أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وأذكركم ونفسي بقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، ويقول- وقوله صلى الله عليه وسلم حق دائماً وأبداً- ( إنما العلم بالتعلم ).
فيا من يريد أن يكون عالماً فالطريق أن تتعلم، وتعلمك بأن تسأل أهل العلم!
وقد انتهى بنا الدرس إلى [التطوع أو النفل المطلق] فبعد أن عرفنا سنة الوتر ورغيبة الفجر الآن مع النفل المطلق، والنفل ليس له ساعة معينة ولا وقت محدود، فهيا بنا نتأمل ونحفظ ونعمل أيضاً.
وهذه الأحاديث الثلاثة دالة على فضل النوافل.
أقول: نحن نشاهد الشمس تطلع من المشرق وقد كانت في الأرض، فتأخذ في الارتفاع والارتفاع حتى الثانية عشرة فتقف، فلا يبقى ارتفاع، فإذا وقفت فمنهي عن الصلاة في هذا الوقت، والسبب هو أن جهنم تسجر في هذا الوقت، فإذا مالت إلى الغرب فصل حينئذٍ؛ لقوله: ( فإذا أقبل الفيء فصل ) فلو أنك جعلت عوداً لتشاهد الظل لرأيته ينتقص وينتقص ثم يقف، فلا يزيد ولا ينقص ما دامت الشمس في كبد السماء، فإذا أخذ في الزيادة وظهر دخل وقت الظهر حينئذٍ [( فإذا أقبل الفيء فصلّ، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار )].
إذاً: تكره النافلة في خمسة أوقات، ويبقى لدينا تحية المسجد ففيها خلاف بين أهل العلم، ونحن نقول: الوقت الذي تشتد فيه الكراهة لا صلاة فيه؛ للحديث الصحيح: ( لا تتحروا طلوع الشمس ولا غروبها في صلاتكم )، فقبل المغرب بربع أو ثلث ساعة لا تصلى النافلة.
ومن قائل: تلك الصلوات في الأوقات عامة ولا مخصص.
والذي أقوله -وأراه أنه الحق والخير-: أنه إذا دخلنا المسجد في أوقات الكراهة نصلي إلا إذا كان عند طلوع الشمس وعند غروبها فلا صلاة. ولا تبقى جالساً تنتظر، كالذين يقفون ينظرون الشمس متى تغرب، فلا يجوز هذا أبداً.
فتحية المسجد هل هي مستثناة من النوافل تصلى في أي وقت؟ قال بهذا بعض أهل الفقه، وبعضهم قال: لا، تصلى كغيرها في أوقات النهي.
والقول الذي أراه راجحاً -بإذن الله-: أنك إذا دخلت المسجد قبل طلوع الشمس أو بعد طلوعها ولم ترتفع الشمس فلا تصل تحية المسجد، بل اجلس.
كذلك أيضاً إذا دخلت عند الغروب صلّ تحية المسجد، ولكن قبل الغروب بربع أو ثلث ساعة اجلس ولا تصلها.
وقد قلت للأبناء: الذين كان يأتي أحدهم فيقف ربع ساعة أو عشر دقائق: هذا الوقوف لا ينبغي، فكأنك تقف للشمس. إذاً: اجلس ولا حرج، وإذا أذن المغرب فلتصلّ.
أي جائزة أعظم من هذه؟!
اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر- الذي عزم عليه- خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به
)].هذا ليس في الواجبات أو في المحرمات، هذا في المباح: فإذا أردت أن تتزوج، أو تطلق، أو أن تبني، أو تسافر وما دريت الخير في ماذا؛ فمن تستخير غير الله؟! فلو سألت أناساً ما أجابوك؛ فعليك بصلاة ركعتين ثم سؤال الله عز وجل أن يختار لك.
[ويسمي حاجته عند قول: أن هذا الأمر] يعني: سفره أو زواجه أو غيره، عندما يقول: (إن هذا الأمر) أي: سفري أو إقامتي أو غيرها.
ونقول: الأحاديث الضعيفة إذا كانت في فضائل الأعمال فلا ننهى المسلمين عنها، أما إذا كان الحديث الضعيف يفسد العقيدة أو يترتب عليه أخذ حقوق الناس فلا نأخذ به، لكن إذا كان الحديث فيه ترغيب للعبادة فكيف نقول للناس: هذا ضعيف ونتركه؟!
فهذه الصلاة من أعظم الصلوات: (300) تسبيحة في أربع ركعات، والحديث رواه أبو داود والترمذي ، فهو مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان سنده ضعيفاً، لكن أليس فيه نافلة وعبادة وفضل؟!
فالأحاديث الضعيفة التي تدخل في العقائد وتفسدها، أو في الأعمال وتبطلها، أو في الحقوق وتضيعها، ما نقبلها أبداً، لكن إذا كان الحديث الضعيف يقوي إيماني ويزيد في طاعتي ويحسن آدابي وأخلاقي فكيف لا أعمل به؟!!
ونحن نُبشر أحياناً بالخير وما نسجد لجهلنا، أيما بشرى تأتيك خر ساجداً، ولا تحتاج إلى وضوء.
[فإذا قرأ المسلم آية السجدة، أو استمع إليها من قارئ سن له أن يسجد سجدة، يكبر فيها عند الخفض وعند الرفع، ويقول في سجوده: "سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين" والأكمل للأجر أن يكون الساجد متطهراً مستقبل القبلة] فلو سجد غير متطهر فلا بأس، ولو سجد لغير القبلة فلا بأس، لكن الأفضل أن يكون متوضئاً مستقبل القبلة في السجود.
[ومواضع السجود في القرآن معلومة في المصاحف، وهي خمس عشرة سجدة؛ لقول عبد الله بن عمرو بن العاص : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان )].
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الجواب: يقول السائل الكريم: إذا أذنبت ذنباً فصليت واستغفرت، ثم بعد ذلك أذنبت فقمت وصليت واستغفرت، ثم بعد ذلك أذنبت فقمت واستغفرت، هل يغفر لي؟
إذا ختم الله لك بالتوبة والاستغفار ومت -فوالله- نجوت، وإذا مت في الأخيرة قبل الاستغفار والتوبة هلكت والعياذ بالله.
فالإنسان مطالب بالتوبة ولو سبعين مرة، كلما أذنب يجب أن يتوب ولو سبعين مرة، فإذا ختم الله له بالتوبة ومات عليها نجح، وإن كانت الأخرى فأمره إلى الله.
الجواب: صلاة الضحى نافلة، لا تسمى راتبة ولا واجبة، فإذا صليتها أُثبت عليها وأعطيت أجراً، وإذا لم تصلها حرمت هذا الأجر.
أما وقتها فبعدما ترتفع الشمس قيد رمح من الأرض إلى قبل أن تقف الشمس في كبد السماء. كل ذلك وقت صلاة الضحى، وكان الأصحاب يؤخرونها حتى تشتد الحرارة، ولا يستطيع الفصيل من الإبل أن يضع رجله على الأرض.
الجواب: ما الحكم من نام عن سنة من السنن الرواتب فما صلاها؟
حكمه: أنه فاته الأجر ولا شيء عليه، الإثم لا إثم عليه، يعوضه الله خيراً منها.
الجواب: معشر المسلمين! رغيبة الفجر إذا دخل الإنسان المسجد والصلاة قائمة، أو إذا دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة يتركها، وهو مخير بين أن يصليها بعد السلام من الفريضة، أو أن يؤخرها إلى الضحى، وهو أفضل.
والضحى معناه: بعدما تطلع الشمس وترتفع إلى قبل الظهر بنصف ساعة.
الجواب: يجب أن تصلي الصلاتين أربع ركعات؛ لأن وقتها ما خرج.
أما لو صليتهما قبل دخول المدينة فإنك تصليهما ركعتين ركعتين؛ لأنها قصر واجب، فإذا لم تصل وأنت ما زلت خارج المدينة وجب عليك أن تتم صلاتك، فتصلي الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات.
مداخلة: في وقت العصر يعني؟
الشيخ: لأن الظهر والعصر وقتهما مشترك. هو دخل الظهر وهو مسافر.
فإذا دخل المدينة مع العصر أو بعده، فالظهر وقتها مع العصر، يصليها أربعاً.
مداخلة: يعني: حتى إن دخل قبل العصر، يصليها ظهراً أم عصراً؟ أقول يا شيخ! يصلي الظهر والعصر قبل أذان العصر، أم ينتظر حتى يؤذن العصر؟
الشيخ: يسأل يقول: هل يصليهما قبل الأذان أو حتى يؤذن؟
إذا دخل يصلي الظهر قبل العصر. فإذا دخل وقت الظهر يصلي الظهر أربع ركعات، وينتظر العصر حتى يصليها أربع ركعات، ليس فيها إشكال أبداً.
الجواب: لو صليتم منفردين في غير الجماعة في المسجد صلوا ركعتين ركعتين، فإن صليتم في المسجد مع المسلمين فلا بد من إتمام الصلاة أربع ركعات، أما الرواتب إن صليتموها فلكم أجرها، وإن لم تصلوها فليس لكم أجر ولا عليكم إثم؛ لأن الذي ينزل في المدينة نزل للعبادة، أليس كذلك؟!
فإذا بقى طول النهار جالساً؛ فلماذا لا يصلي النافلة؟ يصليها أفضل؛ لأن النافلة تسقط في السفر من المشقة والعمل والحاجات والارتباكات، أما ما دام نزل في البلد وجلس فله أن يصلي النافلة ويثاب عليها.
الجواب: إذا كان عند الطلوع والغروب اجلس لا تبقى واقفاً، فإذا غربت الشمس وأذن المغرب قم فصلّ، كذلك عند الطلوع إذا طلعت الشمس وارتفعت صلّ.
الجواب: اطلب العلم؛ لأنها فريضة الله عليك، اطلب العلم لتعلم فتعبد الله عز وجل، وإن ظفرت بشهادة وحصلت على دكتوراه -مثلاً- ليست مقصودة بالذات، ولكن أعطاك الله ما أعطاك، تفضل أما مبدئياً فلا تقل: أنا أطلب العلم للوظيفة، فلا يجوز هذا عندنا أبداً، إلا إذا كان صناعة، إذا كنت تتعلم صنعة من الصناعات فلا بأس.
أما أن تطلب العلم الشرعي الواجب على كل مؤمن ومؤمنة لغير الله فهذا حرام شرك ولا يصلح أبداً. هذا من الشرك في العبادة.
فطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، فتطلب العلم لتعرف الله وتعرف ما يحب وما يكره، وكيف تعبده .. حتى تكون مسلماً، فالمؤمن ولي الله، هذه هي النية، فإذا حصل شيء مضاف إلى هذا كشهادة أو غيرها فلا بأس، لكن لا تقصد هذا من أول مرة، أي: لا تطلب العلم لكي تحصل على وظيفة فقط، هذا لا يفعله مؤمن أبداً، وليس من الإيمان في شيء.
الجواب: قد بينا من أكثر من خمسة وأربعين سنة أن المسبحة فيها عيوب أربعة، إن سلمت منها يجوز استعمالها كآلة من الآلات، كالملعقة للأكل والإبرة للخياطة، والقلم للحساب، وإن بقي فيها عيب فلا يصح أبداً أن يحملها مؤمن.
من عيوبها: أن فيها شكل صليب، فيها حبتان متقابلتان يمثلان الصليب، وهذا في جميع المسابح إلا إذا قطعتها أنت ومزقتها، والدليل: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى صليباً في ثوب نقضه بأسنانه )، كان لا يرضى به ولا يقبله، فكيف تحمله أنت في يدك وتسبح؟
العيب الثاني -وهو أكبر من الأول-: الحلف بها. يقول: وحق هذه، والحلف بغير الله شرك وكفر.
العيب الثالث: يتحدث مع الناس وهو يصرف حباتها عبثاً، وما هكذا العبادة.
العيب الرابع: يعلقها في عنقه أو يدليها في يده ليري الناس أنه من الذاكرين، وهذا رياء، والرياء من الشرك الأصغر.
فإن سلمت من هذه العيوب فهي آلة من الآلات يستعملها صاحبها للحاجة إليها.
الجواب: شباب زاروا المدينة يرغبون في كلمة توجيهية.
يا أبنائي! أنتم في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إياكم ومقارفة ذنب ولو بنظرة محرمة، ولو بكلمة باطلة، لا تعصوا الله في هذه المدينة.
ثانياً: أكثروا من العبادات والطاعات، فإنكم جئتم من أجلها وللظفر بها.
والله تعالى أسأل أن يحفظكم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر