وبعد:
سيدور كلامنا في محورين اثنين لا ثالث لهما:
المحور الأول: صفات أهل الإيمان الذين يتجمعون في بلاد الشام في آخر الزمان.
والمحور الثاني: الأحداث والمسرحيات التي تدور على هذه البقعة المباركة من الأرض الطيبة.
أما المحور الأول: فمن هم أهل الإيمان؟ وما صفاتهم؟
قال العز بن عبد السلام : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشام في كفالة الله تعالى، وأن ساكنيه في كفالته وحفظه وحمايته، ومن حاطه الله تعالى وحفظه فلا ضيعة عليه.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن القتال ماضٍ في الأمة إلى قيام الساعة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)، فقام مالك بن يخامر السكسكي وقال: يا أمير المؤمنين! سمعت معاذ بن جبل يقول: وهم أهل الشام، فقال معاوية ورفع صوته: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول: وهم أهل الشام.
فالطائفة المنصورة هم أهل الشام، وكأن معاوية رضي الله عنه اتكأ واستند على هذه الراوية في إثبات أنه على الحق في قتاله مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لكن هذا في الحقيقة مخالف لما عليه أهل السنة، وهو أن علياً رضي الله عنه كان صاحب الحق، وأن معاوية كان متأولاً، وله من جبال الحسنات والفضل وكتابة الوحي ما يغفر له السيئات، وفي الجملة الصحابة ليسوا معصومين، وعلي رضي الله عنه أقرب الفئتين إلى الحق، وكل منهم محسن، ونترضى عنهم جميعاً، ونحبهم جميعاً، ونكره من يعاديهم ولا نترضى عنه.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل: فأين هم؟ أي: هذه الطائفة المنصورة، فقال: (ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس)، يعني: هم في بيت المقدس، وفي الأماكن والقرى المجاورة لبيت المقدس، وهذه بشارة عظيمة جداً.
ومما يصيب هذه الطائفة من أعدائها الخذلان والمخالفة، فلا تجد رجلاً يدعو إلى السنة إلا وفي مقابله من أبناء الملة مئات يدعون إلى البدع، وهذه سنة، والنبي عليه الصلاة والسلام ما دعا بدعوة ولا أمر بأمر، أو نهى نهياً إلا ووراءه صناديد الشرك يقولون: لا تصدقوه إنه كذاب، لكن العجيب أن يكون من أبناء الأمة من يخذل، ومن يكذب الحق، ومن يدعو إلى الباطل في شرق الأرض وغربها، فأصحاب البدع، وأصحاب الأهواء، والشبهات، والشهوات، هؤلاء هم المخذلون، وإن شئت فقل: هذا هو العدو الداخلي الذي هو منسوب إلى ملتي، يتكلم بلساني، ويدعو -للأسف- بدعوتي، وليس مني ولست منه في حقيقة الأمر، فلابد أن أهل الحق يصبرون على هؤلاء، كما قال الله تعالى: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:52]، فجهاد أهل البدع بالكلمة والبيان، وجهاد الأعداء والكفار بالسيف والسنان، وهذا ما قرره أهل العلم.
والمناوأة: هي المعارضة من قبل الأعداء أو من قبل أصحاب الأهواء والشبهات والشهوات، فهناك أسلحة كثيرة جداً يستعملها هؤلاء الأعداء في الداخل والخارج، وهي سلاح المخالفة، وسلاح الخذلان، وسلاح المناوأة والعداء، وسلاح الأذى والتضييق، يستعملون جميع هذه الأسلحة بما يتناسب مع تحقيق أهدافهم البعيدة عن مرضاة الله عز وجل، وبما يوافق هواهم وشهواتهم، ولذلك فإن صلتهم بالقرآن وأحكامه وتعليماته خاطئة، وعلاقتهم به مهزوزة، كما كان يفعل اليهود في تعاملهم مع التوراة ومع أنبيائهم.
إذاً: فطائفة أهل الحق تواجه حملة من الأذى باتجاهين، إلا أن الله تعالى وعدها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ستبقى ظاهرة على هؤلاء، وهذه بشارة عظيمة، فمهما طال الليل فلابد من بزوغ الفجر، وهذه سنة الله تبارك وتعالى، ولابد من وجود الشر وإلا لم يشعر أهل الحق بالحق الذي هم عليه، ولابد من وجود الشر وإلا فلماذا خلق الله إبليس؟! فوجود الشر فيه حكم عظيمة جداً، منها: أن يتمسك أهل الحق بما هم عليه من حق، وأن يدافعوا عنه حتى آخر لحظة من حياتهم أو من حياة هذه الدنيا، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة..) يعني: ثلة قليلة من أهل الإيمان، ثم أثبت أنها قائمة على الحق وبأمر الله لا يضرها المخالفة ولا العداء، (حتى يأتي أمر الله) أي: حتى تقوم الساعة (وهم على ذلك) ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وهم كالإناء بين الأكلة)، الإناء واحد والأكلة كثر، وهكذا أصحاب الحق قليل وأصاحب الباطل كثير، لكن لا خير فيهم، ولا خوف منهم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة) واحدة من هذه الإبل تصلح للحمل عليها، لا تكاد تجد راحلة من كل مائة بعير، واحد يصلح للمهمة والحمل على ظهره، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:249]، وهذا شيء مقرر في عقيدة المسلمين، ولذلك الله تعالى ما أمرنا أن نعد لهم بمثل ما أعدوا لنا، وإنما قال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ.. [الأنفال:60] أي: على قدر استطاعتكم، التماس للأسباب فقط، والنصر من عند الله عز وجل، إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ بالإيمان والتوحيد والعبادة والعلم والعمل، يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، هذه سنة الله تبارك وتعالى.
والنصر من عند الله لا من عند الخلق، ليس بكثرة العدد وإن كان إعداد العدة هو عين الأسباب التي أمر الله عز وجل بها، ولذلك العلماء يقولون: الاعتماد على السبب شرك بالله عز وجل، وترك الأسباب قدح في التوحيد، وهنا الله تعالى يقول: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة:249]، ليست مرة أو مرتين، بل هذا أمر قائم في الأمة منذ أن خلق الله تعالى الخلق إلى قيام الساعة، كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ بفضل الله تعالى ثم بفضل إيمانها غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة:249] عدداً وعدة، وقال: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، وانظر إلى قول الله تعالى عن غزوة بدر: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123]، ومعنى (أَذِلَّةٌ): قلة ضعفاء، ومع هذا نصركم الله، هذا فيما يتعلق بالكثرة والقلة، وانظر إلى حنين: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [التوبة:25] لما اغتر الصحابة رضي الله عنهم أو دخل في نفوسهم شيء وقالوا: لن نهزم اليوم من قلة، نحن كثير، أذاقهم الله درساً لم ينسوه، وفي يوم بدر نصرهم رغم قلتهم، بفقرهم وذلهم لله عز وجل، حتى دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه وسقط برده من على كتفيه عليه الصلاة والسلام، فنصره الله عز وجل ومن معه، وكانت غزوة بدر تغييراً لصفحة التاريخ ووجه التاريخ، ولا يزال الناس جميعاً كفاراً ومؤمنين يذكرون هذا الغزوة وما كان فيها من معجزات إلهية؛ فإنها ليست غزوة عادية.
هذا المحور الأول لابد أن نستفيد منه فوائد، أعظمها: أن النصر لا يكون على يد أحد إلا من أهل الإيمان، وأن أصل النصر إنما يتحقق على يد الثلة المؤمنة الموحدة، والطائفة المنصورة، أما هؤلاء الرعاع الغجر الذين ليس لهم رسالة ولا هدف من حياتهم فإنهم لا خير فيهم البتة، ولا يركن إليهم، ومن ركن إليهم فقد ركن إلى جدار يكاد أن يخر عليه وفوق رأسه.
فلابد أن نعلم أن النصر لا يتحقق إلا إذا تحقق الشرط، كما قال العلماء: إذا كان الشيء مشروطاً بشرط فلا يكون إلا بتحققه، قال الله تعالى: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ وإن شرطية، يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، فإن نصرنا الله تعالى أولاً نصرنا ثانياً، وإلا فلا، والنصر والهزيمة بيده سبحانه وتعالى، ولا يحصل النصر إلا بتحقق الشرط.
وقال عليه الصلاة والسلام: (منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم)، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه.
كل هذه الأحاديث تدل على أنه سيضرب حصار اقتصادي على الشام، وهذا قائم الآن، حتى إن من فجور الأمريكان أنهم فرضوا فيما فرضوا على أهل ليبيا عدم الذهاب إلى بيت الله الحرام للحج والعمرة، وهذا من باب الخطة الألفية، فعلى مدار ألف سنة يتم حرمان ليبيا من الطعام والشراب، بل وحرمانها من حق الحياة، فأنت لما تمنع عني الأكل والشرب فإن المقصود من ذلك قتلي، وأنه لا حق لي في الحياة.
والفساد -يا إخواني- طبيعة متأصلة في الشعب اليهودي، هاهو لما أرد الإفساد بدأ بالأنبياء، وثنى بالشعوب الموحدة إلى يومنا هذا، ولا يزال الفساد في الأرض ملازماً لليهود منذ زمن، حتى النصارى في بلاد أوروبا أذاقوا اليهود الويلات تلو الويلات لما بدر منهم الغدر، وظهر منهم الفساد في بلاد أوروبا، فوعد بلفور بإنشاء دولة لليهود في فلسطين كان هذا نجاة للشعب الأوروبي كله من فساد اليهود، قالوا: دعهم يذهبوا إلى فلسطين لينشغلوا بالعرب قليلاً ويبعدون عنا؛ واليهود على مستوى العالم عشرون مليوناً منهم خمسة ملايين أو أقل من ذلك في أمريكا التي يبلغ تعدادها مائتين وخمسين مليوناً، ومع هذا يتحكمون فيها وفي رقابتها وسياستها واجتماعها واقتصادها وطعامها ومعاشها، وهذا شيء عجيب جداً! لكنه العلو الثاني في الأرض لليهود الذي لا يعقبه علو، وستتحطم هذا الأساطير، وسيخذل هذا العلو على أيدي الموحدين في أرض فلسطين.
والحرب مع اليهود -الحرب بين الإيمان والكفر- لها مرحلتان: المرحلة الأولى: مرحلة هزيمة وإدالة، والمرحلة الثانية: مرحلة الإبادة حتى لا يبقى فيها على وجه الأرض يهودي، وبعد ذلك تقوم الساعة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله. إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) وقد انتشرت زراعة هذا الشجر في بلاد الشام كلها، وأنا قد رأيته في الأردن، رأيته في سنة ثمانين في الأردن، هذا الشجر يزرع بغزارة في الأردن فما بالك بسوريا وفلسطين؟! ولعل أقدار الله عز وجل ساقت أيدي المسلمين لزراعة هذا الشجر إنباءً وتصديقاً بنبأ النبي عليه الصلاة والسلام.
كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن
وقال عليه الصلاة والسلام: (تقاتلكم يهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم) الحجر، والشجر، والجماد، والأحجار تنطق وتقول: يا مسلم (خلفي يهودي تعال فاقتله، إلا شجرة الغرقد) وفي الحديث إشارة إلى بقاء دين الإسلام حتى ينزل عيسى عليه الصلاة والسلام، فإنه هو الذي يقاتل الدجال ويستأصل اليهود الذين هم تبع الدجال .
وأتباع الدجال هم اليهود، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يخرج
لما قام الكذاب الهالك الخميني بثورته المزعومة الملعوبة صفق له وطبل المغفلون، ثورة صنعها وكذب فيها وافتراها خميني إيران الذين يتقرب إلى الله بسب ولعن الصحابة أجمعين إلا بضعة عشر منهم، والذي يقول: إن عائشة رضي الله عنها ارتكبت فعلاً الفاحشة في حادثة الإفك، والذي يقول عن أهل السنة: إنهم الناصبة، والصابئة، والذي يقول: القرآن الذي بيد الصابئة ليس كلام الله تعالى، إنما القرآن الحقيقي هو ما أوصت به فاطمة والخلفاء والأئمة الإثنا عشرية، وهو الآن مع ابن الحسن العسكري الذي اختفى في سرداب سامراء وعمره أربع سنوات، وأبطلوا الجمعة والجماعات حتى يظهر الإمام المهدي المنتظر ، وبالمناسبة مهديهم غير مهدينا، ومهدي النصارى غير مهدي اليهود، ومهدي اليهود غير مهدي الشيعة، وكل واحد له مهدي، أما المهدي المنتظر الذي ينتظره أهل السنة والجماعة؛ فهو رجل من قريش من أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام اسمه: محمد بن عبد الله أو أحمد بن عبد الله ، له علامات وأمارات لعلي أذكرها في وقت آخر.
أما المرحلة الثانية: فهي مرحلة الإبادة والإفناء، وفيها ينتهي تماماً كل يهودي على وجه الأرض.
إذاً: آخر الأمر خلافة على منهاج النبوة، فقد كان في أول الأمر نبوة وخلافة على منهاج النبوة، ثم بعد ذلك ملك عاض، ثم جبري، ثم خلافة على منهاج النبوة، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً عن الخلافة التي على منهاج النبوة، وهذا يدل على أن الناس ينتظرون الخلافة التي هي آخر الخلافة وهي على منهاج النبوة؛ لأن هذا بعد الملك الجبري الذي نحن بصدده، ولم يعد النبي الملك الجبري مرات ومرات إنما عده مرة واحدة.
والخلافة الراشدة هي التي تكون تحت راية المهدي المنتظر ، لكن نحن ماذا نعمل؟ وما هو دورنا؟
هل نقف مكتوفي الأيدي والأرجل ننتظر المهدي المنتظر أم نهيئ له الزمان والمكان؟ نهيئ له المكان والزمان كل على حسب قدرته، لكل واحد سهم مضروب عليه لابد أن يؤديه، فـالمهدي المنتظر أنت لا تنتظر منه أن يصلح لك الكون وأن يرسله الله تبارك وتعالى أو يبعثه فينا ونحن في قمة الضلال والانحراف، فلابد من طائفة عظيمة من الأمة هي الطائفة المنصورة طائفة العلم والحق والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد أن تساعد المهدي المنتظر، وتهيئ له المناخ.
واليهود والنصارى لا قيمة لهم ولا يساوون عند الله فلساً ولا عند المؤمنين، وانظر كل سنة إلى الأكذوبة هذه التي يقولون فيها بنزول المسيح على رأس كل ألف سنة، أليسوا هم يقولون هكذا؟! فماذا يعملون؟! من قبلها بشهر أو شهرين وسنة وسنتين يعدون المنطقة ويتكتكون ويخططون من أجل المسيح حين ينزل، ويأتون يقابلونه لو نزل، وهو في آخر الزمان ينزل لنا نحن وعليهم هم، وعيسى عليه السلام من أبطال الإسلام، وأتباع النبي محمد في آخر الزمان، وسيدمر أحلام اليهود والنصارى؛ لأنه سيقتل اليهود حتى آخر يهودي على وجه الأرض، يعني: سيفنى اليهود تماماً على يد عيسى ابن مريم، ثم يستدير بعد ذلك فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو بدعوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ويذهب إلى المسجد الحرام فيحج ويعتمر، ثم ينطق إلى المدينة فيزور قبر النبي عليه السلام، يعمل هذا رغم أنف الحاقدين، والله! لستم من عيسى ولا عيسى منكم، عيسى منا نحن، عيسى من أتباع نبينا الذي نعتز به ونحبه، عيسى لم يمت، بل رفعه الله إليه، هذه عقيدة المسلمين الموحدين، والإمام الذهبي يقول في كتاب (تجريد أسماء الصحابة): عيسى بن مريم عليه السلام آخر الصحابة موتاً على الإطلاق؛ لأن الصاحب هو: من رأى النبي ولو لحظة مؤمناً به ومات على ذلك، وعيسى عليه السلام رأى النبي في بيت المقدس وفي السماء، ولم يمت بعد، لكنه سيموت في آخر الزمان بعد أداء مهماته، فيكون حقيقة هو آخر الصحابة بنور إلهي قذفه الله تعالى في قلب الذهبي لم يسبق إلى هذا القول.
ثم بعد هذا يظهر المسيح الدجال ، فيتبعه اليهود، فهو شيخ اليهود، فـالمهدي المنتظر لليهود هو المسيح الدجال ، يأتي المسيح الدجال وقد رزقه الله تعالى قدرة خارقة يجوب الأرض في أربعين يوماً شرق الأرض وغربها يضع رجله عند منتهى بصره مثل البراق، فيمكث في الناس أربعين: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وسائر أيامه كيومكم هذا، فيمكث أربعين على هذا النحو، وفتنته عظيمة جداً، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما بعث الله تعالى نبياً إلا حذر أمته
وتكلمنا عن الهدنة التي تكون قبل الملحمة في بيت المقدس وعلى الأرض الطاهرة المباركة، وفي كل عنصر من هذه العناصر كلام كثير جداً، لكن على أية حال الوقت والمكان لا يسع لذلك، وهناك كذلك فتوحات إسلامية تنطلق من أرض الشام، فتوحات ناحية فارس، وفتوحات ناحية روما، على يد عيسى بن مريم عليه السلام، يعني: أن عيسى بن مريم عليه السلام هو الذي يتولى قيادة الأمة المسلمة لفتح روما، وحامية النصرانية في هذه الأزمنة هي روما، والذي سيفتحها في آخر الزمان هو عيسى بن مريم، وفي هذا تحطيم وتسفيه لأحلام النصارى وتنبيه لهم لعلهم يفيقون.
أما فتح الهند فيكون في زمن المهدي المنتظر ، يبعث المهدي جيشاً إلى الهند.
وقد تكلمنا من قبل عن الدجال ، وأن هلاكه عند باب لد بفلسطين، والذي يقتله هو عيسى بن مريم عليه السلام، إذاً: مسيح الهداية هو الذي يقتل مسيح الضلالة، وبعض الناس يخطئ فيقول: المسيخ بالخاء، ولم يأت هذا الضبط أو النقط في شيء من الأثر، وإنما هو المسيح الدجال ، أما المسيح على الإطلاق فهو عيسى عليه السلام.
والدجال له قصة طويلة، وقد شرحنا أمره في أكثر من محاضرتين تقريباً، ومكان خروج الدجال أصبهان كما قلنا، ويبقى في الأرض أربعين يوماً؛ يوم كسنة.. إلى آخره.
أما صفاته وأتباعه؛ فصفاته كثيرة جداً، ولا داعي لذكرها، إنما يرجع إلى الكتب المتخصصة في ذلك، وأما عن أتباعه الذين يسيرون معه فهم اليهود، يعني: أن اليهود أصحاب فتن في الأولى والآخرة، فالواحد منهم سيموت في آخر الزمان ولكنه لا يؤمن، بل يقتل كافراً.
والدجال ممسوح العين اليسرى، ناتئ العين اليمنى، يعني: هو ليس أعور فقط، بل كلا عينيه معيبة، واحدة عوراء تماماً، والثانية مجحوضة ناتئة، وورد في الرواية أن العيب في العين اليسرى، وفي روايات أخرى أن العيب في العين اليمنى، ولا مانع من الجمع بين الأمرين بأن إحداهما غائرة تماماً والأخرى فيها عيب وخلل، مكتوب على جبهته: (ك ف ر) يقرأ هذه الكتابة من يحسن القراءة ومن لا يحسنها، وهذا شيء عجيب، ويقول: أنا ربكم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن ربكم ليس بأعور).
والمسيح الدجال أهون على الله تعالى من الجرذان، والجعلان، والبعوض، وهلاكه إنما يكون في أرض الشام على يد عيسى عليه السلام عند باب يسمى باب لد.
على أية حال ما قلته من بشارات يكفي لنبذ الإياس والقنوط من قلوب المسلمين، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (طوبى لعيش بعد المسيح)؛ لأن المسيح يمكث أربعين سنة في الناس يدعوهم بدعوة محمد عليه الصلاة والسلام، والعجيب أنه يطيب العيش في ظله وفي ظل مدته وزمانه، قال: (طوبى لعيش بعد المسيح، يؤذن للسماء في القطر، ويؤذن للأرض في النبات، حتى لو بذرت حبك على الصفا لنبت)، أي: لو ألقيت الحب على جبل أملس لنبت وطلع الزرع، قال: (وحتى يمر الرجل على الأسد فلا يضره، ويطأ على الحية فلا تضره، ولا تشاح، ولا تحاسد، ولا تباغض) وهذا في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام، فزمنه كله خير ورحمة وبركة، وهذا يكون في أرض الشام من باب أولى.
وخروج الريح الطيبة التي تقبض روح المؤمنين ستخرج من أرض الشام، وتقبض أرواح المؤمنين قبضاً رفيقاً رحيماً لطيفاً، حتى لا يشعر المرء بسكرات الموات، وبعد زمان عيسى لا يبقى إلا شرار الخلق عليهم تقوم الساعة، كل هذا إنما هو في بيت المقدس وفي الأرض الطيبة المباركة الطاهرة.
إذاً: كل منا لابد أن يضرب بسهم عظيم في تحقيق تحرير المسلمين، والحفاظ على أعراضهم وأموالهم ودمائهم في شرق الأرض وغربها، فلا تقف مكتوف الأيدي، فـصلاح الدين الأيوبي ونور الدين محمود زنكي وغيرهم من أعلام الأمة في طول التاريخ وعرضه هم مثلك بالضبط، هم كانوا جالسين جلستي مرة، وجالسين جلستك مرة أخرى، هم أفراد ولكن الله تبارك وتعالى وفقهم للعمل لدين الله عز وجل بجد وإخلاص، فلابد من بث هذه الروح، ولا تبق جالساً بجوار الحائط منتظراً حين يأتي صلاح الدين ، فلن يأتي لك صلاح الدين ؛ لأنك مطلوب أن تكون أنت صلاح الدين ، مطلوب منك ذلك، وأنت تربي أولادك على ذلك، وامرأتك لابد لها من دور عظيم في تربية أبنائها على هذه الروح الجهادية ضد الكفر وأهله.
وقد اشتملت أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام التي ذكرناها آنفاً في فتح الشام وبيت المقدس على نقاط بارزة، ومنها بث روح الأمل في تمام أمر هذا الدين في نفوس الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهذا ينزع من القلوب اليأس والقنوط الذي يحاول الأعداء زرعه فيها من أن هذا الدين لا يصلح لأي زمان ولا لأي مكان، فنقول لهم: أنتم كذابون، والنبي هو الصادق عليه الصلاة والسلام، وكلما ضاقت الحلقات واشتدت الأمور واحلولكت الظلمة قرب الفرج واقتربت روح الفجر المشرق وعلو كلمة هذا الدين مرة أخرى، فأشد اللحظات ظلمة في الليل هي الأقرب إلى طلوع الفجر الصادق، قال الله تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:10-12]، يعني: أنهم قالوا: الله يقول لنا: سننتصر، كيف سننتصر على هذه الجيوش الجرارة؟! وهذا كذب من اليهود، ولذلك قال الله تعالى: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [الأحزاب:22] أي: لينصرن الله عز وجل دينه وأولياءه مهما قل عددهم ما داموا قد حافظوا على إيمانهم الذي هو ميراث الحق تبارك وتعالى لأمة حبيبه عليه الصلاة والسلام.
ولذلك فما نراه اليوم من تكالب الأعداء علينا في جميع بقاع الأرض الإسلامية وما يلاقيه الدعاة إلى الله من التنكيل، والتعذيب، والتضييق على حرياتهم، وما يحدث لكثير من الشعوب الإسلامية من المذابح والمجازر التي تتم على أيدي أعدائنا في فلسطين، أو في البوسنة والهرسك، أو بورما أو كشمير.. أو غيرها من البلاد ما هو إلا إرهاصات ومخاض يتقدم التبشير، فلابد من التصفية وتميز الصف: حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179]، ولا يبقى إلا الطيب الذي يتصدى لأعداء الله وأعداء رسله من اليهود والنصارى على أرض الشام وبيت المقدس، فينتقم منهم شر انتقام، ويلقنونهم درساً لا ينسونه أبداً، فهناك بشارات عظيمة جداً ينبغي ألا يذهب بنا اليأس شرقاً وغرباً.
وكذلك لابد أن نتجاوز هذا الواقع المر الشائن التائه الذي تعيشه أمتنا في هذه الأيام وهو مليء بالمآسي، والمصائب، والنكبات، والهزائم، والذل، والتنازلات، هذا الواقع الذي أوقع الكثيرين من المسلمين في اليأس والقنوط، وأصابهم بالفشل والإحباط، وأيقنوا باستحالة نصر المسلمين الصادقين، وصار بعضهم ينظر في مستقبل هذا الصراع على ضوء الواقع المرير البئيس، فيرى أنه مستقبل دائم للكيان اليهودي، ويقول: ليس ممكناً أن نغلب اليهود أبداً؛ لأنهم ملكوا كل شيء، ملكوا الطاقة النووية والذرية والكيماوية، وملكوا العدد والعدة، وأتى الله تعالى بهم لفيفاً، مع أنهم ليسوا أصحاب قتال، كما قال الله تعالى: لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ [الحشر:14]، وفي هذا الوقت الجنود في الجيش اليهودي يطالبون بصواريخ وطائرات تطلع تحارب بنفسها من غير أن يكون فيها أحد؛ لأنهم خائفون، هذا مع أن اليهود ملكوا كل شيء والفلسطينيون لم يملكوا إلا الحجارة والطوب، فلماذا يخافون؟ قال تعالى: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14] أجسامهم مثل البغال والثيران، لكنهم خواء فارغون من الداخل، وهذا الذي تسمعون إنما هو بهرج، ولو أن حاكماً عربياً واحداً الآن يعلن الجهاد فأقسم بالله العظيم ليأتين اليهود عن بكرة أبيهم حكاماً ومحكومين يقبلون النعال والأقدام في هذه البلاد، ولو أننا رفعنا راية الجهاد، وفتحنا باب الجهاد، وباب التبرع للجهاد، فإنهم حين يرون الإخوة الملتحين أفواجاً والله العظيم إنهم سيخافون وهم في بلادهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ونصرت بالرعب مسيرة شهر)، ونحن ليس بيننا وبين فلسطين شهر، وأنا مستعد أن أجري من هنا إلى هناك، ولو أن باب الجهاد فتح فلن أنتظر راية ولا قائداً، ولا أميراً ولا أحداً، وأنا لست أحسن من محمد الدرة ابن اثنتي عشرة سنة، إنها خيبة للأمة أن يتحرك فيها الأطفال، ويخذل فيها الكبار، إنها خيبة والله، ونظرة اليأس والقنوط التي مفادها اعتقاد التمكين لليهود والذل والهزيمة لأهل الإيمان نظرة خاطئة لها نتائج سيئة، وتوقع الأمة في يأس الحاضر والمستقبل، وتودي بهم إلى مهاوي اليأس والذل والاستسلام والانهزام، إن هذا الواقع المر بمثابة غاشية غشيت الأمة وستزول هذا الغاشية بإذن الله، وستسترد الأمة عافيتها، وإيمانها، ويومها ويل للأعداء منها، ويل لليهود وأعداء الإسلام من بأسها وسطوتها وقوتها، ونحن نملك بين أيدينا الكثير من المبشرات، والوعود القرآنية والأحاديث التي تحدد أن الإسلام هو مستقبل البشرية ودينها القادم، فإن الواقع الجاهلي القاتم قد بدأت شمسه الكالحة بالغروب والأفول حيث تصدر تصريحات من عقلاء هناك يقررون فيها هذه الحقيقة، ويقدمون فيها هذه الوعود.
أسأل الله تعالى أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال والأقوال؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفر والكافرين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفر والكافرين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفر والكافرين.
اللهم احفظ أبناءنا وأبناء المسلمين، ونساءنا ونساء المسلمين، وبناتنا وبنات المسلمين، وأعراضنا وأعراض المسلمين، في كل بقاع الأرض يا رب العالمين.
اللهم انصر إخواننا في فلسطين، وفي الشيشان، وفي سائر بقاع الأرض يا رب العالمين.
اللهم خذ بأيديهم ونواصيهم إليك، اللهم اكتب لهم النصر على عدوك وعدوهم.
اللهم شرد باليهود والنصارى في شرق الأرض وغربها، اللهم أحصهم عدد، اللهم لا تبق منهم أحداً.
اللهم رمل نساءهم، ويتم أطفالهم، اللهم كن عليهم لا تكن لهم.
اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، اهزم الكفر والكافرين، وانصر أولياءك أولياء الدين، واغفر لنا وللمسلين.
وصلى الله وسلم على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر