وبعد:
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9].
أي آية فيها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هل يدخل فيها الرجال والنساء أم هي خاصة بالرجال، ويلزم أن يكون هناك خطاب آخر يتعلق بالنساء؟
هذه قاعدة أصولية تنبني عليها جملة من الأحكام الفقهية.
من الأحكام التي تترتب على هذه القاعدة: مسألة المجامع في رمضان، أي: الرجل الذي جامع امرأته في رمضان، فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصوم شهرين متتابعين، فلما لم يستطع أمره أن يطعم ستين مسكيناً.
الشاهد: هل المرأة هي الأخرى تؤمر بصيام شهرين متتابعين؟ أو هل المرأة هي الأخرى تؤمر بإطعام ستين مسكيناً؟
فإذا قلنا: إن خطاب الذكور للذكور والإناث فسيكون مقتضى أمر النبي صلى الله عليه وسلم للرجل بصيام شهرين متتابعين أن المرأة هي الأخرى تصوم شهرين متتابعين، وإذا قلنا: إن الرجل يطعم ستين مسكيناً في حالة عدم استطاعته الصيام فالمرأة هي الأخرى تطعم ستين مسكيناً.
وهي مسألة طويلة جداً طال فيها النزاع بين العلماء، وكان من أسباب طول النزاع الوارد فيها اختلافهم في أصل المسألة: هل خطاب الذكور للذكور والإناث، أم خطاب الذكور للذكور وخطاب الإناث للإناث؟
فالذين قالوا: إن خطاب الذكور يشمل الذكور والإناث استدلوا بأدلة منها:
أن الله سبحانه وتعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] فكُتب على الجميع.
وأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:12] ولم يقل: وكانت من القانتات.
وكذلك قال: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] ولم يقل: كنت من الخاطئات.
فدخلت امرأة العزيز في الخاطئين، ودخلت مريم مع القانتين، فهذا بعض مستندات القائلين: إن خطاب الذكور للذكور والإناث.
وأما الذين قالوا: إن خطاب الذكور للذكور وخطاب الإناث للإناث فاستدلوا بأدلة منها:
قول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ [الحجرات:11] .
وبقوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ [الأحزاب:35] إلى آخر الآية.
فلو كانت المسلمات داخلات في المسلمين لابتدئ بذكر: إن المسلمين والمؤمنين والقانتين والصادقين .. إلى آخر الآية، فهذه بعض استدلالات القائلين بأن خطاب الذكور للذكور فقط، وخطاب الإناث للإناث فقط.
وأجاب أصحاب القول الأول على هذه الاستدلالات بقولهم: إن قوله تعالى: لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ [الحجرات:11]، من باب عطف الخاص على العام، والخاص يعطف على العام لبيان أهميته، فعطفت النساء على العام الذي هو القوم لكون السخرية في النساء أكثر منهن في الرجال، كأن تقول: جاء القوم وزيد، وزيد في الأصل جاء مع القوم، لكنك خصصت زيداً بالذكر لأهمية مجيء زيد مع القوم.
وأحسن من ذلك قول الله سبحانه: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب:7]، فمحمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم من النبيين، لكن نص عليهم أو خصوا بالذكر؛ لأنهم من أولو العزم من الرسل.
وكذلك قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا [النساء:163]، هذا من باب عطف الخاص أيضاً على العام.
وكذلك قوله تعالى: فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ [الرحمن:68]، والنخل والرمان داخلان في الفاكهة، فكانت هذه إجابة فريق من العلماء على استدلال المستدل بقوله تعالى: وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ [الحجرات:11]، أنه من باب عطف العام على الخاص لكثرة السخرية في الإناث.
أما إجابتهم على قوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35]، قالوا: هذه الآية نزلت لأن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال الرجال يذكرون يا رسول الله! ولا نذكر؟ فنزل: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ [الأحزاب:35] الآية إلى آخرها).
وفي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة:9]، إذا سلمنا أن خطاب الذكور يشمل الذكور والإناث ورد إشكال شهود النساء للجمعة، لكن قد انعقد الإجماع هنا أن هذا الخطاب لا تدخل فيه النساء.
وقد نقل ابن قدامة والخطابي والنووي وغير واحد الإجماع على أن النساء لا يدخلن في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، فالتحرير في مسألة خطاب الذكور هل هو للذكور والإناث أو هو للذكور فقط، ينبني على أن لكل خطاب ملابساته المحيطة به وقرائنه المحتفة به، وهي التي تستصدر الحكم الخاص في لكل قضية بعينها، يعني: فكل مسألة وجزئية ملابساتها الخاصة التي تستوجب قولاً من الأقوال.
فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة:9]، بالإجماع لا يدخل فيه النساء، فلا تجب الجمعة على النساء بالاتفاق.
وإذا شهدت المرأة الجمعة أجزأت عنها أيضاً بالاتفاق، فلا تؤمر بإعادة صلاة الظهر.
إن قال قائل: هل صح حديث في أن المرأة يعفى عنها أو لا تؤمر بحضور الجمعة؟
فالإجابة: قد وردت جملة أحاديث فيها أن الجمعة لا تجب على المرأة ولا على الصبي ولا على العبد... إلخ، لكن يثبت من هذه الأحاديث حديث واحد.
وقال فريق من أهل العلم: إن نقل الإجماع كافٍ عن الأحاديث الضعيفة في هذا الباب.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد) وهذا عام تدخل فيه الجمعة كما تدخل فيه غيرها من الصلوات.
ويجاب على هذا الإشكال بأن السعي تتعدد معانيه، فالسعي أحياناً يطلق على المشي، وأحياناً السعي يطلق على العمل، وأحياناً السعي يطلق على الجري: فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى [طه:20]، أي: تجري وتضطرب. فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [الصافات:102] فللسعي معانٍ عدة.
فالسعي المنهي عنه في قوله عليه الصلاة والسلام: (فلا تأتوها وأنتم تسعون) يعني: تسرعون في المشي وتجرون.
أما فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] أي: فامضوا واذهبوا إلى ذكر الله.
قال فريق من أهل العلم: وهكذا هي في قراءة ابن مسعود (فامضوا إلى ذكر الله).
أولاً: أن الله قال: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] ولم يقل: اسعوا إلى ذكر فلان وفلان، وكذلك ينسحب هذا على الإطراء الزائد على المنابر، إذا وقف شخص وجلس يمدح على المنابر أشخاصاً بأسمائهم في يوم الجمعة هذا أيضاً مخالف؛ لأننا ما أمرنا أن نذهب للاستماع إلى سباب فلان وفلان، أو إلى الثناء على فلان وفلان، فإن فعل فيكون عارضاً على حسب الحاجة إليه، ولا يكون أصلاً، إن الله قال: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] فالغالب في الجمع أن يكون فيها ذكر الله سبحانه وتعالى، وذكر جنته وناره.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر شخصاً باسمه على المنبر في يوم الجمعة أياً كان هذا الشخص، فما ذكر شخصاً من الذين عاصروه من الكفار أو أهل النفاق باسمه، فأشد الناس نفاقاً وأعظمهم وهو عبد الله بن أبي ابن سلول ، لما فعل فعلته القبيحة وقذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عمل أمراً مؤلماً وموجعاً غاية الإيجاع والإيلام، إلا أن الرسول ما صعد المنبر وذكر يوماً واحداً أو مرة واحدة اسم عبد الله بن أبي ابن سلول، حتى إنه لما قام على المنبر في حديث الإفك قال: (من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيراً؟!) حتى إن الصحابة الذين كانوا يحضرون المجلس في مسجد الرسول ما عرفه إلا بعضهم، حتى قام سعد بن معاذ وقال: (يا رسول الله! أخبرنا من هو إن كان منا -أي: من الأوس- قتلناه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا فقتلناه؛ فقام سعد بن عبادة يدافع.
الشاهد: أن الصحابة منهم من لم يكن يعرف من هو هذا الرجل، مع أنه رئيس المنافقين، ومع أنه ارتكب فرية بقذف محصنة غافلة مؤمنة عللاوة على أنها زوجة نبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: أن النبي ما ذكر شخصاً باسمه على المنبر أياً كان هذا الشخص، وعلى هذا فأخونا الذي يقف على المنبر ذاكراً مساوئ أحد الناس يكون قد خالف الشرع، وهذا القول مني على إطلاقه وليس حباً في وزير، أو دفاعاً عن رئيس أو وزير فكل منهم له شأن ولنا شأن.
أقول: الذي يقف على المنبر ويقول في خطب الجمعة -وكان هذا متفشٍ في بعض الأزمنة-: فلانة زوجة فلان فعلت كذا وكذا.. وصورتها في كذا وكذا.. كل هذا من العبث والمخالفة للشرع التي يجهلها الخطيب ويظن أنه يحسن صنعاً وهو مسيء غاية الإساءة، بتشويشه على أفكار الناس.
ثم إن الله عز وجل قال في كتابه الكريم: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا [النساء:148] وقد تقدم أن كثرة الحديث على المفاسد والمعاصي على المنابر تسبب للناس فقدان حساسية تجاه هذه المعاصي والكبائر.
تقدم أن بعض المفسرين ذكر عند قول الله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148] قال: كنت ببلدة صغيرة لا يعرف أهلها الخمر، وكنا إذا سمعنا أن شخصاً أتى من الخارج مثلاً وشرب خمراً في البلدة، فكل البلدة بالإجماع تقاطعه، إذا تقدم يتزوج امتنعنا عن تزويجه، وإذا تقدم ليصلي لا نصلي وراءه، فلما ذهبت إلى بعض البلدان وجدت الخمر تباع في الطرقات، والسكارى يمشون في الشوارع، عندها قلَّت كراهيتي لشارب الخمر يوماً بعد يوم بعد يوم.. إلى أن تلاشت كراهيتي لشارب الخمر.
فكثرة الحديث في مسألة تهونها على السامعين، فمثلاً قد تستبشع إذا سمعت أن شخصاً ما زنى، ثم بتكرار الكلام في مسائل الزنا والعياذ بالله، فلان زنى.. فلانة زنت.. أصبح الأمر عندك سهلاً، فتأتي تريد أن تسمع خبراً أبشع من الزنا، فيلفت نظرك خبر آخر أن رجلاً زنى بامرأة من محارمه فتستبشع الخبر، فيضربون على هذا الوتر مرات ومرات حتى يسهل عندك الأمر، ثم يقولون: فلان زنى بامرأة واغتصبها في الطريق فتستبشع ذلك، ولهذا عيبت الصحف وانتقدت جرائد الحوادث وصفحات الحوادث التي تروج للرذيلة من حيث لا تشعر، وتنشر الفساد في الأرض من حيث لا تشعر، والرسول يقول: (من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة).
فتسمية الأشخاص على المنابر أمر غير محمود وغير مشروع، ونحن نحاجج من يريد أن يحاجج بأن يأتينا بأثر واحد عن رسول الله أنه سمى شخصاً واحداً على المنبر في يوم الجمعة في رواية ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم.
فالفقه في الدين واتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم مطلب شرعي، فقد تصعد على المنبر وترتكب المخالفة، وتسب مثلاً وزير الداخلية باسمه، وبعد أن تسب وزير الداخلية تعتقل، وفي الحقيقة أنك اعتقلت أصلاً -أو أيضاً- لمخالفتك للشرع، لأنك ما وافقت سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا اتبعت سنته في الهدي، وفي التصحيح والتقويم.
إذا كان هناك أمر ما مخالف للشرع فنبه على هذا الأمر المخالف للشرع لا تُمنع من ذلك أبداً، بل لزاماً عليك أن تنبه، لكن لا يلزمك أبداً ولا يتعين عليك أن تسمي الشخص باسمه، وهدي رسولنا صلى الله عليه وسلم أكمل هدي.
ثم لعل هذا الذي قذفته يتوب، فيجد بينه وبين التوبة حائلاً وهو شريطك المنتشر في العالم كله والذي تفضحه فيه وتشهر به، قد تسب شخصاً على المنبر الآن وتلعن فيه، وتسب راقصة وتلعن فيها، والله يتوب على من تاب، فالغالب أنها تتوب، فكيف تصنع أنت بشريطك الذي شهرت بها فيه وشرحتها فيه تشريحاً؟! فتكون حينئذ سلكت سبيل الذين يصدون عن سبيل الله، وينشرون للمرأة التائبة أو للممثلة التائبة أشرطتها كي يصدونها عن سبيل الله بهذه الأشرطة الفاضحة التي أخذوها عليها، فسنة الرسول عليه الصلاة والسلام فيها خير هدي.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] وهذا المنع يشمل باب الذم وباب الإطراء، فلا تقف على المنبر تسبح بحمد الأشخاص، وتثني على الأشخاص، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (احثوا في وجوه المداحين التراب)، وقد ورد في أثر صححه البعض وضعفه آخرون: (أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما)، فلا تسرف في الحب ولا في البغض، فالاقتصاد مطلب شرعي علمنا إياه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن المغالاة في الحب تحملك على الدفاع عن المحبوب ولو بالباطل، والمغالاة في البغض تحملك على هضم الحق وإماتته الحق والعياذ بالله.
ولكن انظر إلى اتزان الرسول صلى الله عليه وسلم والرزانة والوقار، يحب ابنته فاطمة حباً جماً عليه الصلاة والسلام، وكلما دخلت عليه قبلها وأجلسها، وكلما ذهب إليها قامت إليه فقبلته وأجلسته، لكنها محبة منضبطة بالشرع يقول: (والذي نفسي بيده لو أن
يحب أسامة بن زيد غاية المحبة، يعثر أسامة فيجرح أنفه على عتبة الباب، ويذهب الرسول يمص دم أسامة بفيه، ومع ذلك يقول لـأسامة : (أتشفع في حد من حدود الله يا
فالشاهد: لا تبالغ في الطعون ولا تبالغ في الثناءات، فالقصد القصد كما حث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
يرى جمهور العلماء أن غسل الجمعة مستحب وليس بواجب، ومن العلماء من يرى الوجوب.
أما أدلة الجمهور القائلين بالاستحباب:
فمنها حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان الناس يأتون من العوالي - عوالي المدينة - مسافات طويلة يمشون، فيعلوهم الغبار فيأتون إلى المسجد ولهم روائح - أي روائح كريهة من العرق والحر الشديد والغبار الذي خالط الأجسام - فقيل لهم: لو اغتسلتم).
وأوردوا أيضاً في الاستدلالات على أنه مستحب وليس بواجب حديثاً آخر: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) وهو حديث ضعيف.
وأوردوا حديثاً ثالثاً في بيان الاستحباب وعدم الإيجاب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ في بيته ثم أتى إلى المسجد فصلى ما كتب الله له أن يصلي فلا يخطو خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة)، فمن لفظه عليه الصلاة والسلام: (من توضأ في بيته) ولم يذكر (ومن اغتسل).
فأصبحت عمدة القائلين بأن الغسل - غسل الجمعة - ليس بواجب ثلاثة أحاديث: حديث أم المؤمنين عائشة وحديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) لكن في إسناده ضعف، وحديث: (من توضأ ثم أتى إلى المسجد فصلى ما كتب الله له أن يصلي ثم استمع وأنصت) الحديث. قالوا: إن فيه (من توضأ) وليس فيه من اغتسل.
أما أدلة القائلين بالوجوب فمنها:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم).
والثاني: (حق لله على كل مسلم أن يغسل جسده في كل أسبوع يوماً).
والثالث: حديث ابن عمر : (من أتى إلى الجمعة فليغتسل).
والرابع: أثر عمر لما كان يخطب فدخل أمير المؤمنين عثمان وهو يخطب، فلما رآه عمر دخل متأخراً بعد الأذان - بعد صعود الإمام المنبر - قال له: (أية ساعة هذه؟) أي: لماذا تأخرت حتى إن الملائكة طوت الصحف؟! قال: (والله يا أمير المؤمنين! ما زدت على أن توضأت. قال: (توضأت وقد علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل)، فأخذوا من قوله: (أن الرسول كان يأمر بالغسل) على أن الأمر أمر إيجاب إلا إذا صرفه صارف.
هذه عمدة القائلين بوجوب غسل الجمعة.
وكما أسلفنا فالجمهور على أن غسل الجمعة مستحب وليس بواجب.
قد يقول قائل: كيف يسوغ للجمهور أن يقولوا: إنه مستحب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)؟!
فأجاب الجمهور على ذلك: بأن كلمة (واجب) من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعني نفس المدلول الاصطلاحي الذي أصله الفقهاء والأصوليون، فكلمة (واجب) بمعنى (حق) ولا تعني الوجوب الاصطلاحي الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه.
وثم جملة اصطلاحات للرسول صلى الله عليه وسلم، بل للكتاب العزيز فيها مدلولات وللأصوليين فيها مدلولات أخر.
فمثلاً كلمة الكراهية، قال الله سبحانه وتعالى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الإسراء:33]، وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام:151]، وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:34]، في آخر الآيات: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء:38]، فالكراهية هنا تدل على التحريم يقيناً، وليس الكراهية الاصطلاحية الموضوعة في مباحث الفقهاء.
هذه إجابة الجمهور على الاستدلال بحديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم).
أما حديث: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل)، أو حديث: (قد علمت أن الرسول كان يأمر بالغسل) فهذا وذاك قد صرفهما صارف، ألا وهو حديث عائشة : (قيل لهم: لو اغتسلتم) أو الحديث الآخر: (من توضأ في بيته ثم أتى إلى المسجد) .
فالمسألة هذا حاصلها، وثم أقوال أخر فيها، والله أعلم.
الحاصل أن رأي الجمهور على أن غسل الجمعة مستحب وليس بواجب، ومن العلماء من ذهب إلى الوجوب لظواهر الأحاديث التي سمعتموها، وقد علمتم توجيهها.
يستحب للساعي إلى الجمعة أن يلبس أحسن الثياب، وذلك أنه: (لما قدمت على الرسول حلل سيراء من عطارد قال
فيستحب للجمعة لبس أحسن الثياب، وقد ورد حديث وإن كان فيه مقال: (ما على أحدكم لو اتخذ ثوباً ليوم الجمعة غير ثوب مهنته).
فيستحب للشخص أن يلبس أجمل الثياب، وأن يتطيب بأحسن ما يجد من الطيب، وأن يستاك بالسواك أو ما يقوم مقام السواك في حالة غياب السواك، فهذه سنن حث عليها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
أخذ بعض العلماء من قوله: (غسل واغتسل) أي: غسل زوجته - تسبب لها في أن تغتسل وذلك بالإتيان الذي يترتب عليه الجنابة فمن ثم تغتسل، وهو كذلك سيغتسل، فحملوها على هذا المعنى.
وهذا الحديث -في الحقيقة- صحيح من حيث سلامة الإسناد، لكن في القلب من متنه شيء، وذلك لأن النصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد ثابتة صحيحة كالجبال، عمومها يفيد أن الخطوة تحط خطيئة وترفع درجة، وهي في الصحيحين أو في غيرهما، لكن هذا الحديث خارج الصحيحين.
وهذا الحديث فيه زيادة وهي: (أن كل خطوة بها يكتب أجر سنة صيامها وقيامها)، فهذا من ناحية المعنى لا يتفق مع الوارد في الصحيحين بأسانيد أثبت وأصح من هذه الأسانيد أن كل خطوة تحط خطيئة أو ترفع درجة.
وقد قال الذهبي في تعليقه على مستدرك الحاكم في شأن هذا الحديث: وهذا الحديث له علة مهدرة يعني: أنه لا يقبل العلة المهدرة التي فيه.
وفي الحقيقة أن بعض أهل العلم يقولون: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومنهم من يقول: إن من العلماء من جعل من القرائن التي تحكم على الحديث بالضعف الأجر الكبير جداً مقابل العمل اليسير، أو العذاب الشديد جداً مقابل الذنب اليسير، فيجعلون ذلك من القرائن على الحكم على الحديث بالوضع أو بالضعف.
ومن ثم فضعف بعض العلماء حديث السوق (من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتبت له ألف ألف حسنة، ورفعت له ألف ألف درجة، ومحيت عنه ألف ألف سيئة) إلى آخر الحديث.
مع أن الحديث الثابت في صحيح مسلم: (له بكل تهليلة صدقة) فالأحاديث الثابتة (لك بالتهليلة صدقة، وبالتسبيحة صدقة، وبالتحميدة صدقة) بينما ذاك جعل لك ألف ألف حسنة، ومحا عنك ألف ألف سيئة، ورفعت بذلك ألف ألف درجة، بيد أن الحديث في إسناده عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، وهو ضعيف، وهو غير عمرو بن دينار صاحب الصحيحين.
فمن العلماء من يجعل الأجر العظيم جداً مقابل العمل اليسير فيه إشارة إلى ضعف الحديث، لكن على كل حال: إسناد الحديث حتى الآن ثابت، وهو إما صحيح أو حسن، ولا ينزل عن الحسن، إلا أن البحث ما زال جارياً عن علة لعدم طمأنينة النفس إلى هذا الحديث، كعدم طمأنينة النفس من قبل إلى حديث: (الربا سبعون باباً أيسرها أن يأتي الرجل أمه) هذا الحديث أصلاً مخالف من ناحية المعنى لثوابت أخر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أكبر الكبائر قال (الشرك بالله، ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، ثم أن تزاني حليلة جارك) فجعل الزنا بحليلة الجار مقدم على الربا، ولا شك أن الزنا بالمحرم كالأم أو الأخت أعظم من الزنا بحليلة الجار، إذاً قدم على الربا بعمومه، فكيف تقول: أيسر شعبة في الربا بسبعين زنية بالمحرم؛ الأم أو الأخت؟ فلهذا ضعفه فريق من العلماء من هذا الباب فضلاً عن ما في أسانيده من ضعف، وثم رسالات مؤلفة في هذا الحديث.
على كل حال: استحب فريق من أهل العلم الجماع يوم الجمعة؛ لما يجره الجماع من اغتسال، ولما يجره الاغتسال من ثواب سواء للرجل أو للمرأة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
شذ ابن حزم هنا شذوذاً غريباً خالف فيه جماهير العلماء وفحوى شذوذه: أن من جامع زوجته في يوم الجمعة فعليه غسلان، غسل لرفع الجنابة، وغسل آخر للجمعة، وهذا من القول الغريب العجيب إذ لم يرد أن الرسول اغتسل غسلين صلوات الله وسلامه عليه يوم الجمعة، لكن لعله بنى على أنه لا يصلح أن تكون هناك نيتان لعمل واحد، فقال: هذه الجنابة يلزمها غسل بنية، والجمعة يلزمها غسل بنية أخرى، لكن على كل حال هذا قول شاذ ومطرح ومنبوذ.
ومعنى المفهوم المخالف يتمثل أو يتضح عند قول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، إن جاءنا عدل بنبأ هل لا نتبين من الأصل، أو يجوز لنا أيضاً أن نتبين؟
فالمفهوم المخالف يقول: إن جاءك عدل بنبأ فلا تتبين، لكنه ضعيف، وليس بصريح في تقرير القاعدة التي جلبت من ورائه.
فكذلك هاهنا: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا [الجمعة:9] لا يفيد أنه: إذا لم ينادى إلى الصلاة لا تسعوا، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة).
وبهذا استدل العلماء على التفريق بين البدن والبقر، فقالوا: البدن: الإبل، لكن أحياناً قد يأتي التغليب وتكون البدن أو البدنة تطلق على البقرة: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [الحج:36]، للعلماء فيها القولان.
قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] تقدم الكلام على قوله سبحانه: (وذروا البيع)
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9]، يعني: إن كانت عندكم عقول وكنتم تفهمون أن متاع الدنيا زائل، وأن ما عند الله خير وأبقى، فإن كنتم تعلمون فإقبالكم على الجمعة خير لكم من اللهو ومن التجارة.
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ [الجمعة:10]، تقدم الكلام على ذلك أيضاً.
ذكر البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا صلى في المسجد صلى أربعاً، وإذا صلى في البيت صلى ركعتين)، وهذا التقييد غير جيد وغير صحيح، وبعد تحرير القول في هذه المسألة فالحاصل فيها أنك إن شئت صليت أربعاً في المسجد أو اثنتين، وإن شئت صليت في البيت أربعاً أو ركعتين، والتقييد هكذا ليس بمرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذي يحضرني الآن على ما يغلب على ظني أنه من فعل ابن عمر نفسه، وليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالشاهد: أنك تصلي إما ركعتين في البيت أو أربعاً، وإما ركعتين في المسجد أو أربع ركعات.
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9]، الخيرية هنا لا تقتضي مجرد التفضيل، فقد تقول مثلاً: زيد خير من عمرو، فقولك: زيد خير من عمرو تفيد أن عمراً فيه خير، لكن زيد أفضل من عمرو، أما قوله تعالى: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ [الجمعة:9] لا يفيد أن هناك خيرية في ترك الجمعة أبداً، بل قال الرسول: (من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً طبع الله على قلبه)، والأحاديث في ذم التخلف عن صلاة الجمعة قد تقدمت، وهي كثيرة مشهورة جداً، ولكن كما قال الله سبحانه: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان:24]، فأهل النار ليسوا في شيء من الخيرية بحال.
وكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يأكلون من عمل أيديهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (ما بعث الله من نبي إلا وقد رعى الغنم) كان داود صلى الله عليه وسلم حداداً يعمل سابغات ويقدر في السرد، وكان زكريا صلى الله عليه وسلم نجاراً كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عيسى عليه الصلاة والسلام طبيباً بإذن الله يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، إلى غير ذلك من الأعمال، فكلهم كانوا يمتهنون، والسلف الصالح كانوا يعملون نظام الحمالة في الأسواق، فـأبو مسعود عقبة بن عمرو البدري يقول: (لما نزلت آية الصدقة كنا نذهب إلى الأسواق نحامل على ظهورنا، فنأتي بالمال ونتصدق به)، وكان سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى تاجراً يتاجر في الزيت، كلهم كان يمتهن مهنة ويأكل من عمل أيديهم من الحلال.
وكان بعضهم له أرض يكريها ويؤجرها كـرافع بن خديج، وكانت لهم مهن متعددة، وليس في شيء من ذلك عيب، إنما العيب مد اليد للناس: (فاليد العليا خير من اليد السفلى) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، والعيب امتهان مهنة حرام، ككتابة الربا وأكل الربا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن آكل الربا، وكاتبه، وموكله، وشاهديه)، لعن المصور صلى الله عليه وسلم، ونهى عن التجارة في أشياء بعينها كالتجارة بالأصنام، ونهى عن التجارة بالكلاب، وحرم ثمن الكلب، وثمن الدم صلى الله عليه وسلم.
وهكذا أيضاً قيل في الحج: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200]، إذا قضيتم المناسك وانتهيتم من أعمال الحج لا تظنوا أن الرب غاب عنكم، أو أنكم غبتم عنه وابتعدتم عن الرب، بل:إِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200].
كذلك بعد الانتهاء من الصيام: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].
كذلك دبر الصلوات، وبعد أن تنتهي من الصلاة، ويبوب العلماء لذلك: باب الذكر بعد الصلاة، وقد قال ابن عباس: (كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير)، وفي رواية أخرى: (إن رفع الصوت بالتكبير عند الانتهاء من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فكلما انتهيت من عبادة بعد أن تلبست بها لا تظن أنك فارقت الذكر، بل حث ربنا على الذكر في كل المواطن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45] تبدأ عملك باسم الله، أنت الشافي يا رب! أنت المعين يا رب! تدعو الله عز وجل، تجعل ذكر الله دائماً لك على بال، لا تفارق الذكر، فإنك مهما كنت معتصماً بالذكر فشيطانك مهزوم، وتعلوه سياط التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، أما إذا غفلت نشط عليك الشيطان وتمكّن منك، فقد وصفه الله سبحانه وتعالى بالخناس في قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ ) * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:1-4] يخنس: أي: يختفي عند ذكر الله سبحانه وتعالى.
وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10] فأفادت الآية أن ذكر الله كثيراً يجلب لك الفلاح، والفلاح: هو الفوز بالمطلوب والفرار من المرهوب.
وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا [الجمعة:10-11] لِم لم يقل: وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليهما؟
فالإجابة على هذا كالإجابة على قوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] ولم يقل: وإنهما.
وكذلك قوله تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا [النساء:112] ولم يقل: ثم يرم بهما بريئاً.
وكذلك قوله تعالى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ [التوبة:62] ولم يقل: والله ورسوله أحق أن يرضوهما.
وكذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا [التوبة:34] ولم يقل: ولا ينفقونهما، وكذلك قوله تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [المؤمنون:50] ولم يقل: آيتين، إلى غير ذلك.
فقال العلماء: اجتزئ بأحدهما لدلالته على الآخر، كما قال تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل:81] أي: وتقيكم أيضاً البرد، وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ [النحل:81] فالسرابيل تقي الحر كما أنها تقي أيضاً من البرد، فحذف البرد لدلالة الحر عليه، وكذلك تقدم في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء:1] أي: ونساء كثيراً، حذفت كثيراً لدلالة السياق عليها، والله أعلم.
نزلت هذه الآية -كما في الصحيحين وغيرهما- بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب وأصحابه معه في المسجد، وكانوا في حال من القلة -قلة المال والطعام- فسمعوا بعيرٍ قد قدمت من الشام، ومن العلماء من ذكر أن الذي كان قادماً بالعير هو عبد الله بن سلام ، ومنهم من قال أقوالاً أخر.
والعير لها جلبة وهي آتية.. أصوات وصبيان ينادون: التجارة وصلت والبضاعة جاءت .. إلى آخر هذه الضجة التي تصاحب التجار، وإلى غير ذلك من الصخب الذي هو معهود من أهل الأسواق، فخرج المصلون من عند رسول الله وتركوا الخطبة، وذهبوا إلى التجارة، وبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً، فهذا يفيدك إفادة أن الصحابة رضي الله عنهم بشر، يجري عليهم ما يجري على البشر، فإذا كان الصحابة رضي الله عنهم بشر، فالملتحون أيضاً بشر، والسنيون أيضاً بشر، إذا كان الصحابة رضي الله عنهم صدر من بعضهم أشياء فأولى ثم أولى أن تصدر من السنيين، فلا تستغرب إذا قيل: إن هناك سنياً سارقاً، وردت أشياء مثل ذلك على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: قطعت يد المخزومية.. رجل من الصحابة رضي الله عنهم أقسم يميناً كاذبة.. امرأة على عهد الرسول اتهمها زوجها بالزنا وتلاعنا عند الرسول عليه الصلاة والسلام، وكل أقسم أربعة أيمان، والنبي صلى الله عليه وسلم يقف يذكر بالله، والمذكر هو رسول الله! سيد ولد آدم! والزوج وزوجته معاً أمام رسول الله وأمام المسلمين، والرسول يقول لهما: (الله يعلم أن أحدكما كاذب)، مؤكد يقيناً أن أحدهما كاذب، (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب؟)، ولم يتنبها لهذه المسألة، وأقسما، فإذا كان هذا هو شأن خير القرون، إذاً نحن من باب أولى لسنا بمعصومين، ولذلك إذا قال ربنا سبحانه في شأن أهل الإيمان: لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا [الزمر:35]، فدليل على أنهم عملوا أعمالاً سيئة، لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [الفتح:5] وهذا واضح.
فالشاهد: عند مناقشتك للأشياء أو عند إصلاحك بين الناس لا تجعل للحية مرتبة لا تنخرم، لا بل هم بشر، والمسلمون كلهم بشر يجري عليهم ما يجري على البشر.
أصحاب رسول الله رأوا تجارة أو لهواً وانفضوا إليها وتركوا الرسول يخطب، لا أظن أن هناك من هو أحسن خطبة من رسول الله أبداً بحال من الأحوال عليه الصلاة والسلام، كلهم خرجوا، وما بقي إلا اثنا عشر رجلاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة:11]، قال عليه الصلاة والسلام في بعض الروايات: (لو انفضوا جميعاً لسال بهم الوادي ناراً).
ومنهم من أجاز له الجلوس لعلة، كأن يكون به مرض أو نحو ذلك؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام رخص لمن هو أشد من الخطيب تلبساً بالعبادة وهو المصلي أن يصلي جالساً إذا لم يستطع الصلاة قائماً، لكن لا يتجه إلى الصلاة جالساً إلا لعذر عدم القيام، فأخذ العلماء من قوله: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة:11] مشروعية قيام الخطيب وهو يخطب خطبة الجمعة.
قال بعض العلماء: إن الجمعة لا تنعقد إلا باثني عشر رجلاً؛ لأن الرسول ما ثبت معه إلا اثنا عشر رجلاً، وهذا القول في الحقيقة قول غير جيد؛ لأنه هب أنه لم يبق مع الرسول إلا ثلاثة، هل معنى ذلك أن الجمعة لا تنعقد إلا بالثلاثة أو أن الرسول كان يترك صلاة الجمعة؟ فهذا محل نظر.
نفس هذا النظر يرد في الأيام التي تقصر فيها الصلاة، فبعض العلماء يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم سافر تسعة عشر يوماً يقصر فيها الصلاة، فإذا سافرنا تسعة عشر يوماً قصرنا، وإذا زدنا أتممنا، فنفس الإجابة ترد عليه، وما أدراك أن الرسول كان إذا زاد سيتم؟ من الذي أعلمك أن الرسول لو كان زاد وسافر خمسين يوماً كان سيتم؟ فالتحديد بتسعة عشر يوماً في الأيام التي تقصر فيها الصلاة أو باثني عشر رجلاً لانعقاد الجمعة محل نظر؛ إذ هو ليس بنص عن رسول الله، وليس بصريح حتى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والذي رآه كثير من أهل العلم أن الجمعة تنعقد بما تنعقد به الجماعة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة:11] أي: قائماً تخطب.
قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الجمعة:11].
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: حائض أو ليست بحائض فالطلقة واقعة، وهذا رأي الجماهير من العلماء، ورأي الأئمة الأربعة، صحيح أن الذي يطلق امرأته في أثناء حيضتها مخالف للسنة، لكن مع مخالفته الطلقة أيضاً واقعة، فمخالف السنة لا يكرم ويقال له: طلقتك ليست واقعة، بل يقال له: طلقتك واقعة، وإذا طلقتها عند الطهر واقعة أيضاً لرأي الجمهور؛ لأن ابن عمر قال: (حسبت علي تطليقة)، هذه واحدة. والثانية: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (مروه فليراجعها) ولا مراجعة إلا بعد وقوع، وقد قدمنا الكلام على هذا باستفاضة، ولكن أكرر التنبيه على الوهم الذي وهم فيه العلامة ابن القيم رحمه الله تبعاً لـأبي محمد بن حزم رحمه الله تعالى، فهو وهم نشأ عن اختصار مخل أفسد الاختصار.
مما استدل به القائلون بأن طلاق المرأة في حيضتها لا يقع:
ما ورد عن ابن عمر أنه سئل عن طلاق المرأة وهي حائض أيعتد بتلك؟ فقال: (لا يعتد بتلك) هكذا روي الأثر مختصراً عند ابن حزم بهذا اللفظ: (لم يعتد بتلك)، والأثر لما وقفنا عليه مطولاً عند ابن أبي شيبة وغيره، وفيه: (سئل ابن عمر عن رجل طلق امرأته وهي حائض أيعتد بتلك الحيضة؟) يعني: يعتد بتلك الحيضة كقرء من الأقراء وتحسب كما في قوله: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] فهو سأل: هل يعتد بتلك الحيضة من زمن التطليقات أم لا؟ فقال: (لا يعتد بتلك)، أي: لا يعتد بالحيضة التي طلقت فيها المرأة، وهذا إشكال! لما اختصر المتن، وقع ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في هذا الوهم؛ لأنه قد شنع بهذه الرواية تشنيعاً غير مقبول؛ لما سمعتموه من أن دلالة السياق المختصرة أخلت بالمعنى إخلالاً كبيراً.
فنقول للرجل:
أشهد شاهدي عدل أنك طلقت زوجتك مرة وراجعتها.
الجواب: على رأي فريق من أهل العلم أنك تقصر الصلاة إذا كان مرد السفر إلى العرف، فكل ما يسمى سفر عند فريق من أهل العلم تقصر فيه الصلاة.
ما أعرف عنه شيئاً، ولم أسمع عنه إلا الآن.
الجواب: الكوارع حلال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو دعيت إلى كراع لقبلت، ولو أهدي إلي ذراع لأكلت) وقال: (لا تحقرن جارة جارتها ولو فرسن شاة) والفرسن يطلق على الحافر عند بعض العلماء.
الجواب: كلما أذنبت فارجع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما: (أذنب عبد ذنباً فقال يا رب! أذنبت ذنباً فاغفره لي، قال الله سبحانه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنباً فقال: يا رب! أذنبت ذنباً فاغفره لي، فقال الله سبحانه : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ثلاثاً وفي الآخرة قال: فليعمل عبدي ما شاء) أي: ليس معناه إباحة المعصية كما قدمنا، ولكن إذا أذنبت فاستغفر.
الجواب: مسألة الغناء فيها تفصيل لابد منه، فليس كل غناء محرم، وليس كل غناء مباح.
فلا يشك عاقل أن الغناء الذي يهيج على الفواحش ويثير الكامن محرم؛ لأنه من الفساد والله لا يحب الفساد.
والغناء الذي في الأفراح، والذي ليس فيه مخالفات للشرع حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ماذا كان معكم من اللهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو ).
الجواب: تأخذ الثواب كاملاً إذا كانت لا تستطيع القيام، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم).
الجواب: لا تنقض الوضوء.
وهل هي محرمة الاستعمال في التطيب كحرمتها في الشرب؟
هي عندنا مكروهة لا تصل إلى التحريم؛ لأن إجراءها مجرى الخمر قولاً واحداً لا نطيقه ولا نتحمله.
الجواب: نعم يجوز، صل سنة الظهر تسقط عنك تحية المسجد، فإن الرسول ما قال: صلوا ركعتين تحية المسجد، وإنما قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين)، فكانت الركعتان سنة الوضوء، وسنة الظهر، أي ركعتين.
الجواب: العوض ليس بحرام ولا بمكروه، فالديات شرعها الله سبحانه، وسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، الديات قال الله سبحانه: وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92]، صحيح أن الأفضل الترك: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45]، وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92]، لكن إذا قبلت تعويضاً من شخص أخطأ في مالك، مثلاً: لو كنت تمشي بسيارتك في طريقك مستقيماً وجاء شخص مخالف بسيارة، فسبب لك فساداً، ليس هناك أدنى حرج أن تأخذ منه قيمة التلف الذي حدث، إذا كنت أنت لا تقبل العوض أنت حر، لكن هي جائزة لا إشكال فيها، صحيح أن تركها أفضل وأكمل، لكن هي ليست بمكروهة.
الجواب: ليس عليها أي شيء، لأنها ما أطالت المكث بعد الوداع، فالعلماء يرخصون في ساعة وساعتين وثلاث ساعات، إذا كنت في طريقك خارجاً من مكة، وعلى ذلك فليس عليها أي شيء.
الجواب: أما الوجوب فلا يجب، لكن الاستحباب أن يسمى بهذه الأسماء المباركة: عبد الله، وعبد الرحمن، وإبراهيم، ومحمد، وأحمد، يعني: يكون في البيت اسم من هذه الأسماء الطيبة.
الجواب: لابد أن تداومي على الصلاة، وتسألي الله العون على الصلاة، وتقولي: رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وتختلطي بالصالحات اللاتي يذكرنك بالله سبحانه وتعالى، وفي الكذب تتذكري قوله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وما زال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).
الجواب: الأصل أنها لا تمتنع، فإذا جاء شيء فوق طاقتها فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، إذا كانت لا تطيق فحينئذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وتكون معذورة.
الجواب: طلب الدعاء من الصالحين مستحب خلافاً لمن كرهه، أما الدليل على استحبابه فقول عمر (استغفر لي يا أويس!)، وكذلك ورد في حديث فيه ضعف: (يا أخي! أشركنا في دعائك) قاله الرسول لـعمر ، لكن في إسناده ضعف، ثم قول أم الدرداء لرجل مسافر: (ادع لنا فإني سمعت الرسول يقول: (دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجاب، عند رأسه ملك موكل يقول: آمين ولك بمثل ).
الجواب: هو أصلاً يخاطب بالصيام، إذا لم يستطع الصيام يكفر، ثم إذا ما استطاع أن يكفر يكفر عنه غيره وانتهى الأمر.
الجواب: ضعيف.
الجواب: ضعيف.
الجواب: نزع الشخص من الصف والوقوف مكانه، أو نزع الشخص من الصف للوقوف معه أجازه بعض العلماء لحديث أبي بن كعب في سنن النسائي بسند صحيح من حديث قيس بن عباد قال: (كنت أصلي في الصف الأول، فجاء رجل فجذبني من الصف ووقف مكاني -يعني
الشاهد: أن أبياً جذب الشخص ووقف مكانه، فهذا دليل مستند يدل على الجواز.
الجواب: تستغفر الله وتفعل حسنات تضاهي شق الثياب، فشق الثياب كبيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب) والمراد بالجيوب فتحة الصدر في الثوب، فعليها أن تعمل عملاً صالحاً يوازي هذه الكبيرة، فتتصدق مثلاً لو هي ثرية فتخرج مائة جنيه، أو تصلي عدداً كبيراً من الركعات، أو تصوم أياماً تكفر به هذا الذنب الكبير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر