنا: إن هذا وإن كان فيه ما يدل عليه، فهو من المسائل التي إذا انقدح للعالم شيء فيها ورأى أن من المصلحة عدم الفتوى بها فلا يفتي فيها، فمثل هذه المسألة أنها أمت أهل دارها، هناك ما يعارضه من أنها لا تكون حتى في الصف مع محارمها، بل تتأخر كما سيأتي: ( والعجوز من ورائنا )، وهي عجوز ومع ذلك كانت من ورائهم، فما كانت حتى بجانبهم، فالأولى أنها لا تؤم أهل دارها، وهذا الحديث وإن كان فيه دليل على ذلك، فيحتمل أنه على الخصوصية، أو أن الأحاديث الأخرى أقوى منه دلالة.

    1.   

    أحكام الإمام الخاصة به

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما أحكام الإمام الخاصة به: فإن في ذلك أربع مسائل متعلقة بالسمع.

    إحداها: هل يؤمن الإمام إذا فرغ من قراءة أم القرآن؟ أم المأموم هو الذي يؤمن فقط؟

    والثانية: متى يكبر تكبيرة الإحرام؟

    والثالثة: إذا ارتج عليه هل يفتح عليه أم لا؟

    والرابعة: هل يجوز أن يكون موضعه أرفع من موضع المأمومين؟.. ] يعني: يكون في محل مرتفع.

    1.   

    تأمين الإمام إذا فرغ من الفاتحة

    قال المصنف رحمه الله: [ فأما هل يؤمن الإمام إذا فرغ من قراءة أم الكتاب؟ فإن مالكاً ذهب في رواية ابن القاسم عنه، والمصريين أنه لا يؤمن.

    وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يؤمن كالمأموم سواء، وهي رواية المدنيين عن مالك ]، فأهل المدينة رووا عن مالك أنه يؤمن.

    سبب الاختلاف في تأمين الإمام

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: أن في ذلك حديثين متعارضي الظاهر:

    أحدهما: حديث أبي هريرة المتفق عليه ] في البخاري و مسلم [ في الصحيح أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمن الإمام فأمنوا ).

    والحديث الثاني: ما أخرجه مالك عن أبي هريرة أيضاً أنه قال عليه الصلاة والسلام: ( إذا قال الإمام: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين ).. ]، فذاك الحديث يفيد بالنص: أن الإمام والمأموم يؤمن، وهذا الحديث يفيد بالاحتمال: أن الإمام لا يؤمن وأن حظه أن يقول: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، وهم يقولون: آمين.

    [ فأما الحديث الأول فهو نص في تأمين الإمام ]، نص وليس ظاهراً، وفرق بين الظاهر والنص، فهذا نص.

    [ وأما الحديث الثاني، فيستدل منه على أن الإمام لا يؤمن.. ] وهو محتمل فقط، [ وذلك أنه لو كان يؤمن لما أمر المأموم بالتأمين عند الفراغ من أم الكتاب قبل أن يؤمن الإمام.. ] لأن أعمال المأموم بعد أعمال الإمام [ لأن الإمام كما قال عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، إلا أن يخص هذا من أقوال الإمام، أعني: أن يكون للمأموم أن يؤمن معه أو قبله، فلا يكون فيه دليل على حكم الإمام في التأمين ]، وهو كذلك، يقول بعض العلماء - ومنهم الشافعية - : لا بد أن تكون أفعال المأموم وأقواله متأخرة عن أقوال وأفعال الإمام، إلا في التأمين فينبغي أن يؤمن مع الإمام، فإذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين، وقد مر معنا أنه يقول: آمين.

    [ فلا يكون فيه دليل على حكم الإمام في التأمين، ويكون إنما تضمن حكم المأموم فقط.

    ولكن الذي يظهر أن مالكاً ذهب مذهب الترجيح للحديث الذي رواه لكون السامع هو المؤمن لا الداعي.. ]، لكن من جهة المعنى، أن السامع يقول: آمين، والداعي يدعو، فهذا من جهة المعنى.

    [ وذهب الجمهور لترجيح الحديث الأول لكونه نصاً.. ولأنه ليس فيه شيء من حكم الإمام.. ]، الضمير عائد إلى الثاني.

    فلهذا رأيت أن أقول: ولأنه ليس فيه، أي: الثاني، ليس فيه شيء من حكم الإمام.

    [ وإنما الخلاف بينه وبين الحديث الآخر.. ] الضمير عائد إلى الأول.

    وهذا يسمى الاستخدام عند علماء البيان، والاستخدام هو أن تعاد الضمائر إلى شيء سابق، وهناك الاستخدام المرتب والاستخدام المشوش، فهذا فيه استخدام ولكن فيه تشويش، مرة يعود الضمير إلى كذا ومرة يعود الضمير إلى هكذا.

    في موضع تأمين المأموم فقط، لا في هل يؤمن الإمام أو لا يؤمن فتأمل هذا.

    ويمكن أيضاً أن يتأول الحديث الأول بأن يقال: إن معنى قوله: ( فإذا أمن فأمنوا )، أي: فإذا بلغ موضع التأمين، وقد قيل: إن التأمين هو الدعاء، وهذا عدول عن الظاهر، لشيء غير مفهوم من الحديث إلا بقياس.. ].

    يعني يعدل من ظاهر الحديث عن القياس، إلى شيء غير مفهوم، [ أعني: أن يفهم من قوله: ( فإذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فأمنوا )، أنه لا يؤمن الإمام ].

    الراجح في تأمين الإمام

    والراجح أن الإمام يؤمن لقوة ظهور حديث أبي هريرة الأول، فهو نص في الموضوع، ولا يقبل التأويل بوجه ما، أما حديثه الثاني فإن تأويله بما يوافق الأول أقوى من حمله على عدم تأمين الإمام.

    1.   

    وقت تكبير الإمام تكبيرة الإحرام

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية: وأما متى يكبر الإمام؟ فإن قوماً قالوا: لا يكبر إلا بعد تمام الإقامة واستواء الصفوف، وهو مذهب مالك و الشافعي ] و أحمد [ وجماعة. وقوم قالوا: إن موضع التكبير هو قبل أن يتم الإقامة.. ] يعني: يتم المقيم الإقامة [ واستحسنوا تكبيره عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة، وهو مذهب أبي حنيفة و الثوري و زفر ].

    سبب الاختلاف في وقت تكبير الإمام تكبيرة الإحرام

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب الخلاف في ذلك تعارض ظاهر حديث أنس و بلال .

    أما حديث أنس .. ] فأخرجه البخاري و مسلم [ فقال: ( أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكبر في الصلاة، فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري ) ]، وهذا ظاهر على أنه تكلم وأقام الصفوف وبعد ذلك كبر.

    [ وظاهر هذا أن الكلام منه كان بعد الفراغ من الإقامة، مثل ما روي عن عمر أنه كان إذا تمت الإقامة، واستوت الصفوف حينئذ يكبر.

    وأما حديث بلال فإنه روي: ( أنه كان يقيم للنبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول له: يا رسول الله! لا تسبقني بآمين )، أخرجه الطحاوي ]، وأخرجه أحمد و أبو داود من حديث عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن بلال أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبقني بآمين )، وهذه الرواية غلط.

    والصواب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـبلال : ( لا تسبقني بآمين )، وهكذا أخرجه الحاكم من طريق آدم بن أبي إياس ، قال: حدثنا شعبة عن عاصم أن أبا عثمان النهدي حدثه عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تسبقني بآمين )، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، وهكذا أخرجه البيهقي من طريق روح بن عبادة ومن طريق آدم ،كلاهما عن شعبة ، ومن طريق محمد بن فضيل كلاهما عن عاصم ، ثم قال: فكأن بلالاً يؤمن قبل تأمين النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ( لا تسبقني بآمين )، كما قال: ( إذا أمن الإمام فأمنوا )، قلت: وهذه الرواية هي الصحيحة، والأولى باطلة جزماً.

    أقول: وبهذا السياق كله يترجح قول الجمهور على قول أبي حنيفة ومن وافقه.

    1.   

    الفتح على الإمام إذا غلط

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثالثة: وأما اختلافهم في الفتح على الإمام.. ]، إذا غلط الإمام.. فهناك من يقول: لا تفتحوا عليه إلا إذا توقف، وهناك من يقول: الكلام في الصلاة لا يجوز، ولكن إذا تكلم بالقرآن بقصد القراءة ونحوه كأن تكلم بآية قرآنية، يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ[مريم:12].

    فقالوا: يجوز الكلام بلفظ القرآن على قصد القراءة.

    ويذكر أن رجلاً كان يحفظ القرآن، وكان يصلي بهم وتوقف في آية ولم يرد عليه، فقال: رُدُّوهَا عَلَيَّ [ص:33]. فسكتوا، ولم يردوا، فقال: أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78]؟! فسكتوا، فقال: فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم:22]، الله أكبر! يعني: تكلم بالقرآن.

    [إذا ارتج عليه، فإن مالكاً و الشافعي .. ] و أحمد ، [ وأكثر العلماء أجازوا الفتح عليه، ومنع ذلك الكوفيون ].

    سبب الاختلاف في الفتح على الإمام إذا غلط

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب الخلاف في ذلك: اختلاف الآثار، وذلك أنه روي: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تردد في آية، فلما انصرف قال: أين أبي ؟ ألم يكن في القوم؟ ) أي يريد الفتح عليه ]، والحديث أخرجه أبو داود و ابن ماجه و ابن حبان ، وهو حديث صحيح.

    قال لـأبي : ( أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك أن تفتتح علي؟ )، وهذا لفظ البيهقي ، وهو حديث صحيح.

    [ وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( لا يفتح على الإمام ) ]، وهذا الحديث جزء من حديث علي ، أخرجه أبو داود و البيهقي ، ولكنه حديث ضعيف.

    و الحارث الأعور كذاب، وهو الذي يروي عن علي المسائل الدواهي، قال أبو حنيفة : ما رأيت أكذب من حارث الأعور هذا.

    [ والخلاف في ذلك في الصدر الأول، والمنع مشهور عن علي ، والجواز عن ابن عمر مشهور ].

    والراجح: الجواز؛ لضعف حديث المنع. فقط. وإذا ما ردوا عليه يركع.

    1.   

    موضع الإمام بالنسبة للمأمومين

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الرابعة: وأما موضع الإمام فإن قوماً أجازوا أن يكون أرفع من موضع المأمومين، وقوم منعوا ذلك.. ] ومنهم أحمد [ وقوم استحبوا من ذلك اليسير، وهو مذهب مالك ].

    سبب الاختلاف في موضع الإمام بالنسبة للمأمومين

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب الخلاف في ذلك حديثان متعارضان:

    أحدهما: الحديث الثابت.. ] الذي أخرجه البخاري [ ( أنه عليه الصلاة والسلام أم الناس على المنبر ليعلمهم الصلاة، وأنه كان إذا أراد أن يسجد نزل من على المنبر ).

    والثاني: ما رواه أبو داود : ( أن حذيفة أم الناس على دكان، فأخذ ابن مسعود بقميصه، فجذبه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك، أو ينهى عن ذلك؟ ) ].

    قلت: وقد ورد مرفوعاً من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الإمام فوق شيء والناس خلفه ) يعني: أسفل منه رواه الدارقطني ، قال شيخنا في تمام المنة، (ص281): وإسناده صحيح. قال الإمام الشوكاني في السيل (1/262): (هذا النهي يحمل على التنزيه؛ لحديث صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر كما وقع في الصحيحين وغيرهما، ومن قال: إنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك للتعليم كما وقع في آخر الحديث فلا يفيده ذلك؛ لأنه لا يجوز له في حال التعليم إلا ما هو جائز في غيره، ولا يصح القول باختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم).

    وكلام الشوكاني .. يعني: أن التعليم لا يبيح شيئاً ممنوعاً في الصلاة، فلو كان هذا العلو ممنوع في الصلاة لما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا نقول: إن التعليم أباح ذلك.. لا، فلما كان جائزاً علمهم به، فقولهم: إن ذلك للتعليم، قال: هذا لا يفيدهم؛ لأنه لو لم يكون جائزاً لما عمله الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل التعليم.

    والراجح هو كلام الشوكاني .

    1.   

    نية الإمام للإمامة

    قال المصنف رحمه الله: [ وقد اختلفوا هل يجب على الإمام أن ينوي الإمامة أم لا؟ ]، يعني إذا ما نوى الإمام وصلى وهم صلوا بعده، فهل صلاته باطلة أو صحيحة؟ أو يجب عليه أن ينوي الإمامة وإذا لم ينوها فصلاته صحيحة لكنه مأثوم؟

    هذه المسألة ترجع إلى القول بأن الجماعة فرض عين، فمن قال: إن الجماعة فرض عين فهنا يقول: يجب عليه أن ينوي أن يكون إماماً، ومن لم يقل: الجماعة فرض عين اختلفوا هل تجب عليه نية الإمامة أو لا تجب؟

    [ فذهب قوم إلى أنه ليس ذلك بواجب عليه، لحديث ابن عباس : ( أنه قام إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد دخوله في الصلاة ).

    ورأى قوم أن هذا محتمل، وأنه لا بد من ذلك.. ] يعني: محتمل أنه نوى بعد أن اقتدى به نوى [ إذا كان يحمل بعض أفعال الصلاة عن المأمومين.. ]، فهو مثلاً يحمل الفاتحة.

    فإذا قلنا يحمل الفاتحة فإنه لا بد من نية الإمامة، [ وهذا على مذهب من يرى أن الإمام يحمل فرضاً أو نفلاً عن المأمومين ].

    وهو كذلك وقد رجحنا أنه إذا دخل والإمام راكع فإنه يحمل عنه قراءة الفاتحة، وكذلك على قول بعض العلماء وهم كثير أنه إذا جهر الإمام فأنصتوا، وقراءة الإمام له قراءة.

    إذاً فهذه المسألة مثالها إذا أنت وصلت ورجل يصلي فريضة في المسجد منفرداً، فعلى قول بعض العلماء، لا يصح أن تصلي وراءه، وعلى قول بعض العلماء يصح أن تصلي وراءه، واستدلوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بالنفل منفرداً، فجاء ابن عباس فاقتدى به، فهو أولاً صلى منفرداً، ولكن يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم نوى الإمامة بعد أن جاء ابن عباس ووقف بجانبه فأداره، فنوى أن يكون إماماً به.

    أما القول بالبطلان فبعيد، وأما القول بالوجوب فهو يتنزل على القول بوجوب الجماعة، وذلك إذا ما كان الإمام في أول الصلاة، فإذا لم ينو الإمامة فهذا تلاعب منه، وهنا نرى أنه يجب عليه نية الإمامة.

    وأما إذا صلى منفرداً فأتى إنسان واقتدى به، ففي هذه الحالة ما نقول: إنه بمجرد ما اقتدى به إذا لم ينو الإمامة فصلاته باطلة.. لا، بل صلاته صحيحة، لكن الأولى أن ينوي الإمامة، وهو كذلك إذا كان معذوراً.. حتى ولو دخل في ركعة أو ركعتين ينوي الإمامة.

    الراجح في نية الإمام الإمامة

    والراجح أن نية الإمامة واجبة، إذا كان في أول الصلاة. وبيان ذلك أن من يقول: إن للمأموم أعذاراً عن الجمعة والجماعة، فالمريض معذور عن الجمعة والجماعة، ولكنه إذا حضر المسجد يوم الجمعة ولم يزد به المرض بحيث لا يستطيع المقام، فلا يجوز له أن يخرج بعد الحضور. فهذا الرجل إذا كان أمام الناس وهو إمامهم ففي هذه الحالة لا نقول له: يصلي منفرداً لا بد أن يصلي إماماً.

    فالخلاصة أن القول الراجح أن الإمام إذا حضر في أول الصلاة فإنه لا يجوز أن يترك نية الإمامة؛ لأن هذا تساهلاً وتلاعباً أو كان إماماً فإنه يجب عليه نية الإمامة.. وذلك أولاً: لأن ترك النية يعد من التساهل والتلاعب.

    ثانياً: أن المعذور في ترك الجماعة أو الجمعة إذا حضر المسجد تعينت عليه الصلاة، وذلك لما صح من النهي عن الخروج بعد أذان المؤذن من المسجد، وإذا كان هو الإمام فلا يصلي فرادى بأن يعود إلى بيته أو في المسجد بل يتعين أن يؤم الناس وتجب عليه النية.

    أما لو أحرم منفرداً لعذر ما فجاء رجل واقتدى به فهنا ينبغي له أن ينوي الإمامة، ولا نقول: إنه إن لم ينو الإمامة فقد ارتكب إثماً..

    1.   

    موقف الإمام والمأمومين

    قال المصنف رحمه الله: [ الفصل الثالث: في مقام المأموم من الإمام والأحكام الخاصة بالمأمومين.

    وفي هذا الباب خمس مسائل:

    المسألة الأولى: موقف الإمام والمأمومين:

    [ اتفق جمهور العلماء على أن سنة الواحد المنفرد أن يقوم عن يمين الإمام؛ لثبوت ذلك من حديث ابن عباس وغيره.. ]، هذا الفصل كله سهل، لذلك لم أعلق عليه، وقلت في آخره: وكل مسائل هذا الفصل ظاهرة لا تحتاج إلى تعليق.

    [ وأنهم إن كانوا ثلاثة سوى الإمام قاموا وراءه.

    واختلفوا إذا كانا اثنين سوى الإمام، فذهب مالك و الشافعي إلى أنهما يقومان خلف الإمام.. ] وكذلك أحمد [ وقال أبو حنيفة وأصحابه والكوفيون: بل يقوم الإمام بينهما ] وسطهم.

    سبب الاختلاف في موقف الإمام والمأمومين

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: أن في ذلك حديثين متعارضين:

    أحدهما: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.. ] عند مسلم [ قال: ( قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جابر بن صخر ، فتوضأ، ثم جاء، فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بأيدينا جميعاً، فدفعنا حتى قمنا خلفه ).

    والحديث الثاني: حديث ابن مسعود ( أنه صلى بـعلقمة و الأسود فقام وسطهما، وأسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. ) ]، والحديث أخرجه أحمد و مسلم في صحيحه، وقد قال جماعة: إن الحديث منسوخ بجميع ما فيه من الموقف والتطبيق..

    والتطبيق: كأن يقول هكذا بيديه ويضع بين ركبتيه، ولا يضع يديه على ركبتيه؛ ولأن ذلك إنما تعلمه ابن مسعود من النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، ثم نسخ ذلك؛ ولهذا حكى النووي في شرح مسلم الإجماع على مخالفة ابن مسعود في ذلك.

    [ قال أبو عمر : واختلف رواة هذا الحديث، فبعضهم أوقفه وبعضهم أسنده، والصحيح أنه موقوف.

    وأما أن سنة المرأة أن تقف خلف الرجل أو الرجال إن كان هنالك رجل سوى الإمام، أو خلف الإمام إن كانت وحدها، فلا أعلم في ذلك خلافاً؛ لثبوت ذلك من حديث أنس الذي أخرجه البخاري .. ] و مسلم [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته، قال: فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا )، والذي خرجه عنه أيضاً مالك .. ]، في الموطأ، وأخرجه البخاري و مسلم ، [ أنه قال: ( فصففت أنا واليتيم وراءه عليه الصلاة والسلام والعجوز من ورائنا ) ]، فالعجوز كانت وراءهم مع أنها عجوز! أمهم، ولكنها لم تصل بجانبهم.

    [ وسنة الواحد عند الجمهور أن يقف عن يمين الإمام لحديث ابن عباس .. ] الذي أخرجه البخاري و مسلم [ حين بات عند ميمونة ، وقال قوم: بل عن يساره.. ] وهذا خلاف للسنة [ ولا خلاف في أن المرأة الواحدة تصلي خلف الإمام، وأنها إن كانت مع الرجل صلى الرجل إلى جانب الإمام، والمرأة خلفه ].

    وكل ما فيه ظاهر لا يحتاج إلى تعليق.

    1.   

    الصلاة في الصف الأول

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية: أجمع العلماء على أن الصف الأول مرغب فيه، وكذا تراص الصفوف وتسويتها؛ لثبوت الأمر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

    1.   

    صلاة المنفرد خلف الصف

    قال المصنف رحمه الله: [ واختلفوا إذا صلى إنسان خلف الصف وحده، فالجمهور على أن صلاته تجزئ.

    وقال أحمد و أبو ثور وجماعة: صلاته فاسدة ]، إذا صلى ركعة كاملة. هكذا قال الإمام أحمد ؛ لأن الإمام أحمد جمع بين النهي عن ذلك، وبين (حديث أبي بكرة الذي ركع دون الصف ودخل في الصف، فما صلى ركعة كاملة.

    سبب الاختلاف في صلاة المنفرد خلف الصف

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: اختلافهم في تصحيح حديث وابصة .. ] وهو حديث حسن [ ومخالفة العمل له، وحديث وابصة هو أنه قال عليه الصلاة والسلام: ( لا صلاة لقائم خلف الصف ) ]، ونص حديث وابصة : ( أن رجلاً صلى خلف الصف وحده، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة )، قال الترمذي : حديث حسن، وقال أحمد بن حنبل : حديث صحيح، وصححه الألباني في الإرواء.

    [ وكان الشافعي يرى أن هذا يعارضه قيام العجوز وحدها خلف الصف في حديث أنس .

    وكان أحمد يقول: ليس في ذلك حجة; لأن سنة النساء هي القيام خلف الرجال] وهو كذلك، فكلام أحمد وجيه [ وكان أحمد كما قلنا يصحح حديث وابصة .

    وقال غيره: هو من مضطرب الإسناد لا تقوم به حجة، واحتج الجمهور بحديث أبي بكرة : ( أنه ركع دون الصف فلم يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعادة، وقال: زادك الله حرصا ولا تعد )، ولو حمل هذا على الندب لم يكن تعارض ] يعني: إذا حمل حديث وابصة على الكراهة، لم يكن تعارض بين حديث وابصة وحديث أبي بكرة ، ولكن لا يجوز له أن يقف وراء الصف إذا كان هناك فرجة، يمكن أن يدخل فيها، لكن إذا وصل ولم يجد فرجة، والمسجد قد امتلأ، فهل يذهب إلى البيت ويترك الصلاة؟!

    وإذا كان يوم الجمعة وقد وصل والمسجد ممتلئ، ودخل ولم يجد مكاناً ولا من يصف معه، وإذا ذهب إلى المساجد الأخرى ستفوته الجمعة، وسحب أحدهم فأبى أن ينسحب، فماذا نقول هنا؟

    قلنا: قال ابن تيمية في فتوى نقلناها عن الشيخ، من فتاوى ابن تيمية قال: إنه في استطاعته الصلاة وليس في استطاعته الدخول في الصف، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، فقال: فيجوز له أن يصلي وراء الصف ولو صلاة كاملة؛ لأنه ما استطاع، ولا تفوته الجمعة ولا الجماعة.

    ولهذا أنا علقت وقلت -بعد آخر حديث أبي بكرة -: لكن إذا لم يستطع أن يدخل في الصف وستفوته الجمعة أو الجماعة، فعليه أن يدخل خلف الصف، وصلاته صحيحه؛ لأنه باستطاعته الصلاة وليس في استطاعته الدخول في الصف، وبهذا قال ابن تيمية في بعض فتاويه، وأملاه علينا شيخنا ناصر الدين الألباني في الدرس، وأما من كان يمكنه الدخول في الصف فوقف منفرداً، وصلى ركعة كاملة، ولم يأت بعده رجل، فهذا هو الذي صلاته باطلة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756613520