أولها: ولي أمر قد تولى الإمارة بالاستخلاف، والاستخلاف: هو أن يموت الخليفة أو الحاكم فيستخلف أو يولي بعده شخصاً ما، فهذا يجب له السمع والطاعة، ومثاله: عمر بن الخطاب .
ثانيها: أمير قد عين بتعيين أهل الحل والعقد له، كـأبي بكر وعثمان .
والمقصود بأهل الحل والعقد: أهل العلم والدين والتقى والورع، فهؤلاء هم الذين يختارون واحداً منهم يرون فيه أهلية الحكم والإمارة فيؤمرونه عليهم، هذا الصنف الثاني.
ثالثها: رجل تأمر بالنار والحديد كما يقولون، أي: تأمر بالسيف أو بالإرث أو بالقتال، كما أمر معاوية رضي الله عنه وأرضاه، فإنه نازع بالسيف والقتال حتى أمر على المسلمين، إذاً: الصف الثالث هم الذين يتولون الإمارة بالتغلب على الناس.
لا سيما وأن الرسول إما أن يكون مشرعاً، وإما أن يكون ناقلاً للشرع، وقد بينت قبل ذلك الخلاف الأصولي بين العلماء بأن الرسول إما أن يكون ناقلاً للشرع وإما أن يكون مشرعاً أصالة، وبينا الراجح أصولياً.
فإن قيل: فما معنى كونه صلى الله عليه وسلم مشرعاً أو ناقلاً للشرع؟ وما هو الراجح في حقه صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: أن معنى كونه مشرعاً أي: محللاً محرماً من تلقاء نفسه، وأما كونه ناقلاً للشرع فمعناه: أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه جل وعلا، ودليل هذا المعنى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:67]، ففيها دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله جل في علاه ما يأتيه من الوحي.
إن الله سبحانه قد جعل لنبيه طاعة مستقلة، ثم جعل لولاة الأمور طاعة تابعة لطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى كل امرئ أن يسمع ويطيع لولي الأمر؛ سواء كان هذا الولي قد تولى مستخلفاً، أو تولى بتولية أهل الحل والعقد له، أو تولى بالسيف أو الحديد والنار كما يقولون، فلا بد من السمع والطاعة، وهذا منهج السلف رضوان الله عليهم، قال تعالى: وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، لكن الله جل في علاه لم يجعل طاعة ولاة الأمور طاعة مستقلة، بل جعل طاعتهم تابعة لطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيه إشارة إلى السمع والطاعة لهم إلا أن نؤمر بمعصية أو بمخالفة لله أو لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا أمرنا بذلك فلا سمع ولا طاعة، والأدلة على ذلك كثيرة من السنة، كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وأيضاً قال: (إنما الطاعة في المعروف).
إذاً: فالصحيح الراجح وهو منهج السلف: السمع والطاعة في المنشط والمكره، وهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الصحابة قالوا: (بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره وعلى أثرة علينا).
وأيضاً: فلا بد أن نضع في الحسبان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه (ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك فعليك بالسمع والطاعة).
والسمع والطاعة لولاة الأمور لها فوائد عظيمة منها: عدم الاختلاف في الأمة، وعدم حصول المفاسد التي تحصل بسبب الخروج عليهم، وتحقيق الائتمار بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أحسن ولي الأمر فإحسانه له عند ربه جل في علاه، وإن أساء فإساءته عليه عند ربه جل في علاه، لا سيما وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ما من راع يسترعيه الله رعية يموت حين يموت وهو غاش لرعيته إلا لم يرح رائحة الجنة)، أي: أنه لا يشتم رائحة الجنة بحال من الأحوال، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على من هذا حاله فقال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه)، وهذا دعاء محقق الإجابة، فعلى المرء أن يعلم بأن قلوب ولاة الأمور بيد الله جل في علاه، وعليه أن يلزم نفسه بالطاعة وأن يلتزم بدين الله، وأن يسمع ويطيع في الطاعة دون المعصية، فما عليك إلا البلاغ والله سريع الحساب.
أما أنت فيجب عليك أن تتقي الله قدر استطاعتك، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قدر استطاعتك، وبالآداب التي أدبك الله بها وأدبك بها رسوله صلى الله عليه وسلم حتى لا تأتي بالمفاسد، ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: (السمع والطاعة على كل مسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة).
والحقيقة: أن البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية؛ لأن صاحب البدعة قد يضطر إلى النفاق أو القتال في سبيل إظهار بدعته عند الخاصة والعامة، بل إنه يلوي أعناق النصوص حتى يستدل بها على بدعته التي ابتدعها والتي يعمل بها، فالبدعة كما قال سفيان الثوري : البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية، وقال بعض السلف: لأن أدخل مسجداً أجد فيه بدعة فأحرقه أولى من أن أكون صامتاً عليها، وكفى بأهل البدعة سوءاً وبشارة بالسوء قول الله تعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ [الحديد:27]، فلن يقبل الله جل في علاه العبادة أو الاجتهاد فيها طالما أنها خرجت عن دائرة السنة والشريعة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من آوى محدثاً)، فكيف بالمحدث نفسه؟ ويقول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، يعني: فهو باطل يرجع على صاحبه، ولا يقبل عند الله جل في علاه، أما أشد ما ورد بخصوص أهل البدع فهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حبس التوبة عن صاحب البدعة)، وهذا يعني الزجر الشديد من الله جل في علاه ومن رسوله لهذه البدعة؛ لأن البدعة في الحقيقة بريد الكفر.
فالبدعة المكفرة: هي البدعة التي يشوبها الشرك، كالإلحاد في أسماء الله وصفاته، وكالتوسل بالأموات بأن يجعلهم وسطاء بينه وبين الله جل في علاه، فهذه البدع مكفرة تقدح في توحيد المرء.
أما البدعة المفسقة: فهي البدعة التي تخالف طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي كلتيهما ذم، إلا أن البدع المكفرة أشد ذماً؛ لأن صاحبها يخلد في نار جهنم، أما البدعة المفسقة فإن صاحبها لا يزال على التوحيد ومآله بإذن الله إلى الجنة، لكنه على شفير كفر فلا بد أن يرجع إلى صوابه.
إذاً: الشرط في مناظرة أهل البدع: هو إتقان المسألة التي تناظر فيها، وأشهر من شهر سيف السنة أمام وجه البدعة: هو شيخ الإسلام ابن تيمية ، فقد شهر سيف السنة على وجوه المبتدعة وقمعهم بفضل الله عليه؛ لأنه كان يناصر الحق، وأشهر المناصرين للسنة من السلف: هو الشافعي ؛ لأن الشافعي لقب بناصر السنة، فقد كان أحمد بن حنبل يشير إليه ويقول: هذا هو ناصر السنة؛ لأنه كان يتصدى لأهل الرأي والقياس، ويعارضهم بالسنن، ولذلك كان يقول: القياس وإن كان حجة لكن في مضايق الأمور، يعني: لا تتسع مسألة القياس عنده.
والغرض المقصود: أنهم رفعوا راية السنة وحاربوا من أجلها، أما طالب العلم المبتدئ أو المقلد فإنه لا يجوز له أن يقف أمام مبتدع ويناقشه؛ لأنا رأينا -واقعاً مشاهداً- كثيراً من المنتسبين للعلم غرر بهم وسقطوا في أوحال البدع لأنهم غير أقوياء وغير راسخين في العلم، والله المستعان.
أما في هذا الزمان فلا بد لطالب العلم المتقن أن يتصدى لشمس البدعة التي بزغت، وأن يطفئ نارها، بل وأن يفرق بين السنة والبدعة، فقد كان ابن سيرين يقول: يا بني! إذا اجتمعت مع مبتدع في مسجد فاصنع مثلي، فيضع إصبعه في أذنيه حتى لا يسمع من أهل البدعة كلمة يأثم بها، وكان كثير من السلف -منهم أحمد بن حنبل- إذا سار في الطريق فوجد فيه من يسير من المبتدعة أخذ الطريق الآخر ولم يقابله؛ ولذلك سألوا الشافعي عن أهل الكلام فقال: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، وقد جاء أن عمر بن الخطاب -وما أدراك ما عمر ! الذي إذا سلك فجاً سلك الشيطان فجاً آخر فكيف بالمبتدع؟!- فقد جاء أنه بعث إليه أبو موسى الأشعري فقال: يا أمير المؤمنين! إن عندنا رجلاً يتكلم في القدر.. ولأن عمر يعلم أنه مسئول عن كل شيء سواء كان صغيراً أو كبيراً دقيقاً أو جليلاً، وكان يقول: لو عثرت بغلة في العراق لسئلت عنها، فلما وصلته هذه الرسالة اشتد غضبه وبعث إلى أبي موسى يقول: إن وصلتك رسالتي فليأتني الرجل في الحين واللحظة، فلما وصلت الرسالة بعث إليه أبو موسى بهذا الرجل، فلما جاءه الرجل قام عمر بن الخطاب إليه بالعصا وأخذ يضربه على رأسه حتى سالت الدماء على وجهه وجسده حتى قال: والله انتهيت! والله انتهيت! فقال له عمر : هل تجد في رأسك ما كنت تجد؟ فقال: لا أجد شيئاً.
وهذا الذي لا بد أن يحدث مع أهل البدع إن كان لك سلطة عليهم، فعلى الإنسان أولاً: أن ينظر لهذه البدع بعين الشرع، فيتبرأ من فعلهم، ويبغضهم على هذه الفعلة الشنيعة، ويناظرهم ويناصحهم إن كان طالب علم متقناً، وينظر إليهم بالعين الأخرى: وهي عين القدر، فيحمد الله أنه لم يكن على طريقتهم، ويحمد الله جل في علاه أن ثبته على السنة، ويدعو لهم لعل الله أن يهديهم إلى سنة سيد المرسلين.
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
فلا تقل: قال الشيخ الفلاني ولا الشيخ العلاني، ولا تقل: قال الفقيه الفلاني أو المحدث العلاني، بل قل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أبدع وما أروع ما أجاب به الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين فقيه العصر عندما سئل: هل يجب على المرء أن يقلد مذهباً معيناً؟ فقال: نعم، يجب أن يقلد مذهب الرسول صلى الله عليه وسلم. ولا يفهم من هذا الكلام أننا لا نعرف قدر علمائنا ومشايخنا، بل نحن نعرف قدرهم وما هم عليه من العلم والفضل، ولكننا نمنع من الانجرار خلف من لا يعلمون بداعي الهوى والتعصب، بحيث نتنازل عن النعمة العظيمة التي وهبنا الله إياها، نعمة التدقيق والنظر في الأدلة والترجيح بين أقوال أهل العلم، فنحن نعرف لكل إنسان قدره، وننزل كل إنسان منزلته، عملاً بقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وعملاً كذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يعرف لأهل الفضل فضلهم إلا أهل الفضل)، وقول الله تعالى: َيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود:3]، ولذلك وصف أهل السنة أهل البدعة بأنهم يتعصبون لآرائهم، وأنهم لا يرجعون إلى الحق وإن تبين لهم، كما فعل الكوثري حديثاً، فقد كان يطعن في أبي هريرة ، مع أنه محدث بارع، وما حمله على ذلك إلا التعصب المذهبي لمذهب الأحناف، فكان يسب أبا هريرة ناقل الشريعة؛ لأنه نقل حديثاً يخالف مذهب الأحناف، وكان يشتد على الكثير من الصحابة من أجل التعصب لمذهب الأحناف.
ومن علامات أهل البدعة أيضاً: أنهم يكرهون أئمة الإسلام والدين، فلا تكاد تجلس مع المبتدع إلا وأخذ يطعن في شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ زاعماً أن لا شيخ للإسلام؛ وأنه مجسم مشبه كما يزعمون، بل إن بعضهم يكفره، وهذا من منطلق عداوتهم لأهل السنة والجماعة، ويتكلمون ويغمزون أيضاً في ابن حجر والنووي ، فهم يعلنون الحرب الضروس على منهج وأئمة أهل السنة والجماعة؛ ولذلك تجد أن أكثر من ناله السب والقدح هو شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ وذلك لأنه أشهر سيفه البتار في وجوه أصحاب البدع، فما ترك أحداً منهم إلا وأطاح برأسه بعلمه الغزير وحجته البليغة، فقد كان صاحب نظر ثاقب في الأدلة.
إذاً: فمن أهم العلامات التي يتصف بها المبتدع: حقده على أهل السنة والجماعة، وبغضه لهم، وأعلى هذه الطوائف: الرافضة، وهم الذين غلوا في آل البيت وكفروا من دونهم من الصحابة أو فسقوهم، وهم فرق شتى، فمنهم الغلاة الذين ادعوا أن علياً إله، ومنهم دون ذلك، ولذلك ذكر ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه على علي إحراقه لهؤلاء بالنار وقال له: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يعذب بالنار إلا الله)، ولذلك افتتنوا به لما أحرقهم، فكانوا يصيحون وهم يحترقون قائلين: لا يعذب بالنار إلا الله، وهذه دلالة على أنك الله، والعياذ بالله!
وقد أراد الله جل وعلا أن يجعلهم يموتون على الكفر فتكون خاتمة السوء عليهم، وكان أول ظهور بدعتهم في خلافة علي بن أبي طالب حين قال له عبد الله بن سبأ : أنت الإله، فأمر علي بن أبي طالب بإحراقهم، وهرب هذا الضال المبتدع ابن سبأ ، وعبد الله بن سبأ هذا يهودي الأصل، فهو يريد أن يخرب دين المسلمين كما هو شأن اليهود الذين خربوا دين النصارى من قبل.
أحدهما: تعطيل الاسم والصفة، وهذا رأي الغلاة من الجهمية والمعتزلة.
الثاني: تعطيل الصفة دون الاسم، فيقولون: الله سميع بلا سمع، بصير لا بصر، قدير بلا قدرة، عليم بلا علم، قوي بلا قوة، وهذا رأي المعتزلة، وكأنهم يعبدون عدماً لا وجود له؛ ولذلك لم يشعروا بحلاوة الإيمان والتعبد بصفات الله وأسمائه.
أما التشبيه: فهو تشبيه صفات الخالق بصفات المخلوق، والنوع الثاني من التشبيه: هو التمثيل: وهو أن يقال: إن عين الله كعين محمد بقصد المطابقة والمساواة، أما التشبيه فكأن تقول: عين الله تشبه عين محمد، تعالى الله وتقدس! بل عينه تليق بجلاله وكماله وعظمته وبهائه، وعين محمد تليق بنقصه وعجزه، فلا وجه للمقارنة والعياذ بالله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
أما تسميتهم بالشيعة؛ فلأنهم يزعمون أنهم يتشيعون لآل البيت وينتصرون لهم، وما دروا أنهم أشد الناس حرباً لأهل البيت، فقد زعموا أنهم ينصرونهم وهم في الحقيقة يخذلونهم طوال التاريخ، فلو راجعت التاريخ الإسلامي لعلمت أن كل هزيمة وكل نكبة نزلت على آل البيت فهي بسببهم، فهم الذين أخرجوا الحسين للقتال بعد أن وعدوه بالمؤازرة والمبايعة، ثم تركوه مقتولاً لم يشرب جرعة ماء رضي الله عنه وأرضاه، والآن يضربون أنفسهم بالسلاسل والسكاكين وكأنهم يردون ما فعلوا، ووالله إنهم لفي تيه وتخبط إن لم يرجعوا إلى منهج أهل السنة والجماعة، والويل كل الويل لمن يقول بالتقارب بين السنة والشيعة، فكيف نتقارب مع أناس نقضوا كلمة التوحيد، وزعموا أن علياً إله من دون الله جل في علاه؟!
وكيف نتقارب مع رجل يسب أبا بكر وعمر علناً، ويقذف أم المؤمنين عائشة بالزنا والعياذ بالله؟
والأنكى من ذلك والأخزى أن بعضهم سئل عن سب أبي هريرة فقال: لا تسبه علناً، بل سبه في بيتك!! وهذا الكلام ضلال مبين، نسأل الله جل وعلا أن يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل.
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
وهم كذلك يرون أن كفر إبليس مثل إيمان جبريل؛ لأن إبليس تحت إرادة الله يفعل ما أراده الله جل في علاه، وجبريل أيضاً يفعل ما أراده الله جل في علاه، فاستويا في ذلك، نعوذ بالله من الخذلان!
أما في الإيمان: فمذهبهم الإرجاء، والحقيقة أن الإرجاء قد انتشر في الآونة الأخيرة وأصبح مذهباً معلناً عنه بجرأة، ومذهب الإرجاء هو مذهب ضال في الإيمان، فهم يرون أن الإيمان محله القلب فقط، فهو مجرد الإقرار بالقلب وليس القول والعمل من الإيمان، ففاعل الكبيرة عندهم كامل الإيمان.
إذاً: فالجهمية معطلة في الصفات، جبرية في القدر، مرجئة في الإيمان، في هذه العصور مبلغه، ولن يتصدى لهذه البدعة إلا طالب العلم المتقن، فهم الآن يتبنون نشرها باسم منهج السلف، ومنهج أهل السنة والجماعة وأصحاب الحديث، بل وجد منهم من كتب كتاباً يبلغ تسعمائة صفحة يبين فيه مذهب الإرجاء وأنه مذهب أهل السنة والجماعة.
وقد قلنا: بأن أهل السنة والجماعة لا يرون الخروج على الإمام بحال من الأحوال، قال صلى الله عليه وسلم: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)، وحتى لو وجد الكفر من الحاكم فإن شرط الخروج حينئذ عليه.
وهم فرقتان: غلاة، وغير غلاة، فأما الغلاة: فهم ينكرون علم الله، وهذه علامة لا بد أن تعرفها في غلاة القدرية: وهي أنهم ينكرون العلم، وقد صدرت الباب بقول الشافعي في مسألة غلاة القدرية: خاصموهم بالعلم، فإن أقروا فقد خصموا، وإن أنكروا فقد كفروا؛ لأنهم عند ذلك قد أنكروا صفة معلومة من الدين بالضرورة، فالغلاة ينكرون علم الله، وإرادته، وقدرته، وخلقه لأفعال العبد، وهؤلاء قد انقرضوا أو كادوا، فلم يبق منهم إلا القليل، وغير الغلاة يؤمنون بأن الله يعلم كل شيء، لكنهم ينكرون وقوع هذه الأفعال بإرادة الله وقدرته وخلقه، وهذا المذهب ظاهر لمخالفة لكتاب الله عز وجل، فقد قال الله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96].
حي عليم قدير والكلام له إرادة وكذاك السمع والبصر
وللأشاعرة بدع أخرى وليس هذا مجال التفصيل في هذه البدع.
وفي الختام أقول لإخواني: اتركوا السياسة والثورات في الخطب، ودعوكم من كل هذا، وعليكم بطلب العلم، فإن شمسكم إذا أشرقت على الناس بعلم غزير فسترون ذلك عند ربكم يوم القيامة، فأنت الوريث الشرعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا لها من نعمة ومنة، ويا له من فخر يتجلى في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر