إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. حسن أبو الأشبال الزهيري
  5. سلسلة شرح صحيح مسلم
  6. كتاب ‏الجنة وصفة نعيمها وأهلها
  7. شرح صحيح مسلم - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها - في الجنة شجرة يسير الراكب فيها مائة عام

شرح صحيح مسلم - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها - في الجنة شجرة يسير الراكب فيها مائة عامللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وقد جاءت الآيات والأحاديث بذكر ما في الجنة من النعيم المقيم، والخيرات الحسان، ترغيباً للمؤمنين في طلبها، ودفعاً لهم إلى التشمير لها، والفوز بدخولها والمقام بها، فهي سلعة الله الغالية.

    1.   

    الجنة وصفة نعيمها وأهلها

    بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    وبعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أما بعد:

    (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها).

    شرح حديث: (حفت الجنة بالمكاره...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب -وهو المعروف المشهور بـالقعنبي نسبة إلى جده- حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت وحميد- وهو ثابت بن أسلم البناني البصري سيد من سادات التابعين، وحميد هو ابن أبي حميد الطويل مشهور بذلك- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره)].

    وفي رواية: (حجبت)، فـ: البخاري روى هذا الحديث بروايتين: الرواية الأولى: (حفت)، وقد وافقه فيها مسلم، ثم انفرد البخاري برواية أخرى وهي: (حجبت)، وكلاهما بمعنى.

    قال: [(حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) ].

    قال الإمام النووي عليه رحمة الله: وهذا من بديع الكلام وفصيحه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن، أي: أنه يمثل الشيء بالمثال الحسن الذي يقرب المعنى والمفهوم من الأذهان، ومعنى هذا الحديث: لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره، ولا يوصل إلى النار إلا بارتكاب الشهوات، فبين أن الجنة لا يصل إليها من يصل إلا بارتكاب المكاره، ولا شك أن هذه المكاره في باب العبادات والطاعات، والجنة والنار محجوبتان بالمكاره والشهوات، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فمن هتك حجاب المكاره في العبادات والطاعات وصل إلى الجنة، ومن هتك حجاب المحارم وصل إلى النار.

    فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات، والمواظبة عليها، والصبر على مشاقها، وكظم الغيظ، والعفو، والحلم، والصدقة، والإحسان إلى المسيء، والصبر عن الشهوات ونحو ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (وإسباغ الوضوء على المكاره)، فمن المكاره الوضوء بالماء البارد في اليوم البارد، وخاصة لو خرجت من تحت لحافك في صلاة الفجر فهذا شيء النفس تأباه وترفضه؛ لأن النفس بطبيعتها تميل إلى الراحة، وإلى ما يحلو لها، وإلى ما تشتهيه، ففي هذه الليالي الباردة لا شك أن النفس تركن إلى الدفء وإلى الغطاء، فكونك تلجمها وتكرهها على أن تقوم فتتوضأ ثم تقف لله عز وجل فتصلي وتقرأ القرآن وغير ذلك، وتفوت على نفسك ساعات طويلة من النوم والراحة، فلا شك أن هذا أمر فيه تأديب وتربية للنفس، وقد سميت هذه الأمور بالمكاره لأنك تكره نفسك على طاعة الله عز وجل، وتكرهها كذلك على اجتناب محارم الله عز وجل.

    فالستار الذي بينك وبين الجنة هو مكاره الطاعات والعبادات، فمن هتك هذا الستر وتغلب على نفسه وصل إلى الجنة، والنار محجوبة عنك بستار المحارم والشهوات المحرمة، فإذا ما هتكت هذا الستر دخلت النار، وإذا ما أقمته، وابتعدت عنه، وانتهيت عنه، فلا شك أنك ستنجو من النار بإذن الله تعالى، فهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات).

    أما الشهوات التي حفت بها النار، فالظاهر أنها شهوات محرمة كالخمر، والزنا، والنظر إلى الأجنبية بشهوة، والغيبة، والنميمة، واستعمال الملاهي، والمعازف، والموسيقى، وسائر المحرمات، كل هذا يمثل ستاراً قوياً يؤدي بك إلى النار أو ينجيك من النار، فإذا هتكت هذا الستر التي هي الشهوات المحرمة دخلت النار وإلا فلا.

    وأما الشهوات المباحة فلا تدخل في هذا؛ فشهوة النكاح شهوة مباحة وهي نفس الشهوة عند من اشتهى الزنا، لكنه إن أطلق العنان لنفسه بالزنا دخل النار، وإن أطلقت العنان لنفسك بالشهوة المباحة الحلال فلا حرج عليك في ذلك، وإن كان هناك كراهة في الإسراف والغلو في المباحات حتى لا تؤدي بك إلى الحرام، فيكره الإكثار منها مخافة أن تجر إلى المحرم، أو تقسي القلب أو تشغل عن الطاعات، أو تحوج صاحبها إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا للترف فيها وغير ذلك.

    فلو أن شخصاً كل همه أن يحصل الدنيا، ومع ذلك هو يجتنب المحرمات، وربما يبتعد عن المكروهات كذلك، لكنه مشغسول بتحصيل المباحات، والتحسينات، والكماليات، فلا شك أن هذا كله يؤدي به إلى ضعف الديانة في قلبه، وبالتالي ينصرف همه وتنصرف همته إلى تحصيل الدنيا، وأنتم تعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام ما جاء ليحصل الدنيا، ولم يأمر بها، وإنما لتحصيل الآخرة، والله تعالى يقول: وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64]، أي: لهي الحياة الحقيقية لو كانوا يعلمون.

    شرح حديث: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت...)

    قال: [ وحدثني زهير بن حرب -وهو أبو خيثمة النسائي نزيل بغداد- قال: حدثنا شبابةشبابة هو ابن سوار المدائني، أصله من خراسان لكنه نزل مدينة المدائن الفارسية التي هي الآن معروفة بهذا الاسم في إيران- حدثني ورقاء -وهو ابن عمر اليشكري أبو بشر الكوفي نزيل المدائن- عن أبي الزناد -وهو عبد الله بن ذكوان المدني القرشي أبو عبد الرحمن- عن الأعرج -وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل الحديث السابق.

    حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي ، وزهير بن حرب قال زهير : حدثنا، وقال سعيد : أخبرنا ].

    ولا يزال أهل العلم يفرقون بين حدثنا وأخبرنا؛ لأن حدثنا لا تستخدم إلا في السماع من لفظ الشيخ، أما أخبرنا فتستخدم في ذلك وتستخدم في الإجازة، فلما كان الفرق بين هذا وذاك عند المحدثين ميز الإمام مسلم بين هذا وذاك.

    قال: [ أما زهير فقال: حدثنا، وأما سعيد فقال: أخبرنا سفيان عن أبي الزنادسفيان عن أبي الزناد هو سفيان بن عيينة- عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ].

    قوله: (أعددت لعبادي الصالحين): هذا وصف للعباد بأنهم صالحون، وأنهم لا يدخلون الجنة إلا إذا كانوا على هذه الصفة.

    قوله: (ما لا عين رأت): نفى الله عز وجل في هذا الكلام أن تكون عين في الدنيا رأت نعيماً يشابه أو يماثل نعيم الجنة، فمهما وقعت عينك على نعيم الدنيا فالجنة أعظم من ذلك.

    قوله: (ولا أذن سمعت): لأن المرء ربما يسمع عن نعيم، أو يسمع بشيء لا يتصوره، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ليس الخبر كالمعاينة) أو: (ليس المخبر كالمعاين)، فبلا شك أن الإنسان يسمع أحياناً أخباراً لا يصدقها؛ لأنها في سمعه أو في بصره أمور مستحيلة، بعيدة المنال، فهو ربما يبادر إلى تكذيب الخبر لأن الخبر أكبر من تصوره، فما بالكم لو دخل الجنة ورأى فيها أدنى النعيم الذي هو أعظم من كل نعيم الدنيا؟

    قال: [(أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17])]، وفي بعض تفاسير المحدثين من الصحابة والتابعين: جزاءً بما كانوا يصومون؛ لأن الصوم عبادة خفية بين العبد وربه، فقابلهم الله تعالى بجنس عملهم وهو الإخلاص في الصوم وكافأهم بمزيد عطائه في الجنة بما لا يمكن أن يخطر لهم على بال، فقال: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17]، أي: مما تقر به أعينهم حين النظر إليه، جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] أي: جزاء بما كانوا يخلصون لله تعالى في العبادة.

    قال: [وحدثني هارون بن سعيد الأيلي، حدثنا ابن وهب -وهو عبد الله بن وهب المصري- حدثني مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخراً) ].

    (ذخراً) أي: ذخراً لهم جزاء ما كانوا يعملون في الدنيا من الأعمال الصالحة؛ لأنه قال: (أعددت لعبادي الصالحين)، إذاً: هم كانوا يعملون الصالحات، ولعل في هذا إشارة إلى مراتب الناس عند الله عز وجل يوم القيامة، فالصالحون أعد الله لهم هذا النعيم الذي لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب أحد أبداً، وهذا جزاء صلاحهم، وهل هناك قسم من الناس في الجنة لا يرى هذا النعيم الخاص بهؤلاء الصالحين؟ ربما يكون ذلك، وهؤلاء هم الذين عفا الله عنهم، وهم أصحاب الكبائر والصغائر الذين دخلوا في رحمة الله وفي مشيئة الله عز وجل، فربما ينالهم من الخير والمرتبة في الجنة أقل من مرتبة هؤلاء الصالحين، وبالتالي لا يتنعمون بهذا النعيم العظيم في الجنة، بل يتنعمون بنعيم هو دون ذلك في المرتبة، وأنتم تعلمون أن الجنة مراتب ومنازل، كما أن النار -أعاذنا الله وإياكم منها- دركات سفلى.

    إذاً: قوله: (ذخراً) أي: ذخراً لهم على ما قدموا من أعمال صالحة.

    قال: [ (بله ما أطلعكم الله عليه) ].

    كلمة (بله) تعني دع عنك، فقوله: (بله ما أطلعكم الله عليه) أي: ناهيك، ودع عنك ما أطلعك الله عز وجل عليهم؛ لأن هناك من النعيم ما لم يطلع الله عز وجل عليه أحداً، وهذا في الجنة.

    إذاً: هناك نعيم أطلعنا الله عز وجل عليه في الجنة، بمعنى: أن الله تعالى أخبرنا بما في الجنة من نعيم وذكر أسماء بعض النعيم، وهناك نعيم لم يذكره الله عز وجل وإنما جعله سراً مخفياً لعباده الصالحين، إذاً: وصلنا إلى النتيجة التي كنا قد بدأناها وهي أن هناك نعيماً ظاهراً في الجنة لعامة من دخلها، وهناك نعيم خاص لم يذكر، ولم ير، ولم يسمع، ولم يخطر على قلب بشر، هذا النعيم الذي أخفاه الله عز وجل قد أعده لعباده الصالحين الذين أخفوا العبادة وأسروا بها لله عز وجل في الدنيا.

    قال رحمه الله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو معاوية -وهو محمد بن خازم الضرير- وحدثنا ابن نمير -وهو محمد- واللفظ له، حدثنا أبي عبد الله بن نمير حدثنا الأعمش -وهو سليمان بن مهران الكوفي- عن أبي صالح -وهو ذكوان السمان المدني- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ذخراً، بله ما أطلعكم الله عليه، ثم قرأ: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17]) ].

    أما قوله: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت..) إلى آخر الحديث، قال: فالذي لم يطلعكم عليه أعظم وكأنه أضرب عنه استقلالاً له في جنب ما لم يطلع عليه أحداً، وقيل: معناه: غير ما أطلعكم الله عليه، يعني: إما أن يكون هذا النعيم الذي أخفاه الله تعالى من جهة الكم، أو العدد، أو الكيف، أو أنه نعيم لم يذكر من أي وجه من الوجوه.

    قال: [وحدثنا هارون بن معروف، وهارون بن سعيد الأيلي، قالا: حدثنا ابن وهب، حدثني أبو صخر -وهو حميد بن زياد الخراط المدني نزل مصر وسكنها ومات بها- أن أبا حازم حدثه قال: سمعت سهل بن سعد الساعديأبو حازم الذي يروي عن سهل بن سعد هو سلمة بن دينار، خلافاً لـأبي حازم الذي يروي عن أبي هريرة فإنه سلمان مولى عزة- قال: شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً وصف فيه الجنة حتى انتهى -أي: وصف النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الجنة ذات يوم حتى انتهى من وصفها- ثم قال صلى الله عليه وسلم في آخر حديثه: (فيها ما لا عين رأت) ].

    يعني: بعد أن ذكر الجنة ونعيمها، وذكر النعيم الذي فيها قال بعد ذلك: (فيها ما لا عين رأت) أي: نوع من أنواع الجنة.

    قال: [ (ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم اقترأ هذه الآية: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:16-17]) ].

    فهناك مناسبة بين الجزاء والعمل، فكما أن هؤلاء صلوا لله سراً في ليلهم، وصاموا في النهار وأخفوا صومهم حتى لا يدخل شيء من الرياء في هذا أو ذاك، فقد كافأهم الله بنعيم لم يطلع عليه أحد، ولم يره أحد ولم يخطر على قلب بشر، والجزاء من جنس العمل.

    1.   

    باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها

    (الباب الأول: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها).

    إن في الجنة شجرة: أي واحدة، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها: أي لا ينتهي منها.

    قال: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ليث ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه -أبي سعيد المقبري- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة) ].

    تصور لو أن شجرة في الدنيا يسير الراكب الجواد المسرع المضمر فيها لمدة ربع ساعة، لابد أن هذه الشجرة يعبدها الناس من دون الله عز وجل، وتأتي لها الوفود من شرق الأرض وغربها، للنظر إليها والتبرك بها، وعدوها من المعجزات، وهو يسير في ظلها ربع ساعة فقط، فما بالك أن تسير في ظل شجرة مائة عام وأنت راكب جواد مسرع قوي متين، ثم لا تقطعها بعد ذلك ولا تفرغ من المشي في ظلها.

    قال: [حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا المغيرة - وهو ابن عبد الرحمن الحزامي - عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وزاد: (لا يقطعها).

    حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي -وهو المعروف ابن راهويه- أخبرنا المخزومي -وهو المغيرة بن سلمة أبو هشام البصري- حدثنا وهيب -وهو وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم البصري -عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد

    -أبو حازم هو سلمة بن دينار- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها)، قال أبو حازم -أي: سلمة -: فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزرقي فقال: حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها)].

    وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه زيادة على ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو بيان أن هذا السير للراكب الجواد المضمر السريع، والتضمير كما قال أصحاب اللغة، وأصحاب غريب الحديث: هو أن تأتي بفرس وتعلفها علفاً كثيراً حتى تأكل ويظهر لحمها وتسمن حتى تصير عظيمة، منتفخة من فرط سمنها، ثم لا تعلف بعد ذلك إلا قوتاً، ومعنى قوتاً: على قدر حاجتها، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)، أي: على مقدار طعامهم وشرابهم في كل يوم بغير زيادة، وفيه بيان لما كان عليه النبي من زهد هو وأهل بيته عليه الصلاة والسلام.

    فالإنسان يضع أمام الدابة أو الفرس طعاماً عظيماً جداً فيلتهمه ويأكله بشراهة حتى يسمن، ثم بعد ذلك يمنع عنه الطعام ولا يقدم له إلا شيئاً يسيراً، بحيث إنه لا يشبع كما كان يشبع من قبل حتى يترهل لحمه ثم ينزل ذلك كله عرقاً، إذا منعت عنه الطعام نزل ذلك السمن والدهون بعد ذلك عرقاً، خاصة لو أنك جللت هذا الفرس ووضعت عليه الأحمال التي تجعل بدنه يزداد حرارة فيصفو ما في بدنه من دهن ويشتد لحمه ويكون قوياً، وهذه صورة من صور دواب العرب، والعرب يعلمون التضمير ويعرفونه، فهو يقول: إن الراكب لهذا الجواد المضمر السريع يمشي في ظل هذه الشجرة مائة عام وهو مسرع يعدو ولا يتوقف مائة عام ومع هذا لا يقطعها.

    ثم يقول العلماء: المراد بظلها كنفها وذراها، والإمام النووي رحمه الله مال مع من مال إلى أن الظل هنا هو الكنف، ولم يفسر الظل على ظاهره، فهو لم يتوقف عند ظاهر النص، وإنما اضطر إلى التأويل، قال: لو قلنا بالظل فيلزمنا أن نقول بالشمس، ومعلوم أن الجنة: لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا [الإنسان:13]، فإذا قلنا أن الراكب المسرع يسير في ظل الشجرة فيلزم من ذلك وجود شمس أو كهرباء، ولا يوجد في الجنة لا شمس ولا كهرباء؛ لأنها منيرة بنور وجه الله العظيم، فحينئذ اضطر أهل العلم أن يقولوا: أن ظل الشجرة ليس على ظاهره، وإنما المقصود بالظل الكنف والذرى، أي: أنه يمشي في ذراها وفي كنفها أو تحتها وتحت أغصانها، هذا هو المقصود بالظل وليس الظل على حقيقته، وهذا التأويل سائغ ومقبول، وليس كل تأويل مذموم ومردود، والله عز وجل يقول: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ [النحل:98]، و(قرأ) فعل ماض، وظاهر النص أن الاستعاذة في آخر القراءة، لكن التأويل السائغ: إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحدكم الكنيف فليقل: باسم الله)، وفي رواية: (إذا قضى أحدكم حاجته فليقل باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث)، هذا الدعاء يقال قبل الدخول، مع أن الحديث يقول: (إذا دخل أحدكم)، فظاهر النص أن القول لا يكون إلا بعد الدخول، لكن التأويل السائغ: إذا أراد أحدكم أن يدخل الحمام لقضاء حاجته فليذكر هذا قبل الدخول، فهذا تأويل سائغ، وكذلك هذا الذي بين أيدينا.

    1.   

    باب إحلال الرضوان على أهل الجنة

    (باب إحلال الرضوان -أي: إنزاله على أهل الجنة- فلا يسخط عليهم أبداً).

    قال: [حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهم، حدثنا عبد الله بن المبارك -إمام خرسان بل هو إمام الدنيا في زمانه- أخبرنا مالك بن أنس -الإمام الفقيه صاحب المذهب- وحدثني هارون بن سعيد الأيلي واللفظ له -أي: ليس هذا لفظ ابن سهم وإنما هو لفظ الأيلي- حدثنا عبد الله بن وهب، حدثني مالك ].

    إذاً عبد الله بن وهب، وعبد الله بن مبارك كلاهما يروي هذا الحديث عن مالك بن أنس .

    [ عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يقول) ].

    إذاً: الله تعالى يتكلم متى شاء، وكيف شاء، بأي كلام شاء، ولفظ (يقول) فعل مضارع يفيد الاستمرار، فكلام الله تعالى لا ينفد ولا ينتهي.

    [ (إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك) ].

    أي: طاعة لك واستجابة بعد استجابة، ونحن بين يديك تأمرنا بما شئت.

    [ (والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك ؟) ].

    أي: مما أعطيتنا مما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر، أي شيء بعد ذلك تميل إليه نفوسنا وتتمنى إلى النظر إليه أعيننا.

    [ (فيقول الله عز وجل: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً) ].

    ولا شك أن هذا من أعظم النعيم في الجنة وهو إحلال الرضوان؛ لأنه رضوان لا سخط بعده أبداً، (أحل عليكم رضواني) أي: رضائي عنكم فلا أسخط، ولا أبغض، ولا أكره أحداً منكم بعده أبداً.

    1.   

    باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف

    قال رحمه الله تعالى: [باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف ].

    يعني: من كانوا في ساحة الجنة ينظرون إلى أصحاب الغرف العليا ويرونهم، ومعلوم أن في الجنة غرفاً يرى داخلها كما يرى خارجها.

    وقوله: (باب ترائي) أي: ثبوت الرؤية بين عموم أهل الجنة وبين أصحاب الغرف كما يرى الكوكب في السماء، يعني: كما أنك تنظر هكذا إلى السماء فترى الكوكب الدري المضيء اللامع في وسط السماء، فكذلك وأنت تسير في الجنة لو نظرت فوقك لرأيت أصحاب الغرف تماماً كما لو أنك نظرت الآن إلى السماء فرأيت القمر أو البدر، أو النجم، فكذلك ترى وتتيقن أنك قد رأيته، وهذا شيء عجيب جداً لا يمكن أن يصدقه أحد؛ لأن المرء إذا سار في الشارع الآن ونظر في أول بلكونة ربما لا يتأكد ممن نظر إليه واختلط عليه نظره، أمحمد هذا الذي في البلكونة أم أحمد أم إبراهيم أم سيد أم زيد أم عزيز؟ ولكن هذا الاختلاط وهذا الشك والريب لا يخطر لك قط على بال في الجنة، فإنك إذا نظرت إلى أصحاب الغرف من فوق عرفتهم كما تعرف أن هذا هو القمر، لا تشك في أنه القمر وأن بجوار القمر نجماً، لا تشك في أنه نجم ولا يمكن أن يكون النجم قمراً في يوم من الأيام، هكذا يرى أصحاب الجنة أصحاب الغرف.

    قال: [ حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب وهو ابن عبد الرحمن القاري عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أ هل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء) -وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية- قال: -أي أبو حازم- فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش فقال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي) ].

    أي: في الناحية الشرقية أو الغربية، والدري هو مسمى بذلك لشدة بياضه ولمعانه، والدر معروف أنه أرفع وأثمن الجواهر، وكذلك الكوكب الذي يظهر في الأفق الشرقي أو الغربي.

    قال: [ وحدثناه إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا المخزومي -وهو المغيرة بن سلمة كما اتفقنا- حدثنا وهيب -وهو ابن خالد بن عجلان البصري كما اتفقنا- عن أبي حازم بالإسنادين جميعاً نحو حديث يعقوب] أي: ابن عبد الرحمن القاري .

    قال: [ حدثني عبد الله بن جعفر بن يحيى بن خالد ، حدثنا معن، حدثنا مالك ].

    ومعن هو معن بن عيسى، أثبت رواة البصرة عن مالك، وأثبت تلاميذه معن بن عيسى الأشجاعي أبو يحيى المدني القزاز

    .

    قال: [وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي -واللفظ له- حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني مالك بن أنس ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم -كأن هؤلاء في صحن الجنة ينظرون إلى أصحاب الغرف من فوقهم- كما تتراءون الكوكب الدري الغابر)].

    أي: الذاهب الماشي الذي تدلى إلى الغروب، أي: الذي أوشك أن ينزل إلى جهة الغرب، وفي الرواية الأولى: (في الأفق الشرقي أو الغربي)، فإما أن يكون صاعداً من الشرق أو نازلاً إلى الغرب، فأنتم ترونهم على هذه الشاكلة أو على هذا النحو.

    قال: [(كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب) ].

    وأصح الرواية: (في الأفق)، وليس: (من الأفق) وهي رواية البخاري .

    قال: [ (لتفاضل ما بينهم) ].

    يعني: يريد أن يثبت أن أهل الجنة جميعاً لا يكونون في منزلة واحدة بل في منازل متعددة، فإذا كان الله تعالى قد أعد للشهداء مائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فقد أعد الله تعالى لهم من الدرجات في الجنة مائة درجة؛ لأن الشهداء ليسوا على منزلة واحدة، فهذا صالح وشهيد، وهذا عاصٍ وشهيد، بمعنى: أنه هذا يفعل المعاصي ولكنه مات في القتال رفعاً لراية التوحيد فهو شهيد؛ لكنه لا يستوي مع من كانت حياته قبل الشهادة كلها صلاحاً وطاعة، فهذا في درجة وذاك في درجة أخرى، وقس على ذلك التفاضل بين الناس، وهذا الحديث يثبت أن الناس في الإيمان والإسلام متفاوتون.

    قال: [ (قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) ].

    معلوم أنه لا أحد يدخل الجنة إلا إذا آمن بالله وصدق المرسلين، فكل من يدخل الجنة لابد أنه قد آمن بالله وصدق المرسلين، لكن الناس في التصديق وفي الإيمان متفاوتون، فبعض من يدخل الجنة ويكون له فيها من حظ تلك الغرف من أوصافهم أنهم آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، فكل من يدخل الجنة قد آمن بالله وصدق المرسلين؛ لأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ونفس مسلمة، ولكنهم لما تفاوتوا وتفاضلوا في الإيمان والتصديق، والعلم بمقتضى الإيمان والتصديق أعد الله تعالى لفريق من هؤلاء الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، وهذا دليل على تفاوت الإيمان في قلوب المؤمنين، وأنتم تعلمون أن الإيمان يزيد وينقص، فليس الذي يصلي فحسب كالذي يصلي ويصوم، وليس الذي يصلي ويصوم فحسب كالذي يصلي ويصوم ويحج، وهكذا.. كلما ازداد المرء من طاعة الله ازداد إيمانه، وأعد له في الجنة منزلة تتناسب مع طاعته أو يعفو الله عز وجل.

    1.   

    باب فيمن يود رؤية النبي عليه الصلاة والسلام بأهله وماله

    (باب فيمن يود رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بأهله وماله).

    يعني: الإنسان يتمنى أن يرى النبي عليه الصلاة والسلام ولو كان ثمن ذلك أن يفقد أهله وماله، وهذه منزلة عظيمة جداً كلنا يدعيها، ومعظمنا كاذب فيها، كلنا يقول هذا بلسانه، لكن عند العمل والمحك كل منا لن يقدم ماله وأهله على رؤية النبي عليه الصلاة والسلام بل على رؤية الله عز وجل يوم القيامة، أكثر ما يزعم الناس زعماً وحقيقة ذلك لا تظهر إلا عند المحك، النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث سفيان بن عبد الله لما سأله: (قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم)، ومعظم الأمة اليوم يقولون: آمنا بالله، وقلوبنا عامرة بالإيمان بالله، وبالإسلام والتوحيد، لكنهم عند العمل ترى عجباً، أعمالاً تخالف الأقوال، ولكنها توافق حقيقة ما في القلب؛ لأن القلب لو امتلأ بوازع الإيمان لنهاك هذا الوازع عن اقتراف الكبائر بل والصغائر، لكن المرء سرعان ما يبادر كذباً بذكر محبة الله تعالى ومحبة رسوله، وتقديم محاب الله ومحاب رسوله على محابه ولكنه حين المحك تظهر الحقيقة.

    والمؤمن لا يقدم على الله ورسوله وشرعه أحداً مهما كان، وأعظم الناس حقاً عليك الوالدان، ومع هذا نهانا الشرع أن نطيعهما فيما حرمه الله عز وجل، وناهيك بعد الوالدين عن كل إنسان بعد ذلك أنت صاحب حق عليه، فالوالدان لهم حق عليك وليس لأحد من الناس بعد ذلك له حق عليك، بل أنت حقك على الناس من زوجة وولد، فالكل مطلوب منه أن يطيعك، وأنت مطلوب أن تطيع الوالدين في غير معصية الله عز وجل، قال عليه الصلاة والسلام (لا طاعة إلا في المعروف)، وفي رواية: (لا طاعة -أي: للوالدين- في معصية الله عز وجل).

    قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله) ].

    قوله: (من أشد أمتي لي حباً) ولم يقل: أشد أمتي، وإنما ذكر (من) التي تفيد التبعيض، يعني: فئة من المسلمين من أمتي يكونون من بعدي أشد حباً لي ويتمنون أنهم لو رأوني وأن يكون ثمن ذلك ومقابله فقدان الأهل والولد، أو فقدان الأهل والمال، والأهل يعني الزوجة والأولاد.

    1.   

    باب في سوق الجنة وما ينالون فيها من النعيم والجمال

    (باب في سوق الجنة وما ينالون فيها من النعيم والجمال).

    السوق: هو مجمع الناس، حتى لا تقيسه أنت بسوق الدنيا سوق الخضار أو غيره، فمعنى كلمة السوق هو الذي يساق الناس إليه، أو يسوقون أنفسهم إلى هذا المكان فيجتمعون فيه.

    قال: [ حدثنا أبو عثمان -وهو سعيد بن عبد الجبار البصري- حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت -وهو ابن أسلم البناني- عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة لسوقاً) ].

    يعني: في الجنة سوق كما أن في الدنيا سوقاً، وهذا تشبيه للوجود بالوجود، كما أن الدنيا فيها أسواق موجودة فكذلك الجنة فيها سوق موجود، ولا يلزم من ذلك المماثلة والمشابهة من كل وجه.

    قال: [ (إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة) ].

    ومعنى: يأتونها كل جمعة أي: في مقدار كل جمعة يأتونها الناس ويجتمعون فيها، فلا يجتمعون في يوم معين، وكلمة اليوم تطلق على النهار، وكلمة الليل تطلق على الليل، واليوم لا يشبه الليل والنهار وإنما هو مختص بالنهار فحسب، وفي مصنفات أهل العلم ذكروا بعض عناوين للكتب مثل: أذكار اليوم والليلة، وأعمال اليوم والليلة، فاليوم يطلق على النهار، وأنتم تعلمون أن الجنة لا شمس فيها، ولا زمهرير، ولا ليل، ولا نهار، وبالتالي لا يوم فيها، ولا ليل، وحينئذ نقول: يقدر الوقت بأسبوع يجتمع الناس في هذا السوق في الجنة.

    قال: [ (فتهب ريح الشمال) ].

    وريح الشمال هي ريح كانت تأتي من جهة الشام على أهل المدينة محملة بالأمطار، وكان أهل المدينة يحبونها، وينتظرونها في فصولها المؤقتة لها كما تنتظر المرأة وليدها، وهي ريح طيبة، وخيرة، تسمى ريح الشمال، أو الريح الشموأل أو الشمأل أو الشمل، هكذا يسميها العرب.

    قال: [ (فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم) ].

    وطينة الجنة، وأرض الجنة، وحصباؤها من زعفران ومسك، فهذه الرياح تأتي من شمال الجنة فتأخذها من أرض الجنة على وجوه هؤلاء الناس.

    قال: [ (فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم -أي: نسائهم- وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً -يعني: أول ما خرجتم من هنا ورجعتم مرة أخرى ازددتم حسناً وجمالاً، فيرد الرجال على النساء- فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً)].

    وفي هذا دليل أن هذه الرياح تعم جميع أهل الجنة من كانوا في الخيام والغرف، ومن كانوا في سوق الجنة.

    1.   

    باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم

    (باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم).

    وهذا تشبيه للصورة بالصورة، وليس للذات بالذات؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يكون قمراً والقمر لا يمكن أن يكون إنساناً، ولكنه تشبيه لصورة الرجل بصورة القمر، ويمكن أن تنظر في هذا الوقت لرجل دميم الخلقة لكنك تريد أن تمدحه وتقول: إن وجهك كالقمر، مع أنه لا يساوي أدنى نجم، لكنه على أية حال من باب الكذب لإدخال السرور والأنس على قلب الممدوح، والنبي عليه الصلاة والسلام أجاز الكذب على الزوجة، كأن تقول لها: أنت جميلة وهي ذميمة، عملك طيب وصالح، وعملها دون ذلك، وهذا من باب الملاطفة والمؤانسة وحسن العشرة، ويوم القيامة أول زمرة تدخل الجنة تكون صورتهم في الوضاءة، والإشراق، والبهجة، والحسن، والجمال كما لو كانوا على صورة القمر، فهذا تمثيل، وهذا من التمثيل المباح الحلال، تمثيل لصورة هؤلاء في الحسن والجمال والوضاءة والإشراق بصورة القمر، وفائدة التمثيل تقريب المعنى، فأول زمرة تدخل الجنة يوم القيامة تكون صورتهم على صورة القمر ليلة البدر.

    قال: [حدثنا عمرو الناقد ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي جميعاً عن ابن علية -وهو إسماعيل- واللفظ لـيعقوب قالا: حدثنا إسماعيل بن علية أخبرنا أيوب -وهو ابن أبي تميمة السختياني- عن محمد -وهو ابن سيرين- قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا: الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟ ].

    يعني: ذكرنا كلاماً على سبيل المفاخرة أو المذاكرة، وهذا الكلام دار بين الرجال والنساء.

    مثلما تكون جالساً مع امرأتك تقول لها: الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟ إما أن تكون تطرح هذا السؤال من باب الوصول إلى الحقيقة العلمية أو الحقيقة الإيمانية، وإما أن تكون تبكتها وتعتبها وتقول لها: أريد أن أعرف هل الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟

    فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واطلعت في النار فوجدت أكثر أهلها النساء)، فأنت تسألها ذلك من باب التبكيت والتعتيب، تقول لها: لما اطلع النبي وجد أكثر أهلها النساء؛ لأنهن ينكرن حسن العشرة، وهذا يؤدي بها إلى النار، فأنت أتيت بها وقمت تلف من بعيد؛ لأنك لا تجرؤ أن تدخل مباشرة في الموضوع بل تلف من بعيد وتأتي بحيثيات حتى تذكرها واحدة بواحدة.

    [ قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟ فقال أبو هريرة أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب) ].

    قوله: (يرى مخ السوق)، لما ترى إلى العظم ترى المخ الذي في الساق، يعني: ترى هذا الدهن الذي في داخل الساق من بعد العظم.

    وقوله: (وما في الجنة أعزب) لا يوجد أحد في الجنة أعزب كلهم متزوجون، ولكل من دخل الجنة من الرجال اثنتان من الحور العين، فضلاً عن أحب نسائه إليه في الدنيا، ولو كان متزوجاً واحدة فهي زوجته إن دخلت الجنة، وإن كنت تبغضها في الدنيا فإن الله يقول: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ [الأعراف:43]، فستكون ساعتها إنسانة محببة جداً إلى قلبك، والذي فات مات، وإن حاولت أن تتذكره لا يمكنك ذلك؛ لأن الله تعالى يحول بينك وبينه، كما يحول بينك وبين ما قد جرى بينك وبينها من مشاكل في العام الماضي أنت لا تذكرها الآن إنما أنت تذكر ما بينك وبينها الآن وتنسى ما قد مضى، فإذا كان يوم القيامة فإن الله تعالى ينسيك ما كان بينك وبينها من شحناء أو بغضاء.

    وعلى أية حال هذه الشحناء والبغضاء سنة من سنن الله الكونية في الكون، حتى لا يتصور إنسان أنه وصل إلى مرحلة لا يمكن معها الصبر، نعم، قد يصل الرجل مع امرأته إلى هذه المرحلة ولا يكون هناك علاج إلا الطلاق، وآخر الدواء الكي، والأصل في الزوجية القيام والديمومة والاستمرار، والطلاق استثناء ولضرورة، ومن زعم أن الطلاق مباح بغير ضرورة وبغير حاجة ولا عذر، فلا شك أنه قد خالف ما اتفقت عليه كلمة الأمة، أي: كلمة علماء المسلمين.

    قال: (وما في الجنة أعزب) والأعزب هو من لا زوجة له، والأفصح: وما في الجنة عزب.

    تعداد الرجال والنساء في الجنة

    قال: [ حدثنا ابن أبي عمر -وهو محمد بن يحيى- حدثنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين قال: اختصم الرجال والنساء -أي: اختلفا وتجادلا- أيهما في الجنة أكثر؟ فسألوا أبا هريرة فقال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على أضوأ كوكب- يعني: على صورة أفضل كوكب دري في السماء- لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب)].

    وهذا يفيد أن النساء أكثر من الرجال، وإن كن من الحور العين فإنهن نساء، فإن لكل واحد من أهل الجنة زوجتين من الحور العين، ومع ذلك يتزوج امرأته أو أحب النساء إليه، ولكل شهيد اثنتان وسبعون حورية، ونجمع بين هذا الحديث وبين قوله عليه الصلاة والسلام: (اطلعت في النار فوجدت أكثر أهلها النساء، فقامت امرأة جزلة -يعني: عاقلة- وقالت يا رسول الله بم؟ -أي: بما استحقت النساء دخول النار؟- قال: لأنهن يكفرن، قالت: أيكفرن بالله؟ قال: لا، يكفرن الإحسان ويكفرن العشير، يحسن إليها الرجل الدهر كله -أي: طوال حياته الزوجية معها- فإذا بدا منه شيء قالت: والله ما رأيت منك خيراً قط)، فهذا كفران العشير، أي: تكفر حسن العشرة معه لأول تافهة تقع من الرجل.

    والشاهد هنا أنه قال: (اطلعت في النار فوجدت أكثر أهلها النساء).

    والجواب الأول: لا يمنع أن يكون أكثر أهل الجنة النساء وأن يكون أكثر أهل النار النساء؛ لأنه لا تعارض، بل النص يفيد أن أكثر أهل الجنة نساء، وأكثر أهل النار أيضاً نساء، وهذا يدل على كثرة النساء خاصة في آخر الزمان، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تقوم الساعة حتى يكون لكل خمسين امرأة قيم واحد)، وفي هذا نص صريح على كثرة النساء على الرجال خاصة في آخر الزمان، وكثرة الملاحم والفتن، وظهور القتال، خاصة بعد الملحمة الكبرى المرتقبة والمنتظرة بين المعسكرين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر، والتي ينتظرها العالم كله الآن، فحينئذ أنتم تعلمون أن الحرب إنما تأكل الرجال دون النساء، ولعل من الملاحظ أن مقدمة هذه الحرب الختامية للعالم كله بدأت بغزو العراق للكويت، وإتيان الروم والأمريكان إلى بلاد العرب، وكان من ثمرة هذا القتال أن مات جل الجيش العراقي وكثير من الرجال والأطفال الذكور في شوارع بغداد وغيرها من مدن العراق، مما أسفر عن كثرة النساء على الرجال، أنا أقول هذا الكلام لأستشهد به على أن الحروب إنما تأكل الرجال وتسبب كثرة في النساء، فإذا قامت الحرب العالمية الثالثة، أو الحرب الختامية، أو ما سمتها النصوص بالملحمة الكبرى، أو ما يسميه اليهود والنصارى بمعركة هرمجدون، فإن الأمر حينئذ يعم الرقعة كلها وبالتالي تكثر النساء في كل بقعة من بقاع الأرض إلا موطنين هما بمنأى عن هذه الحرب وعن الملحمة الكبرى، وهي الدول الباردة جداً، والدول الحارة جداً.

    يقول بعض أهل العلم: إن هذه الدول الباردة جداً التي لا تشارك في هذه الحرب هي الدول الإسكندنافية، والدول الحارة جداً هي جنوب أفريقيا وأقرب بلاد أفريقيا إلى خط الاستواء، وليس هذا مبحثنا وإنما المبحث أن الحرب تأكل الرجال وتبقي النساء وبالتالي تكثر.

    ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يكون لكل خمسين امرأة قيم واحد): هذا لا يعني أبداً أن الواحد له أن يتزوج بخمسين امرأة، وإنما النسبة في تعداد العالم في آخر الزمان أنه من واحد إلى خمسين، الرجل يعادله في العدد خمسون امرأة.

    وقوله: (إن أول زمرة تدخل الجنة)، هذا الحديث لا يتكلم عن كل أهل الجنة وإنما يتكلم عن أول زمرة وثاني زمرة، فأول زمرة يدخلون على صورة القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية التي تليهم: تدخل على أضوأ كوكب دري في السماء.

    قال: (لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب).

    قال القاضي في هذا الحديث: (أن النساء أكثر أهل الجنة)، وفي الحديث الآخر: (أنهن أكثر أهل النار): فيخرج من مجموع هذين الحديثين أن النساء أكثر ولد آدم، وكلما دعاك أخ لعقيقة يقول لك: سميت ابنتي فاطمة، زينب، عائشة، مريم، وهذه الحقيقة علامة تدل على قرب الساعة، كل الإخوة يعقون بشاة واحدة إلا ما ندر، قال: وهذا كله بالآدميات، وإلا فقد جاء أن الواحد من أهل الجنة له من الحور العدد الكثير.

    قال: [وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد الواحد -وهو ابن زياد البصري- عن عمارة بن القعقاع ، حدثنا أبو زرعة قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول من يدخل الجنة)، وفي الرواية الثانية: (إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دري في الأرض إضاءة، لا يبولون) ].

    مع أنهم يأكلون ويشربون، وإنما بولهم سمته النصوص بالرشح؛ فترشح أبدانهم المسك، يعني: يعرقون عرقاً لونه لون المسك ورائحته رائحة المسك.

    قال: [(لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة) ].

    المجامر: جمع مجمرة وهو العود الذي يكتحل به، والألوة: اسم عود هندي معروف إلى الآن في بلاد الحجاز، ويقال: الذي عنده عود ألوة قرشي، وهذا المثل يدل على أن هذا العود نادر جداً.

    قال: [ (ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم -يعني: من حيث الخلق أخلاقهم واحدة طيبة- وصورتهم صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء)].

    قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب محمد بن العلاء الهمداني ، قالا: حدثنا أبو معاوية -وهو محمد بن خازم الضرير- عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل -يعني: درجات- لا يتغوطون، ولا يبولون، ولا يمتخطون، ولا يبزقون -أي: لا يبصقون- أمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على طول أبيهم آدم، ستون ذراعاً) -يعني: في السماء- قال ابن أبي شيبة: على خُلق رجل، وقال أبو كريب : على خَلق رجل].

    الخُلق وصف للأخلاق، والخَلق وصف للأبدان.

    [وقال ابن أبي شيبة : على صورة أبيهم].

    أي: على صورة أبيهم آدم، وفي رواية بزيادة: (لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد)].

    وأظن أن في هذا القدر كفاية، نقف عند الباب السابع بإذن الله تعالى.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    1.   

    الأسئلة

    حكم صلاة التسابيح

    السؤال: ما صحت حديث صلاة التسابيح؟

    الجواب: هو في الحقيقة محل نزاع بين أهل العلم، كثير من المحدثين ضعفوا هذا الحديث وبالتالي عدوه من المنكرات الشنيعة جداً، والشيخ الألباني وبعض المعاصرين من المحدثين صحح أو حسن هذا الحديث، فإذا كان الأمر محل نزاع بين المحدثين، فلك أن تأخذ بهذا أو ذاك.

    حكم المشاركة في مسابقة القرآن الكريم وأخذ الجوائز من البنك الإسلامي

    السؤال: بنك التسليف الإسلامي يقوم بعمل مسابقة في القرآن الكريم، فما حكم الاشتراك في هذه المسابقة، وحكم الجوائز التي تعطى للفائزين؟

    الجواب: حلال، هذا من الأعمال الصالحة.

    حكم الحلي إذا كانت على شكل تمثال أو صورة

    السؤال: ما حكم الأساور التي على شكل ثعبان، أو التي عليها شكل حيوانات صغيرة، وهل تدخل في حكم التماثيل فهي حرام حينئذ أم لا؟

    الجواب: هي حرام، هذه الأساور أو السبائك الذهبية التي على شكل حيوانات بلا شك أنها صور، وأنتم تعلمون أن الصورة محرمة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا قطع الرأس فلا صورة)، فعلى المرأة أن تتخلص من هذا الذهب أو تقطع رأس التمثال الذي في الحلية، ولا أظن أنها تقطع رأسها أبداً، فعليها أن تتخلص من الذهب.

    حكم من مات وعليه صيام بسبب المرض

    السؤال: كان معي أخت ماتت بعد رمضان بأربعة أيام ولم تصم في هذا الشهر؛ لأنها مريضة فهل يجوز أن أصوم عنها؟

    الجواب: نعم يجوز أن تصومي، ويجوز أن تفدي، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) فإذا شئتي أن تصومي فهو أفضل لموافقة ظاهر النص، وإذا عجزت عن الصيام فلا بأس أن تطعمي عن كل يوم مسكيناً، وإذا كان هناك من أولياء هذه الميتة من يشاركك الصيام فلا بأس، وإن اشترك الصوم في يوم واحد؛ وهذه المسألة محل نزاع: إذا كان على الميت عشرة أيام وله عشرة أولاد مثلاً فاختار كل واحد منهم أن يصوم يوماً، فهل كل واحد منهم يصوم يوماً بعد أخيه أم يجزئهم أن يصوموا جميعاً يوماً واحداً؟ هذه المسألة محل نزاع، والراجح أنه يجزئهم أن يصوموا ولو كان الصوم وقع في يوم واحد.

    حكم زواج الرجل بامرأة رضعت مع أخيه

    السؤال: هل يجوز أن يتزوج رجل من امرأة رضعت مع أخيه؟

    الجواب: نعم؛ لأنها أخت أخيه وليست أختاً له.

    المقصود باليوم والليلة في توقيت مسح الخف

    السؤال: المسح على الخف هل المقصود به أربعاً وعشرين ساعة أم خمس صلوات؟

    الجواب: لا، المقصود به خمس صلوات؛ لأن الأربع والعشرين ساعة لم تكن عمراً معلوماً في الزمان الأول، وإنما المسح على الخف يبدأ حسابه يوماً وليلة -كما في الحديث- منذ أول مسحة.

    حكم من وجد نجاسة في ملابسه بعد الانتهاء من الصلاة

    السؤال: من وجد نجاسة وهي أثر غائط في ملابسه، فهل يعيد الصلاة السابقة أم ماذا يفعل؟

    الجواب: ينظر هل هذا الأثر جرم أم أثر، والمعلوم أن كلمة أثر هي تمثل مكان النجاسة بعد الغسل، كما أن المرأة الحائض تغسل ثوبها ويبقى فيه أثر الدم، يعني: لون الدم، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اغسليه ولا يضرك أثره)، فإذا كان في ثوب هذا الأخ الفاضل غائط فغسله ولكنه بقي أثره أي: لون هذا الغائط، فلا يضره، وأما إذا كان يقصد أنه انتبه وفوجئ بغائط على ثوبه بعد الصلاة، فمن أهل العلم من قال: يعيد الصلاة من أول نومة نامها ثم قام منها، ومنهم من قال: يعيد الصلاة الحالية أي: التي أداها في الوقت، والذي يترجح لدي أنه لا يعيد إلا الصلاة التي في الوقت، وإن كان جنباً يعيد من أول نومة قام منها، فلو أنه قام من النوم في الظهيرة وصلى المغرب والعصر والعشاء، ثم أدرك الجنابة، فغلبة الظن أنه أجنب في نومه، فيعيد من بعد النوم، وهذا لا يضر؛ لأن من شروط صحة الصلاة طهارة الثوب، وأنت صليت بنجاسة لكن إعادتك لهذه الصلاة يلزمك خلع هذا النجس والصلاة بدونه؛ لأن هذا لا ينقض الوضوء وإنما ينقض الصلاة.

    حكم سرقة التيار الكهربائي

    السؤال: هل يجوز سرقة التيار الكهربائي، حيث إن الفاتورة كبيرة جداً؟

    الجواب: إذا كانت السرقة جائزة فإن سرقة التيار الكهربائي جائزة، والمال العام على مدار التاريخ لم يستحله إلا الخوارج، ومن أخص خصائص المال العام العصمة، وعندما تقرأ في السياسة الشرعية تجد أن المال العام أهم ما يميزه عن بقية الأموال العصمة، مع أن أموال الغير معصومة أيضاً، لكن الأموال العامة أعظم عصمة من المال الخاص.

    والكهرباء من الأموال العامة، ولو قلت لي: أن سرقة الكهرباء جائزة فستكون كل الأموال العامة التي سرقتها جائزة، وليس هناك عاقل يقول بهذا، لكن على أية حال إذا جوزت لك أن تسرق الكهرباء سأجوز لك أن تسرق المياه، والمجاري، وغير ذلك من الأموال العامة، وهذا بلا شك لا يقول به إلا إنسان قد فقد عقله تماماً.

    فسرقة الكهرباء لها مفاسد من شقين: الشق الشرعي: أنك أتيت بكهرباء من داخل العداد من جارك أو من أي مكان، فهذا سرقة ولو تستحل ذلك. والشق الآخر: لو أتى المفتش فستكون أنت قد سرقت رغم أنك موصل من عداد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار)، فلابد أن تنظر بنظرتين، النظرة الأولى: مشروعية العلم، والنظرة الثانية: إلحاق الضرر من جراء هذا العمل.

    حكم المسابقات التلفزيونية التي تجرى عن طريق التلفون

    السؤال: ما حكم الاشتراك في المسابقات التلفزيونية عن طريق التلفون، حيث يسأل سؤالين من الأسئلة العامة في جيم أو غيره ويحتمل أن تكسب مبلغاً مالياً كبيراً، وقد كثرت هذه المسابقات هذه الأيام؟

    الجواب: لقد سألني أحد الإخوة هذه الأسئلة لأنه معد هذه البرامج في التلفزيون، وأنا لم أفهم منه الصورة جيداً.

    حكم القراءة من المصحف في صلاة الفريضة

    السؤال: هل القراءة من المصحف في صلاة الفريضة تبطل الصلاة؟

    الجواب: لا تبطلها، ولكن على أية حال هي بدعة، أما صلاة المصلي في النافلة وهو حامل للمصحف فهذا جائز للإمام والمنفرد، وقد اتخذت عائشة رضي الله عنها إماماً في صلاة التراويح يقرأ من المصحف، أما المأمومون وهذه الصورة التي نراها في شهر رمضان كل واحد يصلي خلف الإمام ويحمل مصحفاً فهذه صورة غير جائزة، وقد تجرأ ابن حزم رحمه الله على بطلان صلاة من صلى مأموماً حاملاً للمصحف، ولم يجز ذلك أحد من أهل العلم إلا للإمام في النافلة والمنفرد، أما الفريضة فيصلي المصلي ولو بآية واحدة معه، ولا يتصور أن مسلماً ليس معه آية من كتاب الله.

    الحكم على حديث: (أحيطوا أعمالكم بالكتمان)

    السؤال: ما صحة حديث: (أحيطوا أعمالكم بالكتمان) ؟

    الجواب: الحديث ليس هكذا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان) وهو ضعيف.

    أما (استعينوا على قضاء حوائجكم) فهذا نص صحيح، والمعنى واحد.

    حكم الصلاة على شهيد المعركة

    السؤال: ما حكم الحديث الذي يثبت الصلاة على شهيد المعركة، والحديث الآخر الذي لا يثبت الصلاة على شهيد المعركة، وكيف نوفق بينهما ونزيل اللبس من عقولنا وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: صلاة الجنازة على الشهيد مستحبة وليست واجبة، وأنتم تعلمون أن صلاة الجنائز فرض كفاية، وهي حق واجب لكل مسلم، إلا الشهيد، والطفل الصبي الذي لم يبلغ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755794317