إسلام ويب

شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [36]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شهداء هذه الأمة كثر كما بينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث كثيرة، وقد أوصلهم بعضهم إلى عشرين شهيداً، وقد اختلف العلماء هل لهؤلاء الشهداء ما لشهيد المعركة، والذي ذكره جماعة من العلماء: أن الشهداء أقسام: فمنهم: شهيد الدنيا والآخرة تجري عليه أحكام الشهادة في الدنيا والآخرة، وهو قتيل المعركة، وقسم: ورد النص له بثواب الشهادة فتجري عليه الأحكام في الآخرة دون الدنيا.

    1.   

    تابع الأدلة على أن الطاعون شهادة

    الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً.

    أما بعد:

    نحن ذكرنا في المبحث الماضي الكلام على إسناد حديث أبي هريرة رضي الله عنه ونذكر هنا لفظه، ولفظ الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد -يعني الذي يموت في قتال الكفار- فقال عليه الصلاة والسلام: إن شهداء أمتي إذاً لقليل) تحصرون هذه الشهادة فيمن يموت فقط في قتال الكفار، لقد حجرتم الواسع والله أعطى لهذه الأمة ثواب الشهادة في غير تلك الصورة، وقد جمعها الحافظ ابن حجر فزادت على عشرين صورة إذا مات الإنسان في واحدة منها ينال ثواب الشهادة، (قالوا: فمن هم يا رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد)، أي: دون أن يقتل في المعركة لكنه خرج للقتال ومات، (ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد)، حصل له إسهال شديد بحيث خرجت أمعاؤه ومغص، وهذا كان يموت بسببه أناس كثيرون من المتقدمين. نسأل الله العافية.

    وعلى كل حال الأمراض المعدية كثيرة، ومنها الإسهال المستمر.

    قال ابن مقسم : أشهد على أبيك -يعني: أبا صالح - أنه قال: (والغريق شهيد)، والمعنى: أنقل هذه في الرواية الغريق شهيد، وهذا وارد عن النبي عليه الصلاة والسلام في من يموت بغرق، أو حرق، وسيأتينا بعض الأحاديث في ذلك.

    وفي رواية الموطأ، والترمذي ، وصحيح البخاري وما أشار إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشهداء خمسة: المطعون) عن طريق وخز الجن، (والمبطون) يموت بسبب داء في بطنه وإسهال، (والغريق) الذي يموت بسبب الغرق (وصاحب الهدم) يسقط عليه جدار، (والشهيد في سبيل الله)، هؤلاء كلهم كما أشار نبينا عليه الصلاة والسلام شهداء عند الله جل وعلا.

    رواية عبد الله بن بشر

    الرواية الثامنة: رواية عبد الله بن بشر ، رواها الطبراني في معجمه الكبير، وهي في المجمع في الجزء الخامس، صفحة واحد وثلاثمائة، وقال عنها الهيثمي : رجال الحديث رجال الصحيح غير أبي صالح الفراء وهو ثقة، ولفظ الحديث: عن عبد الله بن بشر رضي الله عنه قال: (عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة رضي الله عنه، وهو سيد الخزرج، فقال: ما تعدون الشهداء من أمتي؟ قال ذلك ثلاثاً، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال سعد بن عبادة: إن شاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي فأخبرته من الشهداء من أمته، إن أذنت لي أنا أتكلم وهو مريض، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: فأخبرني من الشهداء من أمتي؟ قال: أسندوني، يعني: كان متكئاً على ظهره فأسندوه، قال: من آمن بالله وجاهد في سبيل الله، وقاتل حتى يقتل فهو شهيد، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن شهداء أمتي إذاً لقليل، القتل في سبيل الله شهيد) لعله يريد أن يقول هنا المقتول أو القتيل (والمبطون شهيد، والمطعون -وهو محل الشاهد عن طريق وخز الجن- شهيد، والغريق شهيد، والنفساء شهيدة)، إذا ماتت بجِمع بجَمع بجُمع والجيم مثلثة كما قال أئمتنا، أي: إذا ماتت في حال ولادتها فلها أجر الشهادة عند ربها، الحديث صحيح.

    أراد بعض الصحابة أن يضيق بكلامه وأن الشهيد هو الذي يموت في المعركة، والأمر أوسع من ذلك بكثير، ورحمة الله واسعة، ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش، ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته)، والحديث رواه أحمد في المسند، وهو في الجزء الأول، صفحة سبع وتسعين وثلاثمائة، وأورده في مسند ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.

    وهذا ليس له علاقة بالأحاديث التي في الطاعون، وهذا من باب الاستطراد، قلت: وهو في مسند عبد الله بن مسعود في المسند، في الجزء الأول، صفحة سبع وتسعين وثلاثمائة، وإنما قلت: في مسند عبد الله بن مسعود لأمر سأذكره اختلف فيه الحافظان: الهيثمي ، مع ابن حجر في تعليل إيراد هذا الحديث في المسند، وهل هو متصل، أو مرسل كما سنذكر إن شاء الله، قال الهيثمي في المجمع في الجزء الخامس، صفحة اثنتين وثلاثمائة رواه إبراهيم بن عبيد بن رفاعة : أن أبا محمد أخبره وكان من أصحاب عبد الله بن مسعود : أنه حدثه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن أكثر شهداء أمتي لأصحاب الفرش، وربّ قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته).

    قال الهيثمي : هكذا رواه أحمد ، ولم أره ذكر ابن مسعود ، إنما قال: إن أبا محمد من أصحاب عبد الله بن مسعود حدثه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: قال: وفيه ابن لهيعة ، وحديثه حسن وفيه ضعف، والظاهر أنه مرسل، ورجاله ثقات، يعني: رفعه أبو محمد صاحب عبد الله بن مسعود إلى النبي عليه الصلاة والسلام ولم يروه عن عبد الله بن مسعود فهو مرسل، وإلى هذا ذهب الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند في الجزء الخامس صفحة تسعين ومائتين فقال: الحديث ضعيف للإرسال، جميع الرجال ثقات، وهو كما قلت لكم مراراً: حديث ابن لهيعة الشيخ أحمد شاكر يصححه، ولا إشكال عنده حول ابن لهيعة لكن يقول: مرسل، والحافظ ابن حجر في الفتح يخالفهم في ذلك، وكلامه في الجزء العاشر، صفحة أربع وتسعين ومائة.

    يقول: أخرجه أحمد من طريق إبراهيم بن عبيد بن رفاعة ، أن أبا محمد أخبره وكان من أصحاب ابن مسعود أنه حدثه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن أكثر شهداء أمتي لأصحاب الفرش، وربّ قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته)، والدليل في قوله: إنه حدثه لـابن مسعود ، فإن أحمد أخرجه في مسند ابن مسعود ، ورجال سنده موثقون، وعليه هو متصل وليس بمرسل، وإذا كان متصلاً فالحديث رجاله ثقات.

    وقبل أن نبدأ بالرواية التاسعة أقول: بعض الإخوة سألوا سؤالاً:

    فقالوا: إذا كان الطاعون بوخز الجن وتسلط الجن على الإنس، فكيف يكون للجن تسلط على أولياء الله؟ وقد قال تعالى: لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر:42].

    الجواب: فيما يظهر والعلم عند الله جل وعلا لا تعارض بين الأمرين، لا سلطان للشيطان الرجيم، ولا لأتباعه على عباد الله المؤمنين الموحدين، فإن قيل: كيف تسلط عليهم عن طريق وخزهم وقتلهم؟

    قلنا: إن المنفي غير المثبت، فالمنفي لا سلطان له عليهم بمعنى أنه يظلهم، ويحملهم على الفسوق والعصيان، والانحراف عن الإسلام فلا يستطيع هذا، وهذا كالسبيل المنفي في حق الكفار وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141] ، لا يمكن أن يتغلب كافر على مؤمن بالحجة والبينة والبرهان، وهم على باطل، ونحن على حق، والواحد منا على بينة من أمره وبينة من ربه لو اجتمع أهل الأرض وكفروا لقال الله لهم: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء:98]، أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:67]، هذه قضية واضحة، لكن قد يتسلط الكافر على بدني، قد يقتلني، وقد يتسلط هنا الجني على البدن فيقتله، فهذه مصيبة ليست معيبة، والمصيبة أنت تثاب عليها، والمعيبة أنت تأثم بسببها، فلو تسلط عدو من الإنس أو عدو من الجن على هذا البدن فقتله مت شهيداً، وتقدم معنا الطعن من الإنس هذا ظاهره، والطعن من قبل الجن أيضاً شهادة، وسيأتينا الآن ضمن الأحاديث أنه يأتي المطعون يوم القيامة، والذي قتل في ساحة المعركة وهذا خاصة له ( جرحهما يثعب دماً ) بلون واحد، ويختلف عن سائر أنواع الشهادة ممن يموت في حرق أو غرق، هذا مات شهيداً، وذاك مات شهيداً، أي: الشهيد الذي قتل بواسطة طعن من عدوه، ولذلك جرحهما يأتي يوم القيامة بلون واحد ورائحة واحدة، وهذا سيأتينا من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، فهنا مصيبة.

    وعليه عندما تسلط مثلاً الجن على أبي عبيدة رضي الله عنه وأصابوه بالطاعون وهو أمين هذه الأمة، ليس معنى ذلك أنهم تسلطوا على أولياء الله، والله يقول: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل:99-100]، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر:42]، وهنا حصل له سلطان؛ السلطان المنفي أن يقودهم بالإغواء والإضلال إلى حيثما يريد، وهذا ما حصل، ولذلك لا حرج في أن يصاب الولي بالطاعون، على أن الطاعون كما سيأتينا سببه في الجملة حصول معصية في الرحمة، لا بد وأنه حصل معصية من الناس تعجل الله لهم بها العقوبة، وجعل الله عقوبة هذه الأمة في دنياها، وكلما اشتد صلاح الإنسان، إذا حصل منه أدنى شائبة عجلت له العقوبة، وأحياناً تنزل عقوبة عامة ولكن سببها أخطاء للبعض ومعاصي في الجملة، فالبلاء ينزل عاماً، وكل واحد بعد ذلك يأخذ جزاءه على هذا البلاء، فمثلاً العاصي يطهره، والمطيع يرفع درجته، إذا لم يكن عاصياً وأصيب بسبب معصية ذاك، وسيأتينا أن سبب الطاعون انتشار المنكرات، فمتى ما ظهرت يظهر الطاعون، أي: يسلط الله هؤلاء على الإنس، فينخزونهم ويقتلونهم فيموتون، لكن يكون هذا تطهيراً لهم بفضل الله ورحمته، فلا يمكن أن يحصل إلا إذا سبقه انتشار للمعاصي وتحلل، فالله يطهر هذه الأمة فيسلط عليهم هؤلاء ليكون طهارةً لهم وتكفيراً لذنوبهم، هذا كما أنه أحياناً المؤمنون يخذلون أمام أعدائهم بما كسبت أيديهم، والله ليس بظلام للعبيد سبحانه وتعالى.

    هذا الذي يظهر جواباً على هذا والعلم عند الله جل وعلا، يعني: مثلاً كما قلت لكم العدو الإنسي الظاهر السبيل المنفي في حقه علينا أنه يغوينا، أو يضلنا، أو يغلبنا بالحجة هذا لا يتمكن منه، لكن قد يتمكن من قطع الرقبة، وكثير من أنبياء الله ورسله، فضلاً عن الصديقين والصالحين قتلوا من قبل الكفرة، وكان بنو إسرائيل يقتلون النبيين بغير الحق، والله يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141] ، أي سبيل أكثر من القتل؟ نقول: لا، إن السبيل بالظهور والغلبة والحجة لا يمكن، أما أن الإنسان يصاب من قبل هؤلاء ليزداد أجره عند الله فلا حرج، إن شاء الله.

    رواية سلمان الفارسي

    الرواية التاسعة: مروية عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، وهي في معجم الطبراني الكبير، والأوسط، ورواها البزار وهي في مجمع الزوائد في الجزء الخامس، صفحة واحد وثلاثمائة، وفي إسناد الحديث مندل والميم مثلثة: مِندل، مُندل، مَندل، مثلث الميم ساكن الثاني، وهو مندل بن علي العنزي ، وقال: اسمه عمرو ، توفي سنة سبع وستين ومائة، أو وثمان وستين ومائة، قال الهيثمي في المجمع: فيه كلام كثير وقد وثق، وقال مرةً: هو ضعيف، وقد حكم عليه الحافظ في التقريب بأنه ضعيف، وهو من رجال أبي داود ، وسنن ابن ماجه ، ولفظ الحديث عن سلمان رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: الذي يقتل في سبيل الله، فقال عليه الصلاة والسلام: إن شهداء أمتي لقليل، يعني: على حسب قولكم، القتل في سبيل الله شهادة، والطاعون شهادة، والنفساء شهادة، والحرق يعني: الموت بواسطة الحرق شهادة، والغرق شهادة، والسيل شهادة، والبطن شهادة).

    وعلى كل حال الضعف ينجبر بالروايات التي شهدت له مما تقدم ومما سيأتينا إن شاء الله.

    رواية سعد بن أبي وقاص

    الرواية العاشرة: مروية عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في مسند البزار ، بسند رجاله رجال الصحيح، والحديث في المجمع في الجزء الأول، صفحة ثلاثمائة، ولفظ الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تستشهدون -أي تموتون وتنالون أجر الشهادة- بالقتل، والطاعون، والغرق، والبطن، وموت المرأة جمعاً أي: موتها في نفاسها)، وتقدم معنا: جَمع جِمع جُمع مثلثة الجيم وهي التي ماتت في نفاسها، وقال بعض المصحفين: المرأة إذا ماتت بجمع يعني في مزدلفة، ولا علاقة لجمع في مزدلفة بموت المرأة في حال نفاسها.

    رواية راشد بن حبيش

    الرواية الحادية عشر: مروية عن راشد بن حبيش وهو صحابي معروف رضي الله عنه في مسند أحمد بسند رجاله ثقات، كما قال الهيثمي في المجمع في الجزء الخامس، صفحة تسع وتسعين ومائتين، كله في جزء واحد عند كتاب الجهاد باب ما تحصل به الشهادة.

    وقال المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء الثاني صفحة أربع وثلاثين وثلاثمائة: إسناده حسن، وقد استشهد به الحافظ في الفتح، وهو على شرطه لا ينزل عن درجة الحسن في الجزء السادس، صفحة ثلاث وأربعين، من رواية راشد بن حبيش رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبادة بن الصامت رضي الله عنه يعوده في مرضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعلمون من الشهيد من أمتي؟ فأرمّ القوم -أي سكتوا وأطرقوا ما تكلم أحد منهم- فقال عبادة : أسندوني، فأسندوه)، وتقدم معنا لكن هناك في الرواية التاسعة: سعد بن عبادة ، وهنا عبادة بن الصامت ، ( فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصابر المحتسب)، يقصد بالصابر في ساحة المعركة يحتسب نفسه عند ربه ويطلب الأجر من خالقه، قتل وهو صابر محتسب، يعني: ما ولى الأدبار وجاءته طعنة من خلفه، (صابر محتسب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شهداء أمتي إذاً لقليل، القتل في سبيل الله عز وجل شهادة، والطاعون شهادة، والغرق شهادة، والبطن شهادة، والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة)، أي: إذا ماتت في حال ولادتها، قال: وزاد أبو العوام سادن بيت المقدس، وهو أحد رجال الإسناد حارس بيت المقدس: (والحرق والسيل)، أي: من يموت بحرق أو بالسيل فله أجر الشهادة، رواه أحمد بإسناد حسن، وراشد بن حبيش صحابي معروف كما قال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب.

    الرواية الثانية عشرة: رواية راشد بن حبيش والقصة وقعت مع عبادة وهنا عبادة دخل مع النبي عليه الصلاة والسلام في مرضٍ لـعبد الله بن رواحة رواية أخرى، وهو راوي الحديث هنا، رواها أحمد في المسند، والطبراني في معجمه الكبير بسند رجاله ثقات، كما في المجمع في الجزء الخامس صفحة ثلاثمائة، ورواها أيضاً من طريق آخر كما سيأتينا في المسند، ومعجم الطبراني الأوسط، والبزار كما في مجمع الزوائد في صفحة تسع وتسعين ومائتين.

    عن عبادة بن الصامت قال: (دخلنا على عبد الله بن رواحة نعوده في مرضه فأغمي عليه، فقلنا: يرحمك الله، إن كنا لنرجو أن تموت على غير هذا، يعني: شهيداً في قتال المشركين، وأنت تموت على فراشك، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر هذا فقال: وفيم تعدون الشهداء؟ من الشهداء عندكم، فأرمّ القوم وتحرك عبد الله -يعني ابن رواحة - فقال: ألا تجيبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أجابه هو فقال: نعد الشهادة في القتل، فقال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل، إن في القتل شهادة، وفي الطاعون شهادة، وفي البطن شهادة، وفي الغرق شهادة، وفي النفساء يقتلها ولدها شهادة).

    وكما قلت: هذا إسناد مروي من طريق آخر فيه المغيرة بن زياد ، وثقه جماعة، وضعفه آخرون، وبقية رجاله ثقات.

    رواية عبادة بن الصامت

    الرواية الثانية عشرة: عن عبادة بن الصامت أيضاً قال: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض، في الأول يروي الحديث أنه عاده هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم كما في رواية راشد بن حبيش ، وفي حديثه هو يروي أنهم في عيادتهم لـعبد الله بن رواحة ، فالحديث يعتبر حديثاً واحداً؛ لأنه من رواية عبادة ، أما رواية راشد بن حبيش فانتهينا منها، يقول عبادة : (أتاني رسول الله عليه الصلاة والسلام يعودني وأنا مريض في ناس من الأنصار، وقال: هل تدرون من الشهيد؟ فسكتوا، فقال: هل تدرون من الشهيد؟ فقلت لامرأتي: أسنديني فأسندتني فقلت: من أسلم، ثم هاجر، ثم قتل في سبيل الله تبارك وتعالى)، أي: في قتال الكفار، فذكر نحو الحديث المتقدم: (إن شهداء أمتي إذاً لقليل.. إلى آخره)، رواه أحمد ، والبزار ، والطبراني في الأوسط، إلا أنه قال: (إن لم يكن شهداء أمتي إلا هؤلاء، إنهم إذاً لقليل، القتل في سبيل الله شهادة، والغريق شهيد، والمبطون شهيد، والطاعون شهادة، والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة)، فيه المغيرة بن زياد وقد وثقه جماعة، وضعفه آخرون، وبقية رجاله ثقات، على كل حال هذه الرواية الثانية يشهد لها الرواية التي فيها المغيرة بن زياد، قلنا: والطريق الأخرى رجالها ثقات، المغيرة بن زياد حكم عليه الحافظ في التقريب فقال: صدوق له أوهام، وقد توفي سنة اثنتين وخمسين ومائة، وحديثه في السنن الأربعة، وهو المغيرة بن زياد البجلي الموصلي .

    رواية ربيع الأنصاري

    الرواية الثالثة عشرة: من رواية ربيع الأنصاري رضي الله عنه، رواها الطبراني في معجمه الكبير بسند رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في الترغيب والترهيب الجزء الثاني، صفحة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة: رواته محتج بهم في الصحيح، وكما قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح.

    ولفظ الحديث: عن ربيع الأنصاري : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد ابن أخي جبراً الأنصاري )، وفي الصحابة عدد ممن يسمون باسم جبر، ويوجد من اسمه خير فلا تخلط بين الاثنين، وقد أورد ابن الأثير في أسد الغابة ثلاثة أو أربعة ممن يسمون بجبر من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، يقول: (عاد إذاً رسول الله عليه الصلاة والسلام ابن أخي جبراً الأنصاري ) جبر من الأنصار وهنا ربيع الأنصاري، ما يعلم له قصة صحيحة في حياته حتى ربيع رضي الله عنهم أجمعين إلا أنهم ثبت لهم صحبة للنبي عليه الصلاة والسلام، قال: (فجعل أهله يبكون عليه، فقال لهم: جبر -وهو المريض-: لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصواتكم، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: دعهن يبكين ما دام حياً)، ما دام حياً يعني: ما دام المريض على قيد الحياة، (فإذا وجب فليسكتن، فقال بعضهم: لكن نرى أن يكون موتك على فراشك حتى تقتل في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوما القتل إلا في سبيل الله؟)، يعني: أن الشهادة لا تكون إلا إذا مات الإنسان في قتال الكفار، (إن شهداء أمتي إذاً لقليل، إن الطعن شهادة، والبطن شهادة، والطاعون شهادة، والنفساء بجمع شهادة، والحرق شهادة، والغرق شهادة، وذات الجنب شهادة)، رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح، قوله: بجمع تقدم، وقوله: (إذا وجب) بمعنى خرجت الروح منه وسكت، قوله: (ذات الجنب)، الجنب كما قال أئمتنا: الدمل الكبير، الذي يكون في باطن الجنب في الداخل، ويكون من الخارج دمل في باطن الجنب، وينفجر إلى داخل الإنسان، وقلما يسلم صاحب الجنب، وقد قال بعضهم: أنها الزائدة، ويمكن أن تكون الزائدة لا أدري حقيقةً، لكنها ليست بورم داخلي في جنب الإنسان، يقول العلماء حتى في ضبط كتب اللغة وهذا المرض مشهور عندهم، ويقولون: من أصيب بذات الجنب قل أن يبقى يعني: سيموت، وهو دمل يكون في الجانب وينفجر في الباطن، ولا يظهر له أثر في الخارج.

    واسمه ذات الجنب، فهل الزائدة يقال لها: ذات جنب؟ على كل حال المقصود أنه شيء من الورم والالتفاف يكون في داخل الإنسان ينفجر إلى الداخل ولا يظهر له أثر في الخارج، من أصيب به فهو أيضاً شهيد بإذن الله فما تقوله يدخل فيه إن شاء الله من هذه الصور.

    والرواية كما قلت عن ربيع الأنصاري وإسنادها صحيح.

    رواية ربيع مروية أيضاً من طريق أخرى رواها ابن قانع بلفظ: (الطعن، والطاعون، والهدم، والغرق، وأكل السبع)، إذا أكل سبع إنساناً: افترسه، (والغرق، والحرق، والبطن، وذات الجنب شهادة)، الآن صارت كثيرة (الطعن والطاعون، والهدم، وأكل السبع من أكله سبع فهو شهيد، والغرق، والحرق، والبطن، وذات الجنب)، هذه كلها ينال الإنسان بها ثواب الشهادة، الشاهد من جميع هذه الروايات نحن نريد لفظ الطاعون في كل واحدة منها، ولفظ الطاعون وارد في كل رواية تقدمت.

    رواية عقبة بن عامر

    الرواية الرابعة عشرة: رواية عقبة بن عامر رواها النسائي في السنن، والحديث في جامع الأصول، وهو كذلك في الترغيب والترهيب في الجزء الثاني، صفحة أربع وثلاثين وثلاثمائة، واستشهد به الحافظ في الفتح في الجزء السادس، صفحة ثلاث وأربعين، والحديث حسن بشواهده، قلت: إنه في الترغيب والترهيب، إذاً بعد أن ننظر في جامع الأصول، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد)، قوله: (خمس)، هذه الأعداد كلها كما سيأتينا وكما تقدم معنا لا ينفي أن يزاد عليها، ويدخل القليل في الكثير والعلم عند الله جل وعلا، وعليه (خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد) لا للحصر بهذه الخمس، إنما هذه خمس مما ينال الإنسان به ثواب الشهادة إذا أصيب بها، وهناك ما يزيد على هذا وقلت لكم: إن الحافظ ابن حجر أوصلها إلى ما يزيد على عشرين خصلة، وليس غرضنا أن نستقصيها، نحن الآن نريد أن نذكر الأحاديث التي فيها التنصيص على أن الطاعون شهادة.

    إذاً: المقتول في سبيل الله، والغريق في سبيل الله، والمبطون في سبيل الله، والمطعون في سبيل الله، والنفساء في سبيل الله، كلها فيها في سبيل الله حتى الرواية التي هنا في أصل سنن النسائي ، فالذي يظهر والعلم عند الله جل وعلا إما أن يقال: هؤلاء إذا خرجوا للقتال في سبيل الله بإحدى هذه الأوصاف وماتوا فهم شهيداء، أو أن المراد هنا أن من أصيب بذلك واحتسب هذا عند الله جل وعلا فله أجر الشهادة، الشاهد الذي نريده نحن هنا المطعون في سبيل الله شهيد.

    رواية صفوان بن أمية

    الرواية الخامسة عشرة: من رواية صفوان بن أمية ، رواها أحمد في المسند، والنسائي في السنن، والدارمي في سننه، وهي في معجم الطبراني الكبير، ورواها الضياء المقدسي في أحاديثه الجياد المختارة، ورواها البغوي ، وابن قانع كما في جمع الجوامع في الجزء الأول، صفحة سبع وعشرين وأربعمائة، والحديث كحديث عقبة بن عامر حسن بشواهده، ولفظ الحديث: عن صفوان رضي الله عنه قال: (الطاعون، والمبطون، والغريق، والنفساء شهادة)، قال: وحدثنا أبو عثمان مراراً، ورفعه مرةً إلى النبي عليه الصلاة والسلام، يعني: أن الرواة مرةً رفعوه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ومرةً أوقفوه على صفوان ، وحدثنا أبو عثمان مراراً ورفعه مرةً إلى النبي عليه الصلاة والسلام، أخرجه النسائي وقال: يشهد له الذي قبله.

    هذه الأحاديث كلها جمعتها من كتب السنة، ولو وقفنا على كتاب الحافظ ابن حجر هل سيجمع أكثر من هذا؟ لا أعلم؛ لأن له كتاب بعنوان بذل الماعون في فضل الطاعون، وما عندي خبر عنه، والكتاب ألف عليه السيوطي كتاباً آخر سماه (ما رواه الواعون في فضل الطاعون)، والكتابان ما عندي خبر عنهما، ولو وقف الإنسان عليهما في تقديري أن فيهما من الأحاديث زيادة على ما سنذكره، والعلم عند الله جل وعلا.

    رواية جابر بن عتيك

    الرواية السادسة عشرة: من رواية جابر بن عتيك من غير تصغير، رواها أهل السنن الأربعة إلا الترمذي ، وهي في صحيح ابن حبان ، ورواها الحاكم في المستدرك في الجزء الأول، صفحة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، وقال: إسناده صحيح وأقره الذهبي ، والرواية استشهد بها الحافظ في الفتح في الجزء السادس، صفحة ثلاث وأربعين، وهي في جمع الجوامع في الجزء الأول، صفحة سبع وعشرين وأربعمائة، ولفظ الرواية: عن جابر بن عتيك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون، والمبطون، والغرق، والحرق، وصاحب ذات الجنب، والذي يموت تحت الهدم، والمرأة تموت بجُمع، بجِمع، بجَمع شهيدة)، والحديث كما قلت إسناده صحيح بنصه.

    رواية العرباض بن سارية

    الرواية السابعة عشرة: من رواية العرباض بن سارية أبي نجيح رضي الله عنهم أجمعين، رواها أحمد في المسند، والنسائي في السنن، والطبراني في معجمه الكبير، وهي في الترغيب والترهيب في الجزء الثاني، صفحة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وقد حسن الحافظ إسنادها في الفتح في الجزء العاشر، صفحة أربع وتسعين ومائة، فقال: بسند حسن، والحديث في جامع الأصول، في صفحة سبع وأربعين وسبعمائة، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا في الذين يتوفون من الطاعون)، من مات على الفرش يعني ليس له ثواب الشهادة، ومن ماتوا في قتال الكفار يختصمون فيمن ماتوا في الطاعون، فالذين قتلوا في سبيل الله يريدون أن ينفردوا بالأدعية يقولون: شرف الشهادة لا يناله إلا نحن الذين قاتلنا لإعلاء كلمة الله، هؤلاء ماتوا في الطاعون ألحقهم بأصحاب الفرش، (فيقول الشهداء) والذي يظهر أن الشهداء الآن يريدون أن يأخذوهم إليهم، (فيقولوا الشهداء: قتلوا كما قتلنا، ويقولوا المتوفون على فرشهم: إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا، فيقول ربنا: انظروا إلى جراحهم فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم منهم ومعهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم)، والحديث كما قلت إسناده حسن.

    وعليه؛ يختصم الشهداء وأصحاب الفرش فيهم، الشهداء يريدون أن يكون هؤلاء معهم، وأهل الفرش يقولون: كيف يتميزون علينا؟ اجعلهم معنا ولا تعطهم ثواب الشهادة، فيقول الله: (انظروا إلى جراحهم -جراح المطعونين بأي شيء يعني طعنوا وبأي شيء تنزف جراحهم- فيرون جراح المطعون تشبه جراح الشهيد في سبيل الله فيلحقهم الله بهم، ويجعلهم معهم، والشهيد يأتي يوم القيامة جرحه يثعب دماً لونه لون الدم وريحه ريح المسك).

    الشاهد فيه أن الذي مات مطعوناً من قبل الجن له ثواب الشهادة وأجر الشهادة.

    رواية عتبة السلمي

    الثامنة عشرة: من رواية عتبة بن عبد السلمي ، رواها أحمد في المسند، والطبراني في معجمه الكبير، قال المنذري في الترغيب والترهيب: بإسناد لا بأس به، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء العاشر صفحة أربع وتسعين ومائة بسند حسن، وفي إسناد الحديث إسماعيل بن عياش ، قال أئمتنا: روايته عن الشاميين مقبولة وهذا منها، ويشهد له حديث العرباض الذي قبله، وإسماعيل بن عياش هو أبو عتبة الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده، يعني: عن أهل الشام، مخلط في روايته عن غير أهل بلده، وقد توفي سنة واحدة وقيل: اثنتين وثمانين ومائتين للهجرة، وأخرج حديثه أهل السنن الأربعة، ورمز الحافظ لها برمز آخر في التقريب وهو (ي)، فماذا يقصد بالياء؟ ولا يقال: إنها للدارمي ؛ لأنه ليس من شرط الحافظ في التقريب أن يورد رجال الدارمي ، هو فقط ذكر رجال الكتب الستة، لكنه قد يتعرض لرواية أصحاب الكتب الستة في غير الستة، كما يأتي معنا يقول: رواه تم أي: الترمذي في الشمائل، مد أي أبو داود في المراسيل، ز أي جزء القراءة خلف الإمام للبخاري ، وي هذه لمن؟ هذه للإمام البخاري في كتابه رفع اليدين في الصلاة، يعني: أن المصلي إذا صلى يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من القعود الأول، وأورد الآثار الواردة في رفع اليدين.

    على كل حال الحديث كما قلت حسن، ولفظ الحديث -وهو موجود في الترغيب والترهيب- عن عتبة بن عبد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي الشهداء، والمتوفون بالطاعون، فيقول أصحاب الطاعون: نحن شهداء، فيقول: انظروا فإن كانت جراحهم كجراح الشهداء تسيل دماً كريح المسك فهم شهداء، فيجدونهم كذلك)، رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به، وفيه: إسماعيل بن عياش ، روايته عن الشاميين مقبولة وهذا منها، ويشهد له حديث العرباض قبله، وهذا كله كلام المنذري في الترغيب والترهيب عليهم جميعاً رحمة الله.

    رواية أبي عسيب

    الرواية التاسعة عشرة: من رواية أبي عسيب مولى نبينا الحبيب عليه الصلاة والسلام، وحديثه في مسند أحمد ، ورجال الإسناد مشهورون، وهو في الترغيب والترهيب في الجزء الثاني، صفحة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وذكره الحافظ في الفتح في الجزء العاشر، صفحة اثنتين وتسعين ومائة وهو على شرطه في درجة الحسن إن شاء الله.

    عن أبي عسيب رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل عليه السلام بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة لأمتي) هذا محل الشاهد، (فالطاعون شهادة لأمتي، ورجز على الكافر)، رواه أحمد ، والطبراني في الكبير، ورواة أحمد ثقات مشهورون، والرجز هو العذاب، وانظر الحديث في ترتيب المسند للشيخ البنا في الجزء الثاني عشر، صفحة أربع ومائتين.

    رواية عائشة رضي الله عنها

    الرواية العشرون: هل يصح أن تكون هذه هي الرواية المكملة للعشرين؟ هذه الرواية رواها الطيالسي في مسنده، كما في منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود في الجزء الأول، صفحة ست وثلاثين ومائتين، من رواية موسى بن تليدان وموسى بن تليدان هذا تقدم معنا سابقاً والاختلاف بضبط اسمه على ثمانية أوجه، قلنا: موسى بن تليدان -بكسر اللام- وموسى بن تليدان -بفتح اللام- وموسى بن أبي بكر ، ويقال: عيسى بن ميمون ، وعمر بن الطفيل ، وعمرو بن الطفيل ، ويقال: ابن الطفيل ، ويقال: الطفيل بن سخبرة ، وتقدم معنا عند حديث: (أعظم النساء بركةً أيسرهن مئونةً): مهراً، ففي هذا الإسناد أيضاً موسى بن تليدان ، وتقدم معنا البحث في أمره، وقلنا: يرويه عن القاسم ، وهو من أحفاد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، والقاسم هو: ابن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين.

    قال: سمعته يحدث عن عائشة رضي الله عنها، وعليه هذه الرواية العشرون لو ألحقت برواية أمنا عائشة لكان أولى؛ لأنها تدخل في مسندها، لكن لا مانع أن نذكرها إن شاء الله، يحدث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (الطعين، والمجنون، والنفساء، والبطن شهادة)، فقال له موسى بن تليدان يقول: فقال له والده تليدان إلى آخره: حدثتك عائشة بهذا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال: هكذا حدثتني وهكذا حفظت.

    قوله هنا: شهادة، الطعين فيما يظهر والعلم عند الله إن كان المراد منه الطعين الذي يصاب بوخز الجن عن طريق الطاعون دخل في بحثنا واستشهادنا، وإذا كان المراد من الطعين الذي يطعن عن طريق الإنس فلا يوجد في الحديث شاهد؛ لأنه لم يأت معنا ذكره إلا في هذا اللفظ (الطعين، والمجنون، والنفساء، والبطن، شهادة)، والحديث رواه عن أمنا عائشة رضي الله عنها ولم يرفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فلما قيل له: حدثتك عائشة هذا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال: هكذا حدثتني وهكذا حفظت.

    إذاً: هذه الرواية لا يصح أن تكون مكملة للعشرين، لا زال معنا تسع عشرة رواية، وتقدم معنا عند تعريف الطاعون أنه يقال: طعن فهو: مطعون وطعين، وإذا طعن بالرمح فهو مطعون فقط، وعليه فلفظ الطعين هنا في الحديث الشريف يراد به من أصيب بمرض الطاعون، والعلم عند الحي القيوم، وإذا كانت الرواية موقوفةً على أمنا عائشة رضي الله عنها فلها حكم الرفع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، لكن راوية الحديث هي أمنا عائشة رضي الله عنها، وتتبع روايتها هذه روايتها المتقدمة سابقاً.

    رواية أبي بكر الصديق

    هناك رواية لعلها يمكن أن تلحق بالروايات المتقدمة فتصبح الروايات عشرين رواية، وهي مروية عن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، وما تقدم له ذكر في رواة حديث الطاعون، والكلام موقوف عليه كما سيأتينا، لكن لا يمكن أن يقول هذا إلا بناءً على أثر، والأثر رواه عبد الرزاق في مصنفه في الجزء الحادي عشر، صفحة ثمان وأربعين ومائة من رواية معمر ، عن قتادة رضي الله عنهم أجمعين، أن أبا بكر رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين: بعث جيوشاً إلى الشام، فقال: اللهم ارزقهم الشهادة طعناً وطاعوناً. فقوله: طعناً أي: عن طريق الإنس، وطاعوناً أي: عن طريق الجن، وسيدنا أبو بكر رضي الله عنه لا يمكن أن يقول هذا إلا بناءً على أثر من النبي عليه الصلاة والسلام ألا وهو: ( إن الذي يموت عن طريق وخز الجن له ثواب الشهادة )، فقوله: اللهم ارزقهم الشهادة طعناً وطاعوناً، لو أدخلت هذه الرواية مع الروايات المتقدمة يمكن أن نكون وقد وقفنا على عشرين رواية، ما بين صحيح لذاته وهو في الصحيحين، وما بين حسن، وما بين رواية فيها ضعف يسير منجبر، وأعيد ذكر من رويت عنهم تلك الروايات من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين:

    الرواية الأولى: رواية أمنا عائشة ، والرواية: الثانية رواية أبي موسى الأشعري ، والرواية الثالثة: رواية أبي بردة ، والرواية الرابعة: رواية ابن عمر ، والرواية الخامسة: رواية أنس ، والرواية السادسة: رواية جابر ، الرواية السابعة: رواية أبو هريرة ، الرواية الثامنة: رواية عبد الله بن بشر ، الرواية التاسعة: رواية سلمان الفارسي ، الرواية العاشرة: رواية سعد بن أبي وقاص ، والرواية الحادية عشرة: راويها راشد بن حبيش ، والرواية الثانية عشرة: راويها عبادة بن الصامت ، والرواية الثالثة عشرة: راويها ربيع الأنصاري ، والرواية الرابعة عشرة: راويها عقبة بن عامر ، والرواية الخامسة عشرة: راويها صفوان بن أمية ، والرواية السادسة عشرة: رواية جابر بن عتيك ، والرواية السابعة عشرة: رواية العرباض بن سارية ، والرواية الثامنة عشرة: رواية عتبة بن عبد السلمي ، والرواية التاسعة عشرة: رواية أبو عسيب مولى نبينا عليه الصلاة والسلام.

    والرواية العشرون: تقدم معنا أن رواية أمنا عائشة رضي الله عنها تتبع روايتها السابقة، وتكون رواية أبي بكر رضي الله عنه هي الرواية الأخيرة معنا والعلم عند الله جل وعلا، وهذه الروايات كلها مصرحة بحصول ثواب الشهادة لمن يصاب بالطاعون، ونجزم ونقطع بأن هذا الكلام قاله نبينا عليه الصلاة والسلام: وأن المطعون من قبل الجن له أجر الشهادة عند الله جل وعلا.

    1.   

    من أحكام الشهيد

    بالنسبة لهذه المصيبات التي أصيب بها الناس، هل لهم ثواب الشهادة أيضاً مع المطعون؟

    أئمتنا يقسمون الشهداء الذين لهم منزلة عند الله إلى قسمين، وهناك قسم ثالث بئس القسم.

    القسم الأول وهو أعلى الصنفين: الذي يموت في ساحة القتال لإعلاء راية ذي العزة والجلال، وهذا يقال له: شهيد الدنيا والآخرة، أي: يعامل في هذه الحياة معاملة الشهيد الذي وردت له أحكام معينة فلا يغسل، ولا يكفن، إنما يدفن بملابسه وجروحه ودمائه، ثم بعد ذلك هل يصلى عليه أو لا؟ قولان لأئمتنا ذهب الشافعي ومعه جم غفير من أئمة المسلمين إلى أنه لا يصلى على الشهيد؛ لأنه استغنى عن الشفاعة، وغفر له بأول قطرة قطرت من دمه، فلا داعي للصلاة عليه، وأيد هذا بأن النبي عليه الصلاة والسلام ما صلى على شهداء أحد.

    وبهذا قال مالك وهو إحدى الروايات عن أحمد رحمه الله.

    أما أبو حنيفة ومن معه رحمهم الله فيقولون: الشهيد يصلى عليه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على شهداء أحد، وبهذا قال أحمد في إحدى الروايات عنه رحمة الله عليهم أجمعين، والذي يظهر أن كلاً من الأمرين مشروع، فإن صلى المسلمون على الشهيد فهو جائز، وإن تركوا الصلاة عليه فهو جائز، والأمران فعلهما نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذا القول هو أيضاً رواية ثالثة عن الإمام أحمد ، مال إلى هذه الرواية ابن تيمية ، وتلميذه ابن قيم الجوزية عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه، لكن الأكمل بما أن الأمرين مشروعان أن نصلي على الشهيد، وأما قول من قال: إنه قد استغنى عن الشفاعة فلا داعي إذاً لأن نصلي عليه، نقول: لا نريد أن نشفع له ليغفر الله له ذنبه، وليرفع في درجاته، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو أعلى درجةً من الشهيد يصلى عليه، ونسأل له المقام المحمود، فنسأل للشهيد أن يرفع الله في درجاته فوق ما يستحق، بما أن كلاً من الأمرين مشروع فالأحسن الصلاة عليه لننال ثواب صلاة الجنازة على هذا الذي بذل نفسه في سبيل الله جل وعلا ولندعوا له، هذه أعلى الشهادات: شهادة الذي يموت في ساحة المعركة.

    القسم الثاني: يليه من ورد النص بأن له ثواب الشهادة، من المطعون، والمبطون، والغريق، والحريق وغير ذلك، ممن مات في مصيبة من المصائب التي ورد ذكرها، وقد أحصاها الحافظ ابن حجر كما قلت فبلغت عشرين خصلة، هؤلاء كلهم ماتوا ووجدوا فيها شدة على أنفسهم فكتب الله لهم ثواب الشهادة.

    1.   

    حكم من يموت في سبيل الوطن

    القسم الثالث الملعون: الذي يموت في سبيل الوطن، في سبيل التراب، وأكثر شهداء هذا الصنف في هذه الأيام، شهيد الوطن، شهيد التراب، هذا يعشق الأرض، ولا يستحون ويكتبون هذا في الصحف وينشرونه في وسائل الإعلام ويقولون: هذا يعشق الأرض يحب الوطن، ومات في سبيل الوطن فهو شهيد على تعبيرهم.

    كنت مرةً أدرس مادة التربية الإسلامية ولعله كان عمري بحدود العشرين سنة في بعض المدارس في السنة الثالثة المتوسط الإعدادية، وكان معنا بحث الجهاد في سبيل الله، ومن أجل الضوابط قلت: شرف الشهادة في سبيل الله لا يناله الإنسان إلا إذا وجد فيه شرطان:

    الشرط الأول: أنه مؤمن بالله.

    والشرط الثاني: أن يقاتل لإعلاء راية الله، وكلمة الله.

    فإذا لم يكن مؤمناً فهو في النار، وإذا كان مؤمنا وما قاتل من أجل الله فهو في النار، فليس واحد منهم في سبيل الله، فأحد الطلاب رفع إصبعه، وقال: يا شيخ! ماذا تقول في الذي فجر -على تعبيره- نفسه من أجل ضرب العدوان الثلاثي الذي يقولون: على مصر، هل هذا شهيد أم لا؟ قلت: هذا شهيد الوطن والوطنية والقومية، لكنه ليس شهيداً عند الله، هذا إلى جهنم حطباً؛ لأنه نصراني كافر بالله جل وعلا، ونحن قلنا: ينبغي أن يكون مؤمناً، ويريد وجه الله، ولو كان مؤمناً نقول: شهيد لما نرى، ونيته لا يعلمها إلا الله، فلا نجزم بالشهادة لمعين، وليس معنى هذا أننا ننفي الشهادة عمن قاتل في سبيل الله، لكن نقول: شهيد فيما نرجو، أو فيما نأمل، أو فيما نرى، أو فيما نظن، أما أننا نجزم فلا؛ لأن ما في قلبه لا يعلمه إلا الله جل وعلا.

    يعلم الله قبل أن أخرج من الفصل يمكن أن تقول بأمتار، وقبل أن أخرج إلى الساحة وإذا بي استدعى إلى الإدارة، فذهبت وكان المدير اسمه كمال الدين قال أنت تقول يا أستاذ: جنودنا في النار؟ قلت: أنت تقول: في الجنة؟ قال: أنا أسألك، قلت: وأنا أسألك، النصراني في الجنة؟ قال: أنت تقول: ليس بشهيد، قلت: أنا قلت: هذا شهيد وطن وشهيد قومية، ماذا تريد أكثر من هذا؟ ليس شهيداً في سبيل الله، قال: أنا ما أسمح لك أن تقول هذا الكلام، قلت: إذا استأذنتك لا تسمح لي، لكن أنا ما استأذنتك ولا استأذنت من هو أكبر منك، أنا ماذا أدرس، أدرس تربية إسلامية، دين الله ماذا تريد أن نجعل فيه؟ قال: يا شيخ! يفرق بين الناس في الوطنية وبين غيرهم، ولماذا أنت تقول هذا في مدرسة نظامية؟ قلت: يا أستاذ أنت تصلي أم لا؟ قال: أنا أصلي من قبل أن تولد، وكان يزيد عمره في ذلك الوقت على ستين سنة، فقلت: يا مسكين! تصلي هذه الفترة وما عرفت شيئاً من صلاتك، أنت تقرأ الفاتحة أم لا؟ نحن في كل صلاة نلعن اليهود والنصارى، ونتبرأ منهم اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] ، والضالون هم النصارى، والمغضوب عليهم هم اليهود صحيح؟ قال: يا شيخ! هذا في الصلاة، أما في المدرسة فلا نقول هذا عندنا مفاهيم وطنية وتعليمات رسمية، قلت: أنت ما الذي أغاظك الآن؟ يا عبد الله! الجنة التي تعود إلى الله وهو مالكها لن يدخلها نصراني ولا أمثاله، إذا بإمكانك أنت وأهل الوطن أن تبنوا جنةً أخرى وتدخلوه، فلا أحد يمنعكم، فبدأ يغتاظ، فقلت: يا عبد الله! لم أقل إنكم لن تدخلوا الجنة، أنا قلت: لن تُدخلوا الجنة من أردتم؛ لأن جنة الله وعد بها الأبرار في الآخرة، فلن يدخلها هذا الفاجر، ولا غيره من الكفار، فهمت أم لا؟ ثم أنتم في وسعكم أن تبنوا جنة وتدخلوا إليها من شئتم، تدخلوا بيجن ، أو كارتر ما لنا ولكم، نحن نتكلم عن جنة الله الجنة الإسلامية ليست الجنة الوطنية.

    فإذاً معنا: الأول: شهيد دنيا وآخرة، والثاني: شهيد آخرة، أي: له ثواب الشهادة في الآخرة، لكن لا يعامل معاملة الشهيد في الدنيا، والثالث: شهيد دنيا فقط، وما أكثر هؤلاء في هذه الأيام، وقد تكلم الحافظ ابن حجر على أقسام الشهادة وذكر القسمين المتقدمين: شهيد الدنيا والآخرة، وشهيد الآخرة، وأما الثالث هذا فلا داعي لذكره، قال في الفتح في الجزء السادس، صفحة أربع وأربعين: النوع الأول: شهيد الدنيا والآخرة، من يقتل في حرب الكفار مقبلاً غير مدبر مخلصاً لله عز وجل، والصنف الثاني: شهيد الآخرة أقول: وكل من ذكر بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا، قال ابن التين : هذه الشهادات كلها فيها شدة تفضل الله على أمة محمد عليه الصلاة والسلام بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم، وزيادةً في أجورهم، يبلغهم بها مراتب الشهداء.

    ثم قال الحافظ ابن حجر في الفتح: اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة، من اتصف بشيء منها فله ثواب الشهادة في الآخرة، والذي يظهر لي -لا زال الكلام لـإسحاق - أن النبي عليه الصلاة والسلام أعلم أمته بالقليل، ثم أعلمهم بالزيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر، ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك.

    1.   

    سبب تسمية الشهيد شهيداً

    قبل أن ننتقل إلى سبب وقوع الطاعون لو بينا السبب في تسمية الشهيد شهيداً، من باب بيان معنى هذا اللفظ الذي يرد على الألسن، وقد ذكر أئمتنا في توجيه ذلك أقوالاً كثيرة كلها لطيفة طريفة، وزادت الأقوال على عشرة أعدها باختصار:

    أولها: قيل: إن الشهيد يسمى شهيداً؛ لأن أرواحهم شاهدةً على حالهم، ليس حالهم كحال غيرهم، فلهم مزية في الحياة البرزخية على غيرهم، وقيل: لسقوطهم على الأرض عند استشهادهم في سبيل الله، والأرض تسمى بالشاهدة، وهي التي تشهد على بني آدم بما عملوا على ظهرها من خير وشر، وقيل: لأنه عند خروج روحه من بدنه يشهد ما أعد الله له من الكرامة، وقيل: لأنه يشهد للرسل يوم القيامة بالبلاغ، فيأتي الشهداء ويشهدون للرسل بأنهم بلغوا، وقيل: عليه شاهد لكونه شهيداً بهذه الدماء التي تلطخ بها ودفن فيها، وقيل: لأن ملائكة الله تشهد احتضاره عند خروج روحه، وهذا القول السادس، وقيل: لأنه قام بشهادة الحق في هذه الحياة، واتصف بأعلى أنواع الصدق حتى قدم رقبته في سبيل ربه، وقيل: لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل: لأن الله شهد بحسن نيته عندما بذل نفسه في سبيله، وقيل: لأنه لا يشهد موته إلا ملائكة الرحمة فقط، وقيل: لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة، وقيل: لأنه يشهد له بالأمان من النيران، وقيل: لأنه يشهد له الأنبياء بحسن الاتباع، فيشهدون للشهداء أنهم اتبعوهم على أتم وجه، وأن الشهداء بذلوا أنفسهم اتباعاً لأنبيائهم على نبينا وأنبياء الله ورسله جميعاً صلوات الله وسلامه.

    وهذه الأقوال في زاد المسير في الجزء الثاني، صفحة اثنتين وسبعين ومائة، وفي فتح الباري في الجزء السادس، صفحة ثلاث وأربعين.

    ونقف في هذا المبحث عند سبب وقوع الطاعون، وهذا آخر شيء معنا مع الأدب الذي يتعلق بالطاعون أذكره في المباحث الآتية إن شاء الله، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار.

    اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756535448