فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
هذا الباب التاسع والثلاثون من كتاب الجهاد والسير: (باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين).
جاء في رواية أخرى عند البخاري : أن هذا السابع هو عمارة بن الوليد .
[قال أبو إسحاق : الوليد بن عقبة غلط في هذا الحديث].
أي: أن ذكر الوليد بن عقبة خطأ من الراوي في هذا الحديث؛ وذلك لأن الوليد بن عقبة كان في ذلك الوقت لا يزال طفلاً رضيعاً صغيراً. وصوابه: الوليد بن عتبة وليس ابن عقبة ، وإنما تصحّف على الراوي أو أخطأ في سماعه فقال: الوليد بن عقبة وهو ابن عتبة بالتاء لا بالقاف.
حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار -وهما فرسا رهان في العلم والفضل والعبادة، بل وفي سنة الولادة وسنة الوفاة، ولدا جميعاً وماتا جميعاً، فما يستطيع أحد أن يميّز بينهما -واللفظ لـابن المثنى- قالا: حدثنا محمد بن جعفر] وهو محمد بن جعفر البصري إمام كبير من أئمة البصرة وهو ربيب شعبة بن الحجاج العتكي البصري، كان شعبة بعد وفاة جعفر تزوج أمه فتربى محمد في حجره فرضع منه العلم، وكان فيه نوع من الشغب والحدة؛ ولذلك كان إذا دخل مكة وحضر مجلس ابن جريج يشغب عليه، فكلما تكلم ابن جريج في مسألة يقول له: من أين لك هذه؟ وما دليلها؟ وهل سمعت من فلان؟ أو أنك تدلّس في هذه؟ وابن جريج كان مدلّساً معروفاً، وهو الذي قال له: اسكت يا غندر! وكان أهل مكة يسمّون المشاغب (غندر) ، فهو محمد بن جعفر المشهور باللقب أكثر منه بالاسم. أي: إذا قلنا: حدثنا غندر فهو محمد بن جعفر.
قال: [حدثنا شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش، إذ جاء
وولد عقبة بن أبي معيط اسمه الوليد، كان سكّيراً جلد في الخمر مراراً، وكان مسلماً، وهو الذي صلى بالناس الفجر في زمن بني أمية، فقالوا له: صليت الصبح أربعاً. قال: إن شئتم لزدتكم. والإمام الذهبي عليه رحمة الله يترجم له في سير أعلام النبلاء، وذكر أنه كان فاسقاً، وبلا شك أن شرب الخمر كبيرة، ومن ارتكب الكبيرة فقد فسق بها، سواء كان صحابياً أو غيره، وقد حُد مراراً في الخمر.
قال: [(إذ جاء
قال ابن مسعود : (فلقد رأيتهم قُتلوا يوم بدر فألقوا في بئر، غير أن
[وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جعفر بن عون أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق -و سفيان الذي يروي عن أبي إسحاق هو سفيان الثوري - بهذا الإسناد نحوه وزاد: (وكان يستحب ثلاثاً -أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلح في الدعاء- اللهم عليك بقريش.. اللهم عليك بقريش.. اللهم عليك بقريش) وذكر فيهم الوليد بن عتبة -وهو الصحيح وليس ابن عقبة - وأمية بن خلف ، ولم يشك. أي: ولم يقل: أُبي بن خلف .
قال أبو إسحاق : ونسيت السابع.
وحدثني سلمة بن شبيب حدثنا الحسن بن أعين حدثنا زهير -وهو ابن معاوية بن حديج - حدثنا أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: (استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فدعا على ستة نفر من قريش)].
النفر في اللغة يُطلق على الواحد وعلى الجماعة، كما قال الله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122] قال العلماء: النفر هنا بمعنى: الواحد والجماعة.
قال [(فدعا على ستة نفر من قريش، فيهم
قال: [(قد غيّرتهم الشمس وكان يوماً حاراً)].
والمشيمة معروفة، فقال: إن بني فلان قد ذبحوا جزوراً لهم بالأمس -والجزور هو البعير أو الجمل- فاذهب يا عقبة ! وائتنا بسلا هذا الجزور، فضعوه بنتنه ونجاسته ودمه وقيحه على ظهر محمد وبين كتفيه وهو ساجد لربه عند الكعبة.
انظروا إلى أي مدى تعرّض النبي صلى الله عليه وسلم للأذى! بلا شك أن الأمة كلها لو كانت في هذا الموقف بدلاً من محمد عليه الصلاة والسلام لكان هذا أخف وطئاً من أن يكون هذا النتن على ظهر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. ويُرد بهذا النص على من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرّض لأذى كما تتعرض أمته الآن.
فقد سنّ النبي عليه الصلاة والسلام لنا تحمّل هذا الأذى والصبر عليه، فكان أوّل من أوذي في هذه الأمة، سُب وشُتم ولُعن وأُوذي في أهله وفي نسائه وفي خاصة نفسه، وطرد من أحب البلاد والبقاع إليه إلى غيرها من البلدان، وأُوذي في أصحابه، فأمر بتهجيرهم إلى الحبشة هجرة أولى ثم ثانية، ثم أوذي في أصحابه فأمرهم بالهجرة إلى المدينة فسبقوه إليها، ثم هاجر هو عليه الصلاة والسلام، وترك هو وأصحابه الأهل والأموال والأولاد.. كل ذلك ليبيعوا أنفسهم لله تعالى وأرواحهم وأموالهم؛ لأنهم يعلمون أن المقابل لذلك هي تلك السلعة الغالية الجنة.
فهذا السلا به قيح وصديد ودم، والدم نجس؛ فكيف استمر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته مع وجود النجاسة على ظهره؟ هل يصح من إنسان أن يصلي وهو يعلم أن بثوبه نجاسة، أو بالأرض التي يسجد عليها نجاسة؟
الجواب لا. والطهارة شرط في صحة الصلاة. فكيف استمر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته مع وجود هذه النجاسة على ظهره؟
أجاب العلماء بأجوبة منها: (إجابة القاضي عياض : بأن هذا ليس بنجس. قال: لأن الفرث ورطوبة البدن طاهران، والسلا من ذلك وإنما النجس الدم).
فأول جواب: أن الفرث والدم ليسا بنجسين، إذا وضعت على جسمك بدناً من الأبدان تشعر برطوبة له، وكذلك الفرث الذي هو ما دون الدم ليس عند القاضي عياض بنجس.
(وهذا الجواب يصح على مذهب الإمام مالك ومن وافقه: أن روث ما يؤكل لحمه طاهر).
أي: أن هذا على مذهب المالكية يستقيم؛ لأنهم يعتقدون أن روث ما يؤكل لحمه طاهر، ومن باب أولى ما فوق ذلك.
(أما مذهب الشافعية والأحناف: أن هذا نجس، وهذا الجواب الذي ذكره القاضي عندهم ضعيف أو باطل، وعندهم جواب آخر؛ لأن هذا السلا يتضمن النجاسة من حيث إنه لا ينفك من الدم في الغالب والدم نجس، ولأنه ذبيحة عُبّاد الأوثان فهو نجس من وجه آخر).
إذاً: هذا السلا أو تلك المشيمة تجاوزاً لا يمكن أن تخلو من شيء من الدم، والدم نجس حتى عند المالكية، فهذا وجه.
الوجه الثاني: أن هذه الذبيحة ذبيحة عُبّاد الأصنام والأوثان وهي حرام باتفاق ونجسة. أي: هي حرام لنجاستها، وكذلك اللحم وجميع أجزاء الجزور، ولا تؤكل ذبيحة المشرك قط، وإنما أحل الله لنا ذبيحة أهل الكتاب: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5].
فحينئذ ذبيحة أهل الكتاب حلال لنا، لكن بشرط أن تكون ذبيحة، فإذا قتلوها أوقدوها أو صعقوها أو خنقوها فإنها لا تحل لنا حتى وإن كانت من قبل مسلم؛ لأنها ليست ذبيحة حينئذ.
(وأما الجواب المرضي -عند جماهير العلماء- أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم ما وضع على ظهره، فاستمر في سجوده استصحاباً للأصل، والأصل الطهارة).
مثال ذلك: واحد أتى وأنا أصلي ووضع عليّ شيئاً، فما يدريني ما الذي وضع عليّ، فلعله كذا ولعله كذا؟ إذاً: لا يمكن إلا أن أستصحب الأصل، والأصل الطهارة حتى أتيقن النجاسة.
فالنبي لم يعلم عليه الصلاة والسلام ما الذي وضع على ظهره.
قال: (وما ندري هل كانت هذه الصلاة فريضة فتجب إعادتها على الصحيح عندنا، أم غيرها فلا تجب)؟
ولنا أن نتصور أن هذه الحادثة تمت في أول العهد المكي قبل أن تُفرض الصلاة، فلا يمكن أن نقول إلا أن هذه الصلاة التي كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم نافلة، أو لعله كان ساجداً سجوداً لا علاقة له بالصلاة، وإنما من باب مطلق العبادة، ولا يلزم أن يكون السجود دائماً داخل صلاة، فلعله كان ساجداً ولم يكن مصلياً، ولعله كان يصلي نافلة، أما كون هذه الصلاة فرضاً فهذا أمر بعيد غير متصور.
وإن كان فرضاً وجبت الإعادة فالوقت واسع، وما يدرينا أنه أعاد في بيته إذا كان ذلك فرضاً؟
فإن قيل: يبعد أنه لم يكن يشعر بما وضع على ظهره وكان لا بد أن يشعر به. قلنا: وإن أحس به فإنه لم يتحقق عليه الصلاة والسلام من نجاسته.
أما قول عبد الله بن مسعود : (فلما سجد وضعه
قال: (وأنا قائم أنظر) تصور أن ابن مسعود رضي الله عنه سادس ستة في الإسلام من الأوائل ومن السابقين، يرى هذا المنظر ثم لا يملك أن يدفع الأذى عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر يكاد يقتل ابن مسعود. قال: وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن رسول الله.
أي: لو كانت لي قوة أو عشيرة تمنعني من هؤلاء المجرمين المشركين عُبّاد الأوثان والأصنام لكنت طرحت ذلك عن كتف النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولكن لم يطرحه لأنه يعلم أنه لو طرحه لربما قاموا عليه وعلى صاحبه فقتلوهما، فلم يطرحه خوفاً من إلحاق الأذى وإعلان الحرب على النبي عليه الصلاة والسلام ومن معه.
هذا الذي جعلني أرجّح أن الصلاة التي كان يصليها النبي عليه الصلاة والسلام لم تكن فرضاً؛ لأن الصلاة لم تفرض إلا في أواخر العهد المكي وقُبيل الهجرة مباشرة، أما في أوائل العهد المكي فالمسلمون كانوا قلة خلافاً لأواخر العهد المكي، فلو كان هذا في أواخر العهد المكي لكانت بعض القوة وبعض المنعة متحققة، لكنها في أول العهد المكي لم تكن كذلك؛ ولذلك كفّ ابن مسعود عن رفع الأذى وطرده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا الموقف من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يذكّرنا بشيء من واقع الأمة في هذه الأيام، فالأمة الآن ليس لها منعة، وإذا تكلمت عن الأمة فإنما أتكلم عن شعوب هذه الأمة، فقد حيل بينها وبين منعة إخوانها في أفغانستان وفي فلسطين وفي الشيشان وبورما وكشمير، وتلك البلاد التي تسلّط عليها اليهود والنصارى، فليس للشعوب المسلمة منعة ولا قوة، بل حيل بينهم وبين إخوانهم، وهذا الواجب الجهادي إنما هو فرض حتم لازم في حق الحكومات لا في حق الأفراد، فهو فرض عين على جميع حكومات المسلمين أن يقاتلوا اليهود حتى يخرجوا آخر يهودي أو صليبي محارب مقاتل من بلاد الإسلام التي أعلن فيها الصليب وأعلن فيها اليهود الحرب، كأفغانستان والشيشان وفلسطين والبوسنة والهرسك وكشمير، وغيرها من البلدان التي رفع فيها اليهود والنصارى عقائرهم.
فهذه الشعوب مغلوبة لا منعة لها ولا تملك القوة، بل لا تملك الوصول لا بنفسها ولا بأموالها إلى مواطن الجهاد في سبيل الله عز وجل، فموقفها تماماً كموقف عبد الله بن مسعود في هذا الحادث.
قال: (حتى انطلق إنسان فأخبر
في هذا القول بيان لإحدى معجزاته عليه الصلاة والسلام، أي أنه دعا على هؤلاء بالاسم، ولكنهم ماتوا في العام الثاني من الهجرة، وكان الدعاء بمكة شيئاً من الاغترار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلزم من قبول دعوته أن تجاب على التو والفور، بل ربما يدعو في أول نبوته وتكون الإجابة في آخر نبوته.
وكثير من الإخوة يقولون: نحن دعونا للمجاهدين كثيراً ولكننا لا نجد أثراً، وندعو في كل وقت، ومللنا أن يقول لنا الدعاة: إن واجبكم الدعاء. يستهينون بهذا، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (دعاء المسلم بين ثلاث: فإما أن يجاب -أي: يجاب لك فوراً- وإما أن يُدفع عنك من البلاء مثله، وإما أن يُدخّر لك يوم القيامة) فما يدريك أنه لم يُقبل دعاؤك؟ فهو قُبل ولكنه قُبل في أحد هذه الثلاث، ولا يلزم أن ترى أثر الدعوة فوراً، بل ربما يكون الله تعالى قد قدّر لك بلاء، وقدّر لك الدعاء، فكان سبباً في رفع البلاء وأنت لا تدري! وربما يكون الله تعالى قدّر لك حادثاً خارج هذا المسجد وأنت قادم إليه، وبحسن دعائك وشدة حرارته وإلحاحك على الله رفع عنك هذا الحادث وأنت لا تدري، أو يدّخر لك ذلك إلى يوم القيامة فيجازيك ويكافئك به؛ ولذلك أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من يقول: لقد دعوت فلم يستجب لي حتى يدع الدعاء، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يستجاب لأحدكم مالم يعجل الإجابة فيقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي، فيدع الدعاء) هذا بلا شك مخالف لأحكام وآداب الدعاء.
فالنبي عليه الصلاة والسلام مُجاب الدعوة وهذه إحدى معجزاته عليه الصلاة والسلام.
قال: (وإنما وضعوا في القليب تحقيراً لهم؛ ولئلا يتأذى الناس برائحتهم، وليس هو دفناً). فالحربي إذا قُتل لا يُدفن؛ لأن الدفن من أعظم مظاهر التكريم، فالكافر الحربي لا يُكرَّم، وإنما يلقى على المزابل كما تلقى الجيف والأنتان، لا يكفّن ولا يُدفن ولا يُحترم لا حياً ولا ميتاً، ولكنه يُدفن في حالة واحدة إذا كان يمكن أن يتأذى به الأحياء، يُدفن ليس لذاته وإنما لغيره، وليس هذا من باب الإكرام له، بل من باب الإكرام للأحياء.
قال الشافعية: (بل يُترك في الصحراء -أي: الحربي الميت- إلا أن يتأذى به الأحياء. قال القاضي عياض: اعترض بعضهم على هذا الحديث في قوله: (رأيتهم صرعى ببدر).
ومعلوم أن أهل السير قالوا: إن عمارة بن الوليد وهو أحد السبعة كان عند النجاشي). وهو السابع الذي نسيه الراوي، فأنتم تعلمون قصة عمارة بن الوليد حينما ذهب مع عمرو بن العاص إلى النجاشي ليؤلّبا النجاشي على من هاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة، وكان رجلاً جميلاً ذا وجاهة، فلما خدع عمرو بن العاص خدعه عمرو بن العاص عند النجاشي.
قال: [(لقد لقيت من قومكِ وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على
[فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)].
هذا مظهر عظيم جداً من مظاهر رحمته عليه الصلاة والسلام ورأفته بقومه: (بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً).
فأهل مكة فعلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم مثلما فُعل به بالطائف، وأهل الطائف أهل خير وإيمان وصلاح وبر وعبادة، وهم أهل مدح عند من يعرفهم.
فلو كان النبي عليه الصلاة والسلام استجاب لدعوة ملك الجبال حينذاك في أن يجعل الطائف رأساً على عقِب؟ وأهل مكة الآن لو كانوا على كفرهم وشركهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم استجاب لملك الجبال هل كان يأمن أحدنا أن يعتمر أو يحج؟ أبداً ما كان يأمن أحدنا أن يعتمر أو يحج.
فهذه نظرة لآلاف السنين نظرها النبي عليه الصلاة والسلام، فلم يكن ينظر تحت قدمه وإنما كان همّه تحقيق العبودية الكاملة التامة لله عز وجل؛ انتظاراً لقومه وعشيرته ولأهل الكفر والإلحاد في شرق الأرض وغربها، وصبره عليهم حتى يدخلوا في الإيمان.
فلو كنا نحن مكان النبي عليه الصلاة والسلام لكنا اخترنا لأول وهلة إهلاك هؤلاء جميعاً، وهذا الفارق بيننا وبين النبي عليه الصلاة والسلام، أن نظرته أعمق من نظرة أمته كلها، وأن صبره وحلمه وعفوه وصفحه قد بلغ فيه مبلغ الكمال والتمام البشري، بل هو الذي حقق الكمال في كل مكارم الأخلاق، وربما حقق الواحد من الأمة مكارم الأخلاق في خصلة من خصال الأخلاق، أو في ثنتين أو في ثلاث، لكن لم يُكمل أحد من الأمة الكمال والتمام في مكارم الأخلاق كلها إلا نبينا عليه الصلاة والسلام. قال: (بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً).
و أبو عوانة هذا كان عبداً عند يزيد بن الأسود ، فأتى سائل فسأل يزيد بن الأسود أن يعطيه نوالاً فمنعه يزيد. فقال: أتمنعني؟ والله لأكيدن لك، ثم انطلق فانطلق خلفه أبو عوانة فأعطاه نوالاً حتى يبعد عن سيده، وهذا من منتهى الإخلاص في الولاية، فقال: من أنت؟ قال: أنا أبو عوانة مولى يزيد . قال: والله لأنصرنك ولأنفعنّك، وفي موسم الحج حج هذا السائل، وحين نزول الناس من عرفة إلى مزدلفة وقف هذا السائل يقول كلما مر فوج: أيها الناس! اذهبوا فهنئوا يزيد بن الأسود ، فإنه قد أعتق أبا عوانة ، فلما تكاثر الناس على يزيد قال: يا أبا عوانة ! ماذا أصنع؟ اذهب فأنت حر لوجه الله. أرأيتم المكيدة؟!
[أخبرنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن جندب بن سفيان قال: (دميت إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم)] أي: أُصيبت بجُرح -بضم الجيم- وأما بفتحها فهو مقابل التعديل. فحينما أقول: فلان ضعيف. فهذا هو الجَرح بفتح الجيم، ولكن حينما أقول: فلان أُصيب في أصبعه. بمعنى: جُرح. فالجَرح شيء معنوي، والجُرح شيء محسوس.
وكأنه يريد أن يقول لها: هين جداً أن الواحد يُجرح في سبيل الله. (هل أنت إلا إصبع دميتِ) : أي: جُرحت وسال منكِ الدم، لكن هذا في سبيل الله وهو هيّن.
قال: (وفي سبيل الله ما لقيتِ) وفي رواية: (هل أنتِ إصبع دميتْ وفي سبيل الله ما لقيتْ)
فهذا كأنه شعر، لكن العلماء مختلفون في الرجز: هل هو شعر أو لا؟
فقوله: (هل أنتِ إلا إصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ).
رجز باتفاق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق: ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
فإذا كنا قد اتفقنا أن هذا رجز، فهل الرجز من الشعر أم لا؟
بعض أهل العلم قالوا: الرجز شعر.
وجمهور العلماء يقولون: الرجز ليس شعراً، ولا يلزم فيه قواعد الشعر.
فإذا قلنا: إن الرجز ليس شعراً فيلزمنا أن نقول: النبي صلى الله عليه وسلم ليس شاعراً، ولا يمكن أن يكون شاعراً بالرجز؛ لأنه ليس شعراً، وأسوأ الفروض أن الرجز شعر، فينبغي أن ندافع عن النبي عليه الصلاة والسلام الذي أثبت ربه بأنه ليس شاعراً فكيف قال الشعر؟
أنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً ينطق بالبيت من الشعر فيصححه له أبو بكر ، وهذا يدل على أنه ليس يحسن الشعر عليه الصلاة والسلام.
وبالتالي نقول: إن الشعر المذموم هو الشعر المتكلّف المقصود. أي: الذي قصده صاحبه وشاعره الذي توفرت فيه أركانه وقواعده، وليس بيت من أبياته عليه الصلاة والسلام قط توفرت فيه هذه الشروط، وإذا توفّرت فينتفي منها قصد الشعر، فلا يكون شاعراً قط عليه الصلاة والسلام وما قرظ الشعر، ولو كان من صناعته ذلك لكان بإمكانه أن يقرظ ملايين الأبيات، فلما لم يكن منه ذلك دل على أنه لا يحسن هذا الباب، فليس شاعراً عليه الصلاة والسلام.
[وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم -وهو المعروف بـإسحاق بن راهويه - جميعاً عن - ابن عيينة وهو سفيان - عن الأسود بن قيس بهذا الإسناد وقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار فنُكبت إصبعه)]. نُكبت أي: جُرحت، لكنه كان في غار هل دخل عليه أحد الغار؟
والرواية السابقة تقول: كان في بعض مشاهده، أو كان في بعض تلك المشاهد فجرحت إصبعه فقال: ( هل أنتِ إلا إصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ
فكيف نوفّق بين الروايتين، وأنه كان في بعض المشاهد؟
الجمع: أن الغار يُطلق على الجيش، والجمع من المقاتلين، فقوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار. أي: كان في جيش وجمع من أصحابه المجاهدين في بعض المشاهد، فجُرحت إصبعه عليه الصلاة والسلام.
مَا وَدَّعَكَ رد على زعم المشركين أن جبريل ودّع محمداً وتخلى عنه، حيث قالوا: هذا الذي يزعم أن جبريل ينزل عليه فلِم لم ينزل عليه منذ فترة من الزمان؟
وقال المشركون: إن رب محمد قد أبغض محمداً وقلاه وأبعده. فأقسم الله تعالى بعد أن أقسم على ذلك بآيتين من آياته سبحانه وتعالى بالضحى -النهار- وبالليل، أقسم بآيتين عظيمتين من مخلوقاته، والله تعالى أمرنا عند القسم أن نُقسم به وبأسمائه وصفاته وما دون ذلك شرك، ولكن الله تعالى إذا أراد أن يُقسم أقسم بالعظيم من مخلوقاته، فقال: وَالْعَصْرِ [العصر:1]، وقال: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:1-2]، وقال: وَالضُّحَى [الضحى:1]، وقال: وَالشَّمْسِ [الشمس:1]، وَنَفْسٍ [الشمس:7] وغير ذلك من مخلوقات الله تعالى.
فإذا أراد أن يؤكد شيئاً أو يبيّن أهمية شيء يُقسم بالعظيم من مخلوقاته، فأقسم الله تعالى هنا رداً على المشركين بـ: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ [الضحى:1-3] يا محمد! كما يفتري هؤلاء المشركون وَمَا قَلَى [الضحى:3] ولم يقل: وما قلاك. والسياق يقول: ما ودعك وما قلاك، ولكن الله تعالى قال: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:3] لينفي أدنى البغض وأدنى البُعد، فلا يكون هناك شيء قط من البُغض. واللغة دائماً إذا كان فيها زيادة مبنى تدل على زيادة المعنى.
فقد تقول: ما جاءنا من بشير، فما الفارق بينها وبين قولك: ما جاءنا بشير؟
الجواب: اللغويون يقولون: من حرف جر زائد، إذا كان هذا من جهة الإعراب فمسلّم، وإذا كان من جهة المعنى فغير مسلّم؛ لأنه ما جاءنا من بشير أي ما جاءنا من بشير قط، وهذا نفي لجنس البشير، فقوله: (وما جاءنا بشير) لا تنفي أن يكون قد جاءهم بشيران وثلاثة وأربعة، كما تقول بالضبط ما جاءنا من ضيف. وتقول: ما جاءنا ضيف، بل قد جاءنا اثنان وثلاثة وأربعة وضيوف، لكن (ما جاءنا من ضيف) نفي لجنس الضيافة. فهناك فرق بين هذه الكلمات بعضها مع بعض.
قال: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع -واللفظ له- قال إسحاق : أخبرنا، وقال ابن رافع : حدثنا يحيى بن آدم حدثنا زهير عن الأسود بن قيس قال: سمعت جندب بن سفيان يقول: (اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً -أي: مرض النبي عليه الصلاة والسلام فترك قيام الليل ليلتين أو ثلاثاً- فجاءته امرأة فقالت: يا محمد! إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث. قال: فأنزل الله عز وجل وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:1-3]).
قال ابن عباس : مَا وَدَّعَكَ أي: ما قطعك منذ أرسلك. وما قلى. أي: ما أبغضك. وسمى الوداع وداعاً؛ لأنه فراق. وقوله: ما ودّعك هو بالتشديد خلافاً لمن قرأ: (ما ودعك) بالتسهيل.
[وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا جميعاً: حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة ، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرني الملائي حدثنا سفيان كلاهما عن الأسود بن قيس بهذا الإسناد نحو حديثهما].
والمشركون في مكة، والمنافقون في المدينة، أي: أنه كان في حرب بين أهله وقومه، وفي دار هجرته عليه الصلاة والسلام. والإخوة يتصورون أن الذي ينزل بالأمة الآن أمر لا يمكن الصبر عليه ولا يمكن أن نطيقه، ولا بد أن نتحرك وننظر ماذا نفعل، فهذه سنة الله تعالى في الخلق.
ألم تعلموا أن الغلام قال للراهب: لقد كان من أمري أني واجهت دابة حبست الناس. فقلت: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة، فرماها بحجر فقتلها. فقال الراهب لهذا الغلام: إنك اليوم أفضل مني، وإنك ستُبتلى. ولا بد أن نقف عند هذا، وهذا يدل على سنة الله تعالى الكونية في أهل الإيمان، فالبلاء دائماً ينزل بهم حتى يطهّرهم الله تعالى تماماً، فهؤلاء أهل الإيمان لهم معاص وذنوب، وإن كانت من نوع آخر غير الأنواع التي يقع فيها الفُسّاق والمُجّان المعلنون بمعاصيهم وذنوبهم، فنحن جميعاً عندنا ذنوب، ولكن الله حيي ستير يحب الحياء والستر.
قال: [(ركب حماراً عليه إكاف)] والإكاف: البردعة. والدثار: هو الملاصق للبدن، سواء كان اللابس آدمياً أو حيواناً، فالذي يلاصق البدن من الثوب اسمه الدثار؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: (أنتم مني معشر الأنصار كالدثار) أي: أنكم ألصق الناس بقلبي وأحب الناس إليّ.
وفي رواية قال: (الناس شعار والأنصار دثار)؛ لأن الشعار بعيدة عن البدن، والملاصق للبدن اسمه الدثار، وما فوق الدثار يسمى إكافاً بالنسبة للحمار، وبالنسبة للآدمي يسمى الشعار، فالإكاف للحمار يساوي الشعار للآدمي.
قال: [(تحته قطيفة فدكية -نسبة إلى قرية تسمى فدك بجوار المدينة- وأردف وراءه
ولا يقال للرجل: رديفاً. فالرديف ليس له قيمة ولا معنى، لكن الرديف في لغة الشرع: هو من ركب خلف الصدر. أي: حينما تجد واحداً يركب خلفي على الحمار فهذا رديفي، ولو أني أخذته أمامي فهذا لا يصبح رديفاً، كصدر المجالس، إذ لا يتصدر المجالس إلا أصحاب الوجاهات والشهرة، أما غيرهم فهم في غبراء الناس وفي وسط الناس، فكذلك الرديف هو الذي يركب في الخلف، والذي يركب الأمام هو الصدر.
قال: [(وأردف وراءه
وعجاجة الدابة: التراب الذي يتناثر حين تضرب الدابة بحافرها الأرض، فـعبد الله بن أُبي حينما دخل عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصابه شيء من غبار الدابة قام بوضع يده على أنفه وقال: لا تغبّروا علينا، ارجع من حيث أتيت.
قال: [(فسلّم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم)].
وفي هذا جواز السلام على مجلس فيه أخلاط، وتكون نية المسلّم إلقاء السلام على المسلم. أو يقول: السلام على من اتبع الهدى.
قال: [(ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن)].
هذه طريقة الدعوة إلى الله.. السلام أولاً، ثم دعوتهم إلى الإسلام، وقراءة شيء من الوحي عليهم.
قال: [(فقال
ثم قال: [(إن كان حقاً ما تقول فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك منا فاقصص عليه)] إذا كنت تعتقد أنك صاحب حق، فاقعد مكانك والذي يأتيك من جهتنا ادعه كيفما تريد.
قال: [(فقال
[قال سعد بن عبادة : (اعف عنه يا رسول الله! واصفح، فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك)] أنت تعلم أن الله أعطاك النبوة وأعطاك الرسالة، وهذا أشرف شيء يمكن أن يُعطاه المرء.
قال: [(ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة أن يتوّجوه)] والبحيرة: هي المدينة.
أي: اتفق أهل المدينة أن يملّكوا عليهم عبد الله بن أُبي ، وكونك جئت من مكة إلى هنا ماذا يعمل ملك عبد الله بن أبي مع الرسالة والنبوة؟ لا شك أن هذا حقير تافه بجوار الرسالة، فقد أحس في نفسه بأنك دمّرت ملكه، فالذي صنعه معك باعثه الحسد والغل؛ لأنك أثّرت بقدومك المدينة في ملكه.
قال: [(ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة أن يتوّجوه فيعصبوه بالعصابة -أي: يضعوا التاج على رأسه- فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاكه شرِق بذلك)] أي: غص بذلك، وأصابته غُصّة حينما سمع ببعثتك ونبوتك، وعلِم أن ملكه منهدم على يديك.
قال: [(فذلك فعل به ما رأيت فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم)].
وذلك قبل أن يُسلم عبد الله بن أُبي ، وهو ابن سلول زعيم المنافقين، لكن انظر الرواية: (وذلك قبل أن يُسلم). هل عبد الله بن أُبي أسلم؟ نعم. أسلم في الظاهر، حتى النص أعطاه حقه، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام بيّن لنا أن زعيم المنافقين هو عبد الله بن أُبي ، والقرآن نزل بإثبات نفاق عبد الله بن أُبي مراراً لا مرة واحدة، ومع هذا قال الراوي: (وذلك قبل أن يُسلم). أي: وذلك قبل أن يُعلن الإسلام، وإن كان قد أخفى الكفر، ولذلك معناه: (قبل أن يُظهر الإسلام)، وإلا فقد كان كافراً منافقاً ظاهر النفاق.
وهذه وقفة تربوية..
الناس يقولوا للنبي عليه الصلاة والسلام: لو تذهب إلى عبد الله بن أبي! ومن يكون عبد الله بن أبي هذا حتى يذهب النبي صلى الله عليه وسلم إليه؟ فهو يأتي -وهو أقل من ذلك- للنبي عليه الصلاة والسلام. أليس الوضيع يذهب إلى الشريف؟ فعندما يذهب الوضيع للشريف فإنه يزداد بذلك شرفاً، ويرتفع عنه شيء من وضاعته، لكن لو ذهب الشريف إلى الوضيع فهذا شرف عظيم جداً للوضيع وليس فيه أدنى شرف للشريف، اللهم إلا التواضع.
لكن انظروا إلى هذا القول قال: (فانطلق) ولم يقل: (فذهب إليه)، كأن النبي صلى الله عليه وسلم أحب أن يذهب، فانطلق مسرعاً إليه.
ولو أن هناك أخاً متخاصماً مع أخيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خيرهما الذي يبدأ بالسلام) فقد يقول واحد منهما: اذهب وقل له بأن يكون هو أخير مني ويأتيني إلى هنا!
والله يا إخواني! ما هو إلا نوع من أنواع الجاهلية أن تسمع كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تُعرض عنه نصاً ومعنى، فينبغي أن تُسارع في تطبيق كلام الله تعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسك، وهذا باب عظيم من أبواب تأديب النفس وتهذيبها، إذا سمعت كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم قل: سمعاً وطاعة. فإذا أمرني الله بهذا والرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا به فيجب أن أنسى نفسي وأهضم نفسي تماماً، فمن أنا حتى أقول: لا. هو الذي يأتيني؟!
إذاً: هو سيأتيك فهو خير منك؛ لأنه سمع كلام الله عز وجل وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وما فعل ذلك إلا طلباً للخيرية، فكل منكما أولى؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم بيّن فقال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فيلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا -فهذا الإعراض من الشيطان- وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) هذا من الرحمن تبارك وتعالى، حرب بين الخير والشر، بين الطاعة والمعصية. أكبر من ذلك: أن اثنين يكونان من أصحاب الوجاهة ولنفرض أنهما من الدعاة، هذا عند العامة من الدعاة والعلماء، وذاك عند العامة من الدعاة والعلماء، ولو قلت لواحد منهما: اذهب إليه وناقشه في مسائل الخلاف، يقول لك: أنا أذهب إليه؟ هذا مستحيل ولا يمكن أن أذهب إليه!
قال: [(فانطلق إليه وركب حماراً وانطلق المسلمون)] أي: جمهرة من الصحابة مع النبي عليه الصلاة والسلام يذهبون إلى بيت عبد الله بن أُبي قال: [(وهي أرض سبخة -المدينة- فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني)] وانظر إلى هذا الجفاء! تصور بعد كل التواضع والحرص يقول له: ابعد عني.
قال: [(إليك عني! فوالله لقد آذاني نتن حمارك)].
وهذا شيء يجعل الشخص يفقد شعوره؛ ولذلك قال رجل من الأنصار: [(والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك. قال: فغضب لـ
هل هذه عصبية جاهلية أم شرعية؟
في حق الصحابة عصبية شرعية، يقاتلون ويدافعون عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا واجب عليهم شرعاً.
قال: [(فبلغنا أنها نزلت فيهم: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9])].
قال: [حدثنا علي بن حجر السعدي أخبرنا إسماعيل بن علية حدثنا سليمان -وهو ابن طرخان التيمي - حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ينظر لنا ما صنع
قال: (من ينظر لنا ما صنع
قال: [(فانطلق
قال: وقال أبو مجلز : (قال
الأكّار: الفلاح والمزارع؛ لأن الذي قتله أنصارياً وليس مكياً، فلما علم أبو جهل أن اللذين قتلاه طفلان صغيران قال: لو أن الذي قتلني من علية القوم لكان هذا أشرف لي؛ لأنه أنصاري وأنتم تعلمون أن عمل الأنصار الزراعة، وعمل أهل مكة التجارة، فهو كان يتمنى لو أن تاجراً كبيراً مشهوراً هو الذي يقتله وليس فلاحاً من الأنصار.
فقال: [(فلو غير أكّار قتلني؟)] وهكذا ختم الله له بالوضاعة. أي: أنه عاش وضيعاً ومات وضيعاً.
كان يهودياً ولم يُسلم، وكان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد أمان وميثاق.
والعهد هو: ألا يُعين كعب أحداً على النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يقاتل النبي صلى الله عليه وسلم مع أحد ممن أراده. فهذا هو العهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين كعب بن الأشرف .
الحقيقة أن من ملك قوته ملك قراره، فاليهود أكبر قوة اقتصادية في العالم كله، وهم الذين يتحكمون في اقتصاد أمريكا، وبالتالي لا بد أنهم يتحكمون في قرارات أمريكا.
اليهود نسبة وجودهم في أمريكا (6 %) من عدد السكان، وعدد السكان (250) مليون نسمة، عدد كراسي اليهود في المجالس النيابية كلها في أمريكا (20 - 22 %)، فعندما يكون عددهم (6 %) معناه: أن عدد النصارى في أمريكا لا يقل عن (90 %) أو قل: (80 %) وبقية الديانات تمثّل الفارق بين هذا وذاك، فالطبيعي أن يكون للنصارى مقاعد في المجالس النيابية يمثّل (80 %)، لكن عدد الكراسي (24) كرسياً في مجلس الأمن، فعندما يكون لليهود 20% من (24) كرسياً، فسيكون مقاعد اليهود حينئذ كثيرة، وهذا يدل على تحكمهم في القرارات وفي السياسة كلها.
شارون كلب اليهود إذا ذهب إلى كلب أمريكا يحل في نيويورك حتى يأتي كلب أمريكا من أي مكان ومن أي ولاية إلى المكان الذي ينزل فيه رئيس وزراء إسرائيل دائماً، فرئيس وزراء إسرائيل له مكان معلوم في نيويورك ينزل إليه، فيأتيه رئيس أمريكا أياً كان هذا الرئيس.
وقد حدث في عدة زيارات أن شارون لم يأذن لـبوش بالدخول عليه، ورجع بوش يجر أذيال الخيبة والعار، رجل يأتي من فلسطين إلى أمريكا، فيدخل عليه رئيس أعظم دولة في العالم فلا يأذن له؟ هذا يدل على أنه يضع نعله فوق هامته وفوق رأسه.
أما ادعاء أمريكا الآن أنها دولة سلام فقد بان للعالم كله أن هذه كذبة، وأهل العلم كانوا يعلمون منذ أن تعلّموا العلم أن اليهود كذبة، وخونة وأصحاب غدر، كما شهد بذلك حبرهم في زمن النبوة عبد الله بن سلام قال: يا رسول الله! إن اليهود قوم بُهت. هذه شهادة حبر من أحبارهم، وهذه الشهادة تساوي ملايين؛ لأنها شهادة خبير بهم، بل كان منهم، ولكن الله تعالى نجّاه بحسن إسلامه، فشارون اليهود في زمن النبوة كعب بن الأشرف .
قال: [(وقد عنّانا)] أي: أتعبنا وأرهقنا.
قال: [(إنه رجل أراد صدقة، وقد عنّانا، فلما سمعه -أي:
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر