إسلام ويب

كتاب الصلاة [14]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الله سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يذكروه؛ ولهذا شرع الصلاة لذكره، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مواضع الذكر وألفاظه، فمن مواضعه الركوع والسجود، وخص السجود بمزيد فضل وذلك أن العبد يكون فيه أقرب إلى الله فلذا يشرع له الإكثار من الدعاء. ومن المواضع التي يدعى فيها آخر التشهد وقد اختلف العلماء في التعوذ بالله من الأربع في هذا الموضع فبعضهم استحبه وبعضهم أوجبه وهو الأقرب.

    1.   

    ما يقوله المصلي في الركوع والسجود

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد, وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    وبعد:

    قراءة القرآن في الركوع والسجود

    يقول المصنف رحمه الله: [ المسألة السادسة: اتفق الجمهور على منع قراءة القرآن في الركوع والسجود لحديث علي في ذلك ] الذي أخرجه الإمام مسلم [ قال: نهاني حبي ] يعني به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    [ صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآن راكعاً وساجداً. قال الطبري : وهو حديث صحيح، وبه أخذ فقهاء الأمصار، وصار قوم من التابعين إلى جواز ذلك ] أي: جواز القراءة في الركوع والسجود [ وهو مذهب البخاري ; لأنه لم يصح الحديث عنده، والله أعلم ].

    إذا لم يصح عند البخاري فهذا لا يعني أنه غير صحيح, فقد يكون الطريق الذي وصل إليه منها إلى هذا الحديث ضعيفة, ولكن جاء بعده الإمام مسلم فوصله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من طريق آخر.

    ما يقال في الركوع والسجود

    قال رحمه الله: [ واختلفوا: هل في الركوع والسجود. قول محدود يقوله المصلي أم لا؟ فقال مالك : ليس في ذلك قول محدود. وذهب الشافعي ، و أبو حنيفة ، و أحمد ، وجماعة غيرهم إلى أن المصلي يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم) ثلاثاً، وفي السجود (سبحان ربي الأعلى) ثلاثاً، على ما جاء في حديث عقبة بن عامر ].

    ولكن الحديث هذا ضعيف, والراجح أن للركوع والسجود عدة أذكار مخصوصة، ذكرها شيخنا الألباني في صفة الصلاة,

    منها في الركوع: (سبحان ربي العظيم) ثلاثاً, و الألباني لا يثبت في هذا الكتاب إلا حديثاً صحيحاً، فهو صحيح, وفي السجود: (سبحان ربي الأعلى) ثلاثاً, أخرجه أبو داود و الدارقطني وصححه. وكان يكررها أكثر من ذلك, يعني: أكثر من ثلاث, أخرجه أحمد و أبو داود و ابن ماجه عن سبعة من الصحابة, قال شيخنا في صفة الصلاة: ففيه رد على من أنكر التقييد بثلاث تسبيحات و ابن القيم أنكر ثبوت ذلك, فهذه الأحاديث الصحيحة فيها رد على ابن القيم .

    ومنها في الركوع: ( سبحان ربي العظيم وبحمد, ثلاثاً ), وفي السجود: ( سبحان ربي الأعلى ), ومنها: في الركوع (سبحان ربي العظيم وبحمده), زيادة وبحمده, في الأول: سبحان ربي العظيم, وهنا زيادة: ( سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً ), وفي السجود: ( سبحان ربي الأعلى وبحمده, ثلاثاً ) ومنها: ( سبوح قدوس رب الملائكة والروح ), أخرجه مسلم , ومنها: ( سبحانك اللهم وبحمدك, اللهم اغفر لي يكثر منها في الركوع والسجود ), أخرجه البخاري و مسلم , وهناك عدة أذكار ذكرها شيخنا الألباني في صفة الصلاة.

    ومنها: ( سبوح قدوس ), هذه الأذكار تقال في الركوع والسجود, وهذا الحديث فيه دلالة على أنه يدعو في الركوع.

    [ وقال الثوري : أحب إلي أن يقولها الإمام خمساً في صلاته حتى يدرك الذي خلفه ثلاث تسبيحات ]. كلام الثوري لا نقول أنه استحسان منه؛ لأنه ورد، وأنه يكررها أكثر من ذلك.

    [ والسبب في هذا الاختلاف: معارضة حديث ابن عباس في هذا الباب لحديث عقبة بن عامر ، وذلك أن في حديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم )].

    أي: فحقيق ( أن يستجاب لكم ), وفي الحديث الآخر: ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ), وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي[البقرة:186], فاستجابة الدعاء ليست على ما يريده الداعي, ولكن إجابة الدعاء تكون في ما هو أصلح للداعي, إما في الزمان أو في غير ذلك, ولهذا ورد في الحديث وإن كان فيه كلام لكنه صحيح: ( الحذر لا يرد منه القدر, ويرد منه الدعاء, وإن القدر لينزل من السماء فيتلقاه الدعاء فلا يزال - معنى الحديث - يعتلجان إلى يوم القيامة ).

    وهنا فائدة وهي أن القدر أقسام, الأول: علم الله الأزلي الذي في اللوح المحفوظ, فهذا القدر لا يبدل ولا يغير.

    والثاني: ما يكتب ويسجل في السماء في اللوح المحفوظ.

    وهذا يكتب بطريقتين: الطريقة الأولى: أن يكون مكتوباً فإذا دعا العبد رفع عنه القضاء أو خفف عنه.

    الطريقة الثانية: أن يكون مكتوباً فإذا لم يدع العبد لم يرفع القضاء عنه ولم يخفف عنه.

    الثالث: نزول قدر من السماء إلى الأرض محل الاعتلاج فعندما ينزل القضاء والقدر من السماء إلى الأرض، فمن الممكن أن نعرفه قبل أن يحدث: أولاً: عن طريق الكهان الذين يتوصلون إليه, بطريق استراق السمع ولكن الشياطين يخلطون مع الواحدة مائة كذبة, وبالتالي لا يعرفون أين الحقيقة من غيرها.

    الثاني: التوصل إليه بالرؤية الصالحة, وهناك مع الرؤية الصالحة ثلاث طرق هي: حديث النفس, ووسواس الشيطان, فإذا جاء في المستقبل وفق ما رأيت عرفت أنها رؤية صالحة, ويمكن أن أتوصل إليه بالمحدَّث, ففي الحديث الصحيح: ( كان فيما قبلكم محدثون, وإن يكن منهم أحد فمنهم عمر ), فهذا المحدّث يلقى في روعه: أن سيقع كذا وكذا, ولكنه قد لا يلتفت إليه أو لا يلقي له أهمية حتى يقع, فهذا يتوصل إليه, وفي رؤية الشر قبل نزوله فائدة, وذلك أنك تستعد له بالدعاء, قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الرؤيا الصالحة بشارة للمؤمن، فإذا رأى ما يكرهه فلينفث ثلاثاً وليستعذ منها فإنها لا تضره ), إذاً الدعاء يتدافع مع القضاء.

    قوله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[البقرة:186], دليل على أن الله سبحانه وتعالى يجيب دعوة المؤمن, ولكنه بإرادته وبما هو خير له فلا يستعجل.

    [ وفي حديث عقبة بن عامر ]، وهو حديث ضعيف كما مر معنا، [ أنه قال: ( لما نزلت: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: اجعلوها في سجودكم )].

    وهذا الحديث ضعيف, ولكن المعنى هنا صحيح.

    [ وكذلك اختلفوا في الدعاء في الركوع بعد اتفاقهم على جواز الثناء على الله ] أي: في الركوع. [ فكره ذلك مالك لحديث علي ] المتقدم [ أنه قال عليه الصلاة والسلام: ( أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء ). وقالت طائفة: يجوز الدعاء في الركوع، واحتجوا بأحاديث جاء فيها أنه عليه الصلاة والسلام دعا في الركوع، وهو مذهب البخاري واحتج بحديث عائشة الذي أخرجه البخاري و مسلم قالت: ( كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ), و أبو حنيفة لا يجيز الدعاء في الصلاة بغير ألفاظ القرآن ]. وأظن الزيدية, يقولون: لا يجوز الدعاء إلا بألفاظ القرآن.

    [ و مالك ، و الشافعي يجيزان ذلك ] وكذلك أحمد [ والسبب في ذلك: اختلافهم فيه، هل هو كلام أم لا؟ ].

    أي: هل الدعاء كلام أم لا؟ والراجح جواز الدعاء بغير القرآن في الصلاة, لورود الأحاديث بذلك, منها: حديث أبي هريرة عند البخاري : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير وبين القراءة فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله اسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ فقال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب, اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس, اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد ), قال الحافظ في الفتح (2/269): واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما ليس من القرآن خلافاً للحنفية, وارجع إلى صفة الصلاة تجد جملةً كثيرة من الأدعية في الصلاة بغير القرآن, في أدعية الاستفتاح والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين والجلوس للتشهد الأخير والقنوت, مما لا يسع المخالف إنكاره.

    على كل حال فقد ذكر: أن مالك و الشافعي يجيزان ذلك, وقد درسنا في مذهب الشافعية: على أنه يجوز الدعاء بأمر الدنيا والآخرة, حتى بطلب الزوجة وتسميتها, وأما عند الحنابلة: فلا يجوزون الدعاء بأمور الدنيا, يقولون: إذا دعا في شيء في الآخرة من أمور الدنيا كما تقول: اللهم ارزقني مزرعة، يقولون: ما يجوز, إنما يجوز الدعاء في الصلاة بأمور الآخرة.

    1.   

    التشهد

    أقوال العلماء في حكم التشهد

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة السابعة اختلفوا في وجوب التشهد، وفي المختار منه ] في شيئين: في وجوبه وفي المختار منه.

    [ فذهب مالك ، و أبو حنيفة ، وجماعة: إلى أن التشهد ليس بواجب ] أي أن: ألفاظ التشهد ليست بواجبة.

    [ وذهب طائفة إلى وجوبه، وبه قال الشافعي ، و أحمد و داود ].

    سبب اختلاف العلماء في حكم التشهد

    قال رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: معارضة القياس لظاهر الآثار ].

    فالقياس يعارض ظاهر الآثار الواردة بالتعليم.

    [ وذلك أن القياس يقتضي إلحاقه بسائر الأركان التي ليست بواجبة في الصلاة، لاتفاقهم على وجوب القرآن ].

    أي أن قول: سبحان ربي العظيم وبحمده, وكذلك التكبيرات عند أكثر العلماء: أنها ليست بواجبة, وإنما الواجب القراءة، فهذا نلحقه بالأركان التي ليست بواجبة؛ لأنه ليس بقرآن, لكن الأحاديث تدل على وجوبه.

    [ وأن التشهد ليس بقرآن فيجب. وحديث ابن عباس ] الذي أخرجه الإمام مسلم [ أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ), يقتضي وجوبه، مع أن الأصل عند هؤلاء ] عند الجمهور [ أن أفعاله وأقواله في الصلاة يجب أن تكون محمولة على الوجوب، حتى يدل الدليل على خلاف ذلك ] لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي ).

    [ والأصل عند غيرهم على خلاف هذا ].الذي يقول ليس بواجب.

    [ وهو أن ما ثبت وجوبه في الصلاة مما اتفق عليه أو صرح بوجوبه، فلا يجب أن يلحق به إلا ما صرح به ونص عليه، فهما كما ترى أصلان متعارضان ].

    الراجح في حكم التشهد

    ولكن التشهد مما نص على وجوبه, فلا تشمله هذه القاعدة؛ ولذا أقول: الراجح القول بوجوب التشهد؛ لورود الأمر به في حديث ابن مسعود المتفق عليه, وفيه: ( إذا صلى أحدكم فليقل: التحيات ), إلى آخره, وفي رواية: ( إذا جلس أحدكم ), وعند مسلم : ( إذا قعد أحدكم ), ومما يدل على وجوب التشهد ما أخرجه مسلم من حديث أبي موسى بلفظ: ( وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات .. ), إلى آخره, وقال ابن مسعود : كنا نقول قبل أن يفرض علينا: التشهد إلى آخره, فقوله يدل على أنهم فهموا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأمر به للفرض؛ لأن ابن مسعود يقول: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد.. إلى آخره, قال الشوكاني في النيل (2/314): رواه الدارقطني وقال: سنده صحيح, كما أخرجه البيهقي وصححه, وقال في السيل (1/218): وهذا يدل على أنه فرض عليهم, أي: كلام ابن مسعود, ولم يأتِ القائلون بعدم وجوبه بحجة مقبولة..

    قلت: وأقوى ما قالوه: إنه لم يذكر في حديث المسيء صلاته, ولكن ما قالوه مردود؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر به المسيء صلاته, فقال له عليه الصلاة والسلام: ( فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد ), قال الألباني في صفة الصلاة (ص157): أخرجه أبو داود و البيهقي بسند جيد.

    المختار من التشهد

    قال رحمه الله: [ وأما المختار من التشهد، فإن مالكاً رحمه الله اختار تشهد عمر رضي الله عنه الذي كان يعلمه الناس على المنبر، وهو: ( التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ) واختار أهل الكوفة أبو حنيفة ، وغيره تشهد ابن مسعود . قال أبو عمر : وبه قال أحمد ، وأكثر أهل الحديث، لثبوت نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: ( التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ), واختار الشافعي ، وأصحابه تشهد عبد الله بن عباس الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ).

    وسبب اختلافهم: اختلاف ظنونهم في الأرجح منها، فمن غلب على ظنه رجحان حديث ما من هذه الأحاديث الثلاثة مال إليه.

    وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن هذا كله على التخيير كالأذان، والتكبير على الجنائز ] فمنهم من كبر خمساً, ومنهم من كبر أربعاً.

    [ وفي العيدين، وفي غير ذلك مما تواتر نقله، وهو الصواب والله أعلم ].

    اشتراط الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد

    قال رحمه الله: [ وقد اشترط الشافعي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد وقال: إنها فرض لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب:56] ] فقالوا: إنه أمر, وليس هناك مناسبة لهذا الأمر إلا في الصلاة.

    [ ذهب إلى أن هذا التسليم هو التسليم من الصلاة.

    وذهب الجمهور إلى أنه التسليم الذي يؤتى به عقب الصلاة عليه.

    الراجح في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد

    والراجح: هو ما ذهب إليه الشافعي من فرضية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد, ويدل على ذلك حديث فضالة بن عبيد قال: ( سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته, لم يحمد الله تعالى، ولم يصلِ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عجل هذا -أي: استعجل- ثم دعاه فقال له ولغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه عز وجل والثناء عليه ثم يصلي ), وفي رواية: ( ثم ليصل على النبي ), واللام لام الأمر, أي على النبي صلى الله عليه وسلم, ( ثم يدعو بما شاء ), قال الألباني في صفة الصلاة: أخرجه أبو داود و ابن خزيمة و الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي , فالحديث صحيح, وهذا الحديث يدل على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد للأمر بها.

    وقد ذهب إلى القول بالوجوب الإمام الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين عنه, وسبقهما إليه جماعة من الصحابة وغيرهم, بل قال الآجري في الشريعة (ص415): ومن لم يصلِ على النبي صلى الله عليه وسلم في تشهده الأخير وجب عليه إعادة الصلاة. ولذلك فمن نسب الإمام الشافعي إلى الشذوذ بالقول بوجوبها فما أنصف، كما بينه الفقيه ابن حجر الهيتمي في الدر المنضود، في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود.

    القاضي عياض ألف الشفاء في خصائص المصطفى, وذكر فيه خصائص المصطفى بما لم يسبق عليه, وكان الأجدر بالقاضي عياض أن يقول: ومن خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب الصلاة عليه في التشهد كما يرى الشافعي . ولا يقول: وقد شذ الشافعي بالقول بالوجوب، يقول الإمام الشافعي رحمه الله:

    يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزلهُ

    ألم يكفكم من عظيم القدر أنكم من لم يصلِ عليكم لا صلاة لهُ

    حكم التعوذ بالله من أربع في التشهد

    قال رحمه الله: [ وذهب قوم من أهل الظاهر إلى أنه واجب أن يتعوذ المتشهد من الأربع التي جاءت في الحديث: من عذاب القبر, ومن عذاب جهنم, ومن فتنة المسيح الدجال , ومن فتنة المحيا والممات; لأنه ثبت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منها في آخر تشهده, وفي بعض طرقه: ( إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ من أربع ), خرجه مسلم ].

    الراجح في التشهد والصلاة على النبي فيه

    إذاً ومطلق الأمر يدل على الوجوب وهو الأرجح، فالراجح وجوب التشهد, وجوب الصلاة ووجوب التعوذ للأمر به, فالراجح وجوب التعوذ من الأربع للأمر به.

    1.   

    التسليم

    أقوال العلماء في حكم التسليم من الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثامنة: التسليم.

    اختلفوا في التسليم من الصلاة، فقال الجمهور بوجوبه ].

    منهم: مالك و الشافعي و أحمد وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس بواجب، والذين أوجبوه منهم من قال: الواجب على المنفرد والإمام تسليمة واحدة ] وهو مالك و الشافعي .

    [ ومنهم من قال: ثنتان ] وهو أحمد .

    [ فذهب الجمهور مذهب ظاهر حديث علي ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام فيه: ( وتحليلها السلام )] افتتاحها التكبير, وتحليها أي: الخروج منها بالتسليم, وهو حديث صحيح تقدم قريباً.

    [ ومن ذهب إلى أن الواجب من ذلك تسليمتان ] وهو أحمد .

    [ فلما ثبت من أنه عليه الصلاة والسلام كان يسلم تسليمتين ] ورد ذلك من حديث ابن مسعود و سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة, [ وذلك عند من حمل فعله على الوجوب.

    واختار مالك للمأموم تسليمتين وللإمام واحدة، وقد قيل عنه إن المأموم يسلم ثلاثاً: الواحدة للتحليل، والثانية للإمام، والثالثة لمن هو عن يساره ] وعليه أن يشير السلام عليكم, يرد الإمام ورحمة الله, السلام عليكم ورحمة الله لمن عن يمنيه, السلام عليكم ورحمة الله, قال: ثلاثاً.

    [ وأما أبو حنيفة ، فذهب إلى ما رواه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي أن عبد الرحمن بن رافع ، و بكر بن سوادة حدثاه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا جلس الرجل في آخر صلاته، فأحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته ), قال أبو عمر بن عبد البر : وحديث علي المتقدم أثبت ].

    حديث علي : ( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ).

    [ عند أهل النقل; لأن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص انفرد به الإفريقي ، وهو عند أهل النقل ضعيف ].

    أقول: الطريق إلى الله طريقان لا يصل الإنسان إلا بطريقين هي مذكورة في حديث علي : ( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم), وهذه الطريقان: حسن الصلة بالله، وحسن الصلة بعباد الله, فلا بد أن يكون الإنسان صادقاً في حكم الصلة بالله, فإنك إذا دخلت في الصلاة وقلت: الله أكبر, فإنك دخلت في الحضرة الإلهية, فلا يجوز لك أن تكلم أحداً من الناس، أو تتلفظ بأحد من الناس؛ لأنك دخلت في الحضرة الإلهية بـ: الله أكبر, فيجب عليك حسن الصلة بالله, وهي: أن تكون مع الله بلا خلق, سواء كنت في الحضرة أو خارج الحضرة؛ لأنك قلت: الله أكبر, وإلا كنت كاذباً في قولك: الله أكبر, لأنك لما قلتها دخلت الحضرة الإلهية وأقررت بين يدي الله أن الله أكبر فإذا خرجت من الحضرة الإلهية وصار رضى المخلوق عندك أكبر من رضا الخالق, فلست صادقاً فيما نطقت به في الحضرة الإلهية وما حسنت صلتك بالله. ولهذا يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني : كن مع الله بلا خلق.

    أما حسن الصلة بالناس: فهذا كذلك شعار جعله الله لك في الصلاة, الله يأخذ عليك عندما تريد أن تخرج من الحضرة الإلهية لأنك ستختلط بالناس, فيأخذ الله عليك عهداً على أنك تحسن الصلة بعباده، كما أحسنت الصلة به فتقول: السلام عليكم ورحمة الله, أنا عاهدت ربي لما خرجت من الحضرة الإلهية أني أكون معكم بلا نفس, يقول عبد القادر الجيلاني : وكن مع الخلق بلا نفس. فلا تقدم المصالح الشخصية وما تهواه نفسك على ما أوجب الله عليك لإخوانك, فأنت قد عاهدته كل يوم أنك أقل شيء ممكن أن تسلمهم من شرك, السلام عليكم ورحمة الله, السلام عليكم ورحمة الله, هذه الصلاة تمثل حسن الصلة في التكبير بالله, وتمثل حسن الصلة في آخرها بالناس, فلا يجوز لك أن تكذب على الله وعلى الناس, تكذب على الله: في حسن الصلة به, وعلى الله: في حسن الصلة بخلقه مرتين في كل صلاة, فتذكر أنك قد عاهدت ربك أن تحسن الصلة به، وعاهدته أن تحسن الصلة بخلقه في الصلاة, فلتكن صادقاً, هذا هو السر في افتتاحها بالتكبير واختتامها بالتسليم.

    [ قال القاضي: إن كان أثبت من طريق النقلِ ]. أي: ( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ), [ فإنه محتمل من طريق اللفظ ] لأنه مفهوم مخالفة.

    [ وذلك أنه ليس يدل على أن الخروج من الصلاة لا يكون بغير التسليم إلا بضرب من دليل الخطاب وهو مفهوم ضعيف عند الأكثر، ولكن للجمهور أن يقولوا: إن الألف، واللام التي للحصر أقوى من دليل الخطاب في كون حكم المسكوت عنه بضد حكم المنطوق به ].

    الراجح في حكم التسليم

    والراجح وجوب التسليم للحديث المذكور حديث علي ، ولمداومته صلى الله عليه وسلم، فهو بيان لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ), والأكثر من فعله تسليمتان, وأحياناً كان يسلم تسليمةً واحدة تلقاء وجهه, والواجب من التسليمتين تسليمة واحدة, يدل على ذلك حديث عائشة : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمةً واحدةً تلقاء وجهه، يميل إلى الشق الأيمن ). رواه الترمذي وغيره، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي و ابن الملقن , انظر صفة الصلاة (ص138), والإرواء (2/33).

    سبحانك اللهم وبحمدك, نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756619650