إسلام ويب

كتاب الطهارة [20]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اتفق العلماء على وجوب الغسل من الجنابة، إلا أنهم اختلفوا في بعض شرائطه، كالاختلاف في اشتراط النية فيه، واشتراط المضمضة والاستنشاق، وكذا الموالاة فيه والترتيب.

    1.   

    النية في غسل الجنابة

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    أقوال أهل العلم في اشتراط النية في الغسل

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية:

    اختلفوا هل من شروط هذه الطهارة النية أم لا؟ ]، يعني: أن الإنسان يقدم على الاغتسال بنية رفع الجنابة، أما الذين لا يشترطون النية فإنهم يقولون: لو اغتسل وهو لا ينوي رفع الجنابة، ثم عرف بعد ذلك أن عليه جنابة، فإنه يكفيه هذا الغسل، فمثلاً: لو نزل عليه المطر وقد أصابته جنابة ولم ينو رفعها، فإن الجنابة ارتفعت عنه، مثل ما لو نزل المطر على ثوب وفيه نجاسة، فإنه يطهر.

    وأما كون الإنسان لا يقدم على الفعل إلا بقصد فهذا معروف، فلو أن إنساناً عليه جنابة وقصد فعل الغسل فهذه هي النية، لكن لو نزل عليه مطر أو اغتسل ولم يقصد رفع الجنابة، ثم بعد ذلك أراد أن يكون هذا الغسل للجنابة، فالذين لا يشترطون النية يقولون: هذا الغسل يرفع عنه الجنابة، كمثل الثوب المتنجس فلا تشترط النية لإزالة النجاسة عنه.

    [ كاختلافهم في الوضوء، فذهب مالك و الشافعي و أحمد و أبو ثور و داود وأصحابه إلى أن النية من شروطها.

    وذهب أبو حنيفة وأصحابه و الثوري إلى أنها تجزئ بغير نية كالحال في الوضوء عندهم ].

    سبب الاختلاف في اشتراط النية في الغسل

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم في الطهر هو بعينه سبب اختلافهم في الوضوء، وقد تقدم ذلك ]، وهو أن العبادة تنقسم إلى قسمين: عبادة معقولة المعنى، وعبادة غير معقولة المعنى. فالعبادة المعقولة المعنى لا يشترط لها النية، والعبادة غير معقولة المعنى يشترط لها النية.

    والأئمة الثلاثة قالوا: أنها عبادة غير معقولة المعنى.

    فتبين أن الاختلاف هو في تردد الوضوء والغسل بين أن يكونا عبادة معقولة المعنى أو عبادة غير معقولة المعنى، بمعنى آخر هل هما يشبهان غسل النجاسات، أم يشبهان العبادات كالصلاة وغيرها.

    فالجمهور على أنهما يشبهان العبادات فتجب فيهما النية، وأما أبو حنيفة فرأى أنهما أقرب إلى معنى غسل النجاسة فلم يشترط لهما النية.

    الراجح في اشتراط النية في الغسل

    والراجح من هذا هو قول الجمهور؛ لأن الحدث أمر معنوي، وقد تعبدنا الله بغسل أعضاء معينة، فهما أي: الوضوء والغسل أقرب إلى أنهما غير معقولي المعنى فتجب النية فيهما.

    1.   

    المضمضة والاستنشاق في الغسل

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثالثة: اختلفوا في المضمضة والاستنشاق في هذه الطهارة أيضاً، كاختلافهم فيهما في الوضوء، أعني: هل هما واجبان فيها أم لا؟ ].

    أقوال العلماء في المضمضة والاستنشاق في الغسل

    قال رحمه الله: [ فذهب قوم إلى أنهما غير واجبين فيها، وذهب قوم إلى وجوبهما، وممن ذهب إلى عدم وجوبهما مالك و الشافعي ، وممن ذهب إلى وجوبهما أبو حنيفة وأصحابه ]، و كذا الإمام أحمد .

    إلا أن أبا حنيفة لم يوجب المضمضة والاستنشاق في الوضوء، وأوجبها في الغسل؛ والسبب في هذا أن الطهارة بالغسل أبلغ من طهارة الوضوء، فأوجبوا المضمضة والاستنشاق في الغسل ولم يوجبوهما في الوضوء، وأما أحمد فقد أوجب المضمضة والاستنشاق في الوضوء وفي الغسل.

    سبب اختلاف العلماء في اشتراط المضمضة والاستنشاق في الغسل

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: معارضة ظاهر حديث أم سلمة للأحاديث التي نقلت من صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم في طهره، وذلك أن الأحاديث التي نقلت من صفة وضوئه في الطهر فيها المضمضة والاستنشاق، وحديث أم سلمة ليس فيه أمر لا بمضمضة ولا باستنشاق ]، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاثاً، ثم تفيضي الماء على جسدك )، فليس فيه أمر لا بالمضمضة ولا بالاستنشاق، وأما حديث عائشة ففيه: (أنه تمضمض واستنشق وتوضأ وضوؤه للصلاة)، فحديث عائشة هذا يعارض حديث أم سلمة السابق.

    [ فمن جعل حديث عائشة و ميمونة مفسراً لمجمل حديث أم سلمة ]، أي: أن حديث أم سلمة مجمل، وحديث عائشة و ميمونة مفسر لهذا المجمل، وكذلك مفسر [ لقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، أوجب المضمضة والاستنشاق.

    ومن جعله معارضاً جمع بينهما: بأن حمل حديثي عائشة و ميمونة على الندب، وحديث أم سلمة على الوجوب ]، يعني: المضمضة والاستنشاق مستحبة، وحديث أم سلمة إفاضة الماء على الرأس وعلى سائر البدن يكون واجباً.

    ونحن نقول: الراجح في المضمضة والاستنشاق هو ما رجحناه في باب الوضوء صفحة ثمانية وثلاثين.

    1.   

    تخليل الرأس في الغسل

    قال المصنف رحمه الله: [ ولهذا السبب بعينه اختلفوا في تخليل الرأس، هل هو واجب في هذه الطهارة أم لا؟ ومذهب مالك أنه مستحب، ومذهب غيره أنه واجب، وقد عضد مذهبه من أوجب التخليل بما روي عنه صلى الله عليه وسلم قال: ( تحت كل شعرة جنابة، فأنقوا البشرة وبلوا الشعر ) ]، إلا أن هذا الحديث ضعيف.

    ولكن الواجب إيصال الماء إلى البشرة، فإن لم يحصل الإيصال، فالتخليل حينئذ واجب لحديث عائشة في البخاري و مسلم قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه، وتوضأ وضوؤه للصلاة، ثم تخلل بيده شعره حتى ظن أنه قد أروى بشرته أفاض الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده )، وأيضاً إذا توقف وصول الماء إلى البشرة على التخليل، فيكون من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

    وحديث عائشة هذا: ( حتى ظن أنه قد أروى بشرته )، يدل على أنه كان يخلل البشرة في الوضوء، وفعله بيان لقوله تعالى: فَاطَّهَّرُوا[المائدة:6]، وبيان الواجب واجب.

    1.   

    الترتيب والموالاة في الغسل

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الرابعة ]: الترتيب والموالاة في الغسل:

    [ اختلفوا هل من شروط هذه الطهارة الفور والترتيب، أو ليسا من شروطها؟ كاختلافهم من ذلك في الوضوء ].

    سبب الاختلاف في الترتيب والموالاة في الغسل

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم في ذلك: هل فعله صلى الله عليه وسلم محمول على الوجوب أو على الندب؟ فإنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه ما توضأ قط إلا مرتباً متوالياً ]، يعني: ما توضأ إلا مرتباً متوالياً وكذلك الغسل، أي: أنه يوالي فيه ويرتب.

    [ وقد ذهب قوم إلى أن الترتيب في هذه الطهارة أبين منها في الوضوء وذلك بين الرأس وسائر الجسد ] يعني: أنه جعل للجنب عضوين وهما الرأس والجسد، [ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة : ( إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي الماء على جسدك ) ]، الشاهد في قوله: (ثم)؛ لأن (ثم) تقتضي الترتيب، [ وحرف (ثم) يقتضي الترتيب بلا خلاف بين أهل اللغة ].

    والراجح أن جسد الجنب بالنسبة للغسل عضو واحد، وهذا بخلاف الوضوء؛ لقوله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، فهذا يدل أن الوضوء له أعضاء. وأما الغسل فقال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، فهذا يدل على أنه عضو واحد.

    فالراجح أن جسد الجنب بالنسبة للغسل عضو واحد، والآية قد أطلقت الطهارة فيه كما قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6].

    1.   

    دعوى اشتراط الشافعي الوضوء قبل الغسل من الجنابة

    تنبيه: وأما قول المؤلف في المسألة الأولى من كتاب الغسل:

    [ وأن الوضوء في أول الطهر ليس من شرط الطهر إلا خلافاً شاذاً روي عن الشافعي ]، أي أن الشافعي يقول: أن الوضوء يشترط في غسل الجنابة، وأن من لم يتوضأ فغسله غير صحيح.

    إلا أن هذا القول لم نجده في كتب الشافعية، بل هو مخالف لما هو مقرر في المذهب، واعتمده أئمة الشافعية، فقد قال النووي في المجموع (جـ2/202): فرع: الوضوء سنة في الغسل وليس بشرط ولا واجب، هذا مذهبنا وبه قال العلماء كافة، إلا ما حكي عن أبي ثور و داود أنهما شرطاه، ونقل ابن جرير الإجماع على أنه لا يجب، ودليله: أن الله تعالى أمر بالغسل ولم يذكر وضوءاً، وقوله صلى الله عليه وسلم لـأم سلمة عند مسلم : ( إنما يكفيك أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء، فإذا أنت قد طهرت )، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر في الصحيحين: ( أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث مرات )، وقوله صلى الله عليه وسلم للذي تأخر عن الصلاة وكان معه في السفر، واعتذر بأنه جنب فأعطاه إناءً وقال: ( اذهب فأفرغه عليك )، وحديث أبي ذر : ( فإذا وجدت الماء فأمسسه جلدك ) ] بعد أن كان يتيمم، وكل هذه الأحاديث صحيحة.

    وأما وضوء النبي صلى الله عليه وسلم في غسله فمحمول على الاستحباب جمعاً بين الأدلة ]. انتهى كلام النووي .

    فتبين لنا أن مذهب الشافعي هو مذهب الأئمة كلهم: وهو استحباب الوضوء عند الغسل، وأما القول بالوجوب فليس موجوداً في مذهبه.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756672215